مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان
وآياتها ١٢٩ نزلت بعد المائدة
وتسمى سورة التوبة، وتسمى أيضا الفاضحة لأنها كشفت أسرار المنافقين، واتفقت المصاحف والقراء على إسقاط البسملة من أولها، واختلف في سبب ذلك، فقال عثمان بن عفان : اشتبهت معانيها بمعاني الأنفال وكانت تدعى القرينتين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك قرنت بينهما فوضعتهما في السبع الطوال وكان الصحابة قد اختلفوا هل هما سورتان أو سورة واحدة فتركت البسملة بينهما لذلك، وقال علي بن أبي طالب البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، فلذلك لم تبدأ بالأمان.
مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان وآياتها ١٢٩: نزلت بعد المائة (سورة براءة)
وتسمى سورة التوبة، وتسمى أيضا الفاضحة: لأنها كشفت أسرار المنافقين، واتفقت المصاحف والقراء على إسقاط البسملة من أولها، واختلف في سبب ذلك، فقال عثمان بن عفان: اشتبهت معانيها بمعاني الأنفال، وكانت تدعى القرينتين في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلذلك قرنت بينهما فوضعتهما في السبع الطوال. وكان الصحابة قد اختلفوا هل هما سورتان أو سورة واحدة؟ فتركت البسملة بينهما لذلك وقال علي بن أبي طالب: البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، فلذلك لم تبدأ بالأمان بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ المراد بالبراءة التبرؤ من المشركين، وارتفاع براءة على أنه خبر ابتداء أو مبتدأ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تقدير الكلام: براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين، فمن وإلى يتعلقان بمحذوف لا ببراءة، وإنما أسند العهد إلى المسلمين في قوله عاهدتم، لأن فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لازم للمسلمين، فكأنهم هم الذين عاهدوا المشركين، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد عاهد المشركين إلى آجال محدودة، فمنهم من وفى فأمر الله أن يتم عهده إلى مدته، ومنهم من نقض، أو قارب النقض فجعل له أجل أربعة أشهر، وبعدها لا يكون له عهد فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي سيروا آمنين أربعة أشهر، وهي الأجل الذي جعل لهم، واختلف في وقتها فقيل: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، لأن السورة نزلت حينئذ وذلك عام تسعة، وقيل: هي من عيد الأضحى إلى تمام العشر الأول من ربيع الآخر، لأنهم إنما علموا بذلك حينئذ، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث تلك السنة أبا بكر الصديق يحج بالناس، ثم بعث بعده علي بن أبي طالب فقرأ على الناس سورة براءة يوم عرفة وقيل: يوم النحر غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي لا تفوتونه
وَأَذانٌ أي إعلام بتبرّي الله تعالى ورسوله من المشركين إِلَى النَّاسِ جعل البراءة مختصة بالمعاهدين من المشركين، وجعل الإعلام بالبراءة عاما لجميع الناس: من عاهد، ومن لم يعاهد، والمشركين وغيرهم الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو يوم عرفة أو يوم النحر، وقيل: أيام الموسم كلها، وعبر عنها بيوم كقولك يوم
لا يَرْقُبُوا أي لا يراعوا إِلًّا وَلا ذِمَّةً الإلّ القرابة، وقيل: الحلف، والذمة العهد وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ استثنى من قضي له بالإيمان أَئِمَّةَ الْكُفْرِ «١» أي رؤساء أهله قيل:
إنهم أبو جهل لعنه الله، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكى ذلك الطبري وهو ضعيف لأن أكثر هؤلاء كان قد مات قبل نزول هذه السورة، والأحسن أنها على العموم لا أَيْمانَ لَهُمْ أي لا أيمان لهم يوفون بها، وقرئ لا إيمان «٢» بكسر الهمزة لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ يتعلق بقاتلوا وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ قيل: يعني إخراجه من المدينة حين قاتلوه بالخندق وأحد، وقيل: يعني إخراجه من مكة إذا تشاوروا فيه بدار الندوة ثم خرج هو بنفسه وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني: إذايتهم للنبي صلّى الله عليه واله وسلّم والمسلمين بمكة يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ يريد بالقتل والأسر وفي ذلك وعد للمسلمين بالظفر قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قيل: إنهم خزاعة والإطلاق أحسن وَيَتُوبُ اللَّهُ استئناف إخبار فإن الله يتوب على بعض هؤلاء الكفار فيسلم أَمْ حَسِبْتُمْ الآية:
معناها أن الله لا يتركهم دون تمحيص يظهر فيه الطيب من الخبيث، وأم هنا بمعنى بل والهمزة، يَعْلَمِ اللَّهُ أي: يعلم ذلك موجبا لتقوم به الحجة وَلِيجَةً أي بطانة
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ أي ليس لهم ذلك بالحق والواجب، وإن كانوا قد عمروها تغليبا وظلما «٣»، ومن قرأ مساجد بالجمع أراد جميع المساجد، ومن قرأ «٤» بالتوحيد أراد المسجد الحرام شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أي أن أحوالهم وأقوالهم تقتضي الإقرار بالكفر، وقيل: الإشارة إلى قولهم في التلبية: لا شريك لك إلا شريكا هو
(٢). وهي قراءة ابن عامر فقط.
(٣). كذا في الأصل المطبوع فلعلها محرفة.
(٤). قرأ ابن كثير وأبو عمرو: مسجد في الآيتين.
وقال العباس: أنا صاحب السقاية، وقال علي: لقد أسلمت قبل الناس، وجاهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ الآية قيل: نزلت فيمن ثبط عن الهجرة ولفظها عام وكذلك حكمها فَتَرَبَّصُوا وعيد لمن آثر أهله أو ماله أو مسكنه على الهجرة والجهاد بِأَمْرِهِ قيل: يعني فتح مكة، وقيل: هو إشارة إلى عذاب أو عقاب وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على مواطن أو منصوب بفعل مضمر، وهذا أحسن لوجهين: أحدهما أن قوله: إذ أعجبتكم كثرتكم مختص بحنين، ولا يصح في غيره من المواطن فيضعف عطف يوم حنين على المواطن للاختلاف الذي بينهما في ذلك، والآخر أن مواطن ظرف مكان، ويوم حنين ظرف زمان، فيضعف عطف أحدهما على الآخر، إلا أن يريد بالمواطن الأوقات، وحنين: اسم علم لموضع عرف برجل اسمه حنين وانصرف لأنه مذكر إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ كانوا يومئذ اثنا عشر ألفا، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم ففرّ الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار وقال: شاهت الوجوه، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار وقصة حنين مذكورة في السير بِما رَحُبَتْ أي ضاقت على كثرة اتساعها وما هنا مصدرية وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني: الملائكة ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ إشارة إلى إسلام هوازن الذين قاتلوا المسلمين بحنين.
وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ قال ابن
قال أبو المعالي: أطبقت النصارى على أن المسيح إله وابن إله وذلك كفر شنيع بِأَفْواهِهِمْ يتضمن معنيين أحدهما: إلزامهم هذه المقالة والتأكيد في ذلك، والثاني: أنهم لا حجة لهم في ذلك، وإنما هو مجرد دعوى كقولك لمن تكذبه: هذا قول بلسانك يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ معنى يضاهئون يشابهون، فإن كان الضمير لليهود والنصارى، فالإشارة بقوله الذين كفروا من قبل للمشركين من العرب إذ قالوا: الملائكة بنات الله، وهم أول كافر. أو للصابئين أو لأمم متقدمة وإن كان الضمير للمعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم من اليهود والنصارى، فالذين كفروا من قبل هم أسلافهم المتقدمون قاتَلَهُمُ اللَّهُ دعاء عليهم، وقيل: معناه لعنهم الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ تعجب كيف يصرفون عن الحق والصواب اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً أي أطاعوهم كما يطاع الرب وإن كانوا لم يعبدوهم وَالْمَسِيحَ معطوف على الأحبار والرهبان وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أي أمرهم بذلك عيسى ومحمد صلّى الله عليه واله وسلم يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ أي يريدون أن يطفئوا نبوة محمد صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم وما جاء به من عبادة الله وتوحيده بِأَفْواهِهِمْ إشارة إلى أقوالهم كقولهم ساحر وشاعر، وفيه أيضا إشارة إلي ضعف حيلتهم فيما أرادوا لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ الضمير للرسول صلّى الله عليه واله وسلّم، أو للدين، وإظهاره جعله أعلى الأديان وأقواها حتى يعم المشارق والمغارب، وقيل: ذلك عند نزول عيسى ابن مريم حتى لا يبقى إلا دين الإسلام
لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ هو الرشا
اثْنا عَشَرَ شَهْراً هي الأشهر المعروفة أولها المحرم وآخرها ذو الحجة، وكان الذي جعل المحرم أول شهر من العام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فِي كِتابِ اللَّهِ أي: في اللوح المحفوظ، وقيل: في القرآن والأوّل أرجح لقوله: يوم خلق السموات والأرض مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعني أن تحريم الأشهر الحرم هو الدين المستقيم، دين إبراهيم وإسماعيل، وكانت العرب قد تمسكت به حتى غيّره بعضهم فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ الضمير في قوله: فيهن للأشهر الحرم، تعظيما لأمرها وتغليظ للذنوب فيها، وإن كان الظلم ممنوعا في غيرها، وقيل:
الضمير للاثني عشر شهرا، أو الزمان كله، والأوّل أظهر وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً أي قاتلوهم في الأشهر الحرم، فهذا نسخ لتحريم القتال فيها، وكافة حال من الفاعل أو المفعول إِنَّمَا النَّسِيءُ وهو تأخير حرمة الشهر إلى الشهر الآخر، وذلك أن العرب كانوا أصحاب حروب وإغارات، وكانت محرّمة عليهم في الأشهر الحرم، فيشق عليهم تركها فيجعلونها في شهر حرام ويحرمون شهرا آخر بدلا منه، وربما أحلوا المحرم وحرموا صفر حتى تكمل في العام أربعة أشهر محرمة يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً أي تارة يحلون وتارة يحرمون، ولم يرد العام حقيقة لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أي ليوافقوا عدد الأشهر الحرم وهي أربعة فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ يعني: إحلالهم القتال في الأشهر الحرم
ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا عتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ عبارة عن
ارتبط هذا الشرط مع جوابه، فالجواب: أن المعنى إن لم تنصروه أنتم فسينصره الله الذي نصره حين كان ثاني اثنين، فدل بقوله نصره الله على نصره في المستقبل إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني خروجه من مكة مهاجرا إلى المدينة، وأسند إخراجه إلى الكفار، لأنهم فعلوا معه من الأذى ما اقتضى خروجه ثانِيَ اثْنَيْنِ هو أبو بكر الصديق إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ يعني أبا بكر إِنَّ اللَّهَ مَعَنا يعني بالنصر واللطف فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ الضمير للرسول صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وقيل: لأبي بكر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نزل معه السكينة، ويضعف ذلك بأن الضمائر بعدها للرسول عليه السلام وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها يعني الملائكة يوم بدر وغيره وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى يريد إذلالها ودحضها.
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا قيل هي: لا إله إلا الله، وقيل: الدين كله.
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أمر بالنفير إلى الغزو، والخفة استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة، والثقل من يمكنه بصعوبة، وقال بعض العلماء: الخفيف: الغني، والثقيل:
الفقير، وقيل: الخفيف الشاب، والثقيل الشيخ، وقيل: الخفيف النشيط، والثقيل الكسلان، وهذه الأقوال أمثلة في الثقل والخفة، وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله: ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً الآية: نزلت هي وكثير مما بعدها في هذه السورة في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وذلك أنها كانت إلى أرض بعيدة وكانت في شدّة الحر وطيب الثمار والظلال، فثقلت عليهم فأخبر الله في هذه الآية أن السفر لو كان لعرض من الدنيا، أو إلى مسافة قريبة لفعلوه بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ أي الطريق والمسافة وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إخبار بغيب وهو أنهم يعتذرون بأعذار كاذبة ويحلفون يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ أي يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذبة، أو تخلفهم عن الغزو
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ الآية: كان بعض المنافقين قد استأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في التخلف عن غزوة تبوك فأذن لهم، فعاتبه الله تعالى على إذنه لهم، وقدم العفو على العتاب إكراما له
أصلحك الله حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ كانوا قد قالوا: استأذنوه في القعود، فإن أذن لنا قعدنا، وإن لم يأذن لنا قعدنا، وإنما كان يظهر الصدق من الكذب لو لم يأذن لهم، فحينئذ كان يقعد العاصي والمنافق ويسافر المطيع لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الآية: لا يستأذنك في التخلف عن الغزو لغير عذر من يؤمن بالله واليوم الآخر وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي شكت، ونزلت الآية في عبد الله بن أبيّ بن سلول والجد بن قيس وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ الآية. أي لو كانت لهم نية في الغزو والاستعداد له قبل أوانه:
انْبِعاثَهُمْ أي خروجهم فَثَبَّطَهُمْ أي كسر عزمهم وجعل في قلوبهم الكسل وَقِيلَ اقْعُدُوا يحتمل أن يكون القائل لهم اقعدوا هو الله تعالى، وذلك عبارة عن قضائه عليهم بالقعود، ويحتمل أن يكون ذلك من قول بعضهم لبعض مَعَ الْقاعِدِينَ أي مع النساء والصبيان وأهل الأعذار، وفي ذلك ذم لهم لاختلاطهم في القعود مع هؤلاء لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي شرا وفسادا وَلَأَوْضَعُوا أي أسرعوا السير، والإيضاع سرعة السير، والمعنى أنهم يسرعون للفساد والنميمة خِلالَكُمْ أي بينكم يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي يحاولون أن يفتنوكم سَمَّاعُونَ لَهُمْ وقيل: يسمعون أخبارهم وينقلونها إليهم لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي طلبوا الفساد، وروى أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه من المنافقين وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أي دبروها من كل وجه، فأبطل الله سعيهم وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي لما دعا النبي صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم إلى غزوة تبوك قال الجد بن قيس وكان من المنافقين: ائذن لي في القعود ولا تفتني برؤية بني الأصفر فإني لا أصبر عن النساء أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أي وقعوا في الفتنة التي فروا منها إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ الحسنة هنا النصر والغنيمة وشبه ذلك يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ أي قد حذرنا وتأهبنا من قبل قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا أي ما قدر
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أي هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله وكل واحد من الخصلتين حسن بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ المصائب وما ينزل من السماء أو عذاب الآخرة أَوْ بِأَيْدِينا يعني القتل فَتَرَبَّصُوا تهديد قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ تضمن الأمر هنا معنى الشرط، فاحتاج إلى جواب، والمعنى: لن يتقبل منكم سواء أنفقتم طوعا أو كرها، والطوع والكره عموم في الإنفاق أي: لن يتقبل على كل حال وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا تعليل لعدم قبول نفقاتهم بكفرهم، ويحتمل أن يكون إنهم كفروا فاعل ما منعهم، أو في موضع مفعول من أجله والفاعل الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها قيل: العذاب في الدنيا بالمصائب، وقيل: ما ألزموا من أداء الزكاة وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ إخبار بأنهم يموتون على الكفر وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي من المؤمنين يَفْرَقُونَ يخافون لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أي ما يلجأ إليه من المواضع أَوْ مَغاراتٍ هي الغيران في الجبال أَوْ مُدَّخَلًا وزنه مفتعل من الدخول ومعناه نفق أو سرب في الأرض يَجْمَحُونَ أي يسارعون وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ أي يعيبك على قسمتها، والآية في المنافقين كالتي قبلها وبعدها وقيل: في ذي الخويصرة الذي قال:
اعدل يا محمد فإنك لم تعدل. فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم:
«ويلك إن لم أعدل فمن يعدل «١» الحديث» وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا الآية: ترغيب لهم فيما هو خير لهم، وجواب لو محذوف تقديره: لكان ذلك خيرا لهم.
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية: إنما هنا تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الأصناف الثمانية، فلا يجوز أن يعطى منها غيرهم، ومذهب مالك أن تفريقها
التقدير فواجب أن له، فهي في موضع خبر مبتدأ محذوف يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ يعني في شأنهم سورة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، والضمائر في عليهم وتنبئهم وقلوبهم تعود على المنافقين، وقال الزمخشري: إن الضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين، وفي قلوبهم للمنافقين، والأول أظهر قُلِ اسْتَهْزِؤُا تهديد إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ صنع ذلك بهم
إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ نزلت في وديعة بن ثابت بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: هذا يريد أن يفتح قصور الشام هيهات هيهات، فسأله عن ذلك فقال:
إنما كنا نخوض ونلعب إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ كان رجل منهم اسمه مخشن تاب ومات شهيدا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ نفي لأن يكونوا من المؤمنين وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ كناية عن البخل نَسُوا اللَّهَ أي غفلوا عن ذكره فَنَسِيَهُمْ تركهم من رحمته وفضله وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ الأصل في الشر أن يقال أوعد، وإنما يقال فيه وعد إذا صرح بالشر وَالْكُفَّارَ يعني المجاهرين بالكفر كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ خطاب للمنافقين، والكاف في موضع نصب، والتقدير، فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم، أو في موضع خبر مبتدأ تقديره: أنتم كالذين من قبلكم وَخُضْتُمْ أي خلطتم وهو مستعار من الخوض في الماء، ولا يقال إلا في الباطل من الكلام كَالَّذِي خاضُوا تقديره كالخوض الذي خاضوا، وقيل: كالذين خاضوا، فالذي هنا على هذا بمعنى الجميع أَلَمْ يَأْتِهِمْ الآية: تهديد لهم بما أصاب الأمم المتقدمة وَالْمُؤْتَفِكاتِ يعني مدائن قوم لوط بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في مقابلة قوله: المنافقون بعضهم من بعض، ولكنه خص المؤمنين بالوصف بالولاية جَنَّاتِ عَدْنٍ قيل: عدن هي مدينة الجنة وأعظمها، وقال الزمخشري هو اسم علم وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ أي رضوان من الله أكبر من كل ما ذكر، وذلك معنى ما ذكر في الحديث: «إن الله تعالى يقول لأهل الجنة أتريدون شيئا أزيدكم، فيقولون
جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين باللسان ما لم يظهر ما يدل على كفرهم، فإن ظهر منهم ذلك فحكمهم كحكم الزنديق، وقد اختلف هل يقتل أم لا وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ الغلظة ضد الرحمة والرأفة، وقد تكون بالقول والفعل وغير ذلك يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا نزلت في الجلاس بن سويد، فإنه قال: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير، فبلغ ذلك النبي صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم، فقرأه عليه فحلف أنه ما قاله وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ يعني ما تقدم من قول الجلاس لأن ذلك يقتضى التكذيب وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ لم يقل بعد إيمانهم، لأنهم كانوا يقولون بألسنتهم آمنا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا هم الجلاس بقتل من بلغ تلك الكلمة عنه، وقيل: هم بقتل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل: الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول، وكلمة الكفر التي قالها قوله: سمن كلبك يأكلك، وهمه بما لم يناله قوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ أي ما عابوا إلا الغني الذي كان حقه أن يشكروا عليه، وذلك في الجلاس أو في عبد الله بن أبيّ فَإِنْ يَتُوبُوا فتح الله لهم باب التوبة فتاب الجلاس وحسن حاله.
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ الآية: نزلت في ثعلبة بن حاطب، وذلك أنه قال يا رسول الله:
ادع الله أن يكثر مالي. فقال له رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فأعاد عليه حتى دعا له فكثر ماله، فتشاغل به حتى ترك الصلوات، ثم امتنع من أداء الزكاة، فنزلت فيه الآية فجاء بزكاته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأعرض عنه ولم يأخذها منه، وقال: إن الله أمرني أن لا آخذ زكاتك، ثم لم يأخذها منه أبو بكر ولا عمر ولا عثمان بَخِلُوا بِهِ إشارة إلى منعه الزكاة فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً عقوبة على العصيان بما هو أشد منه إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ حكم بوفاته على النفاق
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ نزلت في المنافقين حين تصدق
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ قيل: يعني براءة والأرجح أنه على الإطلاق أَنْ آمِنُوا أن هنا مفسرة اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ أي أولو الغنى والمال الكثير لكِنِ الرَّسُولُ الآية أي إن تخلف هؤلاء فقد جاهد الرسول ومن معه الْخَيْراتُ تعم منافع الدارين وقيل: هو الحور العين لقوله: خيرات حسان وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ هم المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ونقلت حركتها إلى العين، واختلف هل كانوا في اعتذارهم صادقين أو كاذبين وقيل:
هم المقصرون من عذر في الأمر إذا قصّر فيه ولم يجد، فوزنه على هذا المفعلون وروي أنها نزلت في قوم من غفار وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ هم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم فكذبوا في دعواهم الإيمان سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ أي من المعذرين.
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى هذا رفع للحرج عن أهل الأعذار الصحيحة من ضعف البدن والفقر إذا تركوا الغزو. وقيل: إن الضعفاء هنا هم النساء والصبيان وهذا بعيد وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ قيل: نزلت في بني مقرن وهم ستة إخوة صحبوا النبي صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم وقيل: في عبد الله بن مغفل المزني إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ يعني: بنياتهم وأقوالهم، وإن لم يخرجوا للغزو ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قيل: هم بنو مقرن وقيل ابن مغفل وقيل سبعة نفر من بطون شتى وهم البكاؤون ومعنى لتحملهم على الإبل وجواب إذا يحتمل أن يكون قلت لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ أو تولوا إذا رجعتم يعني من غزوة تبوك
لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ لن نصدقكم مِنْ أَخْبارِكُمْ نعت لمحذوف وهو المفعول الثاني تقديره: قد نبأنا الله جملة من
من حضر بيعة الرضوان وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ سائر الصحابة ويدخل في ذلك التابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة بشرط الإحسان مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أي اجترءوا عليه وقيل: أقاموا عليه سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ العذاب العظيم هو عذاب النار وأما المرتان قبله، فالثانية منهما عذاب القبر، والأولى عذابهم بإقامة الحدود عليهم وقيل:
بفضيحتهم بالنفاق وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الآية: قيل: إنها نزلت في أبي لبابة الأنصاري فعمله الصالح الجهاد وعمله السيء نصيحته لبني قريظة، وقيل: هو لمن تخلف عن تبوك من المؤمنين فعملهم الصالح ما سبق لهم، وعملهم السيئ تخلفهم عن تبوك، وروى أنهم ربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد، وقالوا: لا نحل أنفسنا حتى يحلنا رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم. وقيل: هي عامة في الأمة إلى يوم القيامة.
قال بعضهم: ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً قيل: نزلت في المتخلفين الذين ربطوا أنفسهم لما تاب الله عليهم قالوا: يا رسول
عام. وفائدة الضمير المؤكد تخصيص الله تعالى بقبول التوبة دون غيره وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ قيل: معناه يأمر بها، وقيل: يقبلها من عباده وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ قيل: هم الثلاثة الذين خلفوا قبل أن يتوب الله عليهم. وقيل: هم الذين بنوا مسجد الضرار، وقرئ مرجئون بالهمز «١» وتركه وهما لغتان ومعناه التأخير وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً قرئ الذين بغير واو «٢» صفة لقوله وآخرون مرجون أو على تقديرهم الذين وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجون لأمر الله هم أهل مسجد الضرار، وقرئ والذين بالواو عطف على آخرون مرجون وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجئين أنهم الثلاثة الذين خلفوا ضِراراً وَكُفْراً كانوا بنو عمرو بن عوف من الأنصار قد بنوا مسجد قباء، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيه ويصلي فيه، فحسدهم على ذلك قومهم بنو غنم بن عوف وبنو سالم بن عوف فبنوا مسجدا آخر مجاورا له ليقطعوا الناس عن الصلاة في مسجد قباء، وذلك هو الضرار الذي قصدوا وسألوا من رسول الله صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم أن يأتيه، ويصلي لهم فيه فنزلت عليه فيه هذه الآية وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ أرادوا أن يتفرّق المؤمنون عن مسجد قباء وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ أي انتظارا لمن حارب الله ورسوله، وهو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفاسق وكان من أهل المدينة، فلما قدمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاهر بالكفر والنفاق، ثم خرج إلى مكة فحزّب الأحزاب من المشركين، فلما فتحت مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام، ليستنصر بقيصر فهلك هناك. وكان أهل مسجد الضرار يقولون: إذا قدم أبو عامر المدينة يصلي في هذا المسجد. والإشارة بقوله من قبل إلى ما فعل معه الأحزاب وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى
(٢). قرأ نافع وابن عامر: الذين وقرأ الباقون: والذين.
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً نهي عن إتيانه والصلاة فيه، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يمر بطريقه لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى قيل: هو مسجد قباء، وقيل: مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وقد روي ذلك عن رسول الله صلّى الله تعالى عليه واله وسلّم فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا كانوا يستنجون بالماء ونزلت في الأنصار على قول من قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد المدينة، ونزلت في بني عمرو بن عوف خاصة على قول من قال: إن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ الآية: استفهام بمعنى التقرير، والذي أسس على التقوى والرضوان: مسجد المدينة أو مسجد قباء، والذي أسس على شفا جرف هار: هو مسجد الضرار، وتأسيس البناء على التقوى والرضوان: هو بحسن النية فيه، وقصد وجه الله، وإظهار شرعه، والتأسيس على شفا جرف هار: هو بفساد النية، وقصد الرياء، والتفريق بين المؤمنين، فذلك على وجه الاستعارة والتشبيه البديع، ومعنى شفا جرف: طرفه، ومعنى هار: ساقط أو واهي، بحيث أشفى على السقوط، وأصل هار: هائر، فهو من المقلوب، لأن لامه جعلت في موضع العين فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ أي طاح في جهنم، وهذا ترشيح للمجاز، فإنه لما شبه بالجرف وصف بالانهيار الذي هو من شأن الجرف، وقيل: إن ذلك حقيقة، وأنه سقط في نار جهنم وخرج الدخان من موضعه، والصحيح أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم أمر بهدمه فهدم لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ أي: لا يزال في قلوب أهل مسجد الضرار ريبة من بنيانه: أي شك في الإسلام بسبب بنيانه، لاعتقادهم صواب فعلهم: أو غيظ بسبب هدمه إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي إلا أن يموتوا.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ قيل: إنها نزلت في بيعة العقبة، وحكمها عام في كل مؤمن مجاهد في سبيل الله إلى يوم القيامة. قال بعضهم: ما أكرم الله، فإن أنفسنا هو خلقها، وأموالنا هو رزقها، ثم وهبها لنا، ثم اشتراها منا بهذا الثمن الغالي، فإنها لصفقة رابحة يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جملة في موضع الحال بيان للشراء فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ قال بعضهم: ناهيك عن بيع البائع فيه رب العلا والثمن جنة المأوى، والواسطة محمد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم
التَّائِبُونَ وما بعده: أوصاف للمؤمنين الذين
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، تخلفوا عن غزوة تبوك، من غير عذر ومن غير نفاق ولا قصد للمخالفة، فلما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عتب عليهم، وأمر أن لا يكلمهم أحد، وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم، فبقوا على ذلك مدّة إلى أن أنزل الله توبتهم، وقد روي حديثهم في البخاري ومسلم والسير، ومعنى خلّفوا هنا: أي عن الغزوة.
﴿ ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ﴾ أي : لا يمتنعوا من اقتحام المشقات التي تحملها هو صلى الله عليه وسلم.
﴿ ذلك بأنهم لا يصيبهم ﴾ تعليل لما يجب من عدم التخلف.
﴿ ظمأ ﴾ أي : عطش.
﴿ ولا نصب ﴾ أي : تعب.
﴿ ولا مخمصة ﴾ أي : جوع.
﴿ ولا يطؤون ﴾ أي : بأرجلهم أو بدوابهم.
﴿ ولا ينالون من عدو نيلا ﴾ عموم في كل ما يصيب الكفار.
يقوّي ذلك كونه جعل إذا ضاقت غاية للتخلف ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ عبارة عما أصابهم من الغم والخوف من الله ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي رجع بهم ليستقيموا على التوبة وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يحتمل أن يريد صدق اللسان إذا كانوا هؤلاء الثلاثة قد صدقوا ولم يعتذروا بالكذب، فنفعهم الله بذلك، ويحتمل أن يريد أعم من صدق اللسان، وهو الصدق في الأقوال والأفعال والمقاصد والعزائم، والمراد بالصادقين: المهاجرون لقول الله في الحشر:
للفقراء المهاجرين، إلى قوله: هم الصادقون وقد احتج بها أبو بكر الصديق على الأنصار يوم السقيفة، فقال: نحن الصادقون، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا، أي تابعين لنا.
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الآية: عتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك من أهل يثرب ومن جاورها من قبائل العرب وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أي لا يمتنعوا من اقتحام المشقات التي تحملها هو صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ تعليل لما يجب من عدم التخلف ظَمَأٌ أي عطش وَلا نَصَبٌ أي تعب وَلا مَخْمَصَةٌ أي جوع وَلا يَطَؤُنَ أي بأرجلهم أو بدوابّهم وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا عموم في كل ما يصيب الكفار.
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً. قال ابن عباس: هذه الآية في البعوث إلى الغزو والسرايا: أي لا ينبغي خروج جميع المؤمنين في السرايا، وإنما يجب ذلك إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، ولذلك عاتبهم في الآية المتقدمة على التخلف عنه، فالآية الأولى في الخروج معه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه في السرايا التي كان يبعثها، وقيل: هي ناسخة لكل ما ورد من الأمر بخروج الجميع، فهو دليل على أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وقيل: هي في طلب العلم، ومعناها: أنه لا تجب الرحلة في طلب العلم على الجميع، بل على البعض لأنه فرض كفاية فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ تحضيض على نفر بعض المؤمنين للجهاد أو لطلب العلم لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ إن قلنا إن الآية في الخروج إلى طلب العلم، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تنفر أي ترحل، وكذلك الضمير في ينذروا وفي رجعوا: أي ليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم من الرحلة، وإن قلنا: إن الآية في السرايا، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تقعد في المدينة ولا تخرج مع السرايا، وأما الضمير في رجعوا فهو
بالأمر بالجهاد، واختار ابن عطية أن يكون المعنى يفضحون بما يكشف من سرائرهم نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أي: تغامزوا، وأشار بعضهم إلى بعض على وجه الاستخفاف بالقرآن، ثم قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ كأن سبب خوفهم أن ينقل عنهم ذلك. وقيل: معنى نظر بعضهم إلى بعض على وجه التعجب مما ينزل في القرآن من كشف أسرارهم ثم قال بعضهم لبعض هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ أي هل رأى أحوالكم فنقلها عنكم أو علمت من غير نقل فهذا أيضا على وجه التعجب ثُمَّ انْصَرَفُوا يحتمل أن يراد الانصراف بالأبدان، أو الانصراف بالقلوب عن الهدى صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء أو خبر بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ تعليل لصرف قلوبهم لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم، والخطاب للعرب أو لقريش خاصة أي من قبيلتكم حيث تعرفون حسبه وصدقه وأمانته أو لبني آدم كلهم: أي من جنسكم وقرئ من أنفسكم بفتح الفاء أي من أشرفكم عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي يشق عليه عنتكم، والعنت: هو ما يضرهم في دينهم أو دنياهم وعزيز صفة للرسول، وما عنتم فاعل بعزيز، وما مصدرية أو ما عنتم مصدر، وعزيز خبر مقدّم والجملة في موضع الصفة حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي حريص على إيمانكم وسعادتكم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ سماه الله هنا باسمين من أسمائه فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ أي إن أعرضوا عن الإيمان، فاستعن بالله وتوكل عليه وقيل: إن هاتين الآيتين نزلتا بمكة.