تفسير سورة الأنبياء

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿اقْترب للنَّاس حسابهم﴾ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ.
يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ بُعِثَ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ، وَقَدَّمَ رِجْلًا وَأَخَّرَ رِجْلًا، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرْ يَنْفُخْ؛ أَلَا فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ ". ﴿وَهُمْ فِي غَفلَة﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْآخِرَةِ ﴿مُعْرِضُونَ﴾ عَن الْقُرْآن
﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبهم مُحدث﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ، وَلَا تَقْبَلُهُ قُلُوبُهُمْ
﴿لاهية قُلُوبهم﴾ أَيْ: غَافِلَةً.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: اسْتَمَعُوهُ لَاعِبِينَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.
139
﴿وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا﴾ أَشْرَكُوا؛ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَسَرُّوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ﴿هَلْ هَذَا﴾ يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا ﴿إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفتأتون السحر﴾ يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ؛ أَيْ: تُصَدِّقُونَ بِهِ ﴿وَأَنْتُم تبصرون﴾ أَنَّهُ سِحْرٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا﴾ فِيهِ وَجْهَانِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الَّذين ظلمُوا) رَفْعًا عَلَى مَعْنَى: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا.
140
﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فاسألوهم إِن كَانُوا ينطقون﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ هَذِهِ الْمَكِيدَةُ
152
﴿قَلَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ﴾ السِّرَّ ﴿فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾.
﴿بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام﴾ أَيْ: أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ؛ يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ ﴿بل افتراه﴾ يَعْنُونَ: مُحَمَّدًا ﴿بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾ كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى؛ فِيمَا يزْعم مُحَمَّد.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٦ آيَة ١٠).
﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ﴾ أَيْ: أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَسَأَلُوهُ الْآيَةَ فَجَاءَتْهُمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ؛ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ؛ أَيْ: لَا يُؤمنُونَ إِن جَاءَتْهُم.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴿إِنْ كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ وهم لَا يعلمُونَ
﴿وَمَا جعلناهم جسدا﴾ يَعْنِي: النَّبِيِّينَ ﴿لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ أَيْ: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ؛ قَالَ هَذَا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ ﴿مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام﴾. ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدين﴾ فِي الدُّنْيَا لَا يَمُوتُونَ.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: ﴿جسدا﴾ هُوَ وَاحِد يُنْبِئُ عَنْ جَمَاعَةٍ؛ الْمَعْنَى: وَمَا جَعَلْنَا الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ ذَوِي أَجْسَادٍ لَا تَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا تَمُوتُ؛ فنجعله كَذَلِك.
﴿ثمَّ صدقناهم الْوَعْد﴾ كَانَتِ الرُّسُلُ تُحَذِّرُ قَوْمَهَا عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا صَدَقَ اللَّهُ رُسُلَهُ الْوَعْدَ، فَأَنْزَلَ الْعَذَابَ عَلَى قَوْمِهِمْ.
قَالَ: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمن نشَاء﴾ يَعْنِي: النَّبِي وَالْمُؤمنِينَ ﴿وأهلكنا المسرفين﴾ الْمُشْركين.
﴿لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا﴾ الْقُرْآن ﴿فِيهِ ذكركُمْ﴾ فِيهِ شَرَفُكُمْ يَعْنِي: قُرَيْشًا لِمَنْ آمن بِهِ ﴿أَفلا تعقلون﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ١١ آيَة ١٨).
(﴿وَكم قصمنا﴾ أَهْلَكْنَا ﴿مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ مُشركَة) يَعْنِي: أَهلهَا ﴿وأنشأنا﴾ خلقنَا.
﴿فَلَمَّا أحسوا بأسنا﴾ رَأَوْا عَذَابَنَا؛ يَعْنِي: قَبْلَ أَنْ يهْلكُوا ﴿إِذا هم مِنْهَا﴾ من الْقرْيَة ﴿يركضون﴾ يفرون،
قَالَ الله: ﴿لَا تركضوا﴾ لَا تَفِرُّوا. ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ﴾ أَيْ: إِلَى دُنْيَاكُمُ الَّتِي أُتْرِفْتُمْ فِيهَا ﴿ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون﴾ مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا؛ أَيْ: لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ؛ يُقَالُ لَهُمْ هَذَا اسْتِهْزَاءٌ بهم.
﴿قَالُوا يَا ويلنا﴾ وَهَذَا حِينَ جَاءَهُمُ الْعَذَابَ ﴿إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ قَالَ الله:
﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم﴾ أَيْ: فَمَا زَالَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ؛ يَعْنِي: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾. ﴿حَتَّى جعلناهم حصيدا خامدين﴾ أَي: قد هَلَكُوا وَسَكنُوا.
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَينهمَا لاعبين﴾ أَي: إِنَّمَا خلقناهما (ل ٢١٤) للبعث والحساب، وَالْجنَّة وَالنَّار
﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ قَالَ الْحَسَنُ: اللَّهْوُ [الْمَرْأَةُ] بِلِسَانِ الْيمن ﴿لاتخذناه من لدنا﴾ أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا ﴿إِنْ كُنَّا فاعلين﴾ أَيْ: وَمَا كُنَّا فَاعِلِينَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ
142
بَنَات الله
143
﴿بل نقذف بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿على الْبَاطِل﴾ يَعْنِي: (الشّرك) ﴿فيذمغه فَإِذا هُوَ زاهق﴾ ذَاهِبٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ أَيْ: يَكْسِرُهُ، وَأَصْلُ هَذَا إِصَابَةُ الرَّأْسِ وَالدِّمَاغِ بِالضَّرْبِ، وَهُوَ مُقْتِلٌ. ﴿وَلكم الويل﴾ الْعَذَاب ﴿مِمَّا تصفون﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَات الله.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ١٩ آيَة ٢٨).
﴿وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده﴾ يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ. ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يستحسرون﴾ أَي: يعيون.
﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هم ينشرون﴾ أَيْ: يُحْيُونَ الْمَوْتَى؛ (هَذَا عَلَى الِاسْتِفْهَام؛ أَي: أَنهم قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا يُحْيُونَ الْمَوْتَى).
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: أَنْشَرَ الله الْمَوْتَى فنشروا.
﴿لَو كَانَ فيهمَا﴾ يَعْنِي: فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿آلِهَةٌ إِلَّا الله﴾ غير الله ﴿لفسدتا﴾ لَهَلَكَتَا ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ﴾ ينزه نَفسه ﴿عَمَّا يصفونَ﴾ يَقُولُونَ:
﴿لَا يسْأَل عَمَّا يفعل﴾ بعباده ﴿وهم يسْأَلُون﴾ وَالْعِبَادُ يَسَأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ أَعْمَالِهِمْ
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلُوا، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ، وَأَشْبَاهُهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى معرفَة. ﴿قل هاتوا برهانكم﴾ يَعْنِي: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً؛ أَيْ: لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ. ﴿هَذَا ذِكْرُ من معي﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿وَذِكْرُ من قبلي﴾ يَعْنِي أَخْبَارَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَعْمَالُهُمْ؛ لَيْسَ فِيهَا اتِّخَاذ آلِهَةً دُونَ اللَّهِ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ يَعْنِي: جَمَاعَتُهُمْ ﴿لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فهم معرضون﴾ عَن الْحق.
﴿وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: قَالَتِ اليَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ صَاهَرَ إِلَى الْجِنِّ، فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا ﴿بَلْ عباد مكرمون﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ هُمْ كِرَامٌ عَلَى الله
﴿لَا يسبقونه بالْقَوْل﴾ فَيَقُولُونَ شَيْئًا لَمْ يَقْبَلُوهُ عَنِ الله
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلفهم﴾ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: يَعْلَمُ مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ، وَمَا كَانَ بعد خلقهمْ (وَلَا
144
يشعفون إِلَّا لمن ارتضى} أَي: لمن رَضِي.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٢٩ آيَة ٣٥).
145
﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ من دونه﴾ الْآيَة، قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ فِي إِبْلِيسَ خَاصَّةً لَمَّا دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يَقُلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِنْ قَالَهُ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ.
﴿أَو لم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا﴾ [قَالَ السُّدِّيُّ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ] قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مُلْتَزِقَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى ﴿ففتقناهما﴾ يَقُولُ: فَوَضَعَ الْأَرْضَ، وَرَفَعَ السَّمَاءَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿كَانَتَا رَتْقًا﴾ لِأَنَّ السَّمَوَاتِ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالسَّمَاءِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ، وَمَعْنَى (رتقا) أَيْ: شَيْئًا وَاحِدًا
145
مُلْتَحِمًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ. ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ﴾ أَيْ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَإِنَّمَا خلق من المَاء.
146
﴿وَجَعَلنَا فِي الأَرْض رواسي﴾ يَعْنِي: الْجِبَالَ ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ لِئَلَّا تَحَرَّكَ بِهِمْ ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فجاجا سبلا﴾ يَعْنِي: أَعْلَامًا طَرِقًا ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لكَي يهتدوا الطّرق
﴿وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفا﴾ على من تحتهَا ﴿مَحْفُوظًا﴾ يَعْنِي: مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. ﴿وهم عَن آياتها معرضون﴾ أَي: لَا يتفكرون فِيهَا يَرَوْنَ؛ فَيَعْرِفُونَ أَنَّ لَهُمْ مَعَادًا فيؤمنون.
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون﴾ أَي: يجرونَ، تفسيرالحسن: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ فَلَكَةِ الْمِغْزَلِ تَدُورُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُلْتَزِقَةٌ بِالسَّمَاءِ لَمْ تَجْرِ.
﴿أفأين مت فهم الخالدون﴾ على (ل ٢١٥) الِاسْتِفْهَامِ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ؟ أَيْ: لَا يخلدُونَ.
﴿وتبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر﴾ يَعْنِي: الشدَّة والرخاء ﴿فتْنَة﴾ أَي: اختبارا.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٣٦ آيَة ٤٠).
﴿وَإِذا رآك الَّذين كفرُوا﴾ يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ أَيْ: يَعِيبُهَا وَيَشْتِمُهَا، يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾.
﴿خلق الْإِنْسَان من عجل﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: خُلِقَ عَجُولًا.
قَالَ اللَّهُ: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مِنَ الْعَذَابِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ وَتَكْذِيبًا.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُم صَادِقين﴾ هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ؛ مَتَى هَذَا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أَمر الْقِيَامَة؟!
قَالَ اللَّهُ: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوههم النَّار﴾ الْآيَةُ (وَفِيهَا تَقْدِيمٌ؛ أَيْ: أَنَّ الْوَعْد الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا هُوَ يَوْمُ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) ﴿وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هم ينْصرُونَ﴾ لَو يعلم الَّذين كفرُوا
﴿بل تأتيهم بَغْتَة﴾ يَعْنِي: الْقِيَامَة ﴿فتبهتهم﴾ أَيْ: تُحَيِّرُهُمْ ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هم ينظرُونَ﴾ يؤخرون.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٤١ آيَة ٤٤).
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فحاق بالذين سخروا مِنْهُم﴾ أَيْ: كَذَّبُوهُمْ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِمْ ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزءون﴾ يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ.
﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ من الرَّحْمَن﴾ أَيْ: هُمْ مِنَ الرَّحْمَنِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمر الله﴾ أَيْ: هُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهُمْ مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ لِبَنِي آدَمَ ولأعمالهم، وَقد مضى تَفْسِيره.
﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُوننَا﴾ أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: لَا تَمْنَعُهُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ عَذَابَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تُعَذَّبُ الشَّيَاطِينُ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَلَا تُعَذَّبُ الْأَصْنَامُ. ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ يَقُولُ: لَا تَسْتَطِيعُ تِلْكَ الْأَصْنَامُ نَصْرَ أَنْفُسِهَا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهَا ﴿وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ: وَلَا مَنْ عَبدهَا منا يجارون.
﴿بل متعنَا هَؤُلَاءِ﴾ يَعْنِي: قُرَيْشًا ﴿وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِم الْعُمر﴾ لم يَأْتهمْ رَسُول حَتَّى جَاءَهُم مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ ننقصها من أطرافها﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كُلَّمَا بُعِثَ إِلَى أَرْضٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا؛ أَيْ: يَنْقُصُهَا بِالظُّهُورِ عَلَيْهَا أَرْضًا فَأَرْضًا ﴿أَفَهُمُ الغالبون﴾ أَيْ: لَيْسُوا بِالْغَالِبِينَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ الله هُوَ الْغَالِب.
148
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٤٥ آيَة ٥٠).
149
﴿قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي﴾ بِالْقُرْآنِ، أُنْذِرُكُمْ بِهِ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْآخِرَةِ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿وَلا يسمع الصم الدُّعَاء﴾ يَعْنِي: النِّدَاءَ ﴿إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ والصم هَاهُنَا: الْكفَّار؛ صموا عَن الْهدى
﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبك﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: عُقُوبَةً.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْأُولَى الَّتِي يُهَلْكُ بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأمة.
﴿وَنَضَع الموازين الْقسْط﴾ (يَعْنِي: الْعَدْلَ) ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تظلم نفس شَيْئا﴾ لَا تُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهَا ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة﴾ أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ ﴿مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَعْلَمُ حِسَابَ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُحَاسِبُ الْعِبَادَ إِلَّا هُوَ.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وفُرْقَانُهَا أَنَّهُ فَرَّقَ فِيهَا حلالها وحرامها.
﴿الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ﴾ أَيْ: يَذْكَرُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ذَنْبَهُ فِي الْخَلَاءِ؛
149
فَيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهُ. ﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَة مشفقون﴾ خَائِفُونَ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
150
﴿وَهَذَا ذكر مبارك﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ. ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ يَعْنِي: قد أنكرتموه.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٥١ آيَة ٥٧).
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قبل﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّةَ ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ أَنَّهُ سَيُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ.
﴿مَا هَذِه التماثيل﴾ يَعْنِي: الْأَصْنَامَ ﴿الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عاكفون﴾ (ل ٢١٦) مقيمون على عبادتها.
دون تفسير
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ من اللاعبين﴾ يَعْنِي: الْمُسْتَهْزِئِينَ.
﴿الَّذِي فطرهن﴾ خَلَقَهُنَّ ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدين﴾ أَنه ربكُم
﴿وتالله لأكيدن أصنامكم﴾ الْآيَةُ.
قَالَ قَتَادَةُ: [نَرَى] أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ اسْتَدْعَاهُ قَوْمُهُ إِلَى عِيدٍ لَهُمْ؛ فَأبى وَقَالَ: ﴿إِنِّي سقيم﴾ اعْتَلَّ لَهُمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لما ولوا: ﴿تالله لأكيدن أصنامكم﴾ الْآيَة.
150
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٥٨ آيَة ٦٨).
151
﴿فجعلهم جذاذا﴾ أَيْ: قِطَعًا؛ قَطَعَ أَيْدِيَهَا وَأَرْجُلَهَا، وَفَقَأَ أَعْيُنَهَا، وَنَجَرَ وُجُوْهَهَا ﴿إِلا كَبِيرا لَهُم﴾ لِلْآلِهَةِ؛ يَعْنِي: أَعْظَمَهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَوْثَقَ الْفَأْسَ فِي [يَدِ] كَبِيرِ تِلْكَ الْأَصْنَامِ؛ كَادَهُمْ بِذَلِكَ ﴿لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ﴾ أَي: يبصرون فيؤمنون.
فَلَمَّا رَجَعُوا رَأُوا مَا صُنِعَ بِأَصْنَامِهِمْ ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا﴾
﴿قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم﴾ أَيْ: يَعِيبُهُمْ ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (إِبْرَاهِيم) رُفِعَ بِمَعْنَى يُقَالُ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَوِ الْمَعْرُوفُ بِهِ إِبْرَاهِيمُ.
﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاس لَعَلَّهُم يشْهدُونَ﴾ أَنَّهُ كَسَرَهَا، قَالَ قَتَادَةُ:
151
كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَجَاءُوا بِهِ فَقَالُوا: ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾.
152
﴿ قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم( ٦٢ ) ﴾.
﴿ قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون( ٦٢ ) ﴾ قال قتادة : وهي هذه المكيدة١.
١ رواه الطبري (٩/٣٩)، (٢٤٦٤١)..
﴿ثمَّ نكثوا على رُءُوسهم﴾ أَيْ: خَزَايَا قَدْ حَجَّهُمْ؛ فَقَالُوا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾.
﴿أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دون الله﴾.
قَالَ مُحَمَّد: (أُفٍّ) مَعْنَاهُ: التَّغْلِيظُ فِي الْقَوْلُ وَالتَبَرُّمُ، وَقِيلَ: إِنَّ أَصْلَهَا النَّتَنُ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَتنًا لكم.
﴿قَالُوا حرقوه﴾ الْآيَةُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: بلعني أَنَّهُمْ رَمُوا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ المنجنيق.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٦٩ ٧٣).
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسلَامًا﴾ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: سَلَامَةً مِنْ حَرِّ النَّارِ، وَمِنْ بَرْدِهَا. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ كَعْبًا قَالَ: مَا انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا
152
أحرقت مِنْهُ إِلَّا وثَاقه.
153
﴿وَأَرَادُوا بِهِ كيدا﴾ يَعْنِي: حَرْقُهُمْ إِيَّاهُ ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ﴾ فِي النَّارِ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَخَسِرُوا الْجنَّة
﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي باركنا فِيهَا﴾ يَعْنِي: الأَرْض المقدسة ﴿للْعَالمين﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: جَمِيعَ الْعَالَمِينَ
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ قَالَ الْحسن: أَي: عَطِيَّة.
﴿وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ يُهْتَدَى بِهِمْ فِي أَمر الله.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٧٤ آيَة ٧٧).
﴿ولوطا آتيناه حكما وعلما﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّةَ ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تعْمل الْخَبَائِث﴾ يَعْنِي: أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الْخَبَائِثَ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسقين﴾ مُشْرِكين.
﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ﴾ وَهَذَا حِينَ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: نُجِّيَ مَعَ نَوْحٍ: امْرَأَته وَثَلَاثَة بَنِينَ لَهُ ونساءهم؛ وَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ يَعْنِي: الْغَرق.
قَالَ مُحَمَّد: (نوحًا) مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: اذْكُرْ نُوحًا، وَكَذَلِكَ دَاوُد وَسليمَان.
﴿ونصرناه﴾ يَعْنِي: نوحًا ﴿من الْقَوْم﴾ يَعْنِي: عَلَى الْقَوْمِ؛ فِي تَفْسِيرِ السّديّ.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٧٨ آيَة ٨٢).
﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ﴾ أَيْ: وَقَعَتْ فِيهِ ﴿غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْثِ اسْتَعَدَوْا عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ، فَنَظَرَ دَاوُدُ ثَمَنَ الْحَرْثِ، فَإِذَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَنِ الْغَنَمِ، فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِأَهْلِ الْحَرْثِ فَمَرُّوا بِسُلَيْمَانَ فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى فِيكُمْ (نَبِيُّ اللَّهِ)؟ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ لَهُمْ: [نِعْمَ] مَا قَضَى، وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقُ بِالْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَدَخَلَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى دَاوُدَ؛ فَأَخْبَرُوهُ فَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ لَمَا حَدَّثْتَنِي كَيْفَ رَأَيْتَ فِيمَا قَضَيْتُ؟ قَالَ: تَدْفَعُ الْغَنَمَ إِلَى أَهْلِ الْحَرْثِ، فَيَنْتَفِعُونَ بِلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا وَأَصْوَافِهَا عَامَهُمْ هَذَا، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَنْ يَزْرَعُوا لِأَهْلِ الْحَرْثِ مِثْلَ الَّذِي أَفْسَدَتْ غَنَمُهُمْ فَإِذَا
154
(بَلَغَ) مِثْلَهُ حِينَ أُفْسِدَ قَبَضُوا غَنَمَهُمْ؛ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: نِعْمَ الرَّأْي رَأَيْت.
(ل ٢١٧) ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطير﴾ كَانَتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ وَجَمِيعُ الطَّيْرِ تُسَبِّحُ مَعَ دَاوُدَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، ويفقه تسبيحها ﴿وَكُنَّا فاعلين﴾ أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ.
قَالَ مُحَمَّد: يجوز نصب (الطير) مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا عَلَى مَعْنَى: وَسَخَّرْنَا الطَّيْرَ، وَالْأُخْرَى عَلَى مَعْنَى: يسبحْنَ مَعَ الطير.
155
﴿وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم﴾ يَعْنِي: دُرُوعَ الْحَرْبِ ﴿لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بأسكم﴾ يَعْنِي: الْقِتَالَ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ قَبْلَ دَاوُدَ صَفَائِحَ، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَعَ هَذِهِ الْحِلَقَ وَسَمَّرَهَا: دَاوُدُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْرَأُ ﴿لِيُحَصِنَكُمْ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ؛ فَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَالْمَعْنَى: لِيُحَصِنَكُمُ اللَّبُوسُ، وَمِنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَكَأَنَّهُ عَلَى الصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّهَا أُنْثَى.
﴿ولسليمان الرّيح﴾ أَي: وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح ﴿عَاصِفَة﴾ لَا تُؤْذِيهِ ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا﴾ يَعْنِي: أَرض الشَّام.
﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ويعملون عملا دون ذَلِك﴾ (سِوَى ذَلِكَ) الْغَوْصِ، وَكَانُوا يَغُوصُونَ فِي الْبَحْرِ فَيُخْرِجُونَ لَهُ اللُّؤْلُؤَ، وَقَالَ فِي
155
آيَةٍ أُخْرَى: ﴿كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾. ﴿وَكُنَّا لَهُم حافظين﴾ حَفِظَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلَّا يَذْهَبُوا ويتركوه.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٨٣ آيَة ٨٦).
156
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مسني الضّر﴾ الْمَرَض ﴿وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ النَّاسُ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ابْتُلِيَ بِالَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ، فَدَعَا اللَّهَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَعْمَلْ حَسَنَةً فِي الْعَلَانِيَةِ إِلَّا عَمِلْتُ فِي السِّرِّ مَثْلَهَا؛ فَاكْشِفْ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فَوَقَعَ سَاجِدًا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِ فَرَاشَ الذَّهَبِ، فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ وَيَجْمَعُهُ ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم﴾ هَذَا مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ " ص " ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ أَيْ: أَنَّ الَّذِي كَانَ مِمَّنِ ابْتُلِي بِهِ أَيُوبُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَوَانِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِذَلِكَ، وَجَعَلَ ذَلِك عزاء للعابدين بعده.
فاستجاب الله له، فوقع ساجدا، وأمطر عليه فراش الذهب، فجعل يلتقطه ويجمعه ﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾١ هذا مفسر في سورة ( ص )٢ ﴿ رحمة من عندنا وذكرى للعابدين( ٨٤ ) ﴾ أي : أن الذي كان ممن ابتلي به أيوب لم يكن من هوانه على الله، ولكن الله أراد كرامته بذلك، وجعل ذلك عزاء للعابدين بعده.
١ في المخطوط (ووهبنا) والصواب ما أثبت حيث نص الآية الكريمة..
٢ آية رقم: (٤٣)..
﴿وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الكفل﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَنَّ ذَا الْكِفْلِ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا تَكَفَّلَ بِعَمَلِ رَجُلٍ صَالِحٍ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ
156
يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ؛ فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ تَكَفَّلَ لنَبِيٍّ أَنَّ يَقُومَ فِي قومه بعده بِالْعَدْلِ.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٨٧ آيَة ٩١).
157
﴿وَذَا النُّون﴾ يَعْنِي: يُونُسَ، قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: النُّونُ: الْحُوتُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الكفل﴾ مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى: وَاذْكُرْ، وَكَذَلِكَ قَوْله: ﴿وَذَا النُّونِ﴾. ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ [لِقَوْمِهِ]: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: أَنْ لَنْ نُعَاقِبَهُ بِمَا صَنَعَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَصْلُ الْكَلِمَةِ: الضِّيقُ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رزقه﴾ أَيْ: ضَيَّقَ، وَمِنْ هَذَا قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ وَمُقَتَّرٌ.
157
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَات﴾ يَعْنِي: فِي ظُلْمَةِ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ ﴿أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت﴾ الْآيَةُ.
يَحْيَى: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَعْوةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمين﴾ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ قَطٌّ فِي شَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ ".
158
وَتَفْسِيرُ قِصَّةِ يُونُسَ (مَذْكُورٌ) فِي سُورَة الصافات.
159
﴿وأصلحنا لَهُ زوجه﴾ قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ عَاقِرًا؛ فَجَعَلَهَا الله ولودا ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ مِنْهَا ﴿يحيي﴾. ﴿ويدعوننا رغبا﴾ أَي: طَمَعا ﴿ورهبا﴾ أَي: خوفًا.
﴿وَالَّتِي أحصنت فرجهَا﴾ جَيْبَ دِرْعِهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا من رُوحنَا﴾ تَنَاوَلَ جِبْرِيلُ بِأُصْبَعِهِ جَيْبَهَا فَنَفَخَ فِيهِ؛ فَسَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ ﴿وجعلناها وَابْنهَا آيَة للْعَالمين﴾ يَعْنِي: أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رجل.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٩٢ آيَة ٩٥).
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: دِينَكُمْ دِينًا وَاحِدًا.
159
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ بِالرَّفْع، وَنصب (أمة وَاحِدَة) فأمتكم رفع خبر (هَذِه)، وَنصب (أمة) لِمَجِيءِ النَّكِرَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ؛ هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة.
160
﴿وتقطعوا أَمرهم بَينهم﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ؛ أَيْ: فَرَّقُوا دِينَهُمُ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، يَعْنِي: الْإِسْلَام [فَدَخَلُوا فِي] غَيره.
﴿فَلَا كفران لسعيه﴾ لعمله ﴿وَإِنَّا لَهُ كاتبون﴾ نحسب حَسَنَاته (ل ٢١٨) حَتَّى يجزى بهَا الْجَنَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: غُفْرَانَكَ لَاكُفْرَانَكَ؛ الْمَعْنَى: لَا نَجْحَدُ.
﴿وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها﴾ أَيْ: وَاجِبٌ عَلَيْهَا ﴿أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: [الْمَعْنَى] أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ، وَلَا يَرْجِعُونَ عَنْ كُفْرِهِمْ.
وتقرأ أَيْضا ﴿وَحرم عَلَى قَرْيَةٍ﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: حِرُمَ وَحَرَامٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ أَيْ: وَاجِبٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
160
(فَإِنَّ حَرَامًا لَا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيًا عَلَى شَجْوَةٍ إِلَّا بَكَيْتُ على عَمْرو)
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ٩٦ آيَة ١٠٠).
161
قَوْله: ﴿حَتَّى إِذا فتحت﴾ أَيْ: أُرْسِلَتْ ﴿يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ من كل حدب يَنْسلونَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ يَخْرُجُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: النَّسَلَانِ فِي اللُّغَةِ: مُقَارَبَةُ الْخَطْوِ مَعَ الْإِسْرَاع.
﴿واقترب الْوَعْد الْحق﴾ يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ ﴿فَإِذَا هِيَ شاخصة أبصار الَّذين كفرُوا﴾ إِلَى إِجَابَةِ الدَّاعِي. ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ يَقُولُونَ: يَا وَيْلَنَا ﴿قَدْ كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا﴾ يَعْنُونَ: تَكْذِيبَهُمْ بِالسَّاعَةِ ﴿بَلْ كُنَّا ظالمين﴾ لأنفسنا
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ؛ لِأَنَّهُمْ بِعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ عَابِدُونَ لِلشَّيَاطِينِ ﴿حَصَبُ جَهَنَّم﴾ أَيْ: يُرْمَى بِهِمْ فِيهَا.
161
قَالَ مُحَمَّد: ﴿حصب جَهَنَّم﴾ مَا أُلْقِي فِيهَا؛ تَقُولُ: حَصَبْتُ فُلَانًا حَصْبًا بِتَسْكِينِ الصَّادِ؛ أَيْ: رَمَيْتُهُ، وَمَا رَمَيْتَ فَهُوَ حَصَبٌ. ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها﴾ (يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ) ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ العابدون والمعبودون
162
﴿ لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ﴾ ( يعني : الشياطين ) ﴿ وكل فيها خالدون( ٩٩ ) ﴾ العابدون والمعبودون.
﴿لَهُم فِيهَا زفير﴾ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُ الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ ﴿وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا بَقَى فِي النَّارِ مَنْ يَخْلُدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ فِيهَا مَسَامِيرٌ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتِ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، ثُمَّ جُعِلَتْ تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ؛ فَلا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ غَيْرَهَمْ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يسمعُونَ﴾.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ١٠١ آيَة ١٠٤).
﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحسنى﴾ يَعْنِي: الْجنَّة ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا﴾ (يَعْنِي: النَّار) ﴿مبعدون﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام مُقَابِلَ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ فَوَجِدَ مِنْهَا
162
أَهْلُ مَكَّةَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقَالَ ابْنُ الزِّبْعَرَى: يَا مُحَمَّدُ؛ أَرَأَيْتَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأْتَ آنِفًا أَفِينَا وَهِي آلِهَتِنَا خَاصَّةً، أَمْ فِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا؛ بَلْ فِيكُمْ وَفِي آلِهَتِكُمْ وَفِي الْأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ. فَقَالَ: خَصَمْتُكَ وَالْكَعْبَةِ؛ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَإِنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةِ، أَفَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَلِهَتِنَا فِي النَّارِ؟! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَلَجُّوا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَوَابَ قَوْلِهِمْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون﴾ يَعْنِي: عُزَيْرًا وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة
163
﴿لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا﴾ يَعْنِي: صَوْتَهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْفَزَعُ الْأَكْبَر﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ ﴿وتتلقاهم الْمَلَائِكَة﴾ قَالَ الْحَسَنُ: تَتَلَقَّاهُمُ بِالْبِشَارَةِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَتَقُولُ: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
إلى قوله :﴿ الفزع الأكبر ﴾ قال الحسن : يعني : النفخة الآخرة ﴿ وتتلقاهم الملائكة ﴾ قال الحسن : تتلقاهم بالبشارة حين يخرجون من قبورهم، وتقول :﴿ هذا يومكم الذي كنتم توعدون( ١٠٢ ) ﴾.
﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ فِيهَا الْكِتَابُ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أول خلق نعيده﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْعَثَ الْمُوْتَى، عَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ نُطَفًا ثُمَّ عِلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظَامًا ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمُ الرُّوحَ، فَكَذَلِكَ بَدَأَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُرْسِلُ اللَّهَ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ؛ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثرى.
163
﴿وَعدا علينا﴾ (يَعْنِي: الْبِدْءَ) ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ أَيْ: نَحْنُ فَاعِلُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿وَعدا﴾ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ بِمَعْنَى: وَعَدْنَاهُمْ [هَذَا] وَعدا.
سُورَة الْأَنْبِيَاء من (آيَة ١٠٥ آيَة ١١٢).
164
﴿وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْكُتُبَ: التَّوْرَاةَ والْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ ﴿مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ يَعْنِي: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ ﴿أَنَّ الأَرْضَ﴾ يَعْنِي: أَرْضَ الْجَنَّةِ ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون﴾
﴿إِن فِي هَذَا﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿لبلاغا﴾ إِلَى الْجنَّة ﴿لقوم عابدين﴾ الَّذين يصلونَ [الصَّلَوَات الْخمس]
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (ل ٢١٩) تَفْسِير سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ تَمَّتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ؛ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ.
164
قَالَ يَحْيَى: [إِلَّا أَنَّ] تَفْسِيرَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالِاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يَكُونُ هلاكهم بعد هَذَا.
165
﴿فَقل آذنتكم على سَوَاء﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: مَنْ كَذَّبَ بِي فَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ؛ أَيْ: جِهَادُكُمْ كُلُّكُمْ عِنْدِي سَوَاءٌ.
قَالَ مُحَمَّد: وَمعنى (آذنتكم): أَعْلَمْتُكُمْ. ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بعيد مَا توعدون﴾ يَعْنِي: السَّاعَة
﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ﴾ تَفْسِير الْحسن يَقُول: وَإِن أَدْرِي لَعَلَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ زائل ﴿فتْنَة﴾ بلية لكم ﴿ومتاع﴾ تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿إِلَى حِين﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: إِلَى الْمَوْتِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَعْنَى (وَإِنْ أَدْرِي): وَمَا أَدْرِي.
﴿قل رب احكم بِالْحَقِّ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يَنْصَرَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ أَيْ: تَكْذِبُونَ.
165
تَفْسِيرَ سُورَةِ الْحَجِّ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَذَابُ يَوْم عقيم﴾.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةٌ الْحَج من (آيَة ١ آيَة ٢).
166
Icon