تفسير سورة سورة الرعد من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس
المعروف بـتفسير ابن عباس
.
لمؤلفه
الفيروزآبادي
.
المتوفي سنة 817 هـ
ﰡ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿المر﴾ أَنا الله أعلم وَأرى مَا تَعْمَلُونَ وتقولون وَيُقَال قسم أقسم بِهِ ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكتاب﴾ إِن هَذِه السُّورَة آيَات لقرآن ﴿وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحق﴾ يَقُول الْقُرْآن هُوَ الْحق من رَبك ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لَا يُؤمنُونَ﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
﴿الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَات﴾ خلق السَّمَوَات ورفعها على الأَرْض ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ يَقُول ترونها بِغَيْر عمد وَيُقَال بعمد لَا ترونها ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ كَانَ الله على الْعَرْش قبل أَن رفع السَّمَوَات وَيُقَال اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ بِهِ وَيُقَال اسْتَوَى عِنْده الْقَرِيب والبعيد على معنى الْعلم وَالْقُدْرَة ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر﴾ ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إِلَى وَقت مَعْلُوم ﴿يُدَبِّرُ الْأَمر﴾ ينظر فِي أَمر الْعباد وَيبْعَث الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة ﴿يُفَصِّلُ الْآيَات﴾ يبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْض﴾ بسط الأَرْض على المَاء ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ خلق فِي الأَرْض الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا ﴿وَأَنْهَاراً﴾ أجْرى فِيهَا أَنهَارًا ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان كل الثمرات ﴿جَعَلَ فِيهَا﴾ خلق فِيهَا ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ الحامض والحلو زوج والأبيض والأحمر زوج ﴿يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار﴾ يُغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ يَقُول يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي اخْتِلَاف مَا ذكرت ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ لكَي يتفكروا فِيهِ
﴿وَفِي الأَرْض قِطَعٌ﴾ أمكنة ﴿مُّتَجَاوِرَاتٌ﴾ ملتزقات أَرض سبخَة رَدِيئَة وبجنبها أَرض طيبَة عذبة جَيِّدَة ﴿وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ من كروم ﴿وزروع﴾ حرث ﴿وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ﴾ مُجْتَمع أُصُولهَا فِي أصل وَاحِد عشرَة أَو أقل أَو أَكثر ﴿وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ مفترق أُصُولهَا وَاحِدَة وَاحِدَة ﴿يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ﴾ بِمَاء الْمَطَر أَو بِمَاء النَّهر ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الْأكل﴾ فِي الْحمل والطعم ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي اختلافها وألوانها ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يصدقون أَنَّهَا من الله
﴿وَإِن تَعْجَبْ﴾ من تكذيبهم إياك ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ فَقَوْلهم أعجب حَيْثُ قَالُوا ﴿أئذا كُنَّا﴾ صرنا ﴿تُرَابا﴾ رميما ﴿أئنا لفي خلق جَدِيد﴾ يجدد بعد الْمَوْت وفنا الرّوح ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل إِنْكَار الْبَعْث ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ هم الَّذين كفرُوا ﴿بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ﴾ أهل الْكفْر ﴿الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ والسلاسل فِي أَيْمَانهم مشدودة إِلَى أَعْنَاقهم ﴿وَأُولَئِكَ﴾ أهل الأغلال والسلاسل ﴿أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هم فِيهَا خَالدُونَ﴾ مقيمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا أبدا
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِالسَّيِّئَةِ﴾ بِالْعَذَابِ استهزاء ﴿قَبْلَ الْحَسَنَة﴾ قبل الْعَافِيَة لَا يَسْأَلُونَك الْعَافِيَة ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ مَضَت ﴿مِن قَبْلِهِمُ المثلات﴾ الْعُقُوبَات فِيمَن هلك ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ تجَاوز ﴿لِّلنَّاسِ﴾ لأهل مَكَّة ﴿على ظُلْمِهِمْ﴾ على شركهم إِن تَابُوا وآمنوا ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعقَاب﴾ لمن مَاتَ على الشّرك
﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ﴾ هلا أنزل عَلَيْهِ ﴿آيَةٌ﴾ عَلامَة ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ لنبوته كَمَا أنزل على رسله الْأَوَّلين ﴿إِنَّمَآ أَنتَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مُنذِرٌ﴾ رَسُول مخوف ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ نَبِي وَيُقَال دَاع يَدعُوهُم من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
﴿الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ كل حَامِل ذكر هُوَ أَو أُنْثَى ﴿وَمَا تَغِيضُ﴾ وَمَا تنقص ﴿الْأَرْحَام﴾ فِي الْحمل من التِّسْعَة ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾ على التِّسْعَة فِي الْحمل ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ﴾ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَخُرُوج الْوَلَد والمكث ﴿عِنْده بِمِقْدَار﴾
﴿عَالم الْغَيْب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد ﴿وَالشَّهَادَة﴾ مَا علمه الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا يكون وَالشَّهَادَة مَا كَانَ وَيُقَال الْغَيْب هُوَ الْوَلَد فِي الْأَرْحَام وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي خرج من الْأَرْحَام ﴿الْكَبِير﴾ لَيْسَ شَيْء أكبر مِنْهُ ﴿المتعال﴾ لَيْسَ شَيْء أَعلَى مِنْهُ
﴿سَوَآءٌ مِّنْكُمْ﴾ عِنْد الله بِالْعلمِ ﴿مَّنْ أَسَرَّ القَوْل﴾ وَالْفِعْل ﴿وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ من أعلن بالْقَوْل وَالْفِعْل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ مستتر ﴿وَسَارِبٌ﴾ ظَاهر ﴿بِالنَّهَارِ﴾ بقول أَو عمل يعلم الله ذَلِك مِنْهُ
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ أَيْضا مَلَائِكَة يعقب بَعضهم بَعْضًا يعقب مَلَائِكَة اللَّيْل مَلَائِكَة النَّهَار وملائكة النَّهَار مَلَائِكَة اللَّيْل ﴿مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ﴾ مقدم ومؤخر ﴿مِنْ أَمْرِ الله﴾ بِأَمْر الله ويدفعونه إِلَى الْمَقَادِير ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ من أَمن ونعمة ﴿حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بترك الشُّكْر ﴿وَإِذَا أَرَادَ الله بِقوم سوءا﴾ عذَابا وهلاكاً ﴿فَلاَ مَرَدَّ لَهُ﴾ لقَضَاء الله فيهم ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ لمن أَرَادَ الله هلاكهم ﴿مِّن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿مِن وَالٍ﴾ من مَانع من عَذَاب الله وَيُقَال من ملْجأ يلجئون إِلَيْهِ
﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْق﴾ الْمَطَر ﴿خَوْفاً﴾ للْمُسَافِر بالمطر أَن تبتل ثِيَابه ﴿وَطَمَعاً﴾ للمقيم أَن يسْقِي حرثه ﴿وَيُنْشِئُ﴾ يخلق وَيرْفَع ﴿السَّحَاب الثقال﴾ بالمطر
﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْد بِحَمْدِهِ﴾ بأَمْره وَهُوَ ملك وَيُقَال صَوت السَّمَاء ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ وتسبح الْمَلَائِكَة ﴿مِنْ خِيفَتِهِ﴾ وهم خائفون من الله ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِق﴾ يَعْنِي النَّار ﴿فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ﴾ فَيهْلك بالنَّار من يَشَاء يَعْنِي زيد بن قيس أهلكه الله بالنَّار وَأهْلك صَاحبه عَامر ابْن الطُّفَيْل بطعنة فِي خاصرته ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ﴾ يُخَاصِمُونَ ﴿فِي الله﴾ فِي دين الله مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمحَال﴾ شَدِيد الْعقَاب
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحق﴾ دين الْحق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي كلمة الْإِخْلَاص ﴿وَالَّذين يَدْعُونَ﴾ يعْبدُونَ ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾ ينفع إِن دعوهم ﴿إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ﴾ إِلَّا كماد يَدَيْهِ ﴿إِلَى المآء﴾ من بعد ﴿لِيَبْلُغَ فَاهُ﴾ لكَي يبلغ المَاء إِلَى فِيهِ ﴿وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ بِتِلْكَ الْحَال المَاء إِلَى فِيهِ أبدا يَقُول كَمَا لَا يبلغ المَاء فَاه هَذَا الرجل كَذَلِك لَا تَنْفَع الْأَصْنَام من عَبدهَا ﴿وَمَا دُعَآءُ الْكَافرين﴾ عبَادَة الْكَافرين ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ فِي بَاطِل يضل عَنْهُم
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ﴾ يُصَلِّي ويعبد ﴿مَن فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْمُؤمنِينَ ﴿طَوْعاً﴾ أهل السَّمَاء لِأَن عِبَادَتهم بِغَيْر مشقة ﴿وَكَرْهاً﴾ أهل الأَرْض لِأَن عِبَادَتهم بالمشقة وَيُقَال طَوْعًا لأهل الْإِخْلَاص وَكرها لأهل النِّفَاق وَيُقَال طَوْعًا لمن ولد فِي الْإِسْلَام وَكرها لمن أَدخل فِي الْإِسْلَام جبرا ﴿وَظِلالُهُم﴾ ظلال من يسْجد لله أَيْضا تسْجد ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة غدْوَة عَن أَيْمَانهم وَعَشِيَّة عَن شمائلهم
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة
﴿مَن رَّبُّ﴾ من خَالق
﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا
﴿قُلِ الله﴾ خالقهما
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد
﴿أفاتخذتم﴾ عَبدْتُمْ
﴿مِّن دُونِهِ﴾ من دون الله
﴿أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا من الْآلهَة
﴿لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا﴾
206
جر النَّفْع
﴿وَلَا ضرا﴾ دَافع الضّر
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد
﴿هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير﴾ الْكَافِر وَالْمُؤمن
﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَات والنور﴾ يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان
﴿أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ﴾ وصفوا لله
﴿شُرَكَآءَ﴾ من الْآلهَة
﴿خَلَقُواْ﴾ خلقا
﴿كَخَلْقِهِ﴾ كخلق الله
﴿فَتَشَابَهَ الْخلق﴾ فتشابه كل الْخلق
﴿عَلَيْهِمْ﴾ فَلَا يَدْرُونَ خلق الله من خلق آلِهَتهم
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد
﴿الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ بَائِن مِنْهُ لَا الْآلهَة لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
﴿وَهُوَ الْوَاحِد القهار﴾ الْغَالِب على خلقه
207
ثمَّ ضرب مثل الْحق وَالْبَاطِل فَقَالَ ﴿أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ يَقُول أنزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَبَين فِيهِ الْحق وَالْبَاطِل ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ فاحتملت الْقُلُوب المنورة الْحق بِقدر سعتها ونورها ﴿فَاحْتمل السَّيْل﴾ الْقُلُوب الْمظْلمَة ﴿زَبَداً رَّابِياً﴾ بَاطِلا كثيرا بهواها ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّار﴾ وَهَذَا مثل آخر يَقُول وَمِمَّا تطرحون فِي النَّار من الذَّهَب وَالْفِضَّة فِيهِ حَيْثُ مثل زبد الْبَحْر الْملح ﴿ابتغآء﴾ طلب ﴿حِلْيَةٍ﴾ تلبسونها يَقُول مثل الْحق مثل الذَّهَب وَالْفِضَّة ينْتَفع بهما كَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل مثل خبث الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا ينْتَفع بِهِ كَذَلِك لَا ينْتَفع بِالْبَاطِلِ صَاحبه ﴿أَوْ مَتَاعٍ﴾ أَو حَدِيد أَو نُحَاس ﴿زَبَدٌ مِّثْلُهُ﴾ يَقُول يكون لَهُ خبث مثله مثل زبد المَاء وَهَذَا مثل آخر يَقُول مثل الْحق كَمثل الْحَدِيد والنحاس ينْتَفع بهما فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ صَاحبه وَمثل الْبَاطِل كَمثل خبث الْحَدِيد والنحاس لَا ينْتَفع بِهِ كَمَا لَا ينْتَفع بخبث الْحَدِيد والنحاس ﴿كَذَلِك يَضْرِبُ الله﴾ يبين الله الْحق وَالْبَاطِل ﴿فَأَمَّا الزّبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً﴾ يَقُول يذهب كَمَا جَاءَ لَا ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْبَاطِل لَا ينْتَفع بِهِ ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاس﴾ وَهُوَ المَاء الصافي وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والنحاس ﴿فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض﴾ ينْتَفع بِهِ فَكَذَلِك الْحق ينْتَفع بِهِ ﴿كَذَلِك يَضْرِبُ الله الْأَمْثَال﴾ يبين الله أَمْثَال الْحق وَالْبَاطِل
﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ بِالتَّوْحِيدِ فِي الدُّنْيَا ﴿الْحسنى﴾ لَهُم الْجنَّة فِي الْآخِرَة ﴿وَالَّذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ﴾ لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض﴾ من الذَّهَب وَالْفِضَّة ﴿جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ ضعفه مَعَه ﴿لاَفْتَدَوْاْ بِهِ﴾ لفادوا بِهِ أنفسهم ﴿أُولَئِكَ لَهُم سوء الْحساب﴾ شدَّة الْعَذَاب ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ مصيرهم ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد﴾ الْفراش والمصير
﴿أَفَمَن يَعْلَمُ﴾ يصدق ﴿أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿الْحق﴾ هُوَ الْحق ﴿كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ كَافِر ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ يتعظ بِمَا أنزل إِلَيْك من الْقُرْآن ﴿أُوْلُواْ الْأَلْبَاب﴾ ذَوُو الْعُقُول من النَّاس
﴿الَّذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله﴾ يتمون فَرَائض الله ﴿وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاق﴾ لَا يتركون فَرَائض الله
﴿وَالَّذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من الْأَرْحَام وَيُقَال من الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ يعْملُونَ لرَبهم ﴿وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ شدَّة الْعَذَاب
﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على أَمر الله والمرازي ﴿ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ طلب رضَا رَبهم ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وأنفقوا من مَا رَزَقْنَاهُمْ﴾ تصدقوا مِمَّا أعطيناهم ﴿سِرّاً﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين الله ﴿وَعَلاَنِيَةً﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس ﴿ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة﴾ يدْفَعُونَ بالْكلَام الْحسن الْكَلَام السيء إِذا أورد عَلَيْهِم ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة من قَوْله إِنَّمَا يتَذَكَّر إِلَى هَهُنَا ﴿لَهُمْ عُقبى الدَّار﴾ يَعْنِي الْجنَّة
ثمَّ بَين أَي الجنات لَهُم فَقَالَ
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن وَهِي مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ
207
﴿يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ﴾ من وحد
﴿مِنْ آبَائِهِمْ﴾ يدْخلُونَهَا أَيْضا
﴿وَأَزْوَاجِهِمْ﴾ من وحد من أَزوَاجهم يدْخلُونَهَا أَيْضا
﴿وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ من وحد من ذرياتهم يدْخلُونَ أَيْضا جنَّات عدن
﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ يُقَال لكل وَاحِد مِنْهُم خيمة من در مجوفة لَهَا أَرْبَعَة آلَاف بَاب لكل بَاب مصراع يدْخل عَلَيْهِم من كل بَاب ملك
208
يَقُولُونَ ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ هَذِه الْجنَّة بِمَا صَبَرْتُمْ على أَمر الله والمرازي ﴿فَنِعْمَ عُقبى الدَّار﴾ نعم الْجنَّة لكم
﴿وَالَّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله﴾ يتركون فَرَائض الله ﴿مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ تغليظه وتشديده وتأكيده ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من الْأَرْحَام وَالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض﴾ بالْكفْر والشرك وَالدُّعَاء إِلَى غير عبَادَة الله ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿لَهُمُ اللَّعْنَة﴾ السخطة فِي الدُّنْيَا ﴿وَلَهُمْ سوء الدَّار﴾ يَعْنِي النَّار فِي الْآخِرَة
﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا الْبسط وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم وَإِن من عباده عباداً لَا يصلح لَهُم إِلَّا التقتير وَلَو صرفُوا إِلَى غَيره لَكَانَ شرا لَهُم أَي يُوسع المَال على من يَشَاء فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مكرمته ﴿وَيَقَدِرُ﴾ يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ ﴿وفرحوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ رَضوا بِمَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من النَّعيم وَالسُّرُور ﴿وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة من النَّعيم وَالسُّرُور ﴿فِي الْآخِرَة﴾ عِنْد نعيم الْآخِرَة فِي الْبَقَاء ﴿إِلاَّ مَتَاعٌ﴾ إِلَّا شَيْء قَلِيل كمتاع الْبَيْت مثل السكرجة والقدح وَالْقدر وَغير ذَلِك
﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ﴾ هلا أنزل على مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ﴿آيَةٌ﴾ عَلامَة ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ لنبوته كَمَا كَانَت للرسل الْأَوَّلين بِزَعْمِهِ ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ﴾ عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيهْدِي﴾ يرشد ﴿إِلَيْهِ﴾ إِلَى دينه ﴿مَنْ أَنَابَ﴾ من أقبل إِلَى الله
﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾ وترضى وتسكن قُلُوبهم ﴿بِذِكْرِ الله﴾ الْقُرْآن وَيُقَال بِالْحلف بِاللَّه ﴿تطمئِن الْقُلُوب﴾ أَي تسكن وتوضى الْقُلُوب
﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿طُوبَى لَهُمْ﴾ غِبْطَة لَهُم وَيُقَال طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة سَاقهَا من ذهب وورقها الْحلَل وَثَمَرهَا من كل لون وَأَغْصَانهَا مُتَوَالِيَات فِي الْجنَّة وتحتها كُثْبَان الْمسك والعنبر والزعفران ﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ الْمرجع فِي الْجنَّة
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ﴾ يَقُول هَكَذَا أَرْسَلْنَاك إِلَى أمة ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ مَضَت ﴿مِن قَبْلِهَآ أُمَم لتتلو عَلَيْهِمُ﴾ لتقرأ عَلَيْهِم ﴿الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أنزلنَا إِلَيْك جِبْرَائِيل بِهِ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن﴾ يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب ﴿قُلْ﴾ الرَّحْمَن ﴿هُوَ رَبِّي لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ اتكلت ووثقت ﴿وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ الْمرجع فِي الْآخِرَة
ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه لقَولهم أذهب عَنَّا جبال مَكَّة بقرآنك وأنبع فِيهَا الْعُيُون كَمَا كَانَ لداود عين الْقطر بزعمك وائتنا برِيح نركب عَلَيْهَا إِلَى الشَّام ونجى عَلَيْهَا كَمَا كَانَت لِسُلَيْمَان بزعمك وأحي مَوتَانا كَمَا أحيى عِيسَى بن مَرْيَم بزعمك فَقَالَ الله
﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً﴾ غير قُرْآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿سُيِّرَتْ بِهِ الْجبَال﴾ أذهبت بِهِ الْجبَال عَن وَجه الأَرْض
﴿أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْض﴾ أَي قصد بِهِ الْبعد
﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ أَو أحيى بِهِ الْمَوْتَى لَكَانَ بقرآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿بَل لِلَّهِ الْأَمر جَمِيعاً﴾ بل الله يفعل ذَلِك جَمِيعًا إِن شَاءَ
﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذين آمنُوا﴾ أفلم يعلم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً﴾ لأكرم النَّاس كلهم بِدِينِهِ
﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بالكتب وَالرسل يَعْنِي كفار مَكَّة
﴿تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ﴾ فِي كفرهم
﴿قَارِعَةٌ﴾ سَرِيَّة وَيُقَال صَاعِقَة
﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً﴾
208
أَو تنزل مَعَ أَصْحَابك قَرِيبا
﴿مِّن دَارِهِمْ﴾ من مدينتهم مَكَّة بعسفان
﴿حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله﴾ فتح مَكَّة
﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ فتح مَكَّة وَيُقَال الْبَعْث بعد الْمَوْت
209
﴿وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك قُرَيْش ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ فأمهلت للَّذين كفرُوا بعد الِاسْتِهْزَاء ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ بِالْعَذَابِ ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ انْظُر كَيفَ كَانَ تعييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ
﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ﴾ يَقُول الله قَائِم على حفظ كل نفس ﴿بِمَا كسبت﴾ من الْخَيْر وَالشَّر والرزق وَالدَّفْع ﴿وَجَعَلُواْ لِلَّهِ﴾ وصفوا لله ﴿شُرَكَآءَ﴾ من الْآلهَة يعبدونها ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿سَمُّوهُمْ﴾ سموا منفعتهم وتدبيرهم إِن كَانَ لَهُم شركَة مَعَ الله ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ﴾ أتخبرونه ﴿بِمَا لاَ يَعْلَمُ﴾ بِمَا يعلم أَن لَيْسَ ﴿فِي الأَرْض﴾ أحد ينفع ويضر من دون الله ﴿أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْل﴾ بل بباطل من القَوْل والزور وَالْكذب عبدوهم ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿مَكْرُهُمْ﴾ قَوْلهم وفعلهم ﴿وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيل﴾ صرفُوا عَن الدّين ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله﴾ عَن دينه ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ من موفق
﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ بِالْقَتْلِ يَوْم بدر ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَشَقُّ﴾ أَشد من عَذَاب الدُّنْيَا ﴿وَمَا لَهُم مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿من واق﴾ من مَانع وملجأ يلجئون إِلَيْهِ
﴿مَّثَلُ الْجنَّة﴾ صفة الْجنَّة ﴿الَّتِي وُعِدَ المتقون﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿أُكُلُهَا دَآئِمٌ﴾ ثَمَرهَا دَائِم لَا يفنى ﴿وِظِلُّهَا﴾ دَائِم لَا خلل فِيهِ ﴿تِلْكَ﴾ الْجنَّة ﴿عُقبى﴾ مأوى ﴿الَّذين اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿وَّعُقْبَى﴾ مأوى ﴿الْكَافرين النَّار﴾
﴿وَالَّذين آتَيْنَاهُمُ﴾ أعطيناهم ﴿الْكتاب﴾ علم التَّوْرَاة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ من ذكر الرَّحْمَن ﴿وَمِنَ الْأَحْزَاب﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿من يُنكر بعضه﴾ بعض الْقُرْآن مَا فِيهِ ذكر الرَّحْمَن ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله﴾ مخلصاً ﴿وَلَا أُشْرِكَ بِهِ﴾ شَيْئا ﴿إِلَيْهِ أَدْعُو﴾ خلقه ﴿وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ مرجعي فِي الْآخِرَة
﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ﴾ هَكَذَا أنزلنَا جِبْرَائِيل بِالْقُرْآنِ ﴿حُكْماً﴾ الْقُرْآن كُله حكم الله ﴿عَرَبِيّاً﴾ على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم﴾ دينهم وقبلتهم ﴿بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعلم﴾ الْبَيَان بدين إِبْرَاهِيم وقبلته ﴿مَا لَكَ مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن وَلِيٍّ﴾ قريب ينفعك ﴿وَلاَ وَاقٍ﴾ لَا مَانع يمنعك
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ كَمَا أَرْسَلْنَاك ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً﴾ أَكثر من أَزوَاجك مثل دَاوُد وَسليمَان ﴿وَذُرِّيَّةً﴾ أَكثر من ذريتك مثل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود لقَولهم لَو كَانَ مُحَمَّد نَبيا لشغلته النُّبُوَّة عَن التَّزَوُّج ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بِأَمْر الله ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ لكل كتاب أجل مهلة مقدم ومؤخر
﴿يمحو الله مَا يَشَاء﴾
209
من ديوَان الْحفظَة مَالا ثَوَاب وَلَا عِقَاب لَهُ
﴿وَيثبت﴾ يتْرك مَاله الثَّوَاب وَالْعِقَاب
﴿وَعِندَهُ أُمُّ الْكتاب﴾ أصل الْكتاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ لَا يُزَاد فِيهِ وَلَا ينقص مِنْهُ
210
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ من الْعَذَاب فِي حياتك ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ نقبضنك قبل أَن نريك ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ﴾ التَّبْلِيغ عَن الله ﴿وَعَلَيْنَا الْحساب﴾ الثَّوَاب وَالْعِقَاب
(أَو لم يَرَوْاْ) ينْظرُوا أهل مَكَّة ﴿أَنَّا نَأْتِي الأَرْض﴾ نَأْخُذ الأَرْض ﴿ننقصها﴾ نفتحها لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ من نَوَاحِيهَا وَيُقَال هُوَ موت الْعلمَاء ﴿وَالله يَحْكُمُ﴾ بِفَتْح الْبلدَانِ وَمَوْت الْعلمَاء ﴿لاَ مُعَقِّبَ﴾ لَا مغير ﴿لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحساب﴾ شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع
﴿وَقَدْ مَكَرَ﴾ صنع ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل أهل مَكَّة مثل نمْرُود بن كنعان بن سنجاريب بن كوش وَأَصْحَابه ﴿فَلِلَّهِ الْمَكْر جَمِيعاً﴾ عِنْد الله عُقُوبَة مَكْرهمْ جَمِيعًا ﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ﴾ يعلم الله مَا تكسب ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة من خير أَو شَرّ ﴿وَسَيَعْلَمُ الْكفَّار﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَسَائِر الْكفَّار ﴿لِمَنْ عُقْبَى الدَّار﴾ يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال الدولة يَوْم بدر وَلمن تكون مَكَّة
﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن الْيَهُود وَغَيرهم ﴿لَسْتَ مُرْسَلاً﴾ من الله يَا مُحَمَّد وَإِلَّا فائتنا بِشَهِيد يشْهد لَك فَقَالَ الله ﴿قُلْ كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بِأَنِّي رَسُوله وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه ﴿وَمَنْ عِنْده علم الْكتاب﴾ يَعْنِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال هُوَ آصف ابْن برخيا لقَوْله تَعَالَى ﴿قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب﴾ وَمن عِنْده من عِنْد الله علم الْكتاب تبيان الْقُرْآن إِن قَرَأت بالخفض وَهُوَ الْكتاب الَّذِي أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا إِبْرَاهِيم وَهِي كلهَا مَكِّيَّة وآياتها خَمْسُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وحروفها ثَلَاث آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾