تفسير سورة الضحى

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

والمعنى: حَتَّى ما تزيد مخافة (وعلٍ) عَلَى مخافتي، ومثله من غير المخفوض قول الراجز «١» :
إن سراجًا لكريم مفخره تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا ما تجهره
[قَالَ] «٢» الفراء: حلِيت بعيني، وحلوت [فى صدرى] «٣» والمعنى: تحلى بالعين إِذَا ما تجهره، ونصبُ الابتغاء من جهتين: من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه. والآخر عَلَى اختلاف ما قَبْلَ إلّا وما بعدها والعرب تَقُولُ: ما فِي الدار أحد إلّا أكلبًا وأحمرةً، وهي لغة لأهل الحجاز، ويتبعون آخر الكلام أوله «٤» فيرفعون فِي الرفع، وقَالَ الشَّاعِر «٥» فِي ذَلِكَ.
وبلدةٍ ليس بها أنيس إلّا اليعافير وإلّا العيس
فرفع، ولو رفع (إلا ابتغاء «٦» وجه ربه) رافع لم يكن خطأ لأنك لو ألقيت من: من النعمة لقلت «٧» : ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إلا ابتغاء، فيكون الرفع عَلَى اتباع المعنى، كما تَقُولُ: ما أتاني من أحد إلّا أبوك.
ومن سورة الضحى
قوله عزَّ وجلَّ: وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢).
فأمَّا الضحى فالنهار كُلِّه، والليل إِذَا سجى: إِذَا أظلم وركد في طوله، كما تَقُولُ: بحر ساج، وليل ساج، إِذَا ركد وسكن وأظلم.
وقوله عز وجل: ما وَدَّعَكَ [١٤٢/ ا] رَبُّكَ وَما قَلى (٣).
نزلت فِي احتباس الوحي عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة [ليلة] «٨»، فَقَالَ المشركون: قَدْ ودّع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربُّه، أَوْ قلاه التابع الَّذِي يكون معه، فأنزل اللَّه جلّ وعزّ: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ» يا محمد، «وَما قَلى» يريد: وما قلاك، فألقيت الكاف، كما يَقُولُ «٩» : قد أعطيتك وأحسنت
(١) لم أعثر على القائل [.....]
(٢، ٣) سقط فى ش.
(٤) سقط فى ش.
(٥) هو عامر بن الحارث الملقب: بجران العود. شاعر نميرى. الخزانة ٤/ ١٩٧. وفى ش: فيه، تحريف.
(٦) قرأ ابن وثاب بالرفع على البدل فى موضع نعمة لأنه رفع، وهى لغة تميم (البحر المحيط ٨/ ٤٨٤).
(٧) سقط فى ش.
(٨) ما بين الحاصرتين اضافة يقتضيها السياق.
(٩) فى ش: تقول.
ومعناهُ: أحسنت إليك، فتكتفي بالكاف الأولى من إعادة الأخرى، ولأن رءوس الآيات بالياء، فاجتمع ذَلِكَ فِيهِ.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥).
وهي «١» فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولسيعطيك [ربك فترضى «٢» ] » والمعنى واحد، إلا أن (سوف) كثرت فِي الكلام، وعرِف موضعها، فترك منها الفاء والواو، والحرف إذا كثر فربما فعل به ذلك، كما قيل: أيش تقول، وكما قيل: قم لاباك، وقم لا بشانئك، يريدون: لا أبا لك، ولا أبا لشانئك، وَقَدْ سمعت بيتًا حذفت الفاء فِيهِ من كيف، قَالَ الشَّاعِر «٣» :
من طالبين لِبُعران لنا رفضت كيلا يحسون من بعراننا أثرًا
أراد: كيف لا يحسون؟، وهذا لذلك.
وقوله عزَّ وجلَّ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦).
يَقُولُ: كنت فِي حجر أَبِي طَالِب، فجعل لك مأوى، وأغناك عَنْهُ، ولم يك غنى عنْ «٤» كثرة مال، ولكنّ اللَّه رضّاه بما آتاه.
وقوله عز وجل: فَأَغْنى (٨) و «فَآوى» يراد به (فأغناك) و (فآواك) فجرى عَلَى طرح الكاف لمشاكلة رءوس الآيات. ولأنّ المعنى معروف.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧).
يريد: فِي قوم ضلال فهداك «٥» «وَوَجَدَكَ عائِلًا» (٨) : فقيرًا، ورأيتها فِي مصاحف عَبْد اللَّه «عديما»، و [المعنى واحد] «٦».
وقوله عزَّ وجلَّ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩).
فتذهب بحقه لضعفه، وهي فِي مصحف عَبْد اللَّه «فلا تكهر «٧» »، وسمعتها من أعرابي من بنى أسد قرأها علىّ.
(١) سقط فى ش: هى.
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.
(٣) انظر: الخزانة: ٣/ ١٩٥.
(٤) فى ش: ولم يكن غنى من.
(٥) فى ش: فهدى.
(٦) سقط فى ش.
(٧) وبها قرأ ابن مسعود، وإبراهيم التيمي. وهى لغة بمعنى قراءة الجمهور (البحر المحيط ٨/ ٤٨٦). [.....]
Icon