تفسير سورة سورة التوبة من كتاب أضواء البيان
المعروف بـأضواء البيان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الشنقيطي
.
المتوفي سنة 1393 هـ
مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِائِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ ١] وَوَضَعْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا»، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا»، وَكَانَتِ «الْأَنْفَالُ» مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَ «بَرَاءَةٌ» مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ ١]، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ. اهـ.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِ الْقُرْآنِ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا: أَنَّ تَرْتِيبَ سُوَرِهِ بِتَوْقِيفٍ أَيْضًا، فِيمَا عَدَا سُورَةِ «بَرَاءَةٌ»، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ: أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ «بَرَاءَةٌ» شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ «الْأَنْفَالِ» فَأَلْحَقُوهَا بِهَا، فَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ يَدْخُلُ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ الْمُعَاهَدِينَ، وَأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَشْهُرِ الْإِمْهَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [٩ ٢]، لَا عَهْدَ لِكَافِرٍ.
وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالَّذِي يُبَيِّنُهُ الْقُرْآنُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، هُوَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَصْحَابِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُوَقَّتَةِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ الْمُوَقَّتِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَتَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَمَّا أَصْحَابُ الْعُهُودِ الْمُوَقَّتَةِ الْبَاقِي مِنْ مُدَّتِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ إِتْمَامُ مُدَّتِهِمْ، وَدَلِيلُهُ الْمُبَيِّنُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ، فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا»، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا»، وَكَانَتِ «الْأَنْفَالُ» مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَ «بَرَاءَةٌ» مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [١ ١]، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ. اهـ.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِ الْقُرْآنِ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا: أَنَّ تَرْتِيبَ سُوَرِهِ بِتَوْقِيفٍ أَيْضًا، فِيمَا عَدَا سُورَةِ «بَرَاءَةٌ»، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ.
التَّنْبِيهُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ: أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَانَ وَأَعْيَانِ الصَّحَابَةِ كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّةَ «بَرَاءَةٌ» شَبِيهَةٌ بِقِصَّةِ «الْأَنْفَالِ» فَأَلْحَقُوهَا بِهَا، فَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ يَدْخُلُ فِي تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ الْمُعَاهَدِينَ، وَأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَشْهُرِ الْإِمْهَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [٩ ٢]، لَا عَهْدَ لِكَافِرٍ.
وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالَّذِي يُبَيِّنُهُ الْقُرْآنُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ، هُوَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَصْحَابِ الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُوَقَّتَةِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ مَنْ كَانَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ الْمُوَقَّتِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَتَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَمَّا أَصْحَابُ الْعُهُودِ الْمُوَقَّتَةِ الْبَاقِي مِنْ مُدَّتِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ إِتْمَامُ مُدَّتِهِمْ، وَدَلِيلُهُ الْمُبَيِّنُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
[٩ ٤]، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ حِينَ أُنْزِلَتْ «بَرَاءَةٌ» بِأَرْبَعٍ: أَلَّا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ٥ وَلَا يَقْرَبَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مُشْرِكٌ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.
وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ.
وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ بِالْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ شَوَّالٍ، وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِعْلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَا يَخْفَى انْتِهَاؤُهَا فِي الْعَشْرِ مِنْ رَبِيعٍ الثَّانِي.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ شَوَّالٍ، وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ، وَكَيْفَ يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمُهَا، وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ، حِينَ نَادَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ.
يُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ جَازَ قِتَالُهُمْ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [٩ ٧]، وَهَذَا الْمَفْهُومُ فِي الْآيَتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [٩ ١٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْآيَةَ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ.
وَلَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ بِالْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ شَوَّالٍ، وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِعْلَامِ الْمَذْكُورِ مِنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَا يَخْفَى انْتِهَاؤُهَا فِي الْعَشْرِ مِنْ رَبِيعٍ الثَّانِي.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ شَوَّالٍ، وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ، وَكَيْفَ يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمُهَا، وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ، حِينَ نَادَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ.
يُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ جَازَ قِتَالُهُمْ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [٩ ٧]، وَهَذَا الْمَفْهُومُ فِي الْآيَتَيْنِ صَرَّحَ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [٩ ١٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الْآيَةَ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى. مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [٩ ٣٦]، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.
وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: آخِرُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي حَقِّهِمُ الْمُحَرَّمُ، وَحَكَى نَحْوَ قَوْلِهِ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ.
وَلَكِنَّ السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَشْهُرُ الْإِمْهَالِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ، مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ [٩ ٥]، أَيْ: إِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ قِتَالَهُمْ فِيهَا، وَأَجَّلْنَاهُمْ فِيهَا، فَحَيْثُمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ; لِأَنَّ عَوْدَ الْعَهْدِ عَلَى مَذْكُورٍ أَوْلَى مِنْ مُقَدَّرٍ، مَعَ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ سَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى اهـ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ الْآيَةَ [٦٠ ١]، وَقَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [٤٧ ١٣]، وَقَوْلِهِ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [٩ ٤٠]، وَذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: مُحَاوَلَتَهُمْ لِإِخْرَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوهُ، كَقَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [٨ ٣٠]، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ الْآيَةَ.
نَهَى اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانُوا قُرَبَاءَ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ مَانِعٌ مِنْ مُوَادَّةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانُوا قُرَبَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ الْآيَةَ [٥٨ ٢٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وُلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.
وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: آخِرُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي حَقِّهِمُ الْمُحَرَّمُ، وَحَكَى نَحْوَ قَوْلِهِ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ.
وَلَكِنَّ السِّيَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَشْهُرُ الْإِمْهَالِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ، مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ [٩ ٥]، أَيْ: إِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ قِتَالَهُمْ فِيهَا، وَأَجَّلْنَاهُمْ فِيهَا، فَحَيْثُمَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ; لِأَنَّ عَوْدَ الْعَهْدِ عَلَى مَذْكُورٍ أَوْلَى مِنْ مُقَدَّرٍ، مَعَ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ سَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى اهـ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ هَمُّوا بِإِخْرَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ الْآيَةَ [٦٠ ١]، وَقَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [٤٧ ١٣]، وَقَوْلِهِ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ [٩ ٤٠]، وَذَكَرَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: مُحَاوَلَتَهُمْ لِإِخْرَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوهُ، كَقَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [٨ ٣٠]، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ الْآيَةَ.
نَهَى اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانُوا قُرَبَاءَ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ مَانِعٌ مِنْ مُوَادَّةِ الْكُفَّارِ وَلَوْ كَانُوا قُرَبَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ الْآيَةَ [٥٨ ٢٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وُلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.
ذَكَرَ تَعَالَى مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَذَكَرَ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ بِقَوْلِهِ: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ [٣ ١٥٣]، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ تَابَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ أُحُدٍ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [٣ ١٥٥]، وَأَشَارَ هُنَا إِلَى تَوْبَتِهِ عَلَى مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ حُنَيْنٍ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٩ ٢٦] كَمَا أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا لِلصَّوَابِ فِي مَعْنَى: يَكْنِزُونَ [٩ ٣٤] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِكَنْزِهِمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَعَدَمِ إِنْفَاقِهِمْ لَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمَا.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَأَمَّا الْكَنْزُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ.
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرْضِينَ، وَمَا كَانَ ظَاهِرًا لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَحْوَهُ: أَيُّمَا مَالٍ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ، وَأَيُّمَا مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ اهـ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ عِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ ; لِأَنَّ مَنْ أَدَّى الْحَقَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ لَا يُكْوَى بِالْبَاقِي إِذَا أَمْسَكَهُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ تُطَهِّرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [٩ ١٠٣]، وَلِأَنَّ الْمَوَارِيثَ مَا جُعِلَتْ إِلَّا فِي أَمْوَالٍ تَبْقَى بَعْدَ مَالِكِيهَا.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ، حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ أَخِي بَنِي سَعْدٍ، مِنْ هَوَازِنَ، وَهُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ، وَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [٢ ٢١٩]، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي «الْبَقَرَةِ» تَحْقِيقًا أَنَّهُ مَا زَادَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا لِلصَّوَابِ فِي مَعْنَى: يَكْنِزُونَ [٩ ٣٤] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِكَنْزِهِمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَعَدَمِ إِنْفَاقِهِمْ لَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمَا.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَأَمَّا الْكَنْزُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ.
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرْضِينَ، وَمَا كَانَ ظَاهِرًا لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَحْوَهُ: أَيُّمَا مَالٍ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ، وَأَيُّمَا مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ اهـ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ عِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَصْوَبُ الْأَقْوَالِ ; لِأَنَّ مَنْ أَدَّى الْحَقَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ لَا يُكْوَى بِالْبَاقِي إِذَا أَمْسَكَهُ ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ تُطَهِّرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [٩ ١٠٣]، وَلِأَنَّ الْمَوَارِيثَ مَا جُعِلَتْ إِلَّا فِي أَمْوَالٍ تَبْقَى بَعْدَ مَالِكِيهَا.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ، حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ أَخِي بَنِي سَعْدٍ، مِنْ هَوَازِنَ، وَهُوَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ، وَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [٢ ٢١٩]، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي «الْبَقَرَةِ» تَحْقِيقًا أَنَّهُ مَا زَادَ
116
عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» الْحَدِيثَ ; لِأَنَّ صَدَقَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَهِيَ تَعُمُّ نَفْيَ كُلِّ صَدَقَةٍ.
وَفِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ:
مِنْهَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتِ الزَّكَاةِ كَقَوْلِهِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ الْآيَةَ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْقَوْلَ بِالنَّسْخِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ. اهـ.
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَنْزٌ، وَمَذْهَبُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَدَّخِرَ شَيْئًا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ادِّخَارَ مَا أُدِّيَتَ حُقُوقُهُ الْوَاجِبَةُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ كَالضَّرُورِيِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّتَانِ، صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» اهـ. وَمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّةٌ»، ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّتَانِ»، وَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَبًّا لِلذَّهَبِ، تَبًّا لِلْفِضَّةِ» يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: فَأَيَّ مَالٍ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَصْحَابَكَ قَدْ شُقَّ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: «لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَزَوْجَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِهِ». وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
فَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا التَّغْلِيظَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِي» : قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَدَتْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ آثَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مَجْمُوعٍ يَفْضُلُ عَنِ الْقُوتِ وَسَدَادِ الْعَيْشِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُذَمُّ فَاعِلُهُ، وَأَنَّ آيَةَ الْوَعِيدِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَحَمَلُوا الْوَعِيدَ عَلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ، إِلَى أَنْ
وَفِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ:
مِنْهَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتِ الزَّكَاةِ كَقَوْلِهِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ الْآيَةَ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْقَوْلَ بِالنَّسْخِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ. اهـ.
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَنْزٌ، وَمَذْهَبُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَدَّخِرَ شَيْئًا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ادِّخَارَ مَا أُدِّيَتَ حُقُوقُهُ الْوَاجِبَةُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ كَالضَّرُورِيِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّتَانِ، صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» اهـ. وَمَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّةٌ»، ثُمَّ تُوُفِّيَ آخَرُ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيَّتَانِ»، وَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَبًّا لِلذَّهَبِ، تَبًّا لِلْفِضَّةِ» يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: فَأَيَّ مَالٍ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَصْحَابَكَ قَدْ شُقَّ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: فَأَيَّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: «لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شَاكِرًا وَزَوْجَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِهِ». وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
فَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا التَّغْلِيظَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «فَتْحِ الْبَارِي» : قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَدَتْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ آثَارٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مَجْمُوعٍ يَفْضُلُ عَنِ الْقُوتِ وَسَدَادِ الْعَيْشِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُذَمُّ فَاعِلُهُ، وَأَنَّ آيَةَ الْوَعِيدِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.
وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَحَمَلُوا الْوَعِيدَ عَلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ، إِلَى أَنْ
117
قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، ثُمَّ يُرَخِّصُ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسْمَعُ الرُّخْصَةَ، وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ. اهـ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ فِي خُصُوصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهَا مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْآيَةَ [٩ ٣٤].
فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَأَنَّهَا فِي مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي آيَاتِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، أَنَّ الْبَيَانَ بِالْقُرْآنِ إِذَا كَانَ غَيْرَ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ نُتَمِّمُ الْبَيَانَ مِنَ السُّنَّةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ الْمُبَيَّنِ بِهِ، وَآيَاتُ الزَّكَاةِ كَقَوْلِهِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَآتُوا الزَّكَاةَ [٢ ٤٣] وَقَوْلِهِ: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [٢ ٢٦٧]، لَا تَفِي بِالْبَيَانِ فَتُبَيِّنُهُ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ الْمَالِكِيُّ، تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: زَكَاةَ الْعَيْنِ، وَهِيَ تَجِبُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ، حُرِيَّةٍ، وَإِسْلَامٍ، وَحَوْلٍ، وَنِصَابٍ سَلِيمٍ مِنَ الدَّيْنِ. اهـ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ خِلَافٌ.
مَسَائِلُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَدْرِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَفِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ إِخْرَاجُهُ مِنْهُمَا.
أَمَّا نِصَابُ الْفِضَّةِ، فَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيُّ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٍ فَهِيَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا.
وَكُلُّ هَذَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمَرِيسِيِّ، الَّذِي خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فِي الدَّرَاهِمِ لَا الْوَزْنِ، وَلَا بِمَا انْفَرَدَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، زَاعِمًا أَنَّهُ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّ الدَّارِهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إِذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّ إِلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ نُحَاسٍ مَثَلًا لَبَلَغَ نِصَابًا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ، كَمَا نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ، إِنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِهِمْ، وَلَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْبِلَادِ ; لِأَنَّ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ فِي خُصُوصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهَا مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْآيَةَ [٩ ٣٤].
فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ، وَأَنَّهَا فِي مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي آيَاتِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، أَنَّ الْبَيَانَ بِالْقُرْآنِ إِذَا كَانَ غَيْرَ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ نُتَمِّمُ الْبَيَانَ مِنَ السُّنَّةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ الْمُبَيَّنِ بِهِ، وَآيَاتُ الزَّكَاةِ كَقَوْلِهِ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: وَآتُوا الزَّكَاةَ [٢ ٤٣] وَقَوْلِهِ: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [٢ ٢٦٧]، لَا تَفِي بِالْبَيَانِ فَتُبَيِّنُهُ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ الْمَالِكِيُّ، تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: زَكَاةَ الْعَيْنِ، وَهِيَ تَجِبُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ، حُرِيَّةٍ، وَإِسْلَامٍ، وَحَوْلٍ، وَنِصَابٍ سَلِيمٍ مِنَ الدَّيْنِ. اهـ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الشُّرُوطِ خِلَافٌ.
مَسَائِلُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَدْرِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَفِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ إِخْرَاجُهُ مِنْهُمَا.
أَمَّا نِصَابُ الْفِضَّةِ، فَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيُّ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ شَرْعِيَّةٍ فَهِيَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا.
وَكُلُّ هَذَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمَرِيسِيِّ، الَّذِي خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فِي الدَّرَاهِمِ لَا الْوَزْنِ، وَلَا بِمَا انْفَرَدَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، زَاعِمًا أَنَّهُ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ، مِنْ أَنَّ الدَّارِهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إِذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّ إِلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ نُحَاسٍ مَثَلًا لَبَلَغَ نِصَابًا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ، كَمَا نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ، إِنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِهِمْ، وَلَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْبِلَادِ ; لِأَنَّ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ
118
الصَّرِيحَةَ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ بِالْوَزْنِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا فِي مَكَّةَ. اهـ.
إِلَى ص ٤٣٥ وَكُلُّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، عَلَى أَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ - مِنْ أَنَّ الدِّرْهَمَ كَانَ مَجْهُولًا قَدْرُهُ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَجَعَلُوا كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ - لَا يَخْفَى سُقُوطَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِصَابُ الزَّكَاةِ وَقَطْعُ السَّرِقَةِ مَجْهُولًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى يُحَقِّقَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَدِ: فَعَشَرَةٌ مَثَلًا وَزْنُ عَشَرَةٍ، وَعَشَرَةٌ وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ، فَاتَّفَقَ الرَّأْيُ عَلَى أَنْ تُنْقَشَ بِكِتَابَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَيُصَيِّرُونَهَا وَزْنًا وَاحِدًا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْقِيقَ وَزْنِ الدِّرْهَمِ فِي الْأَنْعَامِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُغْتَفَرُ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ النَّقْصُ الْيَسِيرُ الَّذِي تَرُوجُ مَعَهُ الدَّرَاهِمُ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ.
وَظَاهِرُ النُّصُوصِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ إِلَّا فِي نِصَابٍ كَامِلٍ ; لِأَنَّ النَّاقِصَ وَلَوْ بِقَلِيلٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَرَّحَ بِأَنَّ مَا دُونَهَا لَيْسَ فِيهِ صَدَقَةٌ».
فَإِذَا حَقَّقْتَ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ: عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَهِيَ وَزْنُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا رُبْعُ الْعُشْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَالرِّقَّةُ: الْفِضَّةُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ «زَكَاةِ الْغَنَمِ» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرِينِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ» الْحَدِيثَ: وَفِيهِ، وَفِي الرِّقَّةِ: رُبُعُ الْعُشْرِ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ
إِلَى ص ٤٣٥ وَكُلُّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، عَلَى أَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ - مِنْ أَنَّ الدِّرْهَمَ كَانَ مَجْهُولًا قَدْرُهُ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَجَعَلُوا كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ - لَا يَخْفَى سُقُوطَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِصَابُ الزَّكَاةِ وَقَطْعُ السَّرِقَةِ مَجْهُولًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى يُحَقِّقَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَدِ: فَعَشَرَةٌ مَثَلًا وَزْنُ عَشَرَةٍ، وَعَشَرَةٌ وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ، فَاتَّفَقَ الرَّأْيُ عَلَى أَنْ تُنْقَشَ بِكِتَابَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَيُصَيِّرُونَهَا وَزْنًا وَاحِدًا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْقِيقَ وَزْنِ الدِّرْهَمِ فِي الْأَنْعَامِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُغْتَفَرُ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ النَّقْصُ الْيَسِيرُ الَّذِي تَرُوجُ مَعَهُ الدَّرَاهِمُ رَوَاجَ الْكَامِلَةِ.
وَظَاهِرُ النُّصُوصِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ إِلَّا فِي نِصَابٍ كَامِلٍ ; لِأَنَّ النَّاقِصَ وَلَوْ بِقَلِيلٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَرَّحَ بِأَنَّ مَا دُونَهَا لَيْسَ فِيهِ صَدَقَةٌ».
فَإِذَا حَقَّقْتَ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ: عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَهِيَ وَزْنُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا رُبْعُ الْعُشْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» وَالرِّقَّةُ: الْفِضَّةُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ «زَكَاةِ الْغَنَمِ» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرِينِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ» الْحَدِيثَ: وَفِيهِ، وَفِي الرِّقَّةِ: رُبُعُ الْعُشْرِ، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ
119
أَجْمَعَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفِضَّةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي أَنَّ نِصَابَهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ اللَّازِمَ فِيهَا رُبُعُ الْعُشْرِ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى أَنَّهَا لَا وَقْصَ فِيهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، الْقَائِلِينَ: بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا دِرْهَمٌ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ: فَجَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنَّ نِصَابَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَالدِّينَارُ: هُوَ الْمِثْقَالُ، فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ شَذَّ وَخَالَفَ جَمَاهِيرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَكَقَوْلِ طَاوُسٍ، إِنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ مُعْتَبَرٌ بِالتَّقْوِيمِ بِالْفِضَّةِ، فَمَا بَلَغَ مِنْهُ قِيمَةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَجَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَالْوَاجِبُ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسُمِّيَ آخَرُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ» يَعْنِي فِي الذَّهَبِ «حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ»، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابٍ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إِلَّا أَنَّ جَرِيرًا قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ، يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُضَعَّفٌ بِالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَعَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ; لِأَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ، وَبِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ، قَالَ: الصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى عَلِيٍّ، وَبِأَنَّ ابْنَ الْمَوَّاقِ قَالَ: إِنَّ فِيهِ عِلَّةً خَفِيَّةً وَهِيَ: أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ، لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَدْ رَوَاهُ حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ: سَحْنُونُ، وَحَرْمَلَةُ، وَيُونُسُ، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ ابْنٍ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّاقِ: الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى سُلَيْمَانَ، شَيْخِ أَبِي دَاوُدَ، فَإِنَّهُ وَهِمَ فِي إِسْقَاطِ
فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفِضَّةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ فِي أَنَّ نِصَابَهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ اللَّازِمَ فِيهَا رُبُعُ الْعُشْرِ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى أَنَّهَا لَا وَقْصَ فِيهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، الْقَائِلِينَ: بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا دِرْهَمٌ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ: فَجَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنَّ نِصَابَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَالدِّينَارُ: هُوَ الْمِثْقَالُ، فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ شَذَّ وَخَالَفَ جَمَاهِيرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَكَقَوْلِ طَاوُسٍ، إِنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ مُعْتَبَرٌ بِالتَّقْوِيمِ بِالْفِضَّةِ، فَمَا بَلَغَ مِنْهُ قِيمَةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَجَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَالْوَاجِبُ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسُمِّيَ آخَرُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ» يَعْنِي فِي الذَّهَبِ «حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ»، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابٍ ذَلِكَ، أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إِلَّا أَنَّ جَرِيرًا قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ، يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» اهـ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُضَعَّفٌ بِالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَعَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ; لِأَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ، وَبِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ، قَالَ: الصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى عَلِيٍّ، وَبِأَنَّ ابْنَ الْمَوَّاقِ قَالَ: إِنَّ فِيهِ عِلَّةً خَفِيَّةً وَهِيَ: أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ، لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَقَدْ رَوَاهُ حُفَّاظُ أَصْحَابِ ابْنِ وَهْبٍ: سَحْنُونُ، وَحَرْمَلَةُ، وَيُونُسُ، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ ابْنٍ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّاقِ: الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى سُلَيْمَانَ، شَيْخِ أَبِي دَاوُدَ، فَإِنَّهُ وَهِمَ فِي إِسْقَاطِ
120
رَجُلٍ اهـ.
وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَرِقِ صَدَقَةً، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةً، إِمَّا بِخَبَرٍ عَنْهُ لَمْ يَبْلُغْنَا، وَإِمَّا قِيَاسًا، اهـ: وَهُوَ صَرِيحٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ: بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الذَّهَبَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فِي عِلْمِهِ، وَبِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ الثِّقَاتِ.
لَكِنْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ.
وَبِأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ، وَلَا فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ شَيْءٌ.
وَذَكَرَ: أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ مَرْفُوعٌ، وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَكَذَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، مَوْقُوفًا: وَكَذَا كُلُّ ثِقَةٍ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ.
فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَابِتٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَوَى طَرَفًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، اهـ.
فَتَرَى التِّرْمِذِيَّ نَقَلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، تَصْحِيحَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَوْ صَحِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» : وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَعَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ، اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ.
وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَرِقِ صَدَقَةً، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةً، إِمَّا بِخَبَرٍ عَنْهُ لَمْ يَبْلُغْنَا، وَإِمَّا قِيَاسًا، اهـ: وَهُوَ صَرِيحٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ: بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الذَّهَبَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فِي عِلْمِهِ، وَبِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ الْآحَادِ الثِّقَاتِ.
لَكِنْ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، وَالْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ مَتْرُوكٌ.
وَبِأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ، وَلَا فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ شَيْءٌ.
وَذَكَرَ: أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ مَرْفُوعٌ، وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَكَذَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، مَوْقُوفًا: وَكَذَا كُلُّ ثِقَةٍ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ.
فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَابِتٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رَوَى طَرَفًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، اهـ.
فَتَرَى التِّرْمِذِيَّ نَقَلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، تَصْحِيحَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَوْ صَحِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اهـ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» : وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَعَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدَهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ حَسَّنَهُ الْحَافِظُ، اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ.
121
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَضَدُ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذًا، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فِي «التَّلْخِيصِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَبِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ شَيْءٌ»، قَالَ النَّوَوِيُّ: غَرِيبٌ، اهـ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْمُنَاقَشَةُ بِحَسَبِ صِنَاعَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ، فَنَقُولُ:
سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَائِدَةِ، وَإِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، فَيَبْقَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ، الَّذِي رَوَى مَعَهُ الْحَدِيثَ، فَإِنَّ حَدِيثَهُ حُجَّةٌ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ.
وَقَالَ: النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» : عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ السَّلُولِيُّ الْكُوفِيُّ، صَدُوقٌ وَتَعْتَضِدُ رِوَايَتُهُ بِرِوَايَةِ الْحَارِثِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. وَبِمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
فَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ تَضْعِيفَ الْحَدِيثِ بِضَعْفِ سَنَدِهِ مَرْدُودٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ، أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِيهِ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ.
وَنَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ، عَنِ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّهُ حَسَّنَهُ.
أَمَّا مَا أَعَلَّهُ بِهِ ابْنُ الْمَوَّاقِ، مِنْ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ ; لِأَنَّ بَيْنَهُمَا الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ صَحِيحَةٍ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ، وَذَكَرَ طَرَفًا مِنْهُ، هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، وَأَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. اهـ.
فَتَرَى: أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ، وَالْأَعْمَشَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَغَيْرَهُمْ، كُلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَبِهِ تَعْلَمُ بِأَنَّ إِعْلَالَ ابْنِ الْمَوَّاقِ لَهُ بِأَنَّ رَاوِيَهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ - إِعْلَالٌ سَاقِطٌ ; لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا حَقَّقْتَ رَدَّ تَضْعِيفِهِ بِأَنَّ عَاصِمًا صَدُوقٌ، وَرَدَّ إِعْلَالِ ابْنِ الْمَوَّاقِ لَهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ إِعْلَالَ ابْنِ حَزْمٍ لَهُ بِأَنَّ الْمَرْفُوعَ رِوَايَةُ
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الْمُنَاقَشَةُ بِحَسَبِ صِنَاعَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ، فَنَقُولُ:
سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَائِدَةِ، وَإِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، فَيَبْقَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ، الَّذِي رَوَى مَعَهُ الْحَدِيثَ، فَإِنَّ حَدِيثَهُ حُجَّةٌ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ.
وَقَالَ: النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» : عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ السَّلُولِيُّ الْكُوفِيُّ، صَدُوقٌ وَتَعْتَضِدُ رِوَايَتُهُ بِرِوَايَةِ الْحَارِثِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا. وَبِمَا ذَكَرْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
فَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ تَضْعِيفَ الْحَدِيثِ بِضَعْفِ سَنَدِهِ مَرْدُودٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ، أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِيهِ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ.
وَنَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ، عَنِ ابْنِ حَجَرٍ: أَنَّهُ حَسَّنَهُ.
أَمَّا مَا أَعَلَّهُ بِهِ ابْنُ الْمَوَّاقِ، مِنْ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ ; لِأَنَّ بَيْنَهُمَا الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ صَحِيحَةٍ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ، وَذَكَرَ طَرَفًا مِنْهُ، هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، وَأَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. اهـ.
فَتَرَى: أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ، وَالْأَعْمَشَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَغَيْرَهُمْ، كُلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَبِهِ تَعْلَمُ بِأَنَّ إِعْلَالَ ابْنِ الْمَوَّاقِ لَهُ بِأَنَّ رَاوِيَهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ - إِعْلَالٌ سَاقِطٌ ; لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا حَقَّقْتَ رَدَّ تَضْعِيفِهِ بِأَنَّ عَاصِمًا صَدُوقٌ، وَرَدَّ إِعْلَالِ ابْنِ الْمَوَّاقِ لَهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ إِعْلَالَ ابْنِ حَزْمٍ لَهُ بِأَنَّ الْمَرْفُوعَ رِوَايَةُ
122
الْحَارِثِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ: وَأَنَّ رِوَايَةَ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَلِيٍّ، مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَدْرَ نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهِ، كِلَاهُمَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْمَوْقُوفُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، كَمَا عُلِمَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ.
قَالَ الْعَلَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي «طَلْعَةِ الْأَنْوَارِ» :
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ مِمَّا مُنِعْ فِيهِ مَجَالُ الرَّأْيِ عِنْدَهُمْ رُفِعْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بِحَيْثُ لَا يُقَالُ رَأْيًا حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ نَحْوَ مَنْ أَتَى فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أُثْبِتَا الثَّانِي: أَنَّ سَنَدَ أَبِي دَاوُدَ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ حَسَنٌ، أَوْ صَحِيحٌ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالرَّفْعُ مِنْ زِيَادَاتِ الْعُدُولِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، قَالَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» :[الرَّجَزُ]
وَالرَّفْعُ وَالْوَصْلُ وَزَيْدُ اللَّفْظِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ إِمَامِ الْحِفْظِ إِلَخْ...
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: اعْتِضَادُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا وَافَقَ خَبَرَ آحَادٍ، فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: يَصِيرُ بِمُوَاقَفَةِ الْإِجْمَاعِ لَهُ قَطْعِيًّا كَالْمُتَوَاتِرِ.
وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ يَقُولُونَ: لَا يَصِيرُ قَطْعِيًّا بِذَلِكَ.
وَفَرَّقَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: إِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُمْ فِي إِجْمَاعِهِمْ هُوَ ذَلِكَ الْخَبَرُ - أَفَادَ الْقَطْعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]
وَلَا يُفِيدُ الْقَطْعَ مَا يُوَافِقُ الْإِجْمَاعَ وَالْبَعْضُ بِقَطْعٍ يَنْطِقُ وَبَعْضُهُمْ يُفِيدُ حَيْثُ عُوِّلَا عَلَيْهِ...... إِلَخْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَعْتَضِدُ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ.
الْخَامِسُ: دَلَالَةُ الْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الذَّهَبِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَدْرَ نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهِ، كِلَاهُمَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْمَوْقُوفُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، كَمَا عُلِمَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ.
قَالَ الْعَلَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي «طَلْعَةِ الْأَنْوَارِ» :
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ مِمَّا مُنِعْ فِيهِ مَجَالُ الرَّأْيِ عِنْدَهُمْ رُفِعْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بِحَيْثُ لَا يُقَالُ رَأْيًا حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ نَحْوَ مَنْ أَتَى فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أُثْبِتَا الثَّانِي: أَنَّ سَنَدَ أَبِي دَاوُدَ الَّذِي رَوَاهُ بِهِ حَسَنٌ، أَوْ صَحِيحٌ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالرَّفْعُ مِنْ زِيَادَاتِ الْعُدُولِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، قَالَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» :[الرَّجَزُ]
وَالرَّفْعُ وَالْوَصْلُ وَزَيْدُ اللَّفْظِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ إِمَامِ الْحِفْظِ إِلَخْ...
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: اعْتِضَادُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا وَافَقَ خَبَرَ آحَادٍ، فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: يَصِيرُ بِمُوَاقَفَةِ الْإِجْمَاعِ لَهُ قَطْعِيًّا كَالْمُتَوَاتِرِ.
وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ يَقُولُونَ: لَا يَصِيرُ قَطْعِيًّا بِذَلِكَ.
وَفَرَّقَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: إِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُمْ فِي إِجْمَاعِهِمْ هُوَ ذَلِكَ الْخَبَرُ - أَفَادَ الْقَطْعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]
وَلَا يُفِيدُ الْقَطْعَ مَا يُوَافِقُ الْإِجْمَاعَ وَالْبَعْضُ بِقَطْعٍ يَنْطِقُ وَبَعْضُهُمْ يُفِيدُ حَيْثُ عُوِّلَا عَلَيْهِ...... إِلَخْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَعْتَضِدُ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ.
الْخَامِسُ: دَلَالَةُ الْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الذَّهَبِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
123
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [٩ ٣٤، ٣٥].
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَوَجْهُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»، الْحَدِيثَ. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ فِي الذَّهَبِ، كَالْفِضَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَنْ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَيَانًا لِشَيْءٍ ثَابِتٍ قَطْعًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْبَيَانَ يَجُوزُ بِمَا هُوَ دُونَ الْمُبَيَّنِ دَلَالَةً وَسَنَدًا، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، كَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهِمَا وَقْصٌ، بَلْ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فَبِحِسَابِهِ، خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَخَالَفَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالْوَزْنِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ، كَمَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِي خَمْسَةِ الْأَوْسُقِ الَّتِي هِيَ نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ بِالْكَيْلِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ فِي «سُنَنِهِ» فِي «كِتَابِ الزَّكَاةِ» : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ».
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» فِي «كِتَابِ الْبُيُوعِ» : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ» إِلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، اهـ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَوَجْهُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»، الْحَدِيثَ. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ فِي الذَّهَبِ، كَالْفِضَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَنْ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَيَانًا لِشَيْءٍ ثَابِتٍ قَطْعًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْبَيَانَ يَجُوزُ بِمَا هُوَ دُونَ الْمُبَيَّنِ دَلَالَةً وَسَنَدًا، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالَا، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، كَالْفِضَّةِ، وَأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَيْسَ فِيهِمَا وَقْصٌ، بَلْ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فَبِحِسَابِهِ، خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَخَالَفَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالْوَزْنِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ، كَمَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ فِي خَمْسَةِ الْأَوْسُقِ الَّتِي هِيَ نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ بِالْكَيْلِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ فِي «سُنَنِهِ» فِي «كِتَابِ الزَّكَاةِ» : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ».
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» فِي «كِتَابِ الْبُيُوعِ» : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ» إِلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، اهـ.
124
قَالَ الْخَطَابِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَبَحَثْتُ عَنْهُ غَايَةَ الْبَحْثِ مِنْ كُلِّ مَنْ وَثِقْتُ بِتَمْيِيزِهِ: وَكُلٌّ اتَّفَقَ لِي عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً، وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ، وَالدِّرْهَمُ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ، فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ: سَبْعٌ وَخَمْسُونَ وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ، وَعُشْرُ عُشْرِ حَبَّةٍ، فَالرَّطْلُ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالدِّرْهَمُ الْمَذْكُورِ. اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ «مَ كَ كَ»، وَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَالدِّرْهَمُ: سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالدَّانِقُ: قِيرَاطَانِ، وَالْقِيرَاطُ: طَسُّوجَانِ، وَالطَّسُّوجُ: حَبَّتَانِ، وَالْحَبَّةُ: سُدُسُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّرْهَمِ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى قَدْرِ خَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَجَمَاعَةٍ، وَقَطَعَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَشَرِيكٌ، قَالَ ابْنَ قُدَامَةَ: فِي " الْمُغْنِي ": وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ.
وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ لِمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ " الْحَدِيثَ.
فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ الَّذِي هُوَ: الْفِضَّةُ، وَمَا يُكْمِلُ النِّصَابَ مِنَ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ.
وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ
وَفِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ «مَ كَ كَ»، وَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَالدِّرْهَمُ: سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالدَّانِقُ: قِيرَاطَانِ، وَالْقِيرَاطُ: طَسُّوجَانِ، وَالطَّسُّوجُ: حَبَّتَانِ، وَالْحَبَّةُ: سُدُسُ ثُمُنِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّرْهَمِ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى قَدْرِ خَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَجَمَاعَةٍ، وَقَطَعَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَشَرِيكٌ، قَالَ ابْنَ قُدَامَةَ: فِي " الْمُغْنِي ": وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ.
وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُضَمُّ بَعْضُهُمَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ لِمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ " الْحَدِيثَ.
فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ الَّذِي هُوَ: الْفِضَّةُ، وَمَا يُكْمِلُ النِّصَابَ مِنَ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ.
وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ
125
مِنَ الْوَرِقِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الْحَدِيثِ عَلَى اسْمِ الْوَرِقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ: لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ كَثِيرٌ، وَلَا دَلِيلَ مِنَ النُّصُوصِ يَصْرِفُ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِمَا، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَدَاوُدُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَالزُّهْرِيِّ.
وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمُنَاقَشَةَ أَدِلَّتِهِمَا عَلَى الطُّرُقِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأُصُولِ، وَعِلْمِ الْحَدِيثِ ; لِيَتَبَيَّنَ لِلنَّاظِرِ الرَّاجِحُ مِنَ الْخِلَافِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، تَنْحَصِرُ حُجَّتُهُ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثٌ جَاءَ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّانِي: آثَارٌ صَحِيحَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَعْتَضِدُ بِهَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ.
الثَّالِثُ: الْقِيَاسُ.
الرَّابِعُ: وَضْعُ اللُّغَةِ.
أَمَّا الْحَدِيثُ: فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، إِنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَالَّذِي يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا أَصْلَ لَهُ، وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ: فَمَنِ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا، كَانَ مُغَرَّرًا بِدِينِهِ، دَاخِلًا
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِمَا، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَدَاوُدُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَالزُّهْرِيِّ.
وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، وَمُنَاقَشَةَ أَدِلَّتِهِمَا عَلَى الطُّرُقِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأُصُولِ، وَعِلْمِ الْحَدِيثِ ; لِيَتَبَيَّنَ لِلنَّاظِرِ الرَّاجِحُ مِنَ الْخِلَافِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، تَنْحَصِرُ حُجَّتُهُ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: حَدِيثٌ جَاءَ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّانِي: آثَارٌ صَحِيحَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَعْتَضِدُ بِهَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ.
الثَّالِثُ: الْقِيَاسُ.
الرَّابِعُ: وَضْعُ اللُّغَةِ.
أَمَّا الْحَدِيثُ: فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، إِنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَالَّذِي يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا أَصْلَ لَهُ، وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ: فَمَنِ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا، كَانَ مُغَرَّرًا بِدِينِهِ، دَاخِلًا
126
فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ، وَاللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ أَمْثَالِ هَذَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِرِوَايَةِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا مِنْ جِنْسِ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَافِيَةَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَحَدٌ إِنَّهُ كَذَّابٌ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ظَنَّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَوْنِهِ ثِقَةً، وَقَدِ اطَّلَعَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ فَوَثَّقَهُ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، قِيلَ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَا نَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، مَجْهُولٌ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُدَّعِي أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَالتَّجْرِيحُ لَا يُقْبَلُ مَعَ الْإِجْمَالِ، فَعَافِيَةُ هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَالتَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ يَكْفِي فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
إِلَخْ...
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْبَيْهَقِيِّ فِي عَافِيَةَ: إِنَّهُ مَجْهُولٌ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ: إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَوْثِيقِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَشِدَّةِ بَحْثِهِ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا.
وَأَمَّا الْآثَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ»، عَنْ
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِرِوَايَةِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا مِنْ جِنْسِ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ عَافِيَةَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَحَدٌ إِنَّهُ كَذَّابٌ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ظَنَّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَوْنِهِ ثِقَةً، وَقَدِ اطَّلَعَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ فَوَثَّقَهُ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ، قِيلَ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَا نَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، مَجْهُولٌ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَوْثِيقَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مُدَّعِي أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَالتَّجْرِيحُ لَا يُقْبَلُ مَعَ الْإِجْمَالِ، فَعَافِيَةُ هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَالتَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ يَكْفِي فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]
وَصَحَّحُوا اكْتِفَاءَهُمْ بِالْوَاحِدِ | جَرْحًا وَتَعْدِيلًا خِلَافَ الشَّاهِدِ |
وَالتَّعْدِيلُ يُقْبَلُ مُجْمَلًا | بِخِلَافِ الْجَرْحِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَسْبَابِهِ |
وَصَحَّحُوا قَبُولَ تَعْدِيلٍ بِلَا | ذِكْرٍ لِأَسْبَابٍ لَهُ أَنْ تَثْقُلَا |
وَلَمْ يَرَوْا قَبُولَ جَرْحٍ أُبْهِمَا | لِلْخُلْفِ فِي أَسْبَابِهِ وَرُبَّمَا |
اسْتُفْسِرَ الْجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ كَمَا | فَسَّرَهُ شُعْبَةُ بِالرَّكْضِ فَمَا |
هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الْأَثَرْ | كَشَيْخَيِ الصَّحِيحِ مَعْ أَهْلِ النَّظَرْ |
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْبَيْهَقِيِّ فِي عَافِيَةَ: إِنَّهُ مَجْهُولٌ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ: إِنَّهُ ثِقَةٌ ; لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَوْثِيقِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَشِدَّةِ بَحْثِهِ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا.
وَأَمَّا الْآثَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ»، عَنْ
127
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيَّ، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ»، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنْ عَائِشَةَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، كَمَا تَرَى.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» أَيْضًا، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَى.
وَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَالُ يَتِيمَةٍ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ عَائِشَةَ تَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَالْمَانِعُ مِنْ إِخْرَاجِهَا الزَّكَاةَ، كَوْنُهُ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ، لَا كَوْنُهُ مَالَ يَتِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى أَنَّ الْمَانِعَ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنَّهُ لِجَوَارٍ مَمْلُوكَاتٍ، وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، مَرْدُودٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ لَا يُزَكِّي حُلِيَّ بَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُزَوِّجُ الْبِنْتَ لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ يُحَلِّيهَا مِنْهَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَلَا يُزَكِّي ذَلِكَ الْحُلِيَّ، وَتَرْكُهُ لِزَكَاتِهِ لِكَوْنِهِ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ.
وَمِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ «زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ»، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الْكُبْرَى»، وَابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِهَا الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، أُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتَّنْمِيَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْإِلْحَاقِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «الْمُوَطَّأِ» بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلَهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ،
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» أَيْضًا، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَى.
وَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَالُ يَتِيمَةٍ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ عَائِشَةَ تَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَالْمَانِعُ مِنْ إِخْرَاجِهَا الزَّكَاةَ، كَوْنُهُ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ، لَا كَوْنُهُ مَالَ يَتِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى أَنَّ الْمَانِعَ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنَّهُ لِجَوَارٍ مَمْلُوكَاتٍ، وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، مَرْدُودٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ لَا يُزَكِّي حُلِيَّ بَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُزَوِّجُ الْبِنْتَ لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ يُحَلِّيهَا مِنْهَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَلَا يُزَكِّي ذَلِكَ الْحُلِيَّ، وَتَرْكُهُ لِزَكَاتِهِ لِكَوْنِهِ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ.
وَمِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ «زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ»، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الْكُبْرَى»، وَابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِهَا الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، أُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتَّنْمِيَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْإِلْحَاقِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي «الْمُوَطَّأِ» بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلَهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ،
128
فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَا فِي الْمِسْكِ، وَالْعَنْبَرِ زَكَاةٌ.
الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الْقِيَاسِ: هُوَ النَّوْعُ الْمَعْرُوفُ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ، وَأَشَارَ لَهُ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ: [الرَّجَزِ]
وَخَالَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ، وَضَابِطُهُ: هُوَ إِثْبَاتُ عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ آخَرَ لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَمِثَالُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ ! قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟» الْحَدِيثَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَثْبَتَ فِي الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ أَجْرًا، وَهُوَ حُكْمُ عَكْسِ حُكْمِ الْجِمَاعِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ فِيهِ الْوِزْرَ ; لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ ; لِأَنَّ عِلَّةَ الْأَجْرِ فِي الْأَوَّلِ إِعْفَافُ امْرَأَتِهِ وَنَفْسِهِ، وَعِلَّةَ الْوِزْرِ فِي الثَّانِي كَوْنُهُ زِنًى.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: احْتِجَاجُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مِنْ كَثِيرِ الْقَيْءِ، بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ مِنْ قَلِيلِهِ لَمْ يَجِبْ مِنْ كَثِيرِهِ عَكْسَ الْبَوْلِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ قَلِيلِهِ وَجَبَ مِنْ كَثِيرِهِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُمْ: لَمَّا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ مِنْ صَغِيرِ الْمُثَقَّلِ، لَمْ يَجِبْ مِنْ كَبِيرِهِ عَكْسَ الْمُحَدَّدِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ صَغِيرِهِ وَجَبَ مِنْ كَبِيرِهِ.
وَوَجْهُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، هُوَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ، فَإِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّمَاءِ، وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ عَكْسَ الْعَيْنِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِهَا، فَإِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا مُبَاحًا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَانْقَطَعَ عَنْهَا قَصْدُ التَّنْمِيَةِ بِالتِّجَارَةِ، صَارَتْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَتَعَاكَسَتْ أَحْكَامُهَا لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَمَنَعَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْقِيَاسِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ يَعْتَضِدُ بِهِ مَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، مِنْ أَنَّ مُوَافَقَةَ النَّصِّ لِلْقِيَاسِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ، وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: الْأَلْفَاظُ الْوَارِدَةُ فِي الصَّحِيحِ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ لَا تَشْمَلُ الْحُلِيَّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرِّقَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْوَرِقُ الْمَنْقُوشَةُ ذَاتُ السَّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُطْلِقُهَا الْعَرَبُ عَلَى الْمَصُوغِ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي الْأُوقِيَّةِ.
الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الْقِيَاسِ: هُوَ النَّوْعُ الْمَعْرُوفُ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ، وَأَشَارَ لَهُ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ: [الرَّجَزِ]
مِنْهُ قِيَاسُ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَكْسْ | وَمِنْهُ فَقْدُ الشَّرْطِ دُونَ لَبْسْ |
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: احْتِجَاجُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مِنْ كَثِيرِ الْقَيْءِ، بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ مِنْ قَلِيلِهِ لَمْ يَجِبْ مِنْ كَثِيرِهِ عَكْسَ الْبَوْلِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ قَلِيلِهِ وَجَبَ مِنْ كَثِيرِهِ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُمْ: لَمَّا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ مِنْ صَغِيرِ الْمُثَقَّلِ، لَمْ يَجِبْ مِنْ كَبِيرِهِ عَكْسَ الْمُحَدَّدِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ صَغِيرِهِ وَجَبَ مِنْ كَبِيرِهِ.
وَوَجْهُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، هُوَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ، فَإِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّمَاءِ، وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ عَكْسَ الْعَيْنِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِهَا، فَإِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا مُبَاحًا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَانْقَطَعَ عَنْهَا قَصْدُ التَّنْمِيَةِ بِالتِّجَارَةِ، صَارَتْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَتَعَاكَسَتْ أَحْكَامُهَا لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَمَنَعَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْقِيَاسِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ يَعْتَضِدُ بِهِ مَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، مِنْ أَنَّ مُوَافَقَةَ النَّصِّ لِلْقِيَاسِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ، وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: الْأَلْفَاظُ الْوَارِدَةُ فِي الصَّحِيحِ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ لَا تَشْمَلُ الْحُلِيَّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرِّقَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْوَرِقُ الْمَنْقُوشَةُ ذَاتُ السَّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُطْلِقُهَا الْعَرَبُ عَلَى الْمَصُوغِ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي الْأُوقِيَّةِ.
129
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي «صِحَاحِهِ» : الْوَرِقُ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَكَذَلِكَ الرِّقَّةُ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ، وَفِي «الْقَامُوسِ» : الْوَرِقُ - مُثَلَّثَةٌ - وَكَكَتِفٍ: الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَجَمْعُهُ أَوْرَاقٌ وَوِرَاقٌ كَالرِّقَّةِ.
هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.
وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فِيهِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ - مَالِكٌ - إِنَّمَا هِيَ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، لَا إِنِ اخْتَلَفُوا، أَوْ كَانَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ»، بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
وَقِيلَ: مُطْلَقًا.. إِلَخْ.
لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَدَنِيِّ: الْإِجْمَاعُ الْمَدَنِيُّ الْوَاقِعُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ، لَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَيَّدَهُ بِمَا بُنِيَ عَلَى التَّوْقِيفِ دُونَ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَيْضًا:
الْأَوَّلُ: أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.
الثَّانِي: آثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.
الثَّالِثُ: وَضْعُ اللُّغَةِ.
الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ.
أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ»، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ «الْمَعْنَى» أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ: ثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا:» أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ «قَالَتْ: لَا، قَالَ:» أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ! «قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ».
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.
وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فِيهِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ - مَالِكٌ - إِنَّمَا هِيَ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، لَا إِنِ اخْتَلَفُوا، أَوْ كَانَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ»، بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
وَأَوْجَبْنَ حُجَيَّةً لِلْمَدَنِي فِيمَا | عَلَى التَّوْقِيفِ أَمْرُهُ بُنِي |
لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَدَنِيِّ: الْإِجْمَاعُ الْمَدَنِيُّ الْوَاقِعُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ، لَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَيَّدَهُ بِمَا بُنِيَ عَلَى التَّوْقِيفِ دُونَ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَيْضًا:
الْأَوَّلُ: أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.
الثَّانِي: آثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.
الثَّالِثُ: وَضْعُ اللُّغَةِ.
الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ.
أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ»، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ «الْمَعْنَى» أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ: ثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا:» أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ «قَالَتْ: لَا، قَالَ:» أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ! «قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ».
وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
130
وَبِنْتٌ لَهَا، فِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ:» أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ «قَالَتْ: لَا، قَالَ:» أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ! «قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنًا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا بِنْتٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ، نَحْوَهُ، مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: خَالِدٌ أَثْبَتُ مِنَ الْمُعْتَمِرِ. اهـ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْحُسْنُ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِرِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بَلْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَقَدْ تَابَعَهُمَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْجَمِيعُ ضِعَافٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَتَّابُ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:» مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ «، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٌ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ:» مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ ! «، فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:» أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ «قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ:» هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ «.
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْخَاتَمِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: كَيْفَ تُزَكِّيهِ؟ قَالَ: تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ. اهـ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أُعْطِيَ زَكَاتُهُ. اهـ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنًا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا بِنْتٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ، نَحْوَهُ، مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: خَالِدٌ أَثْبَتُ مِنَ الْمُعْتَمِرِ. اهـ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْحُسْنُ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِرِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بَلْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَقَدْ تَابَعَهُمَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْجَمِيعُ ضِعَافٌ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَتَّابُ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:» مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ «، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٌ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ:» مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ ! «، فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:» أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟ «قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ:» هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ «.
حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْخَاتَمِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: كَيْفَ تُزَكِّيهِ؟ قَالَ: تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ. اهـ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أُعْطِيَ زَكَاتُهُ. اهـ.
131
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَقَدِ انْضَمَّ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، وَسَاقَهُمَا.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِلَفْظِ: قَالَتْ:» دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْنَا أَسَاوِرُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَنَا: «أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟»، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ؟ ! أَدِّيَا زَكَاتَهُ». اهـ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِي سَنَدِهِ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، اهـ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ».
وَأَمَّا الْآثَارُ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصَّدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ. اهـ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، شُعَيْبُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : وَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْحَسَنُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: «فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ».
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ، عَنْ حُلِيٍّ لَهَا، فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَتْ: أَضَعُهَا فِي بَنِي أَخٍ لِي فِي حِجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا وَهْمٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ».
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ، أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَهُ فِي «التَّلْخِيصِ» أَيْضًا.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّهُمْ قَاسُوا الْحُلِيَّ عَلَى الْمَسْكُوكِ وَالْمَسْبُوكِ بِجَامِعِ أَنَّ الْجَمِيعَ نَقْدٌ.
وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ: فَزَعَمُوا أَنَّ لَفْظَ الرِّقَّةِ، وَلَفْظَ الْأُوقِيَّةِ الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحِ يَشْمَلُ
وَقَدِ انْضَمَّ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، وَسَاقَهُمَا.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِلَفْظِ: قَالَتْ:» دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْنَا أَسَاوِرُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَنَا: «أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟»، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ؟ ! أَدِّيَا زَكَاتَهُ». اهـ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِي سَنَدِهِ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، اهـ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ».
وَأَمَّا الْآثَارُ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصَّدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ. اهـ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، شُعَيْبُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : وَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْحَسَنُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: «فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ».
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ، عَنْ حُلِيٍّ لَهَا، فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَتْ: أَضَعُهَا فِي بَنِي أَخٍ لِي فِي حِجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا وَهْمٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ».
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ، أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَهُ فِي «التَّلْخِيصِ» أَيْضًا.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّهُمْ قَاسُوا الْحُلِيَّ عَلَى الْمَسْكُوكِ وَالْمَسْبُوكِ بِجَامِعِ أَنَّ الْجَمِيعَ نَقْدٌ.
وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ: فَزَعَمُوا أَنَّ لَفْظَ الرِّقَّةِ، وَلَفْظَ الْأُوقِيَّةِ الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحِ يَشْمَلُ
132
الْمَصُوغَ كَمَا يَشْمَلُ الْمَسْكُوكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ خِلَافُهُ.
فَإِذَا عَلِمْتَ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، فَسَنَذْكُرُ لَكَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَلَهُ مُرَجِّحَاتٌ:
مِنْهَا: أَنَّ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ، كَمَا قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ عَلَى التَّحْقِيقِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الرِّبَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَحَادِيثَهُ كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَقْوَى سَنَدًا مِنْ حَدِيثِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ الَّذِي رَوَاهُ عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ ; لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» فِي مَبْحَثِ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَدْلُولِ: [الرَّجَزِ]
عَلَى إِبَاحَةٍ... إِلَخْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «ثُمَّ هَذَا الْآخِرُ عَلَى إِبَاحَةٍ» أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَمِنْهَا: دَلَالَةُ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَصْلِ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ مِنْ نَوْعِ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، فَيُرَجَّحُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي التَّحْرِيمِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا أَدِلَّةُ عَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَبَعْدَ أَنْ صَارَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُبَاحًا.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ التَّحَلِّيَ بِالذَّهَبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ أُبِيحَ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ أَوَّلًا وَتَحْلِيلِهِ ثَانِيًا، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ
فَإِذَا عَلِمْتَ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، فَسَنَذْكُرُ لَكَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَلَهُ مُرَجِّحَاتٌ:
مِنْهَا: أَنَّ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ، كَمَا قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ عَلَى التَّحْقِيقِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الرِّبَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَحَادِيثَهُ كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَقْوَى سَنَدًا مِنْ حَدِيثِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ الَّذِي رَوَاهُ عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ ; لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» فِي مَبْحَثِ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَدْلُولِ: [الرَّجَزِ]
وَنَاقِلٌ وَمُثْبِتٌ وَالْآمِرُ | بَعْدَ النَّوَاهِي ثُمَّ هَذَا الْآخِرُ |
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «ثُمَّ هَذَا الْآخِرُ عَلَى إِبَاحَةٍ» أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَمِنْهَا: دَلَالَةُ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَصْلِ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ مِنْ نَوْعِ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، فَيُرَجَّحُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي التَّحْرِيمِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا أَدِلَّةُ عَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَبَعْدَ أَنْ صَارَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُبَاحًا.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ التَّحَلِّيَ بِالذَّهَبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ أُبِيحَ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ أَوَّلًا وَتَحْلِيلِهِ ثَانِيًا، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ
133
الْأَدِلَّةِ، وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ إِنْ أَمْكَنَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» :[الرَّجَزِ]
وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ التَّرْجِيحَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْجَمْعُ يَقْدَحُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ فِيهِ «فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ» الْحَدِيثَ.
وَالْوَرِقُ: الْفِضَّةُ، وَالْفِضَّةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا تَحْرِيمٌ، فَالتَّحَلِّي بِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ يَوْمًا مَا.
فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ.
قَالَ: وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، إِنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فِيهِ مَحْفُوظًا، غَيْرَ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَاسِمِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إِخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهَا مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى - يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ، فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَتْهُ عَنْهُ، إِلَّا فِيمَا عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» الْكَلَامَ عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابِيِّ لِمَا رُوِيَ فِي آيَةِ الطَّلَاقِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَعْلَمَ عَائِشَةُ أَنَّ عَدَمَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِيهِ الْوَعِيدُ مِنَ النَّبِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ حَسْبُهَا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ تَتْرُكُ إِخْرَاجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ فِي حِجْرِهَا، مَعَ أَنَّهَا مَعْرُوفٌ عَنْهَا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى.
وَمِنْ أَجْوِبَةِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِزَكَاةِ الْحُلِيِّ عَارِيَتُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
هَذَا حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَقْوَى الْوُجُوهِ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ الْحَدِيثِ: الْجَمْعُ إِذَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَحْوَطُ ; لِأَنَّ «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ مَتَى مَا | أَمْكَنَا إِلَّا فَلِلْأَخِيرِ نَسْخٌ بَيِّنَا |
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْجَمْعُ يَقْدَحُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ فِيهِ «فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ» الْحَدِيثَ.
وَالْوَرِقُ: الْفِضَّةُ، وَالْفِضَّةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا تَحْرِيمٌ، فَالتَّحَلِّي بِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ يَوْمًا مَا.
فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ.
قَالَ: وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، إِنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فِيهِ مَحْفُوظًا، غَيْرَ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَاسِمِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إِخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهَا مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى - يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ، فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَتْهُ عَنْهُ، إِلَّا فِيمَا عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» الْكَلَامَ عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابِيِّ لِمَا رُوِيَ فِي آيَةِ الطَّلَاقِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَعْلَمَ عَائِشَةُ أَنَّ عَدَمَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِيهِ الْوَعِيدُ مِنَ النَّبِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ حَسْبُهَا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ تَتْرُكُ إِخْرَاجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ فِي حِجْرِهَا، مَعَ أَنَّهَا مَعْرُوفٌ عَنْهَا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى.
وَمِنْ أَجْوِبَةِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِزَكَاةِ الْحُلِيِّ عَارِيَتُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
هَذَا حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَأَقْوَى الْوُجُوهِ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ الْحَدِيثِ: الْجَمْعُ إِذَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَحْوَطُ ; لِأَنَّ «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» - «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
134
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّ جَمَاهِيرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، فَتُقَوَّمُ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَيُخْرَجُ رُبْعُ عُشْرِهَا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، قَالَ: رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالنُّعْمَانِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، اهـ، بِوَاسِطَةِ نَقْلِ النَّوَوِيِّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ "، وَابْنِ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي "، وَلِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْصِيلٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ ; لِأَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ عِنْدَهُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَرْضِ تَاجِرٍ مُدِيرٍ، وَعَرْضِ تَاجِرٍ مُحْتَكِرٍ، فَالْمُدِيرُ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي دَائِمًا، وَالْمُحْتَكِرُ هُوَ الَّذِي يَشْتَرِي السِّلَعَ وَيَتَرَبَّصُ بِهَا حَتَّى يَرْتَفِعَ سِعْرُهَا فَيَبِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ سِعْرُهَا لَمْ يَبِعْهَا وَلَوْ مَكَثَتْ سِنِينَ.
فَعُرُوضُ الْمُدِيرِ عِنْدَهُ وَدُيُونُهُ الَّتِي يُطَالِبُ بِهَا النَّاسَ إِنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةً يُزَكِّيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ يُزَكِّيهِ بِالْعَدَدِ، وَالْمُؤَجَّلُ بِالْقِيمَةِ.
أَمَّا عَرْضُ الْمُحْتَكِرِ فَلَا يُقَوَّمُ عِنْدَهُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ بِعَيْنٍ فَيُزَكِّيَ الْعَيْنَ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ الْعَرْضِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عَاشِرٍ، فِي " الْمُرْشِدِ الْمُعِينِ " بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
زَادَ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ شَرْطًا، وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ تَقْوِيمِ عُرُوضِ الْمُدِيرِ أَنْ يَصِلَ يَدَهُ شَيْءٌ نَاضٌّ مِنْ ذَاتِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ رُبْعَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَبَعْضِ أَتْبَاعِهِ.
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ آيَةٌ، وَأَحَادِيثُ، وَآثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.
فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
فَعُرُوضُ الْمُدِيرِ عِنْدَهُ وَدُيُونُهُ الَّتِي يُطَالِبُ بِهَا النَّاسَ إِنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةً يُزَكِّيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ يُزَكِّيهِ بِالْعَدَدِ، وَالْمُؤَجَّلُ بِالْقِيمَةِ.
أَمَّا عَرْضُ الْمُحْتَكِرِ فَلَا يُقَوَّمُ عِنْدَهُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ بِعَيْنٍ فَيُزَكِّيَ الْعَيْنَ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ الْعَرْضِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عَاشِرٍ، فِي " الْمُرْشِدِ الْمُعِينِ " بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
وَالْعَرْضُ ذُو التَّجْرِ وَدَيْنُ مَنْ أَدَارْ | قِيمَتُهَا كَالْعَيْنِ ثُمَّ ذُو احْتِكَارْ |
زَكَّى لِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ دَيْنِ | عَيْنًا بِشَرْطِ الْحَوَلِ لِلْأَصْلَيْنِ |
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَبَعْضِ أَتْبَاعِهِ.
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ آيَةٌ، وَأَحَادِيثُ، وَآثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.
فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
135
قَالَ: " فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ " الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فِي " سُنَنِهِ "، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ "، وَالْبَيْهَقِيُّ، بِأَسَانِيدِهِمْ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، اهـ.
ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: " وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالزَّايِ، هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ، وَصَرَّحَ بِالزَّايِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ ": حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، قَالَهَا بِالزَّايِ، وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، مَدَارُهُ عَلَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، وَلَهُ عِنْدَهُ طَرِيقٌ ثَالِثٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَعْلُولٌ ; لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ عَنْ عِمْرَانَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عِمْرَانَ، وَلَهُ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ عِمْرَانَ، وَلَفْظُهُ: " فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، اهـ.
فَتَرَى ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْحَاكِمِ مِنْ صِحَّةِ الْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَتَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ لِذَلِكَ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ، عَنْ عِمْرَانَ، لَا عَنْ عِمْرَانَ مُبَاشَرَةً فَانْظُرْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ " الْمُسْتَدْرَكِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " الْبُرُّ " بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا بِالزَّايِ فِي لَفْظَةِ الْبَزِّ فِي الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ، وَإِذَنْ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَقْرِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ.
فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ النَّوَوِيِّ، مِنْ أَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ رَوَوْهُ بِالزَّايِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ بِالزَّايِ الْبَيْهَقِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فِي " سُنَنِهِ "، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ "، وَالْبَيْهَقِيُّ، بِأَسَانِيدِهِمْ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، اهـ.
ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: " وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالزَّايِ، هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ، وَصَرَّحَ بِالزَّايِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ ": حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ "، قَالَهَا بِالزَّايِ، وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، مَدَارُهُ عَلَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، وَلَهُ عِنْدَهُ طَرِيقٌ ثَالِثٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَعْلُولٌ ; لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ عَنْ عِمْرَانَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عِمْرَانَ، وَلَهُ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ عِمْرَانَ، وَلَفْظُهُ: " فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، اهـ.
فَتَرَى ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْحَاكِمِ مِنْ صِحَّةِ الْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَتَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ لِذَلِكَ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ، عَنْ عِمْرَانَ، لَا عَنْ عِمْرَانَ مُبَاشَرَةً فَانْظُرْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ " الْمُسْتَدْرَكِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " الْبُرُّ " بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا بِالزَّايِ فِي لَفْظَةِ الْبَزِّ فِي الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ، وَإِذَنْ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَقْرِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ.
فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ النَّوَوِيِّ، مِنْ أَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ رَوَوْهُ بِالزَّايِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ بِالزَّايِ الْبَيْهَقِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، كَمَا تَقَدَّمَ.
136
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّ لِلْبَيْعِ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَعْلُومٌ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْكُتُ إِلَّا عَنْ حَدِيثٍ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ " فِي هَذَا الْحَدِيثِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَزَّارُ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَفِي إِسْنَادِهِ جَهَالَةٌ، اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الزُّهْرِيُّ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ لِينٌ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى عُنُقِي أُدُمٌ أَحْمِلُهَا، فَقَالَ: أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ فَقَالَ: مَا لِي غَيْرَ هَذَا، وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ قَالَ: ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَسَبَهَا فَوُجِدَتْ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ " فِي هَذَا الْأَثَرِ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، اهـ.
وَحِمَاسٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، فَقَدْ رَأَيْتَ ثُبُوتَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، مِنْ كِتَابِهِ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الزُّهْرِيُّ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ لِينٌ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى عُنُقِي أُدُمٌ أَحْمِلُهَا، فَقَالَ: أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ فَقَالَ: مَا لِي غَيْرَ هَذَا، وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ قَالَ: ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَسَبَهَا فَوُجِدَتْ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ " فِي هَذَا الْأَثَرِ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، اهـ.
وَحِمَاسٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، فَقَدْ رَأَيْتَ ثُبُوتَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، مِنْ كِتَابِهِ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ.
137
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ، قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: إِسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفٌ، فَكَانَ اتِّبَاعُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِصِحَّتِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الزَّكَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ مَا رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُمْ عَنْ أَحَدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - إِنْ صَحَّ - لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التِّجَارَةَ " اهـ مِنْ سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّإِ "، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ انْظُرْ مَنْ يَمُرُّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا.
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [٢ ٢٦٧]، عَلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " بَابُ: " زَكَاةِ التِّجَارَةِ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الْآيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: التِّجَارَةُ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: النَّخْلُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "، " بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": هَكَذَا أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْآيَةِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ.
وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ الْحَلَالِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَفْظُهُ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ:
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [٢ ٢٦٧]، عَلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " بَابُ: " زَكَاةِ التِّجَارَةِ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الْآيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: التِّجَارَةُ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: النَّخْلُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "، " بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ ": هَكَذَا أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْآيَةِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ.
وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ الْحَلَالِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَفْظُهُ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ:
138
مِنَ الثِّمَارِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْمَرْفُوعَيْنِ وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْذِ عُمَرَ زَكَاةَ الْجُلُودِ مِنْ حِمَاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَظَاهِرِ عُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ، وَإِجْمَاعِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ - يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلِ الدَّيْنُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ عَنِ الْمَدِينِ أَوْ لَا؟ !
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ يَجْرِي مَجْرَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَبَيْنَ الْمُحْتَكِرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا.
وَمَذْهَبُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ وَفَائِهِ قَدْرُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ فِي «مَوَطَّئِهِ» : الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ إِلَّا وَفَاءَ دَيْنِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ.
وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ، وَالزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، فَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا عِنْدَهُ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ إِذَا كَانَ حَالًّا عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ، أَوْ مُنْكِرٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ إِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضَ تِجَارَةٍ، وَهَذَا قَوْلُهُ الْجَدِيدُ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ: فَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا، أَوْ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ مُمَاطِلًا، أَوْ غَائِبًا، فَهُوَ عِنْدَهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ، وَلَكِنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ فِي الْيَدِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ عَلَى جَاحِدٍ. فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْمَرْفُوعَيْنِ وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْذِ عُمَرَ زَكَاةَ الْجُلُودِ مِنْ حِمَاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَظَاهِرِ عُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ، وَإِجْمَاعِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ - يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلِ الدَّيْنُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ عَنِ الْمَدِينِ أَوْ لَا؟ !
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ يَجْرِي مَجْرَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَبَيْنَ الْمُحْتَكِرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا.
وَمَذْهَبُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ وَفَائِهِ قَدْرُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ فِي «مَوَطَّئِهِ» : الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ إِلَّا وَفَاءَ دَيْنِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ.
وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ، وَالزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، فَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا عِنْدَهُ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ إِذَا كَانَ حَالًّا عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ، أَوْ مُنْكِرٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ إِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضَ تِجَارَةٍ، وَهَذَا قَوْلُهُ الْجَدِيدُ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ: فَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا، أَوْ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ مُمَاطِلًا، أَوْ غَائِبًا، فَهُوَ عِنْدَهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ، وَلَكِنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ فِي الْيَدِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ عَلَى جَاحِدٍ. فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
139
وَالثَّانِي: لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مَاشِيَةً، كَأَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ كَمَالُ النِّصَابِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي «الْقَدِيمِ» : يُسْقِطُ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ، أَوِ الَّذِي يَنْقُصُ بِهِ الْمَالُ عَنِ النِّصَابِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخَذَهُ الْحَاكِمُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ فِي «الْجَدِيدِ» : تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ لِاخْتِلَافِ جِهَتِهِمَا ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَالدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ.
أَصَحُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ زَكَاةِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ، وَدَيْنُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ بِهِ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ فِيمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ: عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ، فَرِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مَاشِيَةً، كَأَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ كَمَالُ النِّصَابِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي «الْقَدِيمِ» : يُسْقِطُ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ، أَوِ الَّذِي يَنْقُصُ بِهِ الْمَالُ عَنِ النِّصَابِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخَذَهُ الْحَاكِمُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ فِي «الْجَدِيدِ» : تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ لِاخْتِلَافِ جِهَتِهِمَا ; لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَالدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ.
أَصَحُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ زَكَاةِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ، وَدَيْنُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ بِهِ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ فِيمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ: عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ، فَرِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
140
وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، الَّتِي هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ.
وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ، وَهِيَ السَّائِمَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْحُبُوبُ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيهَا أَيْضًا كَالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: يَبْتَدِئُ بِالدَّيْنِ فَيَقْضِيهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ، فَيُزَكِّي مَا بَقِيَ.
وَلَا يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةٌ فِي إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَلَا زَكَاةٌ، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَسُلَيْمَانُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ.
وَرُوِيَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي «الْجَدِيدِ» وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
إِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الدَّيْنِ، هَلْ يُزَكَّى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ إِذَا لَمْ يُزَكِّهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكْفِي زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ؟ ! أَوْ لَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ؟ !
الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، هَلِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ كَالْحُصُولِ بِالْفِعْلِ، أَوْ لَا؟ ! وَلَا نَعْلَمُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا كَوْنَ الدَّيْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَدِينِ إِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ، أَوْ يُنْقِصُ النِّصَابَ، إِلَّا آثَارًا وَرَدَتْ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ.
مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ» عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ» أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي ثَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ
وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ.
وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ، وَهِيَ السَّائِمَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْحُبُوبُ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيهَا أَيْضًا كَالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: يَبْتَدِئُ بِالدَّيْنِ فَيَقْضِيهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ، فَيُزَكِّي مَا بَقِيَ.
وَلَا يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةٌ فِي إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَلَا زَكَاةٌ، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَسُلَيْمَانُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ.
وَرُوِيَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي «الْجَدِيدِ» وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
إِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الدَّيْنِ، هَلْ يُزَكَّى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ إِذَا لَمْ يُزَكِّهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكْفِي زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ؟ ! أَوْ لَا بُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ؟ !
الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، هَلِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ كَالْحُصُولِ بِالْفِعْلِ، أَوْ لَا؟ ! وَلَا نَعْلَمُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا كَوْنَ الدَّيْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَدِينِ إِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ، أَوْ يُنْقِصُ النِّصَابَ، إِلَّا آثَارًا وَرَدَتْ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ.
مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ» عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ» أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي ثَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ
141
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا، يَأْمُرُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا. اهـ. وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ، أَيْ: غَائِبًا عَنْ رَبِّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي زَكَاةِ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ مِنَ الْمَعَادِنِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَعَادِنِ الزَّكَاةُ، إِلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خَاصَّةً، فَإِذَا أَخْرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ إِخْرَاجِهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِهِمَا. إِلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَزِئْبَقٍ، وَرَصَاصٍ، وَصُفْرٍ، وَحَدِيدٍ، وَيَاقُوتٍ، وَزَبَرْجَدٍ، وَلُؤْلُؤٍ، وَعَقِيقٍ، وَسَبَجٍ، وَكُحْلٍ، وَزُجَاجٍ، وَزِرْنِيخٍ، وَمَغْرَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ، كَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَنَحْوِهِمَا، وَيُقَوَّمُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَجَمِيعُ الْمَعَادِنِ عِنْدَهُ تُزَكَّى، وَاللَّازِمُ فِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّكَازِ، فَفِيهِ عِنْدَهُ الْخُمُسُ، وَهُوَ عِنْدَهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا يَنْطَبِعُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ النِّصَابُ فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِلُزُومِ الْعُشْرِ فِي الْمَعْدِنِ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ، عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ»، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِهِ، وَتَابَعَهُ عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُمَا مَتْرُوكَانِ. اهـ. وَعُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ ضَعِيفٌ، مِنْ
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي زَكَاةِ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ مِنَ الْمَعَادِنِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَعَادِنِ الزَّكَاةُ، إِلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خَاصَّةً، فَإِذَا أَخْرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ إِخْرَاجِهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِهِمَا. إِلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَزِئْبَقٍ، وَرَصَاصٍ، وَصُفْرٍ، وَحَدِيدٍ، وَيَاقُوتٍ، وَزَبَرْجَدٍ، وَلُؤْلُؤٍ، وَعَقِيقٍ، وَسَبَجٍ، وَكُحْلٍ، وَزُجَاجٍ، وَزِرْنِيخٍ، وَمَغْرَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ، كَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَنَحْوِهِمَا، وَيُقَوَّمُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَجَمِيعُ الْمَعَادِنِ عِنْدَهُ تُزَكَّى، وَاللَّازِمُ فِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّكَازِ، فَفِيهِ عِنْدَهُ الْخُمُسُ، وَهُوَ عِنْدَهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا يَنْطَبِعُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ النِّصَابُ فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِلُزُومِ الْعُشْرِ فِي الْمَعْدِنِ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ، عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ»، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِهِ، وَتَابَعَهُ عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُمَا مَتْرُوكَانِ. اهـ. وَعُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ ضَعِيفٌ، مِنْ
142
شُيُوخِ بَقِيَّةَ الْمَجْهُولِينَ، قَالَهُ فِي «التَّقْرِيبِ» وَاحْتَجَّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ» عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ. فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلَّا الزَّكَاةُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا، لَيْسَتْ فِيهِ زِيَادَةُ: وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، إِلَخْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ: لَيْسَ هَذَا مَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِقْطَاعُهُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ دُونَ الْخُمُسِ فَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ، مَوْصُولًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو سَبْرَةَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنَ الْوَجْهَيْنِ. اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ»، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ - مِنْ نَوْعِ الِاسْتِدْلَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَالِاسْتِصْحَابُ الْمَقْلُوبُ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِثُبُوتِ الْأَمْرِ فِي الزَّمَنِ الْحَاضِرِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي.
قَالَ صَاحِبُ «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» : أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِثُبُوتِهِ فِي الثَّانِي فَمَقْلُوبٌ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ.
وَقَالَ: فِي «نَشْرِ الْبُنُودِ» : وَقَدْ يُقَالُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ أَمْسِ ; إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ الْخَالِي عَنِ الثُّبُوتِ فِيهِ، أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَفْرُوضُ الثُّبُوتِ الْآنَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ أَمْسِ أَيْضًا، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْوَقْفِ، إِذَا جُهِلَ مَصْرِفُهُ وَوُجِدَ عَلَى حَالَةٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا ; لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ: لَيْسَ هَذَا مَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِقْطَاعُهُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ دُونَ الْخُمُسِ فَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ، مَوْصُولًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ» وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو سَبْرَةَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنَ الْوَجْهَيْنِ. اهـ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّإِ»، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ - مِنْ نَوْعِ الِاسْتِدْلَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَالِاسْتِصْحَابُ الْمَقْلُوبُ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِثُبُوتِ الْأَمْرِ فِي الزَّمَنِ الْحَاضِرِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي.
قَالَ صَاحِبُ «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» : أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِثُبُوتِهِ فِي الثَّانِي فَمَقْلُوبٌ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ.
وَقَالَ: فِي «نَشْرِ الْبُنُودِ» : وَقَدْ يُقَالُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ أَمْسِ ; إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ الْخَالِي عَنِ الثُّبُوتِ فِيهِ، أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَفْرُوضُ الثُّبُوتِ الْآنَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ أَمْسِ أَيْضًا، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْوَقْفِ، إِذَا جُهِلَ مَصْرِفُهُ وَوُجِدَ عَلَى حَالَةٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا ; لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ
143
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْوَقْفِ، وَمَثَّلَ لَهُ «الْمُحَلَّى»، بِأَنْ يُقَالَ فِي الْمِكْيَالِ الْمَوْجُودِ: كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي الْمَاضِي، وَوَجْهُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا ; أَنَّ لَفْظَ: فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ يَدُلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ أَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» إِلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِصْحَابِ الْمَذْكُورِ فِي «كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ» بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
عَنْ نَصٍّ فَلَمْ يُلْفَ وَهَذَا الْبَحْثُ وَفْقًا مُنْحَتِمْ....
إِلَى أَنْ قَالَ، وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ: [الرَّجَزِ]
وَأَمَّا الرِّكَازُ: فَفِيهِ الْخُمُسُ بِلَا نِزَاعٍ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورٌ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَعَادِنِ اسْمُ الرِّكَازِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهُ آنِفًا ; فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِالْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِلْمُغَايَرَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ رِكَازٌ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرِّكَازُ؟ قَالَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَخْلُوقَانِ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»، وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : رَوَاهُ: الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَتَابَعَهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ،
وَقَدْ أَشَارَ فِي «مَرَاقِي السُّعُودِ» إِلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِصْحَابِ الْمَذْكُورِ فِي «كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ» بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزِ]
وَرَجَّحَنَّ كَوْنَ الِاسْتِصْحَابِ لِلْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ | مِنْ ذَا الْبَابِ بَعْدَ قُصَارَى الْبَحْثِ |
إِلَى أَنْ قَالَ، وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ: [الرَّجَزِ]
وَمَا بِمَاضٍ مُثْبِتٍ لِلْحَالِ | فَهُوَ مَقْلُوبٌ وَعَكْسُ الْخَالِي |
كَجَرْيِ مَا جُهِلَ فِيهِ الْمَصْرِفُ | عَلَى الَّذِي الْآنَ لِذَاكَ يُعْرَفُ |
فَذَهَبَ جُمْهُورٌ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَعَادِنِ اسْمُ الرِّكَازِ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهُ آنِفًا ; فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِالْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِلْمُغَايَرَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ رِكَازٌ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرِّكَازُ؟ قَالَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَخْلُوقَانِ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»، وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : رَوَاهُ: الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَتَابَعَهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ،
144
وَعَبْدُ اللَّهِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَحِبَّانُ ضَعِيفٌ.
وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي «الصِّحَاحِ»، وَغَيْرِهَا بِدُونِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي «الْجَدِيدِ» : يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً دُونَ غَيْرِهِمَا، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا كَانَ فِي تَحْصِيلِ الْمَعْدِنِ مَشَقَّةٌ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا الْآيَةَ.
لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ رَفْعَ هَذَا التَّشْدِيدِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ الْآيَةَ [٩ ٩١]، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الرِّقَابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ: الْمُكَاتَبُونَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُكَاتَبِينَ: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [٢٤ ٣٣]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرِّقَابُ أَعَمُّ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ.
وَذَكَرَ فِي «الْأَحْزَابِ» أَنَّهُ مَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ لَهُ الْعَذَابَ الْمُهِينَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [٣٣ ٥٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: مَا تَحْذَرُونَ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْذَرُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ سُورَةً تَفْضَحُهُمْ، وَتُبَيِّنُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ مِنَ الْخُبْثِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مُخْرِجٌ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي «الصِّحَاحِ»، وَغَيْرِهَا بِدُونِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي «الْجَدِيدِ» : يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً دُونَ غَيْرِهِمَا، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا كَانَ فِي تَحْصِيلِ الْمَعْدِنِ مَشَقَّةٌ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا الْآيَةَ.
لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ رَفْعَ هَذَا التَّشْدِيدِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ الْآيَةَ [٩ ٩١]، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الرِّقَابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ: الْمُكَاتَبُونَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُكَاتَبِينَ: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [٢٤ ٣٣]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرِّقَابُ أَعَمُّ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ.
وَذَكَرَ فِي «الْأَحْزَابِ» أَنَّهُ مَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ لَهُ الْعَذَابَ الْمُهِينَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [٣٣ ٥٧].
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: مَا تَحْذَرُونَ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْذَرُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ سُورَةً تَفْضَحُهُمْ، وَتُبَيِّنُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ مِنَ الْخُبْثِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مُخْرِجٌ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
[٤٧ ٢٩] إِلَى قَوْلِهِ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [٤٧ ٣٠]، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ شِدَّةَ خَوْفِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [٦٣ ٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مَا وَجَدُوا شَيْئًا يَنْقِمُونَهُ، أَيْ: يَعِيبُونَهُ وَيَنْتَقِدُونَهُ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فَأَغْنَاهُمْ بِمَا فَتَحَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعَابَ أَوْ يُنْقَمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [٨٥ ٨]، وَقَوْلِهِ: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [٧ ١٢٦]، وَقَوْلِهِ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [٢٢ ٤٠].
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: قَوْلُ نَابِغَةِ ذِبْيَانَ: [الطَّوِيلِ]
وَقَوْلِ الْآخَرِ: [الْمُنْسَرِحِ]
وَقَوْلِ الْآخَرِ: [الْوَافِرِ]
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ.
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ شِدَّةَ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [٦٦ ٦]، وَقَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [٧ ١٥، ١٦]، وَقَوْلِهِ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [٤ ٥٦]، وَقَوْلِهِ: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [٢٢ ١٩ - ٢١]، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الْآيَةَ [١٨ ٢٩]، وَقَوْلِهِ: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [٤٧ ١٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
تَنْبِيهٌ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَزْنِ جَهَنَّمَ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ، فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّ
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مَا وَجَدُوا شَيْئًا يَنْقِمُونَهُ، أَيْ: يَعِيبُونَهُ وَيَنْتَقِدُونَهُ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ فَأَغْنَاهُمْ بِمَا فَتَحَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعَابَ أَوْ يُنْقَمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [٨٥ ٨]، وَقَوْلِهِ: وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا [٧ ١٢٦]، وَقَوْلِهِ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [٢٢ ٤٠].
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: قَوْلُ نَابِغَةِ ذِبْيَانَ: [الطَّوِيلِ]
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ | بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ |
مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا | أَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ إِنْ غَضِبُوا |
فَمَا يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ فَإِنِّي | جَبَانُ الْكَلْبِ مَهْزُولُ الْفَصِيلِ |
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ شِدَّةَ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [٦٦ ٦]، وَقَوْلِهِ: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى [٧ ١٥، ١٦]، وَقَوْلِهِ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [٤ ٥٦]، وَقَوْلِهِ: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [٢٢ ١٩ - ٢١]، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الْآيَةَ [١٨ ٢٩]، وَقَوْلِهِ: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [٤٧ ١٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
تَنْبِيهٌ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَزْنِ جَهَنَّمَ بِالْمِيزَانِ الصَّرْفِيِّ، فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّ
وَزْنَهُ «فَعَنَّلُ» فَالنُّونُ الْمُضَعَّفَةُ زَائِدَةٌ، وَأَصْلُ الْمَادَّةِ: الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ، مِنْ: تَجَهَّمَ: إِذَا عَبَسَ وَجْهُهُ ; لِأَنَّهَا تَلْقَاهُمْ بِوَجْهٍ مُتَجَهِّمٍ عَابِسٍ، وَتَتَجَهَّمُ وُجُوهُهُمْ وَتَعْبَسُ فِيهَا لِمَا يُلَاقُونَ مِنْ أَلَمِ الْعَذَابِ.
وَمِنْهُ قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيِّ: [الطَّوِيلِ]
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جَهَمَهُ: إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ كَرِيهٍ مُجْتَمِعٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْفَضْفَاضِ الْجُهَنِيِّ: [الطَّوِيلِ]
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: جَهَنَّمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْأَصْلُ «كَهِنَامُ» وَهُوَ بِلِسَانِهِمُ «النَّارُ»، فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَأَبْدَلُوا الْكَافَ جِيمًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا، إِلَى قَوْلِهِ: الْخَالِفِينَ، عَاقَبَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مَعَ نَبِيِّهِ، وَلَا الْقِتَالِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ شُؤْمَ الْمُخَالَفَةِ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ.
وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ [٤٨ ١٥] إِلَى قَوْلِهِ: كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلِهِ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [٦ ١١٠]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْخَالِفُ هُوَ الَّذِي يَتَخَلَّفُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الْغَزْوِ فَيَبْقَى مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّنْفَرَى: [الطَّوِيلِ]
وَلَا خَالِفٍ دَارِيَّةٍ مُتَرَبِّبٍ يَرُوحُ وَيَغْدُو دَاهِنًا يَتَكَحَّلُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ.
ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ، وَالْجِهَادِ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ الْأَغْنِيَاءُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَطَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ مَعَ الْقَاعِدِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوِ.
وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الشَّاكِّينَ
وَمِنْهُ قَوْلُ مُسْلِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيِّ: [الطَّوِيلِ]
شَكَوْتُ إِلَيْهَا حُبَّهَا فَتَبَسَّمَتْ | وَلَمْ أَرَ شَمْسًا قَبْلَهَا تَتَبَسَّمُ |
فَقُلْتُ لَهَا جُودِي فَأَبْدَتْ تَجَهُّمًا | لِتَقْتُلَنِي يَا حُسْنَهَا إِذْ تَجَهَّمُ |
وَلَا تَجَهَّمِينَا أُمَّ عَمْرٍو فَإِنَّمَا | بِنَا دَاءُ ظَبِيٍ لَمْ تَخُنْهُ عَوَامِلُهُ |
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا، إِلَى قَوْلِهِ: الْخَالِفِينَ، عَاقَبَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ مَعَ نَبِيِّهِ، وَلَا الْقِتَالِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ شُؤْمَ الْمُخَالَفَةِ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ.
وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ [٤٨ ١٥] إِلَى قَوْلِهِ: كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلِهِ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [٦ ١١٠]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْخَالِفُ هُوَ الَّذِي يَتَخَلَّفُ عَنِ الرِّجَالِ فِي الْغَزْوِ فَيَبْقَى مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّنْفَرَى: [الطَّوِيلِ]
وَلَا خَالِفٍ دَارِيَّةٍ مُتَرَبِّبٍ يَرُوحُ وَيَغْدُو دَاهِنًا يَتَكَحَّلُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ.
ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ، وَالْجِهَادِ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ الْأَغْنِيَاءُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَطَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ مَعَ الْقَاعِدِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوِ.
وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الشَّاكِّينَ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [٩ ٤٤، ٤٥]، وَبَيَّنَ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ مَطْبُوعٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ، بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ الْآيَةَ [٩ ٩٣]، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ شِدَّةَ جَزَعِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ، كَقَوْلِهِ: فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الْآيَةَ [٤٧ ٢٠]، وَقَوْلِهِ: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [٣٣ ١٩] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.
صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِإِحْسَانٍ، أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ مَعَهُمْ فِي رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَعْدِ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ بِإِحْسَانٍ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الْآيَةَ [٦٢ ٣]، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْآيَةَ [٥٩ ١٠]، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ [٨ ٧٥].
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ يَسُبُّهُمْ وَيُبْغِضُهُمْ، أَنَّهُ ضَالٌّ مُخَالِفٌ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ; حَيْثُ أَبْغَضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بُغْضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُضَادَّةٌ لَهُ جَلَّ وَعَلَا، وَتَمَرُّدٌ وَطُغْيَانٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ الْآيَةَ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ تَعَالَى نَظِيرَ ذَلِكَ عَنْ نُوحٍ فِي قَوْلِهِ عَنْهُ: قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الْآيَةَ [٢٦ ١١٢].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.
صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِإِحْسَانٍ، أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ مَعَهُمْ فِي رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَعْدِ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا السَّابِقِينَ بِإِحْسَانٍ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْخَيْرِ كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ الْآيَةَ [٦٢ ٣]، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْآيَةَ [٥٩ ١٠]، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ [٨ ٧٥].
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ يَسُبُّهُمْ وَيُبْغِضُهُمْ، أَنَّهُ ضَالٌّ مُخَالِفٌ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ; حَيْثُ أَبْغَضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بُغْضَ مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُضَادَّةٌ لَهُ جَلَّ وَعَلَا، وَتَمَرُّدٌ وَطُغْيَانٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ الْآيَةَ.
صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ تَعَالَى نَظِيرَ ذَلِكَ عَنْ نُوحٍ فِي قَوْلِهِ عَنْهُ: قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الْآيَةَ [٢٦ ١١٢].
وَذَكَرَ نَظِيرَهُ عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ فِي قَوْلِهِ: بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ اهـ.
وَقَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ.
لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ الْمَوْعِدَةَ الَّتِي وَعَدَهَا إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» بِقَوْلِهِ: قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْثَ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْفُسِنَا الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُشْعِرَةِ بِغَايَةِ الْكَمَالِ، وَغَايَةِ شَفَقَتِهِ عَلَيْنَا - هُوَ أَعْظَمُ مِنَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَجْزَلُ نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ [٣ ١٦٤]، وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [١٤ ٢٨] وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [٢١ ١٠٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ ذَلِكَ، فَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، هُوَ شَأْنُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ.
كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ عَنْ هُودٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ الْآيَةَ [١١ ٥٤ - ٥٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ: وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا
وَقَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ.
لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ الْمَوْعِدَةَ الَّتِي وَعَدَهَا إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» بِقَوْلِهِ: قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْثَ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْفُسِنَا الَّذِي هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُشْعِرَةِ بِغَايَةِ الْكَمَالِ، وَغَايَةِ شَفَقَتِهِ عَلَيْنَا - هُوَ أَعْظَمُ مِنَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَجْزَلُ نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ [٣ ١٦٤]، وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [١٤ ٢٨] وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [٢١ ١٠٧] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
أَمَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ ذَلِكَ، فَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، هُوَ شَأْنُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ.
كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ عَنْ هُودٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ الْآيَةَ [١١ ٥٤ - ٥٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ جُمْلَةِ الرُّسُلِ: وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا
149
سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا:
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى عِظَمِ تَوَكُّلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ:
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى عِظَمِ تَوَكُّلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ | أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبْ |