تفسير سورة الحجرات

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

عن قشور مطلق التخمين والتقليد مقتصدا في جميع اطوارك وشئونك مقتفيا في جميع اخلاقك اثر نبيك الهادي الى سواء السبيل حتى ينفتح لك أبواب عموم الكرامات والسعادات ويغلق ذلك مداخل انواع المكروهات والمنكرات وإياك إياك ان تختلط مع اهل الغفلة واصحاب الجهالات المترددين في اودية البغي ومهاوي الضلال ليتيسر لك التحقق الى فضائل الوصال. جعلنا الله من زمرة أوليائه المقتصدين الذين ثبتوا على الصراط المستقيم
[سورة الحجرات]
فاتحة سورة الحجرات
لا يخفى على ارباب المحبة والولاء المتحققين بمقام التأديب والتسليم مع الله في عموم أحوالهم وأفعالهم ان كمال العبودية والإخلاص انما يظهر بحسن الأدب والمحافظة على أداء حقوق الربوبية والوفاء على مقتضيات عهود الألوهية وذلك انما يحصل برعاية حقوق من اختاره الله لرسالته واصطفاه لخلته إذ هو الوسيلة الموصلة لعباد الله الى الله وهو الهادي المرشد لهم في جناب قدرته لذلك اوصى سبحانه خلص عباده بمحافظة الأدب مع الله ورسوله فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ المراقب احوال عباده الرَّحْمنِ عليهم بتعليم الأدب إياهم الرَّحِيمِ لهم بتلقين الرضاء والتسليم
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم مراعاة الأدب مع الله ورسوله فعليكم ان لا تُقَدِّمُوا ولا تتقدموا في امر من الأمور وحكم من الاحكام بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لا تبادروا بإمضاء الاحكام ما لم تشاوروا بكتاب الله وسنة رسوله ولم يعرضوها عليهما وَاتَّقُوا اللَّهَ المقتدر الغيور المطلع على ما في ضمائركم ونياتكم واحذروا عن المسابقة والمبادرة في الأقوال والاحكام بمقتضى اهويتكم وآرائكم إِنَّ اللَّهَ المراقب عليكم في عموم أحوالكم سَمِيعٌ بأقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم فيها
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا من خصائص ايمانكم بالله وبرسوله ان لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ وقت التكلم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ بل لكم ان لا تخلطوا أصواتكم مع صوته صلّى الله عليه وسلّم بل وَعليكم ان لا تَجْهَرُوا لَهُ صلّى الله عليه وسلّم بل في حضوره ومجلسه صلّى الله عليه وسلم بِالْقَوْلِ مطلقا كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ إذ الجهر بالقول معه مخل بحرمته صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمه وانما نهاكم سبحانه عما نهاكم كراهة أَنْ تَحْبَطَ وتضيع أَعْمالُكُمْ اى الصالحات منها وَان أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ حبوطها وضياعها وبالجملة
إِنَّ المؤمنين المحسنين الَّذِينَ يَغُضُّونَ ويحفظون أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مراعاة لتعظيمه وحفظا للأدب معه صلّى الله عليه وسلم أُولئِكَ السعداء المقبولون هم الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ المجرب لإخلاص عباده قُلُوبَهُمْ التي هي اوعية الأيمان والإخلاص ليجعلها مقرا لِلتَّقْوى المثمرة لانواع اللذات الروحانية لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ستر وعفو من مقتضيات بشريتهم وَأَجْرٌ عَظِيمٌ هو تحققهم بمقام الرضاء والتسليم. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة
إِنَّ المسرفين المسيئين الَّذِينَ يُنادُونَكَ يا أكمل الرسل مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ حين كنت مستريحا في خلوتك فارغا في همك عن مقتضيات النبوة متوجها الى ربك حسب حصة ولايتك أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ولا يفهمون خلوتك مع ربك ومنزلتك عنده سبحانه ولا يتفطنون باستغراقك بمطالعة وجهه الكريم إذ لو كان لهم عقل يوقظهم عن منام الغفلة لارشدهم البتة الى مراعاة الأدب معك يا أكمل الرسل
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حين احتياجهم إليك وارادتهم صحبتك حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لهدايتهم وإرشادهم بمقتضى شفقة النبوة لَكانَ خَيْراً لَهُمْ واولى من مبادرتهم الى النداء وَاللَّهُ المطلع بما في ضمائرهم من الإخلاص غَفُورٌ يغفر زلتهم ان وقعت منهم أحيانا رَحِيمٌ يرحمهم ان كانوا من ذوى الإخلاص مع الله ورسوله. ثم نادى سبحانه عموم المؤمنين المخلصين نداء ارشاد وتعليم تهذيبا لأخلاقهم عما لا يليق بشأن المؤمنين الموحدين فقال
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم بالله حسن الظن بإخوانكم المؤمنين فعليكم انكم إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ منحرف عن عدالة الايمان خارج عن مقتضى التوحيد والعرفان بِنَبَإٍ وخبر على وجه الافتراء والمراء فَتَبَيَّنُوا اى عليكم ان تتفحصوا وتستكشفوا عنه ولا تبادروا الى تصديقه كراهة أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً سوأ واذية بمجرد الظن الكاذب مع انكم متصفون بِجَهالَةٍ اى كنتم جاهلين بحالهم فَتُصْبِحُوا وتصيروا بعد ما أصبتم القوم البرآء عَلى ما فَعَلْتُمْ من اذياتهم نادِمِينَ محزونين مغتمين كلما تذكرتم تغممتم
وَاعْلَمُوا ايها المؤمنون أَنَّ فِيكُمْ وبين أظهركم رَسُولَ اللَّهِ وسنته السنية الموروثة له من ربه في حياته وبعد مماته فعليكم الإطاعة والمراجعة اليه حين حياته والى سنته وشرعه بعد مماته صلّى الله عليه وسلّم في مطلق الأمور والخطوب والعرض عليه وعليها والمشاورة معه ومعها فعليكم ان لا تكلفوه صلّى الله عليه وسلم الى قبول ما قد حسنت لكم نفوسكم من الأمور والاحكام والخطوب الواقعة بينكم فانه لَوْ يُطِيعُكُمْ ويقبل منكم قولكم فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ أثمتم أنتم وهلكتم في الإثم البتة واستغرقتم فيه إذ من مقتضى ايمانكم وانقيادكم له ان تفوضوا أموركم كلها اليه وتستصوبوها منه صلّى الله عليه وسلّم فان صوبها فبها والا فلا تكلفوه إذ منصب النبوة ومقتضى الحكمة يأبى عن ذلك وَلكِنَّ اللَّهَ الحكيم العليم قد حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ يعنى لا تعتذروا في رمى البرئ بمجرد القول الباطل والظن الفاسد بمحبة الايمان وكراهة الكفر فانه سبحانه وان حبب إليكم الايمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ المؤدى اليه وَالْعِصْيانَ المستلزم له لكنه لما حبب الايمان حببه على مقتضى الإخلاص والصدق والعدالة وكره الكفر الناشئ عن قصد واختيار لا ان ينسب اى ينسب عن بهتان وزور فانه سبحانه لا يرضى لعباده أمثال ذلك وبالجملة أُولئِكَ المؤمنون المجتنبون عن الزور والتهمة هُمُ الرَّاشِدُونَ المقصورون على الرشد والهداية الى صراط مستقيم هو صراط التوحيد المعتدل بين كلا طرفي الإفراط والتفريط وانما صار رشادهم هذا
فَضْلًا ناشئا مِنَ اللَّهِ المطلع بعموم استعدادات عباده وقابلياتهم وَنِعْمَةً موهوبة لهم من عنده وَاللَّهُ المحيط بعموم افعال عباده عَلِيمٌ بحوائجهم المصلحة لهم حَكِيمٌ في افاضتها حسب المصلحة
وَمن جملة أخلاقكم ايها المؤمنون المعتدلون في مقتضى الايمان إِنْ كانت طائِفَتانِ كلتاهما مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وتقاتلوا عن ثوران اللقوة الغضبية وهيجان الحمية الجاهلية من كلا الجانبين بسبب الخصومة المستمرة والعصبية المؤبدة فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما مهما أمكن الصلح على وفق الحكمة والعدالة فَإِنْ بَغَتْ اى غوت وغلبت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى بحيث ادى بغيها الى الإفراط والظلم الخارج عن مقتضى العدالة الإلهية فَقاتِلُوا أنتم ايها المصلحون بأمر الله مظاهرين على الطائفة المغلوبة مع الطائفة الغالبة والفئة الباغية الَّتِي تَبْغِي وتغوى
حَتَّى تَفِيءَ وترجع إِلى أَمْرِ اللَّهِ العادل الحكيم وترضى بحكمه المترتب على محض القسط والعدالة فَإِنْ فاءَتْ ورجعت عن بغيها وطغيانها فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بعد ما وقع ما وقع بِالْعَدْلِ المنبئ عن الحكمة ورعاية القسط بين الجانبين وَبالجملة أَقْسِطُوا واعدلوا ايها المؤمنون في عموم أحوالكم واحكامكم إِنَّ اللَّهَ المستوي على العدل القويم يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ من عباده وكيف لا تصلحون بينهما ايها المؤمنون المصلحون
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الموقنون بوحدة الحق المصدقون لرسوله المبين لطريق توحيده إِخْوَةٌ في الدين القويم فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ بمقتضى العدل والإنصاف وَاتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور في إصلاحكم هذا عن الميل والانحراف لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لأجل عدالتكم وتقواكم
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم ترك المراء والاستهزاء من بنى نوعكم وإخوانكم بحيث لا يَسْخَرْ قَوْمٌ منكم ايها الرجال القوامون المقيمون لحدود الله مِنْ قَوْمٍ أمثالكم في القيام والتقويم اى لا يسخر أقوياؤكم ورساؤكم من أراذلكم وضعفائكم عَسى أَنْ يَكُونُوا اى المسخور بهم المرذولون خَيْراً مِنْهُمْ اى من الرؤساء الساخرين عند الله وَكذا لا يسخر منكم نِساءٌ عاليات متعززات مِنْ نِساءٍ سافلات مستضعفات عَسى أَنْ يَكُنَّ اى المستضعفات خَيْراً مِنْهُنَّ اى من العاليات الساخرات عند الله وكن اقرب الى رحمته منهن وَلا تَلْمِزُوا ايها المؤمنون ولا تعيبوا أَنْفُسَكُمْ اى بعضكم بعضا إذ المؤمنون كنفس واحدة فما لحق لهم وعليهم انما لحق بهم وعليهم جميعا وَعليكم ايضا ان لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ اى لا يدع بعضكم بعضا باللقب السوء الدال على القبح والذم فان النبز انما يستعمل في اللقب السوء وبالجملة انما نهيتم ايها المؤمنون عن عموم ما نهيتم عنه لأنه من جملة الفسوق والعصيان المستلزمين لانواع الخيبة والحرمان المسقطين للمروة والعدالة المترتبة على الحكمة الإلهية وبالجملة بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ المنبئ عن الخروج والانحراف عن صراط الحق سيما بَعْدَ الْإِيمانِ اى بعد الاتصاف بالإيمان المبنى على كمال الاعتدال وَبالجملة مَنْ لَمْ يَتُبْ ولم يرجع الى الله بعد ما صدر عنه أمثال هذه الجرائم المذكورة هفوة فَأُولئِكَ البعداء المصرون على الغواية والطغيان هُمُ الظَّالِمُونَ المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم بالله متابعة اليقين في عموم الأحوال والمقامات وترك الظنون والجهالات في جميع الحالات الا ظن الخير بالله وبخلص عباده من الأنبياء والأولياء المستبعدين بمراحل عن التهمة والتعزير اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ المورث لكم المجادلة والمراء مع الله ورسوله وعموم المؤمنين وبالجملة إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ ألا وهو الملقى إليكم من قبل الشيطان المزور المغوى إِثْمٌ خروج وفسوق عن مقتضى الحدود الإلهية وَايضا لا تَجَسَّسُوا اى من جملة أخلاقكم المحمودة ترك التجسس والتفحص سيما عن جلائل بنى نوعكم مطلقا فعليكم ان لا تبحثوا عن عورات المؤمنين وغيرهم سيما بما يوجب هتك حرماتهن من المفتريات الباطلة الشنيعة وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً اى من جملة أخلاقكم المحمودة ايها المؤمنون القاصدون لسلوك طريق التوحيد بل من أجلها ترك الغيبة وهي ان يذكر بعضكم بعضا منكم في غيبته بشيء لو كان حاضرا عندكم ليشق عليه ويكرهه البتة وسئل عليه السلام عن الغيبة فقال ان تذكر أخاك بما يكرهه فان كان فيه فقد اغتبته وان لم يكن فقد بهتّه وكلاهما خارجان عن اعتدال اهل الأيمان ثم أكد سبحانه هذا النهى على وجه
المبالغة في التوبيخ كأنه استدل عليه وصرح بنهيه وتقبيحه على سبيل المبالغة فقال أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ ويرضى لنفسه أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ سيما حال كونه مَيْتاً ولو فرض عرض هذا عليكم فَكَرِهْتُمُوهُ البتة إذ لا يمكنكم انكار كراهته وغيبة أخ المؤمن اكره وأقبح من هذا وَبالجملة اتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور عن ارتكاب الغيبة المحرمة وتوبوا اليه عنها وعن أمثالها إِنَّ اللَّهَ المطلع على ما في ضمائركم من الندم والإخلاص تَوَّابٌ يقبل منكم توبتكم ان اخلصتم فيها رَحِيمٌ يمحو عنكم زلتكم بعد ما تبتم ورجعتم نادمين عما فعلتم. ثم أكد سبحانه ايضا هذا الحكم على وجه التفصيل فقال
يا أَيُّهَا النَّاسُ الناسون المنشأ الأصلي والفطرة الجبلية إِنَّا خَلَقْناكُمْ اى اوجدناكم وأخرجناكم جميعا مِنْ ذَكَرٍ هو آدم المصور بصورتنا حسب حصته اللاهوتية المجبول على خلافتنا في عالم الناسوت وَأُنْثى هي حواء المنشعبة من آدم باعتبار حصة ناسوته وَبعد ما صيرناهما زوجين ممتزجين مزدوجين من حصتي اللاهوت والناسوت قد جَعَلْناكُمْ وصيرناكم شُعُوباً متكثرة من اصل واحد هو آدم وَقَبائِلَ مختلفة متحزبة من تلك الشعوب إذ الشعب هي الجمع المتكثر المنشعب عن اصل واحد والقبيلة هي الفرق المختلفة الحاصلة من الشعب والعمارة هي الطائفة المتفرعة عن القبيلة والبطن الجمع المتفرع عن العمارة والفخذ متفرع عن البطن والفصيل عن الفخذ فحزيمة مثلا شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ وعباس فصيل وانما جعلناكم كذلك لِتَعارَفُوا اى يعرف بعضكم بعضا ويؤدى بكم تعارفكم الى التلاحق في المنشأ لا للتفاخر والتغالب والمظاهرة إذ لا تفاخر بينكم الا بالكرامة والنجابة المترتبة على حصة اللاهوت وبالجملة إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وأحذركم عن لوازم الناسوت ولواحق الهيولى إِنَّ اللَّهَ المطلع على استعدادات عباده عَلِيمٌ خَبِيرٌ بما في ظواهرهم وبواطنهم يوفقهم على مقتضى علمه وخبرته بهم ومن عدم امتثالهم واتصافهم بأمر التعارف والتلاحق المأمور والموصى إليهم
قالَتِ الْأَعْرابُ التي هي المتوغلة في اللدد والعناد على سبيل التغالب والتفاخر حين قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين لا عن عزيمة خالصة وقصد صادق بل على وجه الخداع والنفاق ولهذا كانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلم على سبيل الامتنان قد آتيناك بالأحمال والأثقال ولم نقاتل معك كما قاتل بنو فلان آمَنَّا بك بلا سبق خصومة منا معك وبالجملة يمنون عليك يا أكمل الرسل بايمانهم الواهية وصدقاتهم الغير الوافية قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما أظهروا خلاف ما اضمروا في نفوسهم من المنة والغلول المنافى للإخلاص والايمان لَمْ تُؤْمِنُوا ايها الاعراب الأجلاف بمجرد قولكم آمنا إذ الايمان انما هو من افعال القلوب الصافية عن كدر المن والأذى مطلقا وَلكِنْ قُولُوا بدل قولكم آمنا أَسْلَمْنا اى قد دخلنا في السلم وصالحنا معكم على ان لا تخاصم بيننا وبينكم ولا نزاع وكيف تقولون آمنا وَالحال انه لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ اى لم يدخل الإذعان والقبول الملازم للايمان بل الايمان ليس الا الإذعان فِي قُلُوبِكُمْ التي هي أوعيته وهو من افعالها وَبالجملة إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ حق إطاعتهما وانقيادهما مخلصين لا يَلِتْكُمْ ولا ينقصكم مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً قليلا من اجورها وجزائها ان اخلصتم في ايمانكم وإطاعتكم وجئتم بهما بلا من وأذى إِنَّ اللَّهَ المطلع على نيات عباده غَفُورٌ لمن تاب عن فرطاته رَحِيمٌ يرحمه ويقبل
توبته وبالجملة
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ المخلصون هم الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وأخلصوا في ايمانهم وإذعانهم ليصلوا الى مرتبة التوحيد المسقط لعموم الإضافات ثُمَّ بعد ما آمنوا وأخلصوا لَمْ يَرْتابُوا ولم يشكوا قط فيما آمنوا وَمع ذلك جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مع اعداء الله أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله هُمُ الصَّادِقُونَ المقصورون على الصدق والإخلاص الفائزون عند ربهم بأنواع الفوز والفلاح المتمكنون في مقعد صدق عند مليك مقتدر على عموم الانعام والإفضال
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما أظهروا الايمان الجعلى بألسنتهم ولم يواطئ عليه قلوبهم أَتُعَلِّمُونَ وتخبرون ايها الجاهلون اللَّهَ المطلع لعموم السرائر والخفايا بِدِينِكُمْ وايمانكم هذا وَالحال انه اللَّهَ سبحانه يَعْلَمُ بعلمه الحضوري جميع ما فِي السَّماواتِ من الغيوب والشهادات وَجميع ما فِي الْأَرْضِ ايضا كذلك وَبالجملة اللَّهَ المحيط بالكل بِكُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة الوجود عَلِيمٌ لا يعزب عن حضرة علمه شيء مما لمع عليه برق الوجود بمقتضى الجود. ثم قال سبحانه تعليما لحبيبه وإرشادا
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ يا أكمل الرسل أَنْ أَسْلَمُوا اى بإسلامهم ودخولهم في السلم مع انهم ليسوا في أنفسهم مؤمنين مذعنين قُلْ يا أكمل الرسل في جوابهم إلزاما وتبكيتا لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ اى بإسلامكم هذا ولا تعدوا انفسكم من جملة المؤمنين بمجرد ما تفوهتم بالإيمان بَلِ اللَّهُ العالم بعموم السرائر والخفايا يَمُنُّ عَلَيْكُمْ على أَنْ هَداكُمْ وأرشدكم لِلْإِيمانِ المثمر للعرفان المستلزم للكشف والعيان إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في ايمانكم وفي اذعانكم ومواطأة قلوبكم مع ألسنتكم ومطابقتها لها مع انكم لستم كذلك ايها الحمقى الهلكى التائهون في تيه الكفر والنفاق وبالجملة
إِنَّ اللَّهَ المطلع بما في ضمائر عباده من الثقة والإخلاص يَعْلَمُ بحضرة علمه الحضوري غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بحيث لا يغيب عن حضوره وشهوده شيء منها وَبالجملة اللَّهَ المراقب بعموم أحوالكم واطواركم بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ من الأعمال خيرا كان او شرا يجازيكم بمقتضى بصارته وعلمه. جعلنا الله من زمرة المؤمنين المخلصين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
خاتمة سورة الحجرات
عليك ايها الموحد المحمدي المتحقق بمقام التوحيد الذاتي مكنك الله في مقر عزتك وتمكينك ان تترفع بنفسك عن مطلق الرذائل المتعلقة بالأهوية الفاسدة والأماني الكاسدة سيما عن المن والأذى في الانفاق وغيره وعن رعونات السمعة والرياء في مطلق الطاعات والعبادات وإياك إياك ان تتفوق على احد من بنى نوعك واخوانك في عموم حالاتك وازمانك فانه من شيم اصحاب النخوة والكفران المورث لهم انواع الخيبة والخسران واصناف الخذلان والحرمان فلك ان تلازم التواضع والانكسار مع عموم المظاهر والمجالى الإلهية والاعتزال عن مطلق اصحاب الجاه والاعتبار وعليك بالقناعة مع الكفاف والعزلة مع العفاف والاجتناب عن الخلطة والائتلاف والاتصاف بالانصاف وبترك الأوصاف. جعلنا الله ممن ثبت على منهج الصدق والصواب واجتنب عما ينافيه بتوفيق من لدنه وتيسيره
Icon