تفسير سورة آل عمران

روح البيان
تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الجزء الثاني
من تفسير روح البيان
تفسير سورة آل عمران
مدنية وهى مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم الم الالف اشارة الى الله واللام الى اللطيف والميم الى المجيد اللَّهُ مبتدأ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبره اى هو المستحق للمعبودية لا غير الْحَيُّ الْقَيُّومُ خبر آخر له اى الباقي الذي لا سبيل عليه للموت والفناء والدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه- روى- عنه ﷺ (اسم الله الأعظم فى ثلاث سور فى سورة البقرة الله لا اله الا هو الحي القيوم وفى آل عمران الم الله لا اله الا هو الحي القيوم وفى طه وعنت الوجوه للحى القيوم) وهذا رد على من زعم ان عيسى عليه السلام كان ربا فانه روى ان وفد نجران قدموا على رسول الله ﷺ وكانوا ستين راكبا. فيهم اربعة عشر رجلا من اشرافهم. ثلاثة منهم أكابر إليهم يؤول أمرهم. أحدهم أميرهم وصاحب مشورتهم العاقب واسمه عبد المسيح. وثانيهم وزيرهم ومشيرهم السيد واسمه الابهم.
وثالثهم حبرهم وأسقفهم وصاحب مدارسهم ابو حارثة بن علقمة أحد بنى بكر بن وائل وقد كان ملوك الروم شرفوه ومولوه وأكرموه لما شاهدوا من علمه واجتهاده فى دينهم وبنوا له كنائس فلما خرجوا من نجران ركب ابو حارثة بغلته وكان اخوه كرز بن علقمة الى جنبه فبينا بغلة ابى حارثة تسير إذ عثرت فقال كرز تعسا للابعد يريد به رسول الله عليه السلام فقال له ابو حارثة بل تعست أمك فقال كرز ولم يا أخي قال انه والله النبي الذي كنا ننتظر فقال له كرز فما يمنعك عنه وأنت تعلم هذا قال لان هؤلاء الملوك أعطونا أموالا كثيرة واكرمونا فلو آمنا به لاخذوها منا كلها فوقع ذلك فى قلب كرز وأصره الى ان اسلم فكان يحدث بذلك فأتوا المدينة ثم دخلوا مسجد رسول الله عليه السلام بعد صلاة العصر عليهم ثياب خيرات من جبب وأردية فاخرة يقول بعض من رآهم من اصحاب النبي عليه السلام ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا ليصلوا
كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ولهذه الفائدة العظيمة والنعمة الجسيمة اهبط الأرواح من أعلى عليين القرب الى أسفل سافلين البعد كما قال اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فاذا نفخ فيه الروح يكون آدم وقته فيسجد له بالخلافة الملائكة كلهم أجمعون فاحفظه تفهم ان شاء الله تعالى كذا فى تأويلات الشيخ الكامل نجم الدين الكبرى أفاض الله علينا من سجال معارفه وحقائقه ولطائفه آمين هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ اى القرآن مِنْهُ اى من الكتاب آياتٌ مُحْكَماتٌ اى قطعية الدلالة على المعنى المراد محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال والاشتباه هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ اى اصل فيه وعمدة يرد إليها غيرها بالتأويل فالمراد بالكتاب كله والاضافة بمعنى فى وَأُخَرُ اى ومنه آيات اخر مُتَشابِهاتٌ اى محتملات لمعان متشابهة لا يمتاز بعضها من بعض فى استحقاق الارادة بها ولا يتضح الأمر الا بالنظر الدقيق والتأمل الأنيق فالتشابه فى الحقيقة وصف للمعانى وصف به الآيات على طريقة وصف الدال بوصف المدلول. واعلم ان اللفظ اما ان لا يحتمل غير معنى واحد او يحتمل. والاول هو النص كقوله تعالى وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.
والثاني اما ان تكون دلالته على مدلوليه او مدلولاته متساوية اولا والاول هو المجمل كقوله تعالى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. واما الثاني فهو بالنسبة الى الراجح ظاهر كقوله تعالى وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وبالنسبة الى المرجوح مؤول كقوله تعالى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ والنص والظاهر كلاهما محكم والمجمل والمؤول متشابه وهو كقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قد رد الى قوله تعالى وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ثم ان الله تعالى جعل القرآن كله محكما فى قوله الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ومعناه ان كله حق لا ريب فيه ومتقن لا تناقض فيه ومحفوظ من اعتراء الخلل او من النسخ. وجعله كله متشابها فى قوله كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ ومعناه يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى وجزالة النظم وحقيقة المدلول وجعل بعضه محكما وبعضه متشابها فى هذه الآية وقد سبق وانما لم يجعل الله القرآن كله محكما لما فى المتشابه من الابتلاء والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه كابتلاء بنى إسرائيل بالنهر فى اتباع نبيهم ولان النظر فى المتشابه والاستدلال لكشف الحق يوجب عظم الاجر ونيل الدرجات عند الله فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ اى ميل عن الحق الى الأهواء الباطلة فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ معرضين عن المحكمات اى يتعلقون بظاهر المتشابه من الكتاب او بتأويل باطل لا تحريا للحق بعد الايمان بكونه من عند الله تعالى بل ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ اى طلب ان يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ اى طلب ان يؤولوه حسبما يشتهونه من التأويلات الزائغة والحال انهم بمعزل من تلك الرتبة وذلك قوله عز وجل وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ اى تأويل المتشابه إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ اى لا يهتدى الى تأويله الحق الذي يجب ان يحمل عليه الا الله وعباده الذين رسخوا فى العلم اى ثبتوا فيه وتمكنوا او فوضوا فيه لنص قاطع ومنهم من يقف على قوله إِلَّا اللَّهُ ويبتدئ بقوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ويفسرون المتشابه بما أستأثر الله
عداهم وهو من أوضح شواهده النبوة وَتُحْشَرُونَ اى فى الآخرة إِلى جَهَنَّمَ والحشر السوق والجمع اى يغلبون فى الدنيا ويساقون فى الآخرة مجموعين الى جهنم وَبِئْسَ الْمِهادُ اى بئس الفراش والمقر جهنم قَدْ كانَ لَكُمْ جواب قسم محذوف وهو من تمام القول المأمور به اى والله قد كان لكم ايها اليهود المغترون بعددهم وعددهم آيَةٌ عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم انكم ستغلبون فِي فِئَتَيْنِ اى جماعتين فان المغلوبة منهما كانت مدلة بكثرتها معجبة بعزتها وقد لقيها ما لقيها فيصيبكم ما يصيبكم الْتَقَتا اى تلاقيا بالقتال يوم بدر فِئَةٌ خبر مبتدأ محذوف اى إحداهما فئة تُقاتِلُ تجاهد فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهم لاكثرة فيهم ولا شوكة وهم اصحاب محمد ﷺ وَأُخْرى اى وفئة اخرى كافِرَةٌ بالله ورسوله يَرَوْنَهُمْ اى ترى الفئة الاخيرة الكافرة الفئة الاولى المؤمنة والجملة صفة للفئة الاخيرة مِثْلَيْهِمْ اى مثلى عدد الرائين قريبا من الف كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا رأسهم عتبة من ربيعة بن عبد شمس وفيهم ابو سفيان وابو جهل وكان فيهم من الخيل والإبل مائة فرس وسبعمائة بعير ومن اصناف الاسلحة عدد لا يحصى. وعن سعد بن أوس انه قال اسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه كم كنتم قال ثلاثمائة وبضعة عشر قالوا ما كنا نراكم الا تضعفون علينا او مثلى عدد المرئيين اى ستمائة ونيفا وعشرين حيث كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار رضى الله عنهم وكان صاحب راية النبي ﷺ والمهاجرين على بن ابى طالب رضى الله تعالى عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي رضى الله عنه وكان فى العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو والآخر لمرثد بن بي مرثد وست ادرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ من المسلمين اربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار أراهم الله عز وجل كذلك مع قلتهم ليهابوهم ويتجنبوا عن قتالهم مددا لهم منه سبحانه كما أمدهم بالملائكة عليهم السلام. فان قلت فهذا مناقض لقوله فى سورة الأنفال وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. قلت قللهم اولا فى أعينهم حتى اجترءوا عليهم فلما لا قوهم كثروا فى أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير فى حالين مختلفين وتقليلهم تارة وتكثيرهم اخرى ابلغ فى القدرة واظهار الآية رَأْيَ الْعَيْنِ نصب على المصدر يعنى رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ اى يقوى بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ اى يريد من غير توسيط الأسباب العادية كما أيد الفئة المقاتلة فى سبيله بما ذكر من النصر وهو من تمام القول المأمور به إِنَّ فِي ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من رؤية القليل كثيرا المستتبعة لغلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح لَعِبْرَةً من العبور كالجلسة من الجلوس والمراد بها الاتعاظ فانه نوع من العبور اى لعبرة عظيمة كائنة لِأُولِي الْأَبْصارِ لذوى العقول والبصائر. فعلى العاقل ان يعتبر بالآيات ولا يغتر بكثرة الاعداد من الأموال والأولاد وعدم اجتهاده لمعاده فان الله يمتعه قليلا ثم يضطره الى عذاب
سبحان الملك القدوس سبحان الكريم) او قال (الكبير المتعال لا اله الا الله الحي القيوم فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها فاذا سكن ذلك الديك سكنت ديكة الأرض كلها ثم إذا كان بعض الليل نشر جناحيه فجاوز بهما المشرق والمغرب وخفق بهما ثم صرخ بالتسبيح لله يقول سبحان الله العلى العظيم سبحان العزيز القهار سبحان الله رب العرش الرفيع فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض بمثل قوله وخفقت بأجنحتها وأخذت فى الصراخ وإذا سكن ذلك الديك سكنت ديكة الأرض ثم إذا هاج بنحو فعله فى السماء هاجت الديكة فى الأرض يجاوبونه تسبيحا لله تعالى بنحو قوله) والمقصود من هذا ان التسبيح إذا كان من فعل اهل السماء والأرض خصوصا الحيوانات العجم بل النباتات كما قال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فان الإنسان اولى بان يشتغل بالدعاء والتسبيح خصوصا فى الخلوات واوقات الاسحار قال الامام القشيري رحمه الله الصابرين على ما امر الله والصادقين فيما عاهدوا الله والقانتين بالاستقامة فى محبة الله والمنفقين فى سبيل الله والمستغفرين من جميع ما فعلوا لرؤية تقصيرهم شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ بانه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ نزلت حين جاء رجلان من أحبار الشام فقالا للنبى عليه السلام أنت محمد قال (نعم) فقالا أنت احمد قال (انا محمد واحمد) قالا أخبرنا عن أعظم الشهادة فى كتاب الله فاخبرهما اى اثبت الله بالحجة القطعية واعلم بمصنوعاته الدالة على توحيده انه واحد لا شريك له فى خلقه الأشياء إذ لا يقدر أحد ان ينشئ شيأ منها. قال ابن عباس خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد باربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح باربعة آلاف سنة فشهد لنفسه قبل خلق الخلق حين كان ولم يكن سماء ولا ارض ولا بر ولا بحر فقال شَهِدَ اللَّهُ الآية وَالْمَلائِكَةُ عطف على الاسم الجليل بحمل الشهادة على معنى مجازى شامل للاقرار والايمان بطريق عموم المجاز اى أقرت الملائكة بذلك لما عاينت من عظم قدرته وَأُولُوا الْعِلْمِ اى أمنوا به واحتجوا عليه بالادلة التكوينية والتشريعية وهم الأنبياء والمؤمنون الذين علموا توحيده وأقروا به اعتقادا صحيحا فشبه دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره تعالى واقرار الملائكة واولى العلم بذلك بشهادة الشاهد فى البيان والكشف قائِماً بِالْقِسْطِ نصب على الحال المؤكدة من هو دون من ذكر معه لأمن اللبس إذ القيام بالقسط من الصفات الخاصة به تعالى ومثله جاء زيد وهند راكبا جاز لاجل التذكير ولو قلت جاء زيد وعمرو راكبا لم يجز للبس اى مقيما بالعدل فى قسمة الأرزاق والآجال والاثابة والمعاقبة وما يأمر به عباده وينهاهم عنه من العدل والتسوية فيما بينهم ودفع الظلم عنهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كرر المشهود به لتأكيد التوحيد ليوحدوه ولا يشركوا به شيأ لانه ينتقم ممن لا يوحده بما لا يقدر على مثله منتقم ويحكم ما يريد على جميع خلقه لا معقب لحكمه لغلبته عليهم إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ جملة مستأنفة مؤكدة للاولى اى لا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذي هو التوحيد والتشرع بالشريعة الشريفة وهو الدين الحق منذ بعث الله آدم عليه السلام وما سواه من الأديان فكلها باطلة. قال شيخنا العلامة فى بعض تحريراته المقصود من إنزال الكلام مطلق الدعوة الى الدين الحق
12
والدين الحق من زمن آدم الى نبينا عليهما الصلاة والسلام الإسلام كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وحقيقة دين الإسلام التوحيد وصورته الشرائع التي هى الشروط وهذا الدين من ذلك الزمان الى يوم القيامة واحد بحسب الحقيقة وسواء بين الكل ومختلف بحسب الصورة والشروط وهذا الاختلاف الصوري لا ينافى الاتحاد الأصلي والوحدة الحقيقة انتهى. وعن قتادة ان الإسلام شهادة ان لا اله الا الله والإقرار بما جاء من عند الله. وعن غالب القطان قال أتيت الكوفة فى تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت اختلف اليه فلما كنت ذات ليلة أردت ان احدر الى البصرة قام من الليل متهجدا فمر بهذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قال الأعمش وانا اشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهى لى عند الله وديعة ان الدين عند الله
الإسلام قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيأ فصليت معه وودعته ثم قلت آية سمعتك ترددها فما بلغك فيها قال والله لا أحدثك بها الى سنة فلبثت على بابه من ذلك اليوم فاقمت سنة فلما مضت السنة قلت يا أبا محمد قد مضت السنة قال حدثنى ابو وائل عن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ (يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله ان لعبدى هذا عندى عهدا وانا أحق من وفى بالعهد ادخلوا عبدى الجنة) ويناسب هذا ما يقال عهدنا لله. عن ابى مسعود رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال لاصحابه ذات يوم (أيعجز أحدكم ان يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا) قالوا وكيف ذلك قال (يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة انى اعهد إليك بانى اشهد ان لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك وان محمدا عبدك ورسولك وانك ان تكلنى الى نفسى تقربنى من الشر وتباعدني من الخير وانى لا أثق الا برحمتك فاجعل لى عهدا توفينيه يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاذا قال ذلك طبع عليه بطابع) اى ختم عليه بخاتم (ووضع تحت العرش فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذي لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة) فلا بد من الدعاء فى الصبح والمساء لله الذي هو خالق الأرض والسماء ومن الإخلاص الذي هو ملاك الأمر كله فى طاعة المرء وعمله
عبادت بإخلاص نيت نكوست وگر نه چهـ آيد ز بي مغز پوست
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ نزلت فى اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام الذي جاء به النبي عليه السلام وأنكروا نبوته إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ استثناء مفرغ من أعم الأحوال او أعم الأوقات اى وما اختلفوا فى دين الله الإسلام ونبوة محمد عليه السلام فى حال من الأحوال او فى وقت من الأوقات الا بعد ان علموا بانه الحق الذي لا محيد عنه او بعد ان علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالحجج والآيات الباهرة. وفيه من الدلالة على ترامى حالهم فى الضلالة ما لا مزيد عليه فان الاختلاف بعد حصول تلك المرتبة مما لا يصدر عن العاقل بَغْياً بَيْنَهُمْ مفعول له لقوله اختلف اى حسدا كائنا بينهم وطلبا للرياسة لا شبهة وخفاء فى الأمر وهو تشنيع اثر تشنيع وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ الناطقة
13
كذا وكذا فى سنة كذا وكذا فيقول نعم يا رب فيقول الله اذهبوا بعبدي الى النار فيكون من العبد التفات فيقول الله ردوا عبدى الىّ فيرد اليه فيقول له عبدى ما كان التفاتك وهو اعلم فيقول يا رب أذنبت ولم اقطع رجائى منك وحاسبتنى ولم اقطع رجائى منك وأدخلتني النار ولم اقطع رجائى منك وأخرجتني منها إليك ولم اقطع رجائى منك ثم رددتنى إليها ولم اقطع رجائى منك فيقول الله تبارك وتعالى وعزتى وجلالى وارتفاعي فى علو مكانى لأكونن عند ظن عبدى بي ولأحققن رجاءه فى اذهبوا بعبدي الى الجنة
خدايا بعزت كه خوارم مكن بذل بزه شرمسارم مكن
قال رسول الله ﷺ (ليس على اهل لا اله الا الله وحشة عند الموت ولا فى قبورهم ولا فى منشرهم كأنى باهل لا اله الا الله ينفضون التراب عن رؤسهم وهم يقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن) فالواجب على من كان مؤمنا وليس من اهل البدع ان يحمد الله على ما هداه وجعله مسلما من الامة الشريفة. ولذا قيل من علامات سوء العاقبة ان لا يشكر العبد على ما هدى به من الايمان والتوحيد. واهل الغرور فى الدنيا مخدوع بهم فى الآخرة فليس لهم عناية رحمانية وانما يقبل رجاء العبد إذا قارنه العمل والكاملون بعد ان بالغوا فى تزكية النفس ما زالوا يخافون من سوء العاقبة ويرجون رحمة الله فكيف بنا ونحن متورطون فى آبار الأوزار لا توبة لنا ولا استغفار غير العناد والإصرار. قال الامام الهمام محمد الغزالي رحمه الله فى منهاج العابدين مقدمات التوبة ثلاث. احداها ذكر غاية قبح الذنوب. والثانية ذكر غاية عقوبة الله تعالى واليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به. والثالثة ذكر ضعفك وقلة حيلتك فان من لا يحتمل حر الشمس ولطمة شرطى وقرص نملة كيف يحتمل حر نار جهنم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال خلقت من النار فى دار الغضب والبوار نعوذ بالله من سخطه وعذابه
مرامى ببايد چوطفلان كريست ز شرم كناهان ز طفلانه زيست
نكو كفت لقمان كه نازيستن به از سالها بر خطا زيستن
هم از بامداد آن در كلبه بست به از سود وسرمايه دادن ز دست
قُلِ اللَّهُمَّ أصله يا الله فالميم عوض عن حرف النداء ولذلك لا يجتمعان وهذا من خصائص الاسم الجليل وشددت لقيامها مقام حرفين. وقيل أصله يا الله أمنا بخير اى اقصدنا به فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته مالِكَ الْمُلْكِ اى مالك جنس الملك على الإطلاق ملكا حقيقيا بحيث يتصرف فيه كيف ما يشاء له إيجادا واعداما واحياء واماتة وتعذيبا واثابة من غير مشارك ولا ممانع وهو نداء ثان عند سيبويه فان الميم عنده تمنع الوصفية لانه ليس فى الأسماء الموصوفة شىء على حد اللهم تُؤْتِي الْمُلْكَ بيان لبعض وجوه التصرف الذي يستدعيه مالكية الملك وتحقيق لاختصاصها به تعالى وكون مالكية الغير بطريق المجاز كما ينبئ عنه إيثار الإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء على التمليك المؤذن بثبوت المالكية حقيقة مَنْ تَشاءُ ايتاءه إياه وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ نزعه منه فالملك الاول حقيقى عام ومملوكيته حقيقية والآخران مجازيان خاصان ونسبتهما الى صاحبهما مجازية وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ
قال القشيري رحمه الله هذا للمستأنفين وقوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ للعارفين أولئك اصحاب التخفيف والتسهيل وهؤلاء اصحاب التخويف والتهويل ونظيره بشر المذنبين وانذر الصديقين فالله تعالى يمهل ولا يهمل فيجب ان لا يغتر العبد بامهاله بل يتأهب ليوم حسابه وجزائه
در خير باز است وطاعت وليك نه هر كس تواناست بر فعل نيك
واعلم ان ما يعمله الإنسان او يقوله ينتقش فى صحائف النفوس السماوية وإذا تكرر صار ملكة راسخة لكنه مشغول عن تلك الهيآت الثابتة فى نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية والوهمية والفكرية فاذا فارقت النفس الجسد وقامت قيامتها وجدت ما عملت من خير وشر محضرا لارتفاع الشواغل المانعة كقوله تعالى أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ فان كان شرا تتمنى البعد فيما بينها وما بين ذلك اليوم او ذلك العمل لتعذبها به فتصير تلك الهيآت صورتها ان كانت راسخة وإلا صورة تعذبها وتعذبت بحسبها ومن الله العصمة: قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره
هر خيالى كو كند در دل وطن روز محشر صورتى خواهد شدن «١»
سيرتى كان در وجودت غالب است هم بر آن تصوير حشرت واجب است «٢»
فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الأخلاق الذميمة ويطهر قلبه عن لوث العلائق الدنيوية ويجتهد فى تحصيل مرضاة الله بالأعمال الصالحة والأقوال الحقة كى يجدها عند ربه يوم احتياجه ويفوز بالسعادة قال رسول الله ﷺ (يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط واعرى ما كانوا قط وانصب ما كانوا قط فمن اطعم الله أطعمه ومن سقى الله سقاه ومن كسا الله كساه ومن عمل لله كفاه) وكان رسول الله ﷺ (يقول يا حنان يا منان يا ذا الجلال والإكرام باعد بينى وبين خطيئتى كما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واغسلني بماء الثلج والبرد سبحان الله وبحمده استغفر الله العظيم وأتوب اليه) ونظر رسول الله ﷺ يوما الى أصحابه حوله فقال (ايها الناس لا تعجبوا بانفسكم وبكثرة أعمالكم وبقلة ذنوبكم ولا تعجبوا بامرئ حتى تعلموا بم يختم له) قال عليه السلام (فانما الأعمال بخواتيمها ولو ان أحدكم جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا لتمنى الزيادة لهول ما يقدم عليه يوم القيامة) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي اثبت فيه الياء لانه اصل ولم يثبت فى فاتقون وأطيعون لانه ختم آية ينوى بها الوقف يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ نزلت حين دعا رسول الله ﷺ كعب بن الأشرف ومن تابعه الى الايمان فقالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فقال تعالى لنبيه عليه السلام قل لهم انى رسول الله أدعوكم اليه فان كنتم تحبونه فاتبعونى على دينه وامتثلوا امرى يحببكم الله ويرض عنكم. والمحبة ميل النفس الى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها اليه والعبد إذا علم ان الكمال الحقيقي ليس الا لله وان كل ما يراه كمالا من نفسه او غيره فهو من الله وبالله والى الله لم يكن حبه الا لله وفى الله وذلك يقتضى ارادة طاعته والرغبة فيما يقربه اليه فلذلك فسرت المحبة بارادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول ﷺ فى طاعته والحرص على مطاوعته
(١) در اواسط دفتر پنجم در بيان فيما يرجى من رحمة الله تعالى معطى النعم إلخ
(٢) در أوائل دفتر دوم در بيان آمدن دوستان بيمارستان جهة پرسش ذو النون قدس سره
الأنثى إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لجميع المسموعات التي من جملتها تضرعى ودعائى الْعَلِيمُ لكل المعلومات التي من زمرتها ما فى ضميرى لا غير فَلَمَّا وَضَعَتْها اى ولدت النسمة وهى أنثى قالَتْ حنة وكانت ترجو ان تكون غلاما رَبِّ إِنِّي التأكيد للرد على اعتقادها الباطل وَضَعْتُها أُنْثى تحسرا على ما رأته من خيبة رجائها وعكس تقديرها والضمير المتصل عائد الى النسمة وأنثى حال منه وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ تعظيم من جهته تعالى لموضوعها فانها لما تحسرت وتحزنت على ان ولدت أنثى قال الله تعالى انها لا تعلم قدر هذا الموهوب والله هو العالم بالشيء الذي وضعته وما علق به من العجائب وعظائم الأمور فانه تعالى سيجعله وولده آية للعالمين وهى جاهلة بذلك لا تعلم به فلذلك تحسرت وتحزنت وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى مقول لله ايضا مبين لتعظيم موضوعها ورفع منزلته. واللام فيهما للعهد اى ليس الذكر الذي كانت تطلبه وتتخيل فيه كمالا قصاراه ان يكون كواحد من السدنة كالانثى التي وهبت لها فان دائرة علمها وامنيتها لا تكاد تحيط بما فيها من جلائل الأمور فهى أفضل من مطلوبها وهى لا تعلم وهاتان الجملتان من مقول الله تعالى اعتراضان بين قول أم مريم إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وقولها وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وفائدتهما التسلية لنفس حنة والتعظيم لوضعها وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ من مقول حنة عطف على قولها إِنِّي وَضَعْتُها اى انى جعلت اسمها مريم وغرضها من عرضها على علام الغيوب التقرب اليه تعالى واستدعاء العصمة لها فان مريم فى لغتهم بمعنى العابدة وخادم الرب واظهار انها غير راجعة فى نيتها وان كان ما وضعته أنثى وانها ان لم تكن خليقة بسدانة بيت المقدس فلتكن من العابدات فيه وظاهر هذا الكلام يدل على ان عمران كان قدمات قبل وضع حنة مريم والا لما تولت الام تسمية المولود لان العادة ان التسمية يتولاها الآباء وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ اى أجيرها بحفظك وَذُرِّيَّتَها عطف على الضمير المنصوب اى أولادها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ اى المطرود. واصل الرجم الرمي بالحجارة وعن النبي ﷺ (ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها) ومعناه ان الشيطان يطمع فى إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه الا مريم وابنها فان الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة فَتَقَبَّلَها اى أخذ مريم ورضى بها فى النذر مكان الذكر رَبُّها مالكها ومبلغها الى كمالها اللائق بِقَبُولٍ حَسَنٍ بوجه حسن يقبل به النذائر وهو قبول تلك الأنثى مع أنوثتها وصغرها فان المعتاد فى تلك الشريعة ان لا يجوز التحرير الا فى حق غلام عاقل قادر على خدمة المسجد وهنا لما علم الله تعالى تضرع حنة قبل بنتها حال صغرها وعدم قدرتها على خدمة المسجد وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها مما يصلح فى جميع أحوالها ثم ان الله تعالى ذكر قبولها منها وذلك لضفها وصدق نيتها فى الابتداء وحيلئها فى الانتهاء وكان فى ذلك الزمان اربعة آلاف محرر لم يشتهر خبر أحد منهم اشتهار خبرها. وفيه تنبيه للعبد على ان يرى من نفسه التقصير بعد جهدها ليقبل الله عملها لاظهار إفلاسها وإضمار إخلاصها رزقنا الله وإياكم
27
واعلم انه سبحانه قطع السائرين له وهم المريدون والواصلين اليه وهم المرادون عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم. اما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها فانقطعوا اليه برؤية تقصيرهم. واما الواصلون فلأنه غيبهم شهوده عنها لانه الفعال وهم آلة مسخرة.
ولما دخل الواسطي نيسابور سأل اصحاب الشيخ ابى عثمان المغربي بم يأمركم شيخكم قالوا كان يأمرنا بالتزام الطاعة ورؤية التقصير فيها فقال أمركم بالمجوسية المحضة هلا آمركم بالغيبة عنها بشهود منشئها ومجريها. قال القشيري وانما أراد الواسطي صيانتهم عن محل الاعجاب لا تعريجا فى أوطان التقصير او تجويزا للاخلال بأدب من الآداب. قال النهر جورى من علامة من تولاه الله فى اعماله ان يشهد التقصير فى إخلاصه والغفلة فى أذكاره والنقصان فى صدته والفتور فى مجاهدته وقلة المراعاة فى فقره فتكون جميع أحواله عنده غير مرضية ويزداد فقرا الى الله فى فقره وسيره حتى يفنى عن كل ما دونه. قال الشيخ ابو العباس رضى الله عنه فى اشارة قوله تعالى يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ يولج المعصية فى الطاعة ويولج الطاعة فى المعصية يطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يفعلها ويطلب من الله العوض عليها فهذه حسنة أحاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ الى الله فيه ويستصغر نفسه ويستعظم من لم يفعله فهذه سيئة أحاطت بها حسنات فايتهما الطاعة وأيتهما المعصية فعلى السالك ان يجتهد فى الطاعات ولا يغتر بالعبادات لعله يصل الى غاية الغايات فى روضات الجنات
طريقت همينست كاهل يقين نكو كار بودند وتقصير بين
چهـ زرها بخاك سيه در كنند كه باشد كه روزى مسى زر كنند
يعنى ان المشتغلين بتحصيل صنعة الكيمياء يجعلون دنانير كثيرة تحت التراب اى يبذلونها لتحصيلها ويفرقونها فى أسبابها كى يصير النحاس فى أيديهم ذهبا بحتا ويتشرفوا بوصولها
زر از بهر چيزى خريدن نكوست چهـ خواهى خريدن به از وصل دوست
فالسعى فى الأعمال انما هو لطلب رضى الله ووصول جنابه وهو الذي يبذل فى طريقه المال والروح لينفتح باب الفتوح. قال الشيخ الشاذلى قدس سره فى لطائف المنن واعلموا ان الله أودع أنوار الملكوت فى اصناف الطاعات فأى من فاته من الطاعات صنف او اغوزه من الموافقات جنس فقد فقد من النور بمقدار ذلك ولا تهملوا شيأ عن الطاعات ولا تستغنوا عن الأوراد بالواردات ولا ترضوا لا نفسكم بمارضى به المدعون بحر الحقائق على ألسنتهم وخلوا أنوارها من قلوبهم انتهى. فينبغى للعبد ان يواظب على اصناف الطاعات وينساها بعد ما عملها كيلا يبطلها العجب لانه يقال حفظ الطاعة أشد من فعلها لان مثلها كمثل الزجاج يسرع اليه الكسر ولا يقبل الجبر وكذا الخيرات إذا أزيلت بالمخالفات وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا الفعل لله تعالى بمعنى وضمنها الله الى زكريا وجعله كافلالها وضامنا لمصالحها قائما بتدابير أمورها والكافل هو الذي ينفق على انسان ويهتم بإصلاح مصالحه وفى الحديث (انا وكافل اليتيم كهاتين) وهو زكريا بن اذن بن مسلم بن صدون من أولاد سليمان عليه السلام ابن داود عليه السلام- روى- ان حنة حين ولدت مريم لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة اى خذوها
28
فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بنى ماثان كانت رؤس بنى إسرائيل وملوكهم فقال لهم زكريا انا أحق بها عندى خالتها فقالوا لا حتى نقرع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر قيل هو نهر الأردن فالقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحى على ان كل من ارتفع قلمه فهو الراجح فالقوا ثلاث مرات ففى كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها. قال الشيخ فى تفسيره وهو معنى قوله فَتَقَبَّلَها رَبُّها الآية كُلَّما اى كل وقت دَخَلَ عَلَيْها اى على مريم زَكَرِيَّا فاعل دخل الْمِحْرابَ اى فى المحراب قيل بنى لها محرابا فى المسجد اى غرفة تصعد إليها بسلم او المحراب اشرف المجالس ومقدمها كانها وضعت فى اشرف موضع من بيت المقدس او كانت مساجدهم تسمى المحاريب- روى- انها لا يدخل عليها الا هو وحده فاذا خرج غلق عليها سبعة أبواب فكلما دخل وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً اى نوعا منه غير معتاد إذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها فى الصيف فاكهة الشتاء وفى الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط قالَ كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه السلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا اى من اين يجيئ لك هذا الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت فى غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل
به إليك قالَتْ مريم وهى صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب قيل تكلمت وهى صغيرة كما تكلم عيسى وهو فى المهد هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تعجب ولا تستبعد إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ان يرزقه بِغَيْرِ حِسابٍ اى بغير تقدير لكثرته او بلا محاسبة او من حيث لا يحتسب وهو تعليل لكونه من عند الله اما من تمام كلامها فيكون فى محل النصب واما من كلامه عز وجل فهو مستأنف. وفى الآية دليل على جواز الكرامة للاولياء ومن أنكرها جعل هذا إرهاصا وتأسيسا لرسالته عليه السلام. عن النبي ﷺ انه جاع فى زمن قحط فاهدت له فاطمة رضى الله عنها رغيفين وبضعة لحم اثرته بها فرجع بها إليها وقال (هلمى يا بنية) فكشفت عن الطبق فاذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله فقال لها ﷺ (أنى لك هذا) فقالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فقال ﷺ (الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة بنى إسرائيل) ثم جمع رسول الله ﷺ عليا والحسنين رضى الله عنهم وجمع اهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا وبقي الطعام كما هو فاوسعت فاطمة رضى الله عنها على جيرانها. وقد ظهر على السلف رضى الله عنهم من الصحابة والتابعين ثم على من بعدهم من الكرامات. قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه اكبر الكرامات ان تبدل خلقا مذموما من اخلاقك. قال الشيخ ابو العباس رحمه الله ليس الشأن من تطوى له الأرض فاذا هو بمكة وغيرها من البلدان انما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه. وقيل لابى يزيد ان فلانا يمشى على الماء قال الحوت اعجب منه إذ هو شأنه. فقيل له ان فلانا يمشى فى الهواء قال الطير اعجب من ذلك إذ هو حاله. قيل له كان فلان يمشى الى مكة ويرجع من يومه قال إبليس اعجب من ذلك إذ هو حاله تطوى له الأرض كلها فى لحظة وهو فى لعنة الله فالطى الحقيقي ان تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة اقرب إليك منك لان الأرض تطوى لك فاذا
29
واستدامتهما انتهى. واعلم ان الذكر على مراتب والذكر اللساني بالنسبة الى الذكر القلبي تنزل- روى- ان عيسى عليه السلام حين ترقى الى أعلى مراتب الذكر جاءه إبليس فقال يا عيسى اذكر الله فتعجب عيسى من امره بالذكر مع ان جبلته على المنع منه ثم ظهر انه أراد ان يغويه وينزله من مرتبة الذكر القلبي الى مرتبة الذكر اللساني وذلك كان تنزلا بالنسبة الى مقامه عليه السلام. فعلى العاقل ان يداوم على الاذكار آناء الليل وأطراف النهار فان الذكر يدفع هوى النفس فاذا طرد ذلك من الباطن فلا سبيل للشيطان ايضا فى الظاهر فتعلق أبواب المنهيات بالكليات ويتصفى القلب ويتكدر
پياپى بيفشان از آيينه كرد كه صيقل نكيرد چو ژنكار خورد
قال القشيري فذكر اللسان به يصل العبد الى استدامة ذكر القلب والتأثير للذكر فاذا كان العبد ذاكرا بلسانه وقلبه فهو الكامل فى وصفه فى حال سلوكه. قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه ما من يوم الا والجليل سبحانه ينادى عبدى ما أنصفتني أذكرك وتنسانى وأدعوك الىّ وتذهب الى غيرى واذهب عنك البلايا وأنت معتكف على الخطايا يا ابن آدم ما تقول غدا إذا جئتنى. وقال الحسين افتقدوا الحلاوة فى ثلاثة أشياء فى الصلاة والذكر والقراءة فان وجدتم والا فاعلموا ان الباب مغلق. قيل إذا تمكن الذكر من القلب فان دنامنه الشيطان صرخ كما يصرخ الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون ما لهذا فيقول قدمسه الانس. قال بعضهم وصف لى ذاكر فى اجمة فأتيته فبينما هو جالس إذا سبع عظيم ضربه ضربة واستلب منه قطعة فغشى عليه وعلىّ فلما أفقت قلت ما هذا فقال قيض الله هذا السبع لى فكلما داخلتنى فترة غضنى كما رأيت أوصلنا الله وإياكم الى مرتبة اليقين وشرفنا بمقام التمكين واذاقنا حلاوة الذكر فى كل حين وأدخلنا الجنة المعنوية مع عباده الصالحين أجمعين وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ اى اذكر وقت قول الملائكة وهو جبريل بدلالة قوله تعالى فى سورة مريم فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
اى سوى الخلق لتستأنس به وانما جمع تعظيما له لانه كان رئيس الملائكة يا مَرْيَمُ وكلام جبريل معها لم يكن وحيا إليها فان الله يقول وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ولا نبوة فى النساء بالإجماع. فكلمها شفاها كرامة لها وكرامات الأولياء حق او إرهاصا لنبوة عيسى عليه السلام وهو من الرهص بالكسر وهو الصف الأسفل من الجدار وفى الاصطلاح ان يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة كاظلال الغمام لرسول الله ﷺ وتكلم الحجر والمدر والرمي بالشهب وقصة الفيل وغير ذلك إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ اولا حيث تقبلك من أمك بقبول حسن ولم يتقبل غيرك أنثى ورباك فى حجر زكريا عليه السلام ورزقك من رزق الجنة وخصك بالكرامات السنية وَطَهَّرَكِ من الكفر والمعصية ومن الافعال الذميمة والعادات القبيحة ومن مسيس الرجال ومن الحيض والنفاس قالوا كانت مريم لا تحيض ومن تهمة اليهود وكذبهم بانطاق الطفل وَاصْطَفاكِ آخرا عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ بان وهب لك عيسى عليه السلام من غير اب ولم يكن ذلك لاحد من النساء وجعلكما آية للعالمين يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ اى قومى فى الصلاة وأطيلي القيام
المشرفة كالصديق والفاروق وأصله مشيحا بالعبرانية ومعناه المبارك عِيسَى بدل من المسيح معرب من ايشوع ابْنُ مَرْيَمَ صفة لعيسى وتوجه الخطاب الى مريم يقتضى ان يقال عيسى ابنك الا انه قيل عيسى ابن مريم تنبيها على ان الأبناء ينسبون الى الآباء لا الى الأمهات فاعلمت بنسبته إليها انه يولد من غير اب فلا ينسب الا الى امه وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين فان قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم وهذه ثلاثة أشياء الاسم منها عيسى واما المسيح والابن فلقب وصفة. قلت الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره فكانه قيل الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة. وفى التيسر اللقب إذا عرف صار كالاسم وَجِيهاً حال من الكلمة وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة والوجيه ذو الجاه وهو القوة والمنعة والشرف فِي الدُّنْيا بالنبوة والتقدم على الناس وَالْآخِرَةِ بالشفاعة وعلو الدرجة فى الجنة وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ اى عند ربه بارتفاعه الى السماء وصحبة الملائكة فيها وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا اى يكلمهم حال كونه طفلا وكهلا كلام الأنبياء عليهم السلام من غير تفاوت يعنى ان تكلمه فى حالة الطفولية والكهولة على حد واحد وصفة واحدة من غير تفاوت بان يكون كلامه فى حال الطفولية مثل كلام الأنبياء والحكماء لا شك انه من أعظم المعجزات. قال مجاهد قالت مريم إذا خلوت انا وعيسى حدثنى وحدثته فاذا شغلنى عنه انسان يسبح فى بطني وانا اسمع وتكلمه معهم دليل على حدوثه لحدوث الأصوات والحروف- روى- انه لما بلغ عمره ثلاثين سنة أرسله الله الى بنى إسرائيل فمكث فى رسالته ثلاثين شهرا ثم رفع الى السماء او جاءه الوحى على رأس ثلاثين سنة فمكث فى نبوته ثلاث سنين وأشهرا ثم رفع. والكهل من تجاوز الثلاثين الى الأربعين وقارب الشيب من اكتهل النبت قارب اليبس فعلى هذا صح ان يقال انه بلغ سن الكهولة وكلم الناس فيه ثم رفع واما على قول من يقول ان أول سن الكهولة أربعون سنة فلا بد ان يقال انه رفع شابا ولا يكلم الناس كهلا الا بعد ان ينزل من السماء فى آخر الزمان فانه حينئذ يكلم الناس ويقتل الدجال وَمِنَ الصَّالِحِينَ هذه الاربعة احوال مقدرة من كلمة والمعنى يبشرك به موصوفا بهذه الصفات وذكر قوله ومن الصالحين بعد ذكر الأوصاف المتقدمة دليل على انه لا رتبة أعظم من كون المرء صالحا لانه لا يكون المرء كذلك الا بان يكون فى جميع الافعال والتروك مواظبا على النهج الأصلح والطريق الأكمل ومعلوم ان ذلك يتناول جميع المقامات فى الدين والدنيا فى افعال القلوب وفى افعال الجوارح قالَتْ مريم متضرعة الى ربها رَبِّ أَنَّى يَكُونُ اى كيف يكون او من أين يكون لِي وَلَدٌ على وجه الاستبعاد العادي والتعجب من استعظام قدرة الله فان البشرية تقتضى التعجب مما وقع على خلاف العادة إذ لم تجر عادة بان يولد ولد بلا اب وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ آدمي وسمى بشرا لظهوره وهو كناية عن الجماع اى والحال انى على حالة منافية للولد قالَ اى الله عز وجل او جبريل عليه السلام كَذلِكِ اشارة الى مصدر يخلق فى قوله عز وجل اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ان يخلقه اى الله يخلق ما يشاء ان يخلقه خلقا مثل ذلك الخلق العجيب والأحداث البديع الذي هو خلق الولد من غير اب فالكاف فى محل النصب على انها فى الأصل
35
نعت لمصدر محذوف إِذا قَضى أَمْراً اى أراد شيأ واصل القضاء الاحكام اطلق على الارادة الالهية القطعية المتعلقة بوجود الشيء لا يجابه إياه البتة فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ من غير ريث وهو تمثيل لكمال قدرته تعالى وسهولة تأتى المقدورات حسبما تقتضيه مشيئته وتصوير لسرعة حدوثها بما علم فيها من إطاعة المأمور المطيع للآمر القوى المطاع وبيان لانه تعالى كما يقدر على خلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد معتادة يقدر على خلقها دفعة من غير حاجة الى شىء من الأسباب والمواد. قال ابن عباس رضى الله عنهما ان مريم رضى الله عنها كانت فى غرفة قد ضربت دونها سترا إذا هى برجل عليه ثياب بيض وهو جبريل تمثل لها بشرا سويا اى تام الخلق فلما رأته قالت أعوذ بالرحمن منك ان كانت تقيا ثم نفخ فى جيب درعها
حتى وصلت النفخة الى الرحم فاشتملت. قال وهب وكان معها ذو قرابة يقال له يوسف النجار وكان يوسف هذا يستعظم ذلك فاذا أراد ان يتهمها ذكر صلاحها وإذا أراد ان يبرئها رأى ما ظهر عليها فكان أول ما كلمها ان قال لها قد دخل فى صدرى شىء أردت كتمانه فغلبنى ذلك فرأيت الكلام أشقى لصدرى قالت قل قال فحدثينى هل ينبت الزرع من غير بذر قالت نعم قال فهل ينبت شجر من غير اصل قالت نعم قال فهل يكون ولد من غير ذكر قالت نعم ألم تعلم ان الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر والبذر يومئذ انما صار من الزرع الذي أنبت الله من غير بذر ألم تعلم ان الله خلق آدم وحواء من غير أنثى ولا ذكر فلما قالت له ذلك وقع فى نفسه ان الذي بها شىء أكرمها الله به- روى- ان عيسى عليه السلام حفظ التوراة وهو فى بطن امه وكانت مريم تسمع عيسى وهو يدرس فى بطنها ثم لما شرف عالم الشهود أعطاه الله الزهادة فى الدنيا فانه كان يلبس الشعر ويتوسد الحجر ويستنير القمر وكان له قدح يشرب فيه الماء ويتوضأ فيه فرأى رجلا يشرب بيده فقال لنفسه يا عيسى هذا ازهد منك فرمى القدح وكسره واستظل يوما فى ظل خيمة عجوز فكان قد لحقه حر شديد فخرجت العجوز فطردته فقام وهو يضحك فقال يا امة الله ما أنت أقمتني وانما أقامني الذي لم يجعل لى نعيما فى الدنيا ولما رفع الى السماء وجد عنده ابرة كان يرقع بها ثوبه فاقتضت الحكمة الإلهية نزوله فى السماء الرابعة وفيه اشارة الى ان السالك لا بد وان ينقطع عن كل ما سوى الله ويتجرد عن العوائق حتى يسير مع الملأ الأعلى ويطير الى مقام قاب قوسين او ادنى- وروى- ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال اللهم أرني وليا من أوليائك فاوحى الله تعالى اليه ان اصعد الى جبل كذا وادخل زاوية كذا فى كهف كذا حتى ترى وليي ففعل فرأى فيه رجلا ميتا توسد بلبنه وفوق عورته خرقة وليس فيه شىء غيره فقال اللهم سألتك ان ترينى وليك فأريتنى هذا فقال هذا هو وليي فو عزتى وجلالى لا ادخله الجنة حتى أحاسبه باللبنة والخرقة من اين وجدهما فحال اولياء الله الافتخار بالفقر وترك الدنيا والصبر على ما قدره الله
صبر باشد مشتهاى زيركان هست حلوا آرزوى كودكان
هر كه صبر آورد كردون بر رود هر كه حلوا خورد او پس تر رود
فالقوة الروحانية التي بها يصير الإنسان كالملائكة انما تحصل بالصبر عن المشتهيات فانظر الى حال
36
فلما علم مِنْهُمُ الْكُفْرَ علما لا شبهة فيه كما يدرك بالحواس من الضروريات منهم الكفر اى من بنى إسرائيل وأرادوا قتله وانهم لا يزدادون على رؤية الآيات الا الإصرار على الجحود قالَ لخلص أصحابه مستنصرا على الكفار مَنْ أَنْصارِي الأنصار جمع نصير إِلَى اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع حالا من الياء اى من انصارى متوجها الى الله ملتجئا اليه ومن أعواني على اقامة الدين قالَ الْحَوارِيُّونَ جمع حوارى يقال فلان حوارى فلان اى صفوته وخاصته وهم اثنا عشر بعضهم من الملوك وبعضهم من صيادى السمك وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين والكل سموا بالحواريين لانهم كانوا أنصار عيسى عليه السلام وأعوانه والمخلصين فى محبته وطاعته نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ اى أنصار دينه ورسوله قال تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ والله ينصر من ينصر دينه ورسله آمَنَّا بِاللَّهِ استئناف جار مجرى العلة لما قبله فان الايمان به تعالى موجب لنصرة دينه والذب عن أوليائه والمحاربة مع أعدائه وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ مخلصون فى الايمان منقادون لما تريد من امر نصرتك طلبوا منه عليه السلام الشهادة بذلك يوم القيامة يوم تشهد الرسل عليهم السلام لأممهم إيذانا بان مرمى غرضهم السعادة الاخروية رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ من الإنجيل على عيسى وهو تضرع الى الله تعالى وعرض لهم عليه تعالى بعد عرضها على الرسول مبالغة فى اظهار أمرهم وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ اى عيسى على دينه فى كل ما يأتى ويذر من امور الدين فيدخل فيه الاتباع فى النصرة دخولا أوليا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ اى مع الذين يشهدون بوحدانيتك او مع الأنبياء الذين يشهدون لاتباعهم او مع امة محمد ﷺ فانهم شهداء على الناس قاطبة وهو حال من مفعول اكتبنا. وفيه اشارة الى ان كتاب الأبرار انما يكون فى السموات مع الملائكة قال تعالى كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ فاذا كتب الله ذكرهم مع الشهداء المؤمنين كان ذكرهم مشهورا فى الملأ الأعلى وعند الملائكة المقربين وَمَكَرُوا اى الذين علم عيسى كفرهم من اليهود بان وكلوا به من يقتله غيلة وهو ان يخدعه فيذهب به الى موضع فاذا صار اليه قتله وَمَكَرَ اللَّهُ بان رفع عيسى عليه السلام والقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أقواهم مكرا وانفذهم كيدا وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب- روى- ان ملك بنى إسرائيل لما قصد قتله عليه السلام امره ان يدخل بيتا فيه روزنة فرفعه جبريل عليه السلام من تلك الروزنة الى السماء وكساه الله الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطارمع الملائكة حول العرش وكان إنسيا ملكيا سماويا ارضيا ثم قال الملك لرجل خبيث منهم ادخل عليه فاقتله فدخل البيت فالقى الله عز وجل شبهه عليه السلام عليه فخرج يخبرهم انه ليس فى البيت فقتلوه وصلبوه ثم قالوا وجهه يشبه وجه عيسى وبدنه يشبه بدن صاحبنا فان كان هذا عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى فوقع بينهم مقال عظيم ولما صلب المصلوب جات مريم ومعها امرأة ابرأها الله من الجنون بدعاء عيسى وجعلتا تبكيان على المصلوب فأنزل الله عيسى عليه السلام فجاءهما فقال على من تبكيان قالتا عليك فقال ان الله رفعنى ولم يصبنى الا خيروان هذا شىء شبه لهم فلما كان بعد سبعة ايام قال الله لعيسى اهبط الى
وسلم ان يمنعوهم فقال ﷺ (دعوهم) وقد كان نزل على النبي عليه السلام قبل قدومهم صدر آل عمران لمحاجتهم ثم انتهى ابو حارثة هذا وآخر معه الى النبي عليه السلام فقال لهما ﷺ (أسلما) فقالا اسلمنا قبلك فقال ﷺ (كذبتما يمنعكما عن الإسلام ثلاث عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما ان لله ولدا) قالوا يا محمد فلم تشتم صاحبنا عيسى قال (وما أقول) قالوا تقول انه عبد قال (أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى العذراء البتول) فغضبوا وقالوا هل رأيت إنسانا من غير اب فحيث سلمت انه لا اب له من البشر وجب ان يكون هو الله فقال ﷺ (ان آدم عليه السلام ما كان له اب ولا أم) ولم يلزم من ذلك كونه ابنا لله تعالى فكذا حال عيسى عليه السلام فالوجود من غير اب وأم أخرق للعادة من الوجود من غير اب فشبه الغريب بالاغرب ليكون اقطع لشبهة الخصم إذا نظر فيما هو اغرب مما استغربه الْحَقُّ اى ما قصصنا عليك من نبأ عيسى وامه هو الحق كائنا مِنْ رَبِّكَ لا قول النصارى انه ابن الله وقولهم ولدت مريم الها ونحو ذلك فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ اى من الشاكين فى ذلك الخطاب للنبى عليه السلام على طريقة الالهاب والتهييج لزيادة التثبيت لان النهى عن الشيء حقيقة يقتضى ان يتصور صدور المنهي عنه من المنهي ولا يتصور كونه عليه السلام شاكا فى صحة ما انزل عليه والمعنى دم على يقينك وعلى ما أنت عليه من الاطمئنان على الحق والتنزه عن الشك فيه. قال الامام ابو منصور رحمه الله العصمة لا تزيل المحنة ولا ترفع النهى فَمَنْ حَاجَّكَ اى من النصارى إذ هم المتصدون للمحاجة فِيهِ اى فى شأن عيسى عليه السلام وامه زعما منهم انه ليس على الشأن المحكي مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اى ما يوجبه إيجابا قطعيا من الآيات البينات وسمعوا ذلك منك فلم يرعووا عما هم عليه من الضلال والغى فَقُلْ اى فاقطع الكلام معهم وعاملهم بما يعامل به المعاند وهو ان تدعوهم الى الملاعنة فقل لهم تَعالَوْا التعالي فى الأصل التصاعد كأن الداعي فى علو والمدعو فى سفل فامره ان يتعالى اليه ثم صار ذلك لكل مدعو اين كان اى هلموا بالرأى والعزيمة لا بالأبدان لانهم مقبلون وحاضرون عنده بأجسادهم نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ اكتفى بهم عن ذكر البنات لظهور كونهم أعز منهن. واما النساء فتلقهن من جهة اخرى وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ اى ليدع كل منا ومنكم نفسه واعزة اهله وألصقهم بقلبه الى المباهلة ويحملهم عليها ثُمَّ نَبْتَهِلْ اى نتباهل بان نلعن الكاذب ونقول لعنة الله على الكاذب منا ومنكم فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ عطف على نبتهل مبين لمعناه- روى- انهم لما دعوا الى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما خلا بعضهم ببعض قالوا لعبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى ان محمدا نبى مرسل ولقد جاءكم بالفصل من امر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فان أبيتم الا الف دينكم والاقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا الى بلادكم فأتوا رسول الله ﷺ وقد خرج محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلى خلفها رضى الله عنه وهو يقول (إذا انا دعوت فأمنوا) فقال اسقف نجران
بين ابراهيم وموسى الف سنة وبين موسى وعيسى الفى سنة فكيف يكون ابراهيم على دين لم يحدث الا بعد عهده بأزمنة متطاولة ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جملة من مبتدأ وخبر صدرت بحرف التنبيه ثم بينت بجملة مستأنفة اشعارا بكمال غفلتهم اى أنتم هؤلاء الحمقى حيث حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ من التوراة والإنجيل من نبوة محمد عليه السلام فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فيما لا ذكر له فى كتابكم ولا علم لكم به من دين ابراهيم إذ لا ذكر لدينه عليه السلام فى أحد الكتابين قطعا وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما حاججتم فيه فيعلمنا وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ اى محل النزاع ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا تصريح بما نطق به البرهان المقرر وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً اى مائلا عن العقائد الزائغة كلها مُسْلِماً
اى منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة الإسلام والا لاشترك الإلزام وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تعرض بانهم مشركون بقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله ورد لادعاء المشركين انهم على ملته عليه السلام إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ اى ان أحق الناس بدعواه انه على دين ابراهيم لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فى زمانه وَهذَا النَّبِيُّ اى محمد المصطفى ﷺ لانه اتبعه وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وبمحمد ﷺ من هذه الامة لموافقتهم فى اكثر ما شرعه لهم على الاصالة وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ينصرهم ويجازيهم الحسنى بايمانهم وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ اى أحبت لَوْ اى ان يُضِلُّونَكُمْ يصرفونكم عن دين الإسلام الى دين الكفر وانما قال طائفة لان من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ جملة حالية جيئ بها للدلالة على كمال رسوخ المخاطبين وثباتهم على ما هم عليه من الدين القويم اى وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله الا إليهم لما انه يضاعف به عذابهم وَما يَشْعُرُونَ اى باختصاص وباله وضرره بهم. اعلم انه تعالى لما بين ان من طريقة اهل الكتاب العدول عن الحق والاعراض عن قبول الحجة بين انهم لا يقتصرون على هذا القدر بل يجتهدون فى إضلال من آمن بالرسول عليه السلام بإلقاء الشبهات. فعلى العاقل ان لا يضل عن الطريق القويم بإلقاءات كل شيطان رجيم من ضلال الانس والجان أصلحهم الله الملك المنان وماذا بعد الحق الا الضلال. قال ابن مسعود رضى الله عنه لما دنا فراق رسول الله ﷺ جمعنا فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها ثم نظر إلينا فدمعت عيناه وقال (مرحبا بكم حياكم الله رحمكم الله أوصيكم بتقوى الله وطاعته قددنا الفراق وحان المنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى يغسلنى رجال اهل بيتي ويكفوننى فى ثيابى هذه ان شاؤا فى حلة يمانية فاذا غسلتمونى وكفنتمونى ضعونى على سريرى فى بيتي هذا على شفير لحدى ثم اخرجوا عنى ساعة فاول من يصلى على حبيبى جبريل عليه السلام ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنودهم ثم ادخلوا على فوجا فوجا صلوا على) فلما سمعوا فراقه صاحوا وبكوا وقالوا يا رسول الله أنت رسول ربنا وشمع جمعنا وسلطان أمرنا إذا ذهبت عنا فالى من تراجع فى أمورنا قال (تركتكم على المحجة البيضاء) اى على الطريق الواسع الواضح ليلها كنهارها فى الوضوح ولا يزيغ بعدها الى غيرها الا هالك (وتركت لكم واعظين ناطقا وصامتا
وَلا تُؤْمِنُوا اى لا تقروا بتصديق قلبى إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ اى لاهل دينكم لا لمن تبع محمدا واسلم لما قالت الطائفة المتقدمة لاتباعهم أظهروا الايمان بالقرآن أول النهار كان من بقية كلامها لهم انكم لا تصدقوا بحقية الإسلام والقرآن بقلوبكم لكن لا تظهروه للمسلمين ولا تقروا بذلك الا لاهل دينكم قُلْ يا محمد للرؤساء إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ يهدى به من يشاء الى الايمان ويثبته عليه فاذا كانت الهداية والتوفيق من الله فلا يضر كيدكم وحيلكم وهو اعتراض مقيد لكون كيدهم غير مجد لطائل أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ
علة بتقدير اللام لفعل محذوف اى قلتم ذلك القول ودبرتم الكيد لان يعطى أحد مثل ما أعطيتم من فضل الكتاب والعلم لا لشىء آخر يعنى ما بكم من الحسد صار داعيا لكم الى ان قلتم ما قلتم أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على ان يؤتى وضمير الجمع عائد الى أحد لانه فى معنى الجمع اى دبرتم ما دبرتم لذلك ولان يحاجوكم عند كفركم بما يؤتى أحد من الكتاب مثل كتابكم عِنْدَ رَبِّكُمْ يوم القيامة فيغلبوكم بالحجة فان من آتاه الله الوحى لا بد ان يحاج مخالفيه عند ربه قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ اى الهدى والتوفيق وإيتاء العلم والكتاب بِيَدِ اللَّهِ اى بقدرته ومشيئته يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده وَاللَّهُ واسِعٌ اى كامل القدرة عَلِيمٌ اى كامل العلم فلكمال القدرة يصح ان يتفضل على أي عبد يشاء بأى تفضل شاء ولكمال علمه لا يكون شىء من أفعاله الا على وجه الحكمة والصواب يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ اى يجعل رحمته مقصورة على مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ كلاهما تذييل لما قبله مقرر لمضمونه. والاشارة فى تحقيق الآيات ان الحسد وان كان مركوزا فى جبلة الإنسان ولكن له اختصاص بعالم يتعلم العلم ليمارى به السفهاء ويباهى به العلماء ويجعله وسيلة لجمع المال وحصول الجاه والقبول عند ارباب الدنيا فيحسد على كل عالم آتاه الله كلمة فهو ينشرها ويفيد الخلق كما قال عليه السلام (لا حسد الا فى اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكه فى حق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضى بها ويعلمها) اى لا حسد كحسد الحاسد على هذين الرجلين وكان حسد أحبار اليهود على النبي عليه السلام من هذا القبيل. قال رسول الله ﷺ (ستة يدخلون النار قبل الحساب قيل يا رسول الله من هم قال (الأمراء من بعدي بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والتجار بالخيانة واهل الرستاق بالجهل واهل العلم بالحسد) قال رسول الله ﷺ (ثلاث هن اصل كل خطيئة فاتقوهن واحذروهن إياكم والكبر فان إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم) :
قال المولى الجامى
لاف بي كبرى مزن كان از نشان پاى مور در شب تاريك بر سنك سيه پنهان ترست
وز درون كردن برون انرا مكير آسان كزان كوه را كندن بسوزن از زمين آسان ترست
(وإياكم والحرص فان آدم حمله الحرص على ان أكل من الشجرة) : وقال ايضا
در هر دلى كه عز قناعت نهاد پاى از هر چهـ بود حرص وطمع را ببست دست
هر جا كه عرضه كرد قناعت متاع خويش بازار حرص ومعركه آز را شكست
(وإياكم والحسد فان ابني آدم انما قتل أحدهما صاحبه حسدا) : قال الشيخ السعدي
ثَمَناً قَلِيلًا هو حطام الدنيا أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات القبيحة لا خَلاقَ لا نصيب لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ولا فى نعيمها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وهو كناية عن شدة غضبه وسخطه نعوذ بالله من ذلك وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وهو مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم وَلا يُزَكِّيهِمْ اى لا يثنى عليهم كما يثنى على أوليائه مثل ثناء المزكى للشاهد. والتزكية من الله تعالى قد تكون على ألسنة الملائكة كقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ وقد تكون بغير واسطة اما فى الدنيا فكقوله تعالى التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ واما فى الآخرة فكقوله تعالى سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ على ما فعلوه من المعاصي. والآية نزلت فى اليهود الذين حرفوا التوراة وبدلوا نعت رسول الله ﷺ وأخذوا الرشوة على ذلك وَإِنَّ مِنْهُمْ اى من اليهود المحرفين لَفَرِيقاً ككعب ابن الأشرف ومالك بن الصيف واضرابهما يَلْوُونَ من اللى وهو الفتل أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ اى يفتلونها بقراءته فيميلونها من المنزل الى المحرف لِتَحْسَبُوهُ اى المحرف المدلول عليه بقوله يلوون مِنَ الْكِتابِ اى من جملته وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ حال من الضمير المنصوب اى والحال انه ليس منه فى نفس الأمر وفى اعتقادهم ايضا وَيَقُولُونَ مع ما ذكر من اللى والتحريف على طريقة التصريح لا بالتوراة والتعريض هُوَ اى المحرف مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى منزل من عند الله وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اى والحال انه ليس من عنده تعالى فى اعتقادهم ايضا وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ انهم كاذبون ومفترون على الله وهو تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله تعالى والتعمد فيه. وعن ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف وغيروا التوراة وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله ﷺ ثم أخذت قريظة ما كتبوا فخلطوه بالكتاب والاشارة فى الآيتين إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الذي عاهدهم الله به يوم الميثاق فى التوحيد وطلب الوحدة وَأَيْمانِهِمْ التي يحلفون بها هاهنا ثَمَناً قَلِيلًا من متاع الدنيا وزخارفها مما يلائم الحواس الخمس والصفات النفسانية أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ الروحانية من نسيم روائح الأخلاق الربانية وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تقريبا وتكريما وتفهيما وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بنظر العناية والرحمة فيرحمهم ويزكيهم عن الصفات التي بها يستحقون دركات جهنم وَلا يُزَكِّيهِمْ عن الصفات الذميمة التي هى وقود النار بالنار الى الابد ولا يتخلصون منها ابدا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فيما لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم وَإِنَّ مِنْهُمْ اى من مدعى اهل المعرفة لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ اى بكلمات اهل المعرفة لِتَحْسَبُوهُ من المعرفة وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ الذي كتب الله فى قلوب العارفين وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعنى من العلم اللدني وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
بإظهار الدعاوى عند فقدان المعاني وَهُمْ يَعْلَمُونَ ولا يعلمون انهم يقولون ما لا يفعلون: قال السعدي قدس سره
توانم انكه نيازارم اندرون كسى حسود را چهـ كنم كوز خود برنج درست
كرا جامه پاكست وسيرت پليد درد ورخش را نبايد كليد
يعنى يدخل جهنم من قبل ان يحاسب على ما فعله لان مآله الى النار والمحاسبة وان كانت نوعا من التعذيب الا ان عذاب جهنم أشد منها
لا تزيل المحنة انتهى وهذا الميثاق لما كان مذكورا فى كتبهم وهم كانوا عارفين بذلك فقد كانوا عالمين بصدق محمد عليه السلام فى النبوة فلم يبق لكفرهم سبب الا مجرد العداوة والحسد فصاروا كابليس الذي دعاه الحسد الى الكفر فاعلمهم الله تعالى انهم متى كانوا كذلك كانوا طالبين دينا غير دين الله ومعبودا سوى الله بقوله تعالى أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ عطف على مقدر أي أيتولون فيبغون غير دين الله ويطلبونه وَلَهُ أَسْلَمَ اى لله أخلص وانقاد مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى أهلهما طَوْعاً وهم الموحدون وَكَرْهاً اى بإباء وهم الجاهدون بما فيهم من آثار الصنع ودلائل الحدوث وتصريفهم كيف يشاء الى صحة ومرض وغنى وفقر وسرور وحزن وسائر الأحوال فلا يمكنهم دفع قضائه وقدره وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ اى من فيهما والمراد ان من خالفه فى العاجل فسيكون مرجعه اليه الى حيث لا يملك الضر والنفع سواه وهذا وعيد عظيم لمن خالف الدين الحق. فعلى العاقل ان يطيع ربه ولا يعصيه بنقض ما عهد اليه يوم الميثاق. فعهد الله مع الأنبياء والأولياء والمؤمنين التوحيد واقامة الدين وعدم التفرق فيه وتصديق بعضهم بعضا ودعوة الخلق الى الطاعة وتخصيص العبادة بالله فالله تعالى لا يطلب من العبد الا الصدق فى العبودية والقيام بحقوق الربوبية. قال الشيخ الشاذلى قدس سره متى رزقك الله الطاعة والفناء به عنها فقد أسبغ عليك نعمه ظاهرة إذ أراح ظاهرك من مخالفة امره. وباطنة إذ رزقك الاستسلام لقهره وهذا هو مطلب الحق منك. قيل لابراهيم ابن أدهم قدس سره لو جسلت لنا فى المسجد حتى نسمع منك شيأ فقال انى مشغول عنكم باربعة أشياء فلو تفرغت منها لجلست معكم قيل وما هى يا أبا اسحق قال. أولها انى تذكرت حين أخذ الله الميثاق على آدم فقال هؤلاء الى الجنة ولا أبالي وهؤلاء الى النار ولا أبالي فلم أدر من أي الفريقين كنت. الثاني انى تفكرت ان الولد إذا قضى الله سبحانه بخلقه فى بطن امه ونفخ فيه الروح فيقول الملك الموكل به يا رب أشقى أم سعيد فلم أدر كيف خرج جوابى فى ذلك الوقت. الثالث حين ينزل ملك الموت فاذا أراد ان يقبض الروح فيقول يا رب أقبضها مع الإسلام او مع الكفر فلا أدرى كيف يخرج جوابى فى ذلك الوقت. الرابع تفكرت فى قوله وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فلا أدرى من أي الفريقين أكون ففى هذا شغل شغلنى عن الجلوس لكم والحديث معكم. ففى هذا الاشارة الى ان العبد مع كونه مستسلما لقضاء الله لا بد وان يراعى وظيفة التكليف إذ الخير او الشر مقضى فى حقه ولكن الرسول ﷺ قال (اعملوا فكل ميسر لما خلق له. فليجاهد العاقل فى تزكية نفسه اولا ثم الوصية الى عباد الله ولا يكلف المرء الا بقدر وسعه والناس فى المراتب مختلفون فطوبى لمن وصل الى أعلى المطالب
بقدر حوصله خويش دانه چيند مرغ بصعوه نتوان داد طعمه شبهاز
وقيل للشيخ الصفي قدس سره إذا قطع الطالب المنازل فهل يبقى بعد ذلك مرتبة لم يصل إليها بعد قال بلى يبقى علم انه هل كان مقبر لا للرب تعالى اولا) وفى القشيري ما حاصله ان الولي فى الحال يجوز ان يتغير حاله فى المآل ويجوز ان يكون من جملة كرامات الولي ان يعلم انه مأمون العاقبة عصمنا الله وإياكم بحسن الخاتمة
وقد جرت سنة الله فى دار التكليف على ان كل فعل يقصد العبد الى تحصيله فان الله تعالى يحلقه عقب قصد العبد فكأنه تعالى قال كيف يخلق فيهم المعرفة والاهتداء وهم فصدوا تحصيل الكفر وأرادوه وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ اى صادق فيما يقول وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ اى الشاهد من القرآن على صدقه. قوله وشهدوا عطف على ايمانهم باعتبار انحلاله الى جملة فعلية فانه فى قوة ان يقال بعد ان آمنوا وبعد ان شهدوا وهو دليل على ان الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الايمان ضرورة ان المعطوف مغاير للمعطوف عليه وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ اى الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الايمان فكيف من جاء الحق وعرفه ثم اعرض عنه. فان قيل ظاهر الآية يقتضى ان من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما لا يهديه الله وقد رأينا كثيرا من المرتدين اسلموا وهداهم وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم. فالجواب ان معناه لا يهديهم ماداموا مقيمين على الرغبة فى الكفر وفى الثبات عليه ولا يقبلون على الإسلام واما إذا تحروا إصابة الحق والاهتداء بالادلة المنصوبة فحينئذ يهديهم الله بخلق الاهتداء فيهم أُولئِكَ المذكورون باعتبار اتصافهم بمامر من الصفات الشنيعة جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وهو ابعاده من الجنة وإنزال العقوبة والعذاب وَالْمَلائِكَةِ ولعنهم بالقول كالناس وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ والمراد بالناس المؤمنون لانه لواريد به جميع الناس لزم ان يلعن كل واحد منهم جميع من يوافقهم ويخالفهم ولا وجه لان يلعن الإنسان من يوافقه ويحتمل ان يراد به الجميع بناء على ان جميع الخلق يلعنون المبطل والكافر ولكنه يعتقد فى نفسه انه ليس بمبطل ولا كافر فاذا لعن الكافر وكان هو فى علم الله كافرا فقد لعن نفسه وان كان لا يعلم ذلك خالِدِينَ فِيها حال من الضمير فى عليهم اى فى اللعنة والعقوبة ومعنى الخلود فى اللعن انهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم فى النار ولا يخلو شىء من أحوالهم من اللعنة لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ الانظار التأخير اى لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت الى وقت فان العذاب الملحق بالكفار مضرة خالصة من شوائب المنافع دائمة غير منقطعة نعوذ بالله من ذلك وما يؤدى اليه إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى من بعد الارتداد وَأَصْلَحُوا اى ما أفسدوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فيقبل توبتهم ويتفضل عليهم وعطف قوله وَأَصْلَحُوا على قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا يدل على ان التوبة وحدها وهى الندم على ما مضى من الارتداد والعزم على تركه فى المستقبل لا تكفى حتى ينضاف إليها العمل الصالح اى وأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات ومع الخلق بالمعاملات وهذا الندم والتوبة انما يحصل لمن لم ترسخ فيه بعد هيئة استيلاء النفس الامارة على قلبه ولم تصر رينا وبقي فيه من وراء حجاب صفات النفس مسكة من نور استعداده فيتداركه الله برحمته وتوفيقه فيندم ويواظب على الرياضات من باب التزكية والتصفية- يحكى- عن السرى السقطي قدس سره انه قال قلت يوما عجبت من ضعيف عصى قويا فلما كان الغداة وصليت الغداة إذا انا بشاب قد وافى وخلفه ركبان على دواب بين يديه غلمان وهو راكب على دابة فنزل وقال أيكم السرى السقطي فاومأ
أحسنت ائتنى بثمنه فجاءت بثمنه فقال ضعيه على هذا وخذيه وادفعيه جميعا ففعلت
بإحساني آسوده كردن دلى به از الف ركعت بهر منزلى
وقيل فى هذا المعنى
دل بدست آور كه حج اكبرست از هزاران كعبه يك دل بهترست
كعبه بنياد خليل آزرست دل نظرگاه جليل اكبرست
ويقال إذا كنت لا تصل الى البر الا بانفاق محبوبك فمتى تصل الى البار وأنت تؤثر عليه حظوظك. قال القشيري من أراد البر فلينفق بعض ما يحبه ومن أراد البار تعالى فلينفق جميع ما يحبه. قال نجم الدين الكبرى فى قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فبقدر ما تكونون له يكون لكم كما قال (من كان الله كان الله له فان الفراش ما نال من بر الشمع وهو شعلته حتى أنفق مما أحبه وهو نفسه. قال القاشاني كل فعل يقرب صاحبه من الله فهو بر ولا يمكن التقرب اليه الا بالتبري مما سواه فمن أحب من دون الله شيأ فقد حجب به عن الله وأشرك شركا خفيا لتعلق محبته بغير الله
ترا هر چهـ مشغول دارد ز دوست اگر راست خواهى دلارامت اوست
فلا يزول البعد ولا يحصل القرب الا ببذل المال والمهجة وقطع مجبة غير الله وإفناء النفس بالكلية عن صفاتها الرذيلة
اگر يارى از خويشتن دم مزن كه شركست با يار وبا خويشتن
كُلُّ الطَّعامِ لما نزل قوله تعالى فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ الآية وقوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الى قوله ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ أنكر اليهود وغاظهم ذلك وبرأوا ساحتهم من الظلم وجحدوا ما نطق به القرآن وقالوا لسنا باول من حرمت عليه تلك المطعومات وما هو الا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعده وهلم جرا حتى انتهى التحريم إلينا وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الربا وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم فقيل كل المطعومات او كل انواع الطعام والطعام المطلق البر والعرف يشهد لكل ما يطعم حتى الماء كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ اى حلالا لهم والمراد أكله إذ لا يوصف بنحو الحل والحرمة الا افعال المكلف لا الأعيان فشرب الخمر حرام بالذات ونفسها حرام بالعرض إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ استثناء متصل من اسم كان اى كان كل المطعومات حلالا لبنى إسرائيل الا ما حرم إسرائيل اى يعقوب عليه السلام على نفسه وهو الإبل وألبانها- روى- ان يعقوب عليه السلام كان نذر ان وهب الله له اثنى عشر ولدا واتى بيت المقدس صحيحا ان يذبح آخرهم فتلقاه ملك من الملائكة فقال له يا يعقوب انك رجل قوى فهل لك فى الصراع فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ثم قال أما انى لو شئت ان اصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لانك كنت نذرت ان أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولد لك وجعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا من ذلك الذبح ثم ان يعقوب عليه السلام
اى تدقها لم يقصدها جبار الا قصمه الله عز وجل. وما روى ان الحجاج حبس عبد الله بن الزبير رضى الله عنه فى المسجد الحرام وضرب المنجنيق على ابى قبيس ورمى به داخل المسجد وقتل عبد الله فليس ذلك إضرارا بالبيت وقصدا بالسوء لان مقصود الحجاج كان أخذ عبد الله- روى- انه ﷺ سئل عن أول بيت وضع للناس فقال (المسجد الحرام ثم بيت المقدس) وسئل كم بينهما فقال (أربعون سنة) - روى- ان الله وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور وامر الملائكة ان يطوفوا به ثم امر الملائكة الذين هم سكان الأرض ان يبنوا فى الأرض بيتا على مثاله فبنوا وامر من فى الأرض ان يطوفوا به كما يطوف اهل السماء بالبيت المعمور- وروى- ان الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام فلما اهبط آدم الى الأرض قالت له الملائكة طف حول هذا البيت فلقد طفنا حوله قبلك بألفي عام فطاف به آدم ومن بعده الى زمن نوح عليه السلام فلما أراد الله الطوفان حمل الى السماء الرابعة وهو البيت المعمور بحيال الكعبة يطوف به ملائكة السموات. وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه أول بيت بناه آدم فى الأرض فنسبة بناء الكعبة الى ابراهيم على هذه الروايات ليس لانه عليه السلام بناها ابتداء بل لرفعه قواعدها وإظهاره ما درس منها فان موضع الكعبة اندرس بعد الطوفان وبقي مختفيا الى ان بعث الله جبريل الى ابراهيم عليه السلام ودله على مكان البيت وامره بعمارته ولما كان الآمر بالبناء هو الله والمبلغ والمهندس هو جبريل عليه السلام والباني هو الخليل والتلميذ المعين له إسماعيل عليهما السلام. قيل ليس فى العالم بناء اشرف من الكعبة مُبارَكاً حال من المستكن فى الظرف لان التقدير للذى ببكة هو اى كثير الخير والنفع لما يحصل لمن حجه واعتمره واعتكف به وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وَهُدىً لِلْعالَمِينَ لانه قبلتهم ومتعبدهم ولان فيه آيات عجيبة دالة على عظيم قدرته وبالغ حكمته كما قال فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ واضحات كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار ومخالطة ضوارى السباع الطيور فى الحرم من غير تعرض لها وقهر الله تعالى لكل جبار قصده بسوء كاصحاب الفيل مَقامُ إِبْراهِيمَ اثر قدميه عليه السلام فى الصخرة التي كان عليه السلام يقوم عليها وقت رفع الحجارة لبناء الكعبة عند ارتفاعه او عند غسل رأسه على ما روى انه عليه السلام جاء زائرا من الشام الى مكة فقالت له امرأة إسماعيل عليه السلام انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شقى رأسه ثم حولته الى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقى اثر قدميه عليه وهو بدل من آيات بدل البعض من الكل وَمَنْ دَخَلَهُ اى حرم البيت كانَ آمِناً من التعرض له وذلك بدعوة ابراهيم عليه السلام رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وكان الرجل لوجر كل جريرة ثم لجأ الى الحرم لم يطلب ولذلك قال ابو حنيفة رحمه الله من لزمه القتل فى الحل بقصاص أو ردة او زنى فالتجأ الى الحرم لم يتعرض له الا انه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر الى الخروج وهذا فى حق من جنى فى الحل ثم التجأ الى الحرم واما إذا أصاب الحد فى الحرم فيقام عليه فيه فمن سرق فيه قطع ومن قتل فيه قتل قال تعالى وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ أباح لهم القتل عند المسجد الحرام إذا قاتلونا فعلى ذلك يقام
67
الحد إذا أصاب وهو فيه وإذا أصاب فى غيره ثم لجأ اليه لم يقم كما لا نقاتل إذا لم يقاتلونا او المعنى ومن دخله كان آمنا من النار. وفى الحديث (من مات فى أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا) وعنه ﷺ (الحجون والبقيع يؤخذ باطرافهما وينشران فى الجنة) وهما مقبرتا مكة والمدينة وعن ابن مسعود رضى الله عنه وقف رسول الله ﷺ على ثنية الحجون وليس بها يؤمئذ مقبرة فقال (يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم فى سبعين الفا وجوههم
كالقمر ليلة البدر) وعنه ﷺ (من صبر على حرمكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتى عام) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ وهم المؤمنون دون الكفار فانهم غير مخاطبين بأداء الشرائع عندنا خلافا للشافعى اى استقر لله عليهم حِجُّ الْبَيْتِ اللام للعهد والحج بالفتح لغة اهل الحجاز والكسر لغة نجد وأياما كان فهو القصد للزيارة على الوجه المخصوص المعهود يعنى انه حق واجب لله فى ذمم الناس ولا انفكاك لهم عن ادائه والخروج من عهدته مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فى محل الجر على انه بدل من الناس بدل البعض مخصص لعمومه فالضمير العائد الى المبدل منه محذوف اى من استطاع منهم وقدر وأطاق الى البيت سبيلا اى قدر على الذهاب اليه وأراد به قدرة سلامة الآلات والأسباب فالزاد والراحلة من اسباب الوصول وهذه القدرة تتقدم على الفعل والاستطاعة التي هى شرط لوجوب الفعل هى الاستطاعة بهذا المعنى لا الاستطاعة التي هى شرط حصول الفعل وهى لا تكون إلا مع الفعل لانها علة وجود الفعل وسببه فلا تكون الا معه فالاستطاعة الاولى شرط الوجوب والثانية شرط حصول الفعل وَمَنْ كَفَرَ وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا لتاركه اى من لم يحج مع القدرة عليه فقد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا أوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء قال رسول الله ﷺ (من لم يحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا او نصرانيا) وانما خص هذين لان اليهود والنصارى هم الذين لا يرون الحج ولا فضل الكعبة. واعلم انه لا يؤثر الإكثار من التردد الى تلك الآثار إلا حبيب مختار- روى- عن على بن الموفق رحمه الله انه حج ستين حجة قال فلما كنت بعد ذلك فى الحجر أفكر فى حالى وكثرة تردادى الى ذلك المكان ولا أدرى هل قبل حجى او لا نمت فرأيت قائلا يقول يا ابن الموفق هل تدعو الى بيتك الا من تحب فاستيقظت وقد سرى عنى. ففيه اشارة الى ان من لم يحج مع القدرة عليه فقد ترك عن الدعوة الى ضيافة الله تعالى ولا يترك عنها الا من لا استحقاق له بها. وفيه تقبيح لحاله حيث لم يجتهد فى تحصيل الاستعداد بل اقام على البغي والفساد واقتضت حكمة الله تعالى توقان النفس كل عام الى تلك الأماكن النفيسة والمعاهد المقدسة المحروسة لاجابة دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ اى تحن قال رسول الله ﷺ (أفضل الأعمال ايمان بالله ورسوله ثم جهاد فى سبيله ثم حج مبرور) قيل مغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة به مترتب على كون
68
لا تموتن على حال من الأحوال الا حال تحقق إسلامكم وثباتكم عليه فهو فى الصورة نهى عن موتهم على غير هذه الحالة والمراد دوامهم على الإسلام وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ اى بدين الإسلام او بكتابه فلفظ الحبل مستعار لاحد هذين المعنيين فان كل واحد منهما يشبه الحبل فى كونه سببا للنجاة من الردى والوصول الى المطلوب فان من سلك طريقا صعبا يخاف ان تزلق رجله فيه فاذا تمسك بحبل مشدود الطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن من الخوف كذلك طريق السعادة الابدية ومرضاة الرب طريق زلق ودواعى الضلال عنها متكثرة زلق رجل اكثر الخلق فيها. فمن اعتصم بالقرآن العظيم وبقوانين الشرع القويم وبينات الرب الكريم فقد هدى الى صراط مستقيم وأمن من الغواية المؤدية الى نار الجحيم كما يأمن المتمسك بالحبل من العذاب الأليم جَمِيعاً حال من فاعل اعتصموا اى مجتمعين فى الاعتصام وَلا تَفَرَّقُوا اى لا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ متعلق بنعمة إِذْ كُنْتُمْ ظرف له اى اذكروا انعامه عليكم وقت كونكم أَعْداءً فى الجاهلية بينكم الاحن والعداوة والحروب المتواصلة. وقيل هم الأوس والخزرج كانوا أخوين لاب وأم فوقعت بين أولادهما العداوة والبغضاء وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بتوفيقكم للاسلام فَأَصْبَحْتُمْ اى فصرتم بِنِعْمَتِهِ التي هى ذلك التألف إِخْواناً خبرا صبحتم اى إخوانا متحابين مجتمعين على الاخوة فى الله متراحمين متناصحين متفقين على كلمة الحق وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ شفا الحفرة وشفتها حرفها وجانبها اى كنتم مشرفين على الوقوع فى نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم فيها تمثيل لحياتهم التي تتوقع بعد الوقوع فى النار بالقعود على حرفها مشرفين على الوقوع فيها فَأَنْقَذَكُمْ اى خلصكم ونجاكم بان هداكم للاسلام مِنْها اى الحفرة كَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل الذي بعده اى مثل ذلك التبيين الواضح يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ اى دلائله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ طلبا لثباتكم على الهدى وازديادكم فيه. والاشارة ان اهل الاعتصام طائفتان. إحداهما اهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب لان مشربهم الأعمال. والثانية اهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب لان مشربهم الأحوال فقال تعالى لهم وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ اى مقصودكم. وقال للمتعلقين بالأسباب وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وهو كل سبب يتوسل به الى الله فالمعتصم بحبل الله هو المتقرب الى الله باعمال البر ووسائط القربة وإذا وجد الاعتصام وجد عدم التفرق بخلاف عدم الاعتصام فانه سبب للتفرق فى الظاهر والباطن. فاما فى الظاهر فيلزم منه مفارقة الجماعة فاقتلوه كائنا من كان. واما فى الباطن فيظهر منه الأهواء المختلفة التي توجب تفرق الامة كما قال عليه السلام (ستفترق أمتي اثنتين وسبعين فرقة الناجية منهم واحدة) قالوا يا رسول الله ومن الفرقة الناجية قال (من كانوا على ما انا عليه وأصحابي). واعلم انه تعالى امر المؤمنين اولا بالتقوى وثانيا بالاعتصام وثالثا بتذكر النعمة لان فعل الإنسان لا بد وان يكون معللا اما بالرهبة واما بالرغبة والرهبة متقدمة على الرغبة لان دفع الضرر مقدم على جلب النفع كما ان التخلية قبل التحلية فقوله اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ
الفضل والكمال يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ اى اذكروا ايها المؤمنون يوم تبيض وجوه كثيرة وتسود وجوه كثيرة. وبياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكمون الخوف فيه يقال لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه ابيض وجهه اى استبشر ولمن وصل اليه مكروه اغبر لونه وتبدلت صورته. فمعنى الآية ان المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه فان كان ذلك من الحسنات استبشر بنعم الله وفضله وإذا رأى الكافر اعماله القبيحة اشتد حزنه وغمه. وقيل بياض الوجه وسواده حقيقتان فيوسم اهل الحق ببياض الوجوه والصحيفة واشراق البشرة وسعى النور بين يديه ويمينه واهل الباطل باضداد ذلك والحكمة فى ظهورهما فى الوجوه حقيقة ان السعيد يفرح بان يعلم قومه انه من اهل السعادة قال تعالى مخبرا عنه يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ والشقي يغتم بعكس ذلك فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ الهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم والظاهر انهم اهل الكتابين وكفرهم بعد ايمانهم كفرهم برسول الله ﷺ بعد ايمانهم به قبل مبعثه عليه السلام او جميع الكفرة حيث كفروا بعد ما أقروا بالتوحيد يوم الميثاق فَذُوقُوا الْعَذابَ المعهود الموصوف بالعظم بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بالقرآن ومحمد عليه السلام وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ اى الجنة والنعيم المقيم المخلد عبر عنها بالرحمة تنبيها على ان المؤمن وان استغرق عمره فى طاعة الله تعالى فانه لا يدخل الجنة الا برحمته تعالى هُمْ فِيها خالِدُونَ كانه قيل كيف يكونون فيها فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون تِلْكَ اشارة الى الآيات المشتملة على تنعيم الأبرار وتعذيب الكفار وهو مبتدأ آياتُ اللَّهِ خبره نَتْلُوها جملة حالية من الآيات عَلَيْكَ اى نقرأها عليك يا محمد بواسطة جبريل بِالْحَقِّ حال مؤكدة من فاعل نتلوها او من مفعوله اى ملتبسين او ملتبسة بالحق والعدل ليس فى حكمها شائبة جور بنقص ثواب المحسن او بزيادة عقاب المسيئ او بالعقاب من غير جرم بل كل ذلك مو فى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم بموجب الوعد والوعيد وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً اى شيأ من الظلم لِلْعالَمِينَ لاحد من خلقه كيف والظلم تصرف فى ملك الغير وهو تعالى انما يتصرف فى ملك نفسه او انه وضع الشيء فى غير موضعه وذلك قد يكون بمنع حق المستحق منه وقد يكون بفعل ما منع منه ولا ينبغى له ان يفعله وكل ذلك لا يتصور فى حقه تعالى فيستحيل تصور الظلم من الله فانه لا حق لاحد فيظلم بمنعه ولا يمنع عن شىء فيظلم بفعله بل هو المالك على الإطلاق وأفعاله محض حكمة وعدل وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى له تعالى وحده من غير شركة أصلا ما فيهما من المخلوقات الفائتة للحصر ملكا وخلقا احياء واماتة اثابة وتعذيبا وإيراد كلمة ما اما لتغليب غير العقلاء على العقلاء واما لتنزيلهم منزلة غيرهم إظهارا لحقارتهم فى مقام بيان عظمته تعالى وَإِلَى اللَّهِ اى الى حكمه وقضائه لا الى غيره شركه واستقلالا تُرْجَعُ الْأُمُورُ اى أمورهم فيجازى كلا منهم بما وعد له وأوعده من غير دخل فى ذلك لاحد قط. فان قيل الرجوع اليه يكون بعد الذهاب عنه ولم يكن فلم قال ذلك. قلنا كانت كالذاهبة بهلاكها ثم إعادتها لان فى الدنيا يملك بعض الخلق بالتدبير
وكتاب وحساب وجزاء وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ اى لو آمنوا كايمانكم لكان ذلك خيرا لهم مما هم عليه من الرياسة واستتباع العوام ولازدادت رياستهم وتمتعهم بالحظوظ الدنيوية مع الفوز بما وعدوه على الايمان من إيتاء الاجر مرتين مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كأنه قيل هل منهم من آمن او كلهم على الكفر فقيل منهم المؤمنون المعهودون الفائزون بخير الدارين كعبد الله بن سلام وأصحابه وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون فى الكفر الخارجون عن الحدود لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً استثناء مفرغ من المصدر العام اى لن يضروكم ابدا ضررا ما إلا ضرر أذى لا يبالى به من طعن وتهديد لا اثر له وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ اى ان خرجوا الى قتالكم يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ مفعول ثان ليولوكم اى يجعلوا ظهورهم ما يليكم ويرجعوا الى ادبارهم منهزمين من غير ان ينالوا منكم شيأ من قتل أو أسر ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ عطف على الشرطية وثم للتراخى فى المرتبة اى لا ينصرون من جهة أحد ولا يمنعون منكم قتلا وأخذا وفيه تتبيت لمن آمن منهم فانهم كانوا يؤذونهم بالتلهى بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم وبشارة لهم بأنهم لا يقدرون على ان يتجاوزوا الأذى بالقول الى ضرب يعبأبه مع انه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم وان عاقبة أمرهم الخذلان والذل فلا ينهضون بجناح ولا ترجع إليهم قوة ونجاح كما كان من حال بنى قريظة والنضير وقينقاع ويهود خيبر ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا اى فى أي مكان وأي زمان وجدوا فى دار الإسلام الزموا الذل اى هدر النفس والمال والأهل بحيث صار كشىء يضرب على الشيء فيحيط به إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ استثناء من أعم الأحوال اى ضربت عليهم الذلة ضرب القبة على من هى عليه فى جميع الأحوال كونهم معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين واستعير الحبل للعهد لانه سبب للنجاة والفوز بالمراد. وعطف قوله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ على قوله بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يقتضى المغايرة. قال الامام فى وجهه الامان الحاصل للذمى قسمان. أحدهما الذي نص الله عليه وهو الامان الحاصل له بإعطاء الجزية عن يد وقبوله إياها. والثاني الامان الذي فوض الى رأى الامام واجتهاده فيعطيهم الامان مجانا تارة وببدل زائد او ناقص اخرى على حسب اجتهاده فالاول هو المسمى بحبل الله والثاني هو المسمى بحبل المؤمنين فالامانان واقعان بمباشرة المسلمين الا انهما متغايران بالاعتبار وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ اى رجعوا بغضب كائن منه تعالى مستوجبين له وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ اى زى الافتقار فهى محيطة بهم من جميع جوانبهم واليهود فى غالب الأمر فقراء اما فى نفس الأمر واما انهم يظهرون من أنفسهم الفقر وان كانوا اغنياء موسرين فى الواقع ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم والبوء بالغضب العظيم بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ اى ذلك الذي ذكر كائن بسبب كفرهم المستمر بآيات الله الناطقة بنبوة محمد عليه السلام وتحريفهم لها ولسائر الآيات القرآنية وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ اى فى اعتقادهم ايضا وهؤلاء المتأخرون وان لم يصدر عنهم قتل الأنبياء لكنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم مصوبين لهم فى تلك الافعال القبيحة وطالبين للقتل لو ظفروا به فكانوا بذلك كأنهم فعلوه بانفسهم فلذا أسند القتل إليهم ذلِكَ
79
اشارة الى ما ذكر من الكفر والقتل بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ اى كان بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار فان الإصرار على الصغائر يفضى الى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدى الى الكفر فان من توغل فى المعاصي والذنوب واستمر عليها لا جرم تتزايد ظلمات المعاصي على قلبه حالا فحالا ويضعف نور الايمان فى قلبه حالا فحالا ولم يزل الأمر كذلك الى ان يبطل نور الايمان وتحصل ظلمة الكفر نعوذ بالله من ذلك واليه الاشارة بقوله تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فقوله تعالى ذلِكَ بِما عَصَوْا اشارة الى علة العلة ولهذا المعنى قال ارباب المعاملات من ابتلى بترك الأدب وقع فى ترك السنن ومن ابتلى بترك السنن وقع فى ترك الفريضة ومن ابتلى بترك الفريضة وقع فى استحقار الشريعة ومن ابتلى بذلك وقع فى الكفر. فعلى المؤمن ان لا يفتح باب المعصية على نفسه خوفا مما يؤدى اليه بل ويترك ايضا بعض ما أبيح له فى الشرح وذلك هو
كمال التقوى قال عليه السلام (لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس) وقال ﷺ (الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى حول الحمى يوشك ان يقع فيه) الحديث فمنع من الاقدام على الشبهات مخافة الوقوع فى المحرمات وذلك سد للذريعة والعارف متى قصد مخالفة امره تعالى يجد من قلبه استحياء منه تعالى فينتهى عما نوى وعزم ويجتهد فى عبادة ربه. قال الجنيد رحمه الله العبادة على رؤوس العارفين كالتيجان على رؤوس الملوك ورؤى فى يده سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ فى يدك سبحه فقال طريق وصلنا به الى ما وصلنا لا نتركه ابدا. قال الشيخ ابو طالب رحمه الله مداومة الأوراد من اخلاق المؤمنين وطريق العابدين وهى مزيد الايمان وعلامة الإيقان. قال الشيخ ابو الحسن رحمه الله سألت أستاذي عن ورد المحققين فقال إسقاط الهوى ومحبة المولى أبت المحبة ان تستعمل محبا لغير محبوبه وقال الورد ردّ النفس بالحق عن الباطل فى عموم الأوقات فليواظب العبد على الأوراد والطاعات وليجانب المعاصي والسيئات قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات يوم لاصحابه (استحيوا من الله حق الحياء) قالوا انا نستحيى يا رسول الله والحمد لله قال (ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)
مبر طاعت نفس شهوت پرست كه هر ساعتى قبله ديگرست
قال بعض المشايخ لو ان رجلا عاش مائتى سنة ولا يعرف هذه الاربعة فليس شىء أحق به من النار أحدها معرفة الله تعالى فى السر والعلانية وان لا معطى ولا مانع غيره. والثاني معرفة عمل الله بان يعرف ان الله تعالى لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لرضى الله تعالى. والثالث معرفة نفسه بان يعرف ضعفه انه لا يستطيع ان يرد شيأ مما قضى الله عليه. والرابع معرفة عدو الله وعدو نفسه فيحاربه بالمعرفة حتى يكسره فان المعرفة سلاح العارف فمن كان عنده المعرفة الحقيقة كان غالبا على أعدائه الظاهرة والباطنة ووصل الى مراده والنفس عين العدو فعليك بالاحتراز من شره
80
الخمس التي امر الله بها يحيى عليه السلام وآمركم بخمس اخرى أمرني الله بها عليكم بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد) فليسارع العبد الى الخيرات والحسنات وجميع الحالات ولا يتيسر ذلك الا لارباب الإرادات واصحاب المجاهدات
نيايد نكوكارى از بدرگان محالست دو زندگى از سكان
توان پاك كردن ز ژنگ آينه وليكن نيايد ز سنگ آينه
بكوشش نرويد گل از شاخ بيد نه زنگى بگرما به گردد سفيد
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما يجب ان يؤمن به لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ اى لن تدفع عنهم أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ اى من عذابه تعالى شَيْئاً اى شيأ يسيرا منه او شيأ من الإغناء رد للكفار كافة حيث فاخروا بالأموال والأولاد قائلين نحن اكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين وكانوا يعيرون رسول الله ﷺ واتباعه بالفقر ويقولون لو كان محمد على الحق لما تركه ربه فى الفقر والشدة. وخص الأموال والأولاد بالذكر لان الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد فانفع الجمادات هو المال وانفع الحيوانات هو الولد فالكافر إذا لم ينتفع بهما فى الآخرة البتة دل ذلك على عدم انتفاعه بسائر الأشياء بالطريق الاولى وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ اى مصاحبوها على الدوام وملازموها هُمْ فِيها خالِدُونَ ابدا ولما بين ان اموال الكفار لا تغنى عنهم شيأ ثم انهم ربما أنفقوا أموالهم فى وجوه الخيرات فيخطر ببال الإنسان انهم ينتفعون بذلك فازال الله بهذه الآية تلك الشبهة وبين انهم لا ينتفعون بتلك الانفاقات وان كانوا قد قصدوا بها وجه الله فقال ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا
اى حال ما ينفقه الكفرة قربة او مفاخرة وسمعة وطلبا لحسن الذكر بين الناس وعداوة لاهل الإسلام كما أنفق ابو سفيان وأصحابه مالا كثيرا على الكفار يوم بدر واحدمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
اى برد شديد مهلك فانه فى الأصل مصدر وان شاع إطلاقه على الريح البارد كالصرصرصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
اى زرع قوم لَمُوا أَنْفُسَهُمْ
بالكفر والمعاصي فباؤا بغضب من الله وانما وصفوا بذلك لان الإهلاك عن سخط أشد وأفظع أَهْلَكَتْهُ
عقوبة لهم ولم تدع منه اثرا ولا عثيرا والمراد تشبيه ما أنفقوا فى ضياعه وذهابه بالكلية من غيران يعود إليهم نفع ما بحرث كفار ضربته صرّ فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة بوجه من الوجوه فهو من التشبيه المركب ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
بما بين من ضياع ما أنفقوا من الأموال لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
لما انهم أضاعوها بانفاقها لا على ما ينبغى وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص. واعلم ان انفاق الكفار اما ان يكون لمنافع الدنيا او لمنافع الآخرة فان كان لمنافع الدنيا لم يبق منه اثر البتة فى الآخرة فى حق المسلم فضلا عن الكافر وان كان لمنافع الآخرة ولعلهم أنفقوا أموالهم فى الخيرات ببناء الرباطات والقناطر والإحسان الى الضعفاء والأيتام والأرامل وكان ذلك المنفق يرجو من ذلك الانفاق خيرا كثيرا فاذا قدم الآخرة رأى كفره مبطلا لآثار الخيرات وكان كمن زرع زرعا وتوقع منه نفعا كثيرا فاصابه ريح فاحرقه ولا يبقى معه الا الحزن والأسف هذا إذا أنفقوا الأموال
83
فى وجوه الخيرات. اما إذا أنفقوها فيما ظنوا انه من الخيرات لكنه كان من المعاصي مثل انفاق الأموال فى إيذاء الرسول وفى قتل المؤمنين وتخريب ديارهم فالذى قلنا فيه أشد وأشد ونظير هذه الآية وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ويدخل فيه ما ينفقه بعض صاحبى الغرض لنفى رجل صالح من بلده او قتله او إيذائه ونعوذ بالله من ذلك قال رسول الله ﷺ (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيم أفناه وعن جسده فيم أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه) فليبادر العاقل الى الانفاق من ماله والإخلاص فى عمله قال عليه الصلاة والسلام (يجاء يوم القيامة بصحف مختومة فتنصب بين يدى الله عز وجل فيقول الله تعالى للملائكة القوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما رأينا إلا خيرا فيقول وهو اعلم ان هذا كان لغيرى ولا اقبل اليوم من العمل الا ما ابتغى به وجهى)
ز عمرو اى پسر چشم اجرت مدار چودر خانه زيد باشى بكار
چهـ قدر آورد بنده حورديس كه زير قبا دارد أندام پيس
قال منصور بن عمار رحمه الله كان لى أخ فى الله يعتقدنى ويزورنى فى شدتى ورخائى وكان كثير العبادة والتهجد والبكاء ففقدته أياما فقيل لى هو ضعيف مريض فاتيت بابه فطرقته فخرجت ابنته فدخلت فوجدته فى وسط الدار وهو مضطجع على فراشه وقد اسود وجهه وازرقت عيناه وغلظت شفتاه فقلت له يا أخي اكثر من قول لا اله الا الله ففتح عينيه ونظر الىّ شزرا ثم وثم حتى قلت له لئن لم تقلها لا غسلتك ولا كفتك ولا صليت عليك فقال يا أخي منصور هذه كلمة قد حيل بينى وبينها فقلت لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم فاين تلك الصلاة والصيام والتهجد والقيام فقال يا أخي كل ذلك كان لغير وجه الله انما كنت افعل ذلك ليقال واذكر به وإذا خلوت بنفسي غلقت الأبواب وأرخيت الستور وبارزت ربى بالمعاصي
ور آوازه خواهى در إقليم فاش برون حله كن درون حشو باش
فلا غرور للعاقل بكثرة الأعمال والأولاد والأموال إذا لم تكن نيته صحيحة فيما يجرى عليه من الأحوال فاين الذين آثروا العقبى بل المولى على كل ما سواه فوجدوا الفقر أعز من الغنى والذل ألذ من العزة وبذلوا أموالهم وأرواحهم فى سبيل الله لعمرى قوم عزيز الوجود وقليل ما هم وقرأ رسول الله ﷺ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ثم قال (يقول ابن آدم مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت) قال عليه الصلاة والسلام (يا عائشة ان أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلقى ثوبا حتى ترقعيه) وقال عليه السلام (اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف ومن ابغضنى فاكثر ماله وولده) فقد وقفت ايها العبد على حقيقة الحال وان المال لا يغنى عن المرء شيأ فعليك بالقناعة وتقليل الدنيا ولا تغتر باصحاب الأموال والجاه
84
فرجع اليه المهاجرون والأنصار فشمل عز الشهادة اثنين وسبعين من المؤمنين واختص بشرائف نعم الله وجلائل كرمه حمزة سيد الشهداء وهنيئاله ان مثل به إذ مثل به وكثر فيهم الجراح فقال عليه الصلاة والسلام (رحم الله رجلا ذب عن إخوانه وشد على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى واعانهم الله حتى هزموا الكفار) ثم ان كل ذلك يؤكد قوله تعالى وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وان المقبل من أعانه الله والمدبر من خذله الله ومن الله العصمة وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لما شاور النبي عليه السلام أصحابه فى ذلك الحرب وقال بعضهم أقم بالمدينة وقال آخرون اخرج إليهم وكان لكل أحد غرض فى قوله فمن موافق ومن منافق قال تعالى انا سميع لما يقولون عليم بما يسرون إِذْ هَمَّتْ بدل من إذ غدوت مبين لما هو المقصود بالتذكير. والهم تعلق الخاطر بما له قدر طائِفَتانِ مِنْكُمْ ايها المؤمنون وهما بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الأوس أَنْ تَفْشَلا اى بان تجبنا وتضعفا وترجعا لظنهما الصواب فيه. والفشل الضعف والظاهر ان همهما ليس بمعنى العزم والقصد المصمم وانما هو خطرات وحديث نفس كمالا تخلو النفس عند الشدائد من بعض الهلع ثم يردها صاحبها الى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه وَاللَّهُ وَلِيُّهُما اى عاصمهما من اتباع تلك الخطرات والجملة اعتراض وَعَلَى اللَّهِ وحده دون ما عداه مطلقا استقلالا واشتراكا فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فى جميع أمورهم فانه حسبهم وفيه اشعار بان وصف الايمان من دواعى التوكل وموجباته والتوكل الاعتماد على الغير واظهار العجز. قال الامام وفى الآية اشارة الى انه ينبغى ان يدفع الإنسان ما يعرض له من مكروه وآفة بالتوكل على الله وان يصرف الجزع عن نفسه بذلك التوكل. قال سهل بن عبد الله التستري جملة العلوم ادنى باب من التعبد وجملة التعبد ادنى باب من الورع وجملة الورع ادنى باب من الزهد وجملة الزهد ادنى باب من التوكل. وقال ايضا علامة المتوكل ثلاث لا يسأل ولا يرد ولا يحبس. وكان ابراهيم الخواص رحمه الله مجردا في التوكل وكان لا يفارقه ابرة وخيوط وركوة ومقراض فقيل له يا أبا اسحق لم تحمل هذا وأنت ممتنع من كل شىء فقال مثل هذا لا ينقص التوكل لان لله علينا فرائض والفقير لا يكون عليه غير ثوب واحد فربما يتمزق ثوبه فاذا لم يكن معه ابرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته. قال ابو حمزة الخراسانى حججت سنة من السنين فبينما انا امشى فى الطريق إذ وقعت فى بئر فنازعتنى نفسى ان استغيث فقلت لا والله لا استغيث فما استتممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر تعال حتى نسدّ رأس هذه البئر لئلا يقع فيها أحد فاتوا بقصب وطمسوا البئر فهممت ان اصيح ثم قلت فى نفسى أشكو الى من هو اقرب منهما فسكت فبينما انا بعد ساعة اذانا بشىء قد جاء وكشف عن رأس البئر وادخل رجله وكأنه يقول لى تعلق بي فى هينمة له كنت اعرف ذلك منها فتعلقت به فاخرجنى فاذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف يا أبا حمزة أليس هذا احسن نجيناك من التلف بالتلف فمشيت. قال بعضهم من وقع فى ميدان التفويض يزف اليه المراد كما تزف العروس الى أهلها. ولما زج بإبراهيم عليه السلام فى المنجنيق وأتاه جبريل فقال ألك حاجة قال اما إليك فلا واما الى الله فبلى قال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالي وقد
بعمامة صفراء على مثال الزبير بن العوام ونزلوا على الخيل البلق موافقة لفرس المقداد وإكراما له وَما جَعَلَهُ اللَّهُ عطف على مقدر اى فامدكم به وما جعل الله ذلك الامداد بانزال الملائكة عيانا بشىء من الأشياء إِلَّا بُشْرى لَكُمْ بانكم تنصرون وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ اى بالامداد وتسكن اليه من الخوف كما كانت السكينة لبنى إسرائيل وَمَا النَّصْرُ إِلَّا كائن مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لا من العدة والعدد وهو تنبيه على انه لا حاجة فى نصرهم الى مدد وانما أمدهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث ان نظر العامة الى الأسباب اكثر فينبغى للمؤمن ان لا يركن الى شىء من ذلك فان ترتب النصر عليها ليس الا بطريق جرى العادة الْعَزِيزِ الذي لا يغالب فى حكمه وقضيته الْحَكِيمِ الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة لِيَقْطَعَ متعلق بنصركم اى نصركم الله يوم بدر ليهلك وينقص طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا اى طائفة منهم بقتل واسر وقد وقع ذلك حيث قتل من رؤسائهم وصناديدهم سبعون واسر سبعون أَوْ يَكْبِتَهُمْ اى يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة فان الكبت شدة غيظ او وهن يقع فى القلب من كبته بمعنى كبده إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة واو للتنويع دون الترديد فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ غير ظافرين بمبتغاهم وينهزموا منقطعى الآمال. والخيبة هو الحرمان من المطلوب والفرق بينهما وبين اليأس ان الخيبة لا تكون الا بعد التوقع واما اليأس فانه قد يكون بعد التوقع وقبله فنقيض اليأس الرجاء ونقيض الخيبة الظفر لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراض أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ عطف على قوله او يكبتهم والمعنى ان الله مالك أمرهم على الإطلاق فاما ان يهلكهم او يكبتهم او يتوب عليهم ان اسلموا او يعذبهم تعذيبا شديدا أخرويا ان أصروا وليس لك من أمرهم شىء وانما أنت عبد مأمور لانذارهم وجهادهم فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ قد استحقوا التعذيب بظلمهم وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الموجودات خلقا وملكا لا مدخل فيه لاحد أصلا فله الأمر كله يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ان يغفر له مشيئة مبنية على الحكم والمصالح وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ان يعذبه وقدم المغفرة لسبق رحمته تعالى غضبه وهذا صريح فى نفى وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافى له وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لعباده والمقصود بيان انه وان حسن كل ذلك منه الا ان جانب الرحمة والمغفرة غالب لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الفضل والإحسان. فليبادر العاقل الى الأعمال التي يستوجب بها رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون. اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام [يا داود بشر المذنبين وانذر الصديقين] قال يا رب فكيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين قال [بشر المذنبين بانى لا يتعاظمنى ذنب الا اغفره وانذر الصديقين ان لا يعجبوا بأعمالهم وانى لا أضع عدلى وحسابى على أحد الا أهلكه] وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه دخل على النبي عليه السلام فوجده يبكى فقال ما يبكيك يا رسول الله قال (جاءنى جبريل فقال ان الله يستحيى ان يعذب أحدا قد شاب فى الإسلام فكيف لا يستحيى من شاب فى الإسلام ان يعصى الله) فالواجب على الشيخ ان يعرف هذه الكرامة ويشكر الله ويستحيى منه ومن
راجين الفلاح وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ بالتحرز عن متابعتهم وتعاطى ما يتعاطونه وفيه تنبيه على ان النار بالذات معدة للكفار وبالعرض للعصاة. وكان ابو حنيفة رحمه الله يقول هى أخوف آية فى القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين ان لم يتقوه فى اصناف محارمه وَأَطِيعُوا اللَّهَ فى كل ما أمركم به ونهاكم عنه وَالرَّسُولَ الذي يبلغكم أوامره ونواهيه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ راجين لرحمته ولعل وعسى فى أمثال ذلك دليل عزة التوصل الى ما جعل خبرا له. قال القاشاني ولا يخفى على الفطن ما فيه من المبالغة فى التهديد على الربا حيث اتى بلعل فى فلاح من اتقاه واجتنبه لان تعليق إمكان الفلاح ورجاءه بالاجتناب منه يستلزم امتناع الفلاح لهم إذا لم يجتنبوه ويتقوه مع ايمانهم. ثم أوعد عليه بالنار التي أعدت للكافرين مع كونهم مؤمنين فما أعظمها من مصيبة توجب عقاب الكفار للمؤمنين وما أشده من تغليظ عليه ثم أمد التغليظ بالأمر بطاعة الله رسوله تعريضا بان آكل الربا منهمك فى المعصية لا طاعة له ثم علق رجاء المؤمنين بطاعة الله ورسوله اشعارا بانه لا رجاء للرحمة مع هذا النوع من العصيان فهو يوجب اليأس من رحمته للمؤمنين لامتناعها لهم معه فانظر كيف درج التغليظ فى التهديد حتى الحقه بالكفار فى الجزاء والعقاب انتهى بعبارته. قال رسول الله ﷺ (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والمحلل) والربا عبارة عن طلب الزيادة على المال على الوجه الذي نهى الله عنه وهو قسمان ربا النسيئة وربا الفضل. اما ربا النسيئة فهو ما كان يتعارفه اهل الجاهلية ويتعاملون به وقد سبق آنفا. واما ربا الفضل اى أخذ الفضل عند مقابلة الجنس بالجنس نقدا فهو ان يباع منّ من الحنطة بمنين منها وما أشبه ذلك وقد اتفق جمهور العلماء على تحريم الربا فى القسمين. واعلم ان الربا يؤدى الى الحرص على طلب الدنيا أضعافا مضاعفة الى ما لا يتناهى كما قال عليه الصلاة والسلام (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب) والحرص درك من دركات النيران فلذا قال وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ
از پى ذكر وشوق حق ما را در دو عالم دل وزبانى بس
وز طعام ولباس اهل جهان كهنه دلقى ونيم نانى بس
قناعت كن اى نفس بد اندكى كه سلطان ودرويش بينى يكى
فالحرص على الدنيا وسعيها وجمعها مذموم منهى عنه والبذل والإيثار وترك الدنيا والقناعة فيها محمود مأمور به يدل عليه قوله تعالى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ فمن أخذ الربا لتكثير المال بلا احتياج كان كمن يقع على امه نعوذ بالله- روى- عن عبد الله بن سلام للربا اثنان وسبعون حوبا أصغرها كمن اتى امه فى الإسلام كذا فى تنبيه الغافلين. وإذا اخذه بوجه شرعى مع الاحتياج يجوز فى الفتوى ولكن التقوى فوق امر الفتوى والحيلة الشرعية فيه ذكرها قاضيخان حيث قال رجل له على رجل عشرة دراهم فاراد ان يجعلها ثلاثة عشر قالوا يشترى من المديون شيأ بتلك العشرة ويقبض المبيع ثم يبيعه من المديون بثلاثة عشر الى سنة فيقع التحرز عن الحرام ومثل هذا مروى عن رسول الله ﷺ وإذا احتاج الى الاستقراض فاستقرض من رجل فلم يعطه الا بالربا فالاثم على آخذ الربا دون معطيه لان له فيه ضرورة وهذا إذا كان الآخذ غنيا كما عرفت فالمرء الصالح يتباعد عن مثل هذه
بغير عمل يا موسى كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي]. وعن شهر بن حوشب طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة. وعن رابعة البصرية انها كانت تنشد
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجرى على اليبس
قال القشيري رحمه الله اوحى الله سبحانه الى موسى عليه السلام [قل للظلمة حتى لا يذكرونى فانى أوجبت ان اذكر من يذكرنى وذكرى للظلمة باللعنة]. واعلم ان العمدة هى الايمان وذلك انما يحصل بالتوحيد المنافى للشرك وهو المؤدى الى التوبة والاستغفار ولكونه عمدة عد المؤمن الموحد من المتقين وصار سببا لدخول الجنة. فينبغى للعبد ان يصرف اختياره الى جانب الامتثال للامر والاجتناب عن النهى فالله تعالى خالقه وان كان التوفيق الى جانب العمل ايضا من عنايته تعالى
نخست او أرادت بدل در نهاد پس اين بنده بر آستان سر نهاد
وفقني الله وإياكم الى ما يحب ويرضى ويداوى بلطفه وكرمه هذه القلوب المرضى فان بيده مفاتيح الإصلاح والفوز بالبغية والظفر بالفلاح
شنيدستم كه ابراهيم أدهم شبى بر تخت دولت خفت خرم
ز سقف خود شنيد آواز پايى ز جا برجست چون آشفته رايى
بتندى كفت او كين كيست بر بام كه دارد بر سپهر قصر ما كام
جواب آمد كه اى شاه جهانكير شتر كم كرده مرد مفلسم پير
ز خنده كشت شه بر جاى خودست كه بر بام آدمي هركز شتر جست
دگر بار پاسخ آمد كاى جوان بخت خدا جويى كسى كردست بر تخت
خدا جويى وخورد وخواب وآرام شتر جويى بود بر كوشه بام
چوبشنيد اين پيام از هاتف غيب فراغت كرد از دنيا بلا ريب
رسيد از راه تجريدى بمنزل پس از ادبار شد مقبول ومقبل
فالواجب على طالب الحق ان يحفظ الأدب حتى يرتقى بذلك الى أعلا الرتب ألا ترى الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كيف كان يستغفر كل يوم سبعين مرة مع ان ذنبه كان مغفورا وبكمال أدبه وصل الى ما وصل حتى صار اتباعه سببا لمحبة الله تعالى كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ومع ذلك كان خوفه وإجلاله فى غاية الكمال وهكذا ينبغى لمن اقتدى به. ورتبة المحسن وان كانت اولى ولكن التدارك احسن من الإصرار فطوبى لمتدارك وصل الى الإحسان وأجير نال الى المحبوبية عند الله الرحمن قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ اصل الخلو الانفراد والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل ايضا فى الزمان الماضي لان ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه وكذا الأمم الخالية والسنن الوقائع اى قد مضت من قبل زمانكم وقائع سنها الله فى الأمم المكذبة اى وضعها طريقة يسلكها على وفق الحكمة فالمراد بسنن الله تعالى معاملات الله فى الأمم المكذبة بالهلاك والاستئصال بدليل قوله تعالى فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ اى ان شككتم
من العارفين من ترك الدعوى والإقبال الى المولى وبذل الروح فى طريقه- حكى- عن حاتم الأصم انه قال لقينا الترك وكان بيننا صولة فرمانى تركى بوهق فاقبلنى عن فرسى ونزل عن دابته وقعد على صدرى وأخذ بلحيتي هذه الوافرة واخرج من خفه سكينا ليذبحنى قال فوحق سيدى ما كان قلبى عنده ولا عند سكينه وانا ساكت متحير أقول سيدى أسلمت نفسى إليك ان قضيت على ان يذبحنى هذا فعلى الرأس والعين اما انا لك وملكك فبينا انا اخاطب سيدى وهو قاعد على صدرى إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما اخطأ حلقه فسقط عنى فقمت انا اليه فاخذت السكين من يده فذبحته بها فيا هؤلاء لتكن قلوبكم عند السيد حتى ترون من عجائب لطفه مالا ترون من الآباء والأمهات واعلموا ان من صبر واستسلم ظفر ومن فرّ اتبع فلم يتخلص ونعم العون الصبر عند الشدائد
تحمل چوزهرت نمايد نخست ولى شهد كردد چودر طبع رست
ز علت مدار اى خردمند بيم چوداروى تلخت فرستد حكم
ثبتنا الله وإياكم وَما مُحَمَّدٌ هو المستغرق لجميع المحامد لان الحمد لا يستوجبه الا الكامل والتحميد فوق الحمد فلا يستحقه الا المستولى على الأمد فى الكمال وأكرم الله نبيه وصفيه باسمين مشتقين من اسمه جل جلاله محمد واحمد إِلَّا رَسُولٌ- روى- ان رسول الله ﷺ لما خرج الى الشعب من أحد فى سبعمائة رجل جعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين راجلا وقال (اقيموا بأصل الجبل وادفعوا عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا ولا تنتقلوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فلا نزال غالبين ما دمتم فى مكانكم) فجاء المشركون ودخلوا فى الحرب مع النبي عليه السلام وأصحابه حتى حميت الحرب فاخذ رسول الله ﷺ سيفا وقال (من يأخذه بحقه) فأخذه ابو دجانة فقاتل فى نفر من المسلمين قتالا شديدا وقاتل على بن ابى طالب حتى التوى سيفه وقاتل سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه وكان النبي عليه السلام يقول لسعد (ارم فداك ابى وأمي) فحمل هو وأصحابه على المشركين فانزل الله نصره عليهم فهزموا المشركين فلما نظر الرماة الى قوم هاربين اقبلوا على النهب بترك مركزهم فقال لهم عبد الله بن جبير لا تبرحوا مكانكم فقد عهد إليكم نبيكم فلم يلتفتوا الى قوله فجاؤا لاجل الغنيمة فبقى عبد الله بن جبير مع ثمانية نفر فخرج خالد بن الوليد مع خمسين ومائتى فارس من المشركين من قبل الشعب وقتلوا من بقي من الرماة ودخلوا خلف اقفية المسلمين فهزموهم ورمى ابن قميئة النبي عليه السلام بحجر فكسر رباعيته وشجه وفيه يقول حسان بن ثابت
ألم تر ان الله أرسل عبده ببرهانه والله أعلى وامجد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وتفرق عنه أصحابه وحمل ابن قميئة لقتل النبي عليه السلام فذب عنه مصعب بن عمير صاحب الراية يومئذ فقتله ابن قميئة ورجع فظن انه كان قتل النبي عليه السلام فقال قتلت محمدا وصرخ صارخ ألا ان محمدا قد قتل وكان ذلك إبليس فرجع أصحابه منهزمين متحيرين فاقبل انس بن النضر عم انس بن مالك الى عمر بن الخطاب رضى عنه وطلحة بن عبد الله فى رجال
103
من المهاجرين والأنصار فقال لهم ما يحبسكم قالوا قتل محمد ﷺ فقال ما تصنعون فى الحياة بعده موتوا كراما على مامات عليه نبيكم ثم اقبل نحو العدو فقاتل حتى قتل قال كعب بن مالك انا أول من عرف رسول الله ﷺ من المسلمين رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ينادى بأعلى صوته (الىّ عباد الله الىّ عباد الله) فاجتمعوا اليه فلامهم رسول الله على هزيمتهم فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر سوء فرعبت قلوبنا له فولينا مدبرين فوبخهم الله تعالى بقوله وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كسائر الرسل قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فسيخلوا كما خلوا وكما ان اتباعهم بقوا متمكسين بدينهم بعد خلوهم فعليكم ان تتمسكوا بدينه بعد خلوه لان الغرض من بعثة الرسول الرسالة والزام الحجة لا وجوده بين اظهر قومه أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ انكار لارتدادهم وانقلابهم عن الدين بخلوه عليه السلام بموت او قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ بادباره عما كان يقبل عليه رسول الله ﷺ من امر الجهاد وغيره فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ بما فعل من الانقلاب شَيْئاً اى شيأ من الضرر وانما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب والله منزه عن النفع والضرر وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ اى الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف سموا بذلك لان الثبات عليه شكر له وإيفاء لحقه وفيه ايماء الى كفران المنقلبين. ولما توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اضطرب المسلمون فمنهم من دهش ومنهم من اقعد فلم يطق القيام ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام ومنهم من أنكر موته بالكلية حتى غفل عمر رضى الله عنه عن هذه الآية الكريمة عند وفاته ﷺ وقام فى الناس فقال ان رجالا من المنافقين يزعمون انه عليه السلام توفى ان رسول الله ﷺ مامات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع والله ليرجعن رسول الله ﷺ ولأقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمونه ان رسول الله مات ولم يزل يكرر ذلك الى ان قام ابو بكر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حى لا يموت ثم تلا وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قال الراوي والله لكأن الناس لم يعلموا ان هذه الآية نزلت على رسول الله ﷺ حتى تلاها ابو بكر رضى الله عنه فاستيقن الناس كلهم بموته ﷺ وكانت الجمادات تتصدع من ألم مفارقة الرسول فكيف بقلوب المؤمنين ولما فقده الجذع الذي يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر حن اليه وصاح كما يصيح الصبى فنزل اليه فاعتنقه فجعل يهدى كما يهدى الصبى الذي يسكن عند بكائه وقال (لو لم اعتنقه لحن الى يوم القيامة) ما امرّ عيش من فارق الأحباب خصوصا من كانت رؤيته حياة الألباب ولما نقل النبي عليه السلام جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضى الله عنها كرب أبتاه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه فلما دفن قالت فاطمة يا انس أطابت أنفسكم ان تحثوا على نبيكم التراب وعاشت فاطمة بعد موته ﷺ سته أشهر ثم ماتت
104
التكاسل فان المرء لا يصل الى حيث يسقط عنه الأمر والنهى والغرض هو العبادة الى ان يأتى اليقين فالشبان والشيوخ فى باب التكليف متساوون وربما يتدارك فى الشيخوخة ما لا يتدارك فى الشباب: قال الحافظ الشيرازي
اى دل شباب رفت ونچيدى كلى ز عمر پيرانه سر بكن هنرى ننك ونام را
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ نصب على انه مفعول ثان لصدق صريحا او بنزع الجار اى فى وعده. نزلت حين قال ناس من المؤمنين عند رجوعهم الى المدينة من اين أصابنا هذا وقد وعدنا الله بالنصر وهو ما وعدهم على لسان نبيه ﷺ من النصر حيث قال للرماة لا تبرحوا مكانكم فانا لا نزال غالبين ما دمتم فى هذا المكان وقد كان كذلك فان المشركين لما اقبلوا جعل الرماة يرشقون نبلهم والباقون يضربون بالسيوف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم يقتلونهم قتلا ذريعا وذلك قوله تعالى إِذْ تَحُسُّونَهُمْ اى تقتلونهم قتلا كثيرا فاشيا من حسه إذا أبطل حسه وذلك يكون بالقتل وهو ظرف لصدقكم بِإِذْنِهِ ملتبسين بمشيئته وتيسيره وتوفيقه حال من فاعل تحسونهم حَتَّى ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية إِذا فَشِلْتُمْ اى جبنتم وضعف رأيكم او ملتم الى الغنيمة فان الحرص من ضعف القلب وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ اى فى امر الرسول ﷺ فقال بعض الرماة حين انهزم المشركون وولوا هاربين والمسلمون على أعقابهم قتلا وضربا فما موقفنا هذا وقال رئيسهم عبد الله بن جبير لا نخالف امر الرسول عليه الصلاة والسلام فثبت مكانه فى نفر دون العشرة من أصحابه ونفر الباقون للنهب وذلك قوله تعالى وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ اى من الظفر والغنيمة وانهزام العدو فلما رأى المشركون ذلك حملوا عليهم من قبل الشعب وقتلوا امير الرماة ومن معه من أصحابه وقد سبق وقيد العصيان بما بعده تنبيها على عظم المعصية لانهم لما شاهدوا ان الله تعالى أكرمهم بانجاز الوعد كان من حقهم ان يمتنعوا عن المعصية وجواب إذا محذوف وهو منعكم نصره مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وهم الذي تركوا المركز واقبلوا على النهب قال ابن مسعود رضى الله عنه ما علمت ان أحدا منا يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وهم الذي ثبتوا مكانهم حتى نالوا شرف الشهادة ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ عطف على الجواب المحذوف كما أشير اليه اى ردكم عن الكفار وكفكم بالهزيمة بعد ان أظفركم عليهم فحالت الريح دبورا بعد ما كانت صبا لِيَبْتَلِيَكُمْ اى يعاملكم معاملة من يمتحنكم ليظهر ثباتكم على الايمان عندها وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ تفضلا او لما علم من ندمكم على المخالفة وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ اى شأنه ان يتفضل عليهم بالعفو أو هو متفضل عليهم فى جميع الأحوال أديل لهم او أديل عليهم إذ الابتلاء ايضا رحمة بحسب اقتضاء أحوالهم ذلك إِذْ تُصْعِدُونَ متعلق بصرفكم. والإصعاد الذهاب والابعاد فى الأرض وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ اى لا تلتفتون الى ماوراءكم ولا يقف واحد منكم لواحد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ كان ﷺ يدعوهم الىّ عباد الله انا رسول الله من يكرّ فله الجنة امرا
110
بالمعروف ونهيا عن المنكر وهو الانهزام وترك قتال الكفار لا استعانة بهم فِي أُخْراكُمْ فى ساقتكم وجماعتكم الاخرى والمعنى انه عليه السلام كان يدعوهم وهو واقف فى آخرهم لان القوم بسبب الهزيمة قد تقدموه فَأَثابَكُمْ عطف على صرفكم اى فجازاكم الله بما صنعتم غَمًّا موصولا بِغَمٍّ من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين والإرجاف بقتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم او عما بمقابلة غم أذقتموه رسول الله ﷺ بعصيانكم له لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ اى لتتمرنوا على الصبر فى الشدائد وتعتاد وأتجرع الغموم فلا تحزنوا على نفع فات او ضرّ آت وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ اى عالم بأعمالكم وبما قصدتم بها. واعلم ان الصبر واليقين والتوكل على الله والاتقاء عن ميل الدنيا وزخارفها ومخالفة الرسول مستلزم لامداد النصر والظفر والفشل والتنازع والميل الى الدنيا وعصيان رسول صلى الله تعالى عليه وسلم موجب للابتلاء والصرف عن العدو فمن أراد النصرة على الأعداء الظاهرة والباطنة لا يسلك طريقا غير ما عينه الشارع
ويرضى بالابتلاء ولا يغتم لآخرته بل يجد غم طلب الحق ألذ من نعيم الدنيا والآخرة ويصبر على مقاساة الشدائد فى باب الدين.
صبر آرد آرزو رانى شتاب صبر كن والله اعلم بالصواب
قال ذو النون قدس سره العزيز ان أدنى منازل المريد أن الله تعالى لو ادخله النار وأحاط به عذابه مع هذه الارادة لم يزدد قلبه إلا حباله وأنسابه وشوقا اليه وكانت الجنة عنده أصغر فى جنب إرادته من خردلة بين السماء والأرض فعلى السالك ان يذيق نفسه مرارة الطاعة ويدخلها فى باب التسليم ليكون عند الله مماله قدر وسبق- حكى- عن على كرم الله وجهه انه قال قلت لخليفة رسول الله ﷺ ابى بكر الصديق رضى الله عنه يا خليفة رسول الله بم بلغت هذه المنزلة حتى سبقتنا سبقا فقال بخمسة أشياء. أولها وجدت الناس صنفين مريد الدنيا ومريد العقبى فكنت انا مريد المولى. والثاني مذ دخلت فى الإسلام ما شبعت من طعام الدنيا لان لذة معرفة الله شغلتنى عن لذائذ طعام الدنيا. والثالث مذ دخلت فى الإسلام ما رويت من شراب الدنيا لان محبة الله شغلتنى عن شراب الدنيا. والرابع كلما استقبلني عملان عمل الدنيا وعمل الآخرة اخترت عمل الآخرة على عمل الدنيا. والخامس صحبت النبي ﷺ فاحسنت صحبته أقول ولذلك لم ينفك عن ملازمة صحبته ساعة حتى دخل معه فى الغار وقاسى ما قاسى من الشدائد فى حقه صلى الله تعالى عليه وسلم ومع ذلك لم يزغ قلبه عن مواصلته قط ولم يهم بمخالفته أصلا كما وقع ذلك من بعض الصحابة كما فى المنهزمين
كيست دانى صوفئ صافى زرنگ تفرقه آنكه دارد روبيك رنكى درين كاخ دو رنگ
نكسلد سر رشته سرش ز جانان گر بفرض روبرو كيرد ز يك سو شير وديكر سو پلنگ
اوحى الله الى ابراهيم عليه السلام ان يا ابراهيم أنت خليلى وانا خليلك فانظر فى ان لا تشغل سرك بغيري وانا انظر فى سرك فأراه مشتغلا بغيري فتقطع خلتى منك لان الصادق فى دعوى خلتى من لو احرق بالنار لم يجعل سره الى غيرى إجلالا لحرمتى لان كل سر انفصل ساعة عن مشاهدتى لا يصلح لمحادثتى ونظرى ثم قال له اسلم قال أسلمت لرب العالمين ثم ابتلاه
111
على أي وجه اتفق هلاككم حسب تعلق الارادة الإلهية لَإِلَى اللَّهِ اى الى المعبود بالحق العظيم الشان الواسع الرحمة الجزيل الإحسان تُحْشَرُونَ لا الى غيره فيوفى أجوركم ويجزل لكم عطاياكم. واعلم ان هذه الآيات على ترتيب أنيق فانه قال فى الآية الاولى لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وهى التجاوز عن السيئات وذلك اشارة الى من يعبد الله خوفا من عقابه ثم قال وَرَحْمَةٌ وهى التفضل بالمثوبات وهو اشارة الى من يعبده ثوابه ثم قال فى آخر الآية لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وهو اشارة الى من يعبد الله لمجرد الربوبية والعبودية وهذا أعلى المقامات: قال عبد الرحمن الجامى
جانا ز در تو دور نتوانم بود قانع ببهشت وحور نتوانم بود
سر بر در تو بحكم عشقم نه بمزد زين در چهـ كنم صبور نتوانم بود
فبين الحشر الى مغفرة الله والحشر الى الله فرق كثير- روى- ان عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مر بأقوام نحفت أبدانهم واصفرت وجوههم ورأى عليهم آثار العبادة فقال ماذا تطلبون فقالوا نخشى عذاب الله فقال هو أكرم من ان لا يخلصكم من عذابه ثم مر بأقوام آخرين فرأى عليهم تلك الآثار فسألهم فقالوا نطلب الجنة والرحمة فقال هو أكرم من ان يمنعكم رحمته ثم مر بقوم ثالث ورأى آثار العبودية عليهم اكثر فسألهم فقالوا نعبده لانه الهنا ونحن عبيده لا لرغبة ولا لرهبة فقال أنتم العبيد المخلصون والمتعبدون المحقون
كر كند جاى بدل عشق جمال أزلت چشم اميد بحوران بهشتى ننهى
كى مسلم شودت عشق جمال ازلى تا بر آفاق همه تهمت زشتى ننهى
- حكى- ان امرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم قالوا بذل المال قالت هو سخاء اهل الدنيا والعوام فما سخاء الخواص قالوا بذل المجهود فى الطاعة قالت ترجون الثواب قالوا نعم قالت تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فاين السخاء قالوا فما عندك قالت العمل لله لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب وذلك لا يمكن الا بالتجريد والتفريد والوصول الى حقيقة الوجوه. فعلى السالك ان يعرض عن الدنيا والآخرة ويقبل على الله حتى يكشف عن وجهه الحجاب ويصل الى رب الأرباب. قال الامام فى تفسيره الإنسان إذا توجه الى الجهاد اعرض قلبه عن الدنيا واقبل على الآخرة فاذا مات فكأنه تخلص من العدو ووصل الى المحبوب وإذا جلس فى بيته خائفا من الموت حريصا على جمع الدنيا فاذا مات فكأنه حجب عن المعشوق والقى فى دار الغربة ولا شك فى كمال سعادة الاول وكمال شقاوة الثاني انتهى فحشر الغافلين بالحجاب وحشر الواصلين بإظهار الجناب فمن كان فى هذه الدنيا أعمى بحب المال والمنال كان فى الآخرة محجوبا عن مشاهدة الجمال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ما مزيدة للتأكيد اى فبرحمة عظيمة لهم كائنة من الله تعالى وهى ربطه على جأشه وتخصيصه بمكارم الأخلاق كنت لين الجانب لهم وعاملتهم بالرفق والتلطف بعد ما كان منهم ما كان من مخالفة أمرك وإسلامك للعدو وَلَوْ لم تكن كذلك بل كُنْتَ فَظًّا جافيا فى المعاشرة قولا وفعلا غَلِيظَ الْقَلْبِ قاسيه غير رقيق. فالفظ سيئ الخلق وغليظ
115
القلب هو الذي لا يتأثر قلبه من شىء فقد لا يكون الإنسان سيئ الخلق ولا يؤذى أحدا ولكنه لا يرق لهم ولا يرحمهم فظهر الفرق بينهما لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ اى لتفرقوا من عندك ولم يسكنوا إليك وتردوا فى مهاوى الردى فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يتعلق بحقوقك كما عفا الله عنهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يتعلق بحقوقه تعالى إتماما للشفقة عليهم وإكمالا للبرّ بهم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ اى استخرج آراءهم واعلم ما عندهم فى امر الحرب إذ هو المعهود او فيه وفى أمثاله مما تجرى فيه المشاورة عادة استظهارا بآرائهم وتطبيبا لقلوبهم ورفعا لاقدارهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة فَإِذا عَزَمْتَ اى عقيب المشاورة على شىء واطمأنت به نفسك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فى إمضاء أمرك على ما هو ارشد وأصلح فان ما هو أصلح لك لا يعلمه الا الله لا أنت ولا من تشاور إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ عليه تعالى فينصرهم ويرشدهم الى ما فيه خير لهم وصلاح والتوكل تفويض الأمر الى الله والاعتماد على كفايته. قال الامام دلت الآية على انه ليس التوكل ان يهمل الإنسان نفسه كما يقوله بعض الجهال وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للامر بالتوكل بل التوكل هو ان يراعى الإنسان الأسباب الظاهرة ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول على عصمة الحكمة. واعلم ان الله تعالى بين ان اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يتفرقون عنه لو كان فظا غليظا مع ان اتباعه دين وفراقه كفر فكيف يتوقع من يعامل الناس على خشونة اللفظ مع قسوة القلب ان ينقاد الناس كلهم له ويتابعوه ويطاوعوه فاللين فى القول انفذ فى القلوب واسرع الى الاجابة وادعى الى الطاعة ولذلك امر الله موسى وهارون به فقال فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً
بنرمى ز دشمن توان كند پوست چوبا دوست سختى كنى دشمن اوست
چوسندان كسى سخت رويى نبرد كه خايسك تأديب بر سر نخورد
قال الامام فى تفسيره اللين والرفق انما يجوز إذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله فاما إذا ادى الى ذلك لم يجز قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال للمؤمنين فى اقامة حد الزنى وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ والتحقيق ان طرفى الافراط والتفريط مذمومان والفضيلة فى الوسط فورود الأمر بالتغليظ مرة واخرى بالنهى عنه انما كان لاجل ان يتباعد عن الافراط والتفريط فيبقى على الوسط الذي هو الصراط المستقيم ولهذا السر مدح الله تعالى الوسط فقال وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً قال عليه السلام (لا تكن مرّا فتعقى ولا حلوا فتسترط)
چونرمى كنى خصم گردد دلير وگر خشم گيرى شوند از تو سير
درشتى ونرمى بهم در بهست چورك زن كه جراح ومرهم نهست
واعلم ان المقصود من البعثة ان يبلغ الرسول تكليف الله الى الخلق وهذا المقصود لا يتم الا إذا مالت قلوبهم اليه وسكنت نفوسهم لديه وهذا لا يتم الا إذا كان كريما رحيما يتجاوز عن ذنبهم ويعفو عن إساءتهم ويخصهم بوجوه البر والمكرمة والشفقة فلهذه الأسباب وجب ان يكون الرسول متبرئا من سوء الخلق وحيث يكون كذلك وجب ان يكون غير غليظ القلب بل يكون كثير الميل الى اعانة الضعفاء كثير القيام باعانة الفقراء كثير التجاوز عن سيآتهم كثير الصفح
116
وهى من الصلاة فى المسجد الأقصى وهى منها فى سائر المساجد. ومنها بالأحوال فان الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده. ومنها بنفس الأعمال فان الصلاة أفضل من اماطة الأذى. ومنها فى العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة وكذا من اهدى هدية لشريف من اهل البيت أفضل من ان يهدى لغيره واحسن اليه ومن الناس من يجمع فى الزمن الواحد أعمالا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما ينبغى فى زمان صومه وصدقته بل فى زمان صلاته فى زمان ذكره فى زمان نيته من فعل وترك فيؤجر فى الزمان الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس كذلك
بضاعت بچندان كه آرى برى اگر مفلسى شرمسارى برى
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (ليس من يوم يأتى على ابن آدم الا ينادى فيه يا ابن آدم انا خلق جديد وانا فيما تعمل عليك غدا شهيد فاعمل فىّ خيرا اشهد لك به غدا فانى لو قد مضيت لم ترنى ابدا ويقول الليل مثل ذلك) فاعمل يا أخي عمل من يعلم انه راجع الى الله وقادم عليه يجازى على الصغير والكبير والقليل والكثيرة وقد قال تعالى وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فينبغى ان لا يغفل الإنسان فى كل ساعاته لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ جواب قسم محذوف اى والله لقد أنعم الله على من آمن مع الرسول عليه السلام من قومه وتخصيصهم بالامتنان مع عموم نعمة البعثة للاسود والأحمر لزيادة انتفاعهم بها إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ اى من نسبهم او من جنسهم عربيا مثلهم ليفقهوا كلامه بسهولة ويكونوا واقفين على حاله فى الصدق والامانة مفتخرين به وفى ذلك شرف عظيم لهم قال الله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وقرئ من أنفسهم اى أشرفهم فانه صلى الله تعالى عليه وسلم كان من اشرف قبائل العرب وبطونها يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ اى القرآن بعد ما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحى وَيُزَكِّيهِمْ اى يطهرهم من دنس الطباع وسوء العقائد والأعمال واوضار الأوزار وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ اى القرآن والسنة وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ اى من قبل بعثته ﷺ وتزكيته وتعليمه لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ بين لا ريب فى كونه ضلالا. وان هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف واللام فارقة بينها وبين النافية. واعلم ان الله تعالى أرسل محمدا الى أقوام عتاة اشراس فذلل منهم كل من عتا وعاس ونكس بمولده الأصنام على الرأس وانشق ايوان كسرى وسقطت منه اربع عشرة شرافة بعدد من سيملك من الناس وخمدت نار فارس وبحيرة ساوة غاضت على غير القياس واختاره مولاه وقدمه على الخلق فهو بمنزلة العين من الرأس وايام دولته كايام التشريق وليلات الأعراس فتعجبت قريش من غنى بالفضل بعد فقر الإفلاس فرماهم القرآن بسهام الجدل لاعن أقواس أكان للناس عجبا ان أوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس فهو رحمة عامة للانام وله خطر جليل عند الخواص والعوام وفيما خطب به ابو طالب فى تزويج خديجة رضى الله عنها وقد حضر معه بنوا هاشم ورؤساء مضر (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا خضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد الله من لا يوزن به فتى
ما قبله اى ان كنتم صادقين فيما ينبئ عنه قولكم من انكم قادرون على دفع القتل عمن كتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموت الذي كتب عليكم معلقا بسبب خاص موقتا بوقت معين بدفع سببه فان اسباب الموت فى إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء وأنفسكم أعز عليكم من إخوانكم وأمرها أهم لديكم من أمرهم والمعنى ان عدم قتلكم كان بسبب انه لم يكن مكتوبا لا بسبب انكم دفعتموه بالقعود مع كتابته عليكم فان ذلك مما لا سبيل اليه بل قد يكون القتال سببا للنجاة والقعود مؤديا الى الموت
ز پيش خطر تا توانى كريز وليكن مكن با قضا پنجه تيز
كرت زندگانى نبشتست دير نه مارت كز آيد نه شمشير وتير
واعلم ان الموت ليس له سن معلوم ولا أجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على اهبة من ذلك مستعدا لذلك وكان بعض الصالحين ينادى بالليل على سور المدينة الرحيل الرحيل فلما توفى فقد صوته امير تلك المدينة فسأل عنه فقيل انه مات فقال
ما زال يلهج بالرحيل وذكره حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه متيقظا متشمرا ذا أهبة لم نلهه الآمال
- روى- انه مر دانيال عليه السلام ببرية فسمع مناديا يا دانيال قف ساعة ترعجبا فلم ير شيأ ثم نادى الثانية قال فوقفت فاذا بيت يدعونى الى نفسه فدخلت فاذا سرير مرصع بالدر والياقوت فاذا النداء من السرير اصعد يا دانيال ترعجبا فارتقيت السرير فاذا فراش من ذهب مشحون بالمسك والعنبر فاذا عليه شاب ميت كأنه نائم وإذا عليه من الحلي والحلل ما لا يوصف وفى يده اليسرى خاتم من ذهب وفوق رأسه تاج من ذهب وعلى منطقته سيف أشد خضرة من البقل فاذا النداء من السرير أن احمل هذا السيف واقرأ ما عليه قال فاذا مكتوب عليه هذا سيف صمصام بن عوج بن عنق بن عاد بن ارم وانى عشت الف عام وسبعمائة وافتضضت اثنى عشر الف جارية وبنيت أربعين الف مدينة وهزمت سبعين الف جيش وفى كل جيش قائد مع كل قائد اثنا عشر الف مقاتل وباعدت الحكيم وقربت السفيه وخرجت بالجور والعنف والحمق عن حد الانصاف وكان يحمل مفاتيح الخزائن اربعمائة بغل وكان يحمل الى خراج الدنيا فلم ينازعنى أحد من اهل الدنيا فادعيت الربوبية فاصابنى الجوع حتى طلبت كفا من ذرة بألف قفيز من درّ فلم اقدر عليه فمت جوعا يا اهل الدنيا اذكروا امواتكم ذكرا كثيرا واعتبروا بي ولا تغرنكم الدنيا كما غرتنى فان أهلي لم يحملوا من وزري شيأ. فعلى العاقل ان لا يركن الى الدنيا ويتذكر مرجعه ويتجنب عن المنافقة والظلم والجور ويتصف بالإخلاص والعدل والإحسان فانه هو المفيد: قال ابن الكمال
پرده دارى ميكند در طاق كسرى عنكبوت بوم نوبت ميزند بر قلعه افراسياب
تخم احسان را چهـ دارى برفشان اى بي خبر چونكه دانى دانه عمرت خورد اين آسياب
جعلنا الله وإياكم من المتيقظين الواصلين الى ذروة اليقين قبل حلول الاجل والحين وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً المراد بهم شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا اربعة من
معنا الا من حضر يومنا بالأمس اى وقعتنا والعرب تسمى الوقائع أياما وذكرهم بايام الله فخرج رسول الله عليه السلام اراءة من نفسه ومن أصحابه جلدا وقوة ومعه جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم اى حملوا المشقة على أنفسهم كيلا يفوتهم الاجر والقى الله الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا فنزلت فهذه هى غزوة حمراء الأسد متصلة بغزوة أحد واما غزوة بدر الصغرى فقد وقعت بعدها بسنة وإليها الاشارة بقوله تعالى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ يعنى الركب استقبلوهم من عبد قيس او نعيم بن مسعود الأشجعي واطلاق الناس عليه لما انه من جنسهم وكلامه كلامهم يقال فلان يركب الخيل ويلبس الثياب وماله سوى فرس فرد وغير ثوب واحد أو لأنه انضم اليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه إِنَّ النَّاسَ يعنى أبا سفيان وأصحابه قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ اى اجتمعوا فَاخْشَوْهُمْ- روى- ان أبا سفيان لما عزم على ان ينصرف من المدينة الى مكة نادى يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى لقابل نقتتل بها ان شئت فقال ﷺ (ان شاء الله) فلما كان القابل خرج ابو سفيان فى اهل مكة حتى نزل مر الظهران فالقى الله فى قلبه الرعب وبدا له ان يرجع فمر به ركب من بنى عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب ان ثبطوا المسلمين او لقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال يا نعيم انى وأعدت محمدا أن نلتقى بموسم بدر الا ان هذا العام عام جدب ولا يصلحنا الا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي ان ارجع ولكن ان خرج محمد ولم اخرج زاده ذلك جراءة فاذهب الى المدينة فثبطهم ولك عندى عشرة من الإبل وضمنها سهيل بن عمرو فجاء نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون للخروج فقال لهم ما هذا بالرأى أتوكم فى دياركم فلم يفلت منكم أحد اى لم يتخلص الا شريد وهو الفار النافر المبعد أفترون ان تخرجوا وقد جمعوا لكم فان ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد فاثر هذا الكلام فى قلوب قوم منهم فلما عرف رسول الله ﷺ ذلك منهم قال (والذي نفسى بيده لاخرجن ولو لم يخرج معى أحد فخرج فى سبعين راكبا كلهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل) فَزادَهُمْ القول إِيماناً والمعنى لم يلتفتوا الى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله وازداد اطمئنانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ اى محسبنا وكافينا من احسبه إذا كفاه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اى الموكول اليه هو اى الله فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ الفاء فصيحة اى خرجوا إليهم ووافوا الموعد فرجعوا من مقصدهم ملتبسين بنعمة عظيمة لا يقادر قدرها كائنة من الله تعالى وهى العافية والثبات على الايمان والزيادة فيه وحذر العدو منهم وَفَضْلٍ اى ربح فى التجارة عظيم لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ سالمين من السوء اى لم يصبهم أذى ولا مكروه- روى- انه ﷺ وافى بجيشه بدرا الصغرى وكانت موضع سوق لبنى كنانة يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام ولم يلق صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه هناك أحدا من المشركين وأتوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا اريا وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين ورجع ابو سفيان الى مكة فسمى اهل مكة جيشه جيش السويق وقالوا انما خرجتم لتشربوا
زبيبتان وذنبه قد انساب فى منخريه واستدار بجيده وثقل على كاهله كأنه طوق بكل رحى فى الأرض وكل واحد ينادى ما هذا فيقول الملائكة هذا ما بخلتم به فى الدنيا رغبة فيه وشحا عليه فمنع الزكاة سبب للعقاب فى العقبى كما ان ايتاءها سبب للثواب فى الاخرى وحصن لماله فى الدنيا قال ﷺ (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا البلايا بالدعاء) قال عليه السلام (لا صلاة لمن لا زكاة له) - روى- ان موسى عليه السلام مرّ برجل وهو يصلى مع حضور وخشوع فقال يا رب ما احسن صلاته قال الله تعالى (لو صلى فى كل يوم وليلة الف ركعة وأعتق الف رقبة وصلى على الف جنازة وحج الف حجة وغزا الف غزوة لم ينفعه حتى يؤدى زكاة ماله) وقال عليه الصلاة والسلام (ملعون مال لا يزكى كل عام وملعون بدن لا يبتلى فى كل أربعين ليلة ومن البلاء العثرة والنكبة والمرضة والخدشة واختلاج العين فما فوق ذلك) فاذا سمعت هذه الاخبار وقفت على وزر من وقف على الإصرار ولم يؤد زكاة ماله بطيبة النفس وصفاء البال الى ان يرجع فقيرا ميتا بعد ما ساعدته الأحوال والأموال
پريشان كن امروز كنجينه چست كه فردا كليدش نه در دست تست
تو با خود ببر توشه خويشتن كه شفقت نيايد ز فرزند وزن
بخيل توانكر بدينار وسيم طلسمست بالاى كنجى مقيم
از ان سالها مى بماند زرش كه لرزد طلسمى چنين بر سرش
بسنك أجل ناكهان بشكنند بآسودگى كنج قسمت كنند
چودر زندكانى بدى با عيال گرت مرگ خواهند از ايشان منال
تو غافل در انديشه سود مال كه سرمايه عمر شد پايمال
بكن سرمه غفلت از چشم پاك كه فردا شوى سرمه در چشم خاك
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ قالته اليهود لما سمعوا قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً- وروى- انه عليه الصلاة والسلام كتب مع ابى بكر رضى الله تعالى عنه الى يهود بنى قينقاع يدعوهم الى الإسلام والى اقام الصلاة وإيتاء الزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل ابو بكر رضى الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسا كثيرا من اليهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ومعه حبر آخر يقال له اشيع فقال ابو بكر لفنحاص اتق الله واسلم فو الله انك لتعلم ان محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة فآمن وصدق واقرض الله قرضا حسنا يدخلك الحنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص يا أبا بكر تزعم ان ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض الا الفقير من الغنى فان كان ما تقول حقا فان الله إذا لفقير ونحن اغنياء وانه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا ما أعطانا الربا فغضب ابو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسى بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص الى النبي ﷺ فشكاه وجحد ما قاله فنزلت ردا عليه وتصديقا لابى بكر والجمع حينئذ مع كون القائل واحدا لرضى الباقين بذلك والمعنى انه لم يخف عليه
وقال من أي الرأسين يكون رأسك فبكى ذو القرنين وقال ان رغبت فى صحبتى شاطرتك مملكتى وسلمت إليك وزارتي فقال هيهات فقال ذو القرنين ولم قال لان الناس اعداؤك بسبب المال والمملكة وجميعهم أحبابي بسبب القناعة
نيرزد عسل جان من زخم نيش قناعت نكوتر بدوشاب خويش
گدايى كه هر خاطرش بند نيست به از پادشاهى كه خرسند نيست
اگر پادشاهست اگر پينه دوز چوخفتند گردد شب هر دو روز
لا تَحْسَبَنَّ يا محمد او الخطاب لكل أحد ممن يصلح له الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا اى بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والاخبار بالصدق فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد لقوله لا تحسبن والمفعول الثاني له قوله بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ اى ملتبسين بنجاة منه وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بكفرهم وتدلبسهم وَلِلَّهِ اى خاصة مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى السلطان القاهر فيهما بحيث يتصرف فيهما وفيما فيهما كيف يشاء ويريد إيجادا واعداما احياء واماتة تعذيبا واثابة من غير ان يكون لغيره شائبة دخل فى شىء من ذلك بوجه من الوجوه وهو يملك أمرهم ويعذبهم بما فعلوا لا يخرجون عن قبضة قدرته ولا يجون من عذابه يأخذهم متى شاء وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على عقابهم وكيف يرجو النجاة من كان معذبه هذا المالك القادر- روى- انه عليه السلام سأل اليهود عن شىء مما فى بالتوراة فاخبروه بخلاف ما كان فيه واروه انهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا فنزلت وقيل هم المنافقون كافة وهو الأنسب بظاهر قوله تعالى وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فانهم كانوا يفرحون بما فعلوه من اظهار الايمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون الى المسلمين بالايمان وهم عن فعله بألف منزل وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم فى الغاية القاصية من العداوة والاولى اجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتى بشىء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب ويود ان يمدحه الناس بما هو عار من الفضائل وانواع البر وكون السبب خاصا لا يقدح فى عمومية حكم الآية. واعلم ان الفرح بمتاع الدنيا وحب مدح الناس من صفات ارباب النفس الامارة المغرورين بالحياة الدنيا وتمويهات الشيطان المحجوبين عن السعادات الاخروية والقربات المعنوية. قال الامام فى تفسيره وأنت إذا أنصفت عرفت ان احوال اكثر الخلق كذلك فانهم يأتون بجميع وجوه الحيل فى تحصيل الدنيا ويفرحون بوجدان مطلوبهم ثم يحبون ان يحمدوا بانهم من اهل العفاف والصدق والدين
اى برادر از تو بهتر هيچ كس نشناسدت زانچهـ هستى يك سر مو خويش را افزون منه
گر فزون از قدر تو بشناسدت تا بخردى قدر خود بشناس و پاى از حد خود بيرون منه
فعلى العاقل ان لا يتعدى طوره ولا يفرح بما ليس فيه فانه لا يغنى عنه شيأ. قال بعض المشايخ الناس يمدحونك لما يظنون فيك من الخير والصلاح اعتبارا بما يظهر من ستر الله عليك فكن أنت ذامّا لنفسك لما تعلمه منها من القبائح والمؤمن إذا مدح استحيى من الله ان يثتى عليه بوصف
وجعلت تقبل بين عينيه وتبكى فقلت لها يا أيتها الباكية ان أباك نحبه قد مضى وورد دار الجزاء فان كان محسنا فله الزلفى فان كان مسيئا فوارد دار من أساء فصاحت ثم ماتت فبقيت حزينا عليهما فرأيتهما فى المنام فى احسن مقام عليهما حلتان خضراوتان فسألت عن حاليهما فقال الشيخ
أنت شريكى فى الذي نلته فقم وشاهد يا أبا عامر
وكل من ايقظ ذا غفلة فنصف ما يعطاه للآمر
ثم قال قدمت على رب كريم غير غضبان فاسكننى الجنان وزوجنى من الحور الحسان فاحرص يا أبا عامر على كثرة الدعاء والاستغفار الى الله الملك الغفار وطلب المغفرة آناء الليل وأطراف النهار من شيم الأخيار والأبرار. واعلم ان من تنصح بكلمة فقد آمن بمنادى الحق على لسان عبده فنجا من نيرانه ووصل الى المغفرة والرحمة فى جنانه- روى- ان حدادا كان يمسك الحديد المحمى بيده فسئل عنه فقال عشقت امرأة فراودتها وعرضت عليها مالا فقالت ان لى زوجا لا احتاج الى المال ثم مات زوجها فطلبت ان أتزوجها فامتنعت وقالت لا أريد إذلال أولادي ثم بعد زمان احتاجت فارسلت الى فقلت لا أعطيك شيأ حتى تعطينى مرادى فلما دخلت معها موضعا ارتعدت فقلت مالك فقالت أخاف الله السميع البصير فتركتها فقالت انجاك الله من النار فمن ذلك الوقت لا تحرقنى نار الدنيا وأرجو من الله تعالى ان لا تحرقنى نار الآخرة فمن خشى الرحمن وذكر انه بمحضر من الله فهو لا يجترئ على الذنب والآثام فيسلم من عذاب النار ويتنعم فى دار السلام عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي ﷺ (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) واما الدعاء فهو مخ العبادة وينفع فى الدنيا فيدفع الآفات واما فى الآخرة فان الله يعطيه هدايا على أيدي الملائكة ويقول ان هذه فى مقابلة دعائك فى الدنيا
از آستان حضرت حق سر چرا كشم دولت درين سرا وكشايش درين درست
قال الحافظ
هر كه خواهد كوبيا وهر چهـ خواهد كو بگو كبر وناز وحاجب ودربان درين دركاه نيست
حقق الله رجاءنا وقبل دعاءنا وأعطانا ما هو خير لنا فى الدنيا والآخرة رَبَّنا وَآتِنا أعطنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ على تصديق رسلك او على ألسنة رسلك من الثواب والكرامة وَلا تُخْزِنا لا تهنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بان تعصمنا مما يقتضيه إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ اسم مصدر بمعنى الوعد وهذا الدعوات وما فى تضاعيفها من كمال الضراعة والابتهال ليست لخوفهم من اخلاف الميعاد بل لخوفهم ان لا يكونوا من جملة الموعودين لسوء عاقبة او قصور فى الامتثال فمرجعها الى الدعاء بالتثبيت او للمبالغة فى التعبد والخشوع. ثم قوله وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ شبيه بقوله وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فانه ربما ظن الإنسان انه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح ثم انه يوم القيامة يظهر له ان اعتقاده كان ضالا وعمله كان ذنبا فهناك تحصل الحجالة العظيمة والحسرة الكاملة والأسف الشديد وذلك هو العذاب الروحاني وهو أشد من العذاب
149
الجسماني ومما يدل على هذا انه سبحانه حكى عن هؤلاء العباد المؤمنين انهم طلبوا فى هذه الأنواع الخمسة من الدعاء أشياء فاول مطالبهم الاحتراز عن العذاب الجسماني وهو قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ وآخرها الاحتراز عن العذاب الروحاني وهو قوله وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ذلك يدل على ما قلنا ولذلك قالوا الفرقة أشد من الحرقة: قال مولانا جلال الدين رومى قدس سره
جور دوران وهر آن رنجى كه هست سهلتر از بعد حق وغفلتست
كر جهاد وصوم سختست وخشن ليك اين بهتر ز بعد اى ممتحن
فليسارع المؤمن الى الطاعات ليدخل فى زمرة من وعد الله لهم من الكرامات. عن جابر رضى الله عنه كنا عند رسول الله ﷺ فقال (ألا أحدثكم بغرف الجنة) قلنا بلى يا رسول الله قال (ان فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وفيها من النعيم واللذات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت) قلت يا رسول الله لمن هذه الغرف قال (لمن أفشى السلام واطعم الطعام وادام الصيام وصلى بالليل والناس نيام). وعن ابى بكر الوراق رحمه الله طلبنا اربعة فوجدناها فى اربعة. وجدنا رضى الله فى طاعته. وسعة الرزق فى صلاد الضحى. وسلامة الدين فى حفظ اللسان. ونور القبر فى صلاة الليل. وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان الرسول ﷺ قال (آخر من يدخل الجنة رجل يمشى مرة ويسقط اخرى وتأخذه النار فاذا جاوزها التفت إليها ويقول سبحان من نجانى منك قد أعطاني شيأ ما أعطاه لأحد من الأولين والآخرين فيرفع له شجرة عظيمة الظل فيشتاق الى ظلها فيقول اى رب أدنني منها ولا اسألك غيرها فيدنيه منها ويشرب من مائها ثم يرفع له شجرة أعظم من الاولى فيقول اى رب أدنني منها ويعاهد ان لا يسأل غيرها فيدنيه منها فيرفع له شجرة أعظم مما تقدم فيسأله ان يدنيه فاذا ادنى سمع أصوات اهل الجنة ويقول اى رب لو أوصلتها لا اسألك فيقول الله يا ابن آدم ما اغدرك كم تعاهد وتكذب أترضى ان أعطيك مثل الدنيا ومثلها فيقول أتستهزئ بي وأنت رب العالمين) ثم ضحك ابن مسعود فقالوا مم تضحك فقال هكذا ضحك رسول الله ﷺ فقالوا مم ضحك رسول الله قال من ضحك رب العالمين (فيقول الله لا استهزئ ولكنى على ما أشاء قدر) - حكى- ان والدي معروف الكرخي كانا من النصارى وكان معلم النصارى يقول لمعروف قل ثالث ثلاثة فيقول معروف بل هو الأحد الصمد فيضربه المعلم فهرب يوما فقال والداه لوجاء معروف فعلى أي دين وجدناه تبعناه فجاء على دين الإسلام فأسلما قال النبي عليه السلام (ما منكم من أحد الا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى الأشياء قدمه ثم ينظر عن يساره فلا يرى الأشياء قدمه فيستقبله الناس فمن استطاع منكم ان يتقى النار ولو بشق تمرة فليفعل) - حكى- ان عجوزا كافرة كانت تطعم الطير ذرة فى ايام الشتاء فرآها ذو النون المصري فقال ان الله تعالى لا يقبل من عدو ثم رآها فى الكعبة قد أسلمت فقالت يا ذا النون انه أعطاني الإسلام بما رأيته
150
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
بي كرم آدمي نه از بشرست از شجر بلكه از حجر بترست
شجرى كان نمى دهد ثمرى معتبر نيست لائق تبراست