ﰡ
وهى مائة واثنا عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رب يسّر وتمم بالخير.
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ بالاضافة الى ما مضى من ايام الدنيا واللام قيل بمعنى من فهو صلة لاقترب- وقيل تأكيد للاضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب الحساب للناس ثم اقترب للناس حسابهم- ولام التعريف للجنس وقيل للعهد والمراد به الكفار بدليل قوله تعالى وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ عن الحساب وعما يفعل بهم لاستغراقهم في دنياهم وشهوات هم مُعْرِضُونَ (١) عن التفكر في الحساب والتأهب له- وصفهم بالاعراض بعد الغفلة احترازا عمن كان غفلته باستغراقه في ذكر لله تعالى عن غيره- واللام في الناس ان كان للاستغراق فالضمير المنفصل عائد. الى بعض افراد العام كما في قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ يعنى بعولة الرجعيات منهن- ومعرضون خبر للضمير وفي غفلة حال من المستكن في الخبر او هما خبران للضمير والجملة حال من الناس او من حسابهم بحذف الرابط- والحساب عبارة عن اظهار ما فعله العباد وما استحقوا عليه- واقترابه عبارة عن اقتراب الساعة-.
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ ينّبههم عن نوم الغفلة والجهالة من زائدة وذكر في
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حال من فاعل يلعبون او من فاعل استمعوه- والمستثنى حال من الضمير المنصوب في ما يأتيهم- او صفة لمصدر محذوف ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال الا حال استماعهم جامعين بين الاستهزاء به والتلهي والذهول عن التفكر فيه- وفي العواقب من الأمور او ما يأتيهم من ذكر اتيانا الا اتيانا استمعوه بعده جامعين بما ذكر قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الاخرة وأهوالها- وجملة ما تأتيهم في مقام التعليل لقوله هم في غفلة وَأَسَرُّوا النَّجْوَى اى بالغوا في اخفائها او جعلوها بحيث خفى تناجيهم الَّذِينَ ظَلَمُوا فاعل لاسروا والواو في أسوأ زائدة ليدل من أول الأمر ان فاعله جمع وليست بضمير- او فاعله ضمير والموصول بدل منه جئ للايماء بانهم ظالمون فيما أسروا به- او الموصول مبتدأ والجملة المتقدمة خبره- وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضع هؤلاء تسجيلا على فعلهم بانه ظلم- او الموصول خبر لمبتداء محذوف تقديره هم الّذين ظلموا- او منصوب بتقدير اعنى او اذم وجملة اسرّوا النّجوى معطوفة على يلعبون او حال من فاعله بتقدير قد او معطوفة على استمعوه او على ما يأتيهم او معترضة هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ صفة مؤكدة لبشر أبدعوا حجة على تكذيبهم الرسول ﷺ في ادعائه الرسالة بكونه بشرا زعما منهم بان الرسول لا بد ان يكون ملكا كانّهم زعموا ان الرسول لا بد ان يكون من جنس المرسل وزعموا ان الملائكة من جنس الملك القهار ولذلك سهواها بنات الله وكل ذلك باطل قطعا- والحق ان الرسول لا بد ان يكون من جنس من لرسل إليهم حتى يقتبسوا أنواره- والملك القهار لا يجوز ان يكون له كفوا أحد- ثم أورد والدفع المعجزات الدالّة على الرسالة بقولهم أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ يعنى ليس هو رسولا لانه بشر وما يأتي به من الخوارق كالقران وغيره سحر- أفتأتون السحر الاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف والسحر منصوب على المفعولية او العلية والمفعول محذوف تقديره اتصدقونه في دعوى الرسالة فتأتون السحر اى
قل يا محمد قرأ حمزة والكسائي وحفص قالَ على الاخبار عن الرسول ﷺ والباقون بصيغة الأمر المستلزم لقوله منه ﷺ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ حال من القول يعنى يعلم القول كائنا ذلك القول في السماء والأرض من اى قائل كان- جهرا كان او سرا فلا يخفى عليه ما أسروا وَهُوَ السَّمِيعُ لاقوالهم الْعَلِيمُ (٤) بأفعالهم وأحوالهم ما ظهر منها وما بطن.
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ إضراب من الله تعالى في حكاية قولهم في شان الرسول ﷺ انه بشر لا يصلح ان يكون رسولا من الله- الى حكاية قولهم في شأن القران انه أضغاث أحلام- يعنى تخاليط أحلام راها في المنام يعنى ليس بوحي من الله منزل- وقيل هذا إضراب من الكفار عن مضمون قولهم أفتأتون السّحر والمعنى قالوا هو سحر بل هو أضغاث أحلام وكلمة قالوا على هذا تأكيد لفظى لقالوا مقدر مفهوم مما سبق بَلِ افْتَراهُ إضراب من الكفار عن كونه أباطيل خيلت اليه في النام وخلطت عليه الى كونه مفتريات اختلعها من تلفاء نفسه لم يرها في المنام ايضا بَلْ هُوَ شاعِرٌ إضراب ثان منهم عن كونه كلام مفترى الى كونه كلاما شعريّا قال البغوي أريد ان المشركين قال بعضهم أضغاث أحلام وبعضهم فرية وبعضهم ان محمدا شاعر وما جاء به شعر والفرق بين المفترى والشعر ان المفترى كلام كاذب أراد المتكلم منه حصول التصديق للسامع بنسبة غير مطابقة للواقع والشعر كلام مركب من مقدمات تأثر في ذهن السامع من الرغبة او الرهبة او الشوق او السرور او الحزن او التعظيم او التحقير او غير ذلك والغرض منه ذلك التأثير في النفوس دون حصول تصديق أصلا فكانه من قبيل الإنشاء- وقد يجتمع الاخبار صادقا او كاذبا مع مقدمات شعرية مؤثرة في النفوس وذلك في المثنويات والاول في الغزليات- وهذه الأقوال
ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل مشركى مكة مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية من زائدة وقرية في محل الرفع على الفاعلية أَهْلَكْناها صفة لقرية اى أهلكنا أهمها حين جاءتهم الآيات المقترحة أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ الفاء للعطف على ما امنت والاستفهام للانكار تعقب ايمان اهل مكة عدم ايمان السابقين مع كون اهل مكة اعنى منهم يعنى لم يومن من كان قبلهم فكيف يومن هؤلاء وهم أشد كفرا منهم- وفيه تنبيه على ان عدم إتيانه بالمقترحات كان لابقائهم- إذ لو اتى بها ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستيصال كمن قبلهم-.
ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ يا محمد إِلَّا رِجالًا نُوحِي قرأ حفص بالنون على صيغة المتكلم المعلوم على التعظيم والباقون بالياء التحتانية على الغيبة والبناء للمفعول إِلَيْهِمْ جملة معترضة ردّ لقولهم هل هذا الّا بشر مثلكم فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعنى علما اهل الكتاب من حال الأولين من الرسل هل كانوا بشرا أم ملائكة حتى يزول عنكم شبهتكم إِنْ كُنْتُمْ يا اهل مكة لا تَعْلَمُونَ (٧) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى والاحالة الى اهل الكتاب اما للالزام فان المشركين كانوا يشاورونهم في امر النبي ﷺ ويثقون بقولهم- واما لان اخبار اهل التواتر يوجب العلم وان كانوا كفارا.
وَما جَعَلْناهُمْ اى الأولين من الرسل جَسَداً لم يقل أجسادا لانه اسم جنس او لانه في الأصل مصدر
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ اى في الوعد بالنصر على أعدائهم- الجملة معطوفة على جملة محذوفة معطوفة على قوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا وما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ ولا يموتون- ولكن طعن فيهم المشركون بمطاعن غير صحيحة ومعائب غير ثابتة كما طعن هؤلاء فيك فوعدناهم بالنصر عليهم ثمّ صدقنهم الوعد فَأَنْجَيْناهُمْ يعنى المرسلين من عذاب الله وإيذاء الكفار وَمَنْ نَشاءُ يعنى المؤمنين بهم ومن في ابقائه حكمته كمن سيؤمن هو او أحد من ذريته ولذلك حميت العرب من عذاب الاستيصال وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) متجاوزين الحد في الكفر والمعاصي-.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا معشر قريش كِتاباً اى القران فِيهِ ذِكْرُكُمْ اى شرفكم ان علمتم به او لانه بلسانكم او المعنى ذكركم ربكم وذكر ما تحتاجون اليه من امر دينكم- وقال البيضاوي حيتكم والصيت اى الذكر اى الحسن او موعظتكم او ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق وقال مجاهد فيه حديثكم- وفي القاموس الذّكر بالكسر الحفظ للشيء كالتذكار والشيء يجرى على اللسان والصيت والثناء والشرف والصلاة لله تعالى والدعا وكتاب فيه تفصيل الدين ووضع الملل- أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) عطف على أنزلنا والفاء للتعقيب والهمزة للانكار عدم تعقل ما فيه صلاحكم وشرفكم-.
وَكَمْ قَصَمْنا يعنى كسرنا اى أهلكنا كثيرا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً يعنى اهل قرية كانوا ظالمين على أنفسهم بالكفر والمعاصي وَأَنْشَأْنا أورثنا بَعْدَها اى بعد هلاك أهلها قَوْماً آخَرِينَ (١١) مكانهم.
فَلَمَّا أَحَسُّوا يعنى لما أدركوا بحاسة البصر والضمير الأهل المحذوف المضاف الى قرية بَأْسَنا شدة عذابنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) اى يهربون مسرعين راكضى دواتهما ومشبهين بهم من فرط إسراعهم
لا تَرْكُضُوا محمول على تقدير قيل والجملة مستانفة في جواب ما قيل لهم عند هربهم يعنى قيل لهم استهزاء اما بلسان الحال او المقال- والقائل ملك أومن ثم من المؤمنين لا تركضوا ولا تهربوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ اى ما انعمتم من التنعم والتلذذ والإتراف ابطار النعمة قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه وَمَساكِنِكُمْ الّتي كانت لكم لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) غدا عما جرى عليكم ونزل باموالكم فتجيبون السائل عن علم ومشاهدة او ارجعوا واجلسوا في مجالسكم وعبيدكم فيقولون لكم بم تأمرون- او يسئلكم الناس في انديتكم المعاون في النوازل والخطوب- او تسئلون غدا عن أعمالكم او تعذبون فان السؤال من مقدمات العذاب- وقال ابن عباس تسئلون عن قتل نبيكم- قال البغوي نزلت هذه الاية في اهل حضورا وهى قرية باليمن وكان أهلها العرب فبعث الله إليهم نبيّا فدعاهم الى الله عزّ وجلّ فكذبوه وقتلوه فسلط الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم وسباهم فلما استمر فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا فقالت الملئكة لهم استهزاء لا تركضوا وارجعوا الى مساكنكم وأموالكم لعلّكم تسئلون- قال قتادة لعلكم تسئلون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمتعون من شئتم فانّكم اهل ثروة ونعمة فاتبعهم بخت نصر واخذتهم السيوف وناداى مناد من جو السماء يا ثاراث الأنبياء فلما راو ذلك أقروا على أنفسهم بالذنوب حين لم ينفعهم- وجاز ان يكون بعضهم قال لبعض لا تركضوا وارجعوا الى منازلكم وأموالكم لعلكم تسئلون مالا وخراجا فتعطون مالا تمتعون من القتل فنورى من السماء يا ثاراث الأنبياء واخذتهم السيوف فاقروا على أنفسهم و.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) جملة مستانفة.
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ اى ما زالو يرددون ذلك وانما سماه دعوى لان المولول كانه يدعو الويل ويقول يا ويل تعال فهذا او انك وكل من تلك ودعويهم يحتمل الاسمية والخبرية لما زال حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً اى مثل زرع الحصيد المحصود ولذلك لم يجمع خامِدِينَ (١٥) ميتين من خمدت النار وهو مع حصيد بمنزلة اسم واحد
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) يعنى عابثين فاعلين فعلا عبثا باطلا بل خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للناظرين وتذكرة للمعتبرين وتسبيبا لما ينتظم بامور المخلوقين في المعاش والمعاد فينبغى ان يتوصلوا بها الى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فانها سريعة الزول.
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً قال ابن عباس في رواية عطاء اللهو المراءة وهو قول الحسن وقتادة وذلك ان الوطي سمى لهوا في اللغة والمرأة محل اللهو- وفي رواية الكلبي عن ابن عباس اللهو الولد وهو قول السدى فان المرء يلهو بالصغار اللاهين من أولاده- لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا اى من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات وما يناسب فاتنا كما هو المعلوم ان الزوج والولد يكون لكل شيء من جنسه ولما كان ذاته تعالى بحيث لم يماثله شيء ولا يجانسه ولا يكافثه أحد- فاستحال ان يكون له زوج او ولد- وتعلق الارادة الّتي لا ينفك المراد منها بالمستحيل مستحيل- فامتنع تعلق الارادة به فامتنع اتخاذ الزوج والولد- وهذا ردّ لقول النصارى في المسيح وامه إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) شرط مستغنى عن الجزاء بما مضى يعنى ان كنّا فعلين اتخاذ اللهو لاتخذناه من لدنا لكنا لسنا فاعلين لكونه مستحيلا مناف للالوهية- وقال قتادة وابن جريج ومقاتل ان لنفى اى ما كنا فاعلين والجملة كالنتيجة لشرط.
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عطف على مضمون الكلام السابق يعنى لا نفعل اللهو والباطل بل نقذف بالحقّ اى نرمى بالحق بالآيات الدالّة على تنزيه الله تعالى من اتخاذ الصاحبة والوالد وكونه كفوا لاحد رميّا بعيدا عَلَى الْباطِلِ اى الكفر والكذب وذلك قولهم اتّخذ الله ولدا فَيَدْمَغُهُ اى يدمغه ويفنيه والدمغ كسر الرأس والدماغ المؤدى الى زهوق الروح- استعار الله سبحانه لاعدام الباطل بالحق واحقاق الحق وابطال الباطل فان القذف هو الرمي البعيد المستلزم لصلابة الموحى- والدمغ تصوير لابطال الباطل مبالغة بحيث لا يبقى من الباطل شيء فَإِذا هُوَ اى الباطل زاهِقٌ اى هالك ذاهب لا اثر له- فى القاموس زهق الباطل اى اضمحل والشيء بطل وهلك فهو زاهق- وقيل الزهوق ذهاب الروح ذكره لترشيح المجاز ولكم يا معشل لكفار
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا وملكا فلا يصلح شيء منها ان يكون له أهلا او ولدا او كفوا وَمَنْ عِنْدَهُ قربا وعنديته بلا كيف وهم الملئكة والأنبياء ومن في معناهم معطوف على من في السّموت والأرض وافراده للتعظيم ولانه أعم منه من وجه فان بعض الملائكة كحملة العرش وغيرهم وحقائق الأنبياء والملائكة ودائرة الظلال متعال عن التبوء في السماء والأرض او مبتداء خبره لا يَسْتَكْبِرُونَ اى لا يتعظّمون عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) اى لا يعيون يقال حسر واستحسر إذا تعب واعيا والاستحسار ابلغ من الحسور وفيه اشارة الى ان عبادتهم لاجل ثقلها ودوامها كانت حقيقة بان يستحر منها وهم لا يستحسرون بل يتلذّذون به ويديمون فيه بحيث يرون تركها هلاكا.
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ اى ينزّهونه ويعظمونه دائما قال كعب الأحبار التسبيح لهم كالنفس لبنى آدم لا يَفْتُرُونَ (٢٠) اى لا يضعفون ولا يسئمون حال من الضمير المرفوع في يسبحون وهو استيناف- او حال من ضمير لا يستكبرون ولا يستحسرون- وجملة لا يستكبرون مع ما عطف عليه حال من عنده على تقدير كونه معطوفا على من في السّموات والمراد بالعبادة الّتي لا تنقطع من المقربين دوام الحضور والذكر الخفي الّذي لا يمكن انقطاعه من المقربين بشرا كان او ملكا كما لا يمكن انقطاع التنفس بالهواء للحيوان البرى وبالماء للحيوان البحري- وايضا إذا حصل دوام الحضور فكلما يفعل المرء من فعل يفعله الله تعالى يأكل ويشرب وينام ليتقوى على طاعة الله وينكح أداء لسنة رسوله وتكاثرا لامته وامتثالا لامره تناكحوا فانى مباهى بكم الأمم- ولا يصدر عنه معصية- فان المعصية مبنى صدورها غالبا على الغفلة وان صدر عنه معصية بتقدير الله يندم ويتوب بحيث يبدّل الله سيّئاتهم حسنات- ومن أجل ذلك قالوا نوم العالم عبادة- ومن كان هذا شأنه يصدق عليهم انهم لا يستحسرون يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون.
أَمِ اتَّخَذُوا بلء اتّخذوا آلِهَةً أم منقطعته بمعنى بل والهمزة فمعنى بل للاضراب
لَوْ كانَ فِيهِما اى في السماء والأرض آلِهَةٌ كما زعم المشركون إِلَّا اللَّهُ الّا هاهنا بمعنى غير صفة لالهة وليست للاستثناء لتعذر الاستثناء المتصل والمنفصل لعدم القطع في شمول المستثنى منه المستثنى وعدم شموله فهى محمولة على غير وأعرب ما بعده إعرابه كما يحمل لفظة غير على الّا فيستعمل للاستثناء لَفَسَدَتا لبطلتا ولم يوجدا فانها ان توافقت الالهة في المراد تطاردت عليها القدرة- وان تخالفت فيه تعاوقت عنه وهذه الجملة تعليل للتوبيخ المفهوم من أم المنقطعة فَسُبْحانَ اللَّهِ يعنى اسبح لله سبحانا رَبِّ الْعَرْشِ المحيط بجميع الأجسام الّذي هو محل التدابير ومنشاء المقادير وبمنزلة الدماغ للانسان في العالم الكبير- وانتزهه عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد.
لا يُسْئَلُ الله تعالى عَمَّا يَفْعَلُ لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالالوهية والسلطنة الذاتية- ولانّه كلّما يفعل من فعل فهو تصرف في ملكه والمالك يتصرف في ملكه كيف يشاء لا اعتراض عليه عقلا ولا نقلا وَهُمْ يعنى من في السموات والأرض يُسْئَلُونَ (٢٣) عمّا يفعلون لكون أفعالهم تصرفا في ملك الله سبحانه فلا يجوز الا باذنه واباحته فيسئلون عن ذلك وجملة هم يسئلون حال او معطوفة على ما سبق وجملة لا يسئل مع ما عطف عليه تعليل المضمون الكلام السابق فان من كان مسئولا لا يصلح ان يكون شريكا لمن لا يكون مسئولا.
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً كرر الإنكار والتوبيخ استعظاما لكفرهم و
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنون وكسر الحاء على التعظيم وضمير المتكلم والباقون بالياء التحتانية وفتح الحاء على البناء المفعول إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) اى فاعبدونى وحدي لا تشركوا بى شيئا- وهذا تعميم بعد تخصيص يعنى ليس الأمر بالتوحيد منحصرا في القران والتورية والإنجيل الموجودة بين أظهرهم مشار إليها بهذا في قوله هذا ذكر من معى وذكر من قبلى بل كل رسول أرسلناه كنّا نوحى إليهم التوحيد.
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ
عطف على مضمون أم اتّخذوا الهة من الأرض ومضمون أم اتّخذوا من دونه الهة يعنى جعلوا الله شركاء وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدا- قال البغوي نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيه له تعالى عن ذلك بَلْ عِبادٌ يعنى بل هم اى الملائكة عباد مخلوقون ليسوا باولاد مُكْرَمُونَ (٢٦) مقربون.
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ اى لا يقولون شيئا الا باذنه- وأصله لا يسبق قولهم قوله واذنه فنسب السبق إليهم واليه وجعل القول محله وأداته تنبيها على استهجان اسبق المعترض به للقائلين على الله مالا يرضاه- وأنيب اللام عن الاضافة اقتصارا وتجافيا عن تكرير الضمير وَهُمْ بِأَمْرِهِ اى بما يأمرهم به يَعْمَلُونَ (٢٧) يتمثلون ولا يعصونه أصلا.
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ اى لا يخفى عليه شيء مما عملوا وما هم عاملين- وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فانهم لاحاطة علمه تعالى بأحوالهم يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم وَلا يَشْفَعُونَ مهابة منه إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ان يشفع له قال ابن عباس الا لمن قال لا اله الا الله- وقال مجاهد الا لمن رضى الله عنه وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) الخشية خوف مع التعظيم ولذلك خص به العلماء- والإشفاق خوف مع اعتناء فان عدى بمن كما في هذه الاية فمعنى الخوف فيه اظهر وان عدى بعلى فبا بالعكس- فالمعنى وهم من خوفه لاجل عظمته ومهابته خائفون لا يأمنون مكره.
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ اى من الخلائق او من الملائكة على سبيل الفرض إِنِّي قرأ نافع وابو عمر بفتح الياء والباقون بإسكانها إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ الشخص نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ والغرض من الاية نفى الربوبية ونفى ادعاء ذلك من الملائكة- وتهديد المشركين بتهديد مدعى الالوهية فهذه الاية كقوله تعالى نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
- وقال قتادة عنى بذلك إبليس حيث دعا الى عبادة نفسه وامر بطاعة نفسه وقد كان من الملائكة اما حقيقة او حكما لاجل الحاقه بهم واما غيره من الملائكة فلم يقل به أحد كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩).
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا قرأ ابن كثير الم ير بغير واو العطف والباقون بالواو
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ جبالا رَواسِيَ ثوابت من رسا إذا ثبت أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ اى كراهة ان تميد بهم او لان لا تميد بهم فحذف ما حذف للامن من الالتباس وَجَعَلْنا فِيها اى في الأرض او في الرواسي فِجاجاً الفج الطريق الواسع بين الجبلين كذا في القاموس سُبُلًا جمع سبيل وهو الطريق وما وضح منه كذا في القاموس قدم فجاجا وهو وصف للسبيل لان فيه معنى الوسعة ليصير حالا من سبلا فيدل على انه حين خلقها كان كذلك او ليبدل منها سبلا فيدل ضمنا على انه خلقها ووسعها للسابلة مع ما فيه من التأكيد لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الى مقاصدهم ومصالحهم.
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً عن السقوط لقدرته من غير عمد او عن الفساد والانحلال الى الوقت المعلوم بمشيته او عن استراق السمع بالشهب وَهُمْ عَنْ آياتِها اى عن أحوالها وما خلق فيها من الشمس والقمر والكواكب الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهى حكمته مُعْرِضُونَ غير متفكرين فيه.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بيان لبعض تلك الآيات كُلٌّ اى كل واحد فِي فَلَكٍ وهو مدار النجوم الّذي يضمها كذا في القاموس وهو في كلام العرب كل شيء مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلك المغزل قال الحسن الفلك طاحوته كهيئة فلك المغزل يريد ان الّذي
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ اى الخلود ودوام البقاء في الدنيا أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ قال البغوي نزلت هذه الآية حين قالت الكفار نتربص بمحمد ريب المنون والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة للانكار بعد ما تقرر ذلك والجملة معطوفة على مضمون ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد يعنى ثبت انك لست بخالد فان مت افهم الخالدون.
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ اى ذائقة مرارة مفارقتها جسدها هذه الجملة مقررة لقوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وَنَبْلُوكُمْ نعاملكم معاملة المحشر بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ وبالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر وكل ما يحبون وما يكرهون فِتْنَةً اى ابتلاء فهو مصدر من غير لفظه يعنى نبلوكم ابتلاء حتّى يظهر منكم بعد ما تحبونه الشكر او الكفر ان وبعد ما تكرهونه الصبر او الجوع والشكوى وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ فيجازيكم على حسب ما يوجد منكم الصبر والشكر او ضدهما وفيه ايماء بان المقصود من هذه النشأة انما هو الابتلاء والتعريض للثواب او العقاب تقريرا لما سبق اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال مر النبي ﷺ على ابى جهل وابى سفيان وهما يتحدثان فلما راه ابو جهل ضحك وقال لابى سفيان هذا نبى من بنى عبد مناف فغضب ابو سفيان وقال ما تنكرون ان يكون من بنى عبد مناف نبى فسمع النبي ﷺ فرجع الى ابى جهل فوقع به وخوفه وقال ماراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك فنزلت.
وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً سخريا اى مهزوا به أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ يعنى خلق الإنسان مجبولا على الاستعجال كانه خلق منه لفرط استعجاله وقلة تا؟؟؟ نيه يقول العرب للّذي يكثر منه الشيء خلق منه يقال خلقت من تعب وخلقت من غضب وخلق فلان من الكرم جعل ما طبع هو بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له قال سعيد بن جبير والسدى لما دخل الروح في راس آدم وعينه نظر الى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل ان يبلغ الروح في رجليه عجلان الى ثمار الجنة فوقع فقيل خلق الإنسان من عجل والمراد بالإنسان آدم عليه السّلام وأورث أولاد العجلة من عجلته مبادرته الى الكفر واستعجال الوعيد قلت ويمكن ان يقال على ما قالت الصوفية ان العالم بأسرها ظلال لاسماء الله تعالى وصفاته ومباد لتعينات الخلائق والله سبحانه متصف بالصفات المتضادة فكما ان الصبور من الأسماء الحسنى كذلك سريع الحساب منها فالاستعجال الّذي هو من صفات الله تعالى له دخل في مبدأ تعين نوع الإنسان ومن هاهنا قال قوم معناه ان بنيته وخلقته من العجلة فان قيل إذا كان الاستعجال من صفات الله تعالى كان محمود او سياق هذه الآية تدل على كونه مذموما وايضا إذا كان الإنسان مجبولا على الاستعجال فالنهى عنه لا يجوز لان الطبيعيات لا يكون مقدورة الترك قلنا نفس الاستعجال غير مذموم وانما المذموم الافراط فيه او وضعه في غير موضعه الا ترى ان الله تعالى يمدح الأنبياء بانهم يسارعون في الخيرات فالممنوع هو الافراط ووضعه في غير موضعه وذلك مقدور تركه وقال قوم معناه خلق الإنسان يعنى آدم من تعجيل في خلق الله إياه لان خلقه كان بعد كل شيء في اخر النهار يوم الجمعه فاسرع في خلقه قبل مغيب الشمس قال مجاهد فلما احى الروح راسه قال يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل معناه خلق آدم بسرعة وتعجيل لا على ترتيب خلق سائر الآدمين من النطفة والعلقة والمضغة وغيرها وقال قوم من عجل اى من طين قال الشاعر
والنبغ في الصخرة الصماء منبتة | والنخل تنبت من الماء والعجل |
وَيَقُولُونَ اى الكفار مَتى هذَا الْوَعْدُ اى وقت وعد العذاب او القيامة الاستفهام للاستنبط المبنى على الاستعجال والجملة عطف على الشرطية السابقة اعنى وإذ أراك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا او عطف على يقولون المقدر في قوله اهذا الّذي يذكر الهتكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بالوعيد بالعذاب او بإتيان القيامة خطاب للنبى ﷺ وأصحابه شرط مستغن عن الجزاء بما مضى يعنى فبينوا وقت إتيانها فقال الله تعالى.
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ جواب لو محذوف وحين قيل مفعول به ليعلم والمعنى لو يعلمون الوقت الّذي يحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يستطيعون دفعها عن أنفسهم بانفسهم ولا يجدون أحدا ينصرهم يدفعها عنهم لما أقاموا على كفرهم وقيل مفعول يعلم متروك وحين ظرف بفعل مقدر والتقدير لو كان لهم علم لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون فهما جملتان- قلت وجاز ان يكون مفعول يعلم مقدر او يكون حين ظرفا لفعل مقدر والتقدير لو يعلم الذين كفروا ما ينزل بهم حين لا يكفون عن وجوههم النار يعنى حين يحيط بهم النار لما استعجلوا العذاب ولما قالوا متى هذا الوعد.
بَلْ تَأْتِيهِمْ الضمير للنار او للوعد او الحين والتأنيث باعتبار ان الوعد بمعنى العدة والحين بمعنى الساعة والجملة إضراب عما تضمنه متى هذا الوعد من الاستبعاد او عما تضمنه لو يعلم الذين كفروا يعنى لا يعلمون وقت مجى الساعة او العدة او النار الّتي يحيط بهم في جميع الجوانب بَغْتَةً اى فجأة منصوب على المصدرية او على الحال فَتَبْهَتُهُمْ تلك العدة او النار او الساعة يعنى تغلبهم او تحيرهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ اى يمهلون فيه تذكير بامهالهم في الدنيا وتقديم المسند اليه
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ عطف على قوله وإذ أراك الذين كفروا ان يتخذونك إلا هزوا واللام لكونه جواب قسم محذوف وفيه تسلية للنبى ﷺ ووعيد لمن يستهزأ به فَحاقَ اى نزل بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ اى جزاء استهزائهم.
قُلْ يا محمد للمستهزئين بك مَنْ يَكْلَؤُكُمْ اى يحفظكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ قال ابن عباس ان من عذاب الله ان أراد بكم او ان نزل بكم يعنى لاكالئ من عذابه الا رحمته العامة في الدنيا وان اندفاعه بامهاله بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ إضراب عن الأمر بالسؤال فان معناه ذكّرهم الرحمن وحذرهم عن عذابه فقال بل هم معرضون عن ذكره يعنى عن القران ومواعظ الله فلا ينفعهم التذكير او المعنى انهم لا يخطرون الرحمن ببالهم فضلا ان يخافوا بأسه حتى إذ كلئوا منه عرفوا الكالى وصلحوا للسوال عنه.
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ يعنى بل الهم الهة تَمْنَعُهُمْ من عذابنا صفة لالهة مِنْ دُونِنا صفة ثانية لالهة او حال عنه يعنى كائنة من دوننا إضراب ثان عن الأمر بالسؤال فان السؤال عن المعرض بعيد وعن المعتقد لنقيضه ابعد والاستفهام لانكار معتقدهم يعنى ليس الأمر كما اعتقدوه ان الهتهم تمنعهم من العذاب لا يَسْتَطِيعُونَ يعنى ما اعتقدوه الهة لا تستطيع شيء منها نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أصلا ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه جملة مستانفة في مقام التعليل للانكار وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ عطف على لا يستطيعون يعنى ولا يصحبهم منا نصركما يصحب لمن يشفع عصاة المؤمنين من النبيين والملئكة والصالحين وقال ابن عباس معناه ولا هم منا يمنعون فالمعنى ان العذاب يشتمل الالهة ايضا نظيره قوله تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقال عطية عنه معناه تجارون يقول العرب انا لك جار وصاحب من فلان وقال مجاهد معناه ينصرون وقال قتادة لا يصحبون من الله يعنى بالاذن في الشفاعة والنصر فهذا يؤل الى الاول والثالث والرابع الى الثاني.
بَلْ مَتَّعْنا يعنى أعطينا النعمة وأمهلنا هؤُلاءِ الكفار في الدنيا وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ اى امتد بهم الزمان إضراب عما توهموا من نصر الالهة إياهم ببيان ما هو الداعي الى حفظهم وهو الاستدراج والتمتيع بما قدر لهم من الأعمار او عن الدلالة
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ اى أخوفكم بِالْوَحْيِ اى بما يوحى الى من القران هذه الجملة تقرير النهى عن استعجال لحوق العذاب ونفى استبعاده والمعنى ان اتدارى بالعذاب ليس من تلقاع نفسى انما هو بأخبار الله العليم القدير الّذي لا يحتمل التخلف في اخباره فلا وجه لاستبعادكم واستعجالكم وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ قرأ ابن عامر لا تسمع بالتاء الفوقانية المضمومة وكسر الميم من الافعال خطابا للنبى ﷺ ونصب الصم والباقون بالياء المفتوحة وفتح الميم من المجرور رفع الصم على الفاعلية والجملة حال من فاعل قل او من المحذوف يعنى قل للكافرين المستهزئين المستعجلين للعذاب فا اللام للعهد سماهم الصم ووضعه موضع ضميرهم ولم يقل ولا يسمعون الدعاء اولا يسمعهم فلتصريخ على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون إِذا ما يُنْذَرُونَ ظرف ليسمع او للدعاء والتقييد به لان الكلام في الانذار او للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم.
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ جواب قسم محذوف نَفْحَةٌ قال ابن عباس طرف وقيل قليل وقال ابن جريح نصيب من قولهم نفح فلان لفلان من ماله اى أعطاه حظا منه وقيل ضربة من قولهم نفحت الدابة برجلها واصل النفح هبوب رائحة الطيب وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة والبناء الدال على المرة مِنْ عَذابِ رَبِّكَ الّذي ينذرون به ويستعجلونه لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا يا هلاكنا احضر فهذا او انك إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ على أنفسنا بالاشراك بالله وعدم التحرز عن عذابه يعنى لدعوا على أنفسهم بالوكيل واعترفوا عليها بالظلم وندموا حين لا ينفعهم الندم.
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ اى ذوات القسط او وصفت به للمبالغة وأفرد القسط لانه مصدر لِيَوْمِ الْقِيامَةِ اى لجزاء يوم القيامة او لاجل أهلها او فيه كقولك
زائدة وضمير المتكلم فاعل لكفى وجاز ذلك لاجل الفصل حاسِبِينَ منصوب على التميز او الحال قال السدى محصين والحسب معناه القدر وقال ابن عباس عالمين حافظين لان من حسب شيئا علمه وحفظه وكفى بالله حسيبا إذ لا مزيد على علمه وعدله.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ اى الكتاب الفارق بين الحق والباطل يعنى التوراة وَضِياءً يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهل والتنكير للتعظيم وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٢) اى يتّعظ به المتقون او ذكر ما يحتاجون اليه من الشرائع يعنى كتابا جامعا بين هذه الصفات وقال ابن زيد الفرقان النصر على الأعداء قال الله تعالى يوم الفرقان ليوم بدر وقيل الفرقان فلق البحر وعلى هذا الضياء والذكر يراد بهما التوراة او الذكر الوحى الغير المتلو النازل على موسى عليه السلام وعظ به بنى إسرائيل.
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ صفة للمتقين او مدح لهم منصوب او مرفوع بِالْغَيْبِ حال من الفاعل او المفعول وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ خائفون وفي تصدير الضمير والحكم عليه مبالغة وتعويض والجملة عطف على الصلة او حال.
وَهذا اى القران مبتدأ خبره ذِكْرٌ مُبارَكٌ صفة لذكر والتنكير فيها للتعظيم اى ذكر عظيم كثير خيره أَنْزَلْناهُ
وَلَقَدْ آتَيْنا جواب قسم محذوف إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ اى صلاحه يعنى التوحيد والاجتناب عن عبادة الأوثان وإضافته ليدل على ان له شانا عظيما في الرشد مِنْ قَبْلُ يعنى قبل موسى وهارون ومحمد ﷺ يعنى ما أوحينا الى محمد ﷺ ليس امرا مبدعا بل جرى به السنة الالهية لاصلاح الخلق وقيل معناه من قبل البلوغ حين خرج من السرب وهو صغير حين قال انى وجهت يعنى أعطيناه النبوة صغيرا كما قال ليحيى اتيناه الحكم صبيا او المعنى قبل استنبائه وَكُنَّا بِهِ اى بإبراهيم عالِمِينَ انه اهل للهداية وو النبوة حيث كان مبدأ تعينه صفة العلم والهداية من صفات الله تعالى.
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ الظرف متعلق بايتنا او برشده او بمحذوف اى اذكر من اوقات رشده وقت قوله ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ تحقير لشانها وتوبيخ على اجلالها فان التمثال صورة لا روح فيها فلا يضر ولا ينفع واللام للاختصاص دون التعدية فان العكوف يتعدى بعلى يعنى أنتم فاعلون العكوف لها او يأول بعلى يعنى أنتم عليها اى على عبادتها تعلمون او تضمن العكوف معنى العبادة يعنى أنتم لها عابدون.
قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عن المقتضى لعبادتها يعنى حملنا على عبادتها تقليدنا بآبائنا.
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فى خطأ بيّن حيث تعبدون حجارة لا تضر ولا تنفع وتقليد من هو في خطأ بيّن خطأ بيّن.
قالُوا استبعاد التضليل ابائهم وظنا انه يقول ذلك ملاعبة أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ اى بعلم مستند على دليل قطعى فتجدّد بهذا القول أَمْ أَنْتَ فى هذا القول مِنَ اللَّاعِبِينَ استفهام لانكار الإنكار عليهم واستبعاد ان يكون ما هم عليه ضلالا.
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ صلى خلقهن على غير مثال سبق وصف رب السموات والأرض بهذا دفعا لقول الجهلة في اطلاق الرب على السلطان وقول نمرود انا احيى وأميت وهذا ضراب عن كونه لاعبا باقامة البرهان بان السموات والأرض تشهدان لهما خالق لامكانهما وكونهما محلا للحوادث والخالق للممكنات لا بد ان يكون واجبا وجوده متصغا بصفات الكمال واحدا غير متمانع وهو يستحق العبادة لا غير وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ المذكور من التوحيد مِنَ
المعترفين المحققين المبرهنين باللسان والجنان كما ان السموات والأرض وسائر الممكنات شاهد عليه بلسان الحال.
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ والكيد المكر والحيلة والمراد هاهنا لافعلن بها سوء او لاجتهدن في كسرها بنوع من الاحتيال قال البيضاوي والتاء في القسم بدل من الواو المبدلة من الباء وفيها تعجب ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل لكونه على رغم نمرود وخلق كثير مع قوة سلطنته عطف على قوله قال بتأويل هذا القول يعنى قال هذا القول وهذا القول بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا عنها مُدْبِرِينَ لها منطلقين الى عبيدكم قال البغوي قال مجاهد وقتادة انما قال ابراهيم هذا سرا من قومه ولم يسمع ذلك الا رجل واحد فافشاه عليه وقال انا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم قال السدى كان لهم في سنة مجمع وعيد وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا الى منازلهم فلما كان ذلك العيد قال لابراهيم أبوه يا ابراهيم لو خرجت معنا الى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان ببعض الطريق القى نفسه وقال انى سقيم يقول اشتكى رجلى فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس تالله لاكيدن أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الالهة وهن في بهو «١» عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه أصغر منه والأصنام بعضها الى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو وإذا هو قد جعلوا طعاما فوضعوا بين أيدي الالهة قالوا إذا رجعنا وقد بركت الالهة في طعامنا أكلنا فلما نظر إليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء الا تأكلون فلما لم يجبه أحد قال مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين يعنى مال على الأصنام بضربهم ضربا باليمين لكونها أقوى من اليسار او بسبب اليمين الّذي قال تالله لاكيدن أصنامكم.
فَجَعَلَهُمْ يعنى الأصنام جُذاذاً قرأ الجمهور بضم الجيم فعال بمعنى المفعول كالحطام من الجذ بمعنى القطع وقيل جمع لا واحد له من لفظه وقرأ الكسائي بكسر الجيم وهو لغة بمعنى المفعول او جمع جذيذ كخفاف وخفيف يعنى كسر ابراهيم كلهن إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ يعنى الا الصنم الأكبر حيث لم يكسرها وعلق الفأس في عنقه ذكر الله سبحانه ضمير جمع المذكر على زعمهم الهة لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ يعنى الى ابراهيم يرجعون اليه لتفرده واشهاره بعداوة الآلهة فيحاجهم بكونها عجزة عن مقاومة رجل على ابطال الوهيتهم او الى الكبير يرجعون اليه فيسئلونه عن كاسرهن إذ من شان المعبود العلم والاجابة
قالُوا حين رجعوا من العيد مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا من استفهامية وجاز ان يكون موصولة مع صلتها مبتدأ خبره إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ بجرأته على الالهة او بافراطه على حطمها او على نفسه بتعريضه للاهلاك وهذه جملة مستانفة على تقدير كون ما قبلها استفهامية.
قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ بالعيب والسوء صفة لغتى تصححه ان يتعلق به السمع وهو ابلغ في نسبة الذكر اليه كان الذكر صار حقيقة له عليه السّلام وجاز ان يكون ثانى مفعولى سمعنا بتضمنه معنى علمنا بحاسة السمع يُقالُ لَهُ صفة ثانية لفتى إِبْراهِيمُ اى هو ابراهيم ويجوز رفعه بالفعل لان المراد به الاسم فبلغ ذلك الخبر نمرود الجبار واشراف قومه.
قالُوا يعنى نمرود واشراف قومه فَأْتُوا بِهِ يعنى ان فعل هو ذلك بآلهتنا فاتوا به عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ حال اى كائنا بمرأ منهم بحيث يتمكن صورته في أعينهم تمكن الراكب على المركب وقيل المراد بأعين الناس رؤسائهم وعلى متعلق بفاتوا على طريقة أتيت على القاضي لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ بفعله وقوله حتى لانعذبه بلا بيّنة كذا قال الحسن وقتادة والسدى وقال محمد بن اسحق اى لكى يشهدوا اى يحضروا عقابه وما يصنع به فلما أتوا به.
قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ ابراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا أسند الفعل الى كبير الأصنام مجازا لما كان غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم إياه تسبب لمباشرته إياه او تقريرا لنفسه مع الاستهزاء والتبكيت على اسلوب تعريضى كما قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط أنيق اأنت كتبت فقلت بل أنت كتبت او حكاية لما يلزم من اعتقادهم وجوازه كان كبيرهم غاظ ان يعبد معه غيره وقال القتيبي انه في المعنى متعلق بقوله فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ جعل النطق شرطا للفعل يعنى ان قدروا على النطق قدروا على الفعل فاراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه انا فعلته ذلك وروى عن الكسائي انه كان يقف عند قوله بل فعله يعنى فعله ابراهيم المذكور في كلام السائل فالفعل مسند الى الضمير وقيل معناه فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وهو غير جائز قلت ما روى عن الكسائي يابى عنه كلمة بل فان اضرابه عن اسناد الفعل الى نفسه يشعر نفيه عنه وإلا لزم ما فعلته بل فعلته وايضا يمنع الوقف على قوله بل فعله حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ لم يكذب ابراهيم الا ثلث كذبات
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ يعنى رجعوا الى عقولهم وتفكروا وفهموا ان ما يقول ابراهيم من نفى الوهية هؤلاء حق وما نحن عليه باطل فَقالُوا فى أنفسهم او بعضهم لبعض إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (١١) بعبادتكم من لا يتكلم ولا يضر ولا ينفع او أنتم الظالمون بسوال هذا الرجل او بقولكم إياه انه لمن الظالمين.
ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ يعنى ردوا الى الكفر وانقلبوا الى المجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة الى العقول شبه عودهم الى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه والا على الأسفل لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فكيف تأمر بسوالهم والتقدير وقالوا والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
قالَ ابراهيم لما تم الحجة عليهم أَفَتَعْبُدُونَ عطف على محذوف تقديره أتعترفون بان هؤلاء لا ينطقون ولا تنفعكم شيئا ولا يضرون وانكم أنتم الظالمون في عبادتها أفتعبدون بعد ذلك مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً من النفع ان عبدتموها وَلا يَضُرُّكُمْ ان تركتم عبادتها انكار لعبادتها وتوبيخ بعد ما اعترفوا بانها
أُفٍّ قرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الفاء من غير تنوين والباقون بكسر الفاء نافع وحفص منهم بالتنوين والباقون بغير تنوين كما مر في الاسراء مجله الرفع فانه مبتدأ نكرة على طريقه ويل له وما بعده خبره او اسم فعل بمعنى أتضجر لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى غيره تضجر واستعذار لكم على اصرار الباطل مع وضوح بطلانه ولهؤلاء على معبوديتهم مع عدم الاستحقاق وأف صوت المتضجر المستكره وقيل معناه الاحتقار والاستقذار وفي الحديث القى رسول الله طرفه ثوبه على أنفه وقال أف أف مستقذرا لما شمّ الرائحة الكريهة وقيل معناه الاحتقار قال البيضاوي ومعناه قبحا ولتنا واللام لبيان المتافف له أَفَلا تَعْقِلُونَ استفهام توبيخ وعطف على محذوف تقديره انتظرون فلا تعقلون ان هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تضلح لها وانما يستحقها الله تعالى فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب أخذوا في المضارّة و.
قالُوا حَرِّقُوهُ بالنار وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ نصرها شرط مستغن عن الجزاء بما مضى قال هذا رجل من الأكراد قيل اسمه هنون فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وقيل قاله نمرود فلما اجمع نمرود وقومه على إحراق ابراهيم عليه السّلام حبسوه في بيت وبنوا بنيانا كالحظيرة «١» وقيل بنوا أتونا «٢» بقرية يقال لها كوثى ثم جمعوا له أصلاب الحطب من اصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافانى الله لا جمع حطبا لابراهيم وكانت المرأة تطلب في بعض ما تطلب لان أصابته لتحطبن في نار ابراهيم وكان الرجل بوصي بشراء الحطب والقائه فيه وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب بغزلها فتلقيه فيه احتسانا قال ابن اسحق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا واشعلوا في كل ناحية من الحطب فاشتعلت النار واشتدت حتى ان كان الطائر لتمربها فتحرق من شدة وهجها فاوقدوا عليها سبعة ايام روى انهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء إبليس فعلمهم علم المنجنيق فعلموا ثم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه الى راس البنيان وقيدوه ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السموات والأرض ومن فيها من الملئكة وجميع الخلق
(٢) الأتون كتنّور وقد يخفف أخدود الخباز والحصاص ١٢ قاموس.
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ اى ذات برد وسلام اى ابردى بردا غير ضار قال ابن عباس لو لم يقل سلاما لمات ابراهيم من بردها قال البيضاوي وفيه مبالغات جعل النار المسخرة بقدرته مامورة مطيعة واقامة كونى ذات برد مقام ابردى ثم حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه وقيل نصب سلاما بفعله اى وسلمنا سلاما عليه قال البغوي ومن المعروف في الآثار انه لم يبق يومئذ نار في الأرض الا طفئت فلم ينتفع في ذلك اليوم بنار في العالم ولو لم يقل على ابراهيم بقيت ذات برد ابدا قلت والظاهر ان النار كانت بحالها محرقة لكنه تعالى جعلها غير موذية لابراهيم خاصة كما يدل عليه قوله تعالى على ابراهيم قال السدى أخذت الملئكة بضبعي ابراهيم فاقعدوه على الأرض فاذا عين ماء عذب وورد احمر ذى حسن قال كعب ما أحرقت النار ابراهيم
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (ج) قيل معناه انهم خسروا السعر والنفقة ولم يحصل لهم مرادهم وقيل ان الله أرسل على نمرود البعوض فاكلت لحومه وشربت دمائه ودخلت واحدة في دماغه فاهلكته قال محمد بن اسحق استجاب لابراهيم رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما مع خوف من نمرود وملأهم وأمن له لوط وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران بن تارخ وكان ابراهيم بن تارخ وكان التارخ ابن ثالث يقال له نأخور وامنت به ايضا سارة وهى بنت عمه وهى سارة بنت هاران الأكبر عم ابراهيم فخرج من كوثى من ارض العراق هاجرا الى ربه ومعه لوط وسارة كما قال الله تعالى
وَنَجَّيْناهُ يعنى ابراهيم وَلُوطاً من نمرود وقومه كانوا بأرض عراق إِلَى الْأَرْضِ متعلق بنجينا بتضمنه معنى سيرناه الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ بالخصب وكثرة الأشجار والأنهار والثمار ومن بركاتها العامة بعث اكثر الأنبياء فيها قال ابى بن كعب سماها مباركة لانه من ماء عذب وينبع أصله من تحت الصخرة الّتي ببيت المقدس روى البغوي عن قتادة ان عمر ابن الخطاب قال لكعب الا تتحول الى المدينة فيها مهاجر رسول الله ﷺ وقبره فقال كعب انى وجدت في كتاب الله المنزل يا امير المؤمنين ان الشام كنز الله من ارضه وبها كنزه من عباده وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله ﷺ يقول انها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس الى مهاجر ابراهيم وفي رواية فخيار اهل الأرض الزمهم مهاجر ابراهيم ويبقى في الأرض شرارها تلفظهم ارضوهم تقزرهم نفس الله تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتو وتقيل معهم إذا قالوا رواه ابو داود وعن زيد بن ثابت قال قال رسول الله ﷺ طوبى للشام قلنا لاى ذلك قال لان ملئكة الرحمة باسط أجنحتها عليها رواه احمد والترمذي وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ سيخرج نار من نحو حضر موت او من حضر موت تحشر الناس قلنا يا رسول الله فما تأمرنا قال عليكم بالشام رواه الترمذي وعن ابى جوالة قال قال رسول الله ﷺ سيصير ان تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق فقال ابن جوالة خرلى يا رسول الله ان أدركت ذلك قال عليك بالشام فانها خيرة الله من ارضه تجتبى إليها خيرته من عباده فامّا ان أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غذاكم فان الله توكل لى بالشام واهله رواه احمد وابو داؤد وعن شريح بن عبيد قال ذكر اهل الشام عند على رضى الله عنه وقبل العنهم يا امير المؤمنين قال لا انى سمعت رسول الله ﷺ الابدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا فلمات مات رجل أبدل الله مكانه
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ط قيل هى مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق اى وهبنا له هبة وقال مجاهد وعطاء معنى النافلة العطية فهى حال منهما إذ هما جميعا من عطاء الله وقال الحسن والضحاك معناه فضلا يعنى وهبنا له إياهما تفضلا فهو منصوب على العلية وروى ابن عباس وابى بن كعب وابن زيد وقتادة النافلة هو يعقوب لان الله تعالى أعطاه اسحق بدعائه حيث قال رب هب لى من الصالحين وزاده يعقوب ولد الولد والنافلة الزائدة فهو حال من يعقوب ولا بأس به للقرينة وَكُلًّا اى كل واحد من الاربعة اى ابراهيم ولوطا واسحق ويعقوب جَعَلْنا صالِحِينَ اى صافية قلوبهم عن الاشتغال بغير الله زاكية أنفسهم عن الرذائل بتحلية باوصاف الكمال طاهرة أبدانهم عن التلوث بالمعصية مشغولة بالطاعات فان الصلاح ضد الفساد سواء كان في القلب او القالب او النفس.
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يفتدى بهم في الخير يَهْدُونَ الناس الى ديننا بِأَمْرِنا بذلك حيث أرسلناهم لتكميل الخلائق وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ اى ما هو حسن الذات وبتحسين الشرع وَإِقامَ الصَّلاةِ حذف تاء الاقامة المعوضة من أحد الألفين لقيام المضاف اليه مقامها وَإِيتاءَ الزَّكاةِ ج عطف اقام الصلاة وإيتاء الزكوة على فعل الخيرات عطف الخاص على العام لزياوة الاهتمام واصل الكلام أوحينا إليهم ان يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة اقامة ويوتوا الزكوة إيتاء بذكر المصادر المؤكدة ثم حذف الافعال وأضيف المصادر الى المفاعيل وَكانُوا لَنا عابِدِينَ موحدين مخلصين في العبادة.
وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر يفسره آتَيْناهُ وقيل هو منصوب با ذكر وجملة اتيناه بدل اشتمال يعنى اذكر ايتائنا إياه حُكْماً حكمة او نبوة او فصلا بين الخصوم وَعِلْماً بالله وما ينبغى للانبياء وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ قرية سدوم الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ اى كان أهلها يأتون الذكران في ادبارهم ويرمون بالبنادق ويلعبون بالطيور وغير ذلك وصفها بصفة أهلها وأسند إليها على حذف المضاف وإقامتها مقامها
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا اى في اهل رحمتنا او في جنتنا قلت ويمكن ان يقال ان صفات الله تعالى يرى في عالم المثال بنظر الكشف على هيئته الدائرة والصوفي يرى داخلا فيها فانيا حقيقته باقيا بها فهذه الظرفية كناية عنه إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الذين سبقت لهم منا الحسنى.
وَنُوحاً عطف على لوطا يعنى ايتنا لوطا ونوحا حكما وعلما وعلى هذا إِذْ نادى منصوب باذكر اى اذكر وقت ندائه وهى جملة معترضة او التقدير اذكر لوطا ونوحا وعلى هذا الظرف بدل اشتمال منه يعنى اذكر وقت نداء نوح اى دعائه على قومه بالهلاك مِنْ قَبْلُ ظرف لنادى اى نادى قبل المذكورين فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعائه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ الذين كانوا في السفينة مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (ج) اى الغم الشديد قال ابن عباس من الغرق وتكذيب قومه وكان نوح أطول الأنبياء عمر او أشدهم بلاء روى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه في لبد ويلقونه في بيت يزعمون انه قد مات فيخرج في اليوم الثاني فيدعوهم الى الله سبحانه وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمير الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون نوحا فيختفونه حتى يغشى عليه فاذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون.
وَنَصَرْناهُ فانتصر ونجى مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على رسالته إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ قال البيضاوي لاجتماع الامرين تكذيب الحق والانهماك في الشر ولعلهما لم يجتمعا في قوم الا واهلكهم.
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ هذا نحو قوله وَنُوحاً إِذْ نادى في التركيب فِي الْحَرْثِ قال ابن مسعود وابن عباس واكثر المفسرين كان الحرث كرما قد بدت عناقيدها وقال قتادة زرعا إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ظرف ليحكمان اى دعته ليلا بلا راع كذا في القاموس وفي النهاية نغشت السائمة إذا رعت ليلا بلا راع وهلمت ارعت إذا رعت نهارا إذ اصل معناه الانتشار قال الله تعالى كالعهن المنفوش وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ يعنى الحاكمين داود وسليمان والمتحاكمين وقال الفراء أراد بالجمع اثنين سليمان وداؤد إذ قد يطلق الجمع على الاثنين كما في قوله تعالى فان كان له اخوة فلامه السدس والمراد
فَفَهَّمْناها الضمير للحكومة او الفتوى سُلَيْمانَ اى ألهمنا ما كان مرضيا لنافى الحكومة حذف هاهنا جهلا وهو فحكم سليمان كما فهمنا ونقض داود حكم نفسه وامضى حكمه روى البخاري عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال خفف على داود القرآن وكان يأمر بدوا به فيسرج فيقرأ القرآن قبل ان يسرج روابه ولا يأكل الا من عمل يديه قلت المراد بالقرآن الزبور قال البغوي قاله ابن عباس وقتادة ومن هاهنا يظهر ان الحاكم إذا كان مجتهد او تبدل رأيه قبل إمضاء حكمه جاز له نقض حكمه كما فعل داؤد قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والزهري ان رجلين دخلا على داؤد عليه السلام أحدهما صاحب الزرع والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع ان هذا انفلتت غنم ليلا فوقعت في حولى فافسدته فلم تبق منه شيئا فاعطاه داؤد رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما فاخبراه فقال سليمان لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا وروى انه قال غير هذا ارفق بالفريقين فأخبر بذلك داؤد فدعاه فقال تقضى ويروى انه قال بحق النبوة والابوة الا أخبرتني بالذي هو ارفق بالفريقين ما هى قال ادفع الغنم الى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه فاذا صار الحرث كهيئة يوم أكل دفع الى اهله حرثه والى صاحب الغنم غنمه فقال داؤد القضاء ما قضيت وحكم بذلك وقيل ان سليمان يوم حكم كان ابن أحد عشر سنة واخرج ابن ابى شيبة في المصنف وابن المنذر وابن مردوية عن ابن عباس نحو ما ذكر البغوي في القصّة قال البيضاوي والاول يعنى فتوى داؤد نظير قول ابى حنيفة في العبد الجاني والثاني مثل قول الشافعي بعزم الحيلولة للعبد المغضوب إذ ابق قلت غير ان أبا حنيفة يقول في العبد الجاني ان مالكه بالخيار ان شاء دفع العبد وان شاء فدى للجناية قال الجصاص انما ضموها لانهم أرسلوها وقيل هذا الحكم نسخ في الإسلام والحكم في الإسلام عند مالك والشافعي واحمد ان أتلفته المواشي المنفلتة ليلا فعلى صاحب الماشية ضمانه يعنى قيمة ما أتلفته قلت لعل قيمة الزرع الّتي أفسدتها الغنم في عهد داود بلغت قيمة الزرع حتى امر داود بدفعها والله اعلم واما ما أفسدته الماشية المنفلتة بالنهار فلا ضمان على ربها لان في عرف الناس
بالشك وايضا عند تعارض الحديثين يجب المصير الى القياس والقياس يقتضى عدم الضمان لان فعلها غير مضاف الى صاحبها لعدم ما يوجب النسبة اليه من الإرسال والسوق والقود ونحو ذلك ومن أجل ذلك قلنا فيمن أرسل الدابة في طريق المسلمين فاصابت في فورها انه يضمن لان سيرها مضاف ماوام تسير على سننها واما ان انعطفت، او يسرة او وقفت ثم سارت انقطع حكم الإرسال-
السلام وقضى به الكبرى فخرجتا على سليمان فاخبرتاه فقال ايتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى- وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ- معه لامره إذ وجد فترة عنه لينشط له مع متعلق بسخرنا او ليسبحن والاول أقوى لفظا والثاني معنا وجملة يسبحن حال من الجبال واستيناف لبيان وجه التسخير وَالطَّيْرَ عطف على الجبال او مفعول معه قدمت الجبال على الطير لان تسخيرها وتسبيحها اعجب قال وهب كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة تسبحن اى تصلين معه إذا صلى وقال ابن عباس كان يفهم تسبيح الحجر والشجر وقيل كان داود إذ افتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق اليه وقال بعض الناس يسبحن من السباحة اى كانت الجبال تسير معه إذا سار وَكُنَّا فاعِلِينَ ما ذكرنا من التفهيم
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الاسلحة كلها والمراد هاهنا الدروع من الحديد قال قتادة أول من صنع الدرع وسردها وحلقها داود عليه السّلام وكانت من قبل صفاع وقد مر في الحديث الصحيح ان داود عليه السلام كان لا يأكل الا من عمل يديه لَكُمْ يا معشر قريش في جملة الناس لِتُحْصِنَكُمْ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحفص ويعقوب بالتاء الفوقانية والضمير للصنعة او للبوس على تاويل الدروع وقرأ أبو بكر بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء التحتانية والضمير لداود او لله تعالى على سبيل الالتفات من التكلم الى الغيبة اى ليحرزكم مِنْ بَأْسِكُمْ ج اى حرب عدوكم قال السدى يعنى من وقع السلام فيكم لكم صنعة للبوس او متعلق بعلمناه وقوله لتحصنكم بدل اشتمال منه باعادة الجار فَهَلْ أَنْتُمْ يا اهل مكة وجميع الناس شاكِرُونَ لنا على ما يسرنا لكم ما يحصنكم امر بالشكر أخرجه بلفظ الاستفهام مبالغة وتفريعا.
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عطف لسليمان على مع داود والريح على الجبال بعاطف واحد لكونهما مفعولى عامل واحد قال البيضاوي ولعل اللام فيه دون الاول لان الخارق فيه عائد الى سليمان نافع له وفي الاوّل امر يظهر في الجبال والطير مع داود بالاضافة اليه قال بعض المحققين لما كان تسبيح الجبال والطير مع داود بغير امره أورد هناك كلمة مع وجريان الريح كان بامر سليمان أورد هلاك اللام عاصِفَةً حال من الريح يعنى شديدة الهبوب من حيث أنها تذهب بعسكره مسافة بعيدة في مدة يسيرة كما قال الله تعالى غدوها شهر ورواحها شهر وكانت رخاء في نفسها طيبة وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة اخرى حسب إرادته تَجْرِي بِأَمْرِهِ حال ثانية او بدل من الاولى او حال من ضميرها إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها قيل الى هاهنا بمعنى من فان منزل سليمان كان بالشام موطن الأنبياء وقيل هى بمعناها والمعنى يروح به الى منزله بعد ما سارمنه بكرة وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ فى الأزل فنفعل ما نفعل على ما يقتضيه الحكمة فكان ما أعطينا سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه الى الخضوع لربه قال وهب بن منبه كان سليمان عليه السلام إذا خرج الى مجلس عكفت عليه الطير فقام له الجن حتى يجلس على سريره وكان امرأ غزاء قلّ ما يقعد عن
الا سليمان إذ قال المليك له | قم في البريّة فاجددها عن العند «٢» |
وحيش «٣» الجن انى قد أذنت لهم | ينبون تدمر بالصفاح والعمد. |
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى اى دعا رَبَّهُ على طريقه ونوحا إذ نجيناه في وجوه الاعراب قال وهب بن منبه كان أيوب عليه السّلام رجلا من الروم وهو أيوب بن احرص بن رازخ بن روم بن عيص بن اسحق بن ابراهيم عليهما السّلام وكانت امه من ولد لوط بن هاران وكان الله قد اصطفاه ونبّاه وبسط عليه
(٢) العند الناحية والجانب ١٢ قاموس. [.....]
(٣) حاش يحيش فزع وأفزع ١٢ قاموس.
وثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار «٢» من تحت الأرض اعصارا «٣» من نار لا يدنوا من شيء الا قد احترقت فاحرقها ورعاها حتى اتى على آخرها ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قيم عليها على قعود الى أيوب فوجده قائما يصلى فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فاحترقتها ومن فيها غيرك فقال أيوب الحمد لله الّذي هو أعطاها وهو أخذها وقد عاما وطنت مالى نفسى على الغنى قال إبليس فان ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت فنزلت الناس مبهوتين يتعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان الا في غرور ومنهم من يقول لو كان اله أيوب يقدر على ان لا يضيع شيئا وليه ومنهم من يقول بل هو الّذي فعل ليشمت به عدوه ويفجع صديقه قال أيوب الحمد لله حين أتاني وحين نزع منى عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود في التراب وعريانا احشر الى الله عزّ وجلّ ليس لك ان تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته الله اولى بك وبما اعطاك ولو علم الله فيك ايها العبد خير النقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فاخرجك فرجع إبليس الى أصحابه خاسيأ ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فانى لم أكلم قلبه قال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة «٤» نفسه قال إبليس فات الغنم ورعاها فانطلق حتى توسطها صاح صيحة فحتمت أمواتا من عند آخرها وما رعاها ثم جاء متمثلا بقهرمان الرعاة الى أيوب وهو يصلى فقال له مثل القول الاول فرد أيوب عليه مثل الرد الاول ثم رجع إبليس الى أصحابه فقال ما عندكم من القوة فانى لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا ينشف كل شرياتى عليه قال فآت القدّادين
(٢) الثور الهجان والوثب والسطوح ١٢ قاموس.
(٣) الاعصار الريح تثير السحاب او الّتي فيها نار أو التي يهب من الأرض بنحو السماء ١٢ قاموس.
(٤) اى الدم او دم القلب او الروح ١٢.
(٢) الجندل كجعفر ما يقله الرجل من الجمارة ١٢ قاموس.
(٢) المسوح جمع مسح هو البلاس ١٢.
(٣) بكته مثقلة بما يكره ١٢ قاموس.
(٤) الزمام الزمة الحق ١٢ قاموس.
(٥) ازرى به اى ادخل به عيبا ١٢.
(٢) اى احضر ١٢.
(٣) دعم جمع دعام اى عمد جمع عماد ١٢.
(٤) سكرت اى امتلأت وسدّت ١٢.
فنفخ فيك ويلك ارايت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه- قالت الله قال فكم متعنابه قالت ثمانين سنة قال فهذكم ابتلاني قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت الا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة- والله لئن شافانى الله لا جلدنك مائة جلدة أمرتني ان اذبح لغير الله طعامك وشرابك الّذي أتيتني به علىّ حرام وحرام علىّ ان أذوق شيئا مما تأتينى به بعد إذ قلت لى هذا فاعز لى عنى فلا أراك فطردها فذهبت- فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خرّ ساجدا وقال ربّ انّى مسّنى الضّرّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) عطف على الجملة السابقة وصف ربه تعالى بغاية الرحمة
فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه استجاب الله دعاءه وقال له ارفع رأسك فقد استجيب لك فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ قيل له اركض برجلك فركض برجله فنبعت عين ماء فامره ان يغتسل فاغتسل منها فذهب كل داء كان لظاهره وعاد اليه شبابه وجماله احسن ما كان- ثم مشى أربعين خطوة فامره ان يضرب برجله مرة اخرى فضرب برجله فنبعت عين اخرى ماء بارد فامره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه- فصار كاصح ما يكون من الرجال وأجملهم- وكسى حلة قال فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من اهل ومال الا قد ضاعفه الله- حتى والله ذكر لنا ان الماء الّذي اغتسل منه تطائر على صدره جرادا من ذهب فجعل يضربه بيده- فاوحى الله اليه يا أيوب الم أغنك قال بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ بينا أيوب يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثى في ثوبه- فناداه ربه يا أيوب الم أغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك قال الحسن فخرج أيوب حتى جلس على مكان مشرف- ثم ان امرأته قالت ارايتك ان كان طردنى الى من أكله- ء أدعه يموت جزعا ويضيع فتاكله السباع لارجعنّ اليه فرجعت- فلا كناسة ترى ولا تلك الحالة الّتي كانت وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكى وذلك بعين أيوب وهابت صاحب الحلة ان تأتيه فتسئل عنه فدعاها أيوب فقال ما تريدين يا امة الله فبكت وقالت أردت ذلك المبتلى الّذي كان منبوذا على الكناسة لا أدرى أضاع أم ما فعل فقال ما كان منك فبكت وقالت بعلى قال قهل تعرفينه إذا رايتيه قالت وهل يخفى على أحد راه- ثم جعلت تنظر اليه وهى تهابه ثم قالت اما انه أشبه خلق بك إذ كان صحيحا قال فانى انا أيوب الّذي أمرتني ان اذبح لابليس وانى أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله سبحانه فرد علىّ ما ترين- وقال وهب لبث أيوب في البلاء سنين فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئا اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بنى آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس في مراكب الناس له عظم وبهاء وكمال- فقال لها اما بنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم قال فهل تعرفيننى قالت لا- قال انا اله الأرض وانا الّذي؟؟؟ نعت بصاحبك ما صنعت لانه عبد الله السماء
ثابت لم يدع الله بالكشف عنه حتى ظهرت له ثلاثة أشياء- أحدها- قدم عليه صديقان حين بلغهما خبره فجاء اليه ولم يبق له عيناه ورأيا امرا فقالا لو كان لك عند الله منزلة ما أصابك هذا والثاني ان امرأته طلبت طعاما فلم تجد ما تطعمه فباعت ذوابتها وحملت اليه طعاما- والثالث قول إبليس ان أداويه على ان يقول أنت شفيتنى- وقيل ان إبليس وسوس ان امرأتك زنت فقطعت ذوأبتها- فحينئذ عيل صبره فدعى وحلف ليضربنّها مائة جلدة- وقيل معناه مسّنى الضّرّ من شماتة الأعداء حتى روى انه قيل له بعد ما عوفى ما كان أشد عليك في بلائك وقال شماتة الأعداء- وقيل قال ذلك حين وقع دودة من فخذه فردها الى موضعها وقال كلى قد جعلنى الله طعامك- فعضته عضة زاد المها على جميع ما قاسى من عض الديدان-
(٢) وفي الأصل وأعطاهم ابو محمد.
(٣) وفي المنجد الأندر الكرس من القمح خاصة- السيد الفقير الدهلوي.
وَإِسْماعِيلَ بن ابراهيم وَإِدْرِيسَ هو أخنوخ وَذَا الْكِفْلِ اعراب هذه الأسماء على قياس نوحا- اختلفوا في ذى الكفل قال عطاء ان نبيا من أنبياء بنى إسرائيل اوحى الله اليه انى أريد قبض روحك فاعرض ملك على بنى إسرائيل فمن يكفل لك انه يصلى بالليل لا يفترو يصوم بالنهار لا يفتر ويقضى بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك اليه- ففعل ذلك فقام شاب فقال انا اتكفل لك بهذا فتكفل ووفى به فشكر الله له ونبّاه فسمى ذا الكفل- وقال مجاهد لما كبر اليسع قال لو انى استخلفت رجلا يعمل على الناس يعمل عليهم في حياتى حتى انظر كيف يعمل فجمع الناس فقال من يتقبل لى بثلاث استخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب- فقام رجل تزدريه العين فقال انا فرده ذلك اليوم- وقال مثلها اليوم الاخر فسكت الناس وقام ذلك فقال انا فاستخلفه- فاتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة وكان لا ينام بالليل والنهار الا تلك النومة- فدق الباب فقال من هذا قل شيخ كبير مظلوم فقام ففتح الباب فقال ان بينى وبين قومى خصومة والهم ظلمونى وفعلوا وفعلوا فجعل يطول حتى ظهر الرواج وذهبت القائلة فقال إذا رحت فانى أخذ حقك- فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام يبتغيه- فلما كان الغد يقضى بين الناس ينتظره فلا يراه- فلما رجع الى القائلة فاخذ مضجعه أتاه فدق الباب فقال من هذا فقال الشيخ المظلوم ففتح له فقال الم اقل لك إذا قعدت فاتنى قال انهم أحب قوم إذا عرفوا انك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك فاذا قمت جحدونى قال فانطلق فادارحت فأتنى ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه وشق عليه النعاس فقال لبعض اهله
وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا يعنى النبوة ودرجات القرب والجنة عطف على جملة كلّ من الصّابرين- او حال من الضمير في الصابرين بتقدير قد إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) معصومين عن كدر الفساد بالكلية.
وَذَا النُّونِ اى صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السلام إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً وإعرابه على حسب ما ذكرنا في نوحا إذ نادى- اختلفوا في معناه فقال الضحاك مغاضبا لقومه وهو رواية العوفى وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفا وبقي سبطان ونصف فاوحى الله الى شعياء النبي ان سر الى حرقيا الملك وقل له حتى يوجه نبيّا قويّا فانى القى في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل فقال له الملك فمن ترى وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فقال يونس انه قوى أمين فدعا الملك يونس وامره ان يخرج فقال له يونس هل أمرك الله باخراجى قال لا قال هل سمانى لك قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقوياء فالحّوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا للنبى وللملك ولقومه فاتى بحر الروم فركبها- وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضبا لربه إذا كشف
اى في الظلمة الشديدة المتكاثفة- او ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت- هذه الجملة معطوفة على جمل محذوفة معطوفة بعضها على بعض- تقديره إذ ذّهب مغاضبا فظنّ الّن تّقدر عليه فبلغ البحر فركب في السفينة فاحتبست السفينة فساهم فكان من المدحضين فالقى نفسه في البحر فاتقمه الحوت فنادى في الظلمات أَنْ اى بان لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) على نفسى بالمبادرة الى المهاجرة بلا اذن من الله تعالى- قال البغوي روى عن ابى هريرة مرفوعا انه اوحى الله الى الحوت ان خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فاخذه ثم هوى به الى مسكنه في البحر فلما انتهى به الى أسفل البحر سمع يونس تسبيحا فقال في نفسه ما هذا فاوحى الله اليه ان هذا تسبيح دواب البحر فسبح يونس وهو في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا تسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة- وفي رواية صوت معروف في مكان مجهول قال ذاك عبدنا يونس عصانى فحبسته في بطن الحوت- فقالوا العبد الصالح الّذي كان يصعد منه إليك في كل يوم عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فامر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله تعالى فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ اى أجبنا دعوته وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ اى غم الخطيئة وغم التقام الحوت او غم الظلمات بتلك الكلمات وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) من الغموم إذا يدعوننا بالإخلاص ويستغيثوا بنا- قال رسول الله ﷺ دعوة ذى النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا اله الّا أنت سبحناك
- قلت والاستدلال بقوله وأرسلناه
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى وإعرابه كاعراب نوحا إذ نادى يعنى حين دعا ربه رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وحيدا بلا ولد يخلفنى بيان للنداء وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) حال من فاعل لا تذرنى ثناء على الله تعالى بانه الباقي بعد فناء الخلق وانه خير من يخلف.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ولدا وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ اى جعلناها ولودا بعد ما كانت عقيمة إِنَّهُمْ اى الأنبياء المذكورين كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً مفعول له او حال اى لاجل الرغبة او ذوى رغبة او راغبين في لقائنا والتقرب إلينا او في الثواب راجين الاجابة او في الطاعة قال رسول الله ﷺ جعلت قرة عينى في الصلاة- رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي في حديث عن انس وَرَهَباً اى لاجل الخوف او ذوى خوف او خائفين الهجران او المعصية او العقاب وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) اى داعين نوجل قال مجاهد الخشوع هو الحزن اللازم في القلب وذلك لكمال المعرفة بعظة الله وقال قتادة ذللا لامر الله وقوله تعالى إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ مدح لهم وتعليل لما سبق اى اتينا لوطا ونوحا وداود وسليمان وغيرهم حكما يعنى نبوة وعلما لانهم كانوا يسارعون في الخيرات- او اذكر هؤلاء الكرام لانهم كانوا يسارعون في الخيرات حتى يقتدى بهم الناس فانهم نالوا من الله تعالى ما نالوا بهذه الخصال.
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الحلال والحرام يعنى مريم بنت عمران منصوب بتقدير اذكر فَنَفَخْنا يعنى نفخ جبرئيل بامرنا فِيها اى في مريم نفخ في جيب درعما فوصل النفخة في جوفها فاحدث الله تعالى بذلك النفخة المسيح عيسى بن مريم مِنْ رُوحِنا اى من الروح الّذي هو بامرنا وحدنا والاضافة للتشريف او المراد بالروح عيسى ومن زائدة- او من جهة روحنا يعنى جبرئيل عليه السلام وَجَعَلْناها وَابْنَها اى جعلنا قصتهما او حالهما ولذلك وحد قوله آيَةً اى دلالة على كمال قدرتنا على خلق ولد من غير اب لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ
وَتَقَطَّعُوا فيه التفات من الخطاب الى الغيبة- والتّفعّل بمعنى التفعيل يعنى قطعوا وفرقوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ اى امر دينهم فصاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا وما كان ينبغى لهم ذلك كُلٌّ اى كل فرقة منهم إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فنجازيهم.
فَمَنْ يَعْمَلْ شيئا من الأعمال الصَّالِحاتِ وان كان مثقال ذرة وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله ورسله وما جاءوا به- قيد بهذا لان الايمان شرط للاثابة على الأعمال فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ اى لا بطلان والمنع عن الثواب بعمله استعير الكفر للمنع عن الثواب كما استعير الشكر لاعطائه ونفى الجنس للمبالغة وَإِنَّا لَهُ اى لسعيه وعمله كاتِبُونَ (٩٤) مثبتون في صحف الأعمال الّتي تكتبها الملائكة الكرام.
وَحَرامٌ قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الحاء وسكون الراء بلا الف بينهما والباقون بفتح الحاء والراء والف بينهما وهما لغتان مثل رحلّ وحلال والمعنى ممتنع غير متصور الوجود عَلى اهل قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها اى حكمنا باهلاكها او وجدناها هالكا يعنى كافرا- خبر مبتداء محذوف تقديره حرام وممتنع عليهم ذاك اى المذكور في الاية المتقدمة من عدم تضيع الحسنات يعنى نحبط أعمالهم- او حرام اى ممتنع توبتهم او حياتهم- تأنيا في الدنيا او عدم بعثهم للجزاء وعلى هذا قوله تعالى أَنَّهُمْ إلينا لا يَرْجِعُونَ (٩٥) معناه لانهم لا يرجعون بالتوبة والإخلاص إلينا او لانهم لا يرجعون الى الدنيا حتى
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ قرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب بالتشديد على التكثير والباقون بالتخفيف يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ اسمان لقبيلتين والمضاف محذوف يعنى فتح سدهما عنهما وَهُمْ يعنى يأجوج وماجوج مِنْ كُلِّ حَدَبٍ اى نشز وتل يَنْسِلُونَ (٩٦) اى يسرعون من نسلان الذئب وقد ذكرنا حديث النواس بن سمعان في سورة الكهف في تفسير قوله تعالى فاذا جاء وعد ربّى جعله دكّاء وكان وعد ربّى حقّا وفيه ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون- قلت وإنما خص نسلانهم من الأحداب لان مقرهم ما وراء الجبال فيأتون من فوق الجبال وقيل ضميرهم في وهم في كلّ حدب راجع الى الناس أجمعين وقرأ مجاهد وهم من كلّ جدث يّفعلون بالجيم والثاء المثلة من فوق؟؟؟ معنى القبر والضمير على هذا راجع الى الناس أجمعين نظيره قوله تعالى فاذا هم من الأجداث الى ربّهم ينسلون- وعن حذيفة ابن اسد الغفاري قال اطلع النبي ﷺ ونحن نتذكر فقال ما تذاكرون قالو نذكر الساعة قال الها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات- فذكر الدخان والدّجال والدابة وطلّوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب واخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم- وفي رواية تخرج من قعر عدن تسوق الناس الى المحشر- وفي رواية في العاشرة وريح يلقى الناس في البحر- رواه مسلم وحتى ابتدائية تدلّ على سببية ما قبلها لما بعدها كما في قولهم مرض فلان حتى لا يرجونه- متعلق بحرام او بمحذوف دل عليه الكلام او بلا يرجعون اى يستمر امتناع عدم تضيع حسناتهم- يعنى يستمر حبط أعمالهم او امتناع قبول توبتهم او امتناع رجوعهم الى الدنيا او امتناع عدم بعثهم للجزاء حتى تكون أبصارهم شاخصة او يهلكون بالكفر حتى يكون كذلك- او لا يرجعون الى التوبة او الى الدنيا حتى يكون كذلك مترتبا عليه
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يعنى يوم القيامة عطف على فتحت- وقال الفراء وجماعة الواو زائدة والجملة جزاء للشرط كما في قوله تعالى فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ والمعنى لما أسلما ناديناه- واستدلوا عليه بما روى عن حذيفة قال لو ان رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة- ورد هذا القول بان الواو ولا تكون زائدة وجزاء الشرط فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا اى أجفانهم إذا للمفاجاة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله اذاهم يقنطون فاذا جاءت معها تظاهرت على وصل الجزاء بالشرط فيتاكد- والضمير للقصة او مبهم يفسره الابصار- وشاخصة مبتدأ من قبيل الصفة المسندة الى فاعلها والابصار فاعل لها او مبتداء وشاخصة خبره يقال شخص بصره يعنى فتح عينه وجعل لا يطرف من شدة الهول والتحير- وقيل هى مبتدأ محذوف الخبر تقديره فاذا هى اى الساعة بارزة يعنى من قربها كانها حاضرة- وقوله شاخصة أبصار الّذين كفروا جملة مستانفة يا وَيْلَنا مقدر بيقولون وهى واقع موقع الحال من الموصول وجاز ان تكون فاذا هى شاخصة معطوفة على الشرط والجزاء يقولون يويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم لم نعلم انه حق هذه الجملة في مقام التعليل لقوله يا ويلنا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) لانفسنا بالإخلال بالنظر او واضعين العبادة في غير موضعها.
إِنَّكُمْ ايها المشركون وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى مالا يعقل من الأصنام وعجل السامري ونحو ذلك تفضيحا للكفار في عبادتها وما يعقل ويرضى بكونه معبودا من الشياطين مدعى الالوهية بالباطل ومن الانس كفرعون ونمرود واشباههم- واما ما يعقل ولا يرضى به فغير مراد بدليل العقل والنقل فانه لا تزر وازرة وزر أخرى- هذا على تقدير كون ما عامة لذوى العقول وغيرهم كما هو المختار عند اكثر المحققين ويويده ما روى ان ابن الزبعرى قال لرسول الله ﷺ هذا شيء لالهتنا خاصة او لكل من عبد من دون الله فقال عليه السّلام بل لكل من عبد من دون الله- ذكره البيضاوي وأخرجه ابو داود وابن المنذر وابن مردوية والطبراني
لَوْ كانَ هؤُلاءِ الّتي تعبدونها ايها الكفار آلِهَةً في الواقع ما وَرَدُوها هذه جملة معترضة مقدرة بالقول يعنى يقال لهم بعد دخولهم في النار تفضيحا وتوبيخا هذا الكلام وَكُلٌّ اى كل واحد من العابدين والمعبودين فِيها اى في النار خالِدُونَ (٩٩) لاخلاص لهم عنها ابدا عطف على أنتم لها واردون-.
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ اى انين وتنفس شديد وهو من باب اضافة فعل البعض الى الكل؟؟؟ تغليبا والجملة الظرفية حال من الضمير المستتر في خالدون وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) عطف على الجملة الظرفية او حال- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من حديد ثم قذفوا في أسفل الحجيم فما يرى أحدهم انه يعذب غيره ثم قرأ ابن مسعود لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون- وذكر البغوي نحوه بلفظ جعلوا في توابيت من نار ثم جعلت تلك والتوابيت في توابيت اخرى ثم تلك التوابيت في توابيت عليها مسامير من نار فلا يسمعون شياء ولا يرى أحد منهم ان في النار يعذب غيره- اخرج الحاكم عن ابن عباس قال لما نزلت انّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم قال المشركون فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فنزلت.
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى المنزلة الحسنى منزلة القرب او الخصلة الحسنى وهى السعادة او التوفيق للطاعة او البشرى بالجنة قال الجنيد رحمه الله سبقت لهم منا العناية
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وهو بدل من مبعدون او حال من ضميره سيق للمبالغة في ابعادهم عنها والحسيس صوت يحس به وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ دائمون وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام وفيه دليل على ان الصوفية العلية الذين لا ترغب أنفسهم الى ما سوى الله تعالى دائمون في الوصل بلا كيف وفي الروية فارغون عن غيره تعالى.
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ هذه الجملة مع ما عطف عليه خبر بعد خبر لان في ان الذين سبقت قال البغوي قال ابن عباس الفزع الأكبر النفخة الاخيرة بدليل قوله تعالى ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض قلت المراد بالنفخة الأخيرة النفخة الّتي هى الاخيرة من امور الدنيا والا فنفخة الفزع انما هى النفخة الاولى وقيل وهى النفخة الصعق ايضا والأمر ان متلازمان فانهم يفزعون بالنفخة الاولى فزعا وماتوا منه وهذا ما صححه القرطبي إذ لم يذكر في اكثر الأحاديث الا نفختان نفخة الصعق ونفخة البعث واختار ابن عربى ان النفخات ثلث الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث وهو المختار عندى اخرج ابن جرير في تفسيره والطبراني في المطولات وابو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وابو موسى المديني في المطولات وعلى بن معيد في كتاب الطاعة والعصيان وعبد بن حميد وابو الشيخ في كتاب العظمة عن ابى هريرة حديثا طويلا مرفوعا وفيه فينفخ فيه اى في الصور ثلث نفخات الاولى نفخة الفزع والثانية النفخة الصعق والثالثة النفخة القيام الى رب العالمين وسنذكر ما ورد في الحديث من تفصيل الفزع في سورة النمل في تفسير الآية المذكورة وقال الحسن الفزع الأكبر حين يومر بالعبد الى النار وقال ابن جريح حين
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ قرأ ابو جعفر تطوى بالتاء المثناة الفوقانية على البناء للمفعول ورفع السماء للاسناد اليه والجمهور بالنون على صيغة المتكلم المعروف ونصب السماء مقدر باذكر او ظرف لقوله تعالى لا يَحْزُنُهُمُ او تَتَلَقَّاهُمُ او حال مقدره كَطَيِّ السِّجِلِّ الطى ضد النشر والسجل الصحيفة مشتق من المساجلة وهى المكاتبة لِلْكُتُبِ قرأ حمزة والكسائي وحفص هكذا على صيغة الجمع والباقون للكتاب على الافراد والمعنى طياكطى الطومار لاجل الكتابة او لما يكتب او كتب فيه ويدل عليه القراءة على صيغة الجمع اى للمعانى الكثيرة المكتوبة فيه كذا قال ابن عباس ومجاهد والأكثرون وقال السدى ان السجل ملك يكتب اعمال العباد واللام زائدة يعنى كطى السجل الكتب كقوله ردف لكم اى اردفكم وقيل السجل كاتب كان لرسول الله ﷺ قال في القاموس كتب السجل لكتاب العهد وغيره جمعه سجلات وهو ايضا الكاتب والرجل بالحبشة واسم كاتب للنبى ﷺ واسم ملك والسجل بالكسر الكتاب وقيل السجل حجر كان يكتب فيه ثم سمى كلما يكتب فيه سجلا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ما كافة او مصدرية وكلمة أول مفعول لبدأنا اى نعيد ما خلقناه مبدأ إعادة مثل ابدائنا إياه في كونها إيجادا عن العدم او جمعا من الاجزاء المتبددة وجاز ان يكون أول مفعولا بفعل مضمر يفسره نعيده والمعنى على الوجهين واحد والمقصود بيان صحة الاعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة الكاملة القديمة لهما على السواء وقيل ما موصولة وبدأنا صلة والعائد محذوف والكاف
لَقَدْ كَتَبْنا جواب قسم محذوف فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع الكتب المنزلة والذكر أم الكتاب الّذي عنده يعنى من بعد ما كتبنا ذلك في اللوح المحفوظ وقال الشعبي الزبور كتاب داود عليه السّلام والذكر التوراة وقال ابن عباس والضحاك الزبور التوراة والذكر الكتب المنزلة بعد التوراة وقيل الزبور كتاب داود عليه السّلام والذكر القران وبعد على هذين التأويلين بمعنى قبل أَنَّ الْأَرْضَ يعنى ارض الجنة يَرِثُها عِبادِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الصَّالِحُونَ فهذه الآية نظيره لقوله تعالى والعاقبة للمتقين والفساق انما يدخلون اما بعد العذاب والتطهير واما بعد المغفرة فحينئذ يلتحقون بالصالحين وقال مجاهد يعنى امة محمد ﷺ دليلا قوله تعالى وقالوا الحمد لله الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء وقيل أراد بالأرض الأرض المقدسة وبعبادي الصالحين الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها وقال ابن عباس أراد بالأرض ارض الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين قلت فالمراد بالأرض جميع الأرض روى احمد عن المقداد انه سمع رسول الله
إِنَّ فِي هذا اى فيما ذكرنا في القران من الاخبار والمواعظ والمواعيد لَبَلاغاً اى لكفاية لاجل دخول الجنة فانها زاد الجنة كبلاغ المسافر او سبب بلوغ الى المطلوب يعنى من اتعظ بها بلغ ما يرجوا من الثواب لِقَوْمٍ عابِدِينَ صفة لبلاغا او متعلق به اى للمؤمنين الذين يعبدون الله عزّ وجلّ عبادة مقبولة وقال ابن عباس عالمين وقال كعب الأحبار هم امة محمد صلّى الله عليه وسلم اهل الصلاة الخمس وشهر رمضان.
وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد إِلَّا رَحْمَةً منصوب على العلية او على الحال من كاف الخطاب لِلْعالَمِينَ يعنى لرحمتنا على الانس والجن أرسلناك ليهتدوا بك او أرسلناك حال كونك رحمة يعنى سببا للرحمة روى الحاكم عن ابى هريرة وابن سعد والحكيم عن ابى صالح مرسلا انه قال رسول الله ﷺ انما انا رحمة مهراة وروى البخاري في التاريخ عن ابى هريرة بلفظ انما بعثت رحمة ولم ابعث عذابا وهذه الجملة معطوفة على قوله تعالى ان في هذا لبلاغا وتأكيد له في المعنى فان القرآن لما كان بلاغا وزادا الى الجنة كان إرسال الرسول الّذي انزل عليه القران رحمة والمعنى ان ما بعثت به سبب لاسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم فمن لم يستعدبه وابى من ان يصير مرحوما فهو ظالم على نفسه وذالا ينافى كونه رحمة وقال ابن عباس هو رحمة للكافر في الدنيا بتأخير العذاب عليهم ورفع المسخ والخسف والاستيصال قل يا محمد.
إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ جعلة مستانفة في جواب ما أقول لهم حين بعثت رحمة وما في انما يوحى كافة والحصر المستفاد منه مبنى على المبالغة والحاصل ان المقصود الأصلي من الوحى التوحيد فكانه هو الموحى الىّ لا غير او المعنى انما يوحى الى في امر عبادة الله الا التوحيد وجاز ان يكون ما موصولة في حمل النصب على الاسمية وانما إلهكم في محل الرفع على الخبرية
فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام بعد تمام الحجة عليهم أبوا عن رحمة الله فَقُلْ يا محمد آذَنْتُكُمْ اى أعلمتكم ما أرسلت به إليكم او أعلمتكم بالحرب وان لا صلح بيننا عَلى سَواءٍ اى حال كونكم مستوين في الاعلام يعنى ما أخفيت من أحد منكم فيه دليل على بطلان مذهب الباطنية والروافض المعتقدين للتقية القائلين بان الائمة كانوا يعلّمون أصحابهم احكام الشرع على وجه الاحق ويقولون ان للجدر ان أذان او المعنى مستوين انا وأنتم في العلم بما أعلمتكم او بالحرب والمعاداة يعنى لاخداع فتاهبوا للحرب او اذنتكم إيذانا على سواء يعنى على الإعلان دون الكتمان وقيل معناه أعلمتكم انى على سواء اى على عدل واستقامة رأى بالبرهان وَإِنْ أَدْرِي اى ما أدرى أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ من غلبة المسلمين او الحشر لكنه كائن لا محالة.
إِنَّهُ تعالى يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ اى ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ من الحقد للمسلمين فيجازيكم عليه وهذه الجملة معترضة للتوبيخ على النفاق والتحريض على الإخلاص.
وَإِنْ أَدْرِي مفعول أدرى محذوف يعنى ما أدرى اىّ سبب لتاخير العذاب عنكم مع ما علم الله تعالى جهركم وسركم بالسوء ولما كان في هذه الجملة نفى علمه ﷺ عن سبب تأخير العذاب عن الكفار وذلك يوهم نفى الظن قد وقع ذلك الوهم بقوله لَعَلَّهُ الضمير راجع الى المحذوف المفهوم مما سبق يعنى لعل ذلك التأخير فِتْنَةٌ لَكُمْ اى استدراج لكم وزيادة في افتتانكم او امتحانكم لينظر هل ترجعون مما أنتم عليه الى الاتعاظ أم لا وَمَتاعٌ التنوين للتحقير وكذا تنوين حين اى تمتيع قليل من الله تعالى إِلى حِينٍ اى زمان يسير
قل قرأ حفص قالَ على صيغة الماضي حكاية عن حال النبي ﷺ على سبيل الالتفات من الخطاب الى الغيبة وقرأ الجمهور بصيغة الأمر رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ يعنى اقض بيننا وبين اهل مكة بالعدل المقتضى لتعذيب الكفار وإنجاء المسلمين وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ اى كثير الرحمة على خلقه مبتدأ وخبره الْمُسْتَعانُ صفة للرحمن او خبر بعد خبر اى المطلوب منه المعونة عَلى ما تَصِفُونَ بالكذب والباطل بان الشوكة تكون لهم وان رأية الإسلام ترفع أياما ثم تخفض وان الموعد به لو كان حقا لنزل بهم فاجاب الله سبحانه دعاء رسوله ونصر المؤمنين وقصم الكفار يوم بدر او المعنى ما تصفون الله تعالى باتخاذ الولد وتصفون محمدا ﷺ بالسحر والقران بكونه شعرا والله اعلم الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد ﷺ لم تفسير سورة الأنبياء عليهم السّلام ويتلوه إنشاء الله تعالى تفسير سورة الحج يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر الجمادى الثاني من السنة الثالثة من المائة الثالثة بعد الالف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
مضمون صفحه الكلام في زلزلة الساعة.... ٢٥١
وما ورد في بعث النار..... ٢٥١
ما ورد في مبارزة على وحمزة ٢٥١ يوم بدر.......... ٢٦٢
ما ورد في ثياب من نار... ٢٦٢
ما ورد في حلية اهل الجنة ولباسهم ٢٦٦ مسئلة هل يجوز بيع رباع مكة ٢٦٦ واجازتها... ٢٧٠
وما قيل في ان ارض مكة مملوكة لاهلها أم لا... ٢٧١
ما ورد في الإلحاد في الحرم... ٢٧٣
قال المجدد للالف الثاني ٢٧٣ رحمه الله... ان الكعبة لها شبه بما لا كيف له.... ٢٧٥
حديث يا ايها الناس ان الله قد فرض عليكم الحج فحجوا... ٢٧٦
مسئلة الحج ماشيا أفضل ٢٧٦ حديث من حج لله تعالى فلم يرفث ٢٧٦ مسئلة هل يشترط يوم النحر و ٢٧٦ مضمون صفحه ايام التشريق في هدى التطوع والندر ٢٧٧ مسئلة جواز الاكل من هدى التطوع والاضحية وعدم الجواز من جزاء الصيد والدماء الواجبة بالجناية وإفساد الحج والمنذور والاختلاف في دم التطوع والقران.... ٢٧٨
مسئلة وجوب الترتيب بين الرمي ونحر القارن والحلق والطواف ٢٨٠ مسائل الحلق في الحج والعمرة ٢٨١ مسائل النذر باقسامه وما ورد فيه من الأحاديث... ٢٨٤
مسائل الطواف واقسامه وشرائطه وأركانه ٣٠٦ حديث عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ٣١٨ مسئلة هل يجوز الانتفاع بالهدى من الركوب والحلب ونحو ذلك... ٣٢٠
مسئلة يجوز نحر الهدى في اى موضع شاء من الحرم... ٣٢١
مسئلة الذكر شرط للذبح... ٣٢٢
مسئلة البدنة من الإبل والبقر ٢٢٣
مسئلة لو امر الامام بقتل حربية او مرتدة لمصلحة فلا بأس به... ٣٢٩
حديث يدخل الفقراء الجسة قبل الأغنياء بخمس مائة عام... ٣٣٥
حديث انما مثلى ومثل ما يعثنى الله به كمثل رجل اتى قوما إلخ ٣٣٥ حديث الإسلام يهدم ما كان قبله ٣٣٦ حديث مثلى كمثل رجل استوقد نارا ٣٣٦ ما ورد في عدد الأنبياء والرسل... ٣٣٧
ما ورد في ان دخول الجنة بفضل الله لا بالأعمال وتفاوت درجات اهل الجنة بالأعمال... ٣٤٢
حديث اوحى الى نبى قل لاهل طاعتى من أمتك لا يتكلوا على أعمالهم ولا يئسوا... ٣٥٠
مضمون صفحه حديث يخرج لابن آدم ثلث دواوين... ٣٥١
مسئلة اختلاف العلماء في السجدة الثانية في سورة الحج ٣٥١ مسئلة تحقيق الجهاد الأكبر وما ورد فيه..... ٣٥٢
ما ورد في الرياء والسمعة... ٣٥٣
ما ورد في اجتباء النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه ٣٥٤ مسئلة رفع كلفة التكاليف من لوازم الاجتباء ٣٥٥ ما ورد في انّ الناس تبع لقريش حديث انا لكم بمنزلة الوالد ٣٥٦ ما ورد في كون امة محمد صلّى الله عليه وسلم شهداء على الناس يوم القيمة... ٣٥٧
ما ورد في التمسك بالكتاب والسنة والاجتناب عن البدعة ٣٥٨ ١٥/ ذى الحجة سنه ١٢٠٣ هـ.
تمّ الفهرس.