ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٨]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨)
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة. كان أمره فرطا.
ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به، وبه رشده وفلاحه: ضائع، قد فرط فيه.
وفسر بالإسراف، أي قد أفرط بالإهلاك. وفسر بالخلاف للحق.
وكلها أقوال متقاربة.
والمقصود: أن الله سبحانه وتعالى نهي عن طاعة من جمع هذه الصفات. فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه. فإن وجده كذلك فليبعد منه وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل واتباع
وقد سئل أبو العباس ثعلب عن قوله تعالى: أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا فقال: جعلناه غافلا. قال: ويكون في الكلام: أغفلته، سميته غافلا:
ووجدته غافلا.
قلت: الغفل الشيء الفارغ، والأرض الغفل: التي لا علامة بها، والكتاب الغفل: الذي لا شكل عليه. فأغفلناه: تركناه غافلا عن الذكر فارغا منه. فهو إبقاء له على العدم الأصلي، لأنه سبحانه لم يشأ له الذكر، فبقي غافلا، فالغفلة وصفه. والإغفال فعل الله فيه بمشيئته، وعدم مشيئته لتذكرة. فكل منهما مقتض لغفلته. فإذا لم يشأ له التذكر لم يتذكر، وإذا شاء غفلته امتنع منه الذكر.
فإن قيل: فهل تضاف الغفلة والكفر والأعراض ونحوها إلى عدم مشيئة الرب لأضدادها، أم إلى عدم مشيئته لوقوعها؟
قيل: القرآن قد نطق بهذا وبهذا. قال تعالى: ٥: ٤١ أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ وقال: ٥: ٤١ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وقال: ٦: ١٢٥ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ. وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ.
فإن قيل: فكيف يكون عدم السبب المقتضي موجبا للأثر؟
قيل: الأثر إن كان وجوديا فلا بد من مؤثر وجودي، وأما العدم فيكفى فيه عدم سببه وموجبه. فيبقى على العدم الأصلي. فإذا أضيف إليه، كان من باب إضافة الشيء إلى دليله. فعدم السبب دليل على عدم المسبب.
وإذا سمي موجبا ومقتضيا بهذا الاعتبار فلا مشاحّة في ذلك وإما أن يكون العدم أثرا ومؤثرا فلا.
قال مجاهد: كان أمره فرطا: أي ضياعا.
وقال قتادة: ضاع أكبر الضيعة.
وقال السدي: هلاكا.
وقال أبو الحسن بن الهيثم: أمر فرط: متهاون به مضيّع. والتفريط تقديم العجز.
: أمر فرط: متهاون به مضيّع. والتفريط تقديم العجز.
وقال أبو إسحاق: من قدم العجز في أمر أضاعه وأهلكه.
وقال الليث: الفرط الأمر الذي يفرط فيه. يقال: كل أمر فلان فرط.
وقال الفراء: فرطا متروكا، فرط فيما لا ينبغي التفريط فيه، واتبع ما لا ينبغي اتباعه. وغفل عما لا يحسن الغفلة عنه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٧]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧)
وهي جمع كنان، كعنان وأعنة. وأصله: من الستر والتغطية.
ويقال: كنه، وأكنه، وكنان، بمعنى واحد، بل بينهما فرق. فأكنه، إذا ستره وأخفاه. كقوله تعالى: ٢: ١٧٧ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وكنه: إذا صانه وحفظه، كقوله: ٣٧: ٤٩ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ويشتركان في الستر، والكنان: ما أكنّ الشيء وستره. وهو كالغلاف.
وقد أقروا على أنفسهم بذلك فقالوا: ٤١: ٥ قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فذكروا غطاء القلب: وهو الأكنة، وغطاء الأذن، وهو الوقر، وغطاء العين وهو الحجاب.
والمعنى: لا نفقه كلامك، ولا نسمعه، ولا نراك.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠١]
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١)
وهذا يتضمن معنيين.
أحدهما: أن أعينهم في غطاء عما تضمنه الذكر من آيات الله، وأدلة توحيده، وعجائب قدرته.
والثاني: أن أعين قلوبهم في غطاء عن فهم القرآن وتدبره، والاهتداء به. وهذا الغطاء للقلب أولا، ثم يسري منه إلى العين.