تفسير سورة آل عمران

الدر المنثور
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ

أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبيّ بن كعب أنه قرأ ﴿ الحي القيوم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال :﴿ القيوم ﴾ القائم على كل شيء.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح سورة آل عمران، فقرأ ﴿ الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾.
وأخرج ابن أبي داود عن الأعمش قال في قراءة عبدالله ﴿ الحي القيام ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن علقمة أنه كان يقرأ ﴿ الحي القيام ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي معمر قال : سمعت علقمة يقرأ ﴿ الحي القيم ﴾ وكان أصحاب عبدالله يقرؤون ﴿ الحي القيام ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير قال « قدم على النبي ﷺ وفد نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، فكلم رسول الله ﷺ منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب، وعبد المسيح، والأيهم السيد، وهو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم. يقولون هو الله، ويقولون هو ولد الله، ويقولون هو ثالث ثلاثة، كذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم يقولون هو الله بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الاسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً، وذلك كله بإذن الله ليجعله آية للناس.
ويحتجون في قولهم بأنه ولد بأنهم يقولون : لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد شيئاً لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله. ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة بقول الله : فعلنا : وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون : لو كان واحداً ما قال إلا فعلت، وأمرت، وقضيت، وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم. ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن وذكر الله لنبيه فيه قولهم، فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله ﷺ : أسلما قالا : قد أسلمنا قبلك. قال : كذبتما منعكما من الإِسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، قالا : فمن أبوه يا محمد؟ فصمت فلم يجبهما شيئاً، فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها »
، فافتتح السورة بتنزيه نفسه مما قالوه، وتوحيده إياهم بالخلق، والأمر لا شريك له فيه، ورد عليه ما ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد، واحتجاجاً عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال ﴿ الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ أي ليس معه غيره شريك في أمره، الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى، في قولهم القائم على سلطانه لا يزول وقد زال عيسى.
275
وقال ابن إسحق : حدثني محمد بن سهل بن أبي امامة قال : لما قدم أهل نجران على رسول الله ﷺ يسألونه عن عيسى ابن مريم. نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين منها وأخرجه البيهقي في الدلائل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال :« إن النصارى أتوا رسول الله ﷺ، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له : من أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان. فقال لهم النبي ﷺ : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وإن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا : بلى. قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا : لا. قال : أفلستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا : بلى. قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم؟ قالوا : لا.
قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب، ولا يحدث الحدث؟ قالوا : بلى. قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذّيَ كما تُغذي المرأة الصبي، ثم كان يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ويحدث الحدث؟ قالوا : بلى. قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً. فأنزل الله ﴿ الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ »
.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها ﴿ القيام ﴾.
وأخرج ابن جرير عن علقمة أنه قرأ ﴿ الحي القيوم ﴾.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه ﴾ قال : لما قبله من كتاب أو رسول.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ مصدقاً لما بين يديه ﴾ يقول : من البينات التي أنزلت على نوح وإبراهيم وهود والأنبياء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ نزل عليك الكتاب ﴾ قال : القرآن ﴿ مصدقاً لما بين يديه ﴾ من الكتب التي قد خلت قبله ( وأنزل التوراة والإنجيل، من قبل هدى للناس ) هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله، وعصمة لمن أخذ به، وصدق به وعمل بما فيه ﴿ وأنزل الفرقان ﴾ هو القرآن فرق به بين الحق والباطل.
276
فأحل فيه حلاله، وحرم فيه حرامه، وشرع فيه شرائعه، وَحَدَّ فيه حدوده، وفرض فيه فرائضه، وبَيَّنَ فيه بيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ وأنزل الفرقان ﴾ أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره. وفي قوله ﴿ إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ﴾ أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها، ومعرفته بما جاء منه فيها. وفي قوله ﴿ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴾ أي قد علم ما يريدون، وما يكيدون، وما يضاهون بقولهم في عيسى. إذ جعلوه رباً، وإلهاً، وعندهم من علمه غير ذلك، غرة بالله وكفراً به ﴿ هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صور غيره من بني آدم فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل؟
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ﴿ يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : ذكوراً وإناثاً.
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح وعن ابن عباس عن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة. في قوله ﴿ هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً. فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكاً يصوّرها فيأتي الملك بتراب بين اصبعيه، فيخلط فيه المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصوّره كما يؤمر، ثم يقول أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، وما رزقه، وما عمره، وما أثره، وما مصائبه؟ فيقول الله... ويكتب الملك. فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : من ذكر، وأنثى، وأحمر، وأبيض، وأسود، وتام، وغير تام الخلق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ﴿ العزيز الحكيم ﴾ قال : العزيز في نقمته إذا انتقم، الحكيم في أمره.
277
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال :﴿ المحكمات ﴾ ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده؛ وفرائضه، وما يؤمن به و ﴿ المتشابهات ﴾ منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال :﴿ المحكمات ﴾ الناسخ الذي يدان به ويعمل به. ﴿ المتشابهات ﴾ المنسوخات التي لا يدان بهن.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبدالله بن قيس : سمعت ابن عباس يقول في قوله ﴿ منه آيات محكمات ﴾ قال : الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات ﴿ قل تعالوا... ﴾ [ الأنعام : ١٥١ - ١٥٣ ] والآيتان بعدها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله ﴿ آيات محكمات ﴾ قال : من ههنا ﴿ قل تعالوا... ﴾ [ الأنعام : ١٥١ - ١٥٣ ]. إلى آخر ثلاث آيات. ومن ههنا ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه... ﴾ [ الإسراء : ٢٣ - ٢٥ ] إلى ثلاث آيات بعدها.
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود وناس من الصحابة ﴿ المحكمات ﴾ الناسخات التي يعمل بهن ﴿ والمتشابهات ﴾ المنسوخات.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال ﴿ المحكمات ﴾ الحلال والحرام.
وأخرج عبد بن حميد والفريابي عن مجاهد قال ﴿ المحكمات ﴾ ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضاً. مثل قوله ﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ] ومثل قوله ﴿ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] ومثل قوله ﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ﴾ [ محمد : ١٧ ].
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال ﴿ المحكمات ﴾ هي الآمرة الزاجرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحق بن سويد، أن يحيى بن يعمر، وأبا فاختة. تراجعا هذه الآية ﴿ هنَّ أم الكتاب ﴾ فقال أبو فاختة : هن فواتح السور، منها يستخرج القرآن ﴿ الم ذلك الكتاب ﴾ منها استخرجت البقرة، و ﴿ الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ منها استخرجت آل عمران، قال يحيى : هن اللاتي فيهن الفرائض، والأمر والنهي، والحلال والحدود، وعماد الدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ هنَّ أم الكتاب ﴾ قال : أصل الكتاب، لأنهن مكتوبات في جميع الكتب.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال ﴿ المحكمات ﴾ حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه ﴿ وأخر متشابهات ﴾ في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، لا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرفن عن الحق.
278
وأخرج ابن جرير عن مالك بن دينار قال : سألت الحسن عن قوله ﴿ أم الكتاب ﴾ قال : الحلال والحرام قلت له ف ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ [ الفاتحة : ١ ] قال : هذه أم القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : إنما قال ﴿ هن أم الكتاب ﴾ لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن ﴿ وأخر متشابهات ﴾ يعني فيما بلغنا ﴿ الم ﴾ و ( المص ) و ( المر ) و ( الر ).
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال ﴿ المتشابهات ﴾ آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرأوهن. ومن أجل ذلك يضل من ضل، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم، فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول الله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] ثم يقرؤون معها ﴿ والذين كفروا بربهم يعدلون ﴾ [ الأنعام : ١ ] فإذا رأوا الامام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر فمن كفر عدله بربه، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه. فهؤلاء الأئمة مشركون.
وأخرج البخاري في التاريخ وابن جرير من طريق ابن إسحق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رباب قال « مر أبو ياسر بن أخطب، فجاء رجل من يهود لرسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ﴿ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ﴾.
فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال أتعلمون؟ والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه ﴿ الم، ذلك الكتاب ﴾ فقال : أنت سمعته قال : نعم. فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول الله ﷺ فقالوا : الم تقل إنك تتلو فيما أنزل عليك ﴿ الم، ذلك الكتاب ﴾ ؟ فقال : بلى، فقالوا : لقد بعث بذلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مده ملكه، وما أجل أمته غيرك. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة.
ثم قال : يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال : نعم. ( المص ) قال : هذه أثقل وأطول! الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، هذه إحدى وثلاثون ومائة. هل مع هذا غيره؟ قال : نعم. ( الر ) قال : هذه أثقل وأطول! الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان. هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. هل مع هذا غيره؟ قال : نعم. ( المر ) قال : هذه أثقل وأطول. هذه إحدى وسبعون ومائتان. ثم قال : لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً!.
ثم قال : قوموا عنه. ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه : ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد. إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين! فقالوا : لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ﴾ »
.
279
وأخرج يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وجابر بن رباب، أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي ﷺ وهو يقرأ ( فاتحة الكتاب، والم، ذلك الكتاب ) فذكر القصة. وأخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج معضلاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ ﴾ يعني أهل الشك. فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس الله عليهم ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله ﴾ قال : تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ﴿ زيغ ﴾ قال : شك.
وأخرج عن ابن جريج قال ﴿ الذين في قلوبهم زيغ ﴾ المنافقون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ فيتبعون ما تشابه منه ﴾ قال : الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه ﴿ ابتغاء تأويله ﴾ وفي قوله ﴿ ابتغاء الفتنة ﴾ قال : الشبهات.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارمي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان والبيهقي في الدلائل من طرق عن عائشة قالت « تلا رسول الله ﷺ ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ ﴾ إلى قوله ﴿ أولوا الألباب ﴾ فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم. ولفظ البخاري : فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه سمى الله فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم ».
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي ﷺ في قوله ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ﴾ قال : هم الخوارج. وفي قوله ﴿ يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] قال : هم الخوارج.
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول « لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال : أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذَّكَّرُ إلا أولوا الألباب ﴾، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالوا به ».
280
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : مما أتخوف على أمتي؛ أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيه فيقتتلوا عليه، وإن مما أتخوف على أمتي أن يُفْتَحَ لهم القرآن حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحل حلاله المؤمن ».
أما قوله تعالى :﴿ ابتغاء تأويله ﴾ الآية.
أخرج أبو يعلى عن حذيفة عن رسول الله ﷺ قال « إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأوّلونه على غير تأويله ».
وأخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن رسول الله ﷺ خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال : بهذا صلت الأمم قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض. قال : وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعلموا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به ».
وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « سمع رسول الله ﷺ قوماً يتدارأون فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فَكِلُوه إلى عالِمِهِ ».
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الابانة عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال « كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف. زاجر وآمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نُهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا ﴿ آمنا به كل من عند ربنا ﴾ » وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود. موقوفاً.
وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي ﷺ قال لعبد الله بن مسعود « إن الكتب كان تنزل من السماء، من باب واحد، وأن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وضرب أمثال، وآمر وزاجر، فأحل حلاله، وحرم حرامه، واعمل بمحكمه، وقف عند متشابهه، واعتبر أمثاله، فإن كلا من عند الله ﴿ وما يذّكَّر إلا أولوا الألباب ﴾ ».
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند واهٍ عن علي أن النبي ﷺ قال في خطبته :« أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم. فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه، واعلموا بمحكمه، واعتبروا بأمثاله ».
281
وأخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال : أنزل القرآن على خمسة أوجه : حرام، وحلال، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فأحل الحلال، وحرم الحرام، وآمن بالمتشابه، واعمل بالمحكم، واعتبر بالأمثال.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود قال : إن القرآن أنزل على نبيكم ﷺ من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وأن الكتاب قبلكم كان ينزل من باب واحد على حرف واحد.
وأخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ قال : نزل القرآن على سبعة أحرف. المراء في القرآن كفر. ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عَالِمِهِ ».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه، وغرائبه فرائضه وحدوده. فإن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن القرآن ذو شجون، وفنون، وظهور، وبطون. لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته. فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف غوى. أخبار وأمثال وحرام وحلال، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن. فظهره التلاوة، وبطنه التأويل. فجالسوا به العلماء، وجانبوا به السفهاء، وإياكم وزلة العالم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى قالوا لرسول الله ﷺ : ألست تزعم أن عيسى كلمة الله، وروح منه؟ قال : بلى. قالوا : فحسبنا... فأنزل الله ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن طاوس قال : كان ابن عباس يقرؤها « وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به »
وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله « وان حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن أبي مليكة قال : قرأت على عائشة هؤلاء الآيات فقالت : كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله ﴾ ولم يعلموا تأويله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا : إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ﴾ فانتهى عملهم إلى قولهم الذي قالوا.
282
وأخرج ابن جرير عن عروة قال ﴿ الراسخون في العلم ﴾ لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون ﴿ آمنا به كل من عند ربنا ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز قال : انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا ﴿ آمنا به كل من عند ربنا ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال : كتاب الله ما استبان منه فاعمل به، وما اشتبه عليك فآمن به وَكِلْهُ إلى عالمه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن للقرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم فتمسكوا به، وما اشتبه عليكم فذروه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال : القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحداً، وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه.
وأخرج ابن أبي جرير من طريق أشهب عن مالك في قوله ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله ﴾ قال : ثم ابتدأ فقال ﴿ والراسخون في العلم يقولون آمنا به ﴾ وليس يعلمون تأويله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء « أن رسول الله ﷺ سئل عن ﴿ الراسخين في العلم ﴾ فقال : من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه. فذلك من الراسخين في العلم ».
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأودي. « سمعت أنس بن مالك يقول سئل رسول الله ﷺ من ﴿ الراسخون في العلم ﴾ ؟ قال :» من صدق حديثه، وبر في يمينه، وعف بطنه وفرجه. فذلك ﴿ الراسخون في العلم ﴾ « ».
وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : تفسير القرآن على أربعة وجوه : تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله. من ادعى علمه فهو كاذب.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :« قال رسول الله ﷺ : أُنْزِلَ القرآن على سبعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله. ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أنا ممن يعلم تأويله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع « والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ يقولون آمنا به ﴾ نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به.
283
وهو من عند الله كله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ كل من عند ربنا ﴾ يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ.
وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار، أن رجلاً يقال له صيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أَعَدَّ له عراجين النخل فقال : من أنت؟ فقال : أنا عبدالله صبيغ فقال : وأنا عبدالله عمر. فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين، فضربه حتى دمى رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك... قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
وأخرج الدارمي عن نافع، إن صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برئ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس. أن عمر بن الخطاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزيد، أن رجلاً قال لعمر : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن. فقال عمر : اللهم أمكني منه. فدخل الرجل يوماً على عمر فسأله، فقام عمر، فحسر عن ذراعيه، وجعل يجلده ثم قال : ألبسوه تباناً واحملوه على قتب، وابلغوا به حيه، ثم ليقم خطيب فليقل أن صبيغاً طلب العلم فاخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي، إن عمر كتب إلى أهل البصرة، أن لا يجالسوا صبيغاً، قال : فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغاً، وأن يحرم عطاءه ورزقه.
وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمرن فيقومون ويدعونه.
وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري.
284
أما بعد... فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه.
وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه قال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ، أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإِبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم؛ هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام.
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال : إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو « أن رسول الله ﷺ خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن. هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية. فكأنما فقىء في وجهه حب الرمان فقال : ألهذا خلقتم، أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا ».
وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« الجدال في القرآن كفر ».
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال :« خرج رسول الله ﷺ ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن. فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دماً فقال : يا قوم لا تجادلوا بالقرآن، فإنما ضَلَّ من كان قبلكم بجدالهم، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ولكن نزل ليصدق بعضه بعضاً، فما كان من محكمه فاعملوا به، وما كان من متشابهه فآمنوا به ».
وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال : كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال : وما يقول؟! قال : جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق. فقال علي : هذه كلمة وسيكون لها ثمرة، لو وَليتُ من الأمر ما وَلِيتَ ضربت عُنقَه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ... ﴾ الآية قال : طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال : الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون آمنا به.
285
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة « أن النبي ﷺ كان يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. ثم قرأ ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة « أن رسول الله ﷺ كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت : يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟! قال : نعم. ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله أقامه، وإن شاء أزاغه. فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. قلت : يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي. قال : بلى. قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة قالت :« كان رسول الله ﷺ كثيراً ما يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! فقال : ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله تعالى ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ﴾ » ولفظ ابن أبي شيبة « إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه ».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أنس قال : كان النبي ﷺ يكثر أن يقول « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال : نعم. قال : إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها ».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير والطبراني عن سبرة بن فاتك قال : قال النبي ﷺ :« قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرب. فإذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عبيدة بن الجراح « أن رسول الله ﷺ قال : إن قلب ابن آدم مثل قلب العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات ».
286
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص عن أبي موسى قال : إنما سمي القلب قلباً لتقلبه. وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض.
وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ قال :« إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهراً لبطن ».
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن أبي عبدالله الصنابحي، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة من قصار المفصل. ثم قام في الركعة الثالثة، فقرأ بأم القرآن، وهذه الآية ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ﴾.
وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة والحاكم وصححه عن جابر قال :« كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. قلنا : يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك؟ فقال : إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يقول به هكذا. ولفظ الطبراني : إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله تعالى، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ».
وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النّواس بين سمعان سمعت رسول الله ﷺ يقول « الميزان بيد الرحمن. يرفع أقواماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن. إذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه، وكان يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ».
وأخرج الحاكم وصححه عن المقداد : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذ اجتمع غلياناً ».
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا ﴾ أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا.
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول : أي رب لا أزنين، أي رب لا أسرقن، أي رب لا أكفرن. قيل له : أو تخاف؟ قال : آمنت بمحرف القلوب ثلاثاً.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال : كان عبدالله بن رواحة إذا لقيني قال : اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله على ما يشاء. ثم قال : يا عويمر هذه مجالس الإِيمان، إن مثل الإِيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنت قد نزعته إذ لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته. يا عويمر للقلب أسرع تقلباً من القِدر، إذا استجمعت غلياناً.
287
وأخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبدالله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ :« إنما الإِيمان بمنزلة القميص، مرة تقمصه ومرة تنزعه ».
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري قال : ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع ابرة من النفاق، وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان.
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان إذا استيقظ من الليل قال :« لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ».
وأخرج مسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عبدالله بن عمرو « أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء. ثم قال رسول الله ﷺ : اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ».
وأخرج الطبراني في السنة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن تعالى ».
288
أخرج ابن النجار في تاريخه عن جعفر بن محمد الخلدي قال : روي عن النبي ﷺ أنه قال :« من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه ﴿ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ﴾ اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير ».
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ كدأب آل فرعون ﴾ قال : كصنيع آل فرعون.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ﴿ كدأب آل فرعون ﴾ قال : كفعل.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد. مثله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع ﴿ كدأب آل فرعون ﴾ يقول : كسنَّتهم.
أخرج ابن اسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس « أن رسول الله ﷺ لما أصاب ما أصاب من بدر ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً فقالوا : يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً ولا يعرفون القتال، إنك والله لو ما قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا. فأنزل الله ﴿ قل للذين كفروا ستغلبون ﴾ إلى قوله ﴿ لأولي الأبصار ﴾ ».
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر عن قتادة. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قال فنحاص اليهودي في يوم بدر : لا يغرن محمداً أن غلب قريشاً وقتلهم، إن قريشاً لا تحسن القتال. فنزلت هذه الآية ﴿ قل للذين كفروا ستغلبون ﴾.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ﴿ قد كان لكم آية ﴾ عبرة وتفكر.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله ﴾ أصحاب رسول الله ﷺ ببدر ﴿ وأخرى كافرة ﴾ فئة قريش الكفار.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة قال : في أهل بدر نزلت ﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ﴾ [ الأنفال : ٧ ] وفيهم نزلت ﴿ سيهزم الجميع... ﴾ [ القمر : ٤٥ ] الآية. وفيهم نزلت ﴿ حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ﴾ [ المؤمنون : ٦٤ ] وفيهم نزلت ﴿ ليقطع طرفاً من الذين كفروا ﴾ [ آل عمران : ١٢٧ ] وفيهم نزلت ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ [ آل عمران : ١٢٨ ] وفيهم نزلت ﴿ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً ﴾ [ إبراهيم : ٢٨ ] وفيهم نزلت ﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء ﴾ [ الأنعام : ٤٧ ] وفيهم نزلت ﴿ قد كان لكم آية في فئتين التقتا ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ قد كان لكم آية ﴾ يقول : قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر. أيدهم الله ونصرهم على عدوّهم وذلك يوم بدر، كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً، وكان أصحاب رسول الله ﷺ ثلاثمائة عشر رجلاً.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ﴿ قد كان لكم آيةٌ في فئتين ﴾ الآية. قال : هذا يوم بدر فنظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. وذلك قول الله ﴿ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ قد كان لكم آية في فئتين... ﴾ الآية. قال : أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين، كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وكان المشركون مثليهم ستة وعشرين وستمائة، فأيد الله المؤمنين فكان هذا في التخفيف على المؤمنين.
291
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس، أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر. المهاجرون منهم خمسة وسبعون، وكانت هزيمة بدر لسبع عشرة من رمضان ليلة جمعة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ يؤيد بنصره من يشاء ﴾ قال : يقوي بنصره من يشاء قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
292
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال : لما نزلت ﴿ زين للناس حب الشهوات... ﴾ إلى آخر الآية. قال عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت ﴿ قل أؤنبئكم... ﴾ [ آل عمران : ١٥ ] الآية كلها.
وأخرج ابن المنذر بلفظ حتى انتهى إلى قوله ﴿ قل أؤنبئكم بخير ﴾ [ آل عمران : ١٥ ] فبكى وقال : بعد ماذا. بعد ما زينتها.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سيار بن الحكم، أن عمر بن الخطاب قرأ ﴿ زيِّن للناس... ﴾ الآية. ثم قال : الآن يا رب وقد زينتها في القلوب.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أسلم قال : رأيت عبدالله بن أرقم جاء إلى عمر بن الخطاب بحلية آنية وفضة فقال عمر : اللهم إنك ذكرت هذا المال. فقلت ﴿ زين للناس حب الشهوات ﴾ حتى ختم الآية وقلت ﴿ لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ﴾ [ الحديد : ٢٣ ] وإنا لا أستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم فاجعلنا ننفقه في حق، وأعوذ بك من شره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ زين للناس... ﴾ الآية. قال من زينها؟ ما أحد أشد لها ذماً من خالقها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله تعالى عنه في قوله ﴿ زين للناس... ﴾ الآية. قال : زين لهم الشيطان.
قوله تعالى :﴿ من النساء ﴾.
أخرج النسائي وابن أبي حاتم والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ».
قوله تعالى :﴿ والقناطير المقنطرة ﴾.
أخرج أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« القنطار اثنا عشر ألف أوقية ».
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال :« سئل رسول الله ﷺ عن قول الله ﴿ والقناطير المقنطرة ﴾ قال : القنطار ألف أوقية ».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« القنطار ألف دينار ».
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال :« قال رسول الله ﷺ :﴿ القنطار ﴾ ألف أوقية ومائتا أوقية ».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال :« قال رسول الله ﷺ :﴿ القنطار ﴾ ألف ومائتا دينار ».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الدرداء قال :« قال رسول الله ﷺ : من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية بعث من القانتين، ومن قرأ خمسمائة آية إلى ألف آية أصبح له قنطار من الأجر، والقنطار مثل التل العظيم ».
293
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال : القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : القنطار ألف ومائتا أوقية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة مثله.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : القنطار اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار.
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : القنطار ألف ومائتا دينار من الفضة وألف ومائتا مثقال.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : القنطار ملء مسك الثور ذهباً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر، أنه سئل ما القنطار؟ قال : سبعون ألفاً.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : القنطار سبعون ألف دينار.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال : القنطار ثمانون ألفاً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : القنطار مائة رطل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من الذهب، أو ثمانون ألفاً من الورق.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ والقناطير ﴾ قال : أما قولنا أهل البيت فانا نقول : القنطار عشرة آلاف مثقال، وأما بنو حسل فإنهم يقولون : ملء مسك ثور ذهباً أو فضة. قال : فهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول :
برجال لستمو أمثالهم أيدوا جبريل نصراً فنزل
وكانوا ملوك الروم تجبى إليهم قناطيرها من بين قل وزائد
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال ﴿ القنطار ﴾ خمسة عشر ألف مثقال، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ﴿ القناطير المقنطرة ﴾ يعني المال الكثير من الذهب والفضة.
وأخرج عن الربيع ﴿ القناطير المقنطرة ﴾ المال الكثير بعضه على بعض.
وأخرج عن السدي ﴿ المقنطرة ﴾ يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم.
قوله تعالى :﴿ والخيل المسوّمة ﴾.
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ والخيل المسوّمة ﴾ قال : الراعية. وأخرجه ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس ﴿ والخيل المسوّمة ﴾ يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس ﴿ والخيل المسوّمة ﴾ يعني معلمة.
وأخرج ابن أبي حاتم من الطريق عكرمة عن ابن عباس قال ﴿ الخيل المسوّمة ﴾ الراعية والمطهمة الحسان. ثم قرأ ( شجر فيه تسيمون ).
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ﴿ والخيل المسوّمة ﴾ قال : المطهمة الحسان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : تسويمها حسنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول ﴿ والخيل المسومة ﴾ قال : الغرة والتحجيل.
أما قوله تعالى :﴿ ذلك متاع الحياة الدنيا ﴾.
أخرج مسلم وابن أبي حاتم عن ابن عمرو عن رسول الله ﷺ قال :« الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة ».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ﴿ والله عنده حسن المآب ﴾ قال : حسن المنقلب. وهي الجنة.
294
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول : اللهم زينت لنا الدنيا، وأنبأتنا أن ما بعدها خير منها، فاجعل حظنا في الذي هو خير وأبقى.
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ﴿ الصابرين... ﴾ الآية. قال :( الصابرون ) قوم صبروا على طاعة الله، وصبروا عن محارمه ( والصادقون ) قوم صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا في السر والعلانية ( والقانتون ) هم المطيعون ( والمستغفرون بالأسحار ) هم أهل الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال ﴿ الصابرين ﴾ على ما أمر الله ﴿ والصادقين ﴾ في إيمانهم ﴿ والقانتين ﴾ يعني المطيعين ﴿ والمنفقين ﴾ يعني من أموالهم في حق الله ﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ يعني المصلين.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم ﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ قال : هم الذين يشهدون صلاة الصبح.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول : يا نافع أسحرنا فيقول : لا. فيعاود الصلاة فإذا قال : نعم. قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس بن مالك قال « أمرنا رسول الله ﷺ أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة ».
وأخرج ابن جرير عن جعفر بن محمد قال : من صلى من الليل ثم استغفر في آخر الليل سبعين مرة كتب من المستغفرين.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي سعيد الخدري قال : بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال : يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال : يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر.
أخرج ابن السني في عمل يوم وليلة وأبو منصور الشجامي في الأربعين عن علي قال : قال رسول الله ﷺ :« إن فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، والآيتين من آل عمران ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، إن الدين عند الله الإسلام ﴾ و ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] إلى قوله ﴿ بغير حساب ﴾ هن معلقات بالعرش. ما بينهن وبين الله حجاب يقلن : يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك. قال الله : إني حلفت لا يقرأكن أحد من عبادي دبر كل صلاة يعني المكتوبة إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان فيه، وإلا أسكنته حظيرة الفردوس، وإلا نظرت إليه كل يوم سبعين نظرة، وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلا أعذته من كل عدوّ ونصرته منه ».
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً « لما نزلت ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ [ الفاتحة : ١ ]، وآية الكرسي، و ﴿ شهد الله ﴾، و ﴿ قل اللهم مالك الملك ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] إلى ﴿ بغير حساب ﴾ [ آل عمران : ٢٧ ] تعلقن بالعرش وقلن : أنزلتنا على قوم يعملون بمعاصيك فقال : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لا يتلوكن عبد عند دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه، وأسكنته جنة الفردوس، ونظرت له كل يوم سبعين مرة، وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة ».
وأخرج أحمد والطبراني وابن السني في عمل يوم وليلة وابن أبي حاتم عن الزبير بن العوّام قال « سمعت رسول الله ﷺ وهو بعرفة يقرأ هذه الآية ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو ﴾ إلى قوله ﴿ العزيز الحكيم ﴾ فقال : وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب. ولفظ الطبراني فقال : وأنا أشهد أنك لا إله إلا أنت العزيز الحكيم ».
وأخرج ابن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه والخطيب في تاريخه وابن النجار عن غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة، فنزلت قريباً من الأعمش، فلما كان ليلة أردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل، فمر بهذه الآية ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو ﴾ إلى قوله ﴿ إن الدين عند الله الإِسلام ﴾ فقال : وأنا أشهد بما شهد الله به، واستودع الله هذه الشهادة، وهي لي وديعة عند الله. قالها مراراً فقلت : لقد سمع فيها شيئاً، فسألته فقال : حدثني أبو وائل، عن عبدالله قال « قال رسول الله ﷺ : يُجاءُ بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة ».
297
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن حمزة الزيات قال : خرجت ذات ليلة أريد الكوفة، فآواني الليل إلى خربة فدخلتها، فبينا أنا فيها دخل علي عفريتان من الجن فقال أحدهما لصاحبه : هذا حمزة بن حبيب الزيات الذي يقرىء الناس بالكوفة قال : نعم والله لأقتلنَّه قال : دعه. المسكين يعيش قال : لأقتلنه. فلما أزمع على قتلي قلت : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾ وأنا على ذلك من الشاهدين فقال له صاحبه : دونك الآن فاحفظه راغماً إلى الصباح.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبدالله « شهد الله أن لا إله إلا هو » وفي قراءته ﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ قائماً بالقسط ﴾ قال : ربنا قائماً بالعدل.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس ﴿ بالقسط ﴾ قال : بالعدل.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : فإن الله شهد هو، والملائكة، والعلماء من الناس ﴿ إن الدين عند الله الإِسلام ﴾.
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ﴾ بخلاف ما قال نصارى نجران.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ إن الدين عند الله الإِسلام ﴾ قال : الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والإِقرار بما جاء به من عند الله. وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودل عليه أولياءه. لا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ إن الدين عند الله الإِسلام ﴾ قال :« لم أبعث رسولاً إلا بالإِسلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم، لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان. فأنزل الله ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو... ﴾ الآية. قال : فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجداً للكعبة.
قوله تعالى :﴿ وما اختلف ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ﴾ قال : بنو إسرائيل.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ﴿ إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ﴾ ويقول : بغيا على الدنيا، وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضاً على الدنيا من بعدما كانوا علماء الناس.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين حبراً من أحبار بني إسرائيل، فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليه.
298
كل حبر جزء منه، واستخلف موسى عليه السلام يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول، ومضى الثاني، ومضى الثالث، وقعت الفرقة بينهم. وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء، ووقع الشر والاختلاف. وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا، طلباً لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها، فسلط الله عليهم جبابرتهم.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ﴾ يعني النصارى ﴿ إلا من بعد ما جاءهم العلم ﴾ الذي جاءك أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ فإن الله سريع الحساب ﴾ قال إحصاؤه عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ فإن حَاجُّوك ﴾ قال : إن حاجَّكَ اليهود والنصارى.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ﴿ فإن حاجُّوك ﴾ قال : اليهود والنصارى فقالوا : إن الدين اليهودية والنصرانية فقل يا محمد ﴿ أسلمت وجهي لله ﴾.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ فإن حاجُّوك ﴾ أي بما يأتون به من الباطل من قولهم : خلقنا، وفعلنا، وجعلنا، وأمرنا، فإنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق ﴿ فقل أسلمت وجهي لله ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ومن اتبعن ﴾ قال : ليقل من اتبعك مثل ذلك.
وأخرج الحاكم وصححه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال « أتيت النبي ﷺ فقلت : يا نبي الله إني أسألك بوجه الله بم بعثك ربنا؟ قال : بالإسلام... قلت : وما آيته؟ قال : أن تقول ﴿ أسلمت وجهي لله ﴾ وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة. كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران، لا يقبل الله من مسلم أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين، ما لي آخذ بحجزكم عن النار. ألا إن ربي داعيّ، ألا وإنه سائلي هل بلغت عبادي؟ وإني قائل : رب قد أبلغتهم، فليبلغ شاهدكم غائبكم. ثم أنه تدعون مقدمة أفواهكم بالفدام، ثم أوّل ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه. قلت : يا رسول الله هذا ديننا؟ قال : هذا دينكم وأينما تحسن يَكْفِكَ ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وقل للذين أوتوا الكتاب ﴾ قال : اليهود والنصارى ﴿ والأميين ﴾ قال : هم الذين لا يكتبون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ﴿ فإن أسلموا فقد اهتدوا ﴾ قال : من تكلم بهذا صدقاً من قلبه يعني الإِيمان فقد اهتدى ﴿ وإن تولوا ﴾ يعني عن الإِيمان.
299
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قال « قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبياً، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. ثم قرأ رسول الله ﷺ ﴿ ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ﴾ إلى قوله ﴿ وما لهم من ناصرين ﴾ ثم قال رسول الله ﷺ : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة رجل وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله ». وأخرج ابن أبي الدنيا فيمن عاش بعد الموت وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : بعث عيسى يحيى في اثني عشر رجلاً من الحواريين يعلمون الناس، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه، فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة فقالت لها أمها : إذا سألك عن حاجتك، فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا فقال الملك : حاجتك... ؟ قالت حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا. فقال سلي غير هذا. قالت : لا أسألك غير هذا. فلما أبت أمر به فذبح في طست، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر، فدلت عجوز عليه فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم، فقتل في يوم واحد، من ضرب واحد، وسن واحد، سبعين ألفاً فسكن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال : كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب فيقتلون، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون. فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ﴾ قال : هؤلاء أهل الكتاب. كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكرونهم بالله فيقتلونهم.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : أقحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه فقال له جلساؤه : كيف تقدر على أن تؤذيه أو تغيظه وهو في السماء؟ قال : اقتل أولياءه من أهل الأرض، فيكون ذلك أذى له. قال : فأرسل الله عليهم السماء.
وأخرج ابن عساكر من طريق زيد بن أسلم عن ابن عباس في قول الله ﴿ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ﴾ قال : الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل، عثمان وأضرابه.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبدالله « إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ».
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « دخل رسول الله ﷺ بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو، والحرث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟ قال : على ملة إبراهيم ودينه قالا : فإن إبراهيم كان يهودياً فقال لهما رسول الله ﷺ : فهلُّما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله ﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ﴾ إلى قوله ﴿ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا... ﴾ الآية. قال : هم اليهود دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم، وإلى نبيه وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة ثم تولوا عنه وهم معرضون.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم بالحق وفي الحدود، وكان النبي ﷺ يدعوهم إلى الإِسلام فيتولون عن ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ﴿ نصيباً ﴾ قال : حظاً ﴿ من الكتاب ﴾ قال : التوراة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ﴾ قال : يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ﴿ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ﴾ حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ﴿ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ﴾ قال : غرهم قولهم ﴿ لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ وَوُفِّيَتْ ﴾ يعني تُوَفَّى كلُّ نفس برٍ وفاجرٍ ﴿ ما كسبت ﴾ ما عملت من خير أو شر ﴿ وهم لا يظلمون ﴾ يعني من أعمالهم.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال « ذكر لنا أن نبي الله ﷺ سأل ربه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته. فأنزل الله ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء.... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال « جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال : يا محمد سل ربك ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ﴾ إلى قوله ﴿ وترزق من تشاء بغير حساب ﴾ ثم جاءه جبريل فقال : يا محمد فسل ربك ﴿ قل رب أدخلني مدخل صدق... ﴾ [ الإسراء : ٨ ] الآية. فسأل ربه بقول الله تعالى فأعطاه ذلك ».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال :« اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية من آل عمران ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء... ﴾ إلى آخر الآية ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اسم الله الأعظم ﴿ قل اللهم مالك الملك ﴾ إلى قوله ﴿ بغير حساب ﴾.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء عن معاذ بن جبل قال :« شكوت إلى النبي ﷺ ديناً كان عليَّ فقال : يا معاذ أتحب أن يقضى دينك؟ قلت : نعم. قال ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ﴾ رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء، وتمنع منهما ما تشاء، اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهباً أدي عنك ».
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل « أن رسول الله ﷺ افتقده يوم الجمعة، فلما صلى رسول الله ﷺ أتى معاذاً فقال : يا معاذ ما لي لم أرك؟ فقال اليهودي عليَّ وقية من تبر، فخرجت إليك فحسبني عنك فقال : ألا أعلمك دعاء تدعو به فلو كان عليك من الدين مثل صبير أداه الله عنك، فادع الله يا معاذ ﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ﴾ رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء منهما، ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك، اللهم أغنني من الفقر، واقض عني الدين، وتوفني في عبادتك وجهاد في سبيلك ».
302
وأخرج الطبراني في الصغير بسند جيد عن أنس بن مالك قال « قال رسول الله ﷺ لمعاذ : ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ ﴿ اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ﴾ رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ تؤتي الملك من تشاء ﴾ قال : النبوة.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ قل اللهم مالك الملك ﴾ أي رب العباد الملك لا يقضي فيهم غيرك ﴿ تؤتي الملك من تشاء ﴾ أي أن ذلك بيدك لا إلى غيرك ﴿ إنك على كل شيء قدير ﴾ أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ﴾ قال : يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف ﴿ وتخرج الحي من الميت ﴾ يخرج الرجل الحي من النطفة الميتة ﴿ وتخرج الميت من الحي ﴾ يخرج النطفة الميتة من الرجل الحي.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ﴾ قال : قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ﴾ قال : ما نقص من الليل يجعله في النهار وما نقص من النهار يجعله في الليل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ تولج الليل في النهار ﴾ حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ﴿ وتولج النهار في الليل ﴾ حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ﴾ قال : أخذ أحدهما من صاحبه.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ﴾ قال : يأخذ النهار من الليل حتى يكون أطول منه ويأخذ الليل من النهار حتى يكون أطول منه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ تخرج الحي من الميت ﴾ قال : يخرج النطفة الميتة من الحي، ثم يخرج من النطفة بشراً حياً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة تخرج من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبات كذلك.
303
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ﴿ تخرج الحي من الميت ﴾ قال : هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك. مثله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد.
وأخرج سعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال : خمر الله طينة آدم أربعين يوماً، ثم وضع يده فيه فارتفع على هذه كل طيب، وعلى هذه كل خبيث، ثم خلط بعضه ببعض، ثم خلق منها آدم. فمن ثم ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن.
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال « قال رسول الله ﷺ : لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال : هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي، وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال : هؤلاء أهل النار ولا أبالي، فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن ويخرج المؤمن من الكافر » فذلك قوله ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾.
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي « عن ابن مسعود أو عن سلمان عن النبي ﷺ ﴿ تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ قال : المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن ».
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الزهري في قوله ﴿ تخرج الحي من الميت ﴾ عن عبدالله بن عبدالله « أن خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث دخلت على رسول الله ﷺ فقال : من هذه؟ قيل : خالدة بنت الأسود قال : سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت » وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافراً
. وأخرج ابن مسعود من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة عن النبي ﷺ. مثله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان يقرأ « يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي » خفيفة.
304
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب، أنه قرأ « يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي » وقرأ ﴿ إلى بلد ميت ﴾ [ فاطر : ٩ ] مثقلات كلهن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ وترزق من تشاء بغير حساب ﴾ قال : لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده. أن الله لا ينقص ما عنده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ﴿ بغير حساب ﴾ قال : غدقاً.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ﴾ أي بتلك القدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعها ممن تشاء ﴿ وترزق من تشاء بغير حساب ﴾ لا يقدر على ذلك غيرك، ولا يصنعه إلا أنت. أي وإن كنت سلطت عيسى عليه السلام على الأشياء التي تزعمونه إنه إله. من إحياء الموتى، وإبراء الأسقام، وخلق الطير من الطين، والخبر عن الغيوب لأجعله به آية للناس، وتصديقاً له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه. تمليك الملوك بأمر النبوّة ووضعها حيث شئت، وإِيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي، ورزق من شئت من بر وفاجر بغير حساب، وكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه، أفلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان له إلهاً كان ذلك كله إليه، وهو في علمهم يهرب من الملوك، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد.
305
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق، وقيس بن زيد، قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر، وعبدالله بن جبير، وسعد بن خيثمة، لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم. فأبى أولئك النفر، فأنزل الله فيهم ﴿ لا يتخذ المؤمنون الكافرين ﴾ إلى قوله ﴿ والله على كل شيء قدير ﴾.
وأخرج ابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين أولياء، فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين. وذلك قوله ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ﴾ فقد برىء الله منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإِيمان، فإن ذلك لا يضره إنما التقية باللسان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ قال ﴿ التقاة ﴾ التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإِيمان، ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ قال : إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال ﴿ التقية ﴾ باللسان وليس بالعمل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ قال : إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال :﴿ التقية ﴾ جائزة إلى يوم القيامة.
وأخرج عبد عن أبي رجاء أنه كان يقرأ « إلا تتقوا منهم تقية ».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان يقرؤها ﴿ إلا أن تتقوا منه تقية ﴾ بالياء.
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ بالألف ورفع التاء.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا فقال ﴿ إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ﴾ يقول : موفراً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ﴾ قال : يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً يكون ذلك مناة، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئة يستلذها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ أمداً بعيداً ﴾ قال : مكاناً بعيداً.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ﴿ أمداً ﴾ قال : أجلاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ﴾ قال : من رأفته بهم حذرهم نفسه.
أخرج ابن جرير من طريق بكر بن الأسوف عن الحسن قال « قال قوم على عهد النبي ﷺ : يا محمد إنا نحب ربنا. فأنزل الله ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ﴾ فجعل أتباع نبيه محمد ﷺ علماً لحبه، وعذاب من خالفه ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق أبي عبيدة الناجي عن الحسن قال « قال أقوام على عهد رسول الله ﷺ : والله يا محمد إنا لنحب ربنا، فأنزل الله ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني... ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق عباد بن منصور قال »
إن أقواماً كانوا على عهد رسول الله ﷺ يزعمون أنهم يحبون الله، فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل فقال ﴿ إن كنتم تحبون الله... ﴾ الآية. فكان اتباع محمد ﷺ تصديقاً لقولهم «.
وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن أبي كثير قال : قالوا إنا لنحب ربنا، فامتحنوا. فأنزل الله ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : كان أقوام يزعمون أنهم يحبون الله، يقولون : إنا نحب ربنا. فأمرهم الله أن يتبعوا محمداً، وجعل أتباع محمد ﷺ علماً لحبه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال »
قال رسول الله ﷺ : من رغب عن سنتي فليس مني، ثم تلا هذه الآية ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله... ﴾ إلى آخر الآية «.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ قل إن كنتم تحبون الله ﴾ أي إن كان هذا من قولكم في عيسى حباً لله وتعظيماً له ﴿ فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ﴾ أي ما مضى من كفركم ﴿ والله غفور رحيم ﴾.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال :»
قال رسول الله ﷺ : لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعاً لما جئتكم به «.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله ﴿ إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ﴾ قال : على البر والتقوى، والتواضع، وذلة النفس.
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ في قوله ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ قال : على البر، والتقوى، والتواضع، وذلة النفس.
وأخرج ابن عساكر عن عائشة في هذه الآية ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ﴾ قالت : على التواضع، والتقوى، والبر، وذلة النفس.
308
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ :« الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن يحب على شيء من الجور، ويبغض على شيء من العدل. وهل الدين إلا الحب والبغض في الله » ؟ قال الله تعالى ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حوشب عن الحسن في قوله ﴿ فاتبعوني يحببكم الله ﴾ قال : فكان علامة حبهم إياه اتباع سنة رسوله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة، أنه سئل عن قوله « المرء مع من أحب فقال : ألم تسمع قول الله ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ يقول : بقربكم. والحب هو القرب، والله لا يحب الكافرين، لا يقرب الكافرين ».
وأخرج أبي جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ قل أطيعوا الله والرسول ﴾ فإنهم يعرفونه. يعني الوفد من نصارى نجران، ويجدونه في كتابهم ﴿ فإن تولوا ﴾ على كفرهم ﴿ فإن الله لا يحب الكافرين ﴾.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن أبي رافع عن النبي ﷺ قال « لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري... ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ».
309
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله ﴿ وآل إبراهيم وآل عمران ﴾ قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد ﷺ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر الله أهل بيتين صالحين، ورجلين صالحين، ففضلهم على العالمين، فكان محمد ﷺ من آل إبراهيم.
وأخرج ابن جرير وأبي أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فضلهم الله على العالمين بالنبوّة على الناس كلهم، كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ذرية بعضها من بعض ﴾ قال : في النية، والعمل، والإخلاص، والتوحيد.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، أن علياً قال للحسن قم فاخطب الناس قال : إني أهابك أن أخطب وأنا أراك. فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه وتكلم. ثم نزل فقال علي رضي الله عنه ﴿ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ﴾.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ﴿ إن الله اصطفى ﴾ يعني اختار من الناس لرسالته ﴿ آدم ونوحاً وآل إبراهيم ﴾ يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط ﴿ وآل عمران على العالمين ﴾ يعني اختارهم للنبوّة والرسالة على عالمي ذلك الزمان. فهم ذرية بعضها من بعض، فكل هؤلاء من ذرية آدم، ثم ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم ﴿ إذ قالت امرأة عمران ﴾ بن ماثان واسمها حنة بنت فاقوذ. وهي أم مريم ﴿ رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً ﴾ وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض، فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخاً له، فتحركت نفسها للولد، فدعت الله أن يهب لها ولداً، فحاضت من ساعتها، فلما طهرت أتاها زوجها، فلما أيقنت بالود قالت : لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محرراً. وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود. والمحرر لا يعمل للدنيا، ولا يتزوّج، ويتفرغ لعمل الآخرة. يعبد الله تعالى، ويكون في خدمة الكنيسة، ولم يكن محرراً في ذلك الزمان إلا الغلمان. فقالت لزوجها : ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا، وإني جعلت ما في بطني نذيرة تقول : نذرت أن أجعله لله فهو المحرر. فقال زوجها : أرأيت أن كان الذي في بطنك أنثى والأنثى عورة - فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك ﴿ رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك السميع العليم ﴾ يعني تقبل مني ما نذرت لك.
310
﴿ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ﴾ والأنثى عورة، ثم قالت ﴿ وإني سميتها مريم ﴾ وكذلك كان اسمها عند الله ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ يعني الملعون، فاستجاب الله لها، فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى.
قال ابن عباس « قال رسول الله ﷺ : كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل، إلا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما » قال ابن عباس : لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل الأنثى محررة، فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم، وكان إمام القراء من ولد هرون. أيهم يأخذها فقال زكريا وهو رأس الأحبار أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي يعني أم يحيى فقال القراء : وإن كان القوم من هو أفقر إليها منك؟ ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها ولكنها محررة، غير أنا نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي ﴿ أيهم يكفل مريم ﴾ يعني أيهم يقبضها فقرعهم زكريا.
وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها فقالوا لبعض خذم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم : أدخل يدك فأخرج قلماً منها، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا : لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكلفها. فألقوا أقلامهم في نهر الأردن، فارتفع قلم زكريا في جرية الماء فقالوا : نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكلفها. فألقوا أقلامهم، فجرى قلم زكريا مع الماء، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا. فذلك قوله ﴿ وكفلها زكريا ﴾ يعني قبضها ثم قال ﴿ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً ﴾ يعني رباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرعت، وبنى لها زكريا محراباً في بيت المقدس، وجعل له بابه في وسط الحائط لا يصعد إليها إلا بسلم.
وكان استأجر لها ظِئْراً، فلما تم لها حولان فطمت وتحركت، فكان يغلق عليها الباب والمفتاح معه لا يأمن عليه أحداً، لا يأتيها بما يصلحها أحد غيره حتى بلغت «.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عكرمة قال : اسم أم مريم حنة.
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال : حنة ولدت مريم أم عيسى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ نذرت لك ما في بطني محرراً ﴾ قال : كانت نذرت أي تجعله في الكنيسة يتعبد بها، وكانت ترجو أن يكون ذكراً.
311
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : نذرت أي تجعله محرراً للعبادة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ محرراً ﴾ قال : خادماً للبيعة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله ﴿ محرراً ﴾ قال : خالصاً لا يخالطه شيء من أمر الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا إنما يحررون الذكور، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى، فعند ذلك قالت ﴿ وليس الذكر كالأنثى ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير ﴿ محرراً ﴾ قال : جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلاماً أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب، فقالت : هذا محرر لكم يخدمكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : إن امرأة عمران كانت عجوزاً عاقراً تسمى، حنة، وكانت لا تلد، فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت : اللهم إن عليَّ نذراً شكراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس، فيكون من سدنته وخدامه ﴿ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى... وليس الذكر كالأنثى ﴾ يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال، ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال : وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا : هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة فقال زكريا : ادفعوها إليَّ فإن خالتها تحتي فقالوا : لا تطيب أنفسنا بذلك. فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ ﴿ والله أعلم بما وضعت ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ ﴿ بما وضعت ﴾ برفع التاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين ﴿ والله أعلم بما وضعت ﴾ قال : على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى.
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها ﴿ والله أعلم بما وضعت ﴾ بنصب العين.
312
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها ﴿ والله أعلم بما وضعت ﴾ بنصب العين.
أما قوله تعالى :﴿ وإني أعيذها ﴾ الآية.
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها » ثم قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي، إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها، فإن أمها قالت حين وضعتها ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ فضرب بينهما حجاب، فطعن في الحجاب »
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم. ثم قرأ رسول الله ﷺ :﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال : هذا حدث مكانكم. فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئاً، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء، ثم طار أيضاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد عند مدود حمار، وإذا الملائكة قد حفَّت حوله، فرجع إليهم فقال إليهم فقال : إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا. فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ قال :« ذكر لنا أن النبي ﷺ قال : كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى ابن مريم وأمه، جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما شيء. وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم.
وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر، مما أعطاه الله من اليقين والإِخلاص »
.
وأخرج ابن جرير عن الربيع ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ قال :« إن النبي ﷺ قال : كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم قال : وقال عيسى عليه السلام فيما يثني على ربه : وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل ».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لولا أنها قالت ﴿ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ﴾ إذن لم تكن لها ذرية.
313
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ فتقبلها ربها بقبول حسن ﴾ قال : تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه ﴿ وأنبتها نباتاً حسناً ﴾ قال : نبتت في غذاء الله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال : ضمها إليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقاً عنباً في مكتل في غير حينه ﴿ قال أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ قال : إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولداً ﴿ هنالك دعا زكريا ربه ﴾ فلما بشر بيحيى قال ﴿ رب اجعل لي آية قال آيتك ألاَّ تكلم الناس ﴾ قال : يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي.
وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ﴿ وكفلها زكريا ﴾ قال : سهمهم بقلمه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج خالتها. فكفلها وكانت عنده وحضنتها.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس مق الصحابة، إن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ، وكان معهم، وكانت أخت أم مريم تحته، فلما أتوا بها قال لهم زكريا : أنا أحقكم بها، تحتي أختها. قال : فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وكفلها زكريا ﴾ قال : جعلها معه في محرابه.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها ﴿ وكفلها ﴾ مشددة ﴿ زكرياء ﴾ ممدودة مهموز منصوب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : مكتلاً فيه عنب في غير حينه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : عنباً في غير زمانه.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : علماً.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : وجد عندها ثمار الجنة. فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
314
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وجد عندها رزقاً ﴾ قال : الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ﴿ أنَّى ﴾ يعني من أين.
وأخرج عن الضحاك ﴿ أنى لك هذا ﴾ يقول من أتاك بهذا.
وأخرج أبو يعلى عن جابر « أن رسول الله ﷺ أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت : لا والله. فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله ﷺ على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله ﷺ فرجع إليها فقالت له : بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال : هلمي يا بنية بالجفنة. فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله. فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي ﷺ، فلما رآه حمد الله وقال : من أين لك هذا يا بنية؟ قالت : يا أبت ﴿ هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ فحمد الله ثم قال : الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله رزقاً فَسُئِلَتْ عنه ﴿ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ ».
315
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال : إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولداً فذلك حين دعا ربه.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال : لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها : أنى لك هذا في غيره حينه؟ فقالت : هذا رزق من عند الله يأتي به الله ﴿ أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾ فطمع زكريا في الولد فقال : أن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي، ويهب لي منها ولداً، فعند ذلك ﴿ دعا زكريا ربه ﴾ وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم. قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال : يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك يعني من عندك ذرية طيبة يعني تقيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ذرية طيبة ﴾ يقول : مباركة.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ فنادته الملائكة ﴾ قال : جبريل.
وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال : في قراءة ابن مسعود « فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب ».
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : ذكروا الملائكة ثم تلا ﴿ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ﴾ [ النجم : ٢٧ ] وكان يقرأها « فناداه الملائكة ».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن مسعود أن النبي ﷺ قرأ « فناداه الملائكة » بالتاء.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم قال : كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ ﴿ فنادته الملائكة ﴾ بالتاء ﴿ أن الله ﴾ بنصب الألف ﴿ يبشرك ﴾ مثقلة.
قوله تعالى :﴿ وهو قائم يصلي ﴾.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت قال : الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم الله شيئاً أفضل من الصلاة ما قال ﴿ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي ﴾.
قوله تعالى :﴿ في المحراب ﴾.
أخرج ابن المنذر عن السدي. المحراب المصلى.
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمرو « أن رسول الله ﷺ قال : اتقوا هذه المذابح. يعني المحاريب ».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال : قال رسول الله ﷺ :« لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : اتقوا هذه المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال : كان أصحاب محمد ﷺ يقولون : أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد. يعني الطاقات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر قال : أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي. أنه كره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم. أنه كان يكره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد. أنه يكره المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب. أنه كره المذابح في المسجد.
وأخرج ابن جرير عن معاذ الكوفي قال : من قرأ ﴿ يبشر ﴾ مثقلة فإنه من البشارة، ومن قرأ ﴿ يبشر ﴾ مخففة بنصب الباء فإنه من السرور.
وأخرج ابي جرير وابن المنذر عن قتادة قال : أن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ أن الله يبشرك بيحيى ﴾ قال : إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإِيمان.
317
وأخرج ابن عدي والدارقطني في الافراد والبيهقي وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً « خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً ».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ قال : عيسى ابن مريم، والكلمة يعني تكوّن بكلمة من الله.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد قال : قالت امرأة زكريا لمريم : إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك، فوضعت امرأة زكريا يحيى عليه السلام، ومريم عيسى عليه السلام. وذلك قوله ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ قال : يحيى مصدق بعيسى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ قال : كان يحيى أول من صدق بعيسى، وشهد أنه كلمة من الله. قال : وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ يقول : مصدق بعيسى، وعلى سنته ومنهاجه.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾ قال : كان عيسى ويحيى ابني خالة، وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى، وكلمة عيسى. ويحيى أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لقيت أم يحيى أم عيسى وهذه حامل بيحيى، وهذه حامل بعيسى فقالت امرأة زكريا : إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك. فذلك قوله تعالى ﴿ مصدقاً بكلمة من الله ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وسيداً ﴾ قال : حليماً تقياً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال :« السيد » الكريم على الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير عن عكرمة قال :« السيد » الذي لا يغلبه الغضب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال :« السيد » الفقيه العالم.
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال :« السيد » الحسن الخلق ﴿ والحصور ﴾ الذي حصر عن النساء.
وأخرج أحمد في البيهقي في سننه عن مجاهد قال :( الحصور ) الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال : نادى منادٍ من السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء، وأن جورجيس سيد الشهداء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال :« السيد » الحليم « والحصور » الذي لا يأتي النساء.
318
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ﴿ وسيداً وحصوراً ﴾ قال :« السيد » الحليم و « الحصور » الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :« الحصور » الذي لا ينزل الماء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال :« الحصور » الذي لا يقرب النساء. ولفظ ابن المنذر : العنين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ قال « ما من عبد يلقى الله إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا، فإن الله يقول :﴿ وسيداً وحصوراً ﴾ قال : وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب، وأشار بأنملته ».
وخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو. موقوفاً وهو أقوى اسناداً من المرفوع.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة :« أن النبي ﷺ قال : كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلاّ يحيى بن زكريا، فإنه كان ﴿ سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ﴾ ثم أهوى النبي ﷺ إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : كان ذكره مثل هذه القذاة ».
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله :« أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة، وأمنت الملائكة : رجل جعله الله ذكراً فأنث نفسه وتشبه بالنساء، وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال، والذي يضل الأعمى، ورجل حصور، ولم يجعل الله حصوراً إلا يحيى بن زكريا ».
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن صالح عن بعضهم رفع الحديث « لعن الله والملائكة رجلاً تحصر بعد يحيى بن زكريا ».
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله ﴿ وحصوراً ﴾ قال : لا يشتهي النساء، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال : ما كان معه مثل هذه.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ وحصوراً ﴾ قال : ألذي لا يأتي النساء. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :
319
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما سمع زكريا النداء جاءه الشيطان فقال له : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ليسخر بك، ولو كان من الله أوحى إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر. فشك مكانه وقال ﴿ أَنى يكون لي غلام ﴾.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : أتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه قال : هل تدري من ناداك؟ قال : نعم. ناداني ملائكة ربي قال : بل ذلك الشيطان لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك فقال ﴿ رب اجعل لي آية ﴾.
أما قوله تعالى :﴿ وامرأتي عاقر ﴾.
أخرج ابن جرير وابن حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع.
قوله تعالى :﴿ قال كذلك يفعل الله ما يشاء ﴾.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ كذلك ﴾ يعني هكذا. وفي قوله ﴿ ربي اجعل لي آية ﴾ قال : قال زكريا : رب فإن كان هذا الصوت منك فاجعل لي آية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ﴿ رب اجعل لي آية ﴾ قال بالحمل له.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ﴾ قال : إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الرحمن السلمي قال : اعتقل لسانه من غير مرض.
وأخرج عن السدي قال : اعتقل لسانه ثلاثة أيام، وثلاث ليال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جبير بن نفير قال : رب لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام، ثم أطلقه الله بعد ثلاث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ إلاَّ رمزاً ﴾ قال :« الرمز » بالشفتين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ﴿ إلاَّ رمزاً ﴾ قال : إيماؤه بشفتيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ إلاَّ رمزاً ﴾ قال : الاشارة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال :« الرمز » أن يشير بيده أو رأسه ولا يتلكم.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : الرمز أن أخذ بلسانه فجعل يكلم الناس بيده.
وأخرج الطستي في مسائله وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ إلاَّ رمزاً ﴾ قال : الاشارة باليد، والوحي بالرأس قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :
وحصور عن الخنا يأمر النا س بفعل الحراب والتشمير
ما في السماء من الرحمن مرتمز إلا إليه وما في الأرض من وزر
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال : لو رخص الله لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال ﴿ آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً ﴾ ولو رخص في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله قال الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ﴾ [ الأنفال : ٤٥ ].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وسبِّح بالعشي والإِبكار ﴾ قال ﴿ العشي ﴾ ميل الشمس إلى أن تغيب ﴿ والإبكار ﴾ أول الفجر.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله ﴿ إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ﴾ قال « كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال :» خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده « قال أبو هريرة : ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط » أخرجه الشيخان بدون الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي « سمعت رسول الله يقول : خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد ».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« أفضل نساء العالمين خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية امرأة فرعون ».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعاً : آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ ».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم عن أنس « أن رسول الله ﷺ قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ، وآسية ارمأة فرعون » وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن. مرسلاً.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن أبي موسى قال :« قال رسول الله ﷺ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء :» إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام «.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن فاطمة رضي الله عنها قالت :»
قال لي رسول الله ﷺ : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول «.
وأخرج ابن جرير عن عمار بن سعد قال :»
قال رسول الله ﷺ : فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين «.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال :»
قال رسول الله ﷺ : سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون «.
وأخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال »
أربع نسوة سيدات عالمهن : مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ، وأفضلهن عالماً فاطمة «.
321
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :« قال رسول الله ﷺ : فاطمة سيدة نساء العالمين بعد مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة ابنة خويلد ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول قال : قال رسول الله ﷺ :« خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده، ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيراً ما فضلت عليها أحداً ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ إن الله اصطفاك وطهرك ﴾ قال : جعلك طيبة ايماناً.
وأخرج ابن حاتم عن السدي ﴿ وطهرك ﴾ قال : من الحيض ﴿ واصطفاك على نساء العالمين ﴾ قال : على نساء ذلك الزمان الذي هم فيه.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحق قال : كانت مريم حبيساً في الكنيسة ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيراً حبيساً فكانا في الكنيسة جميعاً، وكانت مريم إذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء، فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم ﴿ يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ﴾ فإذا سمع ذلك زكريا قال : إن لابنة عمران لشأنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ﴿ يا مريم اقنتي لربك ﴾ قال : اطيلي الركود يعني القيام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : لما قيل لها ﴿ اقنتي لربك ﴾ قامت حتى ورمت قدماها.
وأخرج ابن جرير عن الأوزاعي قال : كانت مريم تقوم حتى يسيل القيح من قدميها.
وأخرج ابن عساكر عن ابن سعيد قال : كانت مريم تصلي حتى ترم قدماها.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ﴿ اقنتي لربك ﴾ قال : اخلصي.
وأخرج عن قتادة قال ﴿ اقنتي لربك ﴾ قال : أطيعي ربك.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود أنه كان يقرأ « واركعي واسجدي في الساجدين ».
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ وما كنت لديهم ﴾ يعني محمداً ﷺ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ﴾ قال : إن مريم عليها السلام لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها فقال الله لمحمد :﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ﴿ إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ﴾ قال : ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية، وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا.
322
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال : ألقوا أقلامهم يقال : عصيهم تلقاء جرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا عليه السلام جرية الماء فقرعهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال ﴿ أقلامهم ﴾ قال : التي يكتبون بها التوراة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء ﴿ أقلامهم ﴾ يعني قداحهم.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال « لما وهب الله لزكريا يحيى، وبلغ ثلاث سنين بشر الله مريم بعيسى. فبينما هي في المحراب إذ قالت الملائكة - وهو جبريل وحده - ﴿ يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ﴾ من الفاحشة ﴿ واصطفاك ﴾ يعني اختارك ﴿ على نساء العالمين ﴾ عالم امتها ﴿ يا مريم اقنتي لربك ﴾ يعني صلي لربك يقول : اركدي لربك في الصلاة بطول القيام، فكانت تقوم حتى ورمت قدماها ﴿ واسجدي واركعي مع الراكعين ﴾ يعني مع المصلين مع قراء بيت المقدس.
يقول الله لنبيه ﷺ ﴿ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ﴾ يعني بالخبر ﴿ الغيب ﴾ في قصة زكريا ويحيى ومريم ﴿ وما كنت لديهم ﴾ يعني عندهم ﴿ إذ يلقون أقلامهم ﴾ في كفالة مريم ثم قال يا محمد يخبر بقصة عيسى ﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا ﴾ يعني مكيناً عند الله في الدنيا من المقربين في الآخرة ﴿ ويكلم الناس في المهد ﴾ يعني في الخرق ﴿ وكهلاً ﴾ ويكلمهم كهلاً إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء ﴿ ومن الصالحين ﴾ يعني من المرسلين »
.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب قال : لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل. وثقت بكرامة الله واطمأنت، فطابت نفساً واشتد ازرها، وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف، وكان يخدمها من وراء الحجاب، ويكلمها ويناولها الشيء من وراء الحجاب وكان أول من اطلع على حملها هو، واهتم لذلك واحزنه، وخاف منه البلية التي لا قبل بها، ولم يشعر من اين اتيت مريم، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان رجلاً متعبداً حكيماً، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه، ونشأ معها.
وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المفازة التي فيها الماء، فيملآن قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة ﴿ يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ﴾ فكان يعجب يوسف ما يسمع. فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها، وما وعد الله أمها أنه يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وما سمع من قول الملائكة ﴿ يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ﴾ فذكر الفضائل التي فضلها الله تعالى بها وقال : إن زكريا قد أحرزها في المحراب قلا يدخل عليها أحد وليس للشيطان عليها سبيل فمن أين هذا؟
فلما رأى من تغير لونها، وظهور بطنها، عظم ذلك عليه، فعرض لها فقال : يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت : نعم.
323
قال : وكيف ذلك؟! قالت : إن الله خلق البذر الأول من غير نبات، وأنبت الزرع الأول من غير بذر، ولعلك تقول : لولا أنه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أنه يخلقه ولا ينبته. قال يوسف : أعوذ بالله أن أقول ذلك. قد صدقت وقلت بالنور والحكمة، وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينتبه من غير بذر، يقدر على أن يجعل زرعاً من غير بذر، فاخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر؟ قالت : ألم تعلم أن للبذور والزرع والماء والمطر والشجر خالقاً واحداً! فلعلك تقول لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر. قال : أعوذ بالله أن أقول ذلك! قد صدقت. فاخبريني هل يكون ولد أو رجل من غير ذكر؟ قالت : نعم. قال : وكيف ذلك؟ قالت : ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر قال : بلى. فاخبريني خبرك؟ قالت : بشرني الله ﴿ بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ﴾ إلى قوله ﴿ ومن الصالحين ﴾ فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله لسبب خير أراده بمريم، فسكت عنها.
فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق، فنوديت أن أخرجي من المحراب فخرجت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك ﴾ قال : شافهتها الملائكة بذلك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ يبشرك بكلمة منه ﴾ قال : عيسى هو الكلمة من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد عليهما السلام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : المسيح الصديق.
وأخرج ابن جرير عن سعيد قال : إنما سمي المسيح لأنه مسح بالبركة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن عبد الرحمن الثقفي. أن عيسى كان سائحاً ولذلك سمي المسيح. كان يمسي بأرض ويصبح بأخرى، وانه لم يتزّوج حتى رفع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ ومن المقربين ﴾ يقول : ومن المقربين عند الله يوم القيامة.
324
أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج قال : بلغني عن ابن عباس قال :﴿ المهد ﴾ مضجع الصبي في رضاعه.
وأخرج البخاري وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى عليه السلام، وكان من بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال : أجيبها أو أصلي؟ فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات. وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعياً فامكنته من نفسها، فولدت غلاماً فقالت : من جريج٠٠٠٠ فأتوه فكسروا صومعته، وانزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام؟ قال : الراعي٠٠٠٠فقالوا له : نبني صومعتك من ذهب قال : لا. إلا من طين.
وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني اسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت : اللهم اجعل ابني مثله. فترك ثديها واقبل على الراكب فقال : اللهم لا تجعلني مثله. ثم أقبل على ثديها يمصه، ثم مرا بأمة تجزر ويلعب بها فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذه. فترك ثديها فقال : اجعلني مثلها فقالت : لم ذاك٠٠٠٠؟! فقال : الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون لها زنَيْت وتقول حسبي الله، ويقولون سرَقْتِ وتقول حسبي الله.
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال »
قال رسول الله ﷺ : لم يتكلم في المهد إلا عيسى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة فرعون «.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ ويكلم الناس في المهد وكهلاً ﴾ قال : يكلمهم صغيراً وكبيراً.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس ﴿ وكهلاً ﴾ قال : في سن كهل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال :»
الكهل « الحليم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال :»
الكهل « منتهى الحلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد، وسيكلمهم إذا أقبل الدجال، وهو يومئذ كهل.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال ﴿ كذلك الله يخلق ما يشاء ﴾ أي يصنع ما أراد، ويخلق ما يشاء من بشر ﴿ إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ﴾ مما يشاء، فيكون كما أراد.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ويعلمه الكتاب ﴾ قال : الخط بالقلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ﴿ ويعلمه الكتاب ﴾ قال : بيده.
وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : عندما ترعرع عيسى جاءت به أمه إلى الكتاب فدفعته إليه فقال : قل بسم. قال عيسى : الله. فقال المعلم : قل الرحمن. قال عيسى : الرحيم فقال المعلم : قل أبو جاد. قال : هو في كتاب. فقال عيسى : أتدري ما ألف؟ قال : لا. قال الآء الله. أتدري ما باء؟ قال : لا. قال : بهاء الله. أتدري ما جيم؟ قال : لا. قال جلال الله. أتدري ما اللام؟ قال : لا. قال : آلاء الله. فجعل يفسر على هذا النحو.
فقال المعلم : كيف أعلم من هو أعلم مني؟! قالت : فدعه يقعد مع الصبيان. فكان يخبر الصبيان بما يأكلون، وما تدخر لهم أمهاتهم في بيوتهم.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وابن مسعود مرفوعاً « قال : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم : اكتب بسم الله قال له عيسى : وما بسم؟ قال له المعلم : ما أدري؟! قال له عيسى : الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم رحيم الآخرة. أبو جاد : الألف. الآء الله، والباء بهاء الله، جيم جلال الله، دال الله الدائم. هوَّزَ : الهاء الهاوية، واو ويلٌ لأهل النار واد في جهنم، زاي زين أهل الدنيا، حطي، حاء الله الحكيم، طاء الله الطالب لكل حق يرده، أي أهل النهار وهو الوجع. كلمن : الكاف الله الكافي، لام : الله القائم، ميم، الله المالك، نون الله البحر، سعفص : سين، السلام، صاد الله الصادق، عين الله العالم، فاء الله ذكر كلمة صاد الله الصمد.
قرشت قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي اخضرت منه السماء، راء رياء الناس بها، سين ستر الله، تاء تمت أبداً. قال ابن عدي : هذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير اسمعيل بن يحيى.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثر اليهود فيه وفي أمه من قول الزور، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه، فلما فطم أكل الطعام، وشرب الشراب، حتى بلغ سبع سنين أسلمته أمه لرجل يعلمه كما يعلم الغلمان، فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى عمله قبل أن يعلمه إياه.
فعلمه أبا جاد فقال عيسى : ما أبو جاد؟ قال المعلم : لا أدري! فقال عيسى : فكيف تعلمني ما لا تدري؟! فقال المعلم : إذن فعلمني.
326
قال له عيسى : فقم من مجلسك فقام، فجلس عيسى مجلسه فقال عيسى : سلني٠٠٠فقال المعلم : فما أبو أبجد؟ فقال عيسى : الألف الآء الله، باء بهاء الله، جيم بهجة وجماله. فعجب المعلم من ذلك، فكان أول من فسر أبجد عيسى ابن مريم عليه السلام.
قال وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول الله ﷺ فقال « يا رسول الله ما تفسير أبي جاد؟ فقال رسول الله ﷺ : تعلموا تفسير أبي جاد فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره. فقيل يا رسول الله وما تفسير أبي جاد؟ قال : الألف آلاء الله، والباء بهجة الله وجلاله، والجيم مجد الله، والدال دين الله ».
هوَّز الهاء الهاوية ويل لمن هوى فيها، والواو ويل لأهل النار، والزاي الزاوية يعني زوايا جهنم.
حطي : الحاء حط خطايا المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر، والطاء طوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله بيده، والياء يد الله فوق خلقه. كلمن : الكاف كلام الله لا تبديل لكلماته، واللام إلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة والتحية والسلام وتلاوم أهل النار بينهم، والميم ملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، ونون ﴿ نون والقلم وما يسطرون ﴾ [ القلم : ١-٢ ] صعفص : الصاد صاع بصاع، وقسط بقسط، وقص بقص، يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، والله لا يريد ظلماً للعباد.
قرشت : يعني قرشهم فجمعهم يقضي بينهم يوم القيامة وهم لا يظلمون.
ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام.
أخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال : قال عيسى عليه السلام للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم بالدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن يونس بن عبيد قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن ثابت البناني قال : قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك؟ فقال : أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني به.
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس يورثان الصبر على المشقة، ويباعدان من زهرة الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن عتبة بن يزيد قال : قال عيسى ابن مريم : يا ابن آدم الضعيف اتّق الله حيثما كنت، وكل كسرتك من حلال، واتخذ المسجد بيتاً، وكن فيه الدنيا ضعيفاً، وعوّد نفسك البكاء، وقلبك التفكر، وجسدك الصبر، ولا تهتم برزقك غداً فإنها خطيئة تكتب عليك.
327
وأخرج ابن أبي الدنيا والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن مطرف. أن عيسى قال : فذكره.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهيب المكي قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : أصل كل خطيئة حب الدنيا. ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً.
وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن سعيد قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والنظر يزرع في القلب الشهوة.
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن سعيد قال : كان عيسى عليه السلام يقول : حب الدنيا أصل كل خطيئة، والمال فيه داء كبير. قالوا : وما داؤه؟ قال : لا يسلم من الفخر والخيلاء. قالوا : فإن سلم؟ قال : يشغله اصلاحه عن ذكر الله.
وأخرج ابن المبارك عن عمران الكوفي قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : لا تأخذوا ممن تعلمون الأجر الأمثل الذي أعطيتموني، ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل : الضحك من غير عجب، والصبيحة من غير سهر.
وأخرج الحكيم الترمذي عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : بالقلوب الصالحة يعمر الله الأرض، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن دينار قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال : ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك باخوانهم الماضين؟!
وأخرج البيهقي عن مالك بن دينار قال : قالوا لعيسى عليه السلام يا روح الله ألا نبني لغ بيتا؟ قال : بلى. ابنوه على ساحل البحر قالوا : إذن يجيء الماء فيذهب به قال : أين تريدون؟ تبنون لي على القنطرة؟
وأخرج أحمد في الزهد عن بكر بن عبد الله قال : فقد الحواريون عيسى عليه السلام فخرجوا يطلبونه فوجدوه يمشي على الماء فقال بعضهم : يا نبي الله أنمشي إليك؟ قال : نعم. فوضع رجله ثم ذهب يضع الأخرى فانغمس فقال : هات يدك يا قصير الإيمان. لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذن لمشى على الماء.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن نمير قال : سمعت أن عيسى عليه السلام قال : كانت ولم أكن، وتكون ولا أكون فيها.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : لما بعث عيسى عليه السلام اكب الدنيا على وجهها، فلما رفع رفعها الناس بعده.
وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن الحسن قال : قال عيسى عليه السلام : إني اكببت الدنيا لوجهها، وقعدت على ظهرها، فليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب. قالوا له : أفلا نتخذ لك بيتاً قال : ابنوا لي على سبيل الطريق بيتاً قالوا : لا يثبت! قالوا : أفلا نتخذ لك زوجة؟ قال : ما أصنع بزوجة تموت؟
وأخرج أحمد عن خيثمة قال : مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت : طوبى لثدي أرضعك، وحجر حملك.
328
فقال عيسى عليه السلام : طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم عمل بما فيه.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : أوحى الله إلى عيسى ﷺ : إني وهبت لك حب المساكين ورحمتهم، تحبهم ويحبونك، ويرضون بك إماماً وقائداً، وترضى بهم صحابة وتبعاً، وهما خلقان.
اعلم أن من لقيني بهما لقيني بأزكى وأحبها إليّ.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن ميمون بن سياه قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين اتخذوا المساجد مساكن، واجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف. فما لكم في العالم من منزل، إن أنتم الا عابري سبيل.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام قال : بحق أن أقول لكم أن أكناف السماء لخالية من الأغنياء، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة.
وأخرج عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أن عيسى ابن مريم قال : رأس الخطيئة حب الدنيا، والخمر مفتاح كل شر، والنساء حبالة الشيطان.
وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى عليه السلام : إن للحكمة أهلاً. فإن وضعتها في غير أهلها أضعتها، وإن منعتها من أهلها ضيعتها. كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي.
وأخرج أحمد عن محمد بن واسع أن عيسى ابن مريم قال يا بني إسرائيل إني أعيذكم بالله أن تكونوا عاراً على أهل الكتاب. يا بني إسرائيل قولكم شفاء يذهب الداء، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء.
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى لاحبار بني إسرائيل : لا تكونوا للناس كالذئب السارق، وكالثعلب الخدوع، وكالحدأ الخاطف.
وأخرج أحمد عن مكحول قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر داراً؟ قالوا : يا روح الله ومن يقدر على ذلك! قال : إياكم والدنيا فلا تتخذوها قراراً.
وأخرج أحمد عن زياد أبي عمرو قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : إنه ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعلم، ولما تعلم بما قد علمت. إن كثرة العلم لا تزيد إلا كبراً إذا لم تعمل به.
وأخرج أحمد عن إبراهيم بن الوليد العبدي قال : بلغني أن عيسى ﷺ قال : الزهد يدور في ثلاثة أيام : أمس خلا وعظت به، واليوم زادك فيه، وغدا لا تدري مالك فيه. قال والأمر يدور على ثلاثة : أمر بأن لك رشده فاتَّبِعْهُ، وأمر بان لك غِيَّهُ فاجْتَنِبْهُ، وأمر أشكل عليك فَكِلْهُ إلى الله تعالى.
وأخرج أحمد عن قتادة قال : قال عيسى ﷺ : سلوني فإن قلبي لين، وإني صغير في نفسي.
329
وأخرج أحمد عن بشير الدمشقي قال : مر عيسى ﷺ بقوم فقال : اللهم اغفر لنا ثلاثاً فقالوا : يا روح الله انا نريد أن نسمع منك اليوم موعظة، ونسمع منك شيئاً لم نسمعه فيما مضى؟ فأوحى الله إلى عيسى أن قل لهم « إني من أغفر له مغفرة واحدة أصلح له بها دنياه وآخرته ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال : كان عيسى عليه السلام إذا دعا القراء قام عليهم ثم قال : هكذا اصنعوا بالقراء.
وأخرج أحمد عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : إن أحببتم أن تكونوا أصفياء الله، ونور بني آدم من خلقه فاعفوا عمن ظلمكم، وعودوا من لا يغودكم، واحسنوا إلى من لا يحسن إليكم، وأقرضوا من لا يجزيكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير، أن عيسى ﷺ كان يلبس الشعر، ويأكل من ورق الشجر، ويبيت حيث أمسى، ولا يرفع غداء ولا عشاء لغد، ويقول : يأتي كل يوم برزقه.
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى ابن مريم : يا دار تخربين ويفنى سكانك، ويا نفس اعملي ترزقي، ويا جسد انصب تسترح.
وأخرج أحمد عن وهب ابن منبه قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : بحق أقول لكم - وكان عيسى ﷺ كثيراً ما يقول بحق - أقول لكم : إن أشدكم حباً للدنيا أشدكم جزعاً على المصيبة.
وأخرج أحمد عن عطاء الأزرق قال : بلغنا أن عيسى ﷺ قال : يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير، ونبات الأرض، والماء القراح، وإياكم وخبر البر، فإنكم لا تقومون بشكره، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، واشد مرارة الدنيا حلاوة الآخرة.
وأخرج ابنه في زوائده عن عبد الله بن شوذب قال : قال عيسى ابن مريم : جودة الثياب من خيلاء القلب.
وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى ﷺ : إني ليس أحدثكم لتعجبوا إنما أحدثكم لتعلموا.
وأخرج ابنه عن أبي حسان قال : قال عيسى ابن مريم ﷺ : كن كالطيب العالم يضع دواءه حيث ينفع.
وأخرج ابنه عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى ابن مريم قال : يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تَهُن عليكم، وأهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم، ولا تكرموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم، فإن الدنيا ليست بأهل الكرامة، وكل يوم تدعو للفتنة والخسارة.
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن أبي غالب قال في وصية عيسى ﷺ : يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم، والتمسوا رضاه بسخطهم. قالوا : يا نبي الله فمن نجالس؟ قال : جالسوا من يزيد في علمكم منطقه، ومن يذكركم الله رؤيته، ويزهدكم في الدنيا عمله.
330
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : أوحى الله إلى عيسى « عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني ».
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى للحواريين : بقدر ما تنصبون ههنا تستريحون ههنا، وبقدر ما تستريحون ههنا تنصبون ههنا.
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى ﷺ : طوبى لمن خزن لسانه، ووسعه بيته، وبكى من ذكر خطيئته.
وأخرج ابن المبارك وابن شيبة وأحمد عن هلال بن يساف قال : كان عيسى يقول : إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله، وإذا صام فلْيَدَّهِنْ وليمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يرى أنه صائم، وإذا صلى فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق.
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن خالد الربعي قال : ثبت أن عيسى ﷺ قال لأصحابه : أرأيتم لو أن أحدكم أتى على أخيه المسلم وهو نائم وقد كشفت الريح بعض ثوبه؟ فقالوا : إذا كنا نرده عليه قال : لا. بل تكشفون ما بقي، مثل ضربه للقوم يسمعون الرجل بالسيئة فيذكرون أكثر من ذلك.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال : قال عيسى ابن مريم : فكرت في الخلق فإذا من لم يخلق كان أغبط عندي ممن خلق. وقال : لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. والناس رجلان : مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي الهذيل قال : لقي عيسى يحيى فقال : أوصني قال : لا تغضب قال : لا أستطيع قال : لا تفتن مالا قال : أما هذا لعله.
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال : مر عيسى عليه السلام والحواريون رضي الله تعالى عنهم على جيفة كلب فقالوا : ما أنتن هذا! فقال : ما أشد بياض أسنانه. يعظهم وينهاهم عن الغيبة.
وأخرج أحمد عن الأوزاعي قال : كان عيسى يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس، ويكره العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجهد قال : قال عيسى عليه السلام : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم. انظروا إلى هذا الطير يغدو ويروح لا يحرث، ولا يحصد، الله تعالى يرزقها. فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر، تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد، الله تعالى يرزقها. اتقوا فضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجز.
وأخرج عن وهب قال : إن إبليس قال لعيسى : زعمت أنك تحيي الموتى فإن كنت كذلك فادع الله أن يرد هذا الجبل خبزاً فقال له عيسى : أوكل الناس يعيشون بالخبز؟ قال : فإن كنت كما تقول فثب من هذا المكان فإن الملائكة ستلقاك قال : إن ربي أمرني لا أجرب نفسي، فلا أدري هل يسلمني أم لا.
331
وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن عيسى ابن مريم كان يقول : للسائل حق وإن أتاك على فرس مطوق بالفضة.
وأخرج عن بعضهم قال أوحى الله إلى عيسى : إن لم تطب نفسك أن تصفك الناس بالزاهد فيَّ لم أكتبك عندي راهباً، فما يضرك إذا بغضك الناس وأنا عنك راض، وما ينفعك حب الناس وأنا عليك ساخط؟
وأخرج أحمد عن الحضرمي وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن فضيل بن عياض قالا : قيل لعيسى ابن مريم بأي شيء تمشي على الماء؟ قال : بالإيمان واليقين قالوا : فانا آمنا كما آمنت، وأيقنا كما أيقنت. قال : فامشوا اذن. فمشوا معه فجاء الموج فغرقوا، فقال لهم عيسى : ما لكم؟ قالوا : خفنا الموج قال : الا خفتم رب الموج فاخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها، فإذا في احدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر فقال : أيهما أحلى في قلوبكم؟ قالوا : الذهب قال : فانهما عندي سواء.
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : كان عيسى ابن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول : لا ينبغي لابن مريم إذا تذكر عنده الساعة فيسكت.
وأخرج أحمد وابن عساكر عن مجاهد قال : كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر، ويأكل الشجر، ولا يخبئ اليوم لغد، ويبيت حيث آواه الليل. ولم يكن له ولد فيموت، ولا بيتّ فيخرب.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن : أن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة، وأن الفرارين بدينهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى ابن مريم، وأن عيسى مر به إبليس يوماً وهو متوسد حجراً وقد وجد لذة النوم فقال له إبليس : يا عيسى أليس تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا فهذا الحجر من عرض الدنيا؟ فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به وقال : هذا لك في الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن كعب، أنّ عيسى كان يأكل الشعير، ويمشي على رجليه ولا يركب الدواب، ولا يسكن البيوت، ولا يستصبح بالسراج، ولا يلبس القطن، ولا يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيء قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يقرب رأسه ولحيته غسول قط، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئاً قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداء قط، ولا لعشاء قط، ولا يشتهي شيئاً من شهوات الدنيا. وكان يجالس الضعفاء والزمنى والمساكين، وكان إذا قرب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض، ولم يأكل مع الطعام اداماً قط، وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول : هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم : تزوج قال : وما أصنع بالتزويج؟ قالوا : تلد لك الأولاد.
332
قال : الأولاد إن عاشوا أَفْتَنُوا، وإن ماتوا أَحْزَنُوا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن شعيب بن إسحق قال : قيل لعيسى : لو اتخذت بيتاً قال : يكفينا خلقان من كان قبلنا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن مسيرة قال : لعيسى : ألا تبني لك بيتاً؟ قال : لا أترك بعدي شيئاً من الدنيا أذكر به.
وأخرج ابن عساكر عن أبي سليمان قال : بينا عيسى يمشي في يوم صائف وقد مسه الحر والعطش، فجلس في ظل خيمة، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال : يا عبد الله قم من ظلنا. فقام عيسى عليه السلام، فجلس في الشمس وقال : ليس أنت الذي أقمتني إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً.
وأخرج أحمد عن سفيان بن عيينة قال : كان عيسى ويحيى عليهما السلام يأتيان القرية فيسأل عيسى عليه السلام عن شرار أهلها، ويسأل يحيى عليه السلام عن خيار أهلها فقال له : لم تنزل عن شرار الناس؟ قال : إنما أنا طبيب أداوي المرضى.
وأخرج أحمد عن هشام الدستوائي قال : بلغني أن في حكمة عيسى ابن مريم عليه السلام : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويحكم٠٠٠! علماء السوء. الأجر تأخذون والعمل تضيعون، توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه، والله تعالى ينهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة. كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أفضل رغبة؟ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من سخط واحتقر منزلته وهو يعلم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله تعالى في قضائه فليس يرضى بشيء أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من طلب الكلام ليتحدث ولم يطلبه ليعمل به؟
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه، أن عيسى عليه السلام مرَّ بعقبة أفيق ومعه رجل من حواريه، فاعترضهم رجل فمنعهم الطريق وقال : لا أترككما تجوزان حتى ألطم كل واحد منكما لطمة، فحاولاه فأبى إلا ذاك فقال عيسى عليه السلام : أما خدي فالطمه. فلطمه فخلى سبيله وقال للحواري : لا أدعك تجوز حتى ألطمك فتمنع عليه، فلما رأى عيسى ذاك أعطاه خده الآخر فلطمه، فخلى سبيلهما فقال عيسى عليه السلام : اللهم إن كان هذا لك رضا فبلغني رضاك، وإن كان هذا سخطاً فإنك أولى بالعفو.
وأخرج عبد الله ابنه عن علي بن أبي طالب قال : بينما عيسى عليه السلام جالس مع أصحابه مرت به امرأة؛ فنظر إليها بعضهم فقال له بعض أصحابه : زنيت فقال له عيسى : أرأيت لو كنت صائماً فمررت بشواء فشممته أكنت مفطراً؟ قال : لا.
333
وأخرج أحمد عن عطاء قال : قال عيسى : ما أدخل قرية يشاء أهلها أن يخرجوني منها إلا أخرجوني. يعني ليس لي فيها شيء قال : وكان عيسى عليه السلام يتخذ نعلين من لحى الشجر، ويجعل شراكهما من ليف.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : قال المسيح : ليس كما أريد ولكن كما تريد، وليس كما أشاء ولكن كما تشاء.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال هذا المسكين.
وأخرج ابنه عن ابن حليس قال : قال عيسى : إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال، وتزيينه عند الهوى واستكماله عند الشهوات.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن جعفر بن برقان قال : كان عيسى يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما ارجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهنا بعملي، فلا فقير أفقر مني، فلا تُشْمِت بي عدوّي، ولا تسيء بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تُسَلِّطْ عليَّ من لا يرحمني.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : في كتب الحواريين إذا سلك بك سبيل البلاء فاعلم أنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سُلِكَ بك سبيل أهل الرخاء فاعلم أنه سُلِكَ بك غير سبيلهم، وخُولفَ بك عن طريقهم.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : إنما أبعثكم كالكبَاش تلتقطون خرفان بني إسرائيل، فلا تكونوا كالذئاب الضواري التي تختطف الناسن وعليكم بالخرفان ما لكم تأتون عليكم ثياب الشعر، وقلوبكم قلوب الخنازير، البسوا ثياب الملوك، ولينوا قلوبكم بالخشية. وقال عيسى : يا ابن آدم اعمل باعمال البّر حتى يبلغ عملك عنان السماء، فإن لم يكن حباً في الله ما اغنى ذلك عنك شيئاً. وقال عيسى للحواريين : إن إبليس يريد أن يبخلكم فلا تقعوا في بخله.
وأخرج أحمد عن الحسن بن علي الصنعاني قال : بلغنا أن عيسى عليه السلام قال : يا معشر الحواريين ادع الله أن يخفف عني هذه السكرة - يعني الموت - ثم قال عيسى : لقد خفت الموت خوفاً مخافتي من الموت على الموت.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه، أن عيسى عليه السلام كان واقفاً على قبر ومعه الحواريون وصاحب القبر يدلى فيه، فذكروا من ظلمة القبر ووحشته وضيقه فقال عيسى : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم، فإذا أحب الله أن يوسع وسّع.
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال المسيح عليه السلام : أكثروا ذكر الله، وحمده، وتقديسه، وأطيعوه، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله تبارك وتعالى راضياً عليه أن يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي، واصلح لي معيشتي، وعافني من المكاره يا إلهي.
334
وأخرج أحمد عن أبي الجلد، أن عيسى عليه السلام قال للحواريين : بحق أقول لكم : ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا : يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما! قال : لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح جزائنها بيده فاعطاكم، ولو أردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك.
وأخرج أحمد عن أبي عبيدة، أن الحواريين قالوا لعيسى : ماذا نأكل؟ قال : تأكلون خبز الشعير، وبقل البرية. قالوا : فماذا نشرب؟ قال : تشربون ماء القراح. قالوا : فماذا نتوسد؟ قال : توسدوا الأرض قالوا : ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد! قال : بهذا تنجون ولا تَحُلّون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا : وكيف يكون ذلك؟ قال : ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وان كانت شعيراً، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحاً، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض.
وأخرج أحمد عن عطاء، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال : تَرَجَّ ببلاغة، وتيقظ في ساعات الغفلة، واحكم بلطف الفطنة، لا تكن حَلْساً مطروحاً وأنت حي تتنفس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال : كان عيسى عليه السلام يقول : يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل، واتخذوا المساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واخرجوا من الدنيا بسلام.
وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي إن عيسى عليه السلام قال : اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : بيتي المسجد، وطيبي الماء، وادامي الجوع، وشعاري الخوف، ودابتي رجلاي، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي بالليل القمر، وجلسائي الزمنى والمساكين، وامسي وليس لي شيء، وأُصبحُ وليس لي شيء، وأنا بخير فمن أغنى مني.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال : قال عيسى : بطحت لكم الدنيا، وجلستم على ظهرها، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء. فاما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم. وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة.
وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال : قال المسيح عليه السلام : إنما تطلب الدنيا لِتُبرَّ فتركها ابرُّ.
وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى ابن مريم : والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث : شغل لا ينفك عناه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه. الدنيا طالبة ومطلوبة. فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه.
335
وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى ابن مريم : كما توضعون كذلك ترفعون، وكما ترحمون كذلك ترحمون، وكما تقضون من حوائج الناس كذلك يقضي الله من حوائجكم.
وأخرج أحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم : ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك تلك مكافأة، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك.
وأخرج ابن عساكر عن ابن المبارك قال : بلغني أن عيسى ابن مريم مر بقوم فشتموه فقال خيراً. ومر بآخرين فشتموه وزادوا فزادهم خيراً. فقال رجل من الحواريين : كلما زادوك شراً زدتهم خيراً كأنهم تغريهم بنفسك! فقال عيسى عليه السلام : كل إنسان يعطي ما عنده.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال : مر بعيسى ابن مريم خنزير فقال : مر بسلام. فقيل له : يا روح الله لهذا الخنزيرتقول! قال : أكره أن أعود لساني الشر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان قال : قالوا لعيسى ابن مريم، دلنا على عمل ندخل به الجنة قال : لا تنطقوا أبداً قالوا : لا نستطيع ذلك! قال : فلا تنطقوا إلا بخير.
وأخرج الخرائطي عن إبراهيم النخعي قال : قال عيسى ابن مريم : خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق، كونوا مُنْتَقِدِي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : أكل الشعير مع الرماد، والنوم على المزابل مع الكلاب. لقليل في طلب الفردوس.
وأخرج ابن عساكر عن أنس بن مالك قال : كان عيسى ابن مريم يقول : لا يطيق عبد أن يكون له ربان. أن أرضى أحدهما أسخط الآخر، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر. وكذلك لا يطيق عبد أن يكون خادماً للدنيا يعمل عمل الآخرة. لا تهتموا بما تأكلون ولا ما تشربون، فإن الله لم يخلق نفساً أعظم من رزقها، ولا جسداً أعظم من كسوته فاعتبروا.
وأخرج ابن عساكر عن المقبري، أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول : يا ابن آدم إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينك.
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن عيسى ابن مريم كان يقول : من كان يظن أن حرصاً يزيد في رزقه فليزد في طوله، أو في عرضه، أو في عدد بنائه، أو تغير لونه. ألا فإن الله خلق الخلق فهيأ الخلق لما خلق، ثم قسم الرزق فمضى الرزق فمضى الرزق لما قسم، فليست الدنيا بِمُعطِيَةٍ أحداً شيئاً ليس له، ولا بِمَانِعَةٍ أحداً شيئاً هو لكم، فعليكم بعبادة ربكم فانكم خُلِقْتُمْ لها.
336
وأخرج ابن عساكر عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال لأصحابه : إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس.
وأخرج أحمد والبيهقي عن عبد العزيز بن ظبيان قال : قال المسيح : من تَعَلَّم وعمل وعَلَّمَ فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ « إن عيسى ابن مريم قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين لا تُحَدِّثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتطلموهم، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين لكم غِيَّهُ فاجتنبوه، وأمر اخْتُلِفَ عليكم فيه فَرُدُّوا علمه إلى الله تعالى ».
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن قيس الملائي قال : قال عيسى ابن مريم : إن منعت الحكمة أهلها جهلت، وإن منحتها غير أهلها جهلت. كن كالطبيب المداوي إن رأى موضعاً للدواء وإلا أمسك.
وأخرج عبد الله بن أحمد في الزهد وابن عساكر عن عكرمة قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : يا معشر الحواريين لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير لا يصنع باللؤلؤة شيئاً، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : قال عيسى : يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة. فلا أنتم تدخلونها، ولا تدعون المساكين يدخلونها. أن شرّ الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : إن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت لا يحرقه، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه.
قوله تعالى :﴿ والتوراة والإنجيل ﴾.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل.
337
أخرج ابن جرير عن ابن إسحق أن عيسى جلس يوماً مع غلمان من الكتاب، فأخذ طيناً ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائراً؟ قالوا : أو تستطيع ذلك؟ قال : نعم. بإذن ربي. ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ثم قال : كن طائراً باذن الله فخرج يطير من بين كفيه، وخرج الغلمان بذلك من أمره، فذكروه فأفشوه في الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج، أن عيسى قال : أي الطير أشد خلقاً؟ قال : الخفاش إنما هو لحم ففعل.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : إنما خلق عيسى طيراً واحداً. وهو الخفاش.
قوله تعالى :﴿ وأبرئ الأكمه والأبرص ﴾.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس ﴿ الأكمه ﴾ الذي يولد وهو أعمى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال ﴿ الأكمه ﴾ الأعمى الممسوح العين.
وأخرج أبو عبيد والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال ﴿ الأكمه ﴾ الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن عكرمة قال :﴿ الأكمه ﴾ الأعمش.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى، والزمنى، والعميان، والمجانين، وغيرهم. اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، أنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك، قدرتك في السماء كقدرتك في الأرض، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء، أسألك باسمك الكريم، ووجهك المنير، وملكك القديم، إنك على كل شيء قدير. قال وهب : هذا للفزع والمجنون يقرأ عليه، ويكتب له، ويسقى ماؤه إن شاء الله تعالى.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن وهب قال : لما صار عيسى ابن اثنتي عشر سنة اوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر - وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر - أن اطلعي به إلى الشام ففعلت، فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، وكانت نبوّته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه. وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفاً. من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق ذلك منهم أتاه فمشى إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وأحيي الموتى بإذن الله ﴾.
أخرج البيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن رجل، أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الركعة الأولى
338
﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾ [ الملك : ١ ] وفي الثانية ﴿ تنزيل الكتاب ﴾ [ السجدة : ٢ ] فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء. يا قديم، يا حي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد. قال البهقي : ليس هذا بالقوي. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل بلفظه، وزاد في آخره وكانت إذا أصابته شدة دعا بسبعة أسماء أخرى. يا حي، يا قيوم، يا الله، يا رحمن، يا ذا الجلال والإكرام، يا نور السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، يا رب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن معاوية بن قرة قال : سألت بنو إسرائيل عيسى فقالوا : إن سام بن نوح دفن ههنا قريباً فادع الله أن يبعثه لنا. فهتف فخرج أشمط. قالوا : إنه قد مات وهو شاب فما هذا البياض؟ قال : ظننت أنها الصيحة ففزعت.
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : كانت اليهود يجتمعون إلى عيسى ويستهزئون به ويقولون له : يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد. فيخبرهم فيسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم، وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض، فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها... ؟ فقالت : ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها. فصلى عيسى ركعتين ثم نادى : يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر، ثم نادى الثانية فانصدع القبر، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الآخرة، وأن يهوّن علي كرب الموت. فدعا ربه، فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً، وكان ملك منهم في ناحية في مدينة لها نصيبين جباراً عاتياً، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة، فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون فقال لأصحابه : ألا رجل منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول : إن عيسى عبد الله ورسوله. فقام رجل من الحواريين يقال له يعقوب فقال : أنا يا روح الله. قال : فاذهب فأنت أول من يتبرأ مني، فقام آخر يقول له توصار وقال له : أنا معه قال : وأنت معه ومشيا، فقام شمعون فقال : يا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أن أنال منك أن اضطررت إلى ذلك؟ قال : نعم.
339
فانطلقوا حتى إذا كانوا قريباً من المدينة قال لهما شمعون : ادخلا المدينة فبَلَّغا ما أُمِرْتُمَا، وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما أقبلت لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى، وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه. فنادى أحدهما وهو الأول : ألا أن عيسى عبدالله ورسوله، فوثبوا إليهما من القائل أنْ عيسى عبدالله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال : ما قلت شيئاً فقال الآخر : قد قلت وأنا أقول : إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيراً لكم، فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جباراً طاغياً فقال له : ويلك ما تقول؟! قال : أقول : إن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. قال : كذبت. فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له : تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا. قال : لا أفعل. قال : إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك، وسمرت عينيك. فقال : افعل بنا ما أنت فاعل. ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم.
ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم : ما بال هذا المسكين؟ قالوا : يزعم أن عيسى عبدالله ورسوله فقال شمعون : أيها الملك أتأذن لي فادنو منه فاسأله؟ قال : نعم. قال له شمعون : أيها المبتلى ما تقول؟ قال : أقول ان عيسى عبدالله ورسوله. قال : فما آية تعرفه؟ قال ﴿ يبرئ الأكمه والأبرص ﴾ والسقيم. قال : هذا يفعله الأطباء فهل غيره؟ قال : نعم ﴿ يخبركم بما تأكلون وما تدخرون ﴾ قال : هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا؟ قال : نعم ﴿ يخلق من الطين كهيئة الطير ﴾ قال : هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم. فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله. قال : هل غير هذا؟ قال : نعم. ﴿ يحيي الموتى ﴾.
قال : أيها الملك إنه ذكر أمراً عظيماً وما أظن خلقاً يقدر على ذلك إلا بإذن الله، ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب، فإن لم يكن عيسى رسولاً فلا يقدر على ذلك، وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه ﴿ أرني كيف تحيي الموتى ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن.
وأخرج ابن جرير عن السدي وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال : لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض، فنزلوا في قرية على رجل، فأضافهم وأحسن إليهم، وكان لتلك المدينة ملك جبار، فجاء ذلك الرجل يوماً حزيناً، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها : ما شأن زوجك أراه حزيناً؟ قالت : إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر، فإن لم تفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت : قولي له فلا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك.
340
قالت مريم لعيسى في ذلك. فقال عيسى : يا أماه إني إنْ فعلت كان في ذلك شر قالت : لا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا. قال عيسى : قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء. فملأهن فدعا الله تعالى، فتحوّل ما في القدور لحماً، ومرقاً، وخبزاً، وما في الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط. فلما جاءه الملك أكل منه، فلما شرب الخمر قال : من أين لك هذا الخمر؟! قال : هو من أرض كذا وكذا... قال الملك : فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا! قال : هو من أرض أخرى. فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال : إني أخبرك... عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً فقال له الملك : وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل بأيام، وكان أحب الخلق إليه فقال : إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً ليستجابن له يحيي ابني.
فدعا عيسى فكلمه وسأله ان يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى : لا تفعل فإنه ان عاش كان شراً قال الملك : لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام : فإني حييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء؟ فقال الملك : نعم. فدعا الله فعاش الغلام. فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه. فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي، وكان مع اليهودي رغيفان، ومع عيسى رغيف. فقال له عيسى : تشاركني؟ فقال اليهودي : نعم. فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف. فيأكل لقمة فيقول له عيسى : ما تصنع؟ فيقول له : لا شيء... حتى فرغ من الرغيف.
فلما أصبحا قال له عيسى : هلم بطعامك، فجاء برغيف فقال له عيسى : أين الرغيف الآخر؟ قال : ما كان معي إلا واحد. فسكت عنه وانطلقوا، فمروا براعي غنم فنادى عيسى : يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك. قال : نعم. فأعطاه شاة فذبحها وشواها، ثم قال لليهودي : كل ولا تكسر عظماً. فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال : قومي بإذن الله. فقامت الشاة تثغو فقال : يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي : من أنت؟! قال : أنا عيسى ابن مريم قال : أنت الساحر؟ وفر منه.
قال عيسى لليهودي : بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو - كم رغيف كان معك - فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد.
341
فمر بصاحب بقر فقال : يا صاحب البقر أجزرنا من بقرك هذه عجلاً. فأعطاه فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر فقال له عيسى : كل ولا تكسر عظماً. فلما فرغوا قذف العظام في الجلد، ثم ضربه بعصاه وقال : قم بإذن الله تعالى، فقام له خوار فقال : يا صاحب البقر خذ عجلك. قال : من أنت؟ قال : أنا عيسى قال : أنت عيسى الساحر؟ ثم فر منه.
قال عيسى لليهودي : بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها، والعجل بعدما أكلناه كم رغيفاً كان معك؟ فحلف بذلك ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا حتى نزلا قرية، فنزل اليهودي في أعلاها، وعيسى في أسفلها، وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال : أنا اليوم أحيي الموتى. وكان ملك تلك القرية مريضاً شديد المرض. فانطلق اليهودي ينادي : من يبغي طبيباً؟ فأُخْبِرَ بالملك وبوجعه فقال : ادخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه فقيل له : إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك! قال : ادخلوني عليه، فأُدْخِلَ عليه، فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات، فجعل يضربه وهو ميت ويقول : قم بإذن الله تعالى. فأخذوه ليصلبوه، فبلغ عيسى فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة فقال : أرأيتم أن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي؟ فقالوا : نعم. فأحيا عيسى الملك فقام. وأنزل اليهودي فقال : يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة والله لا أفارقك أبداً.
قال عيسى أنشدك بالذي أحيا الشاة والعجل بعدما أكلناهما، وأحيا هذا بعد ما مات، وأنزلك من الجذع بعد رفعك عليه لتصلب. كم رغيفاً كان معك؟ فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا فمرا بثلاث لبنات، فدعا الله عيسى فصيرهن من ذهب قال : يا يهودي لبنة لي، ولبنة لك، ولبنة لمن أكل الرغيف. قال : أنا أكلت الرغيف.
وأخرج ابن عساكر عن ليث قال : صحب رجل عيسى ابن مريم، فانطلقا فانتهينا إلى شاطئ نهر، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين وبقي رغيف. فقام عيسى إلى النهر يشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف. فقال للرجل : من أكل الرغيف؟ قال : لا أدري! فانطلق معه فرأى ظبية معها خشفان، فدعا أحدهما، فأتاه فذبحه وشواه وأكلا ثم قال للخشف : ثم بإذن الله فقال للرجل : أسألك بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف؟ قال : لا أدري! ثم انتهيا إلى البحر، فأخذ عيسى بيد الرجل، فمشى على الماء ثم قال : أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ فقال : لا أدري.
ثم انتهيا إلى مفازة وأخذ عيسى تراباً وطيناً فقال : كن ذهباً بإذن الله. فصار ذهباً، فقسمه ثلاثة أثلاث فقال : ثلث لك، وثلث لي، وثلث لمن أخذ الرغيف. قال : أنا أخذنه. قال : فكله لك وفارقه عيسى، فانتهى إليه رجلان فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال : هو بيننا أثلاثاً، فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعاماً.
342
فبعثوا أحدهم فقال الذي بُعِثَ : لأي شيء أقاسم هؤلاء المال، ولكن أضع في الطعام سماً فاقتلهما. وقال ذانك : لأي شيء نعطي هذا ثلث المال، ولَكِن إذا رجع قتلناه. فلما رجع إليهم قتلوه وأكلا الطعام فماتا. فبقي ذلك المال في المفازة، وأولئك الثلاثة قتلى عنده.
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال : كان عيسى ابن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم : قولوا كذا قولوا كذا، فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك.
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت قال : انطلق عيسى ﷺ يزور أخاً له، فاستقبله إنسان فقال : إن أخاك قد مات. فرجع فسمع بنات أخيه برجوعه عنهن، فاتينه فقلن يا رسول الله رجوعك عنا أشد علينا من موت أبينا قال : فانطلقن فأرينني قبره، فانطلقن حتى أرينه قبره قال : فصوت به فخرج وهو أشيب فقال : ألست فلاناً... ؟ قال : بلى. قال : فما الذي أرى بك؟ قال : سمعت صوتك فحسبته الصيحة.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون ﴾ قال : بما أكلتم الراحة من طعام، وما خبأتم منه.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان عيسى يقول للغلام في الكتاب : إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا... فذلك قوله ﴿ وما تدخرون ﴾.
وأخرج ابن عساكر عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : كان عيسى ابن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان، فكان يقول لأحدهم : تريد أن أخبرك بما خبأت لك أمك؟ فيقول : نعم. فيقول خبأت لك كذا وكذا... فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها : اطعميني ما خبأت لي قالت : وأي شيء خبأت لك؟ فيقول : كذا وكذا... فتقول : من أخبرك؟! فيقول : عيسى ابن مريم فقالوا : والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع عيسى ليفسدنهم. فجمعوهم في بيت واغلقوا عليهم، فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاءهم في بيت، فسأل عنهم فقال : يا هؤلاء كأن هؤلاء الصبيان! قالوا : لا. إنما هؤلاء قردة وخنازير قال : اللهم اجعلهم قردة وخنازير. فكانوا كذلك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال ﴿ أنبئكم بما تأكلون ﴾ من المائدة ﴿ وما تدخرون ﴾ منها، وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا، وخافوا فجعلوا قردة وخنازير.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود ﴿ وما تدخرون ﴾ مثقلة بالإدغام.
343
أخرج ابن جرير عن وهب. أن عيسى كان على شريعة موسى عليهما السلام، وكان يسبت، ويستقبل بيت المقدس، وقال لبني إسرائيل : أني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة الا ﴿ ولأُحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ﴾ وأضع عنكم من الآصار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ﴾ قال : كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى، وكان حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل، والثروب، فأحلها لهم على لسان عيسى، وحرمت عليهم الشحوم، فأحلت لهم فيما جاء به عيسى، وفي أشياء من السمك، وفي أشياء من الطير ما لا صيصية له، وفي أشياء أخر رحمها عليهم وشدد عليهم فيها. فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وجئتكم بآية من ربكم ﴾ قال : ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها وما أعطاه ربه.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ فلما أحس عيسى منهم الكفر ﴾ قال : كفروا وأرادوا قتله. فذلك حين استنصر قومه. فذلك حين يقول ﴿ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ﴾ [ الصف : ١٤ ].
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ قال : من يتبعني إلى الله.
وأخرج ابن جرير عن السدي ﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ يقول : مع الله.
وأما قوله تعالى :﴿ قال الحواريون ﴾ الآية.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم. كانوا صيادين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي أرطاة قال ﴿ الحواريون ﴾ الغسالون الذين يحورون الثياب : يغسلونها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال ﴿ الحواريون ﴾ الغسالون وهو بالنبطية هواري، وبالعربية المحور.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال ﴿ الحواريون ﴾ قصارون مر بهم عيسى فآمنوا به واتبعوه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال ﴿ الحواريون ﴾ هم الذين تصلح لهم الخلافة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال ﴿ الحواريون ﴾ أصفياء الأنبياء.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة قال :« الحواري » الوزير.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال :« الحواري » الناصر.
وأخرج البخاري والترمذي وابن المنذر عن جابر بن عبدالله عن النبي ﷺ قال : إن لكل نبي حوارياً وإن حواريِّ الزبير.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسيد بن يزيد قال ﴿ واشهد بأنا مسلمون ﴾ في مصحف عثمان ثلاثة أحرف.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ﴿ فاكتبنا مع الشاهدين ﴾ قال : مع محمد ﷺ وأمته. إنهم شهدوا له أنه قد بلغ، وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ﴿ فاكتبنا مع الشاهدين ﴾ قال : مع أصحاب محمد ﷺ.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله ﷺ كان يقول إذا قضى صلاته : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك فإن السائلين عليك حقاً أيما عبد أو أمة من أهل البر والبحر تقبلت دعوتهم، واستجبت دعاءهم، أن تشركنا في صالح ما يدعونك به، وإن تعافينا وإياهم، وأن تقبل منا ومنهم، وأن تجاوز عنا وعنهم، بأنا ﴿ آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ﴾ وكان يقول : لا يتكلم بهذا أحد من خلقه إلا أشركه الله في دعوة أهل بَرِّهم وأهل بحرهم فعمتهم وهو مكانه ».
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة؟ فأخذها رجل منهم وصعد بعيسى إلى السماء. فذلك قوله ﴿ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ﴾.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله ﴿ إني متوفيك ﴾ يقول : إني مميتك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال ﴿ متوفيك ﴾ من الأرض.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن الحسن في قوله ﴿ إني متوفيك ﴾ يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه، قال الحسن : قال رسول الله ﷺ لليهود :« إن عيسى لم يمت وأنه راجع إليكم قبل يوم القيامة ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ إني متوفيك ورافعك إليّ ﴾ قال : هذا من المقدم والمؤخر : أي رافعك إليّ ومتوفيك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مطر الوراق في الآية قال ﴿ متوفيك ﴾ من الدنيا وليس بوفاة موت.
وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن كعب قال : لما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه، شكا ذلك إلى الله. فأوحى الله إليه ﴿ إني متوفيك ورافعك إليَّ ﴾ وإني سأبعثك على الأعور الدجال فتقتله، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة، ثم أميتك ميتة الحي. قال كعب : وذلك تصديق حديث رسول الله ﷺ حيث قال « كيف تهلك أمة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها؟ ».
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال : لم يكن نبي كانت العجائب في زمانه أكثر من عيسى إلى أن رفعه الله، وكان من سبب رفعه أن ملكاً جباراً يقال له داود بن نوذا، وكان ملك بني إسرائيل هو الذي بعث في طلبه ليقتله، وكان الله أنزل عليه الإنجيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة، ورفع وهو ابن أربع وثلاثين سنة من ميلاده. فأوحى الله إليه ﴿ إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا ﴾ يعني ومخلصك من اليهود فلا يصلون إلى قتلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن الحسن في الآية قال : رفعه الله إليه فهو عنده في السماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب قال : توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار رفعه إليه.
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : أماته الله ثلاثة أيام بعثه ورفعه.
وأخرج الحاكم عن وهب أن الله توفى عيسى سبع ساعات ثم أحياه، وإن مريم حملت به ولها ثلاث عشرة سنة، وأنه رفع ابن ثلاث وثلاثين، وأن أمه بقيت بعد رفعه ست سنين.
وأخرج ابن اسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله ﴿ إني متوفيك ورافعك ﴾ يعني رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جرير في الآية قال : رفعه إياه توفيته.
347
وأخرج الحاكم عن الحريث بن مخشبي أن علياً قتل صبيحة إحدى وعشرين من رمضان، فسمعت الحسن بن علي وهو يقول : قتل ليلة أنزل القرآن، وليلة أُسْرِيَ بعيسى، وليلة قُبِضَ موسى.
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد والحاكم عن سعيد بن المسيب قال : رُفع عيسى ابن ثلاث وثلاثينَ سنة، ومات لها معاذ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ومطهرك من الذين كفروا ﴾ قال : طهره من اليهود، والنصارى، والمجوس، ومن كفار قومه.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير ﴿ ومطهرك من الذين كفروا ﴾ قال : إذ هموا منك بما هموا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ﴾ قال : أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته، فلا يزالون ظاهرين على ناوأهم إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : ناصر من اتبعك على الإسلام على الذين كفروا إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن النعمان بن بشير « سمعت رسول الله ﷺ يقول : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين لا يبالون من خالفهم حتى يأتي أمر الله » قال النعمان : فمن قال إني أقول على رسول الله ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله تعالى. قال الله تعالى ﴿ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة... ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ وجاعل الذين اتبعوك ﴾ قال : هم المسلمون ونحن منهم، ونحن فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن أبي سفيان قال « سمعت رسول الله ﷺ يقول : إنها لن تبرح عصابة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على الناس حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. ثم قرأ بهذه الآية ﴿ يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ﴾ ».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة، فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهو فوق يهود في شرق ولا غرب في البلد كلها مستذلون.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال : عيسى مرفوع عند الله ثم ينزل قبل يوم القيامة، فمن صدق عيسى ومحمداً ﷺ وكان على دينهما لم يزالوا ظاهرين على من فارقهم إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس في قوله ﴿ وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ يقول : أدوا فرائضي ﴿ فيوفيهم أجورهم ﴾ يقول : فيعطيهم جزاء أعمالهم الصالحة كاملاً لا يبخسون منه شيئاَ ولا ينقصونه.
348
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال « أتى رسول الله ﷺ راهبا نجران فقال أحداهما : من أبو عيس؟ وكان رسول الله ﷺ لا يعجل حتى يأمره ربه. فنزل عليه ﴿ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ﴾ إلى قوله ﴿ من الممترين ﴾ ».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ﴿ والذكر الحكيم ﴾ قال : القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي « سمعت رسول الله ﷺ يقول : ستكون فتن قلت : فما المخرج منها؟ قال : كتاب الله، هو الذكر الحكيم، والصراط المستقيم ».
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس « أن رهطاً من أهل نجران قدموا على النبي ﷺ، وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له : ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال : من هو؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبدالله! قال : أجل إنه عبدالله. قالوا : فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال : قل لهم إذا أتوك ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ﴾ إلى آخر الآية ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال :« ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي الله فسألاه عن عيسى فقالا : كل أدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله فيه هذه الآية ﴿ إن مثل عيسى عند الله... ﴾ الآية ». وأخرج ابن جرير عن السدي قال « لما بعث رسول الله ﷺ وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم، منهم السيد، والعاقب، وماسرجس، ومار بحر، فسألوه ما تقول في عيسى؟ قال : هو عبدالله، وروحه، وكلمته »، قالوا هم : لا، ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها، فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت إنساناً قط خلق من غير أب؟ فأنزل الله ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم... ﴾ الآية «.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ﴿ إن مثل عيسى... ﴾ الآية قال : نزلت في العاقب، والسيد، من أهل نجران.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال »
بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبي ﷺ فيهم السيد، والعاقب، وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا : يا محمد فيم تشتم صاحبنا؟ قال : من صاحبكم؟! قالوا : عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد. قال رسول الله ﷺ : أجل إنه عبدالله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقاً فأرنا عبداً يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، لكنه الله. فسكت حتى أتاه حبريل فقال : يا محمد ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم... ﴾ [ المائدة : ٧٢ ] الآية. فقال رسول الله ﷺ : يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى. قال جبريل ﴿ إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ﴾ فلما أصبحوا عادا فقرأ عليهم الآيات «.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال :»
جاء أسقف نجران، والعاقب، إلى رسول الله ﷺ فعرض عليهما الإسلام فقالا : قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله ﷺ : كذبتما مع الإسلام منكما ثلاث : قولكما اتخذ الله ولداً، وسجودكما للصليب، وأكلكما لحم الخنزير، قالا : فمن أبو عيسى؟ فلم يدر ما يقول. فأنزل الله ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ﴾ إلى قوله ﴿ بالمفسدين ﴾ فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله ﷺ إلى الملاعنه فقالا : إنه ان كان نبياً فلا ينبغي لنا أن نلاعنه، فأبيا فقالا : ما تعرض سوى هذا؟ فقال : الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، فأقروا بالجزية «.
350
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ الحق من ربك فلا تكن من الممترين ﴾ يعني فلا تكن في شك من عيسى، إنه كمثل آدم عبدالله ورسوله وكلمته.
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال :« قدم وفد نجران على رسول الله ﷺ فقالوا : حدثنا عن عيسى ابن مريم قال : رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم. قالوا : ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا. فأنزل الله ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم... ﴾ الآية. قالوا : ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم. فأنزل الله ﴿ فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن الحرث بن جزء الزبيدي « أنه سمع النبي ﷺ يقول : ليت بيني وبين أهل نجران حجاباً فلا أراهم ولا يروني، من شدة ما كانوا يمارون النبي ﷺ ».
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده « أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه » طس « سليمان. بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران. إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب، والسلام. فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعراً شديداً، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة، فدفع إليه كتاب النبي ﷺ فقرأه فقال له الأسقف : ما رأيك... ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوّة، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل! ليس لي في النبوّة رأي، لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران، فكلهم قال مثل قول شرحبيل، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبدالله بن شرحبيل، وجبار بن فيض، فيأتونهم بخبر رسول الله ﷺ، فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله ﷺ فسألهم وسألوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله ﷺ : ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد.
351
فأنزل الله هذه الآية ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ﴾ إلى قوله ﴿ فنجعل لعنة الله على الكاذبين ﴾ فأبوا أن يقروا بذلك.
فلما أصبح رسول الله ﷺ الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له، وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه : إني أرى أمراً مقبلاً ان كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقي على الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له : ما رأيك؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له : أنت وذاك. فتلقى شرحبيل رسول الله ﷺ فقال : إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك قال : وما هو؟ قال : حكمك اليوم إلى الليل، وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز. فرجع رسول الله ﷺ ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية «.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة »
أن العاقب، والسيد، أتيا رسول الله ﷺ فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له : نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلاً أميناً فقال : قم يا أبا عبيدة. فلما وقف قال : هذا أمين هذه الأمة «.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال »
قدم على النبي ﷺ العاقب، والسيد، فدعاهما إلى الإِسلام فقالا : أسلمنا يا محمد قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإِسلام. قالا : فهات. قال : حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه إلى الغد، فغدا رسول الله ﷺ، وأخذ بيد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه، وأقرا له، فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً. قال جابر : فيهم نزلت ﴿ تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... ﴾ الآية. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله ﷺ وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة «.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر »
أن وفد نجران أتوا النبي فقالوا : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو روح الله، وكلمته، وعبد الله، ورسوله، قالوا له : هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك؟ قال : وذاك أحب إليكم؟ قالوا : نعم. قال : فإذا شئتم. فجاء وجمع ولده الحسن والحسين، فقال رئيسهم : لا تلاعنوا هذا الرجل فوالله لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا : يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا، وإنا نحب أن تعفينا. قال قد أعفيتكم ثم قال : إن العذاب قد أظل نجران «.
352
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس « أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله ﷺ وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم. منهم السيد وهو الكبير، والعاقب وهو الذي يكون بعده، وصاحب رأيهم، فقال رسول الله لهما : أسلما قالا : أسلمنا. قال : ما أسلمتما. قالا : بلى. قد أسلمنا قبلك. قال : كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما. عبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أن لله ولداً. ونزل ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب... ﴾ الآية. فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول. ونزل ﴿ فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم ﴾ يقول : من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن ﴿ فقل تعالوا ﴾ إلى قوله ﴿ ثم نبتهل ﴾ يقول : نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق، وإن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم : إن الله قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك. فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب : قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل، ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم، وما لاعن قوم قط نبياً فبقي كبيرهم، ولا نبت صغيرهم. فإن أنتم لم تتعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم. وقد كان رسول الله ﷺ خرج ومعه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال رسول الله ﷺ :» إن أنا دعوت فأمنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية « ».
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس « أن ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول الله ﷺ منهم العاقب، والسيد، فأنزل الله ﴿ قل تعالوا ندع أبناءنا ﴾ إلى قوله ﴿ ثم نبتهل ﴾ يريد ندع الله باللعنة على الكاذب. فقالوا : أخرنا ثلاثة أيام، فذهبوا إلى بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، فاستشارهم. فاشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وهو النبي الذي نجده في التوراة. فصالحوا النبي ﷺ على ألف حلة في صفر، وألف في رجب ودراهم ».
353
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة ﴿ فمن حاجَّك فيه ﴾ في عيسى ﴿ فقل تعالوا ندع أبناءنا.... ﴾ الآية « فدعا النبي ﷺ لذلك وفد نجران، وهم الذين حاجوه في عيسى فنكصوا وأبوا. وذكر لنا أن النبي ﷺ قال : إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن وجه الأرض ».
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال « كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى ابن مريم، فكانوا يجادلون النبي ﷺ فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران ﴿ إن مثل عيسى عند الله ﴾ إلى قوله ﴿ فنجعل لعنة الله على الكاذبين ﴾ فأمر بملاعنتهم، فواعدوه لغد، فغدا النبي ﷺ ومعه الحسن، والحسين، وفاطمة، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية فقال النبي ﷺ : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة ».
وأخرج عبد الرزاق والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال « لو باهل أهل نجران رسول الله ﷺ لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً ».
وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال :« لما نزلت هذه الآية ﴿ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ﴾ دعا رسول الله ﷺ علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، فقال » اللهم هؤلاء أهلي « ».
وأخرج ابن جرير عن غلباء بن أحمر اليشكري قال « لما نزلت هذه الآية ﴿ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... ﴾ الآية. أرسل رسول الله ﷺ إلى علي، وفاطمة، وابنيهما الحسن، والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا. فانتهوا ».
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية ﴿ تعالوا ندع أبناءنا... ﴾ الآية. قال : فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي وولده.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عباس ﴿ ثم نبتهل ﴾ نجتهد.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس « أن رسول الله ﷺ قال : هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام، وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه، وهذا الابتهال فرفع يديه مداً ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ إن هذا لهو القصص الحق ﴾ يقول : إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحق.
وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال : كان بين ابن عباس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية ﴿ تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل ﴾ فرفع يديه واستقبل الركن ﴿ فنجعل لعنة الله على الكاذبين ﴾.
354
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « كان النبي ﷺ يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما ﴿ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا... ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ] الآية. وفي الثانية ﴿ تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ﴾ ».
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله ﷺ فقرأه، فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين ﴿ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ﴾ إلى قوله ﴿ اشهدوا بأنا مسلمون ﴾ ».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله ﷺ إلى الكفار ﴿ تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ تعالوا إلى كلمة... ﴾ الآية. قال : بلغني أن النبي ﷺ دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه. فجاهدهم حتى أتوا بالجزية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا أن النبي ﷺ دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء، وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهودياً، وأكذبهم الله ونفاهم منه فقال ﴿ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم... ﴾ [ آل عمران : ٦٥ ] الآية ».
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال « ذكر لنا أن النبي ﷺ دعا اليهود إلى الكلمة السواء ».
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا... ﴾ الآية قال : فدعاهم إلى النصف وقطع عنهم الحجة. يعني وفد نجران.
وأخرج عن السدي قال « ثم دعاهم رسول الله ﷺ، يعني الوفد من نصارى نجران فقال :﴿ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ﴿ تعالوا إلى كلمة سواء ﴾ قال : عدل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع. مثله.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ سواء بيننا وبينكم ﴾ قال : عدل. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول الشاعر :
تلاقينا تعاصينا سواء ولكن حم عن حال بحال
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كلمة السواء لا إله إلا الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد ﴿ تعالوا إلى كلمة سواء ﴾ قال : لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ﴾ قال : لا يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله ويقال : إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ﴿ ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً ﴾ قال : سجود بعضهم لبعض.
أخرج ابن اسحق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال :« اجتمعت نصارى نجران، وأحبار يهود، عند رسول الله ﷺ، فتنازعوا عنده فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانياً. فأنزل الله فيهم ﴿ يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ﴾ إلى قوله ﴿ والله ولي المؤمنين ﴾ فقال أبو رافع القرظي : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران : أذلك تريد يا محمد؟ فقال رسول الله ﷺ : معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره. ما بذلك بعثني، ولا أمرني. فأنزل الله في ذلك من قولهما ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ﴾ [ آل عمران : ٧٩ ] إلى قوله ﴿ بعد إذ أنتم مسلمون ﴾ ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ﴾ [ آل عمران : ٨١ ] إلى قوله ﴿ من الشاهدين ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال « ذكر النبي ﷺ دعا يهود أهل المدينة، وهم الذين حاجوا في إبراهيم، وزعموا أنه مات يهودياً. فأكذبهم الله وتفاهم منه فقال ﴿ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ﴾ وتزعمون أنه كان يهودياً أونصرانياً ﴿ وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ﴾ فكانت اليهودية بعد التوراة، وكانت النصرانية بعد الإنجيل ﴿ أفلا تعقلون ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ﴾ قال : اليهود والنصارى برأه الله منهم حين ادعى كل أمة منهم، وألحق به المؤمنين من كان من أهل الحنيفية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ﴿ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ﴾ قالت النصارى : كان نصرانياً. وقالت اليهود : كان يهودياً. فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل إنما أنزلتا من بعده، وبعده كانت اليهودية والنصرانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية ﴿ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ﴾ يقول : فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم ﴿ فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ﴾ يقول : فيما لم تشهدوا ولم تروا تعاينوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أُمروا به، وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : يعذر من حاج بعلم، ولا يعذر من حاج بالجهل.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : قالت اليهود : إبراهيم على ديننا. وقال النصارى : هو على ديننا. فأنزل الله ﴿ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً... ﴾ الآية. فأكذبهم وأدحض حجتهم.
وأخرج عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : قال كعب وأصحابه ونفر من النصارى : إن إبراهيم منا، وموسى منا، والأنبياء منا. فقال الله ﴿ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ﴾.
وأخرج ابن جرير عن سالم بن عبدالله لا أراه إلا يحدثه عن أبيه : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينه وقال : إني لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم؟ فقال له اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ قال : ما أعلمه الا أن تكون حنيفاً. قال : وما الحنيف؟ قال : دين إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، وكان لا يعبد إلا الله. فخرج من عنده فلقي عالماً من النصارى فسأله عن دينه؟ فقال : إنّي لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم؟ قال : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال : لا أحتمل من لعنة الله شيئاً، ولا من غضب الله شيئاً أبداً فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ فقال له نحو ما قاله اليهودي : لا أعلمه إلا أن تكون حنيفاً. فخرج من عندهم وقد رضي بالذي أخبراه، والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم. فلم يزل رافعاً يديه ألى الله وقال : اللهم إني أشهدك اني على دين إبراهيم.
أخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم. أنه لما خرج أصحاب النبي ﷺ إلى النجاشي أدركهم عمرو بن العاص، وعمارة بن أبي معيط، فأرادوا عنتهم والبغي عليهم، فقدموا على النجاشي وأخبروه أن هؤلاء الرهط الذين قدموا عليك من أهل مكة إنما يريدون أن يخبلوا عليك ملكك، ويفسدوا عليك أرضك، ويشتموا ربك. فأرسل إليهم النجاشي فلما أن أتوه قال : ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان؟ لعمرو بن العاص، وعمارة بن أبي معيط، يزعمان أنما جئتم لتخبلوا عليَّ ملكي، وتفسدوا علي أرضي. فقال عثمان بن مظعون، وحمزة : إن شئتم فخلوا بين أحدنا وبين النجاشي فلنكلمه فانا أَحْدَثَكُمْ سناً، فإن كان صواباً فالله يأتي به، وإن كان أمراً غير ذلك قلتم رجل شاب لكم في ذلك عذر. فجمع النجاشي قسيسيه ورهبانه وتراجمته، ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم، وما يأمركم به، وما ينهاكم عنه. هل له كتاب يقرأه؟ قالوا : نعم. هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله عليه، وما قد سمع منه، وهو يأمر بالمعروف، ويأمر بحسن المجاورة، ويأمر باليتيم، ويأمر بأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه إله أخر. فقرأ عليه سورة الروم، وسورة العنكبوت، وأصحاب الكهف، ومريم. فلما ان ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم فقال : والله إنهم ليشتمون عيسى ويسبونه قال النجاشي : ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال : يقول ان عيسى عبدالله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم. فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذي العين، فحلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم ما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه، فابشروا ولا تخافوا فلا دهونة يعني بلسان الحبشة اليوم على حزب إبراهيم قال عمرو بن العاص : ما حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن اتبعهم. فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله ﷺ وهو بالمدينة ﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود « أن رسول الله ﷺ قال : إن لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي ثم قرأ ﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ﴾ ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء « أن رسول الله ﷺ قال : يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي المتقون، فكونوا أنتم بسبيل ذلك، فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال، وتلقوني بالدنيا تحولنها فأصدُّ عنكم بوجهي. ثم قرأ عليهم هذه الآية ﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ﴾ ».
358
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس ﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ﴾ قال : هم المؤمنون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ﴾ يقول الذين اتبعوه على ملته، وسنته، ومنهاجه، وفطرته، ﴿ وهذا النبي ﴾ وهو نبي الله محمد ﷺ ﴿ والذين آمنوا معه ﴾ وهم المؤمنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : كل مؤمن ولي لإبراهيم ممن مضى وممن بقي.
وأخرج أحمد وابن أبي داود في البعث وابن أبي الدنيا في العزاء والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ».
359
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان قال : كل شيء في آل عمران من ذكر اهل الكتاب فهو في النصارى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ﴾ قال : تشهدون أن نعت نبي الله محمد ﷺ في كتابكم ثم تكفرون به، وتنكرونه، ولا تؤمنون به، وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. النبي الأمي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله ﴾ قال : محمد ﴿ وأنتم تشهدون ﴾ قال : تشهدون أنه الحق تجدونه مكتوباً عندكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ﴿ لم تكفرون بآيات الله ﴾ قال : بالحجج ﴿ وأنتم تشهدون ﴾ ان القرآن حق، وأن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج ﴿ لمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ﴾ على أن الدين عند الله الإسلام، ليس لله دين غيره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ لمَ تلبسون الحق بالباطل ﴾ يقول : لمَ تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام ﴿ وتكتمون الحق ﴾ يقول : تكتمون شأن محمد ﷺ وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. مثله.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عبدالله بن الضيف، وعدي بن زيد، والحرث بن عوف، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم. فأنزل الله فيهم ﴿ يا أهل الكتاب لمَ تلبسون الحق بالباطل ﴾ إلى قوله ﴿ والله واسع عليم ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك قال : قالت اليهود بعضهم لبعض : آمنوا معهم بما يقولون أول النهار وارتدوا آخره لعلهم يرجعون معكم. فاطلع الله على سرهم، فأنزل الله تعالى ﴿ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ وقالت طائفة من أهل الكتاب ﴾ الآية. قال : كان أحبار قرى عربية إثنى عشر حبراً فقالوا لبعضهم : أدخلوا في دين محمد أول النهار وقولوا : نشهد أن محمداً حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا، وقولوا : إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا : أن محمداً كاذب، وإنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم لعلهم يشكون فيقولون : هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم! فأخبر الله رسوله بذلك.
360
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عت ابن عباس في قوله ﴿ وقالت طائفة... ﴾ الآية. قال : أن طائفة من اليهود قالت : إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا لعلهم ينقلبون عن دينهم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله ﴿ وقالت طائفة... ﴾ الآية. قال : كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم، فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ﴾ يهود تقوله، صلت مع محمد صلاة الفجر، وكفروا آخر النهار مكراً منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد إذ كانوا اتبعوه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ﴿ وجه النهار ﴾ قالا : أول النهار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ﴿ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ﴾ قال : هذا قول بعضهم لبعض.
وأخرج ابن جرير عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير عن السدي ﴿ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ﴾ قال : لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كانت اليهود تقول أحبارها للذين من دينهم : ائتوا محمداً وأصحابه أول النهار فقولوا نحن على دينكم، فإذا كان بالعشي فأتوهم فقولوا لهم : إنا كفرنا بدينكم ونحن على ديننا الأول، إنا قد سألنا علماءنا فأخبرونا أنكم لستم على شيء. وقالوا لعل المسلمين يرجعون إلى دينكم فيكفرون بمحمد ﴿ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ﴾ فأنزل الله ﴿ قل إن الهدى هدى الله ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴾ حسداً من يهود أن تكون النبوّة في غيرهم، وإرادة أن يتابعوا على دينهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير ﴿ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴾ قالا : أمة محمد ﷺ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد ﴿ قل إن الهدى هدى الله ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قال الله لمحمد ﴿ قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴾ يا أمة محمد ﴿ أو يحاجوكم عند ربكم ﴾ يقول اليهود : فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى، فإن الذي أعطاكم أفضل فقولوا ﴿ إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ﴾.
361
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ﴿ قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴾ يقول : لما أنزل الله كتاباً مثل كتابكم، وبعث نبياً كنبيكم حسدتموه على ذلك ﴿ قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ﴿ قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴾ يقول : هذا الأمر الذي أنتم عليه مثل ما أوتيتم ﴿ أو يحاجُّوكم عند ربكم ﴾ قال : قال بعضهم لبعض : لا تخبروهم بما بينَّ الله لكم في كتابه ﴿ ليحاجُّوكم ﴾ قال : ليخاصموكم به ربكم، فتكون لهم حجة عليكم ﴿ قل إن الفضل بيد الله ﴾ قال : الإسلام ﴿ يختص برحمته من يشاء ﴾ قال : القرآن والإسلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ يختص برحمته من يشاء ﴾ قال : النبوّة يختص بها من يشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ يختص برحمته من يشاء ﴾ قال : رحمته الإسلام. يختص بها من يشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ ذو الفضل العظيم ﴾ يعني الوافر.
362
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ﴿ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ﴾ قال : هذا من النصارى ﴿ ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤدِّه إليك ﴾ قال : هذا من اليهود ﴿ إلا ما دمت عليه قائماً ﴾ قال : إلا ما طلبته واتبعته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدِّه إليك ﴾ قال : كانت تكون ديون لأصحاب محمد عليهم فقالوا : ليس علينا سبيل في أموال أصحاب محمد إن أمسكناها. وهم أهل الكتاب أمروا أن يؤدوا إلى كل مسلم عهده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك ين دينار قال : إنما سمي الدينار لأنه دين، ونار، قال : معناه أن من أخذه بحقه فهو دينه، ومن أخذ بغير حقه فله النار.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الدرهم لمَ سمي درهماً، وعن الدينار لمَ سمي ديناراً؟ قال : أما الدرهم فكان يسمى دارهم، وإما الدينار فضربته المجوس فسمي ديناراً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم مجاهد ﴿ إلا ما دمت عليه قائماً ﴾ قال : مواظباً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ إلا ما دمت عليه قائماً ﴾ يقول : يعترف بأمانته ما دمت عليه قائماً على رأسه، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافرك الذي يؤدي والذي يجحد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ﴾ قال قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : يقال له ما بالك لا يؤدي أمانتك؟؟ فيقول : ليس علينا حرج في أموال العرب، قد أحلَّها الله لنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابي أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال « لما نزلت ﴿ ومن أهل الكتاب ﴾ إلى قوله ﴿ ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ﴾ قال النبي ﷺ : كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤدَّاة إلى البر والفاجر ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صعصعة. أنه سأل ابن عباس فقال : إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة. قال ابن عباس : فتقولون ماذا؟ قال : نقول ليس علينا في ذلك من بأس. قال : هذا كما قال أهل الكتاب ﴿ ليس علينا في الأميين سبيل ﴾ إنهم أدُّوا الجزية لم تحلَّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال : بايع اليهودَ رجالٌ من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم فقالوا : ليس علينا أمانة، ولا قضاء لكم عندنا لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فقال الله ﴿ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ﴾.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس ﴿ بلى من أوفى بعهده واتقى ﴾ يقول : اتقى الشرك ﴿ فإن الله يحب المتقين ﴾ يقول الذين يتقون الشرك.
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال « قال رسول الله ﷺ : من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان. فقال الأشعث بن قيس : فيَّ والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته النبي ﷺ فقال لي رسول الله ﷺ : ألك بيَّنة... ؟ قلت : لا. فقال لليهودي : احلف... فقلت : يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي. فأنزل الله ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾ إلى آخر الآية ».
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن المنذر أبي حاتم عن عبد الله بن أبي أوفى. أن رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين. فنزلت هذه الآية ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً... ﴾ إلى آخر الأية.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن عدي بن بحيرة قال « كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى النبي ﷺ فقال للحضرمي : بينتك وإلا فيمينة قال : يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله ﷺ : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه لقي الله وهو عليه غضبان. فقال امرؤ القيس : يا رسول الله فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق؟ قال : الجنة... فقال : أشهدك إني قد تركتها. فنزلت هذه الآية ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾ » إلى آخر الآية. لفظ ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج « أن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله ﷺ في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها في الجاهلية فقال رسول الله ﷺ أقم بينتك قال الرجل : ليس يشهد لي أحد على الأشعث قال : فلك يمينه فقال الأشعث : نحلف. فأنزل الله ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله... ﴾ الآية. فنكل الأشعث وقال : إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق، فرد إليه أرضه، وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة ».
وأخرج ابن جرير عن الشعبي، أن رجلاً أقام سلعته من أول النهار، فلما كان آخره جاء رجل يساومه، فحلف لقد منعها أول النهار من كذا، ولولا المساء ما باعها به.
364
فأنزل الله ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد. نحوه.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾ في أبي رافع، وكنانة بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق ابن عون عن إبراهيم ومحمد والحسن في قوله ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾ قالوا : هو الرجل يقتطع مال الرجل بيمينه.
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال « جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي ﷺ فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. قال الكندي : هي أرض كانت في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي ﷺ للحضرمي : ألك بينة؟ قال : لا. قال : فلك يمينه فقال : يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع عن شيء فقال : ليس لك منه إلا ذلك، فانطلق ليحلف فقال رسول الله ﷺ لما أدبر : لئن حلف على مال ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض ».
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن الأشعث بن قيس « أن رجلاً من كندة، وآخر من حضرموت، اختصما إلى رسول الله صلى عليه وسلم في أرض من اليمن فقال الحضرمي : يا رسول الله إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده فقال : هل لك بينة؟ قال : لا. ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه. فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله ﷺ : لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم فقال الكندي : هي أرضه ».
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني بسند حسن عن أبي موسى قال « اختصم رجلان إلى النبي ﷺ في أرض أحدهما من حضرموت، فجعل يمين أحدهما فضج الآخر وقال : إذن يذهب بأرضي فقال : إن هو اقتطعها بيمينه ظلماً كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، قال : وروع الآخر فردها ».
وأخرج أحمد بن منيع في مسنده والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : كنا نعد من الذنب الذي ليس كفارة اليمين الغموس قيل : وما اليمين الغموس؟ فقال : الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل.
وأخرج ابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن الحرث بن البرصاء : سمعت رسول الله ﷺ في الحج بين الجمرتين وهو يقول :« من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوّأ مقعده من النار. ليبلِّغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثاً ».
365
وأخرج البزار عن عبد الرحمن بن عوف « أن النبي ﷺ قال : اليمين الفاجرة تذهب بالمال ».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : ليس مما عُصِيَ الله به هو أعجل عقاباً من البغي، وما من شيء أُطيع الله فيه أسرع ثواباً من الصلة. واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ».
وأخرج الحرث بن أبي أسامة والحاكم وصححه عن كعب بن مالك « سمعت رسول الله ﷺ يقول : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين مسلم كاذبة كانت نكتة سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة ».
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جابر بن عتيك قال « قال رسول الله ﷺ : من اقتطع مال مسلم بيمينه حرَّم عليه الجنة وأوجب له النار. فقيل : يا رسول الله وإن شيئاً يسيراً؟ قال : وإن سواكاً ».
وأخرج مالك وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي « أن رسول الله ﷺ قال : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة. قالوا : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك ثلاثاً ».
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطبة إلا وجبت له النار ».
وأخرج ابن ماجة وابن حبان عن جابر بن عبد الله قال « قال رسول الله ﷺ : من حلف على يمين آثمة عند منبري هذا فليتبوّأ مقعده من النار. ولو على سواك أخضر » قال أبو عبيد والخطابي : كانت اليمين على عهده ﷺ عند المنبر.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ يقول : إن اليمين الكاذبة تنفق السلعة وتمحق الكسب ».
وأخرج عبد الرزاق عن أبي سويد قال :« سمعت رسول الله ﷺ يقول : إن اليمين الفاجرة تعقم الرحم، وتقل العدد، وتدع الديار بلاقع ».
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم : رجل حلف يميناً على مال مسلم فاقتطعه، ورجل حلف على يمين بعد العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل منع فضل ماء فإذن الله سبحانه يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ».
366
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه عن عمران بن حصين، أنه كان يقول : من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه فليتبوّأ مقعدة من النار. فقال له قائل : شيء سمعته من رسول الله ﷺ ؟ قال لهم : إنكم لتجدون ذلك ثم قرأ ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ﴾ الآية.
وأخرج البخاري عن ابن أبي مليكة، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفاء في كفها فادعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عباس فقال ابن عباس « قال رسول الله ﷺ : لو يُعطي الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله، واقروا عليها ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله... ﴾ الآية. فذكروها فاعترفت ».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن المنذر عن سعيد بن المسيب قال : إن اليمين الفاجرة من الكبائر. ثم تلا ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : كنا نرى ونحن مع رسول الله ﷺ أن من الذنب الذي لا يغفر يمين فجر فيها صاحبها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : من قرأ القرآن يتأكل الناس به أتى الله يوم القيامة ووجهه بين كتفيه، وذلك بأن الله يقول ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن زاذان قال : من قرأ القرآن يأخذ به جاء يوم القيامة ووجهه عظم عليه لحم.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي ذر قال « قال رسول الله ﷺ : ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان ».
وأخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم : رجل منِّع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً فصدَّقه فاشتراها بقوله، ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يَفِ له ».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمان :« قال رسول الله ﷺ : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم : أشمط زانٍ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله له بضاعة فلا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه ».
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظمك ربنا! فيرد عليه ما علم ذلك من حلف بي كاذباً. ».
367
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب ﴾ قال : هم اليهود كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ يلوون ألسنتهم بالكتاب ﴾ قال : يحرِّفونه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : إن التوراة والإنجيل كنا أنزلهما الله لم يغير منهما حرف، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ﴿ ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ﴾ فأما كتب الله فهي محفوظة لا تحوّل.
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال « قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله ﷺ، ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس : أوَ ذاك تريد منا يا محمد؟ فقال رسول الله ﷺ : معاذ الله... ! أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره. ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني. فأنزل الله في ذلك من قولهما ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ﴾ إلى قوله ﴿ بعد إذ أنتم مسلمون ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم بتحريفهم كتاب الله عن موضعه. فقال الله ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ﴾ ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال « بلغني أن رجلاً قال : يا رسول الله نسلِّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال : لا. ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله، فانه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله. فأنزل الله ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ﴾ إلى قوله ﴿ بعد إذ أنتم مسلمون ﴾ ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ﴿ ربانيين ﴾ قال : فقهاء معلمين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ﴿ ربانيين ﴾ قال : حلماء علماء حكماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طريق الضحاك عن ابن عباس ﴿ ربانيين ﴾ قال : علماء فقهاء.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ ربانيين ﴾ قال : حكماء فقهاء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود ﴿ ربانيين ﴾ قال : حكماء علماء.
وأخرج ابي جرير عن مجاهد قال ﴿ الربانيون ﴾ الفقهاء العلماء. وهم فوق الأحبار.
وأخرج عن سعيد بن جبير ﴿ ربانيين ﴾ قال : حكماء أتقياء.
وأخرج ابن جرير عن ابي زيد قال « الربانيون » الذين يربون الناس ولاة هذا الأمر. يلونهم، وقرأ ﴿ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ﴾ [ المائدة : ٦٣ ] قال ( الربانيون ) الولاة ( والأحبار ) العلماء.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب ﴾ قال : حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً.
وأخرج ابن المنذر عن ابق عباس أنه كان يقرأ ﴿ بما كنتم تعلمون ﴾.
369
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ بما كنتم تعلمون ﴾ مثقلة برفع التاء وكسر اللام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، أنه قرأ ﴿ بما كنتم تعلمون الكتاب ﴾ خفيفة بيصب التاء قال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بكر قال : كان عاصم يقرؤها ﴿ بما كنتم تعلمون الكتاب ﴾ مثقلة برفع التاء وكسر اللام. قال : القرآن ﴿ وبما كنتم تدرسون ﴾ قال : الفقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : لا يعذر أحد حر، ولا عبد، ولا رجل، ولا امرأة؛ لا يتعلم من القرآن جهده ما بلغ منه فإن الله يقول :﴿ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ﴾ يقول : كونوا فقهاء، كونوا علماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله ﴿ وبما كنتم تدرسون ﴾ قال : مذاكرة الفقه، كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ﴿ ولا يأمركم أن تتخذوا ﴾ قال : ولا يأمركم النبي.
370
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ﴾ قال : هي خطأ من الكتاب. وهي قراءة ابن مسعود ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ﴾.
وأخرج ابن جرير عي الربيع أنه قرأ ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ﴾ قال : وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب. قال الربيع : ألا ترى أنه يقول ﴿ ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ﴾ يقول : لتؤمنن بمحمد ﷺ، ولتنصرنه. قال : هم أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرؤون ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة ﴾ ونحن نقرأ ﴿ ميثاق النبيين ﴾ فقال ابن عباس : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية قال : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن طاوس في الآية قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن، وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لم يبعث الله نبياً؛ آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن بعث وهو حي ليؤمنن به، ولينصرنه. ويأمره فيأخذ العهد على قومه. ثم تلا ﴿ وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة... ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابي جرير عن قتادة في الآية قال : هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، وأن يبلِّغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، ويصدقوه، وينصروه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : لم يبعث الله نبياً قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه؛ ليؤمنن بمحمد، ولينصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء.
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال : أخذ الله ميثاق النبيين ليبلغن آخركم أوّلكم، ولا تختلفوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم يعني على أهل الكتاب وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه يعني بتصديق محمد ﷺ إذ جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم.
371
وأخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال « جاء عمر إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إني قد مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغير وجه رسول الله ﷺ فقال عمر : رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً. فسري عن رسول الله ﷺ وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم. إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين ».
وأخرج أبو يعلى عن جابر قال :« قال رسول الله ﷺ : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إنكم أما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وأنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ».
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ ﴿ لما آتيتكم ﴾ ثقل لما.
وأخرج عن عاصم أنه قرأ ﴿ لما ﴾ مخففة ﴿ آتيتكم ﴾ بالتاء على واحدة يعني أعطيتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ إصري ﴾ قال : عهدي.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله ﴿ قال فاشهدوا ﴾ يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك ﴿ وأنا معكم من الشاهدين ﴾ عليكم وعليهم ﴿ فمن تولى ﴾ عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم ﴿ فأولئك هم الفاسقون ﴾ هم العاصون في الكفر.
372
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس « عن النبي ﷺ ﴿ وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ﴾ أما من في السموات فالملائكة، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأما كرهاً فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون ».
وأخرج الديلمي عن أنس قال « قال رسول الله ﷺ في قوله ﴿ وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ﴾ قال : الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض ».
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس ﴿ وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ﴾ قال : حين أخذ الميثاق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال : عبادتهم لي أجمعين ﴿ طوعاً وكرهاً ﴾ وهو قوله ﴿ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ﴾ [ الرعد : ١٥ ].
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس ﴿ وله أسلم من في السماوات ﴾ قال : هذه مفصولة ﴿ ومن في الأرض طوعاً وكرهاً ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿ وله أسلم ﴾ قال : المعرفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هو كقوله ﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ] فذلك إسلامهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : كل آدمي أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده. فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهاً، ومن أخلص لله العبودية فهو الذي أسلم طوعاً.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : أكره أقوام على الإسلام، وجاء أقوام طائعين.
وأخرج عن مطر الوراق في الآية قال : الملائكة طوعاً، والأنصار طوعاً، وبنو سليم وعبد القيس طوعاً، والناس كلهم كرهاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله، فلم ينفعه ذلك، ولم يقبل منهم ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ﴾ [ غافر : ٨٥ ].
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : في السماء الملائكة طوعاً، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعاً.
وأخرج عن الشعبي ﴿ وله أسلم من في السماوات ﴾ قال : استقادتهم له.
وأخرج عن أبي سنان ﴿ وله أسلم من في السماوات والأرض ﴾ قال : المعرفة. ليس أحد تسأله إلا عرفه.
وأخرج عن عكرمة في قوله ﴿ وكرهاً ﴾ قال : من أسلم من مشركي العرب والسبايا : ومن دخل في الإسلام كرهاً.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه ﴿ أفغير دين الله يبغون ﴾ ».
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن يونس بن عبيد قال : ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها ﴿ أفغير دين الله يبغون وله أسلم ﴾ الآية. إلا ذلت له بإذن الله تعالى.
أخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : تجئ الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول : يا رب أنا الصلاة فيقول : إنك على خير، وتجيء الصدقة فتقول : يا رب أنا الصدقة فيقول : إنك على خير، ثم يجيء الصيام فيقول : أنا الصيام فيقول إنك على خير، ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله : إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب أنت السلام، وأنا الإسلام فيقول الله : إنك على خير. بك اليوم آخذ، وبك أعطي » قال الله في كتابه ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾.
أخرج النسائي وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار فأسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثم ندم فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله ﷺ، هل لي من توبة؟ فنزلت ﴿ كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ﴾ إلى قوله ﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ فأرسل إليه قومه فأسلم.
وأخرج عبد الرزاق ومسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر والباوردي في معرفة الصحابة قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي ﷺ، ثم كفر فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه القرآن ﴿ كيف يهدي الله قوماً كفروا ﴾ إلى قوله ﴿ رحيم ﴾ فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق، وأن رسول الله ﷺ لأصدق منك، وأن الله تعالى لأصدق الثلاثة. فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي في قوله ﴿ كيف يهدي الله قوماً ﴾ الآية قال : أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، كفر بعد إيمانه. فأنزلت فيه هذه الآيات، ثم نزلت ﴿ إلا الذين تابوا... ﴾ الآية. فتاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد في قوله ﴿ كيف يهدي الله قوماً... ﴾ الآية. قال : نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه فجاء الشام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد في الآية قال : هو رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه قال : قال ابن جريج، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال : لحق بأرض الروم فتنصَّر، ثم كتب إلى قومه : أرسلوا هل لي من توبة؟ فنزلت ﴿ إلا الذين تابوا ﴾ فآمن ثم رجع. قال ابن جريج : قال عكرمة : نزلت في أبي عامر الراهب، والحارث بن سويد بن الصامت، ووحوح بن الأسلت، في اثني عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش. ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟! فنزلت ﴿ إلا الذين تابوا من بعد ذلك... ﴾ الآيات.
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن ابن عباس، أن الحارث بن سويد قتل المجدر بن زياد، وقْيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد، ثم لحق بقريش فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه. فأنزل الله فيه ﴿ كيف يهدي الله قوماً ﴾ إلى آخر القصة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن الحرث بن سويد بايع رسول الله ﷺ، ثم لحق بأهل مكة، وشهد أحداً فقاتل المسلمين، ثم سقط في يده فرجع إلى مكة، فكتب إلى أخيه جلاس بن سويد يا أخي إني ندمت على ما كان مني، فأتوب إلى الله وأرجع إلى الإسلام؟ فاذكر ذلك لرسول الله ﷺ، فإن طمعت لي في توبة فاكتب إليَّ.
375
فذكر لرسول الله ﷺ. فأنزل الله ﴿ كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ﴾ فقال قوم من أصحابه ممن كان عليه يتمنع ثم يراجع الإسلام. فأنزل الله ﴿ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ﴾ قال : هم أهل الكتاب عرفوا محمداً ثم كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في الآية قال : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت محمد في كتابهم، وأقرُّوا به، وشهدوا أنه حق. فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، فأنكروه وكفروا بعد اقرارهم حسداً للعرب حين بعث من غيرهم.
376
أخرج البزار عن ابن عباس. أن قوماً أسلموا، ثم ارتدوا، ثم أسلموا، ثم ارتدوا. فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم. فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ. فنزلت هذه الآية ﴿ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً... ﴾ الآية. هذا خطأ من البزار.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : اليهود والنصارى، لن تقبل توبتهم عند الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم اليهود، كفروا بالإنجيل وعيسى، ثم ازدادوا كفراً بمحمد ﷺ والقرآن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : إنها نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم، ولكنهم على ضلالة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ﴿ لن تقبل توبتهم ﴾ قال : تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الأصل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ ثم ازدادوا كفراً ﴾ قال : تموا على كفرهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ﴿ ثم ازدادوا كفراً ﴾ قال : ماتوا وهم كفار ﴿ لن تقبل توبتهم ﴾ قال : إذا تاب عند موته لم تقبل توبته.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ﴾ قال : هو كل كافر.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس عن النبي ﷺ قال « يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به؟ فيقول : نعم. فيقال : لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك » فذلك قوله تعالى ﴿ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار... ﴾ الآية. لفظ ابن جرير.
أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال « كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي ﷺ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ قال أبو طلحة : يا رسول الله ان الله يقول ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ وان أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله ﷺ : بخ ذاك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ».
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير عن أنس قال « لما نزلت هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ قال أبو طلحة : يا رسول الله إن الله يسألنا من أموالنا، أشهد أني قد جعلت بأريحا لله. فقال رسول الله ﷺ اجعلها في قرابتك. فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب ».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أنس قال « لما نزلت هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ أو هذه الآية ﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ﴾ قال أبو طلحة : يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صدقة، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال رسول الله ﷺ : اجعله في فقراء أهلك ».
وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال : حضرتني هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاً أحب إليَّ من مرجانة جارية لي رومية، فقلت هي حرة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها. فأنكحها نافعاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب، إنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء. فدعا بها عمر فقال : إن الله يقول ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ فأعتقها عمر.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال « لما نزلت هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها شبلة لم يكن له مال أحب إليه منها فقال : هي صدقة. فقبلها رسول الله ﷺ، وحمل عليها ابنه أسامة، فرأى رسول الله ﷺ ذلك في وجه زيد فقال : إن الله قد قبلها منك ».
379
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن دينار. مثله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن أيوب وغيره « أنها حين نزلت ﴿ لن تنالوا البر... ﴾ الآية. جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال : يا رسول الله هذا في سبيل الله، فحمل عليها رسول الله ﷺ اسامة بن زيد، فكأن زيداً وجد في نفسه. فلما رأى ذلك منه النبي ﷺ قال أما إن الله قد قبلها ».
وأخرج عبد بن حميد عن ثابت بن الحجاج قال « بلغني أنه لما نزلت هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ قال زيد : اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه فتصدق بها على المساكين، فأقاموها تباع وكانت تعجبه. فسأل النبي ﷺ فنهاه أن يشتريها ».
وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران، أن رجلاً سأل أبا ذر أيُّ الأعمال أفضل؟ قال : الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب. فقال : يا أبا ذر لقد تركت شيئاً هو أوثق عملي في نفسي لا أراك ذكرته! قال : ما هو؟ قال : الصيام! فقال : قربة وليس هنا. وتلا هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال : جاورت أبا ذر بالربذة، وله فيها قطيع إبل. له فيها راع ضعيف فقلت : يا أبا ذر الا أكون لك صاحباً أكنف راعيك، واقتبس منك بعض ما عندك، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر : إن صاحبي من أطاعني، فأما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا. قلت : ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال : لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضل.
قال : فلبثت معه ما شاء الله، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال : ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال : يا أخا بني سليم خنتني. فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل، فاخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه : من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان : نحن... قال : اما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً منها ففعلوا.
فلما فرق اللحم دعاني فقال : ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها، أما نسيت فاعذرك؟ قلت : ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال : ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت : ما تركت إلا لذلك قال : أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي.
380
إن في المال ثلاثة شركاء : القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ وأن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
وأخرج أحمد عن عائشة قالت « أتى رسول الله ﷺ بضب فلم يأكله ولم ينهَ عنه قلت : يا رسول الله أفلا نطعمه المساكين؟ قال : لا تطعموهم مما لا تأكلون ».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طريق مجاهد عن ابن عمر، أنه لما نزلت ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ دعا بجارية له فاعتقها.
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قرأ ابن عمر وهو يصلي فأتى على هذه الآية ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ فاعتق جارية له وهو يصلي أشار إليها بيده.
وأخرج ابن المنذر عن نافع قال : كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له : لو اشتريت لهم بثمنه طعاماً كان أنفع لهم من هذا، فيقول : إني أعرف الذي تقولون ولكن سمعت الله يقول ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ﴾ وابن عمر يحب السكر.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ﴿ لن تنالوا البر ﴾ قال : الجنة.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي. مثله.
وأخرج ابن المنذر عن مسروق. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : لن تنالوا بركم حتى تنفقوا مما يعجبكم، ومما تهوون من أموالكم ﴿ وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ﴾ يقول محفوظ : ذلك لكم والله به عليم شاكر له.
381
أخرج عبد بن حميد والفريابي والبيهقي في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿ كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ﴾ قال : العرق. أخذه عرق النسا، فكان يبيت له زقاء يعني صياح، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحماً فيه عروق، فحرمته اليهود.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال : هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه؟ ان إسرائيل أخذته الأنساء فاضنته، فجعل لله عليه إن عافاه الله أن لا يأكل عرقاً أبداً. فلذلك تسل اليهود العروق فلا يأكلونها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : حرم على نفسه العروق. وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل فقال : والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد، وليس مكتوباً في التوراة « وسأل محمد ﷺ نفراً من أهل الكتاب فقال : ما شأن هذا حراماً؟ فقالوا : هو حرام علينا من قبل الكتاب فقال الله ﴿ كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل ﴾ إلى ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ ».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال « جاء اليهود فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال : كان يسكن البدو، فاشتكى عرق النسا، فلم يجد شيئاً يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها، فلذلك حرمها قالوا صدقت ».
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ﴿ إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه ﴾ قال : حرم العروق، ولحوم الإبل، كان به عرق النسا فأكل من لحومها، فبات بليلة يزقو، فحلف أن لا يأكله أبداً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي محلز في قوله ﴿ إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ﴾ قال : إن إسرائيل هو يعقوب، وكان رجلاً بطيشاً، فلقي ملكاً فعالجه، فصرعه الملك، ثم ضرب على فخذه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال : ما أنا بتاركك حتى تسميني اسماً. فسماه إسرائيل، فلم يزل يوجعه ذلك العرق حتى حرمه من كل دابة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : حرم على نفسه لحوم الأنعام.
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس، أنه كان يقول : الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد، والكليتين، والشحم، إلا ما كان على الظهر. فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار.
382
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء ﴿ إلا ما حرم إسرائيل ﴾ قال : لحوم الإبل وألبانها.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال « قالت اليهود للنبي ﷺ : نزلت التوراة، بتحريم الذي حرم إسرائيل، فقال الله لمحمد ﷺ ﴿ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ﴾ وكذبوا ليس في التوراة، وإنما لم يحرم ذلك إلا تغليظاً لمعصية بني إسرائيل بعد نزول التوراة ﴿ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ﴾ وقالت اليهود لمحمد ﷺ :» كان موسى يهودياً على ديننا، وجاءنا في التوراة تحريم الشحوم، وذي الظفر، والسبت. فقال محمد ﷺ : كذبتم لم يكن موسى يهودياً، وليس في التوراة إلا الإسلام. « يقول الله ﴿ قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ﴾ أفيه ذلك وما جاءهم بها أنبياؤهم بعد موسى، فنزلت في الألواح جملة ».
وأخرج عبد بن حميد عن عامر، أن علياً رضي الله عنه قال في رجل جعل امرأته عليه حراماً قال : حرمت عليه كما حرم إسرائيل على نفسه لحم الجمل فحرم عليه. قال مسروق : إن إسرائيل كان حرم على نفسه شيئاً كان في علم الله أن سيحرمه، إذا نزل الكتاب فوافق تحريم إسرائيل ما قد علم الله أنه سيرحمه، إذا نزل الكتاب وأنتم تعمدون إلى الشيء قد أحله الله فتحرمونه على أنفسكم ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد.
383
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علي بن أبي طالب في قوله ﴿ إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة ﴾ قال : كانت البيوت قبله، ولكنه كان أول بيت وصع لعبادة الله.
وأخرج ابن جرير عن مطر. مثله.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال ﴿ إن أول بيت وضع للناس ﴾ يُعْبَدُ الله فيه ﴿ للذي ببكة ﴾
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال « قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال : المسجد الحرام. قلت : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة وهي من الأرض، إنما كانت حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والأزرقي عن مجاهد قوله ﴿ إن أول بيت وضع للناس ﴾ كقوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ].
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : أما أول بيت فإنه يوم كانت الأرض ماء كان زبدة على الأرض، فلما خلق الله الأرض خلق البيت معها. فهو أول بيت وضع في الأرض.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال : أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال « بلغنا أن اليهود قالت : بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنها مهاجر الأنبياء، ولأنه في الأرض المقدسة. فقال المسلمون : بل الكعبة أعظم. فبلغ ذلك النبي ﷺ. فنزلت ﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ﴾ إلى قوله ﴿ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ﴾ وليس ذلك في بيت المقدس ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ وليس ذلك في بيت المقدس ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ وليس ذلك لبيت المقدس ».
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال :« قال رسول الله ﷺ : أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مهدت منها الأرض. وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال : إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجاً.
384
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال : إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها الرجال والنساء. يعني يزدحمون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير. مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد قال : إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها، وانه يحل فيها ما لا يحل في غيرها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن قتادة قال : سميت بكة لأن الله بك بها الناس جميعاً، فيصلي النساء قدام الرجال ولا يصلح ذلك ببلد غيره.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عتبة بن قيس قال : إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى. قيل : عمن تروي هذا؟ قال : عن ابن عمر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن زيد حميد بن مهاجر قال : إنما سميت بكة لأنها كانت تبك الظلمة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : البيت وما حوله بكة، وما وراء ذلك مكة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال : بكة موضع البيت، ومكة ما سوى ذلك.
وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب قال : بكة البيت والمسجد، ومكة الحرم كله.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : بكة هي مكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : مكة من الفج إلى التنعيم، وبكة من البيت إلى البطحاء.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : بكة الكعبة، ومكة ما حولها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان ﴿ مباركاً ﴾ جعل فيه الخير والبركة ﴿ وهدى للعالمين ﴾ يعني بالهدى قبلتهم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري قال : بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ثلاثة صفوح في كل صفح منها كتاب. في الصفح الأول « أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، وباركت لأهلها في اللحم واللبن. وفي الصفح الثاني أنا الله ذو بكة خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته. وفي الثالث أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر، فطوبى لمن كان الخير على يديه، وويل لمن كان الشر على يديه ».
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : وجد في المقام كتاب فيه : هذا بيت الله الحرام بكة توكل الله برزق أهله من ثلاثة سبل، يبارك لأهلها في اللحم، والماء، واللبن، لا يحله أول من أهله، ووجد في حجر من الحجر كتاب من خلقة الحجر « أنا الله ذو بكة الحرام صغتها يوم صغت الشمس والقمر، وخففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشابها، مبارك لأهلها في اللحم والماء ».
385
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد والضحاك. نحوه.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن ابن عباس وأبي هريرة قالا : قال رسول الله ﷺ :« خلق الله مكة فوضعها على المكروهات والدرجات » قيل لسعيد ببن جبير : ما الدرجات؟ قال : الدرجات الجنة.
وأخرج الأزرقي والجندي عن عائشة قالت : ما رأيت السماء في موضع أقرب منها إلى الأرض من مكة.
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن كثير رفعه إلى النبي ﷺ « المقام بمكة سعادة، وخروج منها شقوة ».
وأخرج الأزرقي والجندي والبيهقي في الشعب وضعفه عن ابن عباس قال :« قال رسول الله ﷺ : من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة، وكتب له كل يوم حسنة، وكل ليلة حسنة، وكل يوم عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله، وله بكل يوم دعوة مستجابة ».
وأخرج الأزرقي والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله ﷺ : قال : هذا البيت دعامة الإسلام من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله ان قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده أن يرده بأجر أو غنيمة ».
وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال :« قال رسول الله ﷺ : الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام ».
وأخرج البزار وابن خزيمة والطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال :« قال رسول الله ﷺ : فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة ».
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال :« قال رسول الله ﷺ : صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ».
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر :
386
« أن رسول الله ﷺ قال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ».
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وابن عدي والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله بن الزبير قال :« قال رسول الله ﷺ : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا » قيل لعطاء : هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال : لا. بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد.
وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر :« أن رسول الله ﷺ قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة :« أن رسول الله ﷺ قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ».
وأخرج البزار عن عائشة قالت :« قال رسول الله ﷺ : أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن يزار، وتشد إليه الرواحل : المسجد الحرام، ومسجدي. صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ».
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وابن منيع والروياني وابن خزيمة والطبراني عن جبير بن مطعم قال :« قال رسول الله ﷺ : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ».
387
أخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ « فيه آية بينة مقام إبراهيم ».
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ « فيه آيات بينة ».
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود ﴿ فيه آيات بينات ﴾ على الجمع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ فيه آيات بينات ﴾ منهن مقام إبراهيم، والمشعر.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة في الآية قالا : مقام إبراهيم من الآيات البينات.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ﴿ فيه آيات بينات ﴾ قال :﴿ مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد ﴿ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ﴾ قال : أثر قدميه في المقام آية بينة ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ قال : هذا شيء آخر.
وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم ﴿ فيه آيات بينات ﴾ قال : الآيات البينات هنَّ مقام إبراهيم ﴿ ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت ﴾ وقال ﴿ يأتين من كل فج عميق ﴾ [ الحج : ٢٧ ].
وأخرج ابن الأنباري عن الكلبي ﴿ فيه آيات بينات ﴾ قال ﴿ الآيات ﴾ الكعبة، والصفا، والمروة، ومقام إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ قال : هذا كان في الجاهلية، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى حرم الله لم يتناول ولم يطلب، فاما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله، ومن سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد، ومن قتل فيه قتل.
وأخرج الأزرقي عن مجاهد. مثله.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن حويطب بن عبد العزى قال : أدركت في الجاهلية في الكعبة حلقاً أمثال لُجَمِ البُهْمِ، لا يُدخل خائف يده فيها ويهيجه أحد، فجاء خائف ذات يوم فادخل يده فيها فجاءه آخر من ورائه فاجتذبه فشلت يده، فَلقد رأيته أدرك الإسلام وأنه لأشل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال : لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ قال : من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤذي، ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يرعى. فإذا خرج أخذ بذنبه.
وأخرج ابن المنذر والأزرقي من طريق طاوس عن ابن عباس في قوله ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ قال : من قتل، أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤوى، ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه فإن قتل، أو سرق في الحل فادخل الحرم فارادوا أن يقيموا عليه ما أصاب، اخرجوه من الحرم إلى الحل فأقيم عليه، وإن قتل في الحل أو سرق، أقيم عليه في الحرم.
388
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : إذا أصاب الرجل الحد، قتل أو سرق، فدخل الحرم، لم يبايع ولم يؤْوَ حتى يتبرم فيخرج من الحرم، فيقام عليه في الحد.
وأخرج ابن المنذر عن طاوس قال : عاب ابن عباس على ابن الزبير في رجل أخذ في الحل، ثم أدخله الحرم، ثم أخرجه إلى الحل فقتله.
وأخرج عن الشعبي قال : من أحدث حدثاً ثم لجأ إلى الحرم فقد أمِنَ ولا يعرض له، وان أحدث في الحرم أقيم عليه.
وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : من أحدث حدثاً ثم استجار بالبيت فهو آمن، وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيء إلى أن يخرج، فإذا خرج أقاموا عليه الحد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق عطاء عن ابن عباس قال : من أحدث حدثاً في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يعرض له، ولم يبايع، ولم يؤوَ حتى يخرج من الحرم، فإذا خرج من الحرم أُخِذَ فأقيم عليه الحد، ومن أحدث في الحرم حدثاً أقيم عليه الحد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : لو أخذت قاتل عمر في الحرم ما هجته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال : لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أبو أبوه فلا يحركه.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي شريح العدوي قال « قام النبي ﷺ الغد من يوم الفتح فقال : إن مكة حرَّمها الله ولم يحرِّمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله ﷺ فقولوا : إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم بالأمس ».
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمرو قال « مرَّ رسول الله ﷺ بناس من قريش جلوس في ظل الكعبة، فلما انتهى إليهم سلَّم ثم قال : اعلموا أنها مسؤولة عما يعمل فيها، وإن ساكنها لا يسفك دماً، ولا يمشي بالنميمة ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾ قال : آمناً من النار.
389
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال :« قال رسول الله ﷺ : من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفوراً له ».
وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال : من مات في الحرم بعث آمناً. يقول الله ﴿ ومن دخله كان آمناً ﴾. وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر قال :« قال رسول الله ﷺ : من مات في أحد الحرمين بعث أمناً ».
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن سلمان قال : قال رسول الله ﷺ :« من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وجاء يوم القيامة من الآمنين ».
وأخرج الجندي والبيهقي عن أنس بن مالك قال :« قال رسول الله ﷺ : من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة ».
وأخرج الجندي عن محمد بن قيس بن مخرمة عن النبي ﷺ قال « من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ».
وأخرج الجندي عن ابن عمر قال : من قُبِرَ بمَكة مسلماً بُعِثَ آمناً يوم القيامة.
أما قوله تعالى :﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ الآية.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة : وابن أبي حاتم والحاكم عن علي قال « لما نزلت ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قالوا : يا رسول الله في كل عام؟ فسكت.. قالوا : يا رسول الله في كل عام؟ قال : لا. ولو قلت نعم لوجبت. فأنزل الله ﴿ لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ﴾ [ المائدة : ١٠١ ] ».
وأخرج عبد حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال :« لما نزلت ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال : حج حجة الإسلام التي عليك. ولو قلت نعم وجبت عليكم ».
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال :« خطبنا رسول الله ﷺ فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج. فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ قال : لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فتطوّع ».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال :« لما نزلت ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال رجل : يا رسول الله أفي كل عام؟ قال : والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو تركتموها لكفرتم. فذروني فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتمروه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه ».
390
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال « قام رجل إلى النبي ﷺ فقال : من الحاج يا رسول الله؟ قال : الشعث التفل. فقام آخر فقال : أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال : العج والثج. فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس « أن رسول الله ﷺ سئل عن قول الله ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ فقيل ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والدارقطني والبيهقي في سننهما عن الحسن قال « قرأ رسول الله ﷺ. ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قالوا : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أبيه عن عائشة قالت « سئل النبي ﷺ ما السبيل إلى الحج؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن مسعود عن النبي ﷺ في قوله ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال « قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلىلله عليه وسلم قال « السبيل إلى البيت : الزاد والراحله ».
وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبدالله قال « لما نزلت هذه الآية ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قام رجل فقال : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة ».
وأخرج الدارقطني عن علي عن النبي ﷺ ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال :« فسئل عن ذلك فقال :» تجد ظهر بعير «.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : الزاد والراحلة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : الزاد والبعير. وفي لفظ الراحلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في قوله ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به.
391
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال ﴿ سبيلاً ﴾ من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن الزبير ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : الاستطاعة القوة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد ﴿ من استطاع إليه سبيلاً ﴾ قال : زاداً وراحلة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير والحسن وعطاء. مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : لا تسافر امرأة مسيرة ليلة » وفي لفظ « لا تسافر المرأة بريداً إلا مع ذي محرم ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال :« سمعت النبي ﷺ يخطب يقول : لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني كنت في غزوة كذا وكذا. فقال : انطلق فحُجَّ مع امرأتك ».
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب وابن مردويه عن علي قال :« قال رسول الله ﷺ : من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ بيت الله فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك بأن الله يقول ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ »
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال « قال رسول الله ﷺ : من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال شاء يهودياً أو نصرانياً ».
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعاً مرسلاً. مثله.
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال : لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية. ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال : من مات وهو موسر لم يحج. فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عمر قال : من كان يجد وهو موسر صحيح لم يحج كان سماه بين عينيه كافراً. ثم تلا هذه الآية ﴿ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ ولفظ ابن أبي شيبة : من مات وهو موسر ولم يحج، جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافراً.
392
وأخرج سعيد بن منصور من طريق نافع عن ابن عمر قال : من وجد إلى الحج سبيلاً سنة، ثم مات ولم يحج لم يصل عليه؛ لا يدري مات يهودياً، أو نصرانياً.
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال : لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : لو أن الناس تركوا الحج عاماً واحداً لا يحج أحد ما نوظروا بعده.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ومن كفر ﴾ قال : من زعم أنه ليس بفرض عليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : من كفر بالحج فلم ير حجه براً، ولا تركه مأثماً.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال « لما نزلت ﴿ ومن يبتغ غيرالإسلام ديناً... ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ] الآية. قالت اليهود : فنحن مسلمون. فقال لهم النبي ﷺ. إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا : لم يكتب علينا. وأبوا أن يحجوا قال الله ﴿ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : لما نزلت ﴿ ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً... ﴾ الآية. قالت الملل. نحن المسلمون. فأنزل الله ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ فحج المسلمون وقعد الكفار.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن مجاهد قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً ﴾ الآية. قال : أهل الملل كلهم : نحن مسلمون. فأنزل الله ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ قال : يعني على المسلمين. حج المسلمون وترك المشركون.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال « لما نزلت آية الحج ﴿ ولله على الناس جح البيت ﴾ الآية جمع رسول الله ﷺ أهل الملل؛ مشركي العرب، والنصارى، واليهود، والمجوس، والصابئين، فقال : إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت. فلم يقبله إلا المسلمون، وكفرت به خمس ملل. قالوا : لا نؤمن به، ولا نصلي إليه، ولا نستقبله. فأنزل الله ﴿ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال « قال رسول الله ﷺ ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ فقام رجل من هذيل فقال : يا رسول الله من تركه كفر؟ قال : من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك ».
393
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي ﷺ في قول الله ﴿ ومن كفر ﴾ قال « من كفر بالله واليوم الآخر ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه سئل عن قول الله ﴿ ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ﴾ ما هذا الكفر؟ قال : من كفر بالله واليوم الآخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء بن أبي رباح. في الآية قال : من كفر بالبيت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ ﴿ إن أول بيت وضع للناس ﴾ إلى قوله ﴿ سبيلاً ﴾ ثم قال : من كفر بهذه الآيات.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال : ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : لو كان لي جار موسر، ثم مات ولم يحجَّ لم أصلِّ عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ بكسر الحاء.
وأخرج عن عاصم بن أبي النجود ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ بنصب الحاء.
واخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس « أن الأقرع بن حابس سأل النبي ﷺ الحج في كل سنة. أو مرة واحدة؟ قال : لا. بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوّع ».
394
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : مر شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد. والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج. ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة. وغضب الفريقان جميعاً وقالوا : قد فعلنا. السلاح السلاح... موعدكم الظاهرة، والظاهرة الحرة. فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال :« يا معشر المسلمين الله الله... أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟! » فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوّهم لهم. فألقوا السلاح، وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله ﷺ سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع ﴿ قل يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ﴾ إلى قوله ﴿ وما الله بغافل عما تعملون ﴾ وأنزل في أوس بن قيظي، وجبار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ﴾ إلى قوله ﴿ أولئك لهم عذاب عظيم ﴾.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال : كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر، فبينما هم يوماً جلوس، ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فأتى النبي ﷺ، فذكر له ذلك فركب إليهم.
395
فنزلت ﴿ وكيف تكفرون ﴾ الآية. والآيتان بعدها.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعراً قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك فقال الآخرون : قد قال شاعرنا كذا وكذا... فاجتمعوا وأخذوا السلاح، واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب ﴾ إلى قوله ﴿ لعلكم تهتدون ﴾ فجاء النبي ﷺ حتى قام بين الصفين، فقرأهن ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله ﷺ بالقرآن أنصتوا له وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً، وجثوا يبكون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان جماع قبائل الأنصار بطنين : الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن منّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي ﷺ، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم وألَّف بينهم بالإسلام. فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان ومعهما يهودي جالس، فلم يزل يذكرهما بأيامهم والعداوة التي كانت بينهم حتى استبا ثم اقتتلا، فنادى هذا قومه وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح وصفَّ بعضهم لبعض، فجاء رسول الله ﷺ، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وهؤلاء ليسكنهم حتى رجعوا. فأنزل الله في ذلك القرآن ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري وكان بينه وبين أناس من الأنصار كلام، فمشى بينهم يهودي من قينقاع، فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا. فأنزل الله ﴿ إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ﴾ يقول : إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ لمَ تصدون عن سبيل الله ﴾ الآية. قال : كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمداً؟ قالوا : لا فصدوا الناس عنه وبغوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جرير عن قتادة في الآية يقول : لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله : أن محمداً رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة الإنجيل؟.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ﴿ يا أهل الكتاب لم تصدون ﴾ قال : هم اليهود والنصارى.
396
نهاهم أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله، ويريدون أن يعدلوا الناس إلى الضلالة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً ﴾ الآية. قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون، وحذركموهم وأنبأكم بضلالتهم، فلا تأتمنوهم على دينكم، ولا تنصحوهم على أنفسكم، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال. كيف تأتمنون قوماً كفروا بكتابهم، وقتلوا رسلهم، وتحيروا في دينهم، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله أهل التهمة والعداوة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ﴾ قال : علمان بينان : نبي الله، وكتاب الله، فأما نبي الله فمضى ﷺ. وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة. فيه حلاله، وحرامه، ومعصيته.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ ومن يعتصم بالله ﴾ قال : يؤمن بالله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال « الاعتصام بالله » الثقة به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع رفع الحديث إلى النبي ﷺ أنه قال « إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه، ومن وثق به أنجاه. قال الربيع : تصديق لك في كتاب الله ﴿ ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد من طريق الربيع عن أبي العالية قال : إن الله قضى على نفسه؛ أنه من آمن به هداه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن وثق به أنجاه، ومن دعا استجاب له بعد أن يستجيب لله. قال الربيع : وتصديق ذلك في كتاب الله ﴿ ومن يؤمن بالله يهد قلبه ﴾ [ التغابن : ١١ ]، ﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ﴾ [ الطلاق : ٣ ]، ﴿ ومن يقرض الله قرضاً حسناً يضاعفه له ﴾ ﴿ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ﴾، ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].
وأخرج تمام في فوائده عن كعب بن مالك قال « قال رسول الله ﷺ : أوحى الله إلى داود : يا داود ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف منه نيته إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه، وأسخت الهواء من تحت قدميه ».
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن عمر قال :« قال رسول الله ﷺ : من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله، والأرض فراشه، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا، فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز، ولا يغرس الشجر ويأكل الثمار توكلاً على الله وطلب مرضاته، فضمن الله السموات والأرض رزقه، فهم يتعبون فيه، ويأتون به حلالاً، ويستوفي هو رزقه بغير حساب حتى أتاه اليقين »
397
قال الحاكم : صحيح. قال الذهبي : بل منكراً أو موضوع فيه عمرو بن بكر السكسكي متهم عند ابن حبان وابنه إبراهيم. قال الدارقطني : متروك.
وأخرج الحاكم وصححه عن معقل بن يسار قال :« قال رسول الله ﷺ : يقول ربكم : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا ابن أدم لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرأ، واملأ يديك شغلا ». وأخرج الحكيم الترمذي عن الزهري قال : أوحى الله إلى داود : ما من عبد يعتصم بي دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجاً، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأسخت الأرض من تحت قدميه.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال :« قال رسول الله ﷺ : من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة، ومن تشاعبت به الهموم لم يبالِ الله في أي أودية الدنيا هلك ».
398
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في الناسخ والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه من وجه آخر عن ابن مسعود قال :« قال رسول الله ﷺ ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى ».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : أن يطاع فلا يعصى، وان يذكر فلا ينسى. قال عكرمة : قال ابن عباس : فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله بعد ذلك ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ].
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ أن يطاع فلا يعصى. فلم يستطيعوا قال الله ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ فنسخت الآية الأولى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : نسختها ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه من طريق علي عن ابن عباس في قوله ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : لم تنسخ ولكن ﴿ حق تقاته ﴾ أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : لما نزلت ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ ثم نزل بعدها ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ نسخت هذه الآية التي في آل عمران.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : نسختها الآية التي في التغابن ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ﴾ وعليها بايع رسول الله ﷺ على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ قال : نزلت هذه الآية في الأوس والخزرج وكان بينهم قتال يوم بعاث قبيل مقدم النبي ﷺ، فقدم النبي ﷺ فأصلح بينهم، فأنزل هذه الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : لا يتقي اللَّهَ العبدُ حق تقاته حتى يخزن من لسانه.
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححاه والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال
399
« قال رسول الله ﷺ ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ ولو أن قطرة من الزقوم قطرت لأمرت على أهل الأرض عيشهم، فكيف ممن ليس له طعام إلا الزقوم؟ ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ وهو أن يطاع فلا يعصى، فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا ﴿ فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ قال : على الإسلام، وعلى حرمة الإسلام «.
وأخرج الخطيب عن أنس قال :»
قال رسول الله ﷺ : لا يتقي الله عبد ﴿ حق تقاته ﴾ حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه «.
400
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود في قول الله ﴿ واعتصموا بحبل الله ﴾ قال : حبل الله القرآن.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا الصراط محتضر، تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هلمَّ هذا هو الطريق ليصدوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإن حبل الله القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ :« كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي شريح الخزاعي قال :« قال رسول الله ﷺ : إن هذا القرآن سبب. طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا بعده أبداً ».
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن زيد بن أرقم قال « خطبنا رسول الله ﷺ فقال : إني تارك فيكم كتاب الله، هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة ».
وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله ﷺ :« إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله تعالى حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ».
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله ﷺ :« إني لكم فرط وإنكم واردون عليّ الحوض، فانظروا تخلفوني في الثقلين قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الأكبر كتاب الله تعالى. سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم ».
وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ :« أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أمرين. أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني من طريق الشعبي عن ابن مسعود ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ﴾ قال : حبل الله الجماعة «.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ثابت بن فطنة المزني قال : سمعت ابن مسعود يخطب وهو يقول : أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به.
401
وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك بن الوليد الحنفي. أنه لقي ابن عباس فقال : ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا، ويشتموننا، ويعتدون علينا في صدقاتنا، ألا نمنعهم؟ قال : لا. أعطهم الجماعة الجماعة، إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها، أما سمعت قول الله ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا ﴾.
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال :« قال رسول الله ﷺ : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة. ثم قال ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾ ».
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال « قال يا رسول الله ﷺ : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وأن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة. ثم قال ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾ ».
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال « قال رسول الله ﷺ : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة. ثم قال ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ﴾ ».
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ قال : أن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً. يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وإن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم : قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ».
وأخرج أحمد وأبو داود عن معاوية بن سفيان : أن رسول الله ﷺ قال :« إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على إثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة ».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر « أن رسول الله ﷺ قال : من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته ميتة جاهلية ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية ﴿ واعتصموا بحبل الله ﴾ قال : بالإخلاص لله وحده ﴿ ولا تفرقوا ﴾ يقول : لا تعادوا عليه يقول على الإخلاص وكونوا عليه إخواناً «.
402
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ واعتصموا بحبل الله ﴾ قال : بطاعته.
وأخرج عن قتادة ﴿ واعتصموا بحبل الله ﴾ قال : بعهد الله وبأمره.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ﴿ واعتصموا بحبل الله ﴾ قال : الإسلام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ﴾ يقتل بعضكم بعضاً، ويأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام، فألف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخواناً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال « لقي النبي ﷺ نفراً من الأنصار فآمنوا به وصدقوا وأراد أن يذهب معهم فقالوا : يا رسول الله إن بين قومنا حرباً، وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد. فوادوه العام المقبل فقالوا : نذهب برسول الله فلعل الله أن يصلح تلك الحرب. وكانوا يرون أنها لا تصلح وهي يوم بعاث فلقوه من العام المقبل سبعين رجلاً قد آمنوا به، فأخذ منهم النقباء إثني عشر رجلاً. فذلك حين يقول ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ﴾ وفي لفظ لابن جرير، فلما كان من أمرعائشة ما كان، فتشاور الحيان قال بعضهم لبعض : موعدكم الحرة، فخرجوا إليها. فنزلت هذه الآية ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ﴾ الآية ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ إذ كنتم أعداء ﴾ قال : ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحق قال : كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة حتى قام الإسلام، فأطفأ الله ذلك، وألف بينهم.
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال : بلغني أن هذه الآية أنزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في رجلين؛ أحدهما من الخزرج، والآخر من الأوس، اقتتلوا في الجاهلية زماناً طويلاً، فقدم النبي ﷺ المدينة، فأصلح بينهم، فجرى الحديث بينهما في المجلس، فتفاخروا واستبوا حتى أشرع بعضهم الرماح إلى بعض.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة ﴿ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ﴾ إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام، فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو أن الألفة لرحمة، وأن الفرقة لعذاب، ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول « والذي نفس محمد بيده لا يتواد رجلان في الإسلام، فيفرق بينهما من أول ذنب يحدثه أحداهما، وإن أرادهما المحدث ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال « قال رسول الله ﷺ : يا معشر الأنصار بمَ تمنون عليَّ أليس جئتكم ضلاًلاً فهداكم الله بي، وجئتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا : بلى. يا رسول الله ».
403
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ وكنتم على شفا حفرة من النار ﴾ يقول كنتم على طرف النار، من مات منكم وقع في النار. فبعث الله محمداً ﷺ، فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأ ﴿ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ﴾ قال : أنقذنا منها فأرجو أن لا يعيدنا فيها.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ﴾ قال : أنقذكم الله بمحمد ﷺ قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت عباس بن مرداس وهو يقول :
404
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقرأ ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ ويستعينون بالله على ما أصابهم. فما أدري أكانت قراءته أو فسَّر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن الأنباري عن عثمان أنه قرأ « ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون ».
وأخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال :« قرأ رسول الله ﷺ ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ﴾ ثم قال » الخير أتباع القرآن وسُنَّتي « ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام، والنهي عن المنكر فهو عبادة الشيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله ﴿ ولتكن منكم أمة ﴾ يقول : ليكن منكم قوم. يعني واحداً، أو إثنين، أو ثلاثة نفر فما فوق، ذلك أمة يقول : إماماً يقتدى به يدعون إلى الخير قال : إلى الخير قال : إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف بطاعة ربهم، وينهون عن المنكر عن معصية ربهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ﴾ قال : هم أصحاب رسول الله ﷺ خاصة. وهم الرواة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ﴾ قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ﴾ قال : أهل الكتاب. نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ﴾ قال : من اليهود والنصارى.
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ﴾ قال : نبذوها ورب الكعبة وراء ظهورهم.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية قال :« قال رسول الله ﷺ : إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على إثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ».
405
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال « قال رسول الله ﷺ : يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمة علانية كان في أمتي مثله، إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة فقيل له : ما الواحدة؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».
وأخرج الحاكم عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده :« أن رسول الله ﷺ قال : لتسلكن سنن من قبلكم. إن بني إسرائيل افترقت » الحديث.
وأخرج ابن ماجة عن عوف بن مالك قال « قال رسول الله ﷺ : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على إثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وإثنتان وسبعون في النار. قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : الجماعة ».
وأخرج أحمد عن أنس « أن رسول الله ﷺ قال : إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة، وأن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة، تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة قيل : يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال : الجماعة الجماعة ».
وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال « إثنان خير من واحد، وثلاثة خير من إثنين، وأربعة من ثلاثة، فعليكم بالجماعة فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى ».
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده « أن رسول الله ﷺ قال : ادخلوا عليَّ، ولا يدخل عليَّ إلا قرشي فقال : يا معشر قريش أنتم الولاة بعدي لهذا الدين، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾ ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ﴾، ﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ﴾ [ البينة : ٥ ] ».
406
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني وابن المنذر عن أبي غالب قال « رأى أبو أمامة رؤوس الأزارقة منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة : كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه. ثم قرأ ﴿ يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه ﴾ الآية. قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله ﷺ ؟ قال : لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، حتى عدَّ سبعاً ما حدثتكموه ».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نصر في الإبانة والخطيب في تاريخه واللالكائي في السنة عن ابن عباس في هذه الآية قال ﴿ تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ قال : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة.
وأخرج الخطيب في رواة مالك والديلمي عن ابن عمر عن النبي ﷺ في قوله تعالى ﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ قال :« تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدع ».
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله ﷺ قرأ ﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ قال : تبيض وجوه أهل الجماعات والسنة، وتسود وجوه أهل البدع والأهواء ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال : صاروا فرقتين ثوم القيامة يقال لمن اسود وجهه ﴿ أكفرتم بعد إيمانكم ﴾ فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم، وأخلصوا له الدين، فبيَّض الله وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنته.
وأخرج الفريابي وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال : هم من أهل الكتاب، كانوا مصدقين بأنبيائهم، مصدقين بمحمد، فلما بعثه الله كفروا. فذلك قوله ﴿ أكفرتم بعد إيمانكم ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة في قوله ﴿ فأما الذين اسودت وجوههم ﴾ قال : هم الخوارج.
وأخرج عبد حميد وابن جرير في الآية عن قتادة قال : لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون ﴿ فأما الذين ابيضت وجوههم ﴾ فأهل طاعة الله والوفاء بعهد الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ فأما الذين اسودت وجوههم ﴾ قال : هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ وتسود وجوه ﴾ قال : هم اليهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله ﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ قال : هذا لأهل القبلة.
وأخرج ابن المنذر عن السدي بسند فيه من لا يعرف ﴿ يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه ﴾ قال : بالأعمال والأحداث.
407
وأخرج ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن عائشة قالت « سألت رسول الله ﷺ : هل تأتي عليك ساعة لا تملك فيها لأحد شفاعة؟ قال : نعم ﴿ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ﴾ حتى انظر ما يفعل بي. أو قال : بوجهي ».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال :« قال رسول الله صلى عليه وسلم : المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه ».
وأخرج أبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة ».
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال « ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مرة إلا بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ».
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأ كل شيء في القرآن ﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾ بنصب التاء وكسر الجيم.
408
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والفريابي وأحمد والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابي عباس في قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله ﷺ إلى المدينة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : قال عمر بن الخطاب : لو شاء الله لقال : أنتم. فكنا كلنا، ولكن قال ﴿ كنتم ﴾ في خاصة أصحاب محمد، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا ﴿ خير أمة أخرجت للناس ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي عمن حدثه عن عمر في قوله ﴿ كنتم خير أمة ﴾ قال : تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذرعن عكرمة في الآية قال : نزلت في ابن مسعود، وعمار بن يسار، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ الآية. ثم قال : يا أيها الناس من سرَّه أن يكون من تلكم الأمة فليؤدِّ شرط الله منها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ يقول : على هذا الشرط : أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، وتؤمنوا بالله. يقول : لمن أنتم بين ظهرانيه كقوله ﴿ ولقد اخترناهم على علم على العالمين ﴾ [ الدخان : ٣٢ ].
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة في قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال : خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال : خير الناس للناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن معاوية بن حيدة. أنه سمع النبي ﷺ في قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال « إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله ».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا نبي الله صلى لله عليه وسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره إلى الكعبة : نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة، نحن آخرها وخيرها ».
وأخرج أحمد بسند حسن عن علي قال :
409
« قال رسول الله ﷺ : أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء : نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ قال : أهل بيت النبي ﷺ.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطية في الآية قال : خير الناس للناس. شهدتم للنبيين الذين كذبهم قومهم بالبلاغ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس غير هذه الأمة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف ﴾ يقول : تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله ويقاتلونهم عليه. ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف ﴿ وتنهونهم عن المنكر ﴾ والمنكر هو التكذيب وهو أنكر المنكر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ منهم المؤمنون ﴾ قال : استثنى الله منهم ثلاثة كانوا على الهدى والحق.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وأكثرهم الفاسقون ﴾ قال : ذم الله أكثر الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ لن يضروكم إلا أذى ﴾ قال : تسمعونه منهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ﴿ لن يضروكم إلا أذى ﴾ قال : إشراكهم في عزير، وعيسى، والصليب.
وأخرج عن الحسن ﴿ لن يضروكم إلا أذى ﴾ قال : تسمعون من كذباً على الله، يدعونكم إلى الضلالة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ضربت عليهم الذلة ﴾ قال : هم أصحاب القبالات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ ضربت عليهم الذلة ﴾ قال : أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : أدركتهم هذه الأمة، وأن المجوس لتجتنيهم الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة ﴿ ضربت عليهم الذلة ﴾ قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ ضربت عليهم الذلة ﴾ قال : الجزية.
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس ﴿ إلا بحبل من الله وحبل من الناس ﴾ قال : بعهد من الله وعهد من الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ﴾ قال اجتنبوا المعصية والعدوان، فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس.
410
أخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، ومن أسلم من يهود معهم. فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد وتبعه إلاّ شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره. فأنزل الله في ذلك ﴿ ليسوا سواء ﴾ إلى قوله ﴿ وأولئك من الصالحين ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ ليسوا سواء ﴾ الآية. يقول : ليس كل القوم هلك، قد كان لله فيهم بقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله ﴿ أمة قائمة ﴾ قال : عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سلام أخوه، وسعية، ومبشر، وأسيد، وأسد ابنا كعب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول : هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمة التي هي قانتة لله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أمة قائمة ﴾ يقول : مهتدية، قائمة على أمر الله لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أمة قائمة ﴾ قال : عادلة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع ﴿ أمة قائمة ﴾ يقول : قائمة على كتاب الله، وحدوده، وفرائضه.
وأخرج ابن جرير عن الربيع ﴿ آناء الليل ﴾ قال : ساعات الليل.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ آناء الليل ﴾ قال : جوف الليل.
وأخرج الفريابي والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ﴿ ليسوا من أهل الكتاب أمة قائمة ﴾ قال : لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد ﴿ يتلون آيات الله آناء الليل ﴾ قال : صلاة العتمة هم يصلونها، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها.
وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بسند حسن عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله ﷺ ليلة صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال « أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم. ولفظ ابن جرير، والطبراني، وقال : إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب. قال : وأنزلت هذه الآية ﴿ ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ﴾ حتى بلغ ﴿ والله عليم بالمتقين ﴾ ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ يتلون آيات الله آناء الليل ﴾ قال : قال بعضهم صلاة العتمة يصليها أمة محمد ولا يصليها غيرهم من أهل الكتاب.
411
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال « أخر رسول الله ﷺ صلاة العتمة ليلة حتى ظن الظان أن قد صلى، ثم خرج فقال : اعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم ».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن المنكدر عن النبي ﷺ « أنه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال : أما أنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ثم قال : أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند حسن عن ابن عمر « أن النبي ﷺ أعتم بالعشاء؛ فناداه عمر نام النساء والصبيان فقال : ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم ».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس « أن النبي ﷺ أخر صلاة العشاء ثم خرج فقال : ما يحبسكم هذه الساعة؟ قالوا : يا نبي الله انتظرناك لنشهد الصلاة معك فقال لهم : ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم، وما زلتم في صلاة بعد ».
وأخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن المستورد قال « احتبس النبي ﷺ ليلة حتى لم يبق في المسجد إلا بضعة عشر رجلاً، فخرج إليهم فقال : ما أمسى أحد ينتظر الصلاة غيركم ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن منصور قال : بلغني أنها نزلت ﴿ يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ﴾ فيما بين المغرب والعشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ﴿ يتلون آيات الله آناء الليل ﴾ قال : هي صلاة الغفلة.
وأخرج ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء في قوله ﴿ وما تفعلوا من خير فلن تكفروه ﴾ قال : بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤهما جميعاً بالتاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ فلن تكفروه ﴾ قال : لن يضل عنكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ فلن تكفروه ﴾ قال : لن تظلموه.
412
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا ﴾ قال : مثل نفقة الكافر في الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول : مثل ما ينفق المشركون ولا يتقبل منهم، كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون. فأصابته ريح فيها صر فأهلكته، فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم.
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ﴿ فيها صر ﴾ قال : برد شديد.
أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ فيها صر ﴾ قال برد. قال : فهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :
يكب على شفا الأذقان كبا كما زلق التحتم عن جفاف
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم منهم ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾ قال : هم المنافقون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : نزلت في المنافقين من أهل المدينة. نهى المؤمنين أن يتولَّوهم.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند جيد عن حميد بن مهران المالكي الخياط قال : سألت أبا غالب عن قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم... ﴾ الآية قال « حدثني أبو أمامة عن رسول الله ﷺ : أنه قال : هم الخوارج ».
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي ﷺ قال « لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً، ولا تستضيئوا بنار المشركين. فذكر ذلك للحسن فقال : نعم. لا تنقشوا في خواتيمكم محمداً، ولا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم » قال الحسن : وتصديق ذلك في كتاب الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب، أنه قيل له إن هنا غلاماً من أهل الحيرة حافظاً كاتباً، فلو اتخذته كاتباً قال : قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين.
وأخرج ابن جرير عن الربيع ﴿ لا تتخذوا بطانة ﴾ يقول : لا تستدخلوا المنافقين تتولوهم دون المؤمنين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ودوا ما عنتم ﴾ يقول : ما ضللتم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ﴿ ودوا ما عنتم ﴾ يقول : ودّ المنافقون ما عنت المؤمنون في دينهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ قد بدت البغضاء من أفواههم ﴾ يقول : من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار من غشهم للإسلام وأهله وبغضهم إياهم ﴿ وما تخفي صدورهم أكبر ﴾ يقول : ما تكنُّ صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ﴾ قال المؤمن خير للمنافق من المنافق للمؤمن يرحمه في الدنيا. لو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر عليه منه لأباد خضراءه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة. مثله.
وأخرج إسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ وتؤمنون بالكتاب كله ﴾ أي بكتابكم وكتابهم، وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم.
414
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود ﴿ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل ﴾ قال : هكذا ووضع أطراف أصابعه في فيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ وإذا لقوكم... ﴾ الآية. قال : إذا لقوا المؤمنين ﴿ قالوا آمنا ﴾ ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم فصانعوهم بذلك ﴿ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ﴾ يقول : مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه، لو يجدون ريحاً لكانوا على المؤمنين.
وأخرج ابن جرير عن السدي ﴿ عضوا عليكم الأنامل ﴾ قال : الأصابع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء قال : نزلت هذه الآية في الأباضية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ﴿ إن تمسسكم حسنة ﴾ يعني النصر على العدوّ، والرزق، والخير، يسؤهم ذلك ﴿ وإن تصبكم سيئة ﴾ يعني القتل والهزيمة والجهد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : إذا رأوا من أهل الإسلام إلفة وجماعة وظهوراً علىعدوّهم غاظهم ذلك وساءهم، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافاً أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرهم ذلك وابتهجوا به.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم ﴾ مشددة برفع الضاد والراء.
415
أخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان والحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحق به الكافرين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخفٍ بالكفر، ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك، ومعاتبة من عاتب منهم. يقول الله لنبيه ﴿ وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ﴾.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال « قاتل النبي ﷺ يوم بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوّال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق وهو يوم الأحزاب وبني قريظة في شوّال سنة أربع ».
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الدلائل عن عمروة قال : كانت وقعة أحد في شوّال على رأس سنة من وقعة بدر، ولفظ عبد الرزاق : على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، ورئيس المشركين يؤمئذ أبو سفيان بن حرب.
وأخرج البيهقي عن قتادة قال : كانت وقعة أحد في شوّال يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوّال، وكان أصحابه يومئذ سبعمائة والمشركون الفين أو ما شاء الله من ذلك.
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف يا خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ قال : اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا ﴿ وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال ﴾ إلى قوله ﴿ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ﴾ [ آل عمران : ١٢٢ ] قال : هم الذين طلبوا الأمان من المشركين إلى قوله ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه ﴾ [ آل عمرن : ١٤٣ ] قال : هو تمني المؤمنين لقاء العدو إلى ﴿ أَفَإنْ مات أو قتل انقلبتم ﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ] قال : هو صياح الشيطان يوم أحد : قتل محمد إلى قوله ﴿ أمنة نعاساً ﴾ [ آل عمران عمران : ١٥٤ ] قال : ألقي عليهم النوم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ﴾ قال : يوم أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ تبوّئ المؤمنين ﴾ قال : توطئ.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ تبوّئ المؤمنين ﴾ قال : توطن المؤمنين لتسكن قلوبهم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الأعشى الشاعر :
416
لا يبردون إذا ما الأرض للها أصر الشتاء من الأمحال كالادم
وما بوّأ الرحمن بيتك منزلاً بأجياد غربي الفنا والمحرم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال ﴾ قال : مشى النبي ﷺ يومئذ على رجليه يبوّئ المؤمنين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وإذ غدوت من أهلك ﴾ قال يعني محمداً ﷺ يبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال يوم الأحزاب.
وأخرج إسحق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن شهاب ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم. كل حدث بعض الحديث عن يوم قالوا : لما أصيبت قريش أو من ناله منهم يوم بدر من كفار قريش، ورجع قلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره. مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم واخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصاب، ففعلوا فأجمعت قريش لحرب رسول الله ﷺ، وخرجت بجدتها وجديدها، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة ولئلا يقروا. وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة، فلما سمع بهم رسول الله ﷺ والمسلمون وأنهم قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله ﷺ « إني رأيت بقراً تنحر، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ».
ونزلت قريش منزلها أحداً يوم الأربعاء، فأقاموا ذلك اليوم، ويوم الخميس، ويوم الجمعة، وراح رسول الله ﷺ حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت للنصف من شوّال سنة ثلاث، وكان رأي عبد الله بن أبي مع رأي رسول الله ﷺ يرى رأيه في ذلك؛ أن لا يخرج إليهم، وكان رسول الله ﷺ يكره الخروج من المدينة فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته يوم بدر وحضوره : يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنَّا جنُنَّا عنهم وضعفنا فقال عبد الله بن أبي : يا رسول الله أقم بالمدينة فلا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم، فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر، وإن دخلوا قاتلهم النساء والصبيان والرجال بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا خائبين كما جاؤوا.
417
فلم يزل الناس برسول الله ﷺ الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله ﷺ، فلبس لامته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة ثم خرج عليهم. وقد ندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله ﷺ ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله ﷺ « ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ».
فخرج رسول الله ﷺ في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد تحوّل عنه عبدالله بن أبي بثلث الناس، ومضى رسول الله ﷺ حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب ذباب سيفه فاستلَّه فقال رسول الله ﷺ وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف « شمَّ سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم ».
ومضى رسول الله ﷺ حتى نزل بالشعب من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وتعبَّأ رسول الله ﷺ للقتال وهو في سبعمائة رجل، وأمَّر رسول الله ﷺ على الرماة عبد الله بن جبير والرماة خمسون رجلاً فقال :« انضح عنا الجبل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كان علينا أو لنا فأنت مكانك لنؤتين من قبلك وظاهر رسول الله ﷺ بين درعين ».
وأخرج ابن جرير عن السدي « أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم أحد أشيروا عليّ ما أصنع؟ فقالوا : يا رسول الله ﷺ اخرج إلى هذه الأكلب فقالت الأنصار : يا رسول الله ما غلبنا عدوّ لنا أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا. فدعا رسول الله ﷺ عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال : يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب، وكان رسول الله ﷺ يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة، فأتى النعمان بن مالك الأنصاري فقال : يا رسول الله لا تحرمني الجنة فقال له : بم؟ قال : بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، واني لا أفر من الزحف قال : صدقت. فقتل يؤمئذ.
ثم إن رسول الله ﷺ دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوه وقد لبس السلاح ندموا وقالوا : بئسما صنعنا نشير على رسول الله ﷺ والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيت فقال : رأيت القتال وقال رسول ﷺ : لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل »
.
418
وأخرج رسول الله ﷺ إلى أحد في ألف رجل، وقد وعدهم الفتح أن يصبروا. فرجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه وقالوا له : ما نعلم قتالاً، ولئن أطعتنا لترجعن معنا وقال ﴿ وإذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ﴾ وهم بنو سلمة، وبنو حارثة، هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله. وبقي رسول الله ﷺ في سبعمائة «.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ﴿ وإذ تبوئ المؤمنين ﴾ قال : ذاك يوم أحد، غدا نبي الله من أهله إلى أحد ﴿ تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ﴾ وأحد بناحية المدينة.
419
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله قال : فينا نزلت. في بني حارثة، وبني سلمة ﴿ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ﴾ وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله ﴿ والله وليهما ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إذ همت طائفتان ﴾ قال : بنو حارثة كانوا نحو أحد، وبنو سلمة نحو سلع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ﴿ إذ همَّت طائفتان ﴾ قال : ذلك يوم أحد ﴿ والطائفتان ﴾ بنو سلمة، وبنو حارثة، حيان من الأنصار هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك، وقد ذكر لنا أنه لما أنزلت هذه الآية قالوا : ما يسرنا أنَّا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله أنه ولينا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ إذ همَّت طائفتان ﴾ قال : هم بنو حارثة، وبنو سلمة.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : نزلت في بني سلمة من الخزرج، وبني حارثة من الأوس ﴿ إذ همت طائفتان ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال ابن عباس : الفشل الجبن والله أعلم.
أخرج أحمد وابن حبان عن عياض الأشعري قال : شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض. وليس عياض هذا قال : وقال عمر : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة... فكتبنا إليه أنه قد حاس إلينا الموت واستمددناه. فكتب ألينا أنه جاءني كتابكم تستمدونني، وإني أدلكم على من هو أعز نصراً وأحضر جنداً، الله تعالى، فاستنصروه فإن محمداً ﷺ قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ﴿ ولقد نصركم الله ببدر ﴾ إلى ﴿ ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ﴾ [ آل عمران : ١٢٤ ] في قصة بدر.
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : بدر بئر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن الشعبي قال : كانت بدر بئراً لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : بدر ماء عن يمين مكة، بين مكة والمدينة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : بدر ماء بين مكة والمدينة، التقى عليه النبي ﷺ والمشركون، وكان أوّل قتال قاتله النبي ﷺ، وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ : إنهم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وألف المشركون يومئذ أو راهقوا ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : كانت بدر متجراً في الجاهلية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وأنتم أذلَّة ﴾ يقول : وأنتم قليل، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي حاتم عن رافع بن خديج قال : قال جبريل لرسول الله ﷺ « ما تعدون من شهد بدراً فيكم؟ قال : خيارنا. قال : وكذلك نعد من شهد بدراً من الملائكة فينا ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال : على كل مسلم أن يشكر الله في نصره ببدر. يقول الله ﴿ لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ﴾.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن الزهري قال : سمعت ابن المسيب يقول : غزا النبي ﷺ ثماني عشرة غزوة قال : وسمعته مرة أخرى يقول أربعاً وعشرين غزوة، فلا أدري أكان وهماً منه أو شيئاً سمعه بعد ذلك؟ قال الزهري : وكان الذي قاتل فيه النبي ﷺ كل شيء ذكر في القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة، أن رسول الله ﷺ غزا تسع عشرة، قاتل في ثمان : يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم قديد، ويوم خيبر، ويوم فتح مكة، ويوم ماء لبني المصطلق، ويوم حنين.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز جابر المحاربي يمد المشركين، فشق ذلك عليهم، فانزل الله ﴿ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف ﴾ إلى قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : فبلغت كرزاً الهزيمة فلم يمد المشركين؛ ولم يمد المسلمون بالخمسة.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : لما كان يوم بدر بلغ رسول الله ﷺ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال ﴿ ويأتوكم من فورهم هذا ﴾ يعني كرزاً وأصحابه ﴿ يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ﴾ فبلغ كرزاً وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم تنزل الخمسة، وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف من الملائكة مع المسلمين.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ إذ تقول للمؤمنين ﴾ الآية. قال : هذا يوم بدر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : أمدوا بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف. وذلك يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ﴿ بلى إن تصبروا وتتقوا... ﴾ الآية. قال هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد، ولو مدوا لم يهزموا يومئذ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لم يمد النبي ﷺ يوم أحد ولا بملك واحد لقول الله ﴿ إن تصبروا وتتقوا ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ إن تصبروا وتتقوا ﴾ الآية. قال : كان هذا موعداً من الله يوم أحد عرضه على نبيه ﷺ، أن المؤمنين إن اتقوا وصبروا أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، ففر المسلمون يوم أحد وولوا مدبرين فلم يمدهم الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال « قالوا لرسول الله ﷺ وهم ينتظرون المشركين : يا رسول الله أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر؟ فقال رسول الله ﷺ ﴿ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ﴾ فإنما أمدكم يوم بدر بألف قال : فجاءت الزيادة من الله على أن يصبروا ويتقوا ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ويأتوكم من فورهم هذا ﴾ يقول : من سفرهم هذا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال ﴿ من فورهم ﴾ من وجههم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة والسدي. مثله.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن عكرمة ﴿ من فورهم ﴾ قال : فورهم ذلك كان يوم أحد، غضبوا ليوم بدر مما لقوا.
422
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ﴿ من فورهم ﴾ قال : من غضبهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح مولى أم هانئ. مثله.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك ﴿ ويأتوكم من فورهم ﴾ يقول : وجههم وغضبهم.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال « قال رسول الله ﷺ في قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : معلمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائمَ سوداً، ويوم أحد عمائمَ حمراً ».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير، أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتمراً أو مُعْتَماً بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.
وأخرج ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً، قد أرسلوها في ظهورهم. ويوم حنين عمائم حمراً، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى ﴿ مسوّمين ﴾ قال : الملائكة عليهم عمائم بيض مسوّمة فتلك سيما الملائكة قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت الشاعر يقول :
ولقد حميت الخيل تحمل شكة جرداء صافية الأديم مسوّمة
وأخرج ابن جريرعن أبي أسيد وكان بدرياً أنه كان يقول : لو أن بصري معي ثم ذهبتم معي إلى أحد لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر، قد طرحوها بين أكتافهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن عروة قال : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق، وكان على الزبير يومئذ عمامة صفراء.
وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن عروة قال : نزل جبريل يوم بدر على سيما الزبير، وهو معتم بعمامة صفراء.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر، وهم طير بيض عليهم عمائم صفر، وكان على رأس الزبير يومئذ عمامة صفراء من بين الناس فقال النبي ﷺ « نزلت الملائكة على سيما أبي عبد الله. وجاء النبي ﷺ عمامة صفراء ».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحق قال : إن أول ما كان الصوف ليوم بدر. قال رسول الله ﷺ « تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت. فهو أول يوم وضع الصوف ».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : بالعهن الأحمر.
423
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : أتوا مسوّمين بالصوف، فسوّم النبي ﷺ وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : معلمين مجزوزة أذناب خيولهم ونواصيها، فيها الصوف والعهن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ مسوّمين ﴾ قال : ذكر لنا أن سيماهم يومئذ الصوف بنواصي خيلهم وأذنابهم، وأنهم على خيل بلق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة ﴿ مسوّمين ﴾ قال عليهم سيما القتال.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : كانوا يومئذ على خيل بلق.
وأخرج عبد بن حميد عن عمير بن إسحق قال « لما كان يوم أحد أجلى الله الناس عن رسول الله ﷺ، بقي سعد من مالك يرمي، وفتى شاب ينبل به كلما فني النبل أتاه به فنثره فقال : ارم أبا إسحق، ارم أبا إسحق. فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل فلم يعرف ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وما جعله الله بشرى لكم ﴾ يقول : إنما جعلهم لتستبشروا بهم ولتطمئنوا إليهم، ولم يقاتلوا معهم يومئذ لا قبله ولا بعده، إلا يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ﴿ وما النصر إلا من عند الله ﴾ قال : لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ ليقطع طرفاً من الذين كفروا ﴾ قال : قطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار، وقتل صناديدهم ورؤوسهم وقادتهم في الشر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ ليقطع طرفاً ﴾ قال : هذا يوم بدر، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : ذكر الله قتلى المشركين بأحد، وكانوا ثمانية عشر رجلاً فقال ﴿ ليقطع طرفاً من الذين كفروا ﴾ ثم ذكر الشهداء فقال ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ﴾ الآية.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد ﴿ أو يكبتهم ﴾ قال : يخزيهم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع. مثله.
424
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن أنس، « أن النبي ﷺ كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال » كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أويعذبه فإنهم ظالمون ﴾ « ».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله ﷺ يوم أحد، وقد جرح في وجهه، وأصيب بعض رباعيته وفوق حاجبه فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ يوم أحد، وقد شج في وجهه وأصيبت رباعيته، فهمَّ رسول الله ﷺ أن يدعو عليهم فقال « كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؟ فهمَّ أن يدعو عليهم. فأنزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية فكف رسول الله ﷺ عن الدعاء عليهم ».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله ﷺ لما انكشف عنه أصحابه يوم أحد، كسرت رباعيته وجرح وجهه فقال وهو يصعد على أحد « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله مكانه ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية ».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة، ان رباعية رسول الله ﷺ أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص وشجه في وجهه، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم والنبي ﷺ يقول « كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم؟ فانزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية ».
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال « قال رسول الله ﷺ يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية. فنزلت هذه الآية ﴿ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ﴾ فتيب عليهم كلهم ».
425
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : كان النبي ﷺ يدعو على أربعة نفر. فانزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية فهداهم الله للإسلام.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة؛ أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع « اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً... لأحياء من أحياء العرب يجهر بذلك حتى أنزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ وفي لفظ اللهم العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية، عصت الله ورسوله. ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية ».
وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن ابن عمر، أن النبي ﷺ لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الآخرة فقال « اللهم العن فلاناً وفلاناً ناساً من المنافقين دعا عليهم فأنزل الله ﴿ ليس لك من الأمرشيء ﴾ الآية ».
وأخرج ابن إسحق والنحاس في ناسخه عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل من قريش إلى النبي ﷺ فقال : إنك تنهى عن السبي يقول : قد سبى العرب. ثم تحول قفاه إلى النبي ﷺ، وكشف استه فلعنه ودعا عليه. فأنزل الله ﴿ ليس لك من الأمر شيء ﴾ الآية. ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه.
426
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كانوا يتبايعون إلى الأجل. فإذا حل الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل، فنزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين بني المغيرة في الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون عنا. فنزلت ﴿ لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : إن الرجل كان يكون له على الرجل المال، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه فيقول المطلوب : أخِّر عني وأزيدك في مالك فيفعلان ذلك. فذلك ﴿ الربا أضعافاً مضاعفة ﴾ فوعظهم الله ﴿ واتقوا الله ﴾ في أمر الربا فلا تأكلوا ﴿ لعلكم تفلحون ﴾ لكي تفلحوا ﴿ واتقوا النار التي أعدَّت للكافرين ﴾ فخوف آكل الربا من المؤمنين بالنار التي أعدت للكافرين ﴿ وأطيعوا الله والرسول ﴾ يعني في تحريم الربا ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ يعني لكي ترحموا فلا تعذبون.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاوية بن قرة قال : كان الناس يتأولون هذه الآية ﴿ واتقوا النار التي أعدَّت للكافرين ﴾ اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذرعن عطاء بن أبي رباح قال « قال المسلمون يا رسول الله بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا. كانوا إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح وكفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه. أجدع أنفك، اجدع أذنك، افعل كذا وكذا. فسكت. فنزلت هذه الآيات ﴿ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ﴾ إلى قوله ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ﴾ فقال النبي ﷺ : ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلا هؤلاء الآيات عليهم ».
وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في قوله ﴿ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ﴾ قال التكبيرة الأولى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ وسارعوا ﴾ يقول : سارعوا بالأعمال الصالحة ﴿ إلى مغفرة من ربكم ﴾ قال : لذنوبكم ﴿ وجنة عرضها السماوات والأرض ﴾ يعني عرض سبع سموات وسبع أرضين، لو لصق بعضهم إلى بعض فالجنة في عرضهن.
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في الآية قال : تقرن السموات السبع، والأرضون السبع كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض. فذاك عرض الجنة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كريب قال : أرسلني ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية ﴿ جنة عرضها السماوات والأرض ﴾ فأخرج أسفار موسى، فجعل ينظر قال : سبع سموات وسبع أرضين تلفق كما تلفق الثياب بعضها إلى بعض، هذا عرضها؛ وأما طولها فلا يقدر قدره إلا الله.
وأخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال « قدمت على رسول الله ﷺ بكتاب هرقل وفيه : إنك كتبت تدعوني إلى ﴿ جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ﴾ فأين النار؟ فقال رسول الله ﷺ سبحان الله... ! فأين الليل إذا جاء النهار؟ ».
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : أرأيت قوله ﴿ وجنة عرضها السماوات والأرض ﴾ فأين النار؟ قال : أرأيت الليل إذا لبس كل شيء فأين النهار؟ قال : حيث شاء الله قال : فكذلك حيث شاء الله ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن طارق بن شهاب، أن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النهار؟ وإذا جاء النهار أين الليل؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن يزيد بن الأصم، أن رجلاً من أهل الأديان قال لابن عباس : تقولون ﴿ جنة عرضها السماوات والأرض ﴾ فأين النار؟ فقال له ابن عباس : إذا جاء الليل فأين النهار؟ وإذا جاء النهار فأين الليل؟.
428
وأخرج مسلم وابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال يوم بدر « قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال : نعم. قال : بخ بخٍ... لا والله يا رسول الله لا بد أن أكون من أهلها قال : فإنك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل ».
429
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء ﴾ يقول : في العسر واليسر ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ يقول : كاظمون على الغيظ كقوله ﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾ [ الشورى : ٣٧ ] يغضبون في الأمر لو وقعوا فيه كان حراماً فيغفرون ويعفون، يلتمسون وجه الله بذلك ﴿ والعافين عن الناس ﴾ كقوله ﴿ ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة... ﴾ [ النور : ٢٢ ] الآية. يقول : تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة واعفوا واصفحوا.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله والكاظمين الغيظ ما الكاظمون؟ قال : الحابسون الغيظ قال عبد المطلب بن هاشم :
فخشيت قومي واحتبست قتالهم والقوم من خوف قتالهم كظم
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ﴿ والعافين عن الناس ﴾ قال عن المملوكين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله ﴿ والعافين عن الناس ﴾ قال : يغيظون في الأمر فيغفرون ويعفون عن الناس، ومن فعل ذلك فهو محسن ﴿ والله يحب المحسنين ﴾ بلغني أن النبي ﷺ قال عند ذلك « هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت ».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة في قوله ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ أن النبي ﷺ قال « من كظم غيظاً وهو يقدر على انفاذه ملأه الله أمنا وإيماناً ».
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال « قال رسول الله ﷺ : ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد. ما كظم عبد الله إلا ملأ الله جوفة إيماناً ».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر. مثله.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن أنس، أن رسول الله ﷺ قال « من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحوَّر شاء ».
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال « ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب ».
وأخرج البيهقي عن عامر بن سعد « أن النبي ﷺ مرَّ بناس يتحادون مهراساً فقال : أتحسبون الشدة في حمل الحجارة؟ إنما الشدة أن يمتلئ الرجل غيظاً ثم يغلبه ».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقال يوم القيامة ليقم من كان له على الله أجر، فما يقوم إلا إنسان عفا.
430
وأخرج الحاكم عن أبي بن كعب :« أن رسول الله ﷺ قال : من سره أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه، ويعطِ من حرمه، ويصل من قطعه ».
وأخرج البيهقي عن علي بن الحسين، أن جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت : إن الله يقول ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ قال : قد كظمت غيظي قالت ﴿ والعافين عن الناس ﴾ قال : قد عفا الله عنك قالت ﴿ والله يحب المحسنين ﴾ قال : اذهبي فأنت حرة.
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عائشة « سمعت رسول الله ﷺ يقول : وجبت محبة الله على من أغضب فحلم ».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن عبسة « أن رجلاً سأل النبي ﷺ ما الإيمان؟ فقال : الصبر، والسماحة، وخلق حسن ».
وأخرج البيهقي عن كعب بن مالك « أن رجلاً من بني سلمة سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام فقال : حسن الخلق. ثم راجعه الرجل فلم يزل رسول الله ﷺ يقول : حسن الخلق. حتى بلغ خمس مرات ».
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وضعفه عن جابر قال « قالوا : يا رسول الله ﷺ ما الشؤم؟ قال : سوء الخلق ».
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه عن عائشة مرفوعاً قال « الشؤم سوء الخلق ».
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس بن مالك قال « قال رسول الله ﷺ : إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد ».
وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي ﷺ « الخلق السوء يفسد الإيمان كما يفسد الصبر الطعام » قال أنس : وكان يقال : إن المؤمن أحسن شيء خلقاً.
وأخرج ابن عدي والطبراني والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال « حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ « إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الصبر العسل ».
وأخرج البيهقي وضعفه عن طريق سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ « حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الملك، والملك يجره إلى الخير، والخير يجره إلى الجنة. وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان، والشيطان يجره إلى الشر، والشر يجره إلى النار ».
431
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة :« سمعت رسول الله ﷺ يكثر الدعاء يقول : والله ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه فتطعمه النار ».
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة :« سمعت رسول الله ﷺ يقول : من سعادة ابن آدم حسن الخلق، ومن شقوته سوء الخلق ».
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن ابن عمرو قال « كان رسول الله ﷺ يكثر الدعاء يقول : اللهم إني أسألك الصحة، والعفة، والأمانة، وحسن الخلق، والرضا بالقدر ».
وأخرج أحمد والبيهقي بسند جيد عن عائشة قالت « كان من دعاء النبي ﷺ : اللَّهم كما حسنت خلقي فاحسن خلقي ».
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن أبي مسعود البدري قال « كان من النبي ﷺ يقول : اللَّهم حسنت خلقي فاحسن خلقي ».
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ».
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة :« ان رسول الله ﷺ قال : كرم المرء دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريره عن النبي ﷺ قال « من كان هيناً قريباً حرمه الله على النار ».
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال « مرني ولا تكثر فلعلي أعقله فقال : لا تغضب. فأعاد عليه فقال : لا تغضب ».
وأخرج الحاكم والبيهقي عن جارية بن قدامة قال « قلت : يا رسول الله قل لي قولاً ينفعني واقلل لعلي أعقله قال : لا تغضب ».
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال « سألت رسول الله ﷺ ما يبعدني من غضب الله؟ قال : لا تغضب ».
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال « خطبنا رسول الله ﷺ خطبة إلى مغيربان الشمس، حفظها ونسيها من نسيها، وأخبر ما هو كائن إلى يوم القيامة، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة، وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون. ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء. ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى، فمنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً. ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم. ألم تروا إلى حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئاً فليلزق بالأرض. ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب، سريع الفيء. وشر الرجال من كان بطيء الفيء، سريع الغضب. فإذا كان الرجل سريع الغضب سريع الفيء فانها بها، وإذا كان بطيء الغضب بطيء الفيء فإنها بها. ألا وإن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب، وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب. فإذا كان الرجل حسن القضاء سيء الطلب فإنها بها، وإذا كان الرجل سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها. ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يقول بالحق إذا علمه. ألا إن لكل غادر لواء بقدر غدرته يوم القيامة. ألا وإن أكبر الغدر أمير العامة. ألا وإن أفضل الجهاد من قال كلمة الحق عند سلطان جائر. فلما كان عند مغرب الشمس قال : ألا إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى ».
432
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال « قلت : يا رسول الله أخبرني بوصية قصيرة فألزمها قال : لا تغضب يا معاوية بن حيدة، ان الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل ».
وأخرج الحكيم عن ابن مسعود قال « قال رسول الله ﷺ : إن الغضب ميسم من نار جهنم يضعه الله على نياط أحدهم. ألا ترى أنه إذا غضب احمرت عيناه، واربَدَّ وجهه، وانتفخت أوداجه؟ ».
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم. ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه؟ فمن حس من ذلك شيئاً فإن كان قائماً فليقعد، وان كان قاعداً فليضطجع ».
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن قال « قال رسول الله ﷺ : ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ كظمها رجل، أو جرعة صبر عند مصيبة. وما قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم في سبيل الله ».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر : ثلاث كلهن حق : ما من أحد يظلم مظلمة فيغض عنها إلا زاده الله بها عزا، وما من أحد يفتح باب مسألة ليزداد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة، وما من أحد يفتح باب عطية أو صلة إلا زاده الله بها كثرة ».
433
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمرو قال : لم يكن رسول الله ﷺ فاحشاً، ولا متفحشاً، وكان يقول « إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والبزار وابن حبان والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء « أن النبي ﷺ قال : من أعطيَ حظه من الرفق أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير، وقال : ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ».
وأخرج الترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الزهد عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال : الأجوفان. الفم والفرج ».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عائشة قالت « قال رسول الله ﷺ : إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ».
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه عن عائشة « سمعت رسول الله ﷺ يقول : إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات القائم الليل الصائم النهار ».
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : إن الله ليبلغ العبد بحسن الخلق درجة الصوم والصلاة ».
وأخرج الطبراني والخرائطي عن أنس : أن رسول الله ﷺ قال :« إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرفات المنازل وأنه لضعيف العبادة وأنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم ».
وأخرج أحمد والطبراني والخرائطي عن ابن عمرو « سمعت رسول الله ﷺ يقول :» أن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوّام القوّام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته «.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الصمت عن صفوان بن سليم قال قال رسول الله ﷺ :»
ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها علىلبدن. الصمت وحسن الخلق «.
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن العلاء بن الشخير »
أن رجلاً أتى النبي ﷺ من قبل وجهه فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق. ثم أتاه عن يمينه فقال : أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق ثم أتاه عن شماله فقال : أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق، ثم أتاه من بعده يعني من خلفه فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله ﷺ فقال : ما لك لا تفقه... ! حسن الخلق أفضل. لا تغضب إن استطعت «.
434
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أبي أُمامة قال « قال رسول الله ﷺ : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ».
وأخرج الترمذي وحسنه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن جابر « أن رسول الله ﷺ قال : إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً ».
وأخرج الطبران عن عمار بن ياسر قال « قال رسول الله ﷺ : حسن الخلق خلق الله الأعظم ».
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ قال : أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام : يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مع الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي، وأن أسقيه من حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري ».
وأخرج أحمد وابن حبان عن ابن عمرو أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :« ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا : نعم. يا رسول الله قال : أحسنكم خلقاً ».
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني بسند جيد عن أنس قال « لقي رسول الله ﷺ أبا ذر فقال : يا أبا ذر ألا أدلُّك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال : بلى يا رسول الله الله قال : عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما ».
وأخرج أبو الشيخ بن حيان في الثواب بسند رواه عن أبي ذر قال « قال رسول الله ﷺ : يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة، وأخفها على البدن، وأثقلها في الميزان، وأهونها على اللسان؟ قلت : بلى، فذاك أبي وأمي قال : عليك بطول الصمت، وحسن الخلق، فإنك لست بعامل بمثلهما ».
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال « قال النبي ﷺ : يا أبا الدرداء ألا أنبئك بأمرين خفيفةٍ مؤنتُهما عظيم أجرُهما، لم تلق الله تعالى بمثلهما؟ طول الصمت، وحسن الخلق ».
وأخرج البزار وابن حبان عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : اطولكم اعماراً، وأحسنكم اخلاقاً ».
435
وأخرج الطبراني وابن حبان عن اسامة بن شريك قال « قالوا : رسول الله ما خير ما أُعطي الإنسان؟ قال : خلق حسن ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني بسند جيد عن جابر بن سمرة قال « قال رسول الله ﷺ : إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً ».
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عمرو أن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال « يا نبي الله أوصني قال : اعبد الله ولا تشرك به شيئاً قال : يا نبي الله زدني قال : إذا أسأت فأحسن. قال : يا نبي الله زدني قال : استقم ولتحسن خلقك ».
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والخرائطي عن أبي ذر قال : قال رسول الله ﷺ :« اتقِ الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناس بخلق حسن ».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« إن هذه الأخلاق من الله، فمن أراد به خيراً منحه خلقاً حسناً، ومن أراد به سوءاً منحه خلقاً سيئاً ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن حبان والطبراني عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله ﷺ :« إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً الثرثارون، المتشدقون، المتفيقهون ».
وأخرج البزار والطبراني والخرائطي عن أنس قال « » قالت أم حبيبة « : يا رسول الله المرأة يكون لها زوجان ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما تكون. للأوّل أو للآخر؟ قال : تخير فتختار أحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا يكون زوجها في الجنة، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة ».
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة عن النبي ﷺ قال « ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه ».
وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ كان يدعو : اللهمَّ إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ».
وأخرج الخرائطي عن جرير بن عبد الله قال « قال لي رسول الله ﷺ : إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فحسن خلقك ».
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« خياركم أحاسنكم أخلاقاً ».
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت :
436
« قال رسول الله ﷺ : لو كان حسن الخلق رجلاً يمشي في الناس لكان رجلاً صالحاً ».
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم :« ثلاث من لم تكن فيه أو واحدة منهن فلا يعتدن بشيء من عمله. تقوى تحجزه عن معاصي الله تعالى، أو حلم يكف به السفيه، أو خلق يعيش به في الناس ».
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت « قال رسول الله ﷺ : اليمن حسن الخلق ».
وأخرج الخرائطي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال « قال رسول الله ﷺ : من سعادة ابن آدم حسن الخلق ».
وأخرج القضاعي في مسند الشهاب عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال « قال رسول الله ﷺ : إن أحسن الحسن الخلق الحسن ».
وأخرج الخرائطي عن الفضيل بن عياض قال :« إذا خالطت الناس فخالط الحسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير ».
وأخرج أحمد عن عائشة « أن رسول الله ﷺ قال لها : إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الدنيا والآخرة، وصلة الرحم. وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار ويزيدان في الاعمار ».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت « قال النبي ﷺ : الرفق يمن، والخرق شؤم، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم باب الرفق. إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، وإن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شأنه، وإن الحياء من الإيمان، وإن الإيمان في الجنة. ولو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً، وإن الفحش من الفجور، وإن الفجور في النار، ولو كان الفحش رجلاً يمشي في النار لكان رجلاً سوءاً ».
وأخرج أحمد في الزهد عن أم الدرداء قالت : بات أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول : اللهمَّ أحسنت خلقي فاحسن خلقي. حتى إذا أصبح فقلت : يا أبا الدرداء أما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق؟ فقال : يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال « قال رسول الله ﷺ : أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ».
وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال
437
« خيار أمتي خمسمائة والابدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون، وكلما مات بدل ادخل الله تعالى من الخمسمائة مكانه وادخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون فقالوا : يا رسول الله دلنا على أعمال هؤلاء فقال : هؤلاء يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون مما آتاهم الله. قال : وتصديق ذلك في كتاب الله ﴿ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ﴾ ».
وأخرج ابن لال والديلمي عن أنس قال « قال رسول الله ﷺ : رأيت ليلة أسري بي قصوراً مستوية على الجنة فقلت : يا جبريل لمن هذا؟ فقال ﴿ للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ﴾ »
438
أخرج ابن جرير عن الحسن أنه قرأ ﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء... ﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ] الآية. ثم قرأ ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة... ﴾ الآية فقال : إن هذين النعتين لعنت رجل واحد.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هذان ذنبان. فعلوا فاحشة ذنب، وظلموا أنفسهم ذنب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن زيد في قوله ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ قال : زنا القوم ورب الكعبة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ فعلوا فاحشة ﴾ قال : الزنا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكرعنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به فقال : كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه، وجعلت كفارة ذنوبكم قولاً تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم. والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة... ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال : إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة... ﴾ الآية. وقوله ﴿ ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه... ﴾ [ النساء : ١١٠ ] الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناني قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة... ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال : بلغني أنه لما نزل قوله ﴿ ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ صاح إبليس بجنوده، وحثا على رأسه التراب، ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر. فقالوا : ما لك يا سيدنا؟ قال : آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحداً من بني آدم ذنب قالوا : ما هي؟ فاخبرهم قالوا : نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق، فرضي منهم ذلك.
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله ﷺ يقول : ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيذكر ذنبه، فيتطهر ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له. ثم قرأ هذه الآية ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ﴾ إلى آخر الآية.
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن قال : قال رسول الله ﷺ :
439
« ما أذنب عبد ذنباً ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى بزار من الأرض فصلى فيه ركعتين، واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له ».
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال « كل شيء يتكلم به ابن آدم فانه مكتوب عليه، فإذا أخطأ خطيئة وأحب أن يتوب إلى الله فليأت بقعة رفيعة، فليمدد يديه إلى الله ثم ليقل : إني أتوب إليك فيها لا أرجع إليها أبداً، فانه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك ».
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت : كان رسول الله ﷺ يقول :« اللهمَّ اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا ».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال « أربعة في حديقة قدس الجنة : المعتصم بلا إله إلا الله لا يشك فيها، ومن إذا عمل حسنة سرته وحمد الله عليها، ومن إذا عمل سيئة ساءته واستغفر الله منها، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ».
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال « إن رجلاً أذنب ذنباً فقال : رب إني أذنبت ذنباً فاغفره فقال الله : عبدي عمل ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال : رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال : رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال الله : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم إني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ».
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ قال « لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم ».
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال « قال إبليس يا رب وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما كانت أرواحهم في أجسادهم فقال الله : وعزتي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ».
وأخرج أبو يعلى عن أبي بكر عن النبي ﷺ قال :« عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون ».
وأخرج البزار والبيهقي في الشعب عن أنس قال :« جاء رجل فقال : يا رسول الله إني أذنبت فقال رسول الله ﷺ » إذا أذنبت فاستغفر ربك قال : فإني استغفر ثم أعود فأذنب فقال : إذا أذنبت فاستغفر ربك، ثم عاد فقال في الرابعة : استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور « ».
440
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر الجهني أن رجلاً قال « يا رسول الله أحدنا يذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه قال : فيعود ويذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه قال : فيعود ويذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ قال : لم يقيموا على ذنب وهم يعلمون أنه يغفر لمن استغفر، ويتوب على من تاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : إياكم والإصرار، فإنما هلك المصرون الماضون قدماً، لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوه حتى أتاهم الموت وهم على ذلك.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو عن النبي ﷺ قال « ارحموا تُرحموا، واغفروا يُغفر لكم. ويل لأقماع القول يعني الآذان ويل للمصِّرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوبة والبيهقي عن ابن عباس قال : كل ذنب أصر عليه العبد كبر وليس بكبير ما تاب منه العبد.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : إتيان الذنب عمداً إصرار حتى يتوب.
وأخرج البيهقي عن الأوزاعي قال : الإصرار أن يعمل الرجل الذنب فيحتقره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ فينكبوا ولا يستغفروا وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا، ثم أقاموا ولم يستغفروا.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله ﷺ :« ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ﴿ ونعم أجر العاملين ﴾ بطاعة الله الجنة.
441
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ﴿ قد خلت ﴾ يعني مضت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ قد خلت من قبلكم سنن ﴾ يعني تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ قال : عاقبة الأولين والأمم قبلكم، كان سوء عاقبتهم متعهم الله قليلاً ثم صاروا إلى النار.
أخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال : أول ما نزل من آل عمران ﴿ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ﴾ ثم أنزل بقيتها يوم أحد.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ﴿ هذا بيان للناس ﴾ قال : هذا القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ هذا بيان ﴾ الآية. قال : هو هذا القرآن جعله الله بياناً للناس عامة ﴿ وهدى وموعظة للمتقين ﴾ خصوصاً.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي في الآية قال ﴿ بيان ﴾ من العمى ﴿ وهدى ﴾ من الضلالة ﴿ وموعظة ﴾ من الجهل.
أخرج ابن جرير عن الزهري قال : كثر في أصحاب محمد ﷺ القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأس. فأنزل الله القرآن، فآسى فيه بين المؤمنين بأحسن ما آسى به قوماً كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا ﴾ إلى قوله ﴿ لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ﴾.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي ﷺ « اللهمَّ لا يعلون علينا. فأنزل الله ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : انهزم أصحاب رسول الله ﷺ في الشعب يوم أحد، فسألوا ما فعل النبي ﷺ، وما فعل فلان؟ فنعى بعضهم لبعض، وتحدثوا أن النبي ﷺ قتل، فكانوا في هم وحزن. فبينما هم كذلك علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم على الجبل، وكان على أحد مجنبتي المشركين وهم أسفل من الشعب، فلما رأوا النبي ﷺ فرحوا فقال النبي ﷺ « اللهم لا قوّة لنا إلا بك، وليس أحد يعبدك بهذا البلد غير هؤلاء النفر، فلا تهلكهم » وثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله، وعلا المسلمون الجبل، فذلك قوله ﴿ وأنتم الأعْلَوْنَ إن كنتم مؤمنين ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ ولا تهنوا ﴾ قال : لا تضعفوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ﴿ وأنتم الأعلون ﴾ قال : وأنتم الغالبون.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ إن يمسسكم ﴾ قال : أن يصبكم.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ﴾ برفع القاف فيهما.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ إن يمسسكم قرح ﴾ قال : جراح وقتل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ﴾ قال : إن يقتل منكم يوم أحد فقد قتلتم منهم يوم بدر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : نام المسلمون وبهم الكلوم يعني يوم أحد قال عكرمة : وفيهم أنزلت ﴿ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ وفيهم أنزلت ﴿ إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ﴾ [ النساء : ١٠٤ ].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ فانه كان يوم أحد بيوم بدر. قتل المؤمنون يوم أحد اتخذ الله منهم شهداء، وغلب رسول الله ﷺ المشركين يوم بدر، فجعل له الدولة عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ قال : فانه أدال المشركين على النبي ﷺ يوم أحد، وبلغني أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد بضعة وسبعين رجلاً، عدد الأسارى الذين أسروا يوم بدر من المشركين، وكان عدد الأسارى ثلاثة وسبعين رجلاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ قال : جعل الله الأيام دولاً. مرة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء. أدال الكفار يوم أحد من أصحاب النبي ﷺ.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية قال : والله لولا الدول ما أودى المؤمنون، ولكن قد يدال للكافر من المؤمن ويُبْتَلى المؤمن بالكافر، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه، ويعلم الصادق من الكاذب.
وأخرج عن السدي ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ يوماً لكم ويوماً عليكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي حاتم عن ابن سيرين ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾ يعني الأمراء.
وأخرج ابن المنذر عن أبي جعفر قال : إن للحق دولة وإن للباطل دولة من دولة الحق. إن إبليس أمر بالسجود لأدم فأديل آدم على إبليس، وابتلي ادم بالشجرة فأكل منها فأديل إبليس على آدم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ﴾ قال : إن المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهم : ربنا أرنا يوماً كيوم بدر، نقاتل فيه المشركين، ونبليك فيه خيراً، ونلتمس فيه الشهادة.
445
فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوماً كيوم بدر. يبلون فيه خيراً، ويرزقون فيه الشهادة، ويرزقون الجنة والحياة والرزق. فلقوا يوم أحد، فاتخذ الله منهم شهداء، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فقال ﴿ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً ﴾ [ البقرة : ١٥٤ ] الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ﴾ قال : يكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة ﴿ وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ﴾ يقول : أن لا تقتلوا لا تكونوا شهداء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الضحى قال : نزلت ﴿ ويتخذ منكم شهداء ﴾ فقتل منهم يومئذ سبعون، منهم أربعة من المهاجرين : منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، والشماس بن عثمان المخزومي، وعبد الله بن جحش الأسدي، وسائرهم من الأنصار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما أبطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقتولان على دابة أو على بعير فقالت امرأة من الأنصار : من هذان؟ قالوا : فلان وفلان. أخوها وزوجها. أو زوجها وابنها، فقالت : ما فعل رسول الله ﷺ ؟ قالوا : حي... قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء. ونزل القرآن على ما قالت ﴿ ويتخذ منكم شهداء ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ وليمحص الله الذين آمنوا ﴾ قال : يبتليهم ﴿ ويمحق الكافرين ﴾ قال : ينقصهم.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين. إنه كانت إذا تلا هذه الآية قال : اللهمَّ محصناً ولا تجعلنا كافرين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسحق ﴿ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ﴾ وتصيبوا من ثوابي الكرامة ﴿ ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ﴾ يقول : ولمَ اختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره؟ حتى أعلم صدق ذلك منكم. الإيمان بي، والصبر على ما أصابكم فيّ.
446
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس. أن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ كانوا يقولون : ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد. أو ليت لنا يوماً كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، ونبلى فيه خيراً، ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق. فأشهدهم الله أحداً، فلم يلبثوا إلا من شاء منهم فقال الله ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : غاب رجال عن بدر، فكانوا يتمنون مثل بدر أن يلقوه فيصيبوا من الأجر والخير ما أصاب أهل بدر، فلما كان يوم أحدٍ ولَّى من وَلَّى، فعاتبهم الله على ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع وقتادة قالا : أن أناساً من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل، فكانوا يتمنون أن يروا قتالاً فيقاتلوا، فسيق إليهم القتال حتى إذا كان بناحية المدينة يوم أحد؛ فأنزل الله ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : بلغني أن رجالاً من أصحاب النبي ﷺ كانوا يقولون : لئن لقينا مع النبي ﷺ، لنفعلن ولنفعلن... فابتلوا بذلك، فلا والله ما كلهم صدق الله. فأنزل الله ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت... ﴾ الآية.
وأخرج عن السدي قال : كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدراً، فلما رأوا فصيلة أهل بدر قالوا : اللهم إنا نسألك أن ترينا يوماً كيوم بدر، نبليك فيه خيراً. فرأوا أُحُداً فقال لهم ﴿ ولقد كنتم تمنون الموت... ﴾ الآية. والله أعلم.
أخرج ابن المنذر عن كليب قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران، ويقول : إنها أُحُدِيَّة، ثم قال : تفرقنا عن رسول الله ﷺ يوم أحد، فصعدت الجبل فسمعت يهودياً يقول : قتل محمد فقلت لا أسمع أحداً يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه، فنظرت فإذا رسول الله ﷺ والناس يتراجعون إليه، فنزلت هذه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ﴾.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس. أن رسول الله ﷺ اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة والناس يفرون، ورجل قائم على الطريق يسألهم : ما فعل رسول الله ﷺ ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم فيقولون : والله ما ندري ما فعل! فقال : والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي ﷺ لنعطينهم بأيدينا أنهم لعشائرنا وإخواننا وقالوا : لو أن محمداً كان حياً لم يهزم، ولكنه قد قتل، فترخصوا في الفرار حينئذ فأنزل الله ﴿ وما محمد إلا رسول... ﴾ الآية كلها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : ذلك يوم أحد حين أصابهم ما أصابهم من القتل والقرح، وتداعوا نبي الله... ؟ قالوا : قد قتل. وقال أناس منهم : لو كان نبياً ما قتل. وقال أناس من علية أصحاب النبي ﷺ : قاتلوا على ما قتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم أو تلحقوا به، وذكر لنا أن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتخبَّط في دمه فقال : يا فلان أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم. فأنزل الله ﴿ وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ يقول : ارتددتم كفاراً بعد إيمانكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد : أن محمداً قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول، فأنزل الله ﴿ وما محمد إلا رسول... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قال أهل المرض والإرتياب والنفاق حين فر الناس عن النبي ﷺ : قد قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول. فنزلت هذه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : فشا في الناس يوم أحد أن رسول الله ﷺ قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة : ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي، فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان.
448
يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلونكم. قال أنس بن النضر : يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد ﷺ، اللهم إني أعتذر إليك ممَّا يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. فشد بسيفه فقاتل حتى قتل. فأنزل الله ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن النجار قال : انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال : ما يجلسكم؟ قالوا : قتل محمد رسول الله قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله. واستقبل القوم فقاتل حتى قتل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطية العوفي قال : لما كان يوم أحد وانهزموا قال بعض الناس : إن كان محمد قد أصيب فأعطوهم بأيديكم إنما هم إخوانكم. وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به؟ فأنزل الله ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ إلى قوله ﴿ فآتاهم الله ثواب الدنيا ﴾.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن محمد بن شرحبيل العبدري قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول ﴿ وما محمد إلا رسول الله قد خَلَتْ من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ ثم قطعت يده اليسرى فجثا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول ﴿ وما محمد إلا رسول... ﴾ الآية. وما نزلت هذه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ ومن ينقلب على عقبيه ﴾ قال : يرتد.
وأخرج البخاري والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسخ حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله ﷺ وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى، ثم قال : بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، وأما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها. قال الزهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس. أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر. وقال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت. قال الله ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ إلى قوله ﴿ الشاكرين ﴾ فقال : فوالله لكان الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلاها الناس منه كلهم.
449
فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها.
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله ﷺ قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله ﷺ توفي، وأن رسول الله والله ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله ﷺ كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله ﷺ مات. فخرج أبو بكر فقال : على رسلك يا عمر انصت. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أنه من كان يعبد محمداً فان محمد قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ الآية. فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، وأخذ الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم. قال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض، ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله ﷺ قد مات.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال : لما توفي النبي ﷺ قام عمر بن الخطاب فتوعد من قال قد مات بالقتل والقطع، فجاء أبو بكر فقام إلى جانب المنبر وقال : إن الله نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله. قال الله ﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ إلى قوله ﴿ الشاكرين ﴾ فقال عمر : هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقال : قال الله لمحمد ﷺ ﴿ إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ [ الزمر : ٣٠ ].
وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال : كنت أتأوّل هذه الآية ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] فوالله إن كنت لا أظن أنه سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها، وأنه هو الذي حملني على أن قلت ما قلت.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله ﴿ وسيجزي الله الشاكرين ﴾ قال : الثابتين على دينهم، أبا بكر وأصحابه، فكان علي يقول : كان أبو بكر أمين الشاكرين.
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن محمد قال « قال عمر : دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيباً في قومه أبداً فقال : دعها فلعلها أن تسرك يوماً. فلما مات النبي ﷺ نفر أهل مكة، فقام سهيل عند الكعبة فقال : من كان يعبد محمداً فان محمداً مات والله حي لا يموت ».
450
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن ان عباس. أن علياً كان يقول في حياة رسول الله ﷺ : إن الله يقول ﴿ أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.
وأخرج ابن المنذر عن الزهري قال :« لما نزلت هذه الآية ﴿ ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ﴾ [ الفتح : ٤ ] قالوا : يا رسول الله قد علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص؟ قال : إي والذي بعثني بالحق إنه لينقص قالوا : يا رسول الله فهل لذلك دلالة في كتاب الله؟ قال : نعم. ثم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ فالإنقلاب نقصان لا كفر ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحق ﴿ وما كان لنفس ﴾ الآية أي لمحمد ﷺ أجل هو بالغه، فإذا أذن الله في ذلك كان ﴿ ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ﴾ أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزق ولا حظ له في الآخرة ﴿ ومن يرد ثواب الآخرة ﴾ منكم ﴿ نؤته منها ﴾ ما وعده مع يجري عليه من رزقه في دنياه، وذلك جزاء الشاكرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز في الآية قال : لا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وسنجزي الشاكرين ﴾ قال : يعطي الله العبد بنيته الدنيا والآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : قال أبو بكر : لو منعوني ولو عقالاً أعطوا رسول الله ﷺ لجاهدتهم. ثم تلا ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾.
وأخرج البغوي في معجمه عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالماً مولى أبي حذيفة، كان معه اللواء يوم اليمامة فقطعت يمينه، فأخذ اللواء بيساره، فقطعت يساره، فاعتنق اللواء وهو يقول ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم... ﴾ الآيتين.
451
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود أنه قرأ ﴿ وكأين من نبي قاتل معه ربيون ﴾ ويقول ألا ترى أنه يقول ﴿ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذرعن سعيد بن جبير أنه كان يقول : ما سمعنا قط أن نبياً قتل في القتال.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الحسن وإبراهيم، أنهما كانا يقرآن ﴿ قاتل معه ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك أنه قرأ ﴿ وكأين من نبي قتل معه ربيون ﴾ بغير ألف.
وأخرج عن عطية. مثله.
وأخرج من طريق زر عن ابن مسعود مثله. أنه كان يقرأها بغير ألف.
وأخرج عبد بن حميد عن عطية أنه قرأ ﴿ وكأيِّن من نبي قتل معه ربيون ﴾ بغير ألف.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ﴿ ربيون ﴾ قال : ألوف.
وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك في قوله ﴿ ربيون ﴾ قال : الربة الواحدة ألف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس ﴿ ربيون ﴾ يقول : جموع.
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن في قوله ﴿ ربيون ﴾ قال : فقهاء علماء قال : وقال ابن عباس : هي الجموع الكثيرة.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ ربيون ﴾ قال : جموع قال : وهل يعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول حسان :
وإذا معشر تجافوا القص د أملنا عليهم ربيّا
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ﴿ ربيون كثيرٌ ﴾ قال : علماء كثير.
وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ ربيون كثير ﴾ قال ﴿ الربيون ﴾ هم الجموع الكثيرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ ربيون ﴾ قال : علماء كثير.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ﴿ الربيون ﴾ الأتباع، والربانيون الولاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وكأين من نبي قاتل ﴾ الآية. قال : هم قوم قتل نبيهم، فلم يضعفوا ولم يستكينوا لقتل نبيهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ﴾ لقتل أنبيائهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ﴿ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ﴾ يعني فما عجزوا عن عدوهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ فما وهنوا... ﴾ الآية. يقول : فما عجزوا وما تضعضعوا لقتل نبيهم ﴿ وما استكانوا ﴾ يقول ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم، إن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله.
452
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وما استكانوا ﴾ قال ﴿ ما استكانوا ﴾ قال : تخشعوا.
وأخرج ابن جرير عن السدي ﴿ وما استكانوا ﴾ يقول : ما ذلوا.
وأخرج عن ابن زيد ﴿ وما استكانوا ﴾ قال : ما استكانوا لعدوهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس في قوله ﴿ وإسرافنا في أمرنا ﴾ قال : خطايانا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وإسرافنا في أمرنا ﴾ قال : خطايانا وظلمنا أنفسنا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ وإسرافنا في أمرنا ﴾ يعني الخطايا الكبار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ فآتاهم الله ثواب الدنيا ﴾ قال : النصر والغنيمة ﴿ وحسن ثواب الآخرة ﴾ قال : رضوان الله ورحمته.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فآتاهم الله ثواب الدنيا ﴾ الفلاح، والظهور، والتمكن، والنصر على عدوهم في الدنيا ﴿ وحسن ثواب الأخرة ﴾ هي الجنة.
453
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا... ﴾ الآية. لا تنتصحوا اليهود والنصارى عن دينكم، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا... ﴾ الآية. يقول : إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردوكم كفاراً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب. أنه سئل عن هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم ﴾ التعرب؟ فقال علي : بل هو الزرع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال : ألا أخبركم بالمرتد على عقبيه، الذي يأخذ العطاء ويغزو في سبيل الله، ثم يدع ذلك ويأخذ الأرض بالجزية والرزق. فذلك الذي يرتد على عقبيه.
أخرج ابن جرير عن السدي قال : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق. ثم إنهم ندموا فقالوا : بئسما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى لم يبق إلا الشريد، تركتموهم... ؟ إرجعوا فاستأصلوا. فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا أعرابياً فجعلوا له جعلاً فقالوا له : إن لقيت محمداً فأخبرهم بما قد جمعنا لهم. فأخبر الله رسوله ﷺ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد. فأنزل الله في ذلك، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي ﷺ، وما قذف في قلبه من الرعب فقال ﴿ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال « قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة فقال النبي ﷺ : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب ».
وأخرج مسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال :« نصرت بالرعب على العدوّ ».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي امامة « أن رسول الله ﷺ قال : فضلت على الأنبياء بأربع : أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأينما رجل أدركه من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم ».
أخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال : كان الله وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل، فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا، رفع عنهم مدد الملائكة، وأنزل الله ﴿ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ﴾ فصدق الله وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ولقد صدقكم الله وعده... ﴾ الآية. قال « إن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحداً، وخرج رسول الله ﷺ فأذن في الناس، فاجتمعوا وأمر على الخيل الزبير بن العوّام، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي، وأعطى رسول الله ﷺ اللواء رجلاً من قريش يقال له مصعب بن عمير، وخرج حمزة بن عبد المطلب بالجيش، وبعث حمزة بين يديه، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل، فبعث رسول الله ﷺ الزبير وقال : استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر فقال : لا تبرحوا حتى أوذنكم، وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى، فأرسل النبي ﷺ إلى الزبير أن يحمل، فحمل خالد بن الوليد فهزمه ومن معه فقال ﴿ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ﴾.
وأن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم، وأن رسول الله ﷺ بعث بعضاً من الناس فكانوا من ورائهم فقال رسول الله ﷺ : كونوا ههنا، فَرُدّوا وجهه من نَدَّ مِنَّّا، وكونوا حرساً لنا قبل ظهورنا. وأن رسول الله ﷺ لما هزم القوم هو وأصحابه الذين كانوا، جعلوا من ورائهم فقال بعضهم لبعض لما رأوا النساء مصعدات في الجبل، ورأوا الغنائم : انطلقوا إلى رسول الله ﷺ فأدركوا الغنيمة قبل أن تستبقوا إليها وقالت طائفة أخرى : بل نطيع رسول الله ﷺ، فنثبت مكاننا، فذلك قوله ﴿ منكم من يريد الدنيا ﴾ للذين أرادوا الغنيمة ﴿ ومنكم من يريد الآخرة ﴾ للذين قالوا : نطيع رسول الله ﷺ ونثبت مكاننا. فاتوا محمداً ﷺ، فكان فشلاً حين تنازعوا بينهم يقول ﴿ وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ﴾ كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة »
.
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه قال « ما نصر الله نبيه في موطن كما نصر يوم أحد فانكروا ».
456
فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله، إن الله يقول في يوم أحد ﴿ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ﴾ يقول ابن عباس :« والحس ». القتل.
﴿ حتى إذا فشلتم ﴾ إلى قوله ﴿ ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ﴾ وإنما عنى هذا الرماة، وذلك « أن النبي ﷺ أقامهم في موضع ثم قال : احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا. فلما غنم النبي ﷺ، وأبا عسكر المشركين انكفأت الرماة جميعاً فدخلوا في العسكر ينتهيون، والتفت صفوف المسلمين فهم هكذا وشبك بين يديه والتبسوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخل الخيل من ذلك الموضع على الصحابة، فضرب بعضهم بعضاً والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله ﷺ وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغاب. إنما كانوا تحت المهراس، وصاح الشيطان قتل محمد فلم يشك فيه أنه حق.
فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع بين السعدين نعرفه بتكفؤه إذا مشى، ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصبنا فَرَقِيَ نحونا وهو يقول : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم، ويقول مرة أخرى. اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا، فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : أعل هبل أعل هبل. أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر : ألا أجيبة يا رسول الله؟ قال : بلى. فلما قال : أعل هبل. قال عمر : الله أعلى وأجل. فعاد فقال : أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ فقال عمر : هذا رسول الله، وهذا أبو بكر، وها أنا عمر. فقال : يوم بيوم بدر، الأيام دول والحرب سجال فقال عمر : لا سواء... قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال : إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذن وخسرنا. ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما انه كان ذلك ولم نكرهه »
.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر عن ابن مسعود قال « إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبرَّ أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله ﴿ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ﴾ فلما خالف أصحاب النبي ﷺ وعصوا ما أمروا به، أفرد رسول الله ﷺ في تسعة. سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش. وهو عاشر، فلما رهقوه قال : رحم الله رجلاً ردهم عنا. فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل، فلما رهقوه أيضاً قال : رحم الله رجلاً ردهم عنا، فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة فقال رسول الله ﷺ لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا.
فجاء أبو سفيان فقال : أعل هبل فقال رسول الله ﷺ : قولوا الله أعلى وأجل. فقالوا : الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله ﷺ : قولوا اللهم مولانا والكافرون لا مولى لهم. ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر، يوم لنا ويوم علينا، ويوم نساء ويوم نسر، حنظلة بحنظلة وفلان بفلان. فقال رسول الله ﷺ : لا سواء. أما قتلانا فأحياء يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون. قال أبو سفيان : قد كان في القوم مثلة وإن كانت على غير توجيه منا، ما أمرت ولا نهيت، ولا أحببت ولا كرهت، ولا ساءني ولا سرني. قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها. فقال رسول الله ﷺ : أكلت شيئاً؟ قالوا : لا. قال : ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار. فوضع رسول الله ﷺ حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعون صلاة »
.
457
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن البراء بن عازب قال « جعل رسول الله ﷺ على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً عبد الله بن جبير ووضعهم موضعاً وقال : ان رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تَبْرَحُوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة أي قوم الغنيمة... ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ قال عبدالله بن جبير : أفنسيتم ما قال لكم رسول الله ﷺ ؟ فقالوا : إنا والله لَنَاْتِيَنَّ الناس فَلْنصِيبَنَّ من الغنيمة. فلما أتوهم صرفت وجوههم فاقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله ﷺ غير اثني عشر رجلاً. فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله ﷺ وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة. سبعين أسيراً، وسبعين قتيلاً.
قال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاثاً؟ فنهاهم رسول الله ﷺ أن يجيبوه ثم قال : أفي ابن أبي قحافة مرتين؟ أفي القوم ابن الخطاب مرتين؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم. فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت أحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك. قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز : أعل هبل فقال رسول الله ﷺ : ألا تجيبونه؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل. قال : إن لنا العزى ولا عزى لكم. قال رسول الله ﷺ : ألا تجيبونه؟ قالوا : يا رسول الله وما نقول؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم »
.
458
وأخرج البيهقي في الدلائل عن جابر قال « انهزم الناس عن رسول الله ﷺ يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلاً من الأنصار، وطلحة بن عبيد الله، وهو يصعد في الجبل، فلحقهم المشركون فقال : الا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة : أنا يا رسول الله فقال : كما أنت يا طلحة فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله فقاتل عنه وصعد رسول الله ﷺ ومن بقي معه، ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال : ألا رجل لهؤلاء؟ فقال طلحة مثل قوله، فقال رسول الله ﷺ مثل قوله، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله وأصحابه يصعدون، ثم قتل. فلحقوه فلم يزل يقول مثل قوله الأول، ويقول طلحة أنا يا رسول الله فيحبسه، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذن له، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة، فغشوهما فقال رسول الله ﷺ : من لهؤلاء؟ فقال طلحة : أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال : حس. فقال. لو قلت بسم الله، أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك في جوّ السماء، ثم صعد رسول الله ﷺ إلى أصحابه وهم مجتمعون ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله ﴿ إذ تحسُّونهم بإذنه ﴾ قال :« الحس » القتل.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس. مثله.
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس ﴿ إذ تحسونهم ﴾ قال : تقتلونهم.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ إذ تحسُّونهم ﴾ قال : تقتلونهم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :
ومنا الذي لاقى بسيف محمد فحس به الأعداء عرض العساكر
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله ﴿ إذ تحسونهم بإذنه ﴾ قال : تقتلونهم قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد ﷺ ؟ قال : نعم.
459
أما سعمت قول عتبة الليثي :
نحسهم بالبيض حتى كأننا نفلق منهم بالجماجم حنظلا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ﴿ حتى إذا فشلتم ﴾ قال : الفشل الجبن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع ﴿ حتى إذا فشلتم ﴾ يقول : جبنتم عن عدوكم ﴿ وتنازعتم في الأمر ﴾ يقول اختلفتم وعصيتم ﴿ من بعد ما أراكم ما تحبون ﴾ وذلك يوم أُحُد قال لهم : إنكم ستظهرون فلا أعرِفَنَّ ما أصبتم من غنائمهم شيئاً حتى تفرغوا. فتركوا أمر النبي ﷺ وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عهدَه الذي عهده إليهم، وخافوا إلى غير ما أمرهم به فنصر عليهم عدوّهم من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزى في قوله ﴿ حتى إذا فشلتم ﴾ قال : كان وضع خمسين رجلاً من أصحابه عليهم عبيد الله بن خوات، فجعلهم بإزاء خالد بن الوليد على خيل المشركين، فلما هزم رسول الله ﷺ الناس قال نصف أولئك : نذهب حتى نلحق بالناس ولا تفوتنا الغنائم، وقال بعضهم : قد عهد إلينا رسول الله ﷺ أن لا نريم حتى يحدث إلينا. فلما رأى خالد بن الوليد رقتهم حمل عليهم، فقاتلوا خالداً حتى ماتوا ربضة، فأنزل الله فيهم ﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾ إلى قوله ﴿ وعصيتم ﴾ فجعل أولئك الذين انصرفوا عصاة.
وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب ﴿ من بعد ما أراكم ما تحبون ﴾ الغنائم، وهزيمة القوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ من بعد ما أراكم ما تحبون ﴾ قال : نصر الله المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وذلول، ثم أديل عليهم المشركون بعصيتهم للنبي ﷺ.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : إن نبي الله ﷺ أمر يوم أحد طائفة من المسلمين فقال : كونوا مسلحة للناس بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم. فلما لقي نبي الله ﷺ يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين، هزمهم نبي الله ﷺ، فلما رأى المسلحة أن الله هزم المشركين انطلق بعضهم يتنادون الغنية الغنيمة... لا تفتكم، وثبت بعضهم مكانهم وقالوا لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله ﷺ. ففي ذلك نزل ﴿ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ﴾ فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي ﷺ كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال : لما هزم الله المشركين يوم أحد قال الرماة : أدركوا الناس ونبي الله ﷺ لا يسبقونا إلى الغنائم فتكون لهم دونكم.
460
وقال بعضهم : لا نريم حتى يأذن لنا النبي ﷺ فنزلت ﴿ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ﴾ قال ابن جريج : قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحداً من أصحاب النبي ﷺ كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يومئذ.
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ يريد الدنيا حتى نزلت فينا يوم أحد ﴿ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ﴿ ثم صرفكم عنهم ﴾ قال : صرف القوم عنهم، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر، وقتل عم رسول الله ﷺ، وكسرت رباعيته، وشج في وجهه فقالوا : أليس كان رسول الله ﷺ وعدنا النصر؟ فأنزل الله ﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾ إلى قوله ﴿ ولقد عفا عنكم ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ﴿ ولقد عفا عنكم ﴾ قال : يقول الله : قد عفوت عنكم إذ عصيتموني أن لا أكون استأصلتكم، ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله ﷺ، وفي سبيل الله، غضاب لله يقاتلون أعداء الله، نهوا عن شيء فضيعوه، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم، قتل منهم سبعون، وقتل عم رسول الله ﷺ، وكسرت رباعيته، وشج وجهه، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرأ على كل كبيرة، ويركب كل داهية، ويسحب عليها ثيابه، ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ ولقد عفا عنكم ﴾ قال : إذ لم يستأصلكم.
وأخرج البخاري عن عثمان بن موهب قال :« جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك بحرمة هذا البيت. أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟ قال : نعم. قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال : نعم. قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال : نعم. فكبر فقال ابن عمر : تعال لأخبرك، ولأبين لك عما سألتني عنه. أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه. وأما تغيبه عن بدر فإنه تحته بنت النبي ﷺ وكانت مريضة فقال له رسول الله ﷺ » إن لك أجر رجل وسهمه «. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث عثمان فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي ﷺ بيده اليمنى، فضرب بها على يده فقال » هذه يد عثمان اذهب بها الآن معك « ».
461
أخرج ابن جريرعن الحسن البصري أنه قرأ ﴿ تصعدون ﴾ بفتح التاء والعين.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ تصعدون ﴾ برفع التاء وكسر العين.
وأخرج ابن جرير عن هرون قال : في قراءة أبي بن كعب « إذ تصعدون في الوادي ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ إذ تصعدون ﴾ قال : صعدوا في أحد فراراً يدعوهم في اخراهم « إليّ عباد الله ارجعوا، إليّ عباد الله ارجعوا ».
وأخرج ابن المنذر عن عطية العوفي قال : لما كان يوم أحد وانهزم الناس، صعدوا في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم فقال الله ﴿ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل أنه عن قوله ﴿ إذ تصعدون... ﴾ الآية. قال : فروا منهزمين في شعب شديد لا يلوون على أحد، والرسول يدعوهم في أخراهم « إليّ عباد الله، إليّ عباد الله. ولا يلوي عليه أحد ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ إذ تصعدون ﴾ الآية. قال : ذاكم يوم أحد صعدوا في الوادي فراراً ونبي الله ﷺ يدعوهم في أخراهم « إليّ عباد الله، إليّ عباد الله ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ﴾ فرجعوا وقالوا : والله لنأتينهم ثم لنقتلنهم. فقال رسول الله ﷺ « مهلاً فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني » فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم وقد أيسوا، وقد اخترطوا سيوفهم ﴿ فأثابكم غماً بغمٍّ ﴾ فكان غمُّ الهزيمة، وغمُّهم حين أتوهم ﴿ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ﴾ من الغنيمة ﴿ وما أصابكم ﴾ من القتل والجراحة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف ﴿ فأثابكم غماً بغم ﴾ قال : الغم الأول بسبب الهزيمة، والثاني حين قيل قتل محمد. وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ فأثابكم غماً بغم ﴾ قال : فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت أن محمداً قد قتل، فرجع الكفار فضربوهم مدبرين حتى قتلوا منهم سبعين رجلاً، ثم انحازوا إلى النبي ﷺ، فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ فأثابكم غماً بغم ﴾ قال : الغم الأوّل الجراح والقتل، والغم الآخر حين سمعوا أن النبي ﷺ قد قتل. فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنيمة.
462
وذلك قوله ﴿ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال :« انطلق النبي ﷺ يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلما رأوه وضع رجل سهماً في قوسه فأراد أن يرميه فقال : أنا رسول الله. ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله ﷺ حياً، وفرح رسول الله ﷺ حين رأى أن في أصحابه من يمتنع. فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله ﷺ حين ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وهمهم أبو سفيان فقال رسول الله ﷺ » ليس لهم أن يعلونا، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد. ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم « فذلك قوله ﴿ فأثابكم غماً بغم ﴾ الغم الأوّل ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغم الثاني اشراف العدوّ عليهم ﴿ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ﴾ من الغنيمة ﴿ ولا ما أصابكم ﴾ من القتل حين تذكرون فشغلهم أبو سفيان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا، فلما تولجوا في الشعب وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليه فيقتلونهم أيضاً، فأصابهم حزن من ذلك أنساهم حزنهم في أصحابهم. فذلك قوله سبحانه ﴿ فأثابكم غماً بغم ﴾.
463
أخرج ابن جرير عن السدي. « أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، فواعدوا النبي ﷺ بدراً من قابل فقال لهم : نعم. فتخوّف المسلمون أن ينزلوا المدينة، فبعث رسول الله ﷺ رجلاً فقال : انظر فإن رأيتهم قد قعدوا على أثقالهم، وجنبوا خيولهم، فإن القوم ذاهبون. وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم، وجنبوا على أثقالهم، فإن القوم ينزلون المدينة. فاتقوا الله واصبروا، ووطنهم على القتال. فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعاً عجالاً نادى بأعلى صوته بذهابهم، فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله ﷺ فناموا، وبقي الناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم فقال الله يذكر حين أخبرهم النبي ﷺ ﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ﴾ ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم، وإنما ينعس من يأمن.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة قال : سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله ﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً ﴾ قال : ألقي علينا النوم يوم أحد.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس أن أبا طلحة قال : غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، حدث أنه كان ممن غشيه النعاس يومئذ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، وسقط وآخذه. فذلك قوله ﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم ﴾ والطائفة الأخرى؛ المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه وأخذ له للحق يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية كذبهم إنما هم أهل شك وريبة في الله.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والحاكم وصححه وابن مردويه وابن جرير والطبراني وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن الزبير بن العوّام قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو مميد تحت حجفته من النعاس. فذلك قوله ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً وتلا هذه الآية ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً.
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوّام قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو مميد تحت حجفته من النعاس.
464
وتلا هذه الآية ﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً... ﴾ الآية.
وأخرج ابن اسحق وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الزبير قال : لقد رأيتني مع رسول الله ﷺ حين اشتد الخوف علينا، أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره، فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم ﴿ لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ﴾ فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله ﴿ ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً ﴾ إلى قوله ﴿ ما قتلنا ههنا ﴾ لقول معتب بن قشير.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه قرأ في آل عمران ﴿ أمنة نعاساً تغشى ﴾ بالتاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود قال « النعاس » عند القتال أمنة من الله، والنعاس في الصلاة من الشيطان.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : إن المنافقين قالوا لعبدالله بن أبي وكان سيد المنافقين في أنفسهم قتل اليوم بنو الخزرج. فقال : وهل لنا من الأمر شيء؟ أما والله ﴿ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ [ المنافقون : ٨ ] وقال ﴿ لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل ﴾.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ﴿ ظن الجاهلية ﴾ قالا : ظن أهل الشرك.
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال معتب : الذي قال يوم أحد ﴿ لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ﴾ فأنزل الله في ذلك من قولهم ﴿ وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله ﴾ إلى آخر القصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ﴿ يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ﴾ كان مما أخفوا في أنفسهم أن قالوا ﴿ لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال : لما قتل من قتل من أصحاب محمد أتوا عبدالله بن أبي فقالوا له : ما ترى؟ فقال : إنا والله ما نؤامر ﴿ لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله ﴿ قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ﴾ قال : كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله، وليس كل من يقاتل يقتل، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل.
465
أخرج ابن جرير عن كليب قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ قال : لما كان يوم أحد هزمنا، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى، والناس يقولون : قتل محمد فقلت : لا أجد أحداً يقول قتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل. فنزلت ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان... ﴾ الآية. كلها.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ قال : هم ثلاثة. واحد من المهاجرين، واثنان من الأنصار.
وأخرج ابن منده في معرفة الصحابة عن ابن عباس في قوله ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان... ﴾ الآية. قال : نزلت في عثمان، ورافع بن العلى، وحارثة بن زيد.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار، وأبي حذيفة بن عتبة، ورجل آخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ قال : عثمان، والوليد بن عقبة، وخارجة بن زيد، ورفاعة بن معلى.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفان، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان، أخوان من الأنصار من بني زريق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن اسحق ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ فلان، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان الأنصاريان، ثم الزرقيان. وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله ﷺ حتى انتهى بعضهم إلى المنفى دون الأغوص، وفر عقبة بن عثمان، وسعد بن عثمان، حتى بلغوا الجعلب جبل بناحية المدينة مما يلي الأغوص فأقاموا به ثلاثاً، ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ، فزعموا أن رسول الله ﷺ قال « لقد ذهبتم فيها عريضة ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جريرعن قتادة ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ﴾ ذلك يوم أحد ناس من أصحاب النبي ﷺ تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه، فأنزل الله ما تسمعون أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ إن الذين تولوا منكم ﴾ يعني انصرفوا عن القتال منهزمين ﴿ يوم التقى الجمعان ﴾ يوم أحد حين التقى الجمعان؛ جمع المسلمين، وجمع المشركين، فانهزم المسلمون عن النبي ﷺ، وبقي في ثمانية عشر رجلاً ﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾ يعني حين تركوا المركز وعصوا أمر الرسول ﷺ حين قال للرماة يوم أحد « لا تبرحوا مكانكم فترك بعضهم المركز » ﴿ ولقد عفا الله عنهم ﴾ حين لم يعاقبهم فيستأصلهم جميعاً ﴿ إن الله غفور حليم ﴾ فلم يجعل لمن انهزم يوم أحد بعد قتال بدر النار كما جعل يوم بدر.
466
هذه رخصة بعد التشديد.
وأخرج أحمد وابن المنذر عن شقيق قال : لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد : ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرحمن : أخبره أني لم أفر يوم عينين يقول يوم أحد، ولم أتخلف عن بدر، ولم أترك سنة عمر، فانطلق فخبر بذلك عثمان فقال : أما قوله أني لم أفر يوم عينين فكيف يعيرني بذلك وقد عفا الله عني؟ فقال ﴿ إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ﴾. وأما قوله : إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله ﷺ حتى ماتت، وقد ضرب لي رسول الله ﷺ بسهم. ومن ضرب له رسول الله ﷺ بسهم فقد شهد. وأما قوله : إني لم أترك سنة عمر فإني لا أطيقها ولا هو، فأتاه فحدثه بذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن رجاء بن أبي سلمة قال : الحلم أرفع من العقل لأن الله تعالى تسمى به.
467
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض... ﴾ الآية. قال : هذا قول عبدالله بن أبي بن سلول والمنافقين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم... ﴾ الآية. قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي ﴿ إذا ضربوا في الأرض ﴾ وهي التجارة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ﴾ قال : هذا قول الكفار إذا مات الرجل يقولون : لو كان عندنا ما مات فلا تقولوا كما قال الكفار.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ﴾ قال : يحزنهم قولهم لا ينفعهم شيئاً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن اسحق ﴿ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ﴾ لقلة اليقين بربهم ﴿ والله يحيي ويميت ﴾ أي يُعَجِّلُ ما يشاء ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته ﴿ ولئن قتلتم في سبيل الله... ﴾ الآية. أي الموت كائن لا بد منه، فموت في سبيل الله أو قتل ﴿ خير ﴾ لو علموا واتقوا ﴿ مما يجمعون ﴾ من الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد تخوف الموت والقتل لما جمعوا من زهيد الدنيا زهادة في الآخرة ﴿ ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ﴾ أي ذلك كائن إذ إلى الله المرجع فلا تَغُرَنَّكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه آثر عندكم منها.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ ﴿ متم ﴾ و ( إذا متنا ). كل شيء في القرآن بكسر الميم.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ فبما رحمة من الله ﴾ يقول : فبرحمة من الله ﴿ لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾ أي والله طهره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريباً رحيماً رؤوفاً بالمؤمنين. وذكر لنا أن نعت محمد ﷺ في التوراة ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخوب في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن. أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذا خلق محمد ﷺ نعته الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله ﴿ لانفضوا من حولك ﴾ قال : لانصرفوا عنك.
وأخرج الحكيم الترمذي وابن عد بسند فيه متروك عن عائشة قالت :« قال رسول الله ﷺ : إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض ».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن الحسن في قوله ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال : قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال : أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : ما أمر الله نبيه بالمشاورة إلا لما علم ما فيها من الفضل والبركة. قال سفيان : وبلغني أنها نصف العقل. وكان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال « لما نزلت ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال رسول الله ﷺ : أما ان الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً ».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال « قال رسول الله ﷺ : ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار ».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال : أبو بكر وعمر.
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر.
469
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم « أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر وعمر : لو اجتمعتا في مشورة ما خالفتكما ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : ما رأيت أحداً من الناس أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو قال : كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو : أن رسول الله ﷺ كان يشاور في الحرب فعليك به.
وأخرج الحاكم عن علي قال : قال رسول الله ﷺ :« لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلف ابن أم عبد ».
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن المنذر بسند حسن عن ابن عباس أنه قرأ « وشاورهم في بعض الأمر ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾ قال : أمر الله نبيه ﷺ إذا عزم على أمر أن يمضي فيه، ويستقيم على أمر الله، ويتوكل على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد وأبي نهيك أنهما قرآ « فإذا عزمت يا محمد على أمر فتوكل على الله ».
وأخرج ابن مردويه عن علي قال « سئل رسول الله ﷺ عن العزم فقال : مشاورة أهل الرأي، ثم أتباعهم ».
وأخرج الحاكم عن الحباب بن المنذر قال « أشرت على رسول الله ﷺ يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني. خرجت مع رسول الله ﷺ فعسكر خلف الماء، فقلت يا رسول الله أبوحي فعلت أو برأي؟ قال : برأي يا حباب. قلت : فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك، فإن لجأت لجأت إليه، فقبل ذلك مني. قال : ونزل جبريل على النبي ﷺ فقال : أي الأمرين أحب إليك تكون في دنياك مع أصحابك أو ترد على ربك فيما وعدك من جنات النعيم؟ فاستشار أصحابه فقالوا : يا رسول الله تكون معنا أحب إلينا، وتخبرنا بعورات عدونا، وتدعو الله لينصرنا عليهم وتخبرنا من خبر السماء، فقال رسول الله ﷺ : ما لك لا تتكلم يا حباب! فقلت : يا رسول الله اختر حيث اختار لك ربك. فقبل ذلك مني » قال الذهبي : حديث منكر.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس. أن رسول الله ﷺ نزل منزلاً يوم بدر فقال الحباب بن المنذر : ليس هذا بمنزل، انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم، ثم نبني عليه حوضاً ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواها من القلب. فنزل جبريل على رسول الله ﷺ فقال : الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر.
470
فقال رسول الله ﷺ « يا حباب أشرت بالرأي » فنهض رسول الله ﷺ ففعل ذلك.
وأخرج ابن سعد بن يحيى بن سعيد. أن النبي ﷺ استشار الناس يوم بدر، فقام الحباب بن المنذر فقال : نحن أهل الحرب، أرى أن تغور المياه إلا ماء واحداً نلقاهم عليه. قال : واستشارهم يوم قريظة والنضير، فقام الحباب بن المنذر فقال : أرى أن ننزل بين القصور فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء، وخبر هؤلاء عن هؤلاء، فأخذ رسول الله ﷺ بقوله.
471
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن اسحق في الآية قال : أي أن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس، لن يضرك خذلان من خذلك، وإن يخذلك فلن يضرك الناس ﴿ فمن ذا الذي ينصركم من بعده ﴾ أي لا تترك أمري للناس، وارفض الناس لأمري ﴿ وعلى الله ﴾ لا على الناس ﴿ فليتوكل المؤمنون ﴾.
وأخرج أبو داود وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله ﷺ أخذها. فأنزل الله ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ ﴿ ما كان لنبي أن يغل ﴾ فقال ابن عباس : بلى. ويقتل، إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله ﷺ غلها يوم بدر. فأنزل الله ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال « بعث النبي ﷺ جيشاً فردت رايته، ثم بعث فردت بغلول رأس غزالة من ذهب. فنزلت ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ ».
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال : ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال : فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض الناس : لعل النبي ﷺ أخذها. فأنزل الله ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال : خصيف فقلت لسعيد بن جبير ﴿ ما كان لنبي أن يغل ﴾ يقول : ليخان قال : بل يغل، فقد كان النبي والله يغل ويقتل أيضاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ بنصب الياء ورفع الغين.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الرحمن السلمي وأبي رجاء ومجاهد وعكرمة. مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قرأ ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ بفتح الياء
وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال : قلت لابن عباس إن ابن مسعود يقرأ ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ يعني بفتح الغين فقال لي : قد كان له أن يغل وأن يقتل، إنما هي ﴿ أن يغل ﴾ يعني بضم الغين. ما كان الله ليجعل نبياً غالاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال : أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنزل الله يقول : ما كان الله ليجعل نبياً يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النبي ﷺ استسنوا به.
473
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك قال « بعث النبي ﷺ طلائع، فغنم رسول الله ﷺ، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا؟ فأنزل الله ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ ».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال : أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال أن يخون.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ بنصب الغين قال : أن يخان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة والربيع ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ يقول : ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه. وذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ يوم بدر، وقد غل طوائف من أصحابه.
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال : كان ابن عباس ينكر على من يقرأ ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ ويقول : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل؟ قال الله ﴿ ويقتلون الأنبياء بغير حق ﴾ [ البقرة : ٦١ ] ولكن المنافقين اتهموا النبي ﷺ في شيء من الغنيمة، فأنزل الله ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني. « أن رجلاً توفي يوم حنين فذكروا لرسول الله ﷺ فقال : صلوا عليه. فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال : إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين ».
وأخرج الحاكم وصححه عن عبدالله بن عمر قال « كان رسول الله ﷺ إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في النار، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال : يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة فقال : أسمعت بلالاً ثلاثاً؟ قال : نعم. قال : فما منعك أن تجيء به؟ قال : يا رسول الله أعتذر. قال : كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك ».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن صالح بن محمد بن زائدة قال : دخل مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال : سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي ﷺ قال « إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه، واضربوه. قال فوجدنا في متاعه مصحفاً، فسئل سالم عنه فقال : بعه وتصدق بثمنه ».
474
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبدالله بن شقيق قال « أخبرني من سمع رسول الله ﷺ وهو بوادي القرى وجاءه رجل فقال : استشهد مولاك فلان. قال : بل هو الآن يُجَرُّ إلى النار في عباءة غلَّ بها الله ورسوله ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال « كان على ثقل النبي ﷺ رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله ﷺ : هو في النار. فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه عباءة قد غلها ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال « قيل يا رسول الله استشهد مولاك فلان قال : كلا. إني رأيت عليه عباءه قد غلها ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال « أهدى رفاعة إلى رسول الله ﷺ غلاماً فخرج به معه إلى خيبر، فنزل بين العصر والمغرب، فأتى الغلام سهم غائر فقتله. فقلنا هنيئاً لك الجنة فقال : والذي نفسي بيده إن شملته لُتحْرَقَ عليه الآن في النار، غلها من المسلمين. فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أصبت يومئذ شراكين فقال : يقدمنك مثلها من نار جهنم ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن سالم قال : كان أصحابنا يقولون : عقوبة صاحب الغلول، أن يحرق فسطاطه ومتاعه.
وأخرج الطبراني عن كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده. أن النبي ﷺ قال « لا إسلال ولا غلول ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ »
وأخرج الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل قال « بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت فقال : أتدري لمَ بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ لهذا دعوتك، فامضِ لذلك ».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال « ذكر لنا أن رسول الله ﷺ كان إذا غنم مغنماً بعث مناديه يقول : ألا لا يغلن رجل مخيطاً فما فوقه، ألا لا أعرفن رجلاً يغل بعيراً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء، ألا لا أعرفن رجلاً يغل فرساً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له حمحمة، ألا لا أعرفن رجلاً يغل شاة يأتي بها يوم القيامة حاملها على عنقه لها ثغاء يتتبع من ذلك ما شاء الله أن يتتبع. ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول : اجتنبوا الغلول فإنه عار، وشنار، ونار ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال
475
« قام فينا رسول الله ﷺ يوماً، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره ثم قال : ألا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ».
وأخرج هناد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة. أن رجلاً قال له : أرأيت قول الله ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها، أرأيت من يغل مائة بعير ومائتي بعير كيف يصنع بها؟ قال : أرأيت من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل ورقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة. ألا يحمل مثل هذا.
وأخر ج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن بريدة قال « قال رسول الله ﷺ : إن الحجر ليزن سبع خلفات ليلقى في جهنم فيهوى فيها سبعين خريفاً، ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ ».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود عن عدي بن عميرة الكندي قال : قال رسول الله ﷺ :« يا أيها الناس من عمل منكم لنا في عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غل وفي لفظ فإنه غلول يأتي به يوم القيامة ».
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن أنيس. أنه تذاكر هو وعمر يوماً الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله ﷺ حين ذكر غلول الصدقة، من غل منها بعيراً أو شاة فإنه يحمله يوم القيامة؟ قال عبدالله بن أنيس : بلى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ يعني يأت بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال : لو كنت مستحلاً من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير، ما من أحد يغل غلولاً إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم.
وأخرج أحمد وابن أبي داود في المصاحف عن خمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تغير فقال ابن معسود : من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه، من غل شيئاً جاء به يوم القيامة، ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة.
476
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ أفمن اتبع رضوان الله ﴾ يعني رضا الله فلم يغلل في الغنيمة ﴿ كمن باء بسخط من الله ﴾ يعني كمن استوجب سخطاً من الله في الغلول فليس هو بسواء، ثم بين مستقرهما فقال للذي يغل ﴿ مأواه جهنم وبئس المصير ﴾ يعني مصير أهل الغلول، ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال ﴿ هم درجات ﴾ يعني فضائل ﴿ عند الله والله بصير بما يعملون ﴾ يعني بصير بمن غل منكم ومن لم يغل.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ أفمن اتبع رضوان الله ﴾ قال : من لم يغل ﴿ كمن باء بسخط من الله ﴾ كمن غل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج ﴿ أفمن اتبع رضوان الله ﴾ قال : أمر الله في أداء الخمس ﴿ كمن باء بسخط من الله ﴾ فاستوجب سخطاً من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ أفمن اتبع رضوان الله ﴾ قال : من أدى الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ أفمن اتبع رضوان الله ﴾ يقول : من أخذ الحلال خير له ممن أخذ الخرام وهذا في الغلول، وفي المظالم كلها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ هم درجات عند الله ﴾ يقول : بأعمالهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ هم درجات عند الله ﴾ قال : هي كقوله ﴿ لهم درجات عند الله ﴾ [ الأنفال : ٤ ].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ هم درجات ﴾ يقول : لهم درجات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله ﴿ هم درجات ﴾ قال : للناس درجات بأعمالهم في الخير والشر.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ﴿ هم درجات عند الله ﴾ قال : أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذين فاق فضله على الذي أسفل منه، ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد.
477
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في هذه الآية ﴿ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ﴾ قالت : هذه للعرب خاصة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : منّ من الله عظيم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة جعله الله رحمة لهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، بعثه الله إلى يوم لا يعلمون فعلمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ أو لما أصابتكم مصيبة... ﴾ الآية. يقول : إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين واسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين. فذلك قوله ﴿ أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ﴾ ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله، وهؤلاء مشركون ﴿ قل هو من عند أنفسكم ﴾ عقوبة لكم بمعصيتكم النبي ﷺ حين قال ما قال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا : من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا؟ فلما رأى الله ما قالوا من ذلك قال الله : هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر، فردهم الله بذلك، وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن علي قال « جاء جبريل إلى النبي ﷺ فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، فدعا رسول الله ﷺ الناس، فذكر ذلك لهم فقالوا : يا رسول الله عشائرنا واخواننا نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا بعدتهم، فليس في ذلك ما نكره. فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن وابن جريج ﴿ قل هو من عند أنفسكم ﴾ عقوبة لكم بمعصيتكم النبي ﷺ حين قال : لا تتبعوهم يوم أحد فاتبعوهم.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس ﴿ قلتم أنى هذا ﴾ ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله، وهؤلاء مشركون. فقال ﴿ قل هو من عند أنفسكم ﴾ عقوبة بمعصيتكم النبي ﷺ حين قال : لا تتبعوهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ﴿ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ﴾ قال : أصيبوا يوم أحد قتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين ﴿ قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ﴾ « ذكر لنا أن نبي الله ﷺ قال لأصحابه يوم أحد حين قدم أبو سفيان والمشركون : إنا في جنة حصينة يعني بذلك المدينة فدعوا القوم يدخلوا علينا نقاتلهم فقال له أناس من الأنصار : إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة، وقد كنا نمنع من الغزو في الجاهلية فبالإسلام أحق أن يمتنع منه، فأبرز بنا إلى القوم. فانطلق فلبس لأمته فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله ﷺ بأمر وعرضتم بغيره، اذهب يا حمزة فقل له امرنا لأمرك تبع. فأتى حمزة فقال له. فقال : إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز، وإنه ستكون فيكم مصيبة. قالوا : يا نبي الله خاصة أو عامة؟ قال : سترونها ».
479
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق في قوله ﴿ وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا ﴾ فقال : ليميز بين المؤمنين والمنافقين ﴿ وقيل لهم تعالوا قاتلوا ﴾ يعني عبد الله بن أبي وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ أو ادفعوا ﴾ قال : كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعيد يقول : لو بعت داري فلحقت بثغر من ثغور المسلمين، فكنت بين المسلمين وبين عدوّهم. فقلت : كيف وقد ذهب بصرك؟ قال : ألم تسمع إلى قوله الله ﴿ تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ﴾ أسوّد مع الناس ففعل.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ﴿ أو ادفعوا ﴾ قال : كونوا سواداً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله ﴿ أو ادفعوا ﴾ قال : رابطوا.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن شهاب وغيره قال « خرج رسول الله ﷺ إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشرط بين أحد والمدينة انخذل عنهم عبد الله بن أُبَيَّ بثلث الناس، وقال : أطاعهم وعصاني والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا، فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول : يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضرهم عدوهم. قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن لا نرى أن يكون قتال ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ لو نعلم قتالاً لاتبعناكم ﴾ قال : لو نعلم انا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قالوا ﴿ لو نعلم قتالاً لأتَّبعناكم ﴾ قال : نزلت في عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : خرج رسول الله ﷺ يوم أحد في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فلما غلبوه وقالوا له : ما نعلم قتالاً ولئن أطعتنا لترجعن معنا. فذكر الله. فهو قولهم : ولئن أطعتنا لترجعن { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا.
480
.. } الاية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ الذين قالوا لإخوانهم... ﴾ الآية. قال : ذكر لنا أنها نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع ﴿ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ﴾ قال : نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله في قوله ﴿ الذين قالوا لإخوانهم ﴾ قال : هو عبد الله بن أبي.
وأخرج عن السدي في الآية قال : هم عبد الله بن أبي وأصحابه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال : هو عبد الله بن أبي الذين قعدوا وقالوا لإخوانهم الذين خرجوا مع النبي ﷺ يوم أحد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق ﴿ قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت ﴾ أي أنه لا بد من الموت، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصاً على البقاء في الدنيا وفراراً من الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : إن الله أنزل على نبيه في القدرية ﴿ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم الكفار يقولون لاخوانهم لو كانوا عندنا ما قتلوا، يحسبون أن حضورهم للقتال هو يقدمهم إلى الأجل.
481
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الضحى في قوله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ﴾ قال : نزلت في قتلى أحد، استشهد منهم سبعون رجلاً : أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطلب من بني هاشم، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار، وعثمان بن شماس من بني مخزوم، وعبد الله بن جحش من بني أسد. وسائرهم من الأنصار.
وأخرج أحمد وهناد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال :« قال رسول الله ﷺ : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم، وحسن مقبلهم. قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا » - وفي لفظ - « قالوا : إنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله : أنا أبلغهم عنكم. فأنزل الله هؤلاء الآيات ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا... ﴾ الآية. وما بعدها ».
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال « لقيني رسول الله ﷺ فقال : يا جابر ما لي أراك منكسراً؟ قلت : يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالاً وديناً فقال : ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال : بلى. قال : ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً وقال : يا عبدي تمن عليّ أعطك قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب تعالى : قد سبق مني أنهم لا يرجعون. قال : أي رب فأبلغ من ورائي. فأنزل الله هذه الآية ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً... ﴾ الآية ».
وأخرج الحاكم عن عائشة قالت « قال رسول الله ﷺ لجابر : ألا أبشرك. قال : بلى. قال : شعرت أن الله أحيا أباك فأقعده بين يديه فقال : تمنَّ عليَّ ما شئت أعطيكه قال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك، أتمنى أن تردني إلى الدنيا فأقتل مع نبيك مرة أخرى. قال : سبق مني أنك إليها لا ترجع ».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا يوم أحد، فأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا.
482
.. } الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : ذكر لنا عن بعضهم في قوله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا... ﴾ الآية. قال : هم قتلى بدر وأحد، زعموا أن الله تعالى لما قبض أرواحهم وأدخلهم الجنة، جعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في الجنة، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش، فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة قالوا : ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه، فإذا شهدوا قتالاً تعجلوا إلى ما نحن فيه فقال الله : إني منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه. ففرحوا واستبشروا وقالوا : يخبر الله إخوانكم ونبيكم بالذي أنتم فيه. فإذا شهدوا قتالاً أتوكم. فذلك قوله ﴿ فرحين... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن قيس بن مخرمة قال : قالوا : يا رب ألا رسول لنا يخبر النبي ﷺ عنا بما أعطيتنا فقال الله تعالى : أنا رسولكم، فأمر جبريل أن يأتي بهذه الآية ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله... ﴾ الآيتين.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد لقوا ربهم فأكرمهم، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيب قالوا : يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلغهم أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فقال الله : أنا رسولكم إلى نبيكم وإخوانكم، فأنزل الله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا ﴾ إلى قوله ﴿ ولا هم يحزنون ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن إسحق بن أبي طلحة. حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي ﷺ الذين أرسلهم النبي ﷺ إلى بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل، فخرج أولئك النفر حتى أتوا غاراً مشرفاً على الماء قعدوا فيه، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله ﷺ أهل هذا الماء؟ فقال أبو ملحان الأنصاري : أنا. فخرج حتى أتى خواءهم فاختبأ أمام البيوت، ثم قال : يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فآمنوا بالله ورسوله. فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر. فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة، فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم عامر بن الطفيل. فحدثني أنس أن الله أنزل فيهم قرآناً : بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه. ثم نسخت فرفعت بعدما قرأناه زماناً، وأنزل الله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء... ﴾ الآية.
وأخرج ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال : لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا : يا ليت لنا مخبراً يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من الكرامة لنا.
483
فأوحى إليهم ربهم أنا رسولكم إلى إخوانكم. فأنزل الله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا ﴾ إلى قوله ﴿ لا يضيع أجر المؤمنين ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن سعيد بن جبير قال : لما أصيب حمزة وأصحابه بأحد قالوا : ليت من خلفنا علموا ما أعطانا الله من الثواب ليكون أحرى لهم فقال الله : إنا أعلمهم، فأنزل الله ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا... ﴾ الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن مسروق قال : سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ﴾ فقال : أما انا قد سألنا عن ذلك، أرواحهم في جوف طير خضر - ولفظ عبد الرزاق - أرواح الشهداء عند الله كطير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه قال في الثالثة حين قال لهم : هل تشتهون من شيء قالوا : تقرئ نبينا السلام، وتبلغه أنا قد رضينا ورضي عنا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ بل أحياء عند ربهم يرزقون ﴾ قال : يرزقون من ثمر الجنة، ويجدون ريحها وليسوا فيها.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية قال : كنا نحدث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة، وأن مساكنهم سدرة المنتهى، وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاث خصال : من قتل في سبيل الله منهم صار حياً مرزوقاً، ومن غلب آتاه الله أجراً عظيماً، ومن مات رزقه الله رزقاً حسناً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ﴿ بل أحياء ﴾ قال : في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاؤوا منها يأكلون من حيث شاؤوا.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال : أرواح الشهداء في طير بيض في الجنة.
وأخرج ابن جرير من طريق الإفريقي عن ابن بشار الأسلمي أو أبي بشار قال : أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة، في كل قبة زوجتان رزقهم في كل يوم ثور وحوت.
484
فأما الثور ففيه طعم كل ثمرة في الجنة، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة.
وأخرج ابن جرير عن السدي أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في قناديل من ذهب معلقة بالعرش، فهي ترعى بكرة وعشية في الجنة وتبيت في القناديل.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال : أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في ثمر الجنة.
وأخرج هناد بن السري في كتاب الزهد وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال :« إن أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول الرب : هل تعلمون كرامة أكرم من كرامة أكْرَمْتُكُموها؟ فيقولون : لا. إلا أنا وَدَدْنا أنك أعدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل فنقتل مرة أخرى في سبيلك ».
وأخرج هناد في الزهد وابن أبي شيبة في المصنف عن أبي بن كعب قال : الشهداء في قباب من رياض بفناء الجنة، يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان فيلهون بهما، فإذا احتاجوا إلى شيء عقر أحدهما صاحبه، فيأكلون منه فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة.
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية ».
وأخرج هناد في الزهد من طريق ابن إسحق عن إسحق بن عبد الله بن أبي فروة قال : حدثنا بعض أهل العلم أن رسول الله ﷺ قال :« إن الشهداء ثلاثة، فأدنى الشهداء عند الله منزلة رجل خرج منبوذاً بنفسه وماله لا يريد أن يقتل ولا يقتل أتاه سهم غرب فأصابه فأول قطرة تقطر من دمه يغفر له ما تقدم من ذنبه، ثم يهبط الله جسداً من السماء يجعل فيه روحه ثم يصعد به إلى الله، فما يمر بسماء من السموات إلا شيَّعته الملائكة حتى ينتهي إلى الله، فإذا انتهى به وقع ساجدا، ثم يؤمر به فيكسى سبعين حلة من الاستبرق، ثم يقال : اذهبوا به إلى إخوانه من الشهداء فاجعلوه معهم، فيؤتى به إليهم وهم في قبة خضراء عند باب الجنة يخرج عليهم غداؤهم من الجنة ».
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : ما زال ابن آدم يتحمد حتى صار حياً ما يموت، ثم تلا هذه الآية ﴿ أحياء عند ربهم يرزقون ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله ﴿ فرحين بما آتاهم الله من فضله ﴾ قال : بما هم فيه من الخير والكرامة والرزق.
485
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ﴾ قال : لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا : يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما صرنا فيه من الكرامة، فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبون ما أصابنا من الخير، فأخبر النبي ﷺ بأمرهم، وما هم فيه من الكرامة، وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم، وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه من الكرامة، فاستبشروا بذلك. فذلك قوله ﴿ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ﴾ يعني إخوانهم من أهل الدنيا أنهم سيحرصون على الجهاد ويلحقون بهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ﴾ قال : إن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله يقال : يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا، يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا. فيستبشر حين يقدم عليه كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا.
486
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ﴿ يستبشرون بنعمة من الله وفضل... ﴾ الآية. قال : هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء، وقلما ذكر الله فضلاً ذكر به الأنبياء وثواباً أعطاهم إلا ذكر ما أعطى المؤمنين من بعدهم.
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه « سمع النبي ﷺ يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بنحص الجبل » نحص الجبل : أصله.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال « فقد رسول الله ﷺ حمزة حين فاء الناس من القتال فقال رجل : رأيته عند تلك الشجرات وهو يقول : أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهم ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء؛ أبو سفيان وأصحابه، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم. فجاء رسول الله ﷺ نحوه، فلما رأى جثته بكى، ولما رأى ما مثل به شهق ثم قال : ألا كفن؟ فقام رجل من الأنصار فرمى بثوب عليه، ثم قام آخر فرمى بثوب عليه، ثم قال جابر : هذا الثوب لأبيك وهذا لعمي، ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلي عليهم يرفع ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم قال : فرجعت وأنا مثقل قد ترك أبي عليَّ ديناً وعيالاً، فلما كان عند الليل أرسل إلي رسول الله ﷺ فقال : يا جابر إن الله أحيا أباك وكلمه قلت : وكلمه كلاماً! قال : قال له : تمن.... فقال : أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان، وترجعني إلى نبيك فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى. قال : إني قضيت أنهم لا يرجعون وقال : قال ﷺ : سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة ».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أنس قال « كفن حمزة في نمرة كانوا إذا مدوها على رأسه خرجت رجلاه، فأمرهم النبي ﷺ أن يمدوها على رأسه ويجعلوا على رجليه من الإذخر وقال : لولا أن تجزع صفية لتركنا حمزة فلم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب بن مالك « أن رسول الله ﷺ قال يوم أحد : من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل : أنا.... قال : فانطلق فأرناه. فخرج حتى وقف على حمزة فرآه قد بقر بطنه وقد مُثِّل به، فكره رسول الله ﷺ أن ينظر إليه ووقف بين ظهراني القتلى وقال : أنا شهيد على هؤلاء القوم لفوهم في دمائهم، فإنه ليس جريح يجرح إلا جرحه يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم وريحه ريح المسك، قدموا أكثر القوم قرآناً فاجعلوه في اللحد ».
487
وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص « أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي ﷺ يصلي بنا فقال حين انتهى إلى الصف : اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة قال : من المتكلم آنفاً؟ فقال : أنا.... فقال : إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله ».
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب خير منزل فيقول : سل وتمن فيقول : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة. قال : ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول الله : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب شر منزل فيقول : فتفتدى منه بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول : نعم. فيقول : كذبت قد سألتك دون ذلك فلم تفعل ».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« عرض عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار. فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، وعفيف متعفف ذو عيال. وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله، وفقير فخور ».
وأخرج الحاكم عن سهل بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله ﷺ :« إن أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنوبه ».
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أيوب قال : قال رسول الله ﷺ :« من صبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره ».
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس. « أن حارثة بن سراقة خرج نظاراً فأتاه سهم فقتله فقالت أمه : يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة مني فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما أصنع؟ قال : يا أم حارثة أنها ليست بجنة ولكنها جنان كثيرة، وأن حارثة لفي أفضلها. أو قال : في أعلى الفردوس ».
وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال « ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم إلا القتيل في سبيل الله، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى ».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي ﷺ قال
488
« ما من أهل الجنة أحد يسره أن يرجع إلى الدنيا وله عشر أمثالها إلا الشهيد، فإنه ود أنه لو رد إلى الدنيا عشر مرات فاستشهد لما يرى من فضل الشهادة ».
وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي عن قيس الجذامي قال : قال رسول الله ﷺ :« إن للقتيل عند الله ست خصال : تغفر له خطيئته في أول دفعة من دمه، ويجار من عذاب القبر، ويحلى حلة الكرامة، ويرى مقعده من الجنة، ويؤمن من الفزع الأكبر، ويزوّج من الحور العين ».
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة والبيهقي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله ﷺ قال « إن للشهيد عند الله خصالاً. يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى عليه حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه ».
وأخرج أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت. مثله.
وأخرج البزار والبيهقي والأصبهاني في ترغيبه بسند ضعيف عن أنس بن مالك قال رسول الله ﷺ :« الشهداء ثلاثة : رجل خرج بنفسه وماله محتسباً في سبيل الله يريد أن لا يقتل ولا يقتل ولا يقاتل، يكثر سواد المؤمنين، فإن مات وقتل غفرت له ذنوبه كلها، وأجير من عذاب القبر، وأومن من الفزع الأكبر، وزوّج من الحور العين، وحلت عليه حلة الكرامة، ووضع على رأسه تاج الوقار والخلد. والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ولا يقتل، فإن مات أو قتل كانت ركبته مع ركبة إبراهيم خليل الرحمن بين يدي الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر. والثالث رجل خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ويقتل، فإن مات أو قتل جاء يوم القيامة شاهراً سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول : ألا أفسحوا لنا، مرتين. فإنا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله قال رسول الله ﷺ : والذي نفسي بيده لو قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن، أو لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من واجب حقهم، حتى يأتوا منابر من نور عن يمين العرش، فيجلسون فينظرون كيف يقضى بين الناس، لا يجدون غم الموت، ولا يغتمون في البرزخ، ولا تفزعهم الصيحة، ولا يهمهم الحساب، ولا الميزان ولا الصراط، ينظرون كيف يقضي بين الناس، ولا يسألون شيئاً إلا أعطوا، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا، ويعطون من الجنة ما أحبوا، وينزلون من الجنة حيث أحبوا ».
489
وأخرج أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي عن عتبة بن عبد السلمي قال : قال رسول الله ﷺ :« القتلى ثلاثة : رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدوّ قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك ممصمصة تحط من ذنوبه وخطاياه. إن السيف مَحَّاءٌ للخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فإن ذلك في النار. إن السيف لا يمحو النفاق ».
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله ﷺ قال :« يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ».
وأخرج أحمد عن عبد الله بن جحش « أن رجلاً قال : يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال : الجنة. فلما ولى قال : إلا الدين سارني به جبريل آنفاً ».
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن أبي عميرة : أن رسول الله ﷺ قال :« ما من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وإن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد ».
وقال رسول الله ﷺ :« لأن أقتل في سبيل الله أحب إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدر ».
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ».
وأخرج الطبراني عن أنس أن النبي ﷺ قال :« إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً فازدحموا على باب الجنة فقيل : من هؤلاء؟ قيل : الشهداء كانوا مرزوقين ».
وأخرج أحمد وأبو يعلى والبيهقي في الأسماء والصفات عن نعيم بن همار « أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ أي الشهداء أفضل؟ قال : الذين أن يلقوا في الصف لا يلفتوا وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في العرف العالي من الجنة، ويضحك إليهم ربهم. وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه ».
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ :« أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف من الجنة يضحك إليهم ربك. وإذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم ».
490
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال :« ذكر الشهيد عند النبي ﷺ فقال :» لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها «.
وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي ﷺ »
أن رجلاً قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة «.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس »
أن رجلاً أسود أتى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال : في الجنة. فقاتل حتى قتل. أتاه النبي ﷺ فقال : قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك. وقال لهذا أو لغيره : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له صوفا تدخل بينه وبين جبته «.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر »
أن النبي ﷺ مر بخباء أعرابي وهو في أصحابه يريدون الغزو، فرفع الأعرابي ناحية من الخباء فقال : من القوم؟ فقيل : رسول الله ﷺ وأصحابه يريدون الغزو، فسار معهم فقال رسول الله ﷺ : والذي نفسي بيده أنه لمن ملوك الجنة. فلقوا العدو فاستشهدوا خبر بذلك رسول الله ﷺ، فأتاه فقعد عند رأسه مستبشراً يضحك ثم أعرض عنه. فقلنا : يا رسول الله رأيناك مستبشراً تضحك ثم أعرضت عنه؟! فقال : أما ما رأيتم من استبشاري فلما رأيت من كرامة روحه على الله، وأما إعراضي عنه فإن زوجته من الحور العين الآن عند رأسه «.
وأخرج عناد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال »
أن أوّل قطرة تقطر من دم الشهيد يغفر له بها ما تقدم من ذنبه، ثم يبعث الله ملكين بريحان من الجنة وريطة من الجنة، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة ونسمة طيبة. فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا يمر بملك إلا صلى عليه وشيعه، حتى يؤتى به إلى الرحمن فيسجد له قبل الملائكة وتسجد الملائكة بعده، ثم يأمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وقباب من حرير عند ثور وحوت يلعبان لهم كل يوم لعبة لم يلعبا بالأمس مثلها، فيظل الحوت في أنهار الجنة فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه لهم، فأكلوا من لحمه فوجدوا من لحمه طعم كل رائحة من أنهار الجنة، ويبيت الثور نافشاً في الجنة، فإذا أصبح غدا عليه الحوت فوكزه بذنبه، فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل ثمرة من ثمار الجنة ينظرون إلى منازلهم بكرة وعشيا يدعون الله أن تقوم الساعة.
491
وإذا توفى المؤمن بعث الله إليه ملكين بريحان من ريحان الجنة وخرقة من الجنة تقبض فيها نفسه، ويقال : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب عليك غير غضبان. فتخرج كأطيب رائحة وجدها أحد قط بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة. فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا بملك إلا صلى عليه وشيعه، حتى يؤتى به إلى الرحمن. فتسجد الملائكة قبله ويسجد بعدهم ثم يدعى بميكائيل فيقول : اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنهم يوم القيامة، ويؤمر به إلى قبر ويوسع سبعين طوله وسبعين عرضه، وينبذ له فيه ريحان ويشيد بالحرير، فإن كان معه شيء من القرآن كسى نوره، وإن لم يكن معه شيء من القرآن جعل له نور مثل الشمس، فمثله كمثل العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه.
وإن الكافر إذا توفي بعث الله إليه ملكين بخرقة من بجاد أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ولبئس ما قدمت لنفسك. فتخرج كأنتن رائحة وجدها أحد قط، ثم يؤمر به في قبره فيضيق عليه حتى تختلف فيه أضلاعه، ويرسل عليه حيات كأعناق البخت يأكلن لحمه، وتقبض له ملائكة صم بكم عمي لا يسمعون له صوتاً ولا يرونه، فيرحمونه ولا يملون إذا ضربوا يدعون الله أن يديم ذلك عليه حتى يخلص إلى النار «.
وأخرج الطيالسي والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب »
سمعت رسول الله ﷺ يقول : الشهداء أربعة : فمؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقاتل حتى يقتل، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوة كانت على رأسه أو رأس عمر، فهذا في الدرجة الأولى. ورجل مؤمن جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح من الجبن، فأتاه سهم غرب فقتله فهذا في الدرجة الثانية. ورجل مؤمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لقي العدو فصدق الله فَقُتِلَ فهذا في الدرجة الثالثة. ورجل أسرف على نفسه فلقي العدو فقاتل حتى يُقتل، فهذا في الدرجة الرابعة «.
وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء سمعت رسول الله ﷺ يقول :»
الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته «.
492
وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث والنشور عن يزيد بن شجرة أنه كان يقول : إذا صف الناس للصلاة وصفوا للقتال فتحت أبواب السماء، وأبواب الجنة، وأبواب النار، وزين الحور العين وأطلقن، فإذا أقبل الرجل قلن اللهم انصره، وإذا أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له. فانهكوا وجوه القوم، ولا تخزوا الحور العين، فإن أوّل قطرة تقطر من دم أحدكم يكفر عنه كل شيء عمله، وينزل إليه زوجتان من الحور العين يمسحان التراب عن وجهه ويقولان : قد أنالك ويقول : قد أنالكما. ثم يكسى مائة حلة ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة، لو وضعت بين أصبعين لوسعن. وكان يقول : إن السيوف مفاتيح الجنة.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر محمد بن أحمد التميمي قال : سمعت قاسم بن عثمان الجوعي يقول : رأيت في الطواف حول البيت رجلاً لا يزيد على قوله : اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له : ما لك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال : أحدثك. كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى، غزونا أرض العدو فاستؤسرنا كلنا، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتحة عليها سبع جوار من الحور العين على كل باب جارية، فقدم رجل منا فضربت عنقه، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق ستة وبقيت أنا، وبقي باب وجارية. فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله فوهبني له، فسمعتها تقول : أي شيء فاتك يا محروم. !! وأغلقت الباب، وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني. قال قاسم بن عثمان : أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا، وترك يعمل على الشوق.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات واللفظ له عن ابن مسعود : أن رسول الله ﷺ قال :« عجيب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه. فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه ».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال :« ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم : الذي إذا انكشف فئة قاتل وراءها بنفسه لله تعالى فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله تعالى ويكفيه، فيقول : انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه. والذي له امرأة حسناء، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام من السحر في سراء أو ضراء ».
493
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس « أن النبي ﷺ قال : من سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً ثم مات أعطاه الله أجر شهيد ».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن سهل ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده « أن رسول الله ﷺ قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ».
وأخرج أحمد ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه ».
494
أخرج ابن اسحق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال « خرج رسول الله ﷺ لحمراء الأسد، وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله ﷺ وأصحابه وقالوا : رجعنا قبل أن نستأصلهم، لَنَكُرَّنَّ على بقيتهم. فبلغه أن النبي ﷺ خرج في أصحابه يطلبهم، فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان : بلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الرجعة الى أصحابه لنستأصلهم. فلما مر الركب برسول الله ﷺ بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان؛ فقال رسول الله ﷺ والمؤمنون معه ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ فأنزل الله في ذلك ﴿ الذين استجابوا لله والرسول.... ﴾ الآيات.
وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال »
إن رسول الله ﷺ استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدراً، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا : قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل، يرجون أن يواقعوكم فينتهبوكم، فالحذر الحذر.... فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان، فاستجابوا لله ورسوله وخرجوا ببضائع لهم وقالوا : إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا بضائعنا. فكان بدر متجراً يوافي كل عام، فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر، فقضوا منه حاجتهم، وأخلف أبو سفيان الموعد فلم يخرج هو ولا أصحابه، ومر عليهم ابن حمام فقال : من هؤلاء؟ قالوا : رسول الله وأصحابه ينتظرون أبا سفيان ومن معه من قريش. فقدم على قريش فأخبرهم، فأرعب أبو سفيان ورجع إلى مكة، وانصرف رسول الله ﷺ إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، فكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السويق، وكانت في شعبان سنة ثلاث «.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال »
إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه، فرجع إلى مكة فقال النبي ﷺ : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب «، وكانت وقعة أحد في شوّال، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، وأنهم قدموا بعد وقعة أحد، وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي ﷺ، واشتد عليهم الذي أصابهم، وأن رسول الله ﷺ ندب الناس لينطلقوا معه وقال : إنما ترتحلون الآن فتأتون الحج ولا تقدرون على مثلها حتى عام مقبل.
495
فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال ﴿ إن الناس قد جمعوا لكم ﴾ فأبى الناس أن يتبعوه فقال : إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد. فانتدب معه أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، والزبير، وسعد، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجراح؛ في سبعين رجلاً، فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء، فأنزل الله ﴿ الذين استجابوا لله والرسول... ﴾ الآية.
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم. بئسما صنعتم ارجعوا. فسمع رسول الله ﷺ بذلك، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد؛ أو بئر أبي عنبة، شك سفيان فقال المشركون : نرجع قابل. فرجع رسول الله ﷺ، فكانت تعد غزوة. فأنزل الله ﴿ الذين استجابوا لله والرسول... ﴾ الآية. وقد كان أبو سفيان قال للنبي ﷺ : موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة. فأتوه فلم يجدوا به أحد وتسوقوا. فأنزل الله ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل... ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : خرج رسول الله ﷺ إلى بدر الصغرى وبهم الكلوم، خرجوا لموعد أبي سفيان فمر بهم أعرابي، ثم مر بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول :
ونفرت من رفقتي محمد وعجوة منثورة كالعنجد
فتلقاه أبو سفيان فقال : ويلك ما تقول.... ؟! فقال : محمد وأصحابه تركتهم ببدر الصغرى فقال أبو سفيان : يقولون ويصدقون، ونقول ولا نصدق وأصاب رسول الله ﷺ شيئاً من الأعراب وانقلبوا؟! قال عكرمة : ففيهم أنزلت هذه الآية ﴿ الذين استجابوا لله والرسول... ﴾ إلى قوله ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال « إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله ﷺ : إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب في طلبه؟ فقام النبي ﷺ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأناس من أصحاب النبي ﷺ. فتبعوهم، فبلغ أبا سفيان أن النبي ﷺ يطلبه، فلقي عيراً من التجار فقال : ردوا محمداً ولكم من الجعل كذا وكذا... وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعاً، وإني راجع إليهم. فجاء التجار فأخبروا بذلك النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ : حسبنا الله. فأنزل الله ﴿ الذين استجابوا لله والرسول.... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال
496
« أخبرت أن أبا سفيان لما راح هو وأصحابه يوم أحد منقلبين قال المسلمون للنبي ﷺ : إنهم عامدون إلى المدينة يا رسول الله. فقال : إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال فهم عامدوها، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل فقد أرعبهم الله فليسوا بعامديها. فركبوا الأثقال. ثم ندب أناساً يتبعوهم ليروا أن بهم قوّة، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثاً، فنزلت ﴿ الذين استجابوا لله والرسول... ﴾ الآية ».
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله ﴿ الذين استجابوا لله والرسول.... ﴾ الآية. قالت لعروة : يا ابن أختي كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر، لما أصاب نبي الله ﷺ ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا فقال : من يرجع في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً. فيهم أبو بكر والزبير، فخرجوا في آثار القوم فسمعوا بهم، فانصرفوا بنعمة من الله وفضل. قال : لم يلقوا عدوّاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر رجلاً ﴿ الذين استجابوا لله والرسول... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال :« كان يوم أحد السبت للنصف من شوّال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال أذن مؤذن رسول الله ﷺ في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، فكلمه جابر عن عبد الله فقال : يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال : يا بني أنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله ﷺ على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله ﷺ فخرج معه. وإنما خرج رسول الله ﷺ ترعيباً للعدوّ ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوّة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم من عدوهم ».
وأخرج ابن إسحق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان « أن رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ من بني عبد الأشهل كان شهد أحداً قال : شهدت مع رسول الله ﷺ أحداً. أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن رسول الله ﷺ بالخروج في طلب العدو قلت لأخي، أو قال لي : تفوتنا غزوة مع رسول الله ﷺ ؟ ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل.
497
فخرجنا مع رسول الله ﷺ وكنت أيسر جرحاً منه، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون فخرج رسول الله ﷺ حتى انتهى إلى حمراء الأسد. وهي من المدينة على ثمانية أميال، فأقام بها ثلاثاً. الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. فنزل ﴿ الذين استجابوا لله والرسول.. ﴾ الآية «.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم قال : كان عبد الله من ﴿ الذين استجابوا لله والرسول ﴾.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ من بعد ما أصابهم القرح ﴾ قال : الجراحات.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ﴿ من بعد ما أصابهم القرح ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : افصلوا بينهما قوله ﴿ للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم، الذين قال لهم الناس ﴾.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما ندم أبو سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله ﷺ وأصحابه، وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم. فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا، فلقوا أعرابياً فجعلوا له جعلاً، فقالوا له : إن لقيت محمداً وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم. فأخبر الله رسوله ﷺ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد، فلقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر فقالوا :﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ ثم رجعوا من حمراء الأسد. فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم... ﴾ الآية.
وأخرج ابن سعد عن ابن أبزى ﴿ الذين قال لهم الناس ﴾ قال : أبو سفيان. قال لقوم : إن لقيتم أصحاب محمد فأخبروهم أنا قد جمعنا لهم جموعاً. فأخبروهم فقالوا ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحد عيراً واردة المدينة ببضاعة لهم، وبينهم وبين النبي ﷺ جبال فقال : إن لكم عليّ رضاكم إن أنتم رددتم عني محمداً ومن معه، إن أنتم وجدتموه في طلبي أخبرتموه أني قد جمعت له جموعاً كثيرة، فاستقبلت العير رسول الله ﷺ فقالوا له : يا محمد إنا نخبرك أن أبا سفيان قد جمع لك جموعاً كثيرة، وأنه مقبل إلى المدينة، وإن شئت أن ترجع فافعل. فلم يزده ذلك ومن معه إلا يقيناً ﴿ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ فأنزل الله ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا... ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال »
انطلق رسول الله ﷺ وعصابة من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم حتى إذا كانوا بذي الحليفة، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون لهم : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ فأنزل الله { الذين قال لهم الناس.
498
.. } الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ﴿ الذين قال لهم الناس... ﴾ الآية. قال : إن أبا سفيان كان أرسل يوم أحد أو يوم الأحزاب إلى قريش، وغطفان، وهوازن، يستجيشهم على رسول الله ﷺ، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ ومن معه فقيل : لو ذهب نفر من المسلمين فأتوكم بالخبر، فذهب نفر حتى إذا كانوا بالمكان الذي ذكر لهم أنهم فيه لم يروا أحداً فرجعوا «.
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أنس »
أن النبي ﷺ أتى يوم أحد فقيل له : يا رسول الله ﴿ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ﴾ فقال ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ فأنزل الله ﴿ الذين قال لهم الناس... ﴾ الآية «.
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع »
أن النبي ﷺ وجه علياً في نفر معه في طلب أبي سفيان، فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال : إن القوم قد جمعوا لكم ﴿ قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ فنزلت فيهم هذه الآية.... «.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد »
في قوله ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ﴾ قال : هذا أبو سفيان قال لمحمد يوم أحد : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا. فقال محمد ﷺ : عسى. فانطلق رسول الله ﷺ لموعده حتى نزل بدراً فوافوا السوق فابتاعوا، فذلك قوله ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ﴾ وهي غزوة بدر الصغرى «.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كانت بدر متجراً في الجاهلية، وكان رسول الله ﷺ واعد أبا سفيان أن يلقاه بها، فلقيهم رجل فقال له : إن بها جمعاً عظيماً من المشركين. فأما الجبان فرجع. وأما الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال. ﴿ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوّقوا بها ولم يلقوا أحداً فنزلت ﴿ الذين قال لهم الناس ﴾ إلى قوله ﴿ بنعمة من الله وفضل ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ فزادهم إيماناً ﴾ قال : الإيمان يزيد وينقص.
وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا ﴿ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾.
وأخرج البخاري وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : قال آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ وقال نبيكم مثلها ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾.
499
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمرو قال : هي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ وهي الكلمة التي قالها نبيكم وأصحابه إذ قيل لهم ﴿ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا ﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾ ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة « أن النبي ﷺ كان إذا اشتدّ غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال : حسبي الله ونعم الوكيل ».
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله ﷺ :« حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف ».
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة قال « قال رسول الله ﷺ : من قال عشر كلمات عند كل صلاة غداة وجد الله عندهن مكفياً مجزياً : خمس للدنيا، وخمس للآخرة : حسبي الله لديني، حسبي الله لما أهمني، حسبي الله لمن بغى عليّ، حسبي الله لمن حسدني، حسبي الله لمن كادني بسوء، حسبي الله عند الموت، حسبي الله عند المسألة في القبر، حسبي الله عند الميزان، حسبي الله عند الصراط، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب ».
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ﴾ قال ﴿ النعمة ﴾ أنهم سلموا و ﴿ الفضل ﴾ إن عيراً مرَّت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله ﷺ فربح مالاً فقسمه بين أصحابه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال « الفضل » ما أصابوا من التجارة والأجر.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : أعطى رسول الله ﷺ حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى ببدر دراهم ابتاعوا بها من موسم بدر، فأصابوا تجارة فذلك قول الله ﴿ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ﴾ قال : أما النعمة فهي العافية، وأما الفضل فالتجارة، والسوء القتل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ لم يمسسهم سوء ﴾ قال : لم يؤذهم أحد ﴿ واتبعوا رضوان الله ﴾ قال : أطاعوا الله ورسوله.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طريق عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ ﴿ إنما ذلكم الشيطان يخوّفكم أولياءه ﴾.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه ﴾ يقول : الشيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ﴿ إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه ﴾ قال : يخوّف المؤمنين بالكفار.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك ﴿ يخوّف أولياءه ﴾ قال : يعظم أولياءه في أعينكم.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال : تفسيرها يخوّفكم بأوليائه.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم في الآية قال : يخوّف الناس أولياءه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : إنما كان ذلك تخويف الشيطان، ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان.
500
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ﴾ قال : هم المنافقون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ﴿ ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ﴾ قال : هم الكفار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ إن الذين اشتروا الكفر بالإِيمان ﴾ قال : هم المنافقون. والله أعلم.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو بكر المروزي في الجنائز وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة، إن كان براً فقد قال الله ﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ وإن كان فاجراً فقد قال الله ﴿ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الدرداء قال : ما من مؤمن إلا الموت خير له، وما من كافر إلا الموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله يقول ﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ [ آل عمران : ١٩٨ ] ﴿ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ﴾.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب قال : الموت خير للكافر والمؤمن، ثم تلا هذه الآية، ثم قال : إن الكافر ما عاش كان أشد لعذابه يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة قال : ما أحد إلا والموت خير له من الحياة، فالمؤمن يموت فيستريح، وأما الكافر فقد قال الله ﴿ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير ﴾ الآية.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قالوا إن كان محمد صادقاً فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر؟ فأنزل الله ﴿ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه... ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال :« يقول للكفار ﴿ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ﴾ من الكفر ﴿ حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾ فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : يقول للكفار لم يكن ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة حتى يميز الخبيث من الطيب، فميز بينهم في الجهاد والهجرة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : ميز بينهم يوم أحد. المنافق من المؤمن.
وأخرج سعيد بن منصور عن مالك بن دينار أنه قرأ ﴿ حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ﴿ حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾ مخففة منصوبة الياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وما كان الله ليطلعكم على الغيب ﴾ قال : ولا يَّطلع على الغيب إلا رسول.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ﴾ قال : يختصهم لنفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ﴿ يَجْتَبي ﴾ قال : يَسْتَخْلِص.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ﴾ يعني بذلك أهل الكتاب أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس ﴿ سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ﴾ ألم تسمع أنه قال ﴿ يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ﴾ [ النساء : ٣٧ ] يعني أهل الكتاب يقول : يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ﴾ قال : هم يهود.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ﴾ قال : بخلوا أن ينفقوها في سبيل الله ولم يُؤدوا زكاتها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم كافر ومؤمن بخل أن ينفق في سبيل الله.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول : أنا مالك. أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله... ﴾ الآية ».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجة والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال :« ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه وهو يتبعه فيقول : أنا كنزك حتى يطوّق في عنقه. ثم قرأ علينا النبي ﷺ مصداقه من كتاب الله ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله... ﴾ الآية ».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله ﴿ سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ﴾ قال : من كان له مال لم يؤد زكاته طوقه الله يوم القيامة شجاعاً أقرع بفيه زبيبتان ينقر رأسه حتى يخلص إلى دماغه. ولفظ الحاكم : ينهسه في قبره فيقول : ما لي ولك؟! فيقول : أنا مالك الذي بخلت بي.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : يكون المال على صاحبه يوم القيامة شجاعاً أقرع إذا لم يعط الله منه، فيتبعه وهو يلوذ منه.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير عن حجر بن بيان عن النبي ﷺ قال :« ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه. ثم قرأ ﴿ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله... ﴾ الآية ».
4
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير والبيهقي في الشعب عن معاوية بن حيدة عن النبي ﷺ قال « لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده، فيمنعه إياه إلا دعى له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع ».
وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي قال :« قال رسول الله ﷺ : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له حية من جهنم يقال لها شجاع يتلمظ فيطوّق به ».
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء « سمعت رسول الله ﷺ يقول : يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه وماله بين يديه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله : أمض فقد أديت حق الله فيّ. ثم يُجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله : ويلك ألا أديت حق الله فيّ؟! فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور ».
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق في الآية قال : هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي جعله الله لهم في ماله، فيجعل حية فيطوقها فيقول للحية : مالي ولك؟! فتقول : أنا مالك.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله ﴿ سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ﴾ قال : طوقاً من نار.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ سيطوّقون ما بخلوا به ﴾ قال : سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة.
5
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال :« دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر : ويلك يا فنحاص. ! اتق الله وأسلم، فوالله أنك لتعلم أن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنياً عنا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدوّ الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله ﷺ فقال : يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله ﷺ لأبي بكر » ما حملك على ما صنعت؟ قال : يا رسول الله قال قولاً عظيماً : يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء. فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه. فجحد فنحاص فقال : ما قلت ذلك. فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقاً لأبي بكر ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير.... ﴾ الآية « ونزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب ﴿ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً.... ﴾ [ آل عمران : ١٨٦ ].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن عكرمة »
أن النبي ﷺ بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهودي يستمده، وكتب إليه وقال لأبي بكر : لا تفتت عليّ بشيء حتى ترجع إليَّ. فلما قرأ فنحاص الكتاب قال : قد احتاج ربكم. قال أبو بكر، فهممت أن أمده بالسيف، ثم ذكرت قول النبي ﷺ لا تفتت عليّ بشيء. فنزلت ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا... ﴾ الآية. وقوله ﴿ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ﴾ [ آل عمران : ١٨٦ ] وما بين ذلك في يهود بني قينقاع.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ﴾ قالها فنحاص اليهودي من نبي مرثد لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص اتق الله، وآمن وصدق، وأقرض الله قرضاً حسناً. فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا فقير وتستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني، إن كان ما تقول حقاً فإن الله إذن لفقير. فأنزل الله هذا فقال أبو بكر : فلولا هدنة كانت بين بني مرثد وبين النبي ﷺ لقتلته.
6
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : صك أبو بكر رجلاً منهم ﴿ الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ﴾ لم يستقرضنا وهو غني. وهم يهود.
وأخرج ابن جرير عن شبل في الآية قال : بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال ﴿ إن الله ثالث ثلاثة ﴾ [ المائدة : ٧٣ ] و ﴿ يد الله مغلولة ﴾ [ المائدة : ٦٤ ].
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت اليهود محمداً ﷺ حين أنزل الله ﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] فقالوا : يا محمد أفقير ربنا يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله ﴿ لقد سمع الله قول الذين قالوا... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ لقد سمع الله.... ﴾ الآية. قال : ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب لما نزلت ﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ] قال : يستقرضنا ربنا إنما يستقرض الفقير الغني.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر أنه سئل عن قوله ﴿ وقتلهم الأنبياء بغير حق ﴾ وهم لم يدركوا ذلك قال : بموالاتهم من قتل أنبياء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ ونقول ذوقوا عذاب الحريق ﴾ قال : بلغني أنه يحرق أحدهم في اليوم سبعين ألف مرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ قال : ما أنا بمعذب من لم يجترم.
7
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ حتى يأتينا بقربان تأكله النار ﴾ قال : يتصدق الرجل منا فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كان من قبلنا من الأمم يقرب أحدهم القربان، فتخرج الناس فينظرون أيتقبل منهم أم لا، فإن تقبل منهم جاءت نار بيضاء من السماء فأكلت ما قرب، وإن لم يتقبل لم تأت النار فعرف الناس أن لم يقبل منهم، فلما بعث الله محمداً سأله أهل الكتاب أن يأتيهم بقربان ﴿ قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ﴾ القربان ﴿ فلمَ قتلتموهم ﴾ يعيرهم بكفرهم قبل اليوم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ﴿ الذين قالوا إن الله عهد... ﴾ الآية. قال هم اليهود قالوا لمحمد ﷺ : إن أتيتنا بقربان تأكله النار صدقناك وإلا فلست بنبي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي قال : إن الرجل يشترك في دم الرجل، وقد قتل قبل أن يولد. ثم قرأ الشعبي ﴿ قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ﴾ فجعلهم هم الذين قتلوهم ولقد قتلوا قبل أن يولدوا بسبعمائة عام. ولكن قالوا قتلوا بحق وسنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ الذين قالوا إن الله عهد إلينا.... ﴾ الآية. قال : كذبوا على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر قال : كانت رسل تجيء بالبينات، ورسل علامة نبوتهم أن يضع أحدهم لحم البقر على يده فتجيء نار من السماء فتأكله. فأنزل الله ﴿ قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ فإن كذبوك ﴾ قال : اليهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ فقد كذبت رسل من قبلك ﴾ قال : يعزي نبيه ﷺ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أصحابه في قوله ﴿ بالبينات ﴾ قال : الحرام والحلال ﴿ والزبر ﴾ قال : كتب الأنبياء ﴿ والكتاب المنير ﴾ قال : هو القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ والزبر والكتاب المنير ﴾ قال : يضاعف الشيء وهو واحد.
قوله تعالى :﴿ كل نفس ذائقة الموت ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن علي بن أبي طالب قال : لما توفي النبي ﷺ وجاءت التعزية. جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته ﴿ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ﴾ إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فأرجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
8
فقال علي : هذا الخضر.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال :« قال رسول الله ﷺ : إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرأوا إن شئتم ﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ ».
وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ﷺ :« لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها. ثم تلا هذه الآية ﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ﴾ ».
وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا بما عليها، ولقاب قوس أحدهم في الجنة خير من الدنيا بما عليها ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : إن آخر من يدخل الجنة يعطى من النور بقدر ما دام يحبو فهو في النور حتى تجاوز الصراط. فذلك قوله ﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ﴾.
وأخرج أحمد عن ابن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :« من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ﴿ فقد فاز ﴾ قال سعد : ونجا. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول عبد الله بن رواحة :
وعسى أن أفوز ثمت ألقى حجة اتقى بها الفتانا
وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن سابط في قوله ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ قال : كزاد الراعي يزوده الكف من التمر، أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾ قال : هي متاع متروك أوشكت والله أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم. ولا قوَّة إلا بالله.
9
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ لتبلون... ﴾ الآية قال : أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم، فينظر كيف صبرهم على دينهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله ﴿ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ﴾ قال : هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي ﷺ وأصحابه في شعره، ويهجو النبي ﷺ وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج ﴿ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ﴾ يعني اليهود والنصارى، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : عزير ابن الله. ومن النصارى قولهم : المسيح ابن الله. وكان المسلمون ينصبون لهم الحرب، ويسمعون إشراكهم بالله ﴿ وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ﴾ قال : من القوّة مما عزم الله عليه وأمركم به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ﴿ وإن تصبروا وتتقوا... ﴾ الآية. قال : أمر الله المؤمنين أن يصبروا على من آذاهم رغم أنهم كانوا يقولون : يا أصحاب محمد لستم على شيء، نحن أولى بالله منكم، أنتم ضلال. فأمروا أن يمضوا ويصبروا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ﴿ إن ذلك من عزم الأمور ﴾ يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿ من عزم الأمور ﴾ يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى.
أخرج ابن إسحق وابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ﴾ إلى قوله ﴿ عذاب أليم ﴾ يعني فنحاص وأشيع وإشباههما من الأحبار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ﴾ قال : كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته، وقال : واتبعوه لعلكم تهتدون. فلما بعث الله محمداً قال ﴿ وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] عاهدهم على ذلك فقال حين بعث محمداً. صدقوه وتلقون عندي الذي أحببتم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علقمة بن وقاص عن ابن عباس في الآية قال : في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده، وأن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فينبذونه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ﴾ قال : اليهود ﴿ لتبيننه للناس ﴾ قال : محمداً ﷺ.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود لتبينن للناس محمداً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم علماً فليعلمه للناس، وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين. كان يقول مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينتفع به، ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب. وكان يقال في الحكمة : طوبى لعالم ناطق، وطوبى لمستمع واع. هذا رجل عَلِمَ عِلماً فَعَلَّمَه وبذله ودعا إليه، ورجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به.
وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبد الله بن مسعود فقال : إن أخاكم كعباً يقرؤكم السلام ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ﴾ فقال له عبد الله : وأنت فاقرئه السلام أنها نزلت وهو يهودي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرؤون « وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم ».
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه كان يفسر قوله ﴿ لتبيننه للناس ولا تكتمونه ﴾ ليتكلمن بالحق، وليصدقنه بالعمل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله ﴿ فنبذوه وراء ظهورهم ﴾ قال إنهم قد كانوا يقرؤونه ولكنهم نبذوا العمل به.
11
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ﴿ فنبذوه ﴾ قال : نبذوا الميثاق.
وأخرج ابن جرير عن السدي ﴿ واشتروا به ثمناً قليلاً ﴾ أخذوا طمعاً، وكتموا اسم محمد ﷺ قال : كتموا وباعوا فلم يبدوا شيئاً إلا بثمن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ فبئس ما يشترون ﴾ قال : تبديل يهود التوراة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم. وتلا ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ﴾.
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه.
12
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال لبوّابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لَنُعَذَّبَنَّ أجمعين. فقال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية؟! إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس ﴿ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس...... ﴾ [ آل عمران : ١٨٧ ] الآية وتلا ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ الآية فقال ابن عباس : سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري. أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله ﷺ إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ﷺ، فإذا قدم رسول الله ﷺ إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ﷺ، فإذا قدم رسول الله ﷺ من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فنزلت ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا... ﴾ الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم أن رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان وهو أمير بالمدينة فقال مروان : يا رافع في أي شيء نزلت هذه الآية ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ ؟ قال رافع : أنزلت في ناس من المنافقين، كانوا إذا خرج النبي ﷺ اعتذروا وقالوا : ما حبسنا عنكم إلا الشغل، فلوددنا أنا كنا معكم، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فكأن مروان أنكر ذلك، فجزع رافع من ذلك فقال لزيد بن ثابت : أنشدك بالله هل تعلم ما أقول؟ قال : نعم. فلما خرجا من عند مروان قال له زيد : ألا تحمدني شهدت لك قال : أحمدك أن تشهد بالحق قال : نعم. قد حمد الله على الحق أهله.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المنافقون يقولون للنبي ﷺ لو قد خرجت لخرجنا معك، فإذا خرج النبي ﷺ تخلفوا وكذبوا، ويفرحون بذلك، ويرون أنها حيلة احتالوا بها.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال : يعني فنحاص، وأشيع، وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ﴿ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ﴾ أن يقول لهم الناس علماء وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى ولا خير، ويحبون أن يقول لهم الناس قد فعلوا.
13
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : هم أهل الكتاب، أنزل الله عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وفرحوا بذلك، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فرحوا أنهم كفروا بمحمد ﷺ، وما أنزل الله إليه، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله، ويصومون، ويصلون، ويطيعون الله، فقال الله لمحمد ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ كفروا بمحمد ﷺ، وكفروا بالله، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الصلاة والصوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال : إن اليهود كتب بعضهم إلى بعض أن محمداً ليس بنبي، فأجمعوا كلمتكم، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم، ففعلوا ففرحوا بذلك، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد ﷺ.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : كتموا اسم محمد ففرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون : نحن أهل الصيام، وأهل الصلاة، وأهل الزكاة، ونحن على دين إبراهيم. فأنزل الله فيهم ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ من كتمان محمد ﴿ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ﴾ أحبوا أن تحمدهم العرب بما يزكون به أنفسهم وليسوا كذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ قال : بكتمانهم محمداً ﴿ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ﴾ قال : هو قولهم نحن على دين إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : يهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب، وحمدهم إياهم عليه. ولا تملك يهود وذلك ولن تفعله.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في الآية قال : هم اليهود يفرحون بما آتى الله إبراهيم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن يهود خيبر أتوا النبي ﷺ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به، وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم، وأرادوا أن يحمدهم النبي ﷺ بما لم يفعلوا. فأنزل الله ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون... ﴾ الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من وجه آخر عن قتادة في الآية قال : إن أهل خيبر أتوا النبي ﷺ وأصحابه فقالوا : إنا على رأيكم، وإنا لكم ردء. فأكذبهم الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : إن اليهود من أهل خيبر قدموا على رسول الله ﷺ وقالوا : قد قبلنا الدين ورضينا به، فأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
14
وأخرج مالك وابن سعد والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت « أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال : لمَ... ؟ قال : نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد. ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال. ونهانا أن نرفع صوتنا فوق صوتك، وأنا رجل جهير الصوت. فقال : يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة. فعاش حميداً، وقتل شهيداً، يوم مسيلمة الكذاب ».
وأخرج الطبراني عن محمد بن ثابت قال : حدثني ثابت بن قيس بن شماس قال « قلت : يا رسول الله لقد خشيت فذكره ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان في بني إسرائيل رجال عباد فقهاء، فأدخلتهم الملوك فرخصوا لهم وأعطوهم، فخرجوا وهم فرحون بما أخذت الملوك من قولهم وما أعطوا. فأنزل الله ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن إبراهيم في قوله ﴿ لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ قال : ناس من اليهود جهزوا جيشاً لرسول الله ﷺ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأحنف بن قيس. أن رجلاً قال له : ألا تميل فنحملك على ظهر قال : لعلك من العراضين قال : وما العراضون؟ قال : الذين ﴿ يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ﴾ إذ عرض لك الحق فاقصد له واله عما سواه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر « فلا يحسبنهم » يعني أنفسهم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرأ « فلا يحسبنهم » على الجماع بكسر السين ورفع الباء.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ﴿ بمفازة ﴾ قال بمنجاة، وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله.
15
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه، ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبي ﷺ فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً. فدعا ربه فنزلت ﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ﴾ فليتفكروا فيها.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة، فنام رسول الله ﷺ حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده. ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل السلمي قال : كنت مع رسول الله ﷺ في سفر، فرهقت صلاته ليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام، فلما كان نصف الليل استيقظ فتلا الآيات العشر. آخر سورة آل عمران، ثم تسوّك، ثم توضأ فصلى إحدى عشرة ركعة.
أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« ينادي مناد يوم القيامة أين أولوا الألباب؟ قالوا : أي أولي الألباب تريد؟! قال ﴿ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ﴾ عقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم وقال لهم : ادخلوها خالدين ».
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله ﴿ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ﴾ قال : إنما هذا في الصلاة، إذا لم يستطع قائماً فقاعدا، وإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه.
وأخرج الحاكم عن عمران بن حصين. أنه كان به البواسير فأمره النبي ﷺ أن يصلي على جنب.
وأخرج البخاري « عن عمران بن حصين قال : كانت بي بواسير فسألت النبي ﷺ عن الصلاة؟ فقال » صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب « ».
وأخرج البخاري عن عمران بن حصين قال : سألت رسول الله ﷺ عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال « من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ﴾ قال : هذه حالاتك كلها يا ابن آدم. اذكر الله وأنت قائم، فإن لم تستطع فاذكره جالساً، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك. يسر من الله وتخفيف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لا يكون عبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
قوله تعالى ﴿ ويتفكرون... ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والأصبهاني في الترغيب عن عبد الله بن سلام قال « خرج رسول الله ﷺ على أصحابه وهم يتفكرون فقال : لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن مرة قال « مر النبي ﷺ على قوم يتفكرون فقال : تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق ».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عثمان بن أبي دهرين قال « بلغني أن رسول الله ﷺ انتهى إلى أصحابه وهم سكوت لا يتكلمون فقال : ما لكم لا تتكلمون؟! قالوا : نتفكر في خلق الله قال : كذلك فافعلوا، تفكروا في خلقه ولا تفكروا فيه ».
17
وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :« تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله ».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التفكر وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن عطاء قال « قلت لعائشة أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله ﷺ ؟ قالت : وأي شأنه لم يكن عجباً! إنه أتاني ليلة فدخل معي في لحافي ثم قال : ذريني أتعبد لربي. فقام فتوضأ ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى. فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت : يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال : أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل علي هذه الليلة ﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ﴾ إلى قوله ﴿ سبحانك فقنا عذاب النار ﴾ ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ».
وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعة قال « من قرأ سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله. فعد بأصابعه عشراً. قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن؟ قال : يقرؤهن وهو يعقلهن ».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد ﷺ يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر عن ابن عون قال : سألت أم الدرداء ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت : التفكر والإعتبار.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
وأخرج ابن سعد عن أبي الدرداء. مثله.
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً. مثله.
وأخرج الديلمي من وجه آخر مرفوعاً عن أنس « تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ثمانين سنة ».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« فكرة ساعة خير من عبادة ستين ».
وأخرج أبو الشيخ والديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً « بينما رجل مستلق ينظر إلى السماء وإلى النجوم فقال : والله إني لأعلم أن لك خالقاً ورباً. اللهم اغفر لي. فنظر الله إليه فغفر له ».
18
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء وابن عباس أنهما كانا يقولان : اسم الله الأكبر رب رب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله ﴿ من تُدخل النار فقد أخزيته ﴾ قال : من تخلد.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في قوله ﴿ ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ﴾ قال : هذه خاصة لمن لا يخرج منها.
وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت ﴿ وما هم بخارجين من النار ﴾ [ البقرة : ١٦٧ ] قال : أخبرني رسول الله ﷺ أنهم الكفار. قلت لجابر : فقوله ﴿ إنك من تدخل النار فقد أخزيته ﴾ قال : وما أخزاه حين أحرقه بالنار، وإن دون ذلك خزياً.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ﴿ منادياً ينادي للإيمان ﴾ قال : هو محمد ﷺ.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عن محمد بن كعب القرظي ﴿ سمعنا منادياً ينادي للإيمان ﴾ قال : هو القرآن ليس كل الناس يسمع النبي ﷺ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : سمعوا دعوة من الله فأجابوها، وأحسنوا فيها : وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الأنس كيف قال، وعن مؤمن الجن كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال ﴿ إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً ﴾ [ الجن : ١ ]. وأما مؤمن الأنس فقال ﴿ ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج ﴿ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ﴾ قال : ستنجزون موعد الله على رسله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ولا تخزنا يوم القيامة ﴾ قال : لا تفضحنا ﴿ إنك لا تخلف الميعاد ﴾ قال : ميعاد من قال لا إله إلا الله ﴿ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم ﴾ قال : أهل لا إله إلا الله أهل التوحيد والإخلاص لا أخزيهم يوم القيامة.
وأخرج أبو يعلى عن جابر : أن رسول الله ﷺ قال :« العار والتخزية يبلغ من ابن آدم يوم القيامة في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار ».
وأخرج أبو بكر الشافعي في رباعياته عن أبي قرصافة قال
19
« كان رسول الله ﷺ يقول : اللهم لا تخزنا يوم القيامة، ولا تفضحنا يوم اللقاء ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال : إذا فرغ أحدكم من التشهد في الصلاة فليقل : اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون ﴿ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ﴾ [ البقرة : ٢٠١ ] ربنا إننا آمنا ﴿ فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ﴾ إلى قوله ﴿ إنك لا تخلف الميعاد ﴾.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال : كان يستحب أن يدعو في المكتوبة بدعاء القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الدعاء في الصلاة فقال : كان أحب دعائهم ما وافق القرآن.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :« عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألفاً شهداء وفوداً إلى الله وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم تقطر في أيديهم تثج أوداجهم دماً يقولون ﴿ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك.. إنك لا تخلف الميعاد ﴾ فيقول : صدق عبيدي. اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه بيضاً، فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا ».
20
أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت « يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء! فأنزل الله ﴿ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ﴾ إلى آخر الآية قالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا ».
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية ﴿ فاستجاب لهم ربهم ﴾ إلى آخرها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : ما من عبد يقول : يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه. فذكر للحسن فقال : أما تقرأ القرآن ﴿ ربنا إننا سمعنا منادياً ﴾ [ آل عمران : ١٩٣ ] إلى قوله ﴿ فاستجاب لهم ربهم ﴾.
قوله تعالى :﴿ فالذين هاجروا ﴾ الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم المهاجرون أخرجوا من كل وجه.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إن أول ثلة الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره. إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وقُتِلوا وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟! أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب، ويأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي. فتدخل الملائكة عليهم من كل باب ﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٤ ] ».
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال « قال لي رسول الله ﷺ : أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت : الله ورسوله أعلم! قال : المهاجرون، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فتقول لهم الخزنة : أوقد حوسبتم؟ قالوا : بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك! قال : فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخل الناس ».
وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النبي ﷺ قال :« دخلت الجنة فسمعت فيها حشفة بين يدي فقلت : ما هذا؟ قال : بلال، فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين، ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء. قيل لي : أما الأغنياء فهم بالباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألهاهن الأحمران : الذهب والحرير ».
21
وأخرج أحمد عن أبي الصديق عن أصحاب النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال « يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بأربعمائة عام، حتى يقول المؤمن الغني : يا ليتني كنت نحيلاً. قيل : يا رسول الله صفهم لنا قال : هم الذين إذا كان مكروه بعثوا له، وإذا كان مغنم بعث إليه سواهم، وهم الذين يحجبون عن الأبواب ».
وأخرج الحكيم الترمذي عن سعيد بن عامر بن حزم قال « سمعت رسول الله ﷺ يقول : يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء الجنة بخمسين سنة، حتى إن الرجل من الأغنياء ليدخل في غمارهم فيؤخذ بيده فيستخرج ».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : يجمعون فيقول أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيبرزون. فيقال : ما عندكم؟ فيقولون : يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم، وَوَلَّيْتَ الأموال والسلطان غيرنا. فيقال : صدقتم. فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمن، وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان. قيل : فأين المؤمنون يومئذ؟ قال : يوضع لهم كراسي من نور، ويظلل عليهم الغمام، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار. والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ والله عنده حسن الثواب ﴾.
أخرج ابن أبي حاتم عن شداد بن أوس قال : يا أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يبغي على مؤمن، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله، وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب.
22
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة ﴿ لا يغرنك تقلب الذين كفروا ﴾ تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم ﴿ متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ﴾ قال عكرمة : قال ابن عباس : أي بئس المنزل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ﴿ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ﴾ يقول ضربهم في البلاد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : والله ما غروا نبي الله، ولا وكل إليهم شيئاً من أمر الله، حتى قبضه الله على ذلك.
قوله تعالى :﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾.
أخرج البخاري في الأدب المفرد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعاً. والأول أصح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال ﴿ الأبرار ﴾ الذين لا يؤذون الذر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ قال : لمن يطيع الله تعالى.
أخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : لما مات النجاشي قال رسول الله ﷺ « صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي. فأنزل الله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير عن جابر أن النبي ﷺ قال « اخرجوا فصلوا على أخ لكم، فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال : هذا النجاشي أصحمة فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم نره قط. فأنزل الله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ﴾ الآية ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي، وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله وصدقوا به. وذكر لنا : أن النبي ﷺ استغفر للنجاشي وصلى عليه حين بلغه موته، قال لأصحابه : صلوا على أخ لكم قد مات بغير بلادكم. فقال أناس من أهل النفاق : يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه! فأنزل الله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ﴾ الآية ».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لما مات النجاشي قال رسول الله ﷺ « استغفروا لأخيكم فقالوا : يا رسول الله أنستغفر لذلك العلج؟ فأنزل الله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال « لما صلى النبي ﷺ على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فقالوا : صلى عليه وما كان على دينه! فنزلت هذه الآية ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله.. ﴾ الآية. قالوا : ما كان يستقبل قبلته وإن بينهما البحار. فنزلت ﴿ فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾ [ البقرة : ١١٥ ] قال ابن جريج : وقال آخرون : نزلت في النفر الذين كانوا من يهود فأسلموا : عبد الله بن سلام ومن معه ».
وأخرج الطبراني عن وحشي بن حرب قال : لما مات النجاشي قال رسول الله ﷺ لأصحابه « إن أخاكم النجاشي قد مات، قوموا فصلوا عليه. فقال رجل : يا رسول الله كيف نصلي عليه وقد مات في كفره؟ قال : ألا تسمعون قول الله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله... ﴾ الآية ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله... ﴾ الآية. قال : هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء يهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد ﷺ والذين اتبعوا محمداً ﷺ.
أخرج ابن المبارك وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق داود بن صالح قال : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : تدري في أي شيء نزلت هذه الآية ﴿ اصبروا وصابروا ورابطوا ﴾ ؟ قلت : لا. قال : سمعت أبا هريرة يقول : لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أقبل عليَّ أبو هريرة يوماً فقال : أتدري يا ابن أخي فيم أنزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ﴾ ؟ قلت : لا. قال : أما إنه لم يكن في زمان النبي ﷺ غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها، ثم يذكرون الله فيها فعليهم أنزلت ﴿ اصبروا ﴾ أي على الصلوات الخمس ﴿ وصابروا ﴾ أنفسكم وهواكم ﴿ ورابطوا ﴾ في مساجدكم ﴿ واتقوا الله ﴾ فيما علمكم ﴿ لعلكم تفلحون ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب قال : وقف علينا رسول الله ﷺ فقال « هل لكم إلى ما يمحو الله تعالى به الذنوب ويعظم به الأجر؟ فقلنا : نعم يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. قال : وهو قول الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ﴾ فذلكم هو الرباط في المساجد ».
وأخرج ابن جرير وابن حبان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ :« ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط ».
وأخرج ابن جرير من حديث علي. مثله.
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غسان قال : إن هذه الآية إنما أنزلت في لزوم المساجد ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في الآية قال : أمرهم أن يصبروا على دينهم ولا يدعوه لشدة، ولا رخاء، ولا سراء، ولا ضراء. وأمرهم أن يصابروا الكفار، وأن يرابطوا المشركين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في الآية قال : اصبروا على دينكم، وصابروا الوعد الذي وعدتكم، ورابطوا عدوّي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم، واتقوا الله فيما بيني وبينكم، لعلكم تفلحون غداً إذا لقيتموني.
25
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : اصبروا على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم في الآية قال : اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوكم، ورابطوا على دينكم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : اصبروا عند المصيبة، وصابروا على الصلوات، ورابطوا : جاهدوا في سبيل الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : اصبروا على الفرائض، وصابروا مع النبي ﷺ في الموطن، ورابطوا فيما أمركم ونهاكم.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية قال : اصبروا على طاعة الله، وصابروا أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله. وأخرج أبو نعيم عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ﷺ :« ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا.. ﴾ على الصلوات الخمس، وصابروا على قتال عدوّكم بالسيف، ورابطوا في سبيل الله لعلكم تفلحون ».
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوّف منهم، فكتب إليه عمر : أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله يقول في كتابه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ﴾.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد. أن رسول الله ﷺ قال :« رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ».
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن فضالة بن عبيد : سمعت النبي ﷺ يقول « كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر ».
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي عن سلمان : سمعت رسول الله ﷺ : يقول « رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه فأمن الفتان. زاد الطبراني : وبعث يوم القيامة شهيداً ».
وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي الدرداء عن رسول الله ﷺ : قال
26
« رباط شهر خير من صيام دهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمنه من الفزع الأكبر، وغدى عليه برزقه وريح من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله تعالى ».
وأخرج الطبراني بسند جيد عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله ﷺ :« كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمي له عمله، ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة ».
وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي الدرداء يرفع الحديث قال : من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة.
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال :« من مات مرابطاً في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع ».
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعاً مثله. وزاد : والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغدى عليه وريح برزقه، ويزوّج سبعين حوراء، وقيل له قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب «.
وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن واثلة بن الأسقع عن النبي ﷺ قال :»
من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطاً في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة «.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال : سئل رسول الله ﷺ عن أجر المرابط فقال :»
من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى «.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به عن جابر سمعت رسول الله ﷺ يقول :»
من رابط يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق، كل خندق كسبع سموات وسبع أرضين «.
وأخرج ابن ماجة بسندٍ واهٍ عن أبي بن كعب قال »
قال رسول الله ﷺ : لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجراً من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجراً من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله الى أهله سالماً لم تكتب له سيئة وتكتب له الحسنات، ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة «.
27
وأخرج ابن حبان والبيهقي عن مجاهد عن أبي هريرة. أنه كان في المرابطة ففزعوا وخرجوا إلى الساحل ثم قيل لا بأس فانصرف الناس وأبو هريرة واقف فمر به إنسان فقال : ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال : سمعت رسول الله ﷺ يقول « موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ».
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن عثمان بن عفان « سمعت رسول الله ﷺ يقول : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل » ولفظ ابن ماجة :« من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها ».
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال « إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة، ونفقة الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره ».
وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن أنس مرفوعاً « الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة ».
وأخرج ابن حبان عن عتبة بن المنذر أن رسول الله ﷺ قال :« إذا انتاط غزوكم، وكثرت الغرائم، واستحلت الغنائم، فخير جهادكم الرباط ».
وأخرج البخاري والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، وعبد القطيفة. إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة. إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع ».
وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال « من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو قزعة طار على متنه، يبتغي القتل والموت من مظانه. ورجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير ».
وأخرج البيهقي عن أم مبشر تبلغ به النبي ﷺ قال « خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو ويخيفونه ».
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال « قال رسول الله ﷺ : لأن أحرس ثلاث ليال مرابطاً من وراء بيضة المسلمين أحب إليّ من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين. المدينة أو بيت المقدس. »
28
وقال رسول الله ﷺ :« من مات مرابطاً في سبيل الله آمنه الله من فتنة القبر. » وقال رسول الله ﷺ :« إن المرابط في سبيل الله أعظم أجراً من رجل جمع كعبيه رياد شهر صيامه وقيامه ».
وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال « خرج رسول الله ﷺ في جنازة رجل، فلما وضع قال عمر بن الخطاب : لا تصلِّ عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر. فالتفت رسول الله ﷺ إلى الناس قال : هل رآه أحد منكم على الإسلام؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله، حرس ليلة في سبيل الله. فصلى عليه رسول الله ﷺ، وحثى عليه التراب وقال : أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة. وقال : يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة ».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر. أن عمر كان يقول : إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوّة ورحمة، ثم يعود إلى ملك ورحمة، ثم يعود جبرية يتكادمون تكادم الحمير. أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسراً، ويكون عاماً قبل أن يكون حطاماً، فإذا انتاطت المغازي، وأكلت الغنائم، واستحل الحرام، فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم.
وأخرج أحمد عن أبي أمامة « سمعت رسول الله ﷺ يقول : أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت. رجل مات مرابطاً في سبيل الله، ورجل علم علماً فأجره يجري عليه ما عمل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليهم، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له ».
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة « أن رسول الله ﷺ كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ».
وأخرج الدرامي عن عثمان بن عفان قال : من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة.
29
Icon