تفسير سورة الضحى

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الضحى
مكية وهي إحدى عشر آية
أخرج الشيخان في الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال : اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما أرى لشيطانك إلا قد تركك فأنزل الله تعالى :﴿ والضحى ١ والليل إذا سجى ٢ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ وقال البغوي قال يعني جندب أن امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب، وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحي فقالت أم جميل امرأة أبي لهب ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك فأنزل الله تعالى والضحى الآيات، وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال : أبطأ جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا، وأخرج ابن شيبة والطبراني بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن أمه عن أمها وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروًا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال : يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ جبرائيل لا يأتيني فقلت في نفسي لو نقيت البيت وكنسته فأهويت بالكناسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعد فأنزل الله والضحى إلى قوله ترضى، قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرائيل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود كما في الصحيح، قال البغوي في مدة احتباس الوحي عنه اختلاف فقال ابن جريج اثني عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون إن محمد أو دعه ربه وقلاه، فأنزل الله تعالى هذه السورة كذا أخرج ابن مردويه عن ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبرائيل ما جئت اشتقت إليك، فقال جبرائيل إني كنت أشد شوقا إليك ولكني عبد مأمور بما أنزل الله وما نتنزل إلا بأمر ربك

قوله تعالى :﴿ والضحى ﴾ قيل : أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى :﴿ أن يأتيهم بأسنا ضحًى ﴾١ يعني نهارا وقال قتادة ومقاتل يعني وقت الضحى وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل : خص ذلك الوقت لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام وألقي فيها السحرة سجدا وهي الساعة يعدل فيها النهار في الحر والبرد في الصيف والشتاء
١ سورة الأعراف، الآية: ٩٨..
والليل إذا سجى الظرف إما متعلق بفعل القسم أو بمضاف مقدر على الليل أي وحصول الليل إذا سجى أو صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به، قال الحسن أقبل بظلام وهي رواية العوفي عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شيء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك أو المراد سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل في السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى ههنا الشرف
وجواب القسم قوله تعالى :﴿ ما ودَّعك ﴾ أي ما تركك وقطع عنك قطع مودع ﴿ ربك وما قلى ﴾ وما أبغضك حذف الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار أو رعاية للفواصل
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وآتيت فلانا كذا قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب )١ وزاد في بعض الروايات ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أي رب، زعم أكثر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن قومه إنما كذبوه بفقره فسأل ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه، وهذا ليس بشيء بوجوه : أحدهما أن رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يسأل ربه الدنيا :
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾

أخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني فأنزل الله تعالى :﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ٤ ﴾ يجوز أن يكون هذه الآية متصلا بما سبق ووجه اتصاله أن قوله تعالى :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ يتضمن أن الله مواصلك بالوحي إليك وإنك حبيب الله ولا يكون كرامته أعظم ذلك فأخبره بأن حاله في الدار الآخرة خير له وأعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة من الفضائل في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ تلك الرسل فضَّلنا بعضهم على بعض ﴾١ الآية، وروى البغوي بسنده من طريق ابن شيبة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ) أو المعنى وللآخرة أي الحالة الآخرة خير لك من الأولى ونهاية أمرك خير من بداية يعني لا تزال تتصاعد في الرفعة والكمال، قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وآتيت فلانا كذا قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب )١ وزاد في بعض الروايات ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أي رب، زعم أكثر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن قومه إنما كذبوه بفقره فسأل ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه، وهذا ليس بشيء بوجوه : أحدهما أن رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يسأل ربه الدنيا :
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾


١ سورة البقرة، الآية: ٢٥٣..
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال : عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل الله تعالى :﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ٥ ﴾ حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول أي يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك في الأرضين في الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه إلا الله تعالى في الآخرة وأفضل العطيات رؤية الله سبحانه على حسب كمال النبي صلى الله عليه وسلم وأعلى درجات القرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذن لا أرضى من واحد من أمتي في النار ) وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أشفع لأمتي حتى ينادي ربي أرضيت يا محمد ؟ فأقول : أي رب رضيت )١ وقال عطاء عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة في أمتك حتى ترضى وهو قول علي والحسن عليهما السلام وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله : يا جبرائيل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك به )٢ رواه مسلم، وروى حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن :﴿ يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ٥ ﴾ واللام قيل : للابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدأ والتقدير ولأنت سوف يعطيك لا للقسم فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن اللام لام القسم لا لام للابتداء، وقد علم أنها ليس لابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وآتيت فلانا كذا قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب )١ وزاد في بعض الروايات ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أي رب، زعم أكثر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن قومه إنما كذبوه بفقره فسأل ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه، وهذا ليس بشيء بوجوه : أحدهما أن رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يسأل ربه الدنيا :
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾


١ رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أحمد بن زيد المداري ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. انظر: مجمع الزوائد في كتاب: البعث، باب: في الشفاعة (١٨٥١٦)..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم (٢٠٢)..
ثم عد الله سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل الله على ما سلف منه فقال :﴿ ألم يجدك يتيما ﴾ إن كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وإن كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للإنكار وإنكار النفي إثبات والغرض منه التقرير أي إقرار المخاطب به والمعنى وجدك يتيما يعني صغيرا فقرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا مأوى وفي هذه الجملة تأكيد لقوله ما ودَّعك ﴿ فآوى ﴾ يعني دلك إلى عمك أبي طالب وضمك إليه حتى كفلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وآتيت فلانا كذا قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى أي رب قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب )١ وزاد في بعض الروايات ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى أي رب، زعم أكثر الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن قومه إنما كذبوه بفقره فسأل ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه، وهذا ليس بشيء بوجوه : أحدهما أن رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يسأل ربه الدنيا :
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾

﴿ ووجدك ﴾ عطف على معنى ألم يجدك يتيما فإن معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ﴿ ضالا ﴾ عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عن كل ما لا طريق إلى دركه إلا السمع ونظيره قوله تعالى :﴿ وإن كنت من قبله لمن الغافلين ﴾١ وقوله :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾٢ كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل : ووجدك ضالا في شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد إلى جدك عبد المطلب كذا روى أبو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب بذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرائيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى ورده إلى القافلة، وقيل : وجدك ضالا نفسك لا تدري من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك محبا عاشقا مفرطا في الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغالط الطريق غالبا وفي الحديث ( حبك الشيء يعمي ويصم ) فهي تسمية السبب باسم المسبب كما في قوله تعالى :﴿ أنزل الله من السماء من رِّزق ﴾٣ يعني من مطر قال الله تعالى عن إخوة يوسف ﴿ إنَّ أبانا لفي ضلال مبين ﴾٤ ﴿ إنك لفي ضلالك القديم ﴾٥ ﴿ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين ﴾٦ ﴿ فهدى ﴾ أي فهداك إلى معالم الدين أو إلى جدك عبد المطلب أو إلى القافلة أو عرفك نفسه وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه أو هداك إلى وصل محبوبك حتى كنت قاب قوسين أو أدنى
١ سورة يوسف، الآية: ٣..
٢ سورة الشورى، الآية: ٥٢..
٣ سورة الجاثية، الآية: ٥..
٤ سورة يوسف، الآية: ٨..
٥ سورة يوسف، الآية: ٩٥..
٦ سورة يوسف، الآية: ٣٠..
﴿ ووجدك عائلا ﴾ فقيرا ﴿ فأغنى ﴾ أي أعطاك بمال خديجة أو بما حصل لك ربح في التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير دفع الحاجة وإن كان بالقليل لا بمالكية النصاب، وقال مقاتل يعني أغنى قلبك فأرخاك بما أعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال ( ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى غنى النفس )١ متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قد أفلح من أسلم ورزق كفافا فقنعه الله بما آتاه )٢ رواه مسلم
١ أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: الغنى غنى النفس (٦٤٤٦)، وأخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض (١٠٥١)..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: في الكفاف والقناعة (١٠٥٤)..
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ٩ ﴾ هذه الجملة وما بعدها إلى آخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله ألم يجدك إلى آخره ألم نشرح لك أو هي تذييل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للإرشاد غالبا، وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فصّل ما أجمل ذكره بأما، وأورد بالفاء للسببية في فأما اليتيم فلا تقهر لأن كونه صلى الله عليه وسلم يتيما.
وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لأمته وإن كان خطاب إليه بشرفه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بين فيه يتيم يساء إليه ) قال صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا يشير بأصبعيه )١ رواه البغوي، وكذا روى البخاري في الأدب وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية
١ أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: فضل من يعول يتيما (٦٠٠٥)..
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ٩ ﴾ هذه الجملة وما بعدها إلى آخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله ألم يجدك إلى آخره ألم نشرح لك أو هي تذييل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للإرشاد غالبا، وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فصّل ما أجمل ذكره بأما، وأورد بالفاء للسببية في فأما اليتيم فلا تقهر لأن كونه صلى الله عليه وسلم يتيما.
﴿ وأما السائل فلا تنهر ١٠ ﴾ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا برفق، وروي عن الحسن في قوله :﴿ وأما السائل فلا تنهر ١٠ ﴾ قال : طالب العلم إذا سأل عن مسألة فلا تنهره، وعن ابن مسعود : من كتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله :﴿ ووجدك ضالاّ فهدى ٧ ﴾ ويكون النشر على ترتيب اللف وأما على التأويل الأول فيتصل بقوله ووجدك عائلا
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ٩ ﴾ هذه الجملة وما بعدها إلى آخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله ألم يجدك إلى آخره ألم نشرح لك أو هي تذييل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للإرشاد غالبا، وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فصّل ما أجمل ذكره بأما، وأورد بالفاء للسببية في فأما اليتيم فلا تقهر لأن كونه صلى الله عليه وسلم يتيما.
﴿ وأما بنعمة ربك فحدِّث ١١ ﴾ يعني أشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا ﴾ فأغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر )١ رواه أحمد وابن ماجه والدارمي بإسناد صحيح، ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وعن أشعث بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس ) وفي رواية ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) رواه أحمد ورواته ثقات، وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من صنع إليه معروف فليجز به فإن لم يجد ما يجز فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكر وإن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور ) رواه البغوي، وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله ) رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضي شكر المشايخ والأساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين، قال المجاهد المراد بالنعمة في الآية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك، وقال الليث عن مجاهد يعني القرآن وهو قول الكلبي أمره أن يقرأه فعلى هذا هذه الآية متصلة بقوله ﴿ ووجدك ضالا فهدى ﴾ قال مقاتل : اشكر ما ذكر في هذه الآية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث بنعمة الله شكر وهذا أظهر فإن النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت أو دنيوية واجب فعلى هذا هذه الآية متصلة بالجمل الثلاث المذكورات وقد درك ما في هذه الآية من اختلاف القراءة في الإمالة والفتح في آخر سورة الليل.
مسألة : يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة في رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص في سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد.
مسألة : تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم :( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )٢ ونحو ذلك وقد ذكرنا في سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محي الدين عبد القادر رضي الله عنه وكلولي له قدم وإني على قدم النبي بدر الكمال : وقوله قدمي هذه على رقبة كل ولي لله ومنه ما ذكر المجدد مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة وأولي العزم أيضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا في طينة النبي صلى الله عليه وسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال في مثل هذه المقال فكأنه أنكر هذه الآية الكريمة من الله ذي الجلال غير أنه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الإجتراء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى في ورطة ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾٣.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الصيام، باب: فيمن قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر (١٧٦٤)..
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب (٣٦٢٤)..
٣ سورة الأعراف، الآية: ١٢..
Icon