ﰡ
١ - تَحَقَّق الفلاح للمؤمنين بالله وبما جاءت به الرسل، وفازوا بأمانيهم.
٢ - الذين ضموا إلى إيمانهم العمل الصالح، هم فى صلاتهم متوجهون إلى الله بقلوبهم، خائفون منه، متذللون له، يَحُسُّون بالخضوع المطلق له.
٣ - هم مؤثرون للجد، معرضون عمَّا لا خير فيه من قول وعمل.
٤ - وهم محافظون على أداء الزكاة إلى مستحقيها، وبذلك يجمعون بين العبادات البدنية والعبادات المالية، وبين تطهير النفس وتطهير المال.
٥ - وهم يحافظون على أنفسهم من أن تكون لها علاقة بالنساء.
٦ - إلا بطريق الزواج الشرعى أو بملكية الجوارى فلا مؤاخذة عليهم فيه.
٧ - فمن أراد الاتصال بالمرأة عن غير هذين الطريقين فهو متعدٍ للحدود المشروعة غاية التعدى.
٨ - وهم محافظون على كل ما ائتمنوا عليه من مال، أو قول، أو عمل، أو غير ذلك، وعلى كل عهد بينهم وبين الله أو بينهم وبين الناس، فلا يخونون الأمانات ولا ينقضون العهود.
٩ - وهم مداومون على أداء الصلاة فى أوقاتها، محققون لأركانها وخشوعها، حتى تؤدى إلى المقصود منها، وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
١٠ - هؤلاء الموصوفون هم الذين يرثون الخير كله، وينالونه يوم القيامة.
١١ - هم الذين يتفضل الله عليهم بالفردوس، أعلى مكان فى الجنة، يتمتعون فيه دون غيرهم.
١٢ - وأن على الناس أن ينظروا إلى أصل تكوينهم، فإنه من دلائل قدرتنا الموجبة للإيمان بالله وبالبعث، فإننا خلقنا الإنسان من خلاصة الطين.
١٣ - ثم خلقنا نسله فجعلناه نطفة - أى ماء فيه كل عناصر الحياة الأولى - تستقر فى الرحم، وهو مكان مستقر حصين.
١٤ - ثم صيَّرنا هذه النطفة بعد تلقيح البويضة والإخصاب دما، ثم صيَّرنا الدم بعد ذلك قطعة لحم، ثم صيرناها هيكلا عظميا، ثم كسونا العظام باللحم، ثم أتممنا خلقه فصار فى النهاية بعد نفخ الروح فيه خلقاً مغايراً لمبدأ تكوينه، فتعالى شأن الله فى عظمته وقدرته، فهو لا يشبه أحد فى خلقته وتصويره وإبداعه.
١٥ - ثم إنكم - يا بنى آدم - بعد ذلك الذى ذكرناه من أمركم صائرون إلى الموت لا محالة.
١٦ - ثم إنكم تبعثون يوم القيامة للحساب والجزاء.
١٧ - وإننا قد خلقنا سبع سموات مرتفعة فوقكم، فيها مخلوقات لم نغفل عنها فحفظناها ودبرناها، ونحن لا نغفل عن جميع المخلوقات، بل نحفظها كلها من الزوال والاختلال، وندبر كل أمورها بالحكمة.
١٨ - وأنزلنا من السماء مطراً بحكمة وتقدير فى تكوينه وإنزاله، وتيسيراً للانتفاع به جعلناه مستقراً فى الأرض على ظهرها وفى جوفها، وإنا لقادرون على إزالته وعدم تمكينكم من الانتفاع به، ولكنا لم نفعل رحمة بكم، فآمنوا بخالقه واشكروه.
١٩ - فخلقنا لكم بهذا الماء حدائق من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة، ومنها تأكلون.
٢٠ - وخلقنا لكم شجرة الزيتون التى تنبت فى منطقة طور سيناء، وفى ثمارها زيت تنتفعون به، وهو إدام للآكلين.
٢١ - وإن لكم فى الأنعام - وهى الإبل والبقر والغنم - ما يدل على قدرتنا وتفضلنا عليكم بالنعم، نسقيكم لبناً مستخرجاً مما فى بطونها خالصاً سائغاً سهلا للشاربين، ولكم فيها سوى اللبن منافع كثيرة كاللحوم والأصواف والأوبار، ومنها تعيشون وترزقون.
٢٢ - وعلى هذه الأنعام وعلى السفن تركبون وتحملون الأثقال، فخلقنا لكم وسائل الانتقال والحمل فى البر والبحر، وبها يكون الاتصال بينكم.
٢٣ - وفى قصص الأولين عبرة لكم لتؤمنوا، فقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، فليس لكم إله يستحق العبادة غيره، ألا تخافون عقابه، وزوال نعمه إن عصيتم.
٢٤ - فقال الكبراء من قومه الذين كفروا منكرين لدعوته صادِّين العامة عن اتباعه: لا فرق بين نوح وبينكم، فهو مثلكم فى البشرية، ولكنه يريد أن يتميز عليكم بهذه الدعوة، ولو كان هناك رسل من الله - كما يزعم - لأرسلهم ملائكة، ما سمعنا فى تاريخ آبائنا السابقين بهذه الدعوة، ولا بإرسال بشر رسولا.
٢٥ - ما هو إلا رجل به جنون، ولذلك قالوا: فانتظروا واصبروا عليه حتى ينكشف جنونه، أو يحين هلاكه.
٢٦ - دعا نوح ربه بعد ما يئس من إيمانهم، فقال: يا رب انصرنى عليهم، وانتقم منهم بسبب تكذيبهم لدعوتى.
٢٧ - فقلنا له عن طريق الوحى: اصنع السفينة وعنايتنا ترعاك، فتدفع عنك شرهم ونرشدك فى عملك، فإذا حل ميعاد عذابهم، ورأيت التنور يفور ماء بأمرنا، فأدخل فى السفينة من كل نوع من الكائنات الحية ذكراً وأنثى، وأدخل أهلك أيضاً إلا من تقرر تعذيبهم لعدم إيمانهم، ولا تسألنى نجاة الذين ظلموا أنفسهم وغيرهم بالكفر والطغيان، فإنى حكمت بإغراقهم لظلمهم بالإشراك والعصيان.
٢٨ - فإذا ركبت واستقررت أنت ومن معك فى السفينة فقل شاكراً ربك: الحمد لله الذى نجانا من شر القوم الكافرين الطاغين.
٢٩ - وقل: يا رب مكّنِّى من النزول فى منزل مبارك تطيب الإقامة فيه عند النزول إلى الأرض، وهبْ لى الأمن فيه، فأنت - وحدك - الذى تُنزل فى مكان الخير والأمن والسلام.
٣٠ - إن فى هذه القصة عبراً ومواعظ، وإنا نختبر العباد بالخير وبالشر، وفى أنفسهم الاستعداد لكل منها.
٣١ - ثم خلقنا من بعد نوح طبقة من الناس غيرهم وهم عاد.
٣٢ - فأرسلنا إليهم هودا وهو منهم، وقلنا لهم على لسانه: اعبدوا الله - وحده - فليس لكم إله يستحق العبادة غيره، وهو - وحده - الجدير بأن تخافوه، فهلا خفتم عقابه إن عصيتموه؟.
٣٣ - وقال الكبراء من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الله وما فى الآخرة من حساب وجزاء، وأعطيناهم أكبر حظ من الترف والنعيم، قالوا منكرين عليه دعوته، صادين العامة عن اتباعه: لا فرق بين هود وبينكم، فما هو إلا بشر مماثل لكم فى البشرية، يأكل من جنس ما تأكلون منه، ويشرب من جنس ما تشربون، ومثل هذا لا يكون رسولا لعدم تميزه عنكم.
٣٤ - وحذروهم فى قوة وتأكيد، فقالوا: إن أطعتم رجلا يماثلكم فى البشرية، فأنتم حقاً خاسرون لعدم انتفاعكم بطاعته.
٣٥ - وقالوا لهم أيضاً منكرين للبعث: أيعدكم - هود - أنكم تبعثون من قبوركم بعد أن تموتوا وتصيروا تراباً وعظاماً مجردة من اللحوم والأعصاب؟
٣٦ - إن ما وعدكم به بعيد جداً، ولن يكون أبداً.
٣٧ - ليس هناك إلا حياة واحدة هى هذه الحياة الدنيا التى نجد فيها الموت والحياة يتواردان علينا، فمولود يولد وحى يموت، ولن نبعث بعد الموت أبداً.
٣٨ - ما هو إلا رجل كذب على الله، وادعى أن الله أرسله، وكذب فيما يدعو إليه، ولن نصدقه أبداً.
٣٩ - قال هود بعد ما يئس من إيمانهم: يا رب انصرنى عليهم وانتقم منهم، بسبب تكذيبهم لدعوتى.
٤٠ - قال الله له مؤكداً وعده: سيندمون بعد قليل من الزمن على ما فعلوا عندما يحل بهم العذاب.
٤١ - فأخذتهم صيحة شديدة أهلكتهم لاستحقاقهم ذلك الهلاك، وجعلناهم فى الحقارة والضعف كالشئ الذى يجرفه السيل أمامه من أعواد الشجر وأوراقه. هلاكاً وبُعداً عن الرحمة للظالمين بكفرهم وطغيانهم.
٤٢ - ثم خلقنا من بعدهم أقواماً غيرهم، كقوم صالح ولوط وشعيب.
٤٣ - لكل أمة زمنها المعيَّن لها، لا تتقدم عنه ولا تتأخر.
٤٤ - ثم أرسلنا رسلنا متتابعين كلا إلى قومه، وكلما جاء رسول إلى قومه كذَّبوه فى دعوته، فأهلكناهم متتابعين، وجعلنا أخبارهم أحاديث يرددها الناس ويعجبون منها، فَبُعْداً عن الرحمة وهلاكاً لقوم لا يصدقون الحق ولا يذعنون له.
٤٥ - ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بالدلائل القاطعة الدالة على صدقهما، وبحجة واضحة تبيِّن أنهما قد أرسلا من عندنا.
٤٦ - أرسلناهما إلى فرعون وقومه فامتنعوا فى تكبر عن الإيمان، وهم قوم موصوفون بالكبر والتعالى والقهر.
٤٧ - وقالوا فى تعجب وإنكار: أنؤمن بدعوة رجلين مماثلين لنا فى البشرية، وقومها - بنو إسرائيل - خاضعون لنا ومطيعون كالعبيد؟.
٤٨ - فكذبوهما فى دعوتهما فكانوا من المهلكين بالغرق.
٤٩ - ولقد أوحينا إلى موسى بالتوراة، ليهتدى قومه بما فيها من إرشادات إلى الأحكام وأسباب السعادة.
٥٠ - وجعلنا عيسى ابن مريم وأمه - فى حملها به من غير أن يمسها بشر وولادته من غير أب - دلالة قاطعة على قدرتنا البالغة، وأنزلناها فى أرض مرتفعة منبسطة تستقر فيها الإقامة ويتوافر الماء الذى هو دعامة العيش الرغيد.
٥١ - وقلنا للرسل ليبلغوا أقوامهم: كلوا من أنواع الحلال الطيب، وتمتعوا واشكروا نعمتى بعمل الصالحات، إنى عليم بما تعملون ومجاز لكم عليه.
٥٢ - وقلنا لهم ليبلغوا أقوامهم: إن هذا الدين الذى أرسلتكم به دين واحد فى العقائد وأصول الشرائع، وإنكم أمة واحدة فى كل الأجيال، منهم المهتدى ومنهم الضال، وأنا ربكم الذى أمرتكم باتباعه فخافوا عقابى إن عصيتم.
٥٣ - فقطع الناس أمر دينهم، فمنهم المهتدون ومنهم الضالون الذين اتبعوا أهواءهم، فتفرقوا بسبب ذلك جماعات مختلفة متعادية، كل جماعة فرحة بما هى عليه، ظانة أنه - وحده - الصواب.
٥٤ - فاترك الكافرين - يا محمد - فى جهالتهم وغفلتهم ما دمت قد نصحتهم حتى يقضى الله فيهم بالعذاب بعد حين.
٥٥ - أيظن هؤلاء العاصون أنا إذ نتركهم يتمتعون بما أعطيناهم من المال والبنين.
٥٦ - نكون قد رضينا عنهم، فتفيض عليهم الخيرات بسرعة وكثرة، إنهم كالبهائم لا يشعرون لعدم استخدامهم عقولهم، إننى غير راض عنهم، وإن هذه النعم استدراج منا لهم.
٥٧ - إن الذين هم يخشون الله ويهابونه وقد تربت فيهم المخافة منه سبحانه.
٥٨ - والذين هم يؤمنون بآيات ربهم الموجودة فى الكون، والمتلوة فى الكتب المنزلة.
٥٩ - والذين هم لا يشركون بالله أحداً.
٦٠ - والذين يعطون مما رزقهم الله، ويؤدون عملهم وهم خائفون من التقصير، لأنهم راجعون إلى الله بالبعث ومحاسبون.
٦١ - أولئك يسارعون بأعمالهم إلى نيل الخيرات، وهم سابقون غيرهم فى نيلها.
٦٢ - ونحن لا نكلف أحداً إلا بما يستطيع أن يؤديه، لأنه داخل فى طاقته، وكل عمل من أعمال العباد مسجل عندنا فى كتاب، وسنخبرهم به كما هو، وهم لا يظلمون بزيادة عقاب أو نقص ثواب.
٦٣ - لكن الكافرين بسبب عنادهم وتعصبهم غافلون عن عمل الخير والتكليف بالمستطاع ودقة الحساب، وإلى جانب ذلك لهم أعمال أخرى خبيثة مداومون عليها.
٦٤ - فإذا أوقعنا العذاب بالأغنياء المترفين ضجوا وصرخوا مستغيثين.
٦٥ - فنقول لهم: لا تصرخوا ولا تستغيثوا الآن، فلن تفلتوا من عذابنا، ولن ينفعكم صراخكم شيئاً.
٦٦ - لا عذر لكم، فقد كانت آياتى الموحَى بها تُقرأ عليكم، فكنتم تُعرضون عنها إعراضاً يقلب أحوالكم، ولا تصدقونها ولا تعملون بها.
٦٧ - وكنتم فى إعراضكم متكبرين مستهزئين، تصفون الوحى بالأوصاف القبيحة عندما تجتمعون للسمر.
٦٨ - أَجَهِلَ هؤلاء المعرضون فلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه حق؟ أم كانت دعوة محمد لهم غريبة عن الدعوات التى جاء بها الرسل إلى الأقوام السابقين الذين أدركهم آباؤهم؟.
٦٩ - أم لم يعرفوا رسولهم - محمداً - الذى نشأ بينهم فى أخلاقه العالية التى لا يعهد معها الكذب، فهم ينكرون دعوته الآن بغياً وحسداً؟.
٧٠ - أم يقولون: إنه مجنون؟ كلا: إنه جاءهم بالدين الحق، وأكثرهم كارهون للحق، لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم فلا يؤمنون به.
٧١ - ولو كان الحق تابعاً لأهوائهم لشاع الفساد فى الأرض ولتنازعت الأهواء، ولكنا أرسلنا إليهم القرآن الذى يُذَكِّرهم بالحق الذى يجب أن يجتمع عليه الجميع، ومع ذلك هم معرضون عنه.
٧٢ - بل أَتطلب منهم - أيها النبى - أجراً على أداء الرسالة؟ لم يكن ذلك، فإن أجر ربك خير مما عندهم، وهو خير المعطين.
٧٣ - وإنك - يا محمد - لتدعوهم إلى الدين الذى هو الطريق المستقيم الموصل إلى السعادة.
٧٤ - وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من نعيم أو جحيم يعدلون عن الطريق المستقيم الذى يأمن السائر فيه من السَّير إلى طريق الحيرة والاضطراب والفساد.
٧٥ - ولو رحمناهم وأزلنا عنهم ما نزل بهم من ضرر فى أبدانهم وقحط فى أموالهم ونحو ذلك، لزادوا كفراً، وتمادوا فى الطغيان.
٧٦ - ولقد عذَّبناهم بعذاب أصابهم كالقتل أو الجوع فما خضعوا بعده لربهم، بل أقاموا على عتوهم واستكبارهم بمجرد زواله.
٧٧ - سيستمرون على إعراضهم حتى إذا عذَّبناهم عذاباً شديداً بالجوع أو القتل فى الدنيا صاروا حيارى يائسين من كل خير، لا يجدون مخلصاً.
٧٨ - وكيف تكفرون بالله وهو الذى أنشأ لكم السمع لتسمعوا الحق، والأبصار لتروا الكون وما فيه، والعقول لتدركوا عظمته فتؤمنوا؟. إنكم لم تشكروا خالقها بالإيمان والطاعة إلا قليلا أىَّ قلة.
٧٩ - وهو الذى خلقكم فى الأرض، وإليه - وحده - تُجمعون للجزاء يوم القيامة.
٨٠ - وهو الذى يحيى ويميت، وبأمره وقوانينه تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصراً، ألا تعقلون دلالة ذلك على قدرته ووجوب الإيمان به، وبالبعث؟.
٨١ - لم يفعلوا ذلك، بل قلدوا السابقين المكذبين، فقالوا: مثل قولهم.
٨٢ - قالوا منكرين للبعث: أنبعث بعد الموت وبعد أن نصير تراباً وعظاماً؟.
٨٣ - لقد وُعدنا ووعد آباؤنا من قبلنا بذلك، وما هذا الوعد إلا أكاذيب السابقين التى سَطروها.
٨٤ - قل لهم يا محمد: من الذى ملك الأرض ومن فيها من الناس وسائر المخلوقات؟ إن كان لكم علم فأجيبونى.
٨٥ - سيقرون بأن الأرض لله، قل لهم إذن: فلم تشركون به؟ ألا تذكرون أن من يملك ذلك جدير بأن يُعبد وحده؟
٨٦ - قل لهم أيضاً: من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟
٨٧ - سيقرون بأنه هو الله. قل لهم إذن: ألا تخافون عاقبة الشرك والكفر والعصيان لصاحب هذا الخلق العظيم؟
٨٨ - قل لهم أيضاً: من بيده مُلْك كل شئ، ومن له الحكم المطلق فى كل شئ، وهو يحمى بقدرته من يشاء، ولا يمكن لأحد أن يحمى أحداً من عذابه؟ إن كنتم تعلمون جواباً فأجيبوا.
٨٩ - سيقرون بأنه هو الله، قل لهم: إذن كيف تُخْدعون بالهوى ووحى الشياطين، وتنصرفون عن طاعة الله.
٩٠ - لقد بيَّنا لهم الحق على لسان الرسل، وإنهم لكاذبون فى كل ما يخالف هذا الحق.
٩١ - ما اتخذ الله له ولدا، وقد تنزَّه عن ذلك، وما كان له شريك. إذ لو كان له شريك لاستبد كل بما خلق، وصار له ملكه، ولتناحر بعضهم مع بعض كما يُرى بين الملوك، ولفسد الكون بهذا التنازع، فتنزه الله عما يقوله المشركون مما يخالف الحق.
٩٢ - هو محيط بكل شئ علما، يعلم ما يغيب عنا وما يظهر لنا، فتنزه الله عما ينسبه الكافرون إليه من وجود الشريك له.
٩٣ - قل - يا أيها النبى -: يا رب، إن أنزلت بهم ما أوعدتهم من العذاب فى الدنيا، وأنا موجود بينهم.
٩٤ - فأتوسل إليك ألا تجعلنى معذباً مع القوم الكافرين الطاغين.
٩٥ - ونحن قادرون تماماً على أن نريك ما أوعدناهم به من العذاب نازلا بهم، فاطمئن لنصرنا.
٩٦ - استمر فى دعوتك وقابل إساءتهم بالعمل الذى هو أحسن من العفو أو غيره، ونحن عالمون تماماً بما يصفونك به، ويصفون دعوتك من سوء وافتراء، وسنجازيهم عليه.
٩٧ - وقل: يا رب أستعيذ بك من أثر وساوس الشياطين على نفسى بعملى ما لا يرضيك.
٩٨ - وأستعيذ بك يا رب، أن يكونوا معى فى أى عمل من الأعمال، ليكون سليماً خالصاً لوجهك الكريم.
٩٩ - سيستمرون على تكذيبهم، حتى إذا حَلَّ موعد موت أحدهم ندم، وقال: يا رب رُدَّنى إلى الدنيا.
١٠٠ - لأعمل عملا صالحاً فيما تركته من مالى أو حياتى وعمرى، ولن يجاب إلى طلبه، فهذا كلام يقوله دون فائدة لا يقبل منه، ولو استُجيب له لم يعمل به، ومع ذلك فلن يعود أبداً، فالموت حاجز بينهم وبين ما يتمنون إلى أن يبعثهم الله.
١٠١ - فإذا جاء موعد البعث بعثناهم بدعوتهم إلى الخروج من مقابرهم، وذلك بما يشبه النفخ فى البوق فيجيئون متفرقين، لا تنفع أحداً قرابة أحد، ولا يسأل بعضهم بعضا شيئاً ينفعه، فلكل منهم يومئذ ما يشغله.
١٠٢ - فالعمل هو ميزان التقدير، فمن كانت لهم عقائد سليمة وأعمال صالحة لها وزن فى ميزان الله، فأولئك هم الفائزون.
١٠٣ - ومن لم يكن لهم حسنات أو أعمال لها وزن عند الله، فأولئك هم الذين خسروا أنفسهم ببيعها للشيطان، وهم معذَّبون فى النار، خالدون فيها.
١٠٤ - تحرق النار وجوههم، وهم فيها عابسون من سوء مصيرهم.
١٠٥ - يؤنبهم الله ويقول لهم: قد كانت آياتى المنزلة تُقْرأ عليكم فى الدنيا، فكنتم تكذبون بما فيها.
١٠٦ - قالوا مقرين بخطئهم: ربنا كثرت معاصينا التى أورثتنا الشقاء، وكنا بذلك ضالين عن طريق الصواب.
١٠٧ - وقالوا: ربنا، أخرجنا من النار وأعدنا إلى الدنيا، فإن عدنا إلى الكفر والعصيان كنا ظالمين لأنفسنا.
١٠٨ - قال الله لهم تحقيراً: اسكتوا أذلاء مهانين، ولا تكلمونى مطلقاً.
١٠٩ - ما ظلمتكم بل ظلمتم أنفسكم، إذ كان المؤمنون الصالحون من عبادى يقولون فى الدنيا: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين.
١١٠ - فكنتم تسخرون منهم دائماً، حتى أنساكم الاشتغال بالسخرية منهم ذكرى وعبادتى فلم تؤمنوا وتطيعوا، وكنتم منهم تضحكون استهزاء.
١١١ - إنى جزيتهم اليوم بالفلاح، لأنهم صبروا على سخريتكم وإيذائكم.
١١٢ - قال الله للكافرين: كم سنة عشتموها فى الدنيا؟.
١١٣ - قالوا - استقصاراً لمدة معيشتهم بالنسبة لطول مكثهم فى العذاب -: عشنا يوماً أو بعض يوم، فاسأل من يتمكنون من العدِّ، لأنا مشغولون بالعذاب.
١١٤ - فيقول الله لهم: ما عشتم فى الدنيا إلا زمناً قليلا. ولو أنكم كنتم تعلمون عاقبة الكفر والعصيان وأن متاع الدنيا قليل، لآمنتم وأطعتم.
١١٥ - أظننتم أننا خلقناكم بغير حكمة فأفسدتم فى الأرض، وظننتم أنكم لا تبعثون لمجازاتكم؟ كلا.
١١٦ - العظمة لله - وحده - هو مالك الملك كله، لا معبود بحق سواه، هو صاحب العرش العظيم.
١١٧ - ومن يعبد مع الله إلهاً آخر لا دليل له على استحقاقه العبودية. فإن الله يعاقبه على شركه لا محالة، إن الكافرين لا يفلحون، وإنما الذى يفلح هم المؤمنون.
١١٨ - وقل - يا أيها النبى - داعياً الله ضارعاً إليه -: يا رب اغفر لى ذنبى، وارحمنى فأنت خير الراحمين، لأن رحمتك واسعة وقريبة من المحسنين.