تفسير سورة الحشر

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الحشر من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

فى الصحيحين عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رض سورة الحشر قال قل سورة النضير واخرج البخاري عنه ان سورة أنفال نزلت فى بدر وسورة الحشر نزلت فى بنى النضير.
سورة الحشر
مدنية وهى اربع وعشرون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ بيان للموصول يعنى بنى النضير كانوا من أولاد هارون عليه السلام مِنْ دِيارِهِمْ التي كانت لهم بالمدينة قال ابن اسحق كان اجلاء بنى نضير عند مرجع النبي - ﷺ - من أحد وفتح قريظة عند مرجعه عن الأحزاب وبينهما سنتان وسبب إخراجهم ان النبي - ﷺ - لما دخل المدينة صالح بنو النضير على ان لا تقاتلوه ولا تقاتلوهن معه فقبل ذلك رسول الله - ﷺ - منهم فلما غزا رسول الله - ﷺ - بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله النبي الذي وجدنا نعته فى التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحد وانهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله - ﷺ - والمؤمنين ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله - ﷺ - وركب كعب بن الأشرف من بنى النضير فى أربعين راكبا من اليهود الى مكة فاتوا قريشا فحالفوهم وعاقدوهم على ان يكون كلمتهم واحدة على محمد ودخل ابو سفيان فى أربعين من قريش وكعب فى أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه الى المدينة فنزل جبرئيل فاخبر النبي - ﷺ - بما تعاقد عليه كعب وابو سفيان وامر النبي - ﷺ - بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمد بن مسلم ذكرنا قصة قتله فى سورة ال عمران فى قوله تعالى لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وكان النبي - ﷺ - اطلع منهم على خيانات منها انهم أرسلوا الى رسول الله - ﷺ - ان اخرج إلينا فى ثلثين من أصحابك وليخرج منا ثلثون حبرا حتى نلتقى بمكان نصف بيننا وبينك فسمعوا منك فان صدقوك وأمنوا بك أمنا بك كلنا فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله - ﷺ - فى ثلثين من أصحابه وخرج اليه ثلثون حبرا من يهود حتى إذا برزوا فى براز من الأرض قال بعضهم لبعض كيف تخلصون اليه ومعه ثلثون رجلا من أصحابه كلهم يحب ان يموت قبله فارسلوا اليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج فى ثلثة من أصحابك ويخرج إليك ثلثة من علمائنا فيسمعون منك فان صدقوك
229
وأمنوا بك أمنا بك فخرج رسول الله - ﷺ - فى ثلثة من أصحابه وخرجت ثلثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله - ﷺ - فارسلت امرأة ناصحة من بنى النضير الى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فاخبرته ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله - ﷺ - فاقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله - ﷺ - فساره بخبرهم قبل ان يصل إليهم فرجع رسول الله - ﷺ - الى المدينة روى القصة ابو داود والبيهقي وعبد ابن حميد وعبد الرزاق بإسناد صحيح وذكروا حديثا طويلا وفيه ان بنى النضير فعلوا ذلك الغدر حين كتب إليهم قريش بعد وقعة بدر انكم اهل الحلقة والحصون وانكم لتقاتلن صاحبنا او لتفعلن كذا وذكر البغوي هذه القصة وقال بعد ذلك فلما كان الغد غدا إليهم رسول الله - ﷺ - بالكتاب فحاصرهم احدى وعشرين ليلة ومن خياناتهم ان النبي - ﷺ - لما أتاهم يستعين فى دية الرجلين الذين قتلهما عمرو بن امية الضميري فى منصرفه من بيرمعونة فهمت اليهود ان يطرحوا على رسول الله - ﷺ - حجرا من فوق الحصن فعصمه الله تعالى وأخبره به ذكرنا القصة فى سورة المائدة فى تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ الاية ذكر ابن حميد عن عكرمة ان الله سبحانه لما اخبر نبيه بذلك ورجع نبى الله - ﷺ - الى المدينة قال لهم كنانة بن صوريا هل تدرون لم قام محمد قالوا لا والله ما ندرى وما تدرى أنت قال بلى والتوراة انى لا درى قد اخبر محمد بما هممتم به من الغدر فلا تخدعوا أنفسكم والله انه رسول الله وما قام الا انه اخبر بما هممتم وانه لاخر الأنبياء وكنتم تطمعون ان يكون من بنى هارون فجعله الله حيث شاء وان كتبنا والذي درسنا فى التوراة التي لم تغير ولم تبدل ان مولده بمكة وان دار هجرته يثرب وصفته بعينها ما يخالف حرفا مما فى كتابنا ولكانى انظر إليكم طاعنين يتضاعى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا أموالكم وانما هى شرفكم فاطيعونى فى
خصلتين والثلاثة لا خير فيها قال مادبا؟؟؟ يسلمون وتدخلون مع محمد فتامنوا على أموالكم وأولادكم وتكونوا على ما عليه أصحابه ويبقى بايديكم أموالكم ولا تخرجون من دياركم قالوا لا نفارق التوراة وعهد موسى قال فانه مرسل إليكم اخرجوا من بلدي فقولوا نعم فانه لا يستحل لكم دما ولا مالا ويبقى أموالكم ان شئتم بعتم وان شئتم امسكتم قالوا اما هذه فنعم قال سلام بن مشكم قد كنت لما صنعتم كارها وهو مرسل إلينا ان اخرجوا من دارى فلا تعقب ماضىء كلامه وأنعم له بالخروج من بلده فلما دخل النبي - ﷺ - المدينة أرسل الى محمد بن مسلمة فلما جاء قال اذهب الى اليهود بنى النضير فقل لهم ان رسول الله - ﷺ - أرسلني إليكم ان اخرجوا من بلدي فلما جائهم
230
قال ان رسول الله - ﷺ - أرسلني برسالة ولست اذكرها لكم حتى أعرفكم بشىء تعرفونه فقالوا ما هو فقال أنشدكم بالتوراة التي انزل على موسى هل تعلمون انى جئتكم قبل ان يبعث محمد - ﷺ - وبينكم التوراة فقلتم لى فى مجالسكم هنايا ابن المسلم ان شئت ان نعذبك عذبناك وان شئت نهودك هودناك فقلت بل عذبونى ولا تهودونى فانى والله ما اتهود ابدا فعذبتمونى فى صفحة لكم والله لكانى انظر إليها كانها جذعة فقلتم لى ما يمنعك من ديننا الا انه دين يهود كانك تريد الحنيفة التي سمعت بها اما ان أبا عامر الراهب ليس بصاحبها بل صاحبها الضحوك القتال فى عينيه حمرة ويأتي من قبل اليمن يركب البعير ويلبس الشملة وتجزى بالكسرة وسيفه على عاتقه ينطق بالحكمة كانه وسنحيكم هذه والله ليكونن بقريتكم هذه سلب وقتل ومثل قالوا اللهم نعم قد قلنا وليس به فاقد فقلت ان رسول الله - ﷺ - أرسلني إليكم انكم قد نقضتم الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغد ربى وأخبرهم بما كانوا هموا به وظهور عمرو بن حجاش على البيت ليطرح عليه الصخرة ويقول اخرجوا من بلدي وقد أجلتكم عشرا فمن راى بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا الى ظهرهم بالحد فبيناهم على ذلك إذا جائهم رسول عبد الله بن ابى بن سلول سويد واعس فقالا يقول عبد الله بن ابى لا تخرجوا من دياركم وأموالكم واقيموا مع حصونكم فان معى الفين من قومى وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون من آخرهم قبل ان يوصل إليكم ويمدكم قريظة فانهم لم يخذ لو كم يمدكم حلفائكم من غطفان وأرسل ابن ابى كعب بن اسد القرظي يكلمه ان يمده أصحابه فقال لا ينقض رجل واحد العهد فيئس ابن ابى اخطب بن قريظة وأراد ان يلحم الأمر فيما بين النضير ورسول الله - ﷺ - فلم يزل يرسل الى حيى بن اخطب فقال حيى انا أرسل الى محمدا علمه ان لا يخرج من ديارنا فليضع ما بدا له وطمع حيى فيما قال ابن ابى فقال له سلام بن مشكم لولا ان يسفه رايك لاعتزلتك بمن أطاعني من يهود فلا تغفل يا حيى فو الله انك لتعلم ونعلم من معك انه لرسول الله وان صفته عندنا وانما لم نتبعه لانا حسدناه حيث خرج النبوة من بنى هارون فلتقبل ما أعطانا من الأمر وتخرج من بلاده وقد عرفت انك حالفننى فى العذر به فاذا كان او ان التمر جئنا او جائنا الى تمرة او صنع ما بدا له ثم انصرف إلينا فلم يقبل حيى قوله وأرسل حيى أخاه جدى بن اخطب الى رسول الله - ﷺ - يقوله انا لا نبرح من ديارنا وأموالنا فاصنع ما أنت صانع وامره ان يأتي ابن ابى فيخبره برسالته الى رسول الله - ﷺ - ويأمره ان يتعمل ما وعد من النضير فلما سمع رسول الله - ﷺ - رسالة قول جدى بن اخطب اظهر التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود ثم دخل جدى على ابن ابى وهو فى بيته ومعه نفر من جلسائه وقد نادى منادى رسول الله - ﷺ -
231
يأمرهم بالسير الى بنى النضير فدخل عبد الله بن عبد الله بن ابى على ابنه وعلى النضر الذين معه وعنده جدى بن اخطب فليس درعه وأخذ سيفه وخرج بعد فجاء جدى الى حيى فقال ما ورائك قال الشر ساعة أخبرت محمدا ما أرسلت به اظهر التكبير وقال حاربت يهود قال وجئت ابن ابى فلم ار عنده خبرا
قال انا أرسل الى حلفاء من غطفان فيدخلون معكم فسار النبي - ﷺ - الى بنى النضير واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وصلى رسول الله - ﷺ - العصر بفناء النضير فلما أراد رسول الله - ﷺ - وأصحابه قاموا على جدر حصونهم يرمون بالنبل والحجارة واعتزلهم بنو قريظة فلم يعينوهم فلما صلى رسول الله - ﷺ - العشاء رجع الى بيته فى عشرة من أصحابه استعمل على العسكر عليا ويقال أبا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم حتى أصبحوا ثم اذن بلال فغدا رسول الله - ﷺ - فى أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس فى قضاء بنى حطم فارسل حيى الى رسول الله - ﷺ - نحن نعطيك الذي سالت ونخرج من بلادك فقال رسول الله - ﷺ - لا اقبله اليوم ولكن اخرجوا منها ولكم ما حملت الإبل الا الحلفة فقال سلام بن مشكم اقبل ويحك قبل ان تقبل شرا من ذلك قال حيى ما يكون شرا من هذا قال يسبى الذرية ويقتل القاتل مع الأموال والأموال أهون علينا فابى حيى ان يقبل يوما او يومين فلما راى ذلك يامين بن عمير وابو سعيد ابن وهب قال أحدهما لصاحبه والله انك لتعلم انه رسول الله فما تنظران نسلم فتامن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل فاسلما وحرز أموالهما ودمائهما وحاصر رسول الله - ﷺ - على قول محمد بن عمرو بن سعد والبلاذري وابو معشر وابن حبان خمسة عشر يوما وقال ابن اسحق وابو عمرو ست ليال وقال سليمان التيمي قريبا من عشرين ليلة وقال ابن الطلاع ثلث وعشرين ليلة وعن عائشة خمسة وعشرين وكانوا فى حصارهم يخربون بيوتهم بايديهم مما يليهم وكان المسلمون يخربون بايديهم ويحرقون حتى وقع الصلح ونزلت اليهود على ان لهم ما حملت الإبل الا الحلقة وجعل ما بين الرجل من قيس عشرة دنانير ويقال خمسة اوسق من تمر حتى قتل عمرو بن حجاش غيلة فسر رسول الله - ﷺ - فقال بنو النضير ان لنا ديونا على الناس فقال عليه السلام تعجلوا فكان لابى رافع على أسيد بن حضير عشرين ومائة دينارا الى سنة فصالحة على ثمانين فخرجت بنو النضير جملوا النساء والذرية وما استقلت به الإبل من الامتعة فكان الرجل يهدم بيته عن إيجاف بابه وقبض رسول الله - ﷺ - الأموال والحلقة فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا قال ابن عباس صالحهم رسول الله - ﷺ - على ان يحمل كل اهل ثلثة أبيات على بعير ما شاؤا من متاعهم وللنبى - ﷺ - ما بقي وقال الضحاك اعطى كل ثلثة نفر بعيرا ففعلوا ذلك فخرجوا من المدينة الى الشام اى أذرعات وأريحا الا اهل ستين ال حقيق وال حيى بن اخطب فانهم لحقوا الخيبر
232
ولحقت طائفة منهم بالحيرة فذلك قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ط اللام بمعنى الوقت كما فى قوله تعالى قَدَّمْتُ لِحَياتِي قال الزهري كانوا فى سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم فى الدنيا وقال ابن عباس ومن شك ان المحشر بالشام فليقرأ هذه فكان هذا أول حشر الى الشام قال لهم النبي - ﷺ - اخرجوا قالوا الى اين قال الى ارض المحشر ثم يحشر الخلق يوم القيامة الى ارض الشام وقال الكلبي انما قال لاول الحشر لانهم كانوا أول من اجلى من اهل الكتاب من جزيرة العرب- ثم اجلى آخرهم عمر بن الخطاب رض وقال مرة الهمداني كان أول الحشر من المدينة والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب الى أذرعات وأريحا من الشام فى ايام عمر وقال قتادة كان هذا أول الحشر والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق الى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا روى البخاري من حديث انس أول اشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق الى المغرب من غير ذكر الاية والحشر إخراج جمع من مكان الى اخر ما ظَنَنْتُمْ ايها المؤمنون أَنْ يَخْرُجُوا لشدة بأسهم ومنعتهم حال من فاعل اخرج وَظَنُّوا اى بنو النضير عطف على ما ظننتم أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ يعنى ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وسلطانه حصونهم مبتداء وما نعتهم خبر مقدم عليه والجملة خبر ان وتغير النظم وتقديم الخبر واسناد الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط
وثوقهم بحصانتها وزعم انهم فى عزة ومنعة لسببها ويجوز ان يكون ما نعتهم مبتداء من القسم الثاني صفة وحصونهم فاعل له والجملة خبر ان ايضا فَأَتاهُمُ اللَّهُ اى امر الله وعذابه وهو الاضطرار الى الجلاء مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا حيث القى الرعب فى قلوبهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ الفزع والخوف كذا فى القاموس او المعنى القى فيها الخوف الذي يرعيها اى يملاها كذا قال البيضاوي وفى القاموس رعبه كمنعه ملاه عطف تفسيرى على اتبعهم بيان لجهة إتيان عذابهم يُخْرِبُونَ صفة مصارع بمعنى الماضي أورد لاستحضار صورة بديعة بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ عطف على أيديهم من حيث ان تخريب المؤمنين سبب لبغضهم ونقض عهدهم فكانهم استعملوهم فيه والجملة حال من الموصول المفعول لا خرج فى قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا او بدل اشتمال من قوله تعالى قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ كانه تفسير له او مستانفة فى جواب ما صنعوا قرأ ابو عمرو يخربون بالتشديد من التفعيل وهو ابلغ لما فيه من التكثير والباقون بالتخفيف من للافعال وقيل الأحزاب؟؟؟ التعطيل وترك الشيء خرابا والتخريب ان النبي - ﷺ - صالحهم على ان لهم ما أقلت الإبل فكانوا ينظرون الى الخشب فى منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يحتسنونه فيحملونه على بلهم ويخرب المؤمنون باقيها
233
وقال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدر ان ويقلعون الخشب حتى الأوتاد ويخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدا او بغضا وقال قتادة كان المسلمون يخربون ما يليهم ويخربها اليهود ومن داخلها قال ابن عباس كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع لهم المقاتل وجعلوا اعداء الله ينقبون دورهم فى أدبارها فيخرجون الى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرن ما يليهم ويرمون بالتي خرجوا منها اصحاب رسول الله - ﷺ - فذلك قوله تعالى يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ الاية فَاعْتَبِرُوا فانظروا واتعظوا بما نزل بهم ولا تفعلوا من الكفر والفسوق مثل ما فعلوا كيلا ينزل بكم مثل ما نزل بهم من العذاب استدلوا بهذه الاية على حجة القياس من حيث انه تعالى امر بالاعتبار والمجاوزة من اصل الى فرع لمشاركة بينهما فى وصف يصلح سبا لذلك الحكم يا أُولِي الْأَبْصارِ يا ذوى العقول والبصائر قال محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد انه قال محمد بن عمر حدثنى ابراهيم بن جعفر عن أبيه قال لما خرجت بنو النضير اقبل عمرو بن سعد اليهود فاطاف بمنازلهم فراى خرابا ففكر ثم رجع الى بنى قريظة فقال رايت اليوم عبر ارايت دار إخواننا خالية بعد ذلك العز والشرف والجلد والرأي الفاضل والعقل البارع قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل وقد وقع قبل ذلك بابن الأشرف بيانا فى بيته افتادا وقع بابن سنية سيد يهود واجلدهم وانجدهم ووقع ببني قينقاع واجلاءهم وهم جد يهود كانوا اهل عدة وسلاح ونحده فحصرهم فلم يخرج انسان راسه حتى سباهم فكلهم فيهم فتركهم على ان اجلائهم من يثرب يا قوم لقد رايتم فاطيعونى وتعالوا نتبع محمدا فو الله انكم لتعلمون انه بنى وقد بشرنا به علمائنا آخرهم ابن السيان ابو عمير وابن حواس هما اعلم يهود جاءا من بيت المقدس يتوكفان قدومه ثم أمرنا باتباعه وان نقربه منهما السلام ثم ماتا على دينه ودفنا لحبرتنا هذه فاسكنت القوم فلم يتكلم منهم متكلم فاعاد الكلام او نحوه وخوفهم بالحرب والسبي والجلاء فقال الزبير بن باطا والتوراة قد قرأت صفة فى كتاب باطا التوراة التي نزلت على موسى ليس فى المثاني التي أحدثنا فقال له كعب بن سعد ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه قال أنت قال فلم والتوراة ما جعلت بينك وبينه قط قال الزبير بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فان اتبعته اتبعناك وان أبيت أبينا فاقبل عمرو بن سعدى على كعب فقال اما والتوراة التي نزلت على موسى يوم طور سينا انه للعز والشرف فى الدنيا انه لعلى منهاج موسى ونزل معه أمته فى منزله غدا فى الجنة قال كعب نقيم على عهدنا وعقدنا فلا يخضر محمد ذمتكم وننظر ما يصنع حيى فقد اخرج إخراج ذل وصغار ذلا فلا أراه يغزو محمدا فان ظفر بمحمد فهو ما أردنا وأقمنا على ديننا وان ظفر بحيي فما فى العيش خير نحو لنا من جراره قال عمرو
بن سعدى ولم تؤخر الأمر وهو مقبل قال كعب ما على هذا فوات متى أردت هذا
234
من محمدا جابنى اليه قال عمرو بلى والتوراة انه عليه نعوتا إذا سار إلينا محمد فيخبانا فى حصوننا حتى ننزل على حكمه فيضرب أعناقنا قال كعب بن اسد ما عندى فى امره الا ما قلت ما نطيب نفسى ان أصير تابعا يقول هذا لاسرائيلى ولا يعرف لى فضل النبوة لا قدر الفعال قال عمرو بن سعدى بل لعمرى ليعرفن ذلك لك فبينماهم على ذلك لم يزعم الا بمقدم النبي - ﷺ - قد حلت بساحتهم فقال هذا الذي قلت لك وذلك انهم نقضوا عهد رسول الله - ﷺ - وحاربوه فى وقعة الخندق.
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ فى اللوح المحفوظ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ اى الخروج من الوطن لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ط بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ جملة مستانفة يعنى ان نجوا من عذاب الدنيا لا ينجون من عذاب النار فى الاخرة البتة.
ذلِكَ لحقهم فى الدنيا وما كانوا يصدده وما استحقوه من عذاب الاخرة بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يعذبه عذابا شديدا لانه شَدِيدُ الْعِقابِ اخرج ابن اسحق عن يزيد بن رومان قال لما نزل رسول الله - ﷺ - بنى النضير تحصنوا منه فى الحصون فامر بقطع النخل والتحريق فيها وذكر محمد بن يوسف الصالحي انه - ﷺ - استعمل على قطعها أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام وكان ابو ليلى بقطع العجوة وكان عبد الله بن سلام بقطع اللون فقيل لهما ذلك فقال ابو ليلى العجوة احرق لهم وقال عبد الله بن سلام قد عرفت ان الله سيغنم أموالهم العجوة خير أموالهم فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل فجعل سلام بن مشكم يقول يا حيى العذق من العجوة بفرس فلا يطعم ثلثين سنة تقطع فارسل حيى الى رسول الله - ﷺ - كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النخل ووجد بعض المسلمين فى أنفسهم من قولهم وخشوا ان يكون فسادا فقال بعضهم لا تقطعوا فانه مما أفاء الله علينا وقال بعضهم بل نغيضهم بقطعها فانزل الله تعالى.
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ كما فعل ابو ليلى ما شرطية منصوب المحل مفعول لقطعتم ومن لينة بيان له يعنى اى شىء قطعتم حال كونه من لينة فعلتم من اللون ويجمع على الألوان وقيل هو من اللين كذا ذكر فى الصحاح قال البغوي اختلفوا فى معنى اللينة فقال قوم النخل كلها لينة داخلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة ورواية زاذان عن ابن عباس قال كان النبي - ﷺ - يقطع نخلهم الا العجوة واهل المدينة ما خلا العجوة من التمر الألوان واحدها لين ولينة وقال الزهري هو ألوان النخل كلها الا العجوة والبرنية وقال مجاهد وعطية هى النخل كلها من غير استثناء وقال العوفى عن ابن عباس من النخل وقال سفيان هى كرام النخل وقال مقاتل هى ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهى شديد الصفرة يرى نواة من خارج يغيب فيالضرس وكان من أجود تمر هى اعجب إليهم
وكانت النخلة الواحدة ثمنها ثمن رصيف وأحب إليهم من رصيف أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها كما فعل عبد الله بن سلام فَبِإِذْنِ اللَّهِ خبر مبتداء محذوف يعنى فقطعه وتركه بإذن الله ليس فى شىء من ذلك اثم اخرج البخاري عن ابن عمران رسول الله - ﷺ - حرق نخل بنى نضير وقطع وهى البويرة هذه الاية كذا روى اصحاب الكتب واخرج ابو يعلى بسند ضعيف عن جابر قال رخص وقطع النخل ثم شدد عليهم فاتوا النبي - ﷺ - قالوا يا رسول الله هل علينا اثم فيما قطعنا وتركنا فانزل الله هذه الاية وَلِيُخْزِيَ الله بالاذن فى القطع الْفاسِقِينَ اليهود عطف على بإذن الله وعلة لمحذوف والجملة معطوفة على جملة تقريره وفعلتم او اذن لكم لنخزى هم على فسقهم بما غاظهم منه (مسئله) من هاهنا قال ابو حنيفة رح إذا حاصر الامام حصنا للكفار جاز ان يقطع أشجارهم ويفسد زروعهم وهدم بيوتهم ويحرقها قال ابن همام هذا إذا لم يغلب على الظن انهم ماخذون بغير ذلك فان كان الظاهر انهم مغلوبون وان الفتح لا بد منه كره ذلك لانه إفساد وفى غير محل الحاجة وما أبيح الا لها وقال احمد لا يجوز قطع أشجارهم الا بأحد الشرطين أحدهما ان يفعلوا بنا مثل ذلك ثانيهما ان يكون لنا حاجة الى قطع ذلك لنتمكن من قتالهم وقال الشافعي يجوز إتلاف بنائهم وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم وكذا ان لم يرج حصولها لنا فان رجى ندب الترك والدليل على جواز قطع الأشجار هذا الاية والحديثين المذكورين وما روى احمد عن اسامة بن زيد قال بعثني رسول الله - ﷺ - الى قرية قال أيتها صباحا ثم حرق قال ابن الجوزي احتجاجا لمذهبه انه قد روى أصحابنا ان النبي - ﷺ - كان إذا بعث جيشا قال لا تعود واعينا ولا تعقروا شجرا إلا شجر يمنعكم من القتال والحديثان يعنى حديث ابن عمر وحديث اسامة بن زيد محمولان على ما ذكرنا انتهى كلامه قلنا لا يجوز على ما ذكر ابن الجوزي لان بنى نضير لم يقطعوا أشجار المدينة قط ولا دليل على كون القطع لحاجة القتال بل الاية صريحة فى ان الأمر بالقطع كان لخزى الفاسقين وكبت اعداء الله وكسر شوكتهم لا لغرض اخر لكن الظاهر ان الفتح لم يكن غالبا فى الظن حين امر النبي - ﷺ - بقطع أشجارهم يدل على قوله تعالى ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا ما نعتهم حصونهم وما روى اصحاب احمد حجة على عدم جواز القطع ان صح لا يمكن ان يكون معارضا لكتاب الله المستلزم للجواز والله اعلم قال البغوي فلما ترك بنو النضير رياعهم وضياعهم طلب المسلمون تقسيمها بيتهم كما فعل لغنايم خيبر فبين الله تعالى حكمها وقال.
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ القى الرجوع وأفاء بمعنى عاد وقال الجوهري الفى الرجوع الى حالة محمودة قال الله تعالى حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا... فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولما كان الرجوع يقتضى سبق الملك قال البيضاوي
236
أفاء بمعنى صير مجازا او بمعنى رده عليه فانه كان حقيقا بان يكون له عليه السلام لان الله خلق الإنسان لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به الى طاعة فهو جدير بان يكون للمطيعين مِنْهُمْ اى من بنى النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ اى ما أجريتم على تحصيله من الوجيف بمعنى سرعة السير مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ما يركب من الإبل غلب فيه كما غلب الراكب على راكبه والمعنى انه لم يلحق المؤمنين فى تحصيل ما أفاء الله من بنى النضير من المشقة بالحرب وإيجاف الخيل والركاب حتى يستحقوا الغنائم وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ط يقذف الرعب فى قلوبهم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيفعل ما يريد تارة بالوسايط فى الظاهر وتارة بلا وسائط هذه الاية والأحاديث الصحيحة تدل على ان مال بنى نضير كان خالصا لرسول الله - ﷺ - ثم صرفه عليه السلام حيث شاء روى الشيخان فى الصحيحين عن مالك بن أوس ابن الجدثان النضيري انه قال عمر بن الخطاب ان الله قد خص رسول الله - ﷺ - فى هذا الفيء بشىء لم يعط أحدا غيره ثم قرأ ما أفاء الله على رسوله منهم الى قوله قدير فكانت هذه خالصة لرسول الله - ﷺ - يتفق عليه وعلى اهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذه ما بقي فيجعله فجعل مال الله وايضا فى الصحيحين عنه انه جاء عمر حاجبه يرفا فقال هل لك فى عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد رض يستاذنون قال نعم فادخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك فى عباس وعلى رض يستاذنان قال نعم فلما دخلا قال عباس يا امير المؤمنين اقض بينى وبين هذا وهما يختصمان فى التي أفاء الله على رسوله من بنى النضير فقال الرهط يا امير المؤمنين اقض بينهما وارح أحدهما من الاخر قال اتئدوا أنشدكم الله الذي باذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ان رسول الله - ﷺ - قال لا نورث ما تركناه صدقة يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذلك فاقبل عمر على علىّ وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمون ان رسول الله - ﷺ - قال ذلك قالا نعم قال فانى أحدثكم عن هذا الأمر ان الله قد خص رسول الله - ﷺ - فى هذا الفيء بشىء لم يعطه أحدا غيره فقال وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ الى قوله قدير فكانت هذه خالصة لرسول الله - ﷺ - ثم والله ما اختارها دونكم ولا استاثرها عليكم فقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي المال منها فكان رسول الله - ﷺ - ينفق على اهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله فجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله - ﷺ - حيوته ثم توفى رسول الله - ﷺ - فقال ابو بكر فانا ولى رسول الله - ﷺ - فقبضه ابو بكر فعمل فيه بما عمل رسول الله - ﷺ - وأنتم حينئذ جميع واقبل على على وعباس يذكران ان أبا بكر فيه كما يقولان والله يعلم انه فيها لصادق بارر أشد ثم توفى الله أبا بكر فقلت انا ولى رسول الله - ﷺ - وابى بكر
237
فقبضتها سنين من امارتى اعمل فيه بما عمل رسول الله - ﷺ - وابو بكر والله يعلم انى فيه صادق بارر أشد تابع للحق ثم جئتمانى كلا كما وكلمتكما واحدة وامر كما جميع فقلت لكما ان رسول الله - ﷺ - قال لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا الىّ ان ادفعه اليكما قلت ان شئتما دفعت اليكما على ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله - ﷺ - وابو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلمانى فقلتما ادفعه إلينا بذلك فدفعته اليكما افتلتمسان منى قضاء غير ذلك فو الله الذي تقوم باذنه السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنه فادفعا الى فانا أكفيكما هما وايضا فى الصحيحين عن عمر قال كانت اموال بنى نضير مما أفاء الله على رسوله مالم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله - ﷺ - خاصة ينفق على اهله نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي فى السلاح والكراع عدة فى سبيل الله
. ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى اى اموال اهل القرى بيان للاول ولذلك لم يعطف لكنه يعم الاول يعنى بنى النضير وغيره فان قيل لو كان هذا بيانا للاول لكان للانصار ايضا حقا فى فىء بنى النضير مع ان النبي - ﷺ - لم يعط من فىء بنى النضير شيئا للانصار غير ثلثة منهم قلنا كان للانصار ايضا فيه حقا لكنهم اثروا المهاجرين على أنفسهم وجعل حقهم لهم كما سياتى قال ابن عباس فى تفسير اهل القرى وهى قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة وقال جلال الدين المحلى كان الصفراء ووادي القرى وينبع قلت والصحيح ان خيبر فتحت عنوة وقسمت بين اهل الحديبية على ثمانية عشر سهما كما مر فى سورة الفتح فَلِلَّهِ افتتاح كلام للتبرك واضافة هذا المال الى نفسه لشرفه وليس المراد منه ان سهما منه له تعالى مفردا فان الدنيا والاخرة كلها لله تعالى وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وابراهيم والشعبي وعامة الفقهاء وعامة المفسرين وقال بعضهم يصرف سهم الله تعالى فى عمارة الكعبة والمساجد وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى يعنى أقرباء رسول الله - ﷺ - وهم بنو هاشم وبنو المطلب لحديث جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله - ﷺ - سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلب أتيته انا وعثمان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بنى هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ارايت إخواننا من بنى المطلب اعطيتهم وتركتنا وانما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله - ﷺ - انما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد هكذا وشبك بين أصابعه رواه الشافعي وفى رواية ابو داود والنسائي نحوه وفيه انا وبنو المطلب لا نفترق فى الجاهلية ولا اسلام وانما نحن وهم شىء واحد وشبك بين أصابعه وَالْيَتامى الصغار الذين لا اب لهم وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر البعيد من ماله كان المستفاد فيما مر من الاية
ان الفيء مختص بالنبي - ﷺ - وضم هاهنا مع رسول الله - ﷺ - الأصناف المذكورة اشعارا بما يفعل الرسول - ﷺ - فى ذلك المال ولما كان مال الفيء بحيث لا نصيب فيه لرجال بعينهم كما فى الغنائم للغانمين بل قسمة مفوض الى رسول الله - ﷺ - والى خلفائه من بعده وجاز لهم اختيار اشخاص من الأصناف المذكورة به عليه السلام منافيا لاختصاص المال به عليه السلام والله تعالى اعلم كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً متعلق بالظرف المستقر اعنى فلله وللرسول قرأ هشام بخلاف عنه تكون بالتاء الفوقانية على التأنيث ودولة بالرفع على الفاعلية وكان حينئذ تامة والباقون بالياء التحتانية على التذكير على ان ضمير الفاعل راجع الى الموصول ودولة منصوب على انه خبر كان الناقصة بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ط يعنى لا يكون ما يتداوله الأغنياء بينهم دون الفقراء كما كان فى الجاهلية بل جعل الله لرسوله - ﷺ - ان يقسمه على ما يراه مصلحة فيما امر به ثم قال وَما آتاكُمُ اعطاكم الرَّسُولُ من الفيء فَخُذُوهُ ولا تطعموا فيما زاد على ما طابت نفسه وَما نَهاكُمْ عَنْهُ من الغلول وغيره فَانْتَهُوا ج ذكر هذه الجملة معترضة كيلا يطمع الناس من الرسول ما لا يرضاه وهذا نازل فى الفيء وهو عام فى كل ما امر به النبي - ﷺ - ونهى عنه عن عبد الله بن مسعود قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بنى اسد يقال لها أم يعقوب فجائت فقالت انه قد بلغني انك لعنت كيت وكيت فقال مالى لا العن من لعن رسول الله - ﷺ - ومن هو فى كتاب الله فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال لئن كنت قراتيه لقد وجدتيه اما قرأت ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت بلى قال فانه قد نهى عنه رواه البخاري وَاتَّقُوا اللَّهَ ط فى مخالفة رسوله - ﷺ - معترضة اخرى إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ج لمن خالفه تعليل لما سبق.
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ بدل من لذى القربى وما عطف عليه فان الرسول لا يسمى فقيرا وقد اخرج الله رسوله من الفقراء لقوله ينصرون الله ورسوله قبل هذا بدل الكل من الكل واللام فى للفقراء للعهد والمراد منه هم المذكورون اعنى ذوى القربى واليتامى والمساكين فلا يلزم ان لا يكون المذكورون سابقا مصرفا نظرا الى المبدل منه لا يكون مقصودا بالنسبة بل البدل هو المقصود بالنسبة وعندى ان الفقراء المهاجرون وما عطف عليه أعم مطلقا مما سبق فانهم استوعبوا المؤمنين الى يوم القيامة أجمعين غنيهم وفقيرهم على ما ستذكر إنشاء الله تعالى فهذا بدل الكل من البعض وهو من قبيل الاشتمال وعلى كلا التقديرين فما سبق فى الذكر من ذوى القربى وما عطف عليه وان لم يكن مقصودا بالنسبة لفظا لكنها داخلة فى المقصود اعنى البدل او عينه والله تعالى اعلم
239
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ التي بمكة وَأَمْوالِهِمْ فان كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم وفى الاية دليل على ان كفار مكة ملكوا اموال المهاجرين التي خلفوها وهاجروا عنها لان الله تعالى اطلق عليهم الفقراء والفقير من لا يملك شيئا وليس من لا يملك مالا وهو فى مكان لا يصل اليه فقيرا بل هو مخصوص باسم ابن السبيل ولذا عطفوا عليه فى نص الصدقة ومن هاهنا قال ابو حنيفة ومالك الكفار إذا استولت على اموال المسلمين ملكوها بشرط الاحراز بدارهم عند ابى حنيفة وبمجرد الاستيلاء عند مالك وقال الشافعي لا يملكونها وذكر ابن همام لاحمد فيه روايتين كقول ابى حنيفة وكقول الشافعي وذكر ابن الجوزي قول احمد كقول الشافعي لا غير ويويد مذهب ابى حنيفة من الأحاديث ما رواه ابو داود فى مراسيله عن تميم بن طرفة قال وجد رجل مع رجل ناقة له فارتفعا الى النبي - ﷺ - فاقام البينة انها له واقام الاخر البينة انه اشتراها من العدو فقال رسول الله - ﷺ - ان شئت ان تأخذ بالثمن الذي اشتراها به فانت أحق والا فخل عنه ناقة والمرسل عندنا وعند اكثر اهل العلم حجة واخرج الطبراني مسندا عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة وفى سنده ياسين الزيات مضعف واخرج الدارقطني ثم البيهقي فى سننهما عن ابن عباس عنه ﷺ قال فى ما احرز العدو فاستنفذه المسلمون منهم ان وجده صاحبه قبل ان يقسم فهو أحق به وان وجد قد قسم فانشاء اخذه بالثمن فيه حسن بن عمارة قال الدارقطني متروك واخرج الدارقطني عن ابن عمر سمعت رسول الله - ﷺ - يقول من وجد ماله فى الفيء قيل ان يقسم فهو له وان وجده بعد ما قسم فليس له شىء وفيه اسحق بن عبد الله بن فروة ضعيف وفى طريقة الاخر رشدين ضعيف ايضا أخرجه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا من أدرك ماله فى الفيء قبل ان يقسم فهو له فان أدركه بعد ان يقسم فهو أحق به بالثمن وفيه ياسين ضعيف وبه قال الشافعي واحتجوا ايضا بان عمر بن الخطاب قال من أدرك ما أخذ العد وقبل ان يقسم فهو له وما قسم فلاحق له فيه الا بالقيمة وقال هذا انما روى عن الشعبي عن عمرو عن رجا بن حيوة عن عمر مرسلا وكلاهما لم يدرك عمر وروى الطحاوي بسنده الى قبيصة بن ذويب ان عمر بن الخطاب قال فيما اخذه المشركون فاصابه المسلمون فعرفه صاحبه اى أدرك قبل ان يقسم فهو له وان جرت فيه السهام فلا شىء له وروى فيه ايضا عن ابى عبيدة مثل ذلك وروى بإسناده الى سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله وروى ايضا بإسناده الى قتادة عن جلاس ان علىّ ابن ابى طالب رض قال من اشترى ما احرز العد وفهو جائز وهذه الأحاديث وان كانت بعضها ضعيفة وبعضها مرسلة لكنها اعتضد بعضها ببعض وصارت حجة وعملا بهذه الأحاديث شرط ابو حنيفة الاحراز وقال
240
ان ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكون قبل ان يقسم فهى لهم بغير شىء وان وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة ان أحبوا وكذا ان دخل دار الحرب تاجر فاشترى ذلك فاخرجه الى دار الإسلام فمالكه الاول بالخيار ان شاء اخذه بالثمن الذي اشتراه وان شاء تركه وكذا لو وهبوا لمسلم يأخذه المالك بقيمته واستدل بعض الحنفية بما فى الصحيحين انه
- ﷺ - لما سئل يوم الفتح اين تنزل غدا بمكة قال هل ترك لنا عقيل من منزل وجه الاحتجاج ان عقيلا استولى عليه وهو على كفره وقيل ان الحديث انما هو دليل على ان المسلم لا يرث الكافر فان عقيلا استولى على الرباع بإرثه إياها أبا طالب فانه مات وترك عليا وجعفر مسلمين وعقيلا وطالبا كافرين فورثاه والله تعالى اعلم احتج الشافعي بحديث رواه احمد ومسلم فى صحيحه عن عمران بن حصين قال كانت العضباء لرجل من بنى عقيل وكانت من سوابق الحاج فاسر الرجل وأخذت العضباء معه فحبسها رسول الله - ﷺ - لرجله ثم ان المشركين أغاروا على سرج المدينة وفيه العضباء وأسروا امرأة من المسلمين وكانوا إذا نزلوا يريحون إبلهم فى أفنيتهم فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا فجعلت لا تضع يدها على بعير الا رغا حتى أتت على العضباء فاتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله عز وجل نجاها عليها لنحر بها فلما قدمت عرفت الناقة فاتوا بها النبي - ﷺ - فاخبرت المرأة نذرها فقال رسول الله - ﷺ - تبسما خبريتها او وفيتها ان الله أنجاها عليها لتنحر بها ثم قال رسول الله - ﷺ - لا وفاء لنذر فى معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم وجه الاحتجاج انه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله - ﷺ - وما بطل نذرها وحديث رواه داود عن ابن عمر قال ذهب فرس له فاخذها الكفار فظهر عليهم المسلمون فرد عليه فى زمن رسول الله - ﷺ - وابق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرد عليه خالد بن وليد وفاة رسول الله - ﷺ - والجواب عن الحديث الاول ان ظاهر هذا الحديث يدل على ان الكفار لم يحرزوا العضباء بديارهم حيث قال وكانوا إذا نزلوا يريحون أهلهم فى أفنيتهم وعن الحديث الثاني انا نقول على حسب مقتضى هذا الحديث حيث نقول ان المشركين إذا غلبوا على أموالنا وملكوها فظهر عليهم المسلمون ووجدها ملاكها قبل القسمة ردت تلك الأموال عليها بلا شىء وبعد القسمة ردت بالقيمة وان عبدا إذا ابق فدخل إليهم فاخذوه لم يملكوه عند ابى حنيفة رح ثم إذا ظهر عليهم المسلمون يأخذ المالك القديم بغير شىء موهوبا كان او مشترى مغنوما قبل القسمة وبعده والله تعالى اعلم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ يعنى ثوابا زايدا على قدر أعمالهم أضعافا كثيرة وَرِضْواناً جملة يبتغون حال مقيدة لاخراجهم بما يوجب
241
تفخيم شانهم وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ يعنى دينه عطف على يبتغون وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فى ادعاء ايمانهم وحالهم على صدق دعواهم فمن قال من الروافض انهم كانوا منافقين وكانوا كاذبين فى ادعاء الايمان كفر لاستلزام انكار هذه الاية وقال قتادة هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حبّا لله ولرسوله واختاروا الإسلام على ما كانت فيه من شدة حتى ذكران الرجل كان يعصب الحجر على بطنه يقيم به صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة فى الشتاء ماله دثار غيرها قلت وكانوا يحبون القتل فى سبيل الله روى البغوي فى المعالم وشرح السنة من امية بن خالد بن عبد الله بن أسيد عن النبي - ﷺ - انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - ﷺ - ان فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة الى الجنة بأربعين خريفا وروى ابو داود عن ابى سعيد الخدري رض عن النبي - ﷺ - قال ابشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة قلت لعلهم يدخلون الجنة قبل اغنياء المهاجرين بأربعين خريفا وقبل اغنياء سائر الناس بخمسمائة سنة والله تعالى اعلم اخرج ابن المنذر عن يزيد بن الأصم ان الأنصار قالوا يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين الأرض يعنى الأرض المملوكة للانصار نصفين قال لا ولكن تكفونهم المئونة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا رضينا فانزل الله تعالى يعنى انزل فيهم قوله.
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ الاية وروى البخاري عن ابى هريرة بلفظ قالت الأنصار اقسم بيننا وبين إخواننا النخل قال لا تكفونا المؤن وتشرككم فى الثمر قالوا سمعنا واطعنا وليس ذكر نزول الاية صحيح والمعنى تبوء وادارا بحره وتمكنوا فى الايمان وهم أنصار شبه الايمان بالمقر لدوام اثباتهم عليه واثبت التبوء على الاستعارة التخييلية وجاز ان يكون الايمان منصوبا بالفعل المقدر يعنى وأخلصوا الايمان من قبيل علفتها تبنا وماء باردا يعنى وسقيتها ماء باردا وقيل المعنى تبؤوا دار الهجرة ودار الايمان وهى المدينة فحذف المضاف من الثاني والمضاف اليه من الاول وعوض عنه اللام سمى المدينة دار الايمان لانها مظهره عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول ان الله تعالى سمى المدينة طابة رواه مسلم وعن جابر بن عبد الله فى حديث قال قال رسول الله - ﷺ - انما المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها متفق عليه وروى مسلم عن ابى هريرة بمعناه مِنْ قَبْلِهِمْ اى من قبل هجرة المهاجرين وقيل تقدير الكلام والذين تبوء الدار من قبلهم والايمان يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ فى أنفسهم حاجَةً قيل المحتاج اليه يسمى حاجة والمعنى طلب حاجة وقيل المراد
242
ما يحمل عليه الحاجة من الطلب والحسد والغيظ مِمَّا أُوتُوا اى من أجل ما اعطى المهاجرون دونهم من الفيء وذلك ان النبي - ﷺ - قسم اموال بنى النضير بين المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار الا ثلثة منهم فطابت انفس الأنصار بذلك قال محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد ان رسول الله - ﷺ - لما تحول من بنى عوف بن عمر الى المدينة تحول المهاجرون فتنافست فيهم الأنصار ان ينزلوا عليهم اقترعوا فيهم بالسهمان فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار الا بقرعة بينهم فكان المهاجرون فى دور الأنصار وأموالهم فلما غنم رسول الله - ﷺ - بنى النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس فقال ادع لى قومك قال ثابت الخزرج يا رسول الله - ﷺ - الأنصار كلها فدعى الأوس والخزرج فتكلم رسول الله - ﷺ - فحمد الله تعالى واثنى عليه بما هو اهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين وإنزالهم إياهم فى منازلهم وأموالهم وإيثارهم على أنفسهم ثم قال رسول الله - ﷺ - ان احببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله تعالى على من بنى النضير وكان المهاجرون على مالهم من السكنى ومساكنكم وأموالكم وان احببتم اعطيتهم وخرجوا من دوركم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رض وخيراهما خيرا فقالا يا رسول الله بل تقسمه بين المهاجرين ويكونوا فى دورنا كما كانوا ونادت الأنصار رض وجزاهم الله خيرا رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله - ﷺ - اللهم ارحم الأنصار فقسم رسول الله - ﷺ - ما أفاء الله عليه واعطى المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبا دجانة واعطى سعه ابن معاذ رض عنهم سيف بن ابى الحقيق وكان سيفا له ذكر عندهم وذكر البلاذري فى فتوح البلدان له ان رسول الله - ﷺ - قال للانصار ليس لاخوانكم من المهاجرين اموال فان شئتم قسمت هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا وان شئتم امسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة قالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت فنزلت وَيُؤْثِرُونَ اى يقدمون المهاجرين باموالهم ومنازلهم عَلى أَنْفُسِهِمْ حتى ان من كان عنده امرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ فاقة وحاجة الى ما يؤثر قال البغوي روى عن ابن عباس قال قال رسول الله - ﷺ - يوم النضير للانصار فذكر نحو ما ذكر البلاذري وروى البخاري عن ابى هريرة قال اتى رجل رسول الله - ﷺ - فقال يا رسول الله أصابني الجهد فارسل الى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال انا يا رسول الله فذهب الى اهله فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله - ﷺ - لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندى إلا قوت الصبية قال فاذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالى فاطقى السراج ونطوى بطوننا الليلة ففعلت وفى رواية فهيات
243
طعامها ونومت صبيانها ثم قامت كانها تصلح سراجها فاطفأت فجعلا
يريانه انهما يأكلان فباتا لهاويين؟؟؟ ثم غدا الرجل على رسول الله - ﷺ - فقال لقد اعجب الله أو ضحك من فلان وفلانة فانزل وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ واخرج مسدد فى مسنده وابن المنذر عن ابى المتوكل الناجي ان رجلا من المسلمين فذكر نحوه وفيه ان الرجل الذي أضاف ثابت بن قيس بن شماس فنزلت فيه هذه الاية واخرج الواحدي من طريق محارب ابن دثار عن ابن عمر قال اهدى لرجل من اصحاب رسول الله - ﷺ - راس شاة فقال ان أخي فلان وعياله أحوج الى هذا منا فبعث به إليهم فلم يزل يبعث به واحد الى اخر حتى تداولها سبعة أبيات حتى رجعت الى أولئك فنزلت وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وروى البخاري عن انس بن مالك قال دعى النبي - ﷺ - الأنصار الى ان يقطع لهم البحرين فقالوا لا ان نقطع لاخواننا من المهاجرين مثلنا قال فاصبروا حتى تلقونى فانه سيصيبكم اثره بعدي وذكر البلاذري فى فتوح البلدان انه قال ابو بكر رض جزاكم الله يا معشر الأنصار فو الله ما مثلنا ومثلكم الا كما قال الغنوي جزا الله عنا جعفرا حين ارتعت بنا تعلنا فى الوطنين فنزلت أبوا ان يحلونا ولو ان أمنا تلقى الذي يلقون مناطلت- وروى الآجري فى كتاب الشريعة عن قيس بن ابى حازم نحوه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الانفاق فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الشح البخل والحرص كذا فى القاموس وفى الصحاح بخل مع حرص قال البغوي فرق العلماء بين الشح والبخل روى ان رجلا قال لعبد الله بن مسعود انى أخاف ان أكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع الله يقول ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون وانا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدى شىء قال عبد الله ليس ذاك بالشح الذي ذكره الله عز وجل ولكن الشح ان تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل وقال عمر ليس الشح ان يمنع الرجل ماله انما الشح ان تطمع عين الرجل الى ما ليس له وقال سعيد بن جبير الشح هو أخذ الحرام ومنع الزكوة وقبل الشح الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم وقال ابن زيد من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يدعه الشح الى ان يمنع شيئا من شىء امره الله به فقدوقى شح نفسه عن جابر بن عبد الله ان رسول الله - ﷺ - قال اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فان الشح أهلك من كان قبلكم حملهم ان يسفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم رواه مسلم واحمد وعن ابى هريرة انه سمع رسول الله - ﷺ - يقول لا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان فى جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان فى قلب عبد ابدا رواه البغوي وكذا روى النسائي.
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ
244
اى بعد المهاجرين والأنصار وهم الذين اسلموا من الصحابة بعد الفتح والمؤمنون بعد الفريقين الى يوم القيامة يَقُولُونَ حال من فاعل جاؤا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا فى الدين الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فان السابقين لهم حق على اللاحقين حيث اهتدوا بالايمان والشرائع يتوسطهم كما اهتدوا أولئك بتوسط النبي - ﷺ - وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا حقد او حسد او بغضا لِلَّذِينَ آمَنُوا من قبل من المهاجرين والأنصار رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ع فكل من كان فى قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فانه ليس ممن عناه الله بهذه الاية قال ابن ابى ليلى الناس على ثلثة منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوؤ الدار والايمان والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان فاجهد ان لا يكون خارجا من هذه المنازل روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أمرتم بالاستغفار لاصحاب محمد - ﷺ - يسموهم سمعت نبيكم - ﷺ - يقول لا يذهب هذه الامة حتى تلعن آخرها أولها وروى صاحب الفصول من الامامية الاثنا عشرية الى جعفر محمد بن على الباقر انه قال لجماعة خاضوا فى ابى بكر وعمر وعثمان انا اشهد انكم لستم من الذين قال الله فيهم والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الّذين سبقونا بالايمان الاية- وفى الصحيفة الكاملة انه كان من دعاء الامام على بن الحسين رض اللهم وصل على اصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصيحة والذين ابلوا البلاء الحسن فى نصره وكافئوه واسرعوا الى وفادته وسابقوا الى دعوته واستجابوا له حيث استمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد فى اظهار كلمة وقاتلوا الآباء والأبناء فى تثبيت نبوته وانتصروا به ومن كانوا منطوين فى محبة يرجون تجارة لن تبور فى مودته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروة وانتقت منهم القرابات او سكنوا فى ظل قرابته فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقة اللهم وصل على التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان خير جزائك الحديث قال مالك بن معول قال عامر بن شرحبيل الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير اهل ملتكم فقالوا اصحاب موسى وسئلت النصارى من خير اهل ملتكم فقالوا حوارى عيسى وسئلت الرفضة من شر اهل ملتكم فقالوا اصحاب محمد - ﷺ - أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم فالسيف عليهم مسلولا الى يوم القيامة لا يقوم لهم راية ولا يثبت لهم اقدم ولا يجتمع لهم
245
كلمة كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأ الله يسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض جهنم أعاذنا الله وإياكم من الهواء المضلة قال مالك بن انس من يبغض أحدا من اصحاب رسول الله - ﷺ - او كان فى قلبه عليهم غل فليس لهم حق فى فىء المسلمين ثم تلا ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى حتى اتى على هذه الاية لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ... وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ... وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ الى قوله تعالى رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال اكثر المفسرين الذين تبوّء الدار والايمان وللفقراء الذين جاؤا من بعدهم وعلى هذا وصف الفقر شرط لاستحقاق الفرق الثلاثة وعندى الذين تبوؤا معطوف على الفقراء ووصف الفقر ليس شرطا لاستحقاق واحد منهم كيف وابن السبيل مصرف اتفاقا مع انه لا يسمى فقيرا او انما ذكر وصف الفقر فى المهاجرين جريا على الغالب لان اكثر المهاجرين حينئذ كانوا فقراء لا للاحتراز كما ان فى قوله تعالى وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ كونهن فى الحجور ليس للاحتراز بل خرج مخرج العادة جريا على الغالب وانما قلت هكذا للاجماع على ان مال الفيء هو للمسلمين كافة غنيهم وفقيرهم يصرف فى مصالحهم ويعطى لقضاة المسلمين وعمالهم وعلمائهم وان كانوا اغنياء وكذا للمقاتلة سواء كانوا غنيا او فقيرا- وكان ابو بكر رض يقسم المال بين الناس على السوية وكان عمر رض يفضل فى القسمة بفضلهم قال ابو يوسف فى كتاب الخراج حدثنى ابن ابى نجيح قال قدم على ابى بكر الصديق رض مال فقال من كان له عند النبي - ﷺ - عدة فليات فجاء جابر بن عبد الله فقال قال لى رسول الله
- ﷺ - لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا يشير بكفيه فقال له ابو بكر خذ فاخذ بكفيه ثم عده فوجده خمسمائة فقال خذ إليها الفا فاخذ الفا ثم اعطى كل انسان كان رسول الله - ﷺ - وعده شيئا وبقي بقية من المال فقسمه بين الناس بالسوية على الصغير والكبير والحر والمملوك والأنثى فخرج على تسعة دراهم وثلث لكل انسان فلما كان العام المقبل جال اكثر من ذلك فقسمه بين الناس فاصاب كل انسان عشرون درهما فجاء ناس من المسلمين قالوا يا خليفة رسول الله انك قسمت هذا فسويت بين الناس وعن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم فلو فضلت اهل السوابق والقدم والفضل بفضلهم قال فقال اما ما ذكرتم من السوابق والقدم فما أعرفني بذلك وانما ذلك شىء ثواب على الله هذا معاش فالاسوة فيه خير من الاثرة فلما كان عمر بن الخطاب رض وجائته الفتوح فضل وقال لا اجعل من قاتل رسول الله - ﷺ - كمن قاتل معه ففرض اهل السوابق والقدم من المهاجرين والأنصار فمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ولمن كان له اسلام كاسلام بدر دون ذلك أنزلهم على قدر منازلهم من السوابق قال ابو يوسف وحدثنى ابو معشر قال حدثنى عمر مولى عفرة وغيره قال لما جائت عمر بن الخطاب
246
الفتوح وجائته الأموال قال ان أبا بكر رض راى فى هذا المال رايا ولى فيه راى اخر لا اجعل من قاتل رسول الله - ﷺ - كمن قاتل معه ففرض للمهاجرين والأنصار فمن شهد بدرا اربعة آلاف اربعة آلاف وفرض لازواج النبي - ﷺ - اثنى عشر الفا إلا صفية وجويرية فانه فرض لهما ستة آلاف ستة آلاف فابيا ان يقبلا فقال لهما انما فرضت لهن للهجرة فقالتا لا انما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله - ﷺ - وكان لنا مثله فعرف ذلك عمر ففرض لهما اثنى عشر الفا اثنى عشر الفا وفرض للعباس عم رسول الله - ﷺ - اثنى عشر الفا وفرض لاسنامة بن زيد اربعة آلاف وفرض لعبد الله بن عمر ثلثة آلاف فقال يا أبت لم زدته على الفا ما كان لابيه من الفضل ما لم يكن لابى وما كان له مالم يكن لى فقال ان أبا اسامة كان أحب الى رسول الله - ﷺ - من أبيك وكان اسامة أحب الى رسول الله - ﷺ - منك وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف اطفهما بابيهما لمكانهما من رسول الله - ﷺ - وفرض لابناء المهاجرين والأنصار الفين الفين فمر به عمرو بن ابى سلمة فقال زيدوه الفا فقال له محمد بن عبد الرحمن بن جحش ما كان لابيه ابى سلمة ما لم يكن لا بائنا وما كان له مالم يكن لنا فقال عمرانى فرضت له بابيه ابى سلمة الفين وزدته بامه أم سلمة الفا فان كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك الفا وفرض لاهل والناس ثمانمائة فجائه طلحة بن عبيد الله بأخيه ففرض له ثمانمائة فمر به النضر بن انس فقال عمر افرضوا له الفين فقال ان أبا هذا يفنى يوم أحد فقال ما فعل رسول الله - ﷺ - فقلت ما أراه الا قد قتل فسل سيفه وكسر غمده وقال ان كان رسول الله - ﷺ - قد قتل فان الله حى لا يموت فقاتل حتى قتل وهذا يرعى الشاء فى مكان كذا كذا فعمل عمر بهذا خلافته قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن اسحق عن ابى جعفر ان عمر لما أراد ان يفرض للناس وكان رايه اخر من رايهم قالوا له ابدا بنفسك فقال لا فبدأ بالاقرب فالاقرب من رسول الله - ﷺ - ففرض للعباس ثم لعلى حتى والى بين خمس... حتى انتهى الى عدى بن كعب قال حدثنا المخالد ابن سعيد عن الشعبي عمن شهد عمر بن الخطاب قال لما فتح الله عليه الفارس والروم جمع ناسا من اصحاب النبي - ﷺ - فقال ما ترون فانى ارى ان اجعل عطاء الناس فى كل سنة واجمع المال فانه أعظم للبركة قالوا أضع ما رايت فانك إنشاء الله موفق ففرض الاعطيات فقال بمن ابدأ فقال عبد بن عوف ابدأ بنفسك فقال لا والله ولكن ابدأ ببني هاشم رهط النبي - ﷺ - فكتب من شهد بدرا من بنى هاشم من مولى او عربى لكل رجل منهم خمسة آلاف وللعباس بن عبد المطلب اثنى عشر الفا ثم فرض لمن شهد بدرا من بنى امية بن عبد الشمس ثم الأقرب فالاقرب الى
بنى هاشم ففرض للبدريين أجمعين عربيهم ومولاهم خمسة آلاف
247
وللانصار اربعة آلاف اربعة آلاف وكان أول انصارى فرض له محمد بن مسلمة ولازواج النبي - ﷺ - عشرة آلاف ولعائشة اثنى عشر الفا ولمهاجرة حبشة اربعة آلاف اربعة آلاف ولعمر بن ابى سلمة لمكان أم سلمة اربعة آلاف فقال محمد بن عبد الله بن حجش لم تفضل علينا فذكر نحو ما ذكر فى الحديث السابق وللحسن والحسين خمسة آلاف لمكانهما من رسول الله - ﷺ - ثم فرض للناس ثلاثمائة واربعمائة للعربى والمولى وفرض لنساء المهاجرين والأنصار ستماية واربعمائة وثلاثمائة ومائتين وفرض لا ناس من المهاجرين الفين الفين وفرض للبرقيل حين اسلم الفين وقال له دع ارضى فى يدى اعمرها وأؤدي عنها الخراج ما كانت تودى فض قال ابو يوسف وحدثنى محمد بن عمرو بن علقمة عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابى هريرة فذكر حديثا وفيه فرض للمهاجرين خمسة خمسة آلاف وللانصار ثلثة ثلثة آلاف ولازواج النبي - ﷺ - اثنا عشر اثنا عشر الفا فلما اتى زينب بنت حجش مالها قالت يغفر الله امير المؤمنين لقد كان فى صواحباتى من هو أقوى على قسمة هذا منى فقيل ان هذا كله لك ناصرت به فصب وعطته بثوب ثم قالت لبعض من عندها ادخلى يدك لان فلان الفلان فلم تزل تعطى حتى قالت لها التي قلت تدخل يدها لا أراك تذكيرينى ولى عليك حق قالت لك ما تحت الثوب فكشفت فاذا ثمه خمسة وثمانون درهما ثم رفعت يدها فقالت اللهم لا يدركنى عطاء لعمر بن الخطاب بعد عامى هذا ابدا فكانت أول ازواج النبي - ﷺ - طوقابه زينب وذكر لنا انها أسخى ازواج النبي - ﷺ - وحمل عمر زيد بن ثابت عطاء الأنصار فبدأ باهل العوالي فبدأ بينى عبد الأشهل ثم الأوس لبعد منازلهم ثم الخزرج حتى كان هو اخر الناس وهم بنو مالك بنى نجاروهم حول المسجد وقال ابو يوسف وحدثنى شيخ من اهل المدينة عن اسمعيل بن السائب بن يزيد عن أبيه قال سمعت عمر ابن الخطاب رض يقول والله الذي لا اله الا هو ما أحد الا وله فى هذا المال حق أعطيه او منعته وما أحدا حق به من أحد الا عبد مملوك وما انا فيه الا كاحدكم ولكن على منازلهم لنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله - ﷺ - فالرجل وتلاده فى الإسلام والرجل وقدمه فى الإسلام والرجل وغناه فى الإسلام والرجل وحاجته فى الإسلام والله لئن بقيت لياتين الراعي لجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه قبل ان يحمر وجهه يعنى فى طلبه وكان ديوان حمير على حدة وكان يفرض لامير الجيوش والعرى فى العطاء ما بين تسعة آلاف وثمانية آلاف وسبعة آلاف على قدر ما يصلحهم من الطعام وما يقومون به من الأمور قال وكان يفرض للمنفوس إذا ترحته امه فاذا ترعرع بلغه به مائتين فاذا بلغ زاده قال ولما راى المال قد كثر قال لئن عشت
248
الى هذه الليلة من قابل لا لحقن اخرى الناس باولادهم حتى يكونوا فى العطاء سواء قال فتوفى قبل ذلك (مسئله) اختلف الائمة ان المال الذي يحصل بلا قتال كجزية وعشر تجارة وما جلوا عنه خوفا وما صولحوا عليه ومال مرتد قتل او مات ومال ذمى مات بلا وارث وزكوة بنى تغلب وما أهداه اهل الحرب الى الامام وكذا خراج الأرض هل يخمس أم لا فقال ابو حنيفة ومالك واحمد فى اظهر قوليه لا يخمس بل جميعه لمصالح لما صلح المسلمين كسد الثغور وبناء القناطير والجسور ويعطى قضاة المسلمين والمختسبين وعمالهم وعلماءهم منه ما يكفيهم ويدنو منه أرزاق المقاتلة وذراريهم كذا فى الهداية وفى التجنسن يعطى المعلمين والمتعلمين ويدخل فيه طلبة العلم ايضا وقال الشافعي فى القديم لا يخمس الا ما تركوه فزعا وهربوا وفى الجديد انه يخمس جميع ذلك ثم يجعل الخمس خمسة أسهم سهم منها لبنى هاشم وبنى المطلب يشرك فيه الغنى والفقير ويعطى للذكر مثل حظ الأنثيين وسهم لليتامى او هو صغير لا اب له ويشترط فقره على المشهور وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل ويعم الأصناف الاربعة المذكور وقيل يخص
بالحاصل فى كل ناحية من فيها منهم وسهم لمصالح المسلمين كسد الثغوز والقضاة والعلماء ويقدم الأهم واما الأخماس الاربعة فالاظهر انها للمرتزفة وهم أجناد المرصدون للجهاد فيضع الامام ديوانا فيعطى كل واحد منهم كفاية ويقدم فى الإعطاء قريشا ومنهم بنى هاشم والمطلب ثم عبد الشمس ثم نوفل ثم عبد العزى ثم ساير البطون الأقرب فالاقرب الى رسول الله - ﷺ - ثم الأنصار ثم ساير العرب ثم العجم ولا يثبت فى الديوان أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للقتال فان فضلت الأخماس الاربعة عن حاجات المرتزفة وزع عليهم على قدر مؤنتهم والأصلح انه يجوز ان يصرف بعضه فى إصلاح الثغور والكراع هذا حكم منقول الفيء واما عقارة فالمذهب ان يجعل وقفا ويقسم غلته كذلك كذا فى المنهاج ويؤيد مذهب الجمهور فى عدم التخميس ما ذكره محمد بن يوسف الصالحي فى سبيل الرشاد فى اموال بنى النضير انه قال عمر بن خطاب يا رسول الله الا تخمس ما أصبت فقال رسول الله - ﷺ - لا اجعل شيئا جعله الله تعالى دون المؤمنين بقوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من اهل القرى الاية كهيئته ما وقع فيه السهمان قال ابن همام ذكروا ان قول الشافعي فى تخميس الجزية مخالف للاجماع قال الكرخي ما قال به أحد قبله ولا بعده ولا فى عصره ووجه قوله القياس على الغنيمة قال ابن همام انه ﷺ أخذ الجزية من مجوس هجر ونصارى نجران وفرض الجزية على اهل اليمن ولم ينقل منه التخميس ولو كان لنقل وروى ابو داود بسند فيه ضعف ان عمر بن عبد العزيز كتب الى عماله ان ما حكم عمر بن الخطاب فراه المؤمنون عدلا موافقا لقول النبي - ﷺ - والله تعالى اعلم.
249
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يعنى عبد الله بن سلول وأصحابه يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ فى الكفر او الصداقة والموالات الَّذِينَ كَفَرُوا جهارا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهم اليهود من بنى النضير والقريظة وقد ذكرنا قصة عبد الله بن سلول انه أرسل الى بنى النضير رسولين وقال لا تخرجوا ان معى الفين يدخلون معكم حصنكم واخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال اسلم ناس من بنى قريظة وكان منهم منافقون نزلت فيهم هذه الاية وعلى هذا المراد بالاخوة فى النسب فكان المنافقون يقولون لبنى النضير لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ من دياركم من المدينة لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ اى فى قتالكم او خذلانكم أَحَداً يعنى رسول الله - ﷺ - والمؤمنين أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ يعنى ان قاتلكم الرسول - ﷺ - والمؤمنون لَنَنْصُرَنَّكُمْ عليهم وَاللَّهُ يَشْهَدُ حال من فاعل يقولون إِنَّهُمْ اى المنافقون لَكاذِبُونَ منصوب بتقدير القول يعنى والله يشهد ويقول انهم لكاذبون او هو متعلق بيشهد بتضمن القول ثم بين كذبهم بقوله.
لَئِنْ أُخْرِجُوا اى اليهود لا يَخْرُجُونَ اى المنافقون جواب للقسم لفظا وجزاء للشرط معنى وكذا قوله تعالى لا ينصرونهم مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ج وفيه معجزة حيث كان الأمر فى المستقبل كذلك فان بنى نضير اخرجوا ولم يخرج معهم عبد الله بن ابى بن سلول ولا منافقوا قريظة وقريظة قوتلوا وقتلوا لم ينصرهم منافقوا مدينة وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفرض والتقدير وقال الزجاج معناه لو قصدوا نصر اليهود لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ منهزمين ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ اى كفار اليهود ولا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصروهم وجاز ان يكون ضمير لا ينصرون راجعا الى المنافقين.
لَأَنْتُمْ ايها المسلمون أَشَدُّ رَهْبَةً اى مرهوبة فِي صُدُورِهِمْ اى المنافقين مِنَ اللَّهِ حيث يومنون باللسان دون القلب مخافة الناس دون الله تعالى العالم بما فى الصدور ذلِكَ الخوف منكم دون الله تعالى بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ اى لا يعرفون الله تعالى وعظمته وان الله تعالى هو النافع والضار وافعال العباد انما هى مخلوقة له تعالى فهو الحقيق بان يخشى دون غيره.
لا يُقاتِلُونَكُمْ اى الكفار والمنافقون جَمِيعاً اى مجتمعين على عزم واجتهاد ولا لقاء الله تعالى الرعب فى قلوبهم إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ بالاروب والخناديق يعنى لا يبرزون لقتالكم رهبة منكم أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ط قرأ ابن كثير وابو عمرو جدارا بكسر الجيم وفتح الدال والف بعدها على التوحيد وامال ابو عمر وفتح الدال والباقون بضم الجيم والدال على الجمع بَأْسُهُمْ يعنى صبرهم وشجاعتهم بَيْنَهُمْ يعنى فى مقابلة
الكفار بعضهم بعضا شَدِيدٌ يعنى ليس ذلك الرهبة منكم لضعفهم وجنبهم فانهم أشد بأسا ان حارب بعضهم بعضا بل لقذف الله الرعب فى قلوبهم معجزة لرسوله وإظهارا لدينه فان الشجاع يجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله تَحْسَبُهُمْ يا محمد جَمِيعاً مجتمعين متفقين على حربكم وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى اى متشتة بسبب إلقاء الرعب فان فى حالة شدة الخوف لا يتقرر قلبه على نهج مستقيم بل قد يريد الحرب نظرا الى مصالح دنيوية وقد يريد الفرار لاستيلاء الرعب والخوف ذلِكَ التشتت بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ج الحق من الباطل ولا يتدبرون ولا يفهمون ان هذا الرعب انما استولى عليهم لكفرهم ومحاربتهم بالنبي المحق - ﷺ -.
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى مثلهم اى بنى النضير كمثل الذين من قبلهم قَرِيباً يعنى اهل بدر من مشركى مكة كذا قال مجاهد وقال ابن عباس يعنى ببني قينقاع من اليهود هم قوم عبد الله بن سلام رض كانوا حلفاء عبد الله بن ابى بن سلول او عبادة بن الصامت وغيرهما من قومهما وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ج يعنى سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله - ﷺ - فى الدنيا وذلك انه لما قدم النبي - ﷺ - مهاجرا وادعته اليهود كلها كتب بينه وبينهم كتابا والحق كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا وشرط عليهم شروطا منهما ان لا يظاهروا عليه عدوا فلما كانت يوم بدر كانت قينقاع أول يهود ونقضوا العهد وأظهروا البغي والحسد فبينماهم على ما هم عليه من اظهار العداوة ونبذ العهد قدمت امرأة من العرب يحلب لها فباعت بسوق بنى قينقاع وجلست الى صايغ بها لحلى فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل فعمد الصانع الى طرف ثوبها من ورائها فخله بشوكة وهى لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصانع فقتله وكان يهوديا وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ونبذوا العهد الى النبي - ﷺ - واستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود وغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع وانزل الله سبحانه وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء فقال ﷺ انما أخاف من بنى قينقاع فسار إليهم رسول الله - ﷺ - بهذه الاية وحمل لوائه حمزة بن عبد المطلب واستخلف على المدينة أبا لبابة فتحصنوا فحاصرهم أشد الحصار فقاموا على ذلك خمسة عشر ليلة حتى قذف الله فى قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله - ﷺ - على ان للرسول - ﷺ - أموالهم وان لهم النساء والذرية فكتفوا واستعمل على كنا فهم المنذرين قرامة السلمى ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله - ﷺ - وقالوا يا رسول الله انوى الله ورسوله وابرأ من حلف هؤلاء الكفار فقام الى رسول الله - ﷺ -
عبد الله بن ابى بن سلول حين امكنه الله منهم وقال يا محمد احسن فى موالى فاعرض عنه فادخل يده فى جيب درع رسول الله - ﷺ - من خلفه فقال له رسول الله - ﷺ - ويحك أرسلني وغضب رسول الله - ﷺ - حتى رأوا بوجهه ظللا قال ويحك أرسلني قال والله لا أرسلك حتى تحسن الى فى موالى اربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد صغرنى من الأحمر والأسود وتحصدهم فى الغداة واحدة انى والله امرأ أخشى الدوائر فقال رسول الله - ﷺ - خلوهم لعنهم الله ولعن من معهم وتركهم من القتل وأمرهم ان يجلوا من المدينة فخرجوا بعد ثلث وولى إخراجهم منها عبادة بن الصامت وقال محمد بن مسلمة فجلعوا بأذرعات وأخذ رسول الله - ﷺ - من سلاحهم ثلثة فسع ودر عين وثلثة رماح وثلثة اسياف ووجد فى منازلهم سلاحا كثيرا وفمعز الدولة الصناعة فاخذ رسول الله - ﷺ - صيغة والخمس وقسم اربعة أخماسه على اصحاب فكان أول خمس بعد بدر وكان هذه الواقعة يوم السبت لنصف من شوال سنه هـ على راس عشرين شهرا من مهاجرته - ﷺ - ونزل فى عبادة بن الصامت وعبد الله بن ابى بن سلول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ آيات من سورة المائدة الى قوله هم الغالبون الاية وقد ذكرنا فى المائدة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فى الاخرة يعنى لا ينقص عذابهم فى الاخرة بما أصابهم وبال أمرهم فى الدنيا.
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ اى مثل المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول وأشباهه فى اغترار اليهود على القتال كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ قال البغوي روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال كان راهب فى الفترة يقال له برصيصا يعبد فى صومعة له سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة وان إبليس اعياه فى امره الحيل فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال الا أجد أحدا يكفينى امر برصيصا فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء وهو الذي تصدى للنبى - ﷺ - وجاءه فى صورة جبرئيل ليوسوس على وجه الوحى فدفعه جبرئيل الى أقصى ارض الهند فقال الأبيض لابليس انا أكفيك فانطلق فتزين بزينة الرهبان وحلق وسط راسه واتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه وكان لا ينقتل من صلوته الا فى عشرة ايام ولا يفطر الا فى عشرة ايام مرة فلما راى الأبيض انه لا يجيبه اقبل على العبادة فى اصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع من صومعة فراى الأبيض قايما يصلى فى هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما راى ذلك من حاله ندم فى نفسه حين لم يجبه فقال له انك ناديتنى وكنت مشتغلا عنك فما حاجتك قال حاجتى انى أحببت ان أكون معك فاتاوب بك واقتبس من علمك
252
وعملك ونجتمع على العبادة فتدعو لى وادعو لك فقال برصيصا انى لفى شغل عنك فان كنت مؤمنا فان الله سيجعل لك فيما ادعو للمؤمنين نصيبا ان استجاب لى ثم اقبل على صلوته وترك الأبيض واقبل الأبيض يصلى فلم يلتفت اليه برصيصا أربعين يوما بعدها فلما انفتل راه قايما يصلى فلما راى برصيصا شدة اجتهاده قال ما حاجتك قال حاجتى ان تأذن لى فارتفع إليك فاذن له فارتفع اليه فى صومعته فاقام معه حولا يتعبد لا يفطر الا فى كل أربعين يوما ولا ينفتل عن صلوته الا فى كل أربعين يوما مرة وربما مد الى الثمانين فلما راى برصيصا اجتهاده تقاصرت اليه نفسه وأعجبه شان الأبيض فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا انى منطلق فان لى صاحبا غيرك ظننت انك أشد اجتهادا مما ارى وكان بلغنا عنك غير الذي رايت فدخل من ذلك على برصيصا امر شديد وكره مفارقته للذى راى منه شدة اجتهاده فلما ودعه قال له الأبيض ان عندى دعوات اعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه يشفى الله به السقيم ويعافى به المبتلى والمجنون قال برصيصا اكره هذه المنزلة لان لى فى نفسى شغلا انى أخاف ان علم به الناس شغلونى عن العبادة فلم يزل به الأبيض حتى علمه ثم انطلق حتى اتى إبليس فقال قد والله أهلكت الرجل قال فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاء فى صورة رجل متطيب فقال لاهله ان لصاحبكم جنونا أفا عالجه قالوا نعم فقال لهم انى لا أقوى على جنبته ولكن أرشدكم الى من يدعو الله فيعا فيه انطلقوا الى برصيصا قال عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعا به أجاب فانطلقوا اليه فسائوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنه الشيطان فكان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم الى برصيصا فيعافون وانطلق الأبيض الى جارية من بنات ملوك بنى إسرائيل بين ثلثة اخوة وكان أبوهم ملكهم فمات واستخلف أخاه فكان عمها ملك بنى إسرائيل فجاء الأبيض الى تلك الجارية فعذبها وخنقها ثم جاء إليهم فى صورة متطيب فقال لهم أتريدون ان أعالجها قالوا نعم قال ان الذي عرض لها مارد ولا يطلق ولكن سارشدكم الى رجل تثقون به تدعونها عنده إذا جاء شيطانها دعالها حتى تعلموا انها قد عوفيت وتردونها صحيحة قالوا ومن هو قال برصيصا الزاهد قالوا وكيف لنا ان يجيبنا الى هذا وهو أعظم شانا من هذا قال ابنوا صومعة الى جنب صومعة حتى تشرفوا عليه فان قبلها والا فضعوها فى صومعة ثم قولوا هى امانة عندك فاحتسب فيها قال انطلقوا اليه فسالوه فابى عليهم فبنوا صومعة على ما أمرهم به الأبيض فوضعوا الجارية فى صومعة فقالوا هذه أختنا هذه امانة فاحتسب فيها ثم انصرفوا فلما انفتل برصيصا من صلوته عاهن الجارية وما بها من جمال فوقعت فى قلبه ودخل عليه امر عظيم فجاءها شيطان فخنقها
253
فدعا برصيصا بتلك الدعوات فذهب الشيطان ثم اقبل على صلوته ثم جاءها فخنقها وكانت تكشف عن نفسها فجاءه الشيطان وقال واقعها فستتوب بعد ذلك والله تعالى غفار الذنوب والخطايا فتدرك ما تريد من الأمر فلم يزل
به حتى واقعها فلم يزل على ذلك يأتيها حتى حملت فظهر حملها فقال له الشيطان ويحك قد افتضحت يا برصيصا فهل لك ان تقتلها وتتوب فان سالوك فقل ذهب بها شيطانها فلم اقدر عليه فقتلها ثم انطلق بها فدفنها الى جانب الجبل فجاء الشيطان وهو يدفنها ليلا فاخذ بطرف إزارها فبقى طرفة خارجها من التراب ثم رجع برصيصا الى صومعة فاقبل على صلوته إذ جاءه إخوتها يتعاهدون أختهم وكانوا يجيئون فى فرط الأيام يسألون عنها ويصونه بها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال قد جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه فانصرفوا فلما أمسوا وهم مكروبون جاء الشيطان الى أكبرهم فى منامه فقال ويحك ان برصيصا قد فعل بأختك كذا وكذا وانه دفنها فى موضع كذا فقال الأخ فى نفسه هذا حلم وهو من عمل الشيطان فان برصيصا خير من ذلك قال فتتابغ عليه ثلث ليال مرات ليلا فلم يكترث فانطلق الى الأوسط بمثل ذلك فقال الأوسط مثل ما قال الأكبر فلم يخبربه أحدا فانطلق الى أصغرهم بمثل ذلك فقال أصغرهم لاخويه والله لقد رايت كذا وكذا وقال الأوسط وانا والله قد رايت مثله...
فانطلقوا الى برصيصا وقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال أليس قد أعلمتكم بحالها فكانكم اتهمتموني فقالوا والله ما نتهمك واستحيوا منه فانصرفوا فجائهم الشيطان وقال ويحكم انها لمدفونة فى موضع كذا وان طرف إزارها خارج من التراب فانطلقوا فرأوا أختهم على ما رأوا فى النوم فمشوا فى مواليهم وغلمانهم معهم الفئوس والمساجى فهدموا صومعة فانزلوه ثم كتفوه فانطلقوا به الى الملك فاقر على نفسه وذلك ان الشيطان أتاه فقال تقتلها ثم تكابر يجتمع عليك أمران قتل ومكابرة اعترف فلما اعترف امر الملك بقتله وصلبه على خشية فلما صلب أتاه الأبيض قال يا برصيصا أتعرفني قال لا قال انا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك ما اتقيت الله فى أمانتك خنت أهلها فانك زعمت انك اعبد بنى إسرائيل اما استحييت فلم يزل يعيره ثم قال فى اخر ذلك الم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وفضحت اشياهك من الناس فان مت على هذه الحالة فلم يفلح أحد من نظرايك قال فكيف اصنع قال تطيعنى فى خصلة واحدة حتى انجيك مما أنت فيه فاخذ باعينيهم واخرجك من مكانك قال وما هى قال تسجد لى قال افعل فسجد له فقال يا برصيصا هذا الذي أردت منك صار عاقبة أمرك الى ان كفرت
254
بربك انى برىء منك إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ انما قال ذلك رياء والا فالخشية من الله تعالى لم يخلق فى الشياطين وقيل المراد بالإنسان الجنس ويقول الشيطان اكفر اغراءه على الكفر إغراء الأمر المأمور وقوله انى برىء بقوله فى الاخرة مخافة ان يشاركه فى العذاب وينفعه ذلك نظيره قوله تعالى وقال الشيطان لما قضى الأمر إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ وقيل المراد بالإنسان ابو جهل قال له إبليس يوم بدر لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ يعنى من الهلاك فى الدنيا.
فَكانَ عاقِبَتَهُما اى الإنسان والشيطان أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ اى نفس كل أحدكم ما قَدَّمَتْ يعنى اى شىء قدمت من عمل صالح ينجيه او سىء يوبقه فينزع عنه ويستغفر منه لِغَدٍ ج اى ليوم القيامة سماه غدا لدنوه أو لأن الدنيا كيوم واحد والاخرة غد فى الحديث الدنيا يوم ولنا فيها صوم وَاتَّقُوا اللَّهَ ط تكرير للتاكيد او الاول لاداء الواجبات والثاني لترك المحارم لاقترانه لقوله إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وهو كالوعيد على المعاصي.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فلا يبالون بإتيان مناهيه وترك أوامره فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ اى حظوظ أنفسهم حتى لم يقدموا لها خيرا او أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ الكاملون فى الفسق.
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ اى الذين استمهنوا أنفسهم فاستحقوا النار والذين استكملوا أنفسهم فاستحقوا الجنة استدل الشافعية بهذه الاية ان المسلم لا يقتل بالكافر قصاصا وليس شىء فان المراد عدم مساواتهم فى الاخرة حيث قال الله تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ بالنعيم المقيم.
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ط قيل هذا تمثيل وتخييل يعنى لو جعل فى الجبل تميزا وانزل عليه القران تخشع وتشقق وتصدع من خشية الله مع صلابته ورزانته حذرا من ان لا يؤدى حق الله عز وجل فى تعظيم القران والكافر يعرفن عما فيه من العبر كان لم يسمعها وجاز ان يقال ان الجمادات ان كانت فى الظاهر عديمات الشعور لكنها بالنسبة الى خالقها ذات شعور وخشية قال الله تعالى وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وقال النبي - ﷺ - الجبل
ينادى الجبل اى فلان جبل هل مربك أحد يذكر الله فاذا قال نعم استبشر الحديث وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فى الاية توبيخ على عدم تفكر الإنسان وتدبره وعدم تخشعه عند تلاوة القران لقساوة قلبه.
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ج قد بسطنا الكلام فى تفسير الغيب والشهادة فى سورة الجن فى تفسير قوله تعالى لا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الظاهر من كل عيب البليغ فى النزاهة عما لا يليق به السَّلامُ ذو السلامة من كل نقص وافة مصدر وصف به للمبالغة الْمُؤْمِنُ قال ابن عباس الذي أمن الناس من ظلم وأمن من أمن به من عذاب فهو من الامان ضد التخويف وقيل معناه المصدق لرسله بإظهار المعجزات الْمُهَيْمِنُ الشهيد على عباده بأعمالهم يقال همن يهمن إذا كان رقيبا على الشيء كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدى ومقاتل كذا قال فى القاموس حيث قال همن على كذا إذا صار رقيبا عليه حافظا وكذا قال الخليل وقيل أصله ما من من الا من قلبت همزة الثانية ياء او الاولى هاء ومعناه المؤمن كذا قال ابن زيد ان معناه المصدق وقال سعيد بن المسيب والضحاك وابن كيسان هو اسم من اسماء الله تعالى فى الكتب السماوية الله تعالى اعلم بتأويله الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ قال ابن عباس هو العظيم وجبروت الله عظيمه فهو صفة ذات وقيل هو من الجبر بمعنى الإصلاح يقال جبرت الأمر وجبرت العظم إذا أصلحته بعد الكسر فهو يغنى الفقير ويصلح الكسر فى الحديث جابر العظم الكسير وقال السدى ومقاتل هو الذي يقهر الناس ويجبر على ما أراد سئل بعضهم عن معنى الجبار قال هو القهار الذي إذا أراد امرا فعل لا يقدر أحد على ان يحجره الْمُتَكَبِّرُ ط التفعل للمبالغة والكبر والكبرياء الامتناع فهو الممتنع عن كل ما يوجب حاجة او نقصانا وقيل المتكبر المتعظم وقيل ذو الكبرياء وهو الملك سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ إذ لا يشاركه أحد فى شىء من ذلك.
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ المقدر للاشياء كما قال يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق وفى القاموس المبدء الشيء المخترع على غير مثال سبق الْبارِئُ الموجد للاشياء بريا من التفاوت فى القاموس
256
برأ الله الحق كجعل برءا وبروءا خلقهم الْمُصَوِّرُ قال البغوي المماثل للمخلوق بالعلامات التي يتميز بها بعضها عن بعض يقال هذه صورة الأمر اى مثاله فاولا يكون خلقا ثم برأ ثم تصوير او فى الصحاح ما يتنقش به الأعيان ويتميز بها عن غيرها وذلك ضربان أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الإنسان والفرس والجماد بالمعاينة قلت ومنه وما امتاز به زيد من عمرو الثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص بها الإنسان من الفعل والمعاني التي خص بها شىء دون شىء والى الصورتين أشار الله تعالى بقوله خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ وقال صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وقال فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ وقال هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ وقال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى خلق آدم على صورته فالصورة أراد بها ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة وبها فضله على كثير من الخلق واضافة الى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه تعالى عن ذلك وذلك على سبيل التشريف كقوله بيت الله وناقة الله قلت ويمكن ان يراد به خلقه تعالى على صفاته من العلم والقدرة والارادة ونحو ذلك التي بها لبس خلعة الخلافة وامتاز به عما عداه واحتمل ثقل الامانة وجاز ان يكون ضمير صورته راجعا الى آدم يعنى خلقه على صورة لم يعط أحدا غيره والله تعالى اعلم لَهُ تعالى الْأَسْماءُ الْحُسْنى ط الدالة على محاسن الصفات والمعاني يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لتنزهه عن النقائص كلها وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ع الجامع للكمالات كلها فانها راجعة الى الكمالات فى القدرة والعلم عن المعقل بن يسار ان رسول الله - ﷺ - قال من قال حين يصبح ثلث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقرأ ثلث آيات من اخر سورة الحشر وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه حتى يمسى فان مات فى ذلك اليوم مات شهيدا ومن قال حين يمسى كان بتلك المنزلة رواه الترمذي وقال حديث غريب وعن ابى امامة قال قال رسول الله - ﷺ - من قرأ خواتيم الحشر من ليلة او نهار فقبض فى ذلك اليوم او ليلة فقد أوجب الجنة رواه ابن عدى والبيهقي وسنده ضعيف.
257
سورة الممتحنة
مكّيّة وهى ثلث عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكر البغوي وغيره ان سارة مولاة ابى عمرو بن صفى بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة من مكة ورسول الله - ﷺ - يتجهز لفتح مكة فقال لها رسول الله - ﷺ - أمسلمة جئت قالت لا قال أمهاجرة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت كنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالى فاحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى وتكسونى وتحملوني فقال اين أنت من شبان مكة وكانت مغنية نايحة قالت ما طلب منى شىء بعد وقعة بدر فحث رسول الله - ﷺ - بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوها وحملوها فاتاها حاطب بن ابى بلتعة حليف بنى اسد بن عبد العزى فكتب معها الى اهل مكة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى اهل مكة وكتب فى الكتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى اهل مكة ان رسول الله - ﷺ - يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبرئيل فاخبر النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله - ﷺ - عليا وعمارا والزبير وطلحة ومقداد بن الأسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن ابى بلتعة الى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها وان لم تدفع إليكم فاضربوا عنقها قال فخرجوا حتى أدركوها فى ذلك المكان الذي قال رسول الله - ﷺ - فقالوا لها اين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال على والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله وسل سيفه وقال اخرجى الكتاب والا لاجزدنك؟؟؟ ولاضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجته من ذوابتها قد خباها فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله - ﷺ - فارسل رسول الله - ﷺ - الى حاطب فاتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت قال والله ما كفرت منذ أسلمت ولاغششتك منذ نصحتك ولا احببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فاردت ان اتخذ عندهم يدا وقد علمت ان الله ينزل بهم بأسه وان كتابى لا يغنى عنهم من الله شيئا فصدقه رسول الله - ﷺ - وعذره فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله - ﷺ - وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على اهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفى الصحيحين
258
Icon