تفسير سورة المؤمنون

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية وهي مائة وثمان عشرة آية وألف وثمانمائة وأربعون كلمة وأربعة آلاف وثمانمائة حرف وحرفان.

سورة المؤمنين
وهي مكية وهي مائة وثمان عشرة آية وألف وثمانمائة وأربعون كلمة وأربعة آلاف وثمانمائة حرف وحرفان.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢)
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما فمكث ساعة ثم سري عنه فقرأ قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات من أولها. وقال: من أقام هذه العشر آيات دخل الجنة ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا اللهم أرضنا وارض عنا» أخرجه الترمذي. قوله عزّ وجلّ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ قال ابن عباس قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة وقيل الفلاح البقاء والنجاة الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قال ابن عباس: مخبتون أذلّاء خاضعون. وقيل خائفون وقيل: متواضعون وقيل الخشوع من أفعال القلب كالخوف والرهبة وقيل هو من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات وغض البصر. وقيل لا بد من الجمع بين أفعال القلب والجوارح وهو الأولى فالخاشع في صلاته لا بد وأن يحصل له الخشوع في جميع الجوارح، فأما ما يتعلق بالقلب من الأفعال فنهاية الخضوع والتذلل للمعبود ولا يلتفت الخاطر إلى شيء سوى ذلك التعظيم. وأما ما يتعلق بالجوارح فهو أن يكون ساكنا مطرقا ناظرا إلى موضع سجوده. وقيل الخشوع هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله (ق) عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» الاختلاس هو الاختطاف عن أبي ذر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال الله مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه». وفي رواية «أعرض عنه» أخرجه أبو داود والنسائي. وقيل الخشوع هو أن لا يرفع بصره إلى السماء (خ) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال:
لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم»
وقال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل الذين هم في صلاتهم خاشعون» رمقوا بأبصارهم إلى موضع السجود. وقيل الخشوع هو أن لا يعبث بشيء من جسده في الصلاة لما روي «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه». ذكره البغوي بغير سند. عن أبي ذر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عمّا سوى الله والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر. قوله تعالى:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٣ الى ١٠]
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠)
﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ قال ابن عباس : مخبتون أذلاّء خاضعون. وقيل خائفون وقيل : متواضعون وقيل الخشوع من أفعال القلب كالخوف والرهبة وقيل هو من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات وغض البصر. وقيل لا بد من الجمع بين أفعال القلب والجوارح وهو الأولى فالخاشع في صلاته لا بد وأن يحصل له الخشوع في جميع الجوارح، فأما ما يتعلق بالقلب من الأفعال فنهاية الخضوع والتذلل للمعبود ولا يلتفت الخاطر إلى شيء سوى ذلك التعظيم. وأما ما يتعلق بالجوارح فهو أن يكون ساكناً مطرقاً ناظراً إلى موضع سجوده. وقيل الخشوع هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على شماله ( ق ) عن عائشة قالت :« سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد » الاختلاس هو الاختطاف عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :« لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه » وفي رواية « أعرض عنه » أخرجه أبو داود والنسائي. وقيل الخشوع هو أن لا يرفع بصره إلى السماء ( خ ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم » وقال أبو هريرة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل ﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ رمقوا بأبصارهم إلى موضع السجود. وقيل الخشوع هو أن لا يعبث بشيء من جسده في الصلاة لما روي « أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه » ذكره البغوي بغير سند. عن أبي ذر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال « إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه » أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عمّا سوى الله والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر.
﴿ والذين هم عن اللغو معرضون ﴾ قال ابن عباس عن الشرك وقيل عن المعاصي وقيل هو كل باطل ولهو وما لا يجمل من القول والفعل وقيل هو معارضة الكفار الشتم والسب.
﴿ والذين هم للزكاة فاعلون ﴾ أي الزكاة الواجبة مؤدّون فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل وقيل الزكاة ها هنا العمل الصالح والأول أولى.
﴿ والذين هم لفروجهم حافظون ﴾ الفرج اسم لسوأة الرجل والمرأة وحفظه التعفف عن الحرام.
﴿ إلاّ على أزواجهم ﴾ على بمعنى من ﴿ أو ما ملكت أيمانهم ﴾ يعني الإماء والجواري والآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكها ﴿ فإنهم غير ملومين ﴾ يعني بعدم حفظ فرجه من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك وإنما لا يلام فيما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور فلا يجوز ومن فعله فإنه ملوم.
﴿ فمن ابتغى وراء ذلك ﴾ أي التمس وطلب سوى الأزواج والولائد وهن الجواري المملوكة ﴿ فأولئك هم العادون ﴾ أي الظالمون المجاوزون الحد من الحلال إلى الحرام. وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام وهو قول أكثر العلماء. سئل عطاء عنه فقال : مكروه سمعت أن قوماً يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم.
قوله عزّ وجلّ ﴿ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ﴾ أي حافظون يحفظون ما ائتمنوا عليه والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها. والأمانات تختلف فمنها ما يكون بين العبد وبين الله تعالى كالصلاة والصوم وغسل الجنابة وسائر العبادات التي أوجبها الله تعالى على العباد فيجب الوفاء بجميعها. ومنها ما يكون بين العباد كالودائع والصنائع والأسرار وغير ذلك فيجب الوفاء به أيضاً.
﴿ والذين هم على صلواتهم يحافظون ﴾ أي يداومون ويراعون أوقاتها وإتمام أركانها وركوعها وسجودها وسائر شروطها. فإن قلت كيف كرر ذكر الصلاة أولاً وآخراً. قلت هما ذكران مختلفان فليس تكراراً وصفهم أولاً بالخشوع في الصلاة وآخراً بالمحافظة عليها.
قوله عزّ وجلّ ﴿ أولئك ﴾ يعني أهل هذه الصفة ﴿ هم الوارثون ﴾ يعني يرثون منازل أهل النار من الجنة. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فمن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله » وذلك قوله تعالى :﴿ أولئك هم الوارثون ﴾ ذكره البغوي بغير سند وقيل معنى الوراثة هو أن يؤول أمرهم إلى الجنة وينالوها كما يئول أمر الميراث إلى الوارث.
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ قال ابن عباس عن الشرك وقيل عن المعاصي وقيل هو كل باطل ولهو وما لا يجمل من القول والفعل وقيل هو معارضة الكفار الشتم والسب وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ أي الزكاة الواجبة مؤدّون فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل وقيل الزكاة ها هنا هي العمل الصالح والأول أولى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ
الفرج اسم لسوأة الرجل والمرأة وحفظه التعفف عن الحرام إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ على بمعنى من أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ يعني الإماء والجواري والآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكها فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ يعني بعدم حفظ فرجه من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك وإنما لا يلام فيما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور فلا يجوز ومن فعله فإنه ملوم فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أي التمس وطلب سوى الأزواج والولائد وهن الجواري المملوكة فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أي الظالمون المجاوزون الحد من الحلال إلى الحرام. وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام وهو قول أكثر العلماء. سئل عطاء عنه فقال: مكروه سمعت أن قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. قوله عزّ وجلّ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ أي حافظون يحفظون ما ائتمنوا عليه والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها. والأمانات تختلف فمنها ما يكون بين العبد وبين الله تعالى كالصلاة والصوم وغسل الجنابة وسائر العبادات التي أوجبها الله تعالى على العباد فيجب الوفاء بجميعها. ومنها ما يكون بين العباد كالودائع والصنائع والأسرار وغير ذلك فيجب الوفاء به أيضا وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أي يداومون ويراعون أوقاتها وإتمام أركانها وركوعها وسجودها وسائر شروطها. فإن قلت كيف كرر ذكر الصلاة أولا وآخرا. قلت هما ذكران مختلفان فليس تكرارا وصفهم أولا بالخشوع في الصلاة وآخرا بالمحافظة عليها. قوله عزّ وجلّ أُولئِكَ يعني أهل هذه الصفة هُمُ الْوارِثُونَ يعني يرثون منازل أهل النار من الجنة. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فمن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله» وذلك قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ذكره البغوي بغير سند وقيل معنى الوراثة هو أن يؤول أمرهم إلى الجنة وينالوها كما يئول أمر الميراث إلى الوارث.
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١١ الى ١٨]
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هو أعلى الجنة. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ في الجنة مائة درجة ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة
268
ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» أخرجه الترمذي هُمْ فِيها خالِدُونَ أي لا يخرجون منها ولا يموتون. قوله عزّ وجلّ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني ولد آدم الإنسان اسم جنس مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال ابن عباس السلالة صفوة الماء وقيل هي المني لأن النطفة تسل من الظهر من طين يعني طين آدم لأن السلالة تولدت من طين خلق منه آدم وقيل: المراد من الإنسان هو آدم، وقوله من سلالة أي سل من كل تربة ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً يعني الذي هو الإنسان جعلناه نطفة فِي قَرارٍ مَكِينٍ أي حريز وهو الرحم وسمي مكينا لاستقرار النطفة فيه إلى وقت الولادة ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أي صيرنا النطفة قطعة دم جامد فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً أي جعلنا الدم الجامد قطعة لحم صغيرة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة له. قيل إن بين كل خلق وخلق أربعين يوما ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ أي مباينا للخلق الأول قال ابن عباس: هو نفخ الروح فيه وقيل جعله حيوانا بعد ما كان جمادا وناطقا بعد ما كان أبكم وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره عجائب صنعه وغرائب فطره وعن ابن عباس قال: إن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الرضاع إلى القعود والقيام إلى المشي إلى الفطام إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها فَتَبارَكَ اللَّهُ أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أي المصورين والمقدرين. فإن قلت كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وقوله هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟. قلت الخلق له معان: منها الإيجاد والإبداع ولا موجد ولا مبدع إلّا الله تعالى. ومنها التقدير كما قال الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
معناه أنت تقدّر الأمور وتقطعها وغيرك لا يفعل ذلك فعلى هذا يكون معنى الآية الله أحسن المقدرين.
وجواب آخر وهو أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خلق طيرا وسمّى نفسه خالقا بقوله أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فقال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ أي بعد ما ذكر من تمام الخلق لَمَيِّتُونَ أي عند انقضاء آجالكم ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ أي للحساب والجزاء. قوله عزّ وجلّ وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ يعني سبع سموات طرائق لأن بعضها فوق بعض وقيل لأنها طرائق الملائكة في الصعود والهبوط وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ يعني بل كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم. وقيل معناه بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب. وقيل ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي وقيل معناه إنما خلقنا السماء فوقهم لتنزل عليهم الأرزاق والبركات منها. وقيل معناه وما كنا عن الخلق غافلين أي عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم لا تخفى علينا خافية وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ أي يعلمه الله من حاجتهم إليه وقيل بقدر ما يكفيهم لمعايشهم في الزرع والغرس والشرب وأنواع المنفعة فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ يعني ما يبقى في الغدران والمستنقعات مما ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر. وقيل أسكناه في الأرض ثم أخرجناه منها ينابيع كالعيون والآبار فكل ماء في الأرض من السماء وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» أخرجه مسلم. وعن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله عزّ وجلّ أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل، أنزلها الله عزّ وجلّ من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس فذلك قوله وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله عزّ وجلّ جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فإذا رفعت هذه الأشياء كلها من الأرض فقد أهلها خير
269
قوله عزّ وجلّ ﴿ ولقد خلقنا الإنسان ﴾ يعني ولد آدم الإنسان اسم جنس ﴿ من سلالة من طين ﴾ قال ابن عباس السلالة صفوة الماء وقيل هي المني لأن النطفة تسل من الظهر من طين يعني طين آدم لأن السلالة تولدت من طين خلق منه آدم وقيل : المراد من الإنسان هو آدم، وقوله من سلالة أي سل من كل تربة.
﴿ ثم جعلناه نطفة ﴾ يعني الذي هو الإنسان جعلناه نطفة ﴿ في قرار مكين ﴾ أي حريز وهو الرحم وسمي مكيناً لاستقرار النطفة فيه إلى وقت الولادة.
﴿ ثم خلقنا النطفة علقة ﴾ أي صيرنا النطفة قطعة دم جامد ﴿ فخلقنا العلقة مضغة ﴾ أي جعلنا الدم الجامد قطعة لحم صغيرة ﴿ فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ﴾ وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة له. قيل إن بين كل خلق وخلق أربعين يوماً ﴿ ثم أنشأناه خلقاً آخر ﴾ أي مبايناً للخلق الأول قال ابن عباس : هو نفخ الروح فيه وقيل جعله حيواناً بعد ما كان جماداً وناطقاً بعدما كان أبكم وسميعاً وكان أصم وبصيراً وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره عجائب صنعه وغرائب فطره وعن ابن عباس قال : إن ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الرضاع إلى القعود والقيام إلى المشي إلى الفطام إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها ﴿ فتبارك الله ﴾ أي استحق التعظيم والثناء بأنه لم يزل ولا يزال ﴿ أحسن الخالقين ﴾ أي المصورين والمقدرين. فإن قلت كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى ﴿ الله خالق كل شيء ﴾ وقوله ﴿ هل من خالق غير الله ؟ ﴾ قلت الخلق له معان : منها الإيجاد والإبداع ولا موجد ولا مبدع إلاّ الله تعالى. ومنها التقدير كما قال الشاعر :
ولأنت تفري ما خلقت وبع ض القوم يخلق ثم لا يفري
معناه أنت تقدّر الأمور وتقطعها وغيرك لا يفعل ذلك فعلى هذا يكون معنى الآية الله أحسن المقدرين. وجواب آخر وهو أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خلق طيراً وسمّى نفسه خالقاً بقوله ﴿ إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ فقال ﴿ تبارك الله أحسن الخالقين ﴾.
﴿ ثم إنكم بعد ذلك ﴾ أي بعد ما ذكر من تمام الخلق ﴿ لميتون ﴾ أي عند انقضاء آجالكم.
﴿ ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ﴾ أي للحساب والجزاء.
قوله عزّ وجلّ ﴿ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ﴾ يعني سبع سموات طرائق لأن بعضها فوق بعض وقيل لأنها طرائق الملائكة في الصعود والهبوط ﴿ وما كنا عن الخلق غافلين ﴾ يعني بل كنا لهم حافظين من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم. وقيل معناه بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب. وقيل ما تركناهم سدى بغير أمر ونهي وقيل معناه إنما خلقنا السماء فوقهم لتنزل عليهم الأرزاق والبركات منها. وقيل معناه و ما كنا عن الخلق غافلين أي عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم لا تخفى علينا خافية.
﴿ وأنزلنا من السماء ماء بقدر ﴾ أي يعلمه الله من حاجتهم إليه وقيل بقدر ما يكفيهم لمعايشهم في الزرع والغرس والشرب وأنواع المنفعة ﴿ فأسكناه في الأرض ﴾ يعني ما يبقى في الغدران والمستنقعات مما ينتفع به الناس في الصيف عند انقطاع المطر. وقيل أسكناه في الأرض ثم أخرجناه منها ينابيع كالعيون والآبار فكل ماء في الأرض من السماء ﴿ وإنّا على ذهاب به لقادرون ﴾ وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة » أخرجه مسلم. وعن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال :«إنّ الله عزّ وجلّ أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل، أنزلها الله عزّ وجلّ من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل استودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس فذلك قوله ﴿ وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ﴾ فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله عزّ وجلّ جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى ﴿ وإنا على ذهاب به لقادرون ﴾ فإذا رفعت هذه الأشياء كلها من الأرض فقد أهلها خير الدين والدنيا » وروى هذا الحديث البغوي في تفسيره. وقال روى هذا الحديث الإمام الحسن بن سفيان بن عثمان بن سعيد بالإجازة عن سعيد بن سابق الإسكندراني عن مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيّان عن عكرمة عن ابن عباس. ثم ذكر ما أنبت بالماء.
الدين والدنيا وروى هذا الحديث البغوي في تفسيره. وقال روى هذا الحديث الإمام الحسن بن سفيان بن عثمان بن سعيد بالإجازة عن سعيد بن سابق الإسكندراني عن مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيّان عن عكرمة عن ابن عباس. ثم ذكر ما أنبت بالماء فقال تعالى:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١٩ الى ٢٩]
فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩)
فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ أي بالماء جَنَّاتٍ أي بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ إنما أفردهما بالذكر لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام والإدام والفواكه رطبا ويابسا لَكُمْ فِيها أي في الجنات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي شتاء وصيفا وَشَجَرَةً أي وأنشأنا لكم شجرة وهي الزيتون تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ أي من جبل مبارك وقيل من جبل حسن قيل هو بالنبطية وقيل بالحبشية وقيل السريانية ومعناه الجبل الملتف بالأشجار. وقيل كل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سيناء وسينين وقيل هو من السناء وهو الارتفاع وهو الجبل الذي منه نودي موسى بين مصر وأيلة وقيل هو جبل فلسطين وقيل سيناء اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده.
وقيل هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أي تنبت وفيها الدهن وقيل تنبت بثمر الدهن وهو الزيت وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ الصبغ الإدام الذي يكون مع الخبز ويصبغ به جعل الله في هذه الشجرة المباركة أدما وهو الزيتون ودهنا وهو الزيت وخصّ جبل الطور بالزيتون لأنه منه نشأ وقيل إن أول شجرة نبتت بعد الطوفان الزيتون وقيل إنها تبقى في الأرض نحو ثلاثة آلاف سنة. قوله عزّ وجلّ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً أي آية تعتبرون بها نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها أي ألبانها ووجه الاعتبار فيه أن اللبن يخلص إلى الضرع من بين فرث ودم بإذن الله تعالى ليس فيه منهما شيء فيستحيل إلى الطهارة وإلى طعم يوافق الشهوة والطبع ويصير غذاء، وتقدّم بسط الكلام بما فيه كفاية في سورة النحل وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ يعني كما تنتفعون بها وهي حية فكذلك تنتفعون بها بعد الذبح للأكل عَلَيْها
أي وعلى الإبل عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر. قوله تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أي ما لكم معبودا سواه أَفَلا تَتَّقُونَ أي أفلا تخافون عقابه إذا عبدتم غيره فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي آدمي مثلكم مشارك لكم في جميع الأمور يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ أي إنه يحب الشرف والرياسة متبوعا وأنتم له تبع وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً يعني بإبلاغ الوحي ما سَمِعْنا بِهذا يعني الذي يدعونا إليه نوح فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ يعني جنون فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ يعني إلى
﴿ وشجرة ﴾ أي وأنشأنا لكم شجرة وهي الزيتون ﴿ تخرج من طور سيناء ﴾ أي من جبل مبارك وقيل من جبل حسن قيل هو بالنبطية وقيل بالحبشة وقيل السريانية ومعناه الجبل الملتف بالأشجار. وقيل كل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سيناء وسينين وقيل هو من السناء وهو الارتفاع وهو الجبل الذي منه نودي موسى بين مصر وأيلة وقيل هو جبل فلسطين وقيل سيناء اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وقيل هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل ﴿ تنبت بالدهن ﴾ أي تنبت وفيها الدهن وقيل تنبت بثمر الدهن وهو الزيت ﴿ وصبغ للآكلين ﴾ الصبغ الأدام الذي يكون مع الخبز ويصبغ به جعل الله في هذه الشجرة المباركة أدماً وهو الزيتون ودهناً وهو الزيت وخصّ جبل الطور بالزيتون لأنه منه نشأ وقيل إن أول شجرة نبتت بعد الطوفان الزيتون وقيل إنها تبقى في الأرض نحو ثلاثة آلاف سنة.
قوله عزّ وجلّ ﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة ﴾ أي آية تعتبرون بها ﴿ نسقيكم مما في بطونها ﴾ أي ألبانها ووجه الاعتبار فيه أن اللبن يخلص إلى الضرع من بين فرث ودم بإذن الله تعالى ليس فيه منهما شيء فيستحيل إلى الطهارة وإلى طعم يوافق الشهوة والطبع ويصير غذاء، وتقدّم بسط الكلام بما فيه كفاية في سورة النحل ﴿ ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ﴾ يعني كما تنتفعون بها وهي حية فكذلك تنتفعون بها بعد الذبح للأكل.
﴿ وعليها ﴾ أي وعلى الإبل ﴿ وعلى الفلك تحملون ﴾ أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر.
قوله تعالى ﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ أي ما لكم معبوداً سواه ﴿ أفلا تتقون ﴾ أي أفلا تخافون عقابه إذا عبدتم غيره.
﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم ﴾ أي آدمي مثلكم مشارك لكم في جميع الأمور ﴿ يريد أن يتفضل عليكم ﴾ أي إنه يحب الشرف والرياسة متبوعاً وأنتم له تبع ﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ﴾ يعني بإبلاغ الوحي ﴿ ما سمعنا بهذا ﴾ يعني الذي يدعونا إليه نوح ﴿ في آبائنا الأولين ﴾.
﴿ إن هو إلا رجل به جنة ﴾ يعني جنون ﴿ فتربصوا به حتى حين ﴾ يعني إلى الموت فتستريحوا منه.
﴿ قال رب انصرني بما كذبون ﴾ يعني أعني بإهلاكهم بتكذيبهم إياي.
﴿ فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ﴾ يعني بمرأى منا قاله ابن عباس. وقيل بعلمنا وحفظنا لئلا يتعرض له أحد ولا يفسد عليه عمله ﴿ ووحينا ﴾ قيل : إن جبريل علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها ﴿ فإذا جاء أمرنا ﴾ يعني عذابنا ﴿ وفار التنور ﴾ قيل هو التنور الذي يخبز فيه وكان من حجارة، وقيل التنور هو وجه الأرض والمعنى أنك إذا رأيت الماء يفور من التنور ﴿ فاسلك فيها ﴾ يعني فأدخل في السفينة ﴿ من كل زوجين اثنين ﴾ يعني من كل حيوان ذكر وأنثى ﴿ وأهلك ﴾ يعني وسائر من آمن بك ﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ يعني وجب عليه العذاب ﴿ منهم ﴾ يعني الكفار وقيل أراد بأهله أهل بيته خاصة والذي سبق عليه القول منهم هو ابنه كنعان ﴿ ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ﴾.
قوله عزّ وجلّ ﴿ فإذا استويت ﴾ يعني اعتدلت ﴿ أنت ومن معك على الفلك ﴾ يعني في السفينة ﴿ فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ﴾ يعني الكافرين.
﴿ وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً ﴾ قيل موضع النزول وهو السفينة عند الركوب. وقيل هو وجه الأرض بعد الخروج من السفينة وأراد بالبركة النجاة من الغرق وكثرة النسل بعد الإنجاء ﴿ وأنت خير المنزلين ﴾ معناه أنه قد يكون الإنزال من غير الله كما يكون من الله فحسن أن يقول وأنت خير المنزلين لأنه يحفظ من أنزله ويكلؤه في سائر أحواله ويدفع عنه المكره بخلاف منزل الضيف فإنه لا يقدر على ذلك.
الموت فتستريحوا منه قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ يعني أعني بإهلاكهم بتكذيبهم إياي فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا يعني بمرأى منا قاله ابن عباس. وقيل بعلمنا وحفظنا لئلا يتعرض له أحد ولا يفسد عليه عمله وَوَحْيِنا قيل: إن جبريل علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها فَإِذا جاءَ أَمْرُنا يعني عذابنا وَفارَ التَّنُّورُ قيل هو التنور الذي يخبز فيه وكان من حجارة، وقيل التنور هو وجه الأرض والمعنى أنك إذا رأيت الماء يفور من التنور فَاسْلُكْ فِيها يعني فأدخل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني من كل حيوان ذكر وأنثى وَأَهْلَكَ يعني وسائر من آمن بك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ يعني وجب عليه العذاب مِنْهُمْ يعني الكفار وقيل أراد بأهله أهل بيته خاصة والذي سبق عليه القول منهم هو ابنه كنعان وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ قوله عزّ وجلّ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ يعني اعتدلت أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ يعني في السفينة فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني الكافرين وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً قيل موضع النزول وهو السفينة عند الركوب. وقيل هو وجه الأرض بعد الخروج من السفينة وأراد بالبركة النجاة من الغرق وكثرة النسل بعد الإنجاء وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ معناه أنه قد يكون الإنزال من غير الله كما يكون من الله فحسن أن يقول وأنت خير المنزلين لأنه يحفظ من أنزله ويكلؤه في سائر أحواله ويدفع عنه المكره بخلاف منزل الضيف فإنه لا يقدر على ذلك.
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٣٠ الى ٤٤]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩)
قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤)
إِنَّ فِي ذلِكَ يعني الذي ذكر من أمر نوح والسفينة وإهلاك أعداء الله لَآياتٍ يعني دلالات على قدرتنا وَإِنْ كُنَّا يعني وما كنا لَمُبْتَلِينَ يعني إلا مختبرين إياهم بإرسال نوح ووعظه وتذكيره لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم. قوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد إهلاكهم قَرْناً آخَرِينَ يعني عادا فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يعني هودا قاله أكثر المفسرين وقيل القرن ثمود والرسول صالح والأول أصح أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ يعني هذه الطريقة التي أنتم عليها مخافة العذاب وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ يعني بالمصير إليها وَأَتْرَفْناهُمْ يعني نعمناهم ووسعنا عليهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ يعني من مشربكم وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ يعني لمغبونون أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ يعني من قبوركم أحياء هَيْهاتَ هَيْهاتَ قال ابن عباس أي بعيد بعيد لِما تُوعَدُونَ استبعد القوم بعثهم بعد الموت إغفالا منهم
قوله تعالى ﴿ ثم أنشأنا من بعدهم ﴾ يعني من بعد إهلاكهم ﴿ قرناً آخرين ﴾ يعني عاداً.
﴿ فأرسلنا فيه رسولاً منهم ﴾ يعني هوداً قاله أكثر المفسرين وقيل القرن ثمود والرسول صالح والأول أصح ﴿ إن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ﴾ يعني هذه الطريقة التي أنتم عليها مخافة العذاب.
﴿ وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ﴾ يعني بالمصير إليها ﴿ وأترفناهم ﴾ يعني نعمناهم ووسعنا عليهم ﴿ في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون ﴾ يعني من مشاربكم.
﴿ ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون ﴾ يعني لمغبونون.
﴿ أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون ﴾ يعني من قبوركم أحياء.
﴿ هيهات هيهات ﴾ قال ابن عباس أي بعيد بعيد ﴿ لما توعدون ﴾ استبعد القوم بعثهم بعد الموت إغفالاً منهم للتفكر في بدء أمرهم وقدرة الله على إيجادهم وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبداً.
﴿ إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ﴾ قيل معناه نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث وقيل يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل معناه يموت قوم ويحيا قوم ﴿ وما نحن بمبعوثين ﴾ يعني بعد الموت.
﴿ إن هو ﴾ يعنون رسولهم ﴿ إلا رجل افترى على الله كذباً وما نحن له بمؤمنين ﴾ يعني بمصدقين بالبعث بعد الموت.
﴿ قال عمّا قليل ليصبحن ﴾ يعني ليصيرن ﴿ نادمين ﴾ على كفرهم وتكذيبهم.
﴿ فأخذتهم الصيحة بالحق ﴾ يعني صيحة العذاب وقيل صاح بهم جبريل فتصدعت قلوبهم وقيل أراد بالصيحة الهلاك ﴿ فجعلناهم غثاء ﴾ هو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر، والمعنى صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض ﴿ فبعداً ﴾ يعني ألزمنا بعداً من الرحمة ﴿ للقوم الظالمين ﴾.
قوله عز وجل ﴿ ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين ﴾ يعني أقواماً آخرين.
﴿ ما تسبق من أمة أجلها ﴾ يعني وقت هلاكها ﴿ وما يستأخرون ﴾ يعني عن وقت هلاكهم.
﴿ ثم أرسلنا رسلنا تترى ﴾ يعني مترادفين يتبع بعضهم بعضاً غير متواصلين لأن بين كل رسولين زمناً طويلاً ﴿ كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً ﴾ يعني بالهلاك فأهلكنا بعضهم في أثر بعض ﴿ وجعلناهم أحاديث ﴾ يعني سمراً وقصصاً يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم ﴿ فبعداً لقوم لا يؤمنون ﴾.
للتفكر في بدء أمرهم وقدرة الله على إيجادهم وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا قيل معناه نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث وقيل يموت الآباء ويحيا الأبناء وقيل معناه يموت قوم ويحيا قوم وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ يعني بعد الموت إِنْ هُوَ يعنون رسولهم إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ يعني بمصدقين بالبعث بعد الموت قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ يعني ليصيرن نادِمِينَ على كفرهم وتكذيبهم فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ يعني صيحة العذاب وقيل صاح بهم جبريل فتصدعت قلوبهم وقيل أراد بالصيحة الهلاك فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً هو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر، والمعنى صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض فَبُعْداً يعني ألزمنا بعدا من الرحمة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قوله عز وجل ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ يعني أقواما آخرين ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها يعني وقت هلاكها وَما يَسْتَأْخِرُونَ يعني عن وقت هلاكهم ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا يعني مترادفين يتبع بعضهم بعضا غير متواصلين لأن بين كل رسولين زمنا طويلا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً يعني بالهلاك فأهلكنا بعضهم في أثر بعض وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يعني سمرا وقصصا يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. قوله تعالى:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٤٥ الى ٦٠]
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠)
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ يعني بحجة بينة كالعصا واليد وغيرهما إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا يعني تعظموا عن الإيمان وَكانُوا قَوْماً عالِينَ يعني متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم فَقالُوا يعني فرعون وقومه أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا يعنون موسى وهارون وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ يعني مطيعون متذللون فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ يعني بالغرق وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ يعني لكي يهتدي به قومه. قوله عزّ وجلّ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً يعني دلالة على قدرتنا لأنه خلقه من غير ذكر وأنطقه في المهد. فإن قلت لم قال آية ولم يقل آيتين. قلت معناه جعلنا شأنهما آية لأن عيسى ولد من غير ذكر وكذلك مريم ولدته من غير ذكر فاشتركا في هذه الآية فكانت آية واحدة وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ يعني مكان مرتفع قيل هي دمشق وقيل هي الرملة وقيل أرض فلسطين وقال ابن عباس هي بيت المقدس. قال كعب بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. وقيل هي مصر وسبب الإيواء أنها فرت بابنها إليها. وقوله ذاتِ قَرارٍ يعني منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها وَمَعِينٍ هو الماء الجاري الذي تراه العيون. قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ قيل أراد بالرسل محمدا صلّى الله عليه وسلّم وحده وقيل أراد به عيسى عليه السلام وقيل أراد جميع الرسل وأراد بالطيبات الحلال وَاعْمَلُوا صالِحاً أي استقيموا على ما يوجبه الشرع إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيه
﴿ إلى فرعون وملئه فاستكبروا ﴾ يعني تعظموا عن الإيمان ﴿ وكانوا قوماً عالين ﴾ يعني متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم.
﴿ قالوا ﴾ يعني فرعون وقومه ﴿ أنؤمن لبشرين مثلنا ﴾ يعنون موسى وهارون ﴿ وقومهما لنا عابدون ﴾ يعني مطيعون متذللون.
﴿ فكذبوهما فكانوا من المهلكين ﴾ يعني بالغرق.
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة ﴿ لعلهم يهتدون ﴾ يعني لكي يهتدي به قومه.
قوله عزّ وجلّ ﴿ وجعلنا ابن مريم وأمه آية ﴾ يعني دلالة على قدرتنا لأنه خلقه من غير ذكر وأنطقه في المهد. فإن قلت لم قال آية ولم يقل آيتين. قلت معناه جعلنا شأنهما آية لأن عيسى ولد من غير ذكر وكذلك مريم ولدته من غير ذكر فاشتركا في هذه الآية فكانت آية واحدة ﴿ وآويناهما إلى ربوة ﴾ يعني مكان مرتفع قيل هي دمشق وقيل هي الرملة وقيل أرض فلسطين وقال ابن عباس هي بيت المقدس. قال كعب بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً. وقيل هي مصر وسبب الأيواء أنها فرت بابنها إليها. وقوله ﴿ ذات قرار ﴾ يعني منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها ﴿ ومعين ﴾ هو الماء الجاري الذي تراه العيون.
قوله تعالى ﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ﴾ قيل أراد بالرسل محمداً صلى الله عليه وسلم وحده وقيل أراد به عيسى عليه السلام وقيل أراد جميع الرسل وأراد بالطيبات الحلال ﴿ واعملوا صالحاً ﴾ أي استقيموا على ما يوجبه الشرع ﴿ إني بما تعملون عليم ﴾ فيه تحذير من مخالفة ما أمرهم به وإذا كان الرسل مع علو شأنهم كذلك فلأن يكون تحذيراً لغيرهم أولى لما روي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إنّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ﴿ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ﴾ وقال ﴿ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ﴾ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك » أخرجه مسلم.
قوله عزّ وجلّ ﴿ وإن هذه أمتكم ﴾ أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها ﴿ أمة واحدة ﴾ أي ملة واحدة وهي الإسلام ﴿ وأنا ربكم فاتقون ﴾ أي فاحذرون وقيل معناه أمرتكم بما أمرت به المرسلين قبلكم فأمركم واحد وأنا ربكم فاتقون.
﴿ فتقطعوا ﴾ أي تفرقوا فصاروا فرقاً يهوداً ونصارى ومجوساً وغير ذلك من الأديان المختلفة ﴿ أمرهم ﴾ أي دينهم ﴿ بينهم زُبُرًا ً ﴾ أي فرقاً وقطعاً مختلفة وقيل معنى زبراً أي كتباً، والمعنى تمسك كل قوم بكتاب فآمنوا به وكفروا بما سواه من الكتب ﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾ أي مسرورون معجبون بما عندهم من الدين.
﴿ فذرهم ﴾ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ﴿ في غمرتهم ﴾ قال ابن عباس في كفرهم وضلالتهم وقيل في عمايتهم وغفلتهم ﴿ حتى حين ﴾ أي إلى أن يموتوا.
﴿ أيحبسون أنما نمدهم به من مال وبنين ﴾ أي ما نعطيهم ونجعله لهم مدداً من المال والبنين في الدنيا.
﴿ نسارع لهم في الخيرات ﴾ أي نعجل لهم ذلك في الخيرات ونقدمه ثواباً لأعمالهم لمرضاتنا عنهم ﴿ بل لا يشعرون ﴾ أي إن ذلك استدراج لهم ثم ذكر المسارعين في الخيرات.
قال تعالى ﴿ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ﴾ أي خائفون، والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه. قال الحسن البصري المؤمن جمع إحساناً وخشية والمنافق جمع إساءة وأمناً.
﴿ والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ﴾ يعني يصدقون.
﴿ والذين يؤتون ما آتوا ﴾ أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات. وقيل معناه يعملون ما عملوا من أعمال البر ﴿ وقلوبهم وجلة ﴾ أي خائفة أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأنّ أعمالهم لا تقبل منهم ﴿ أنهم إلى ربهم راجعون ﴾ أي إنهم يوقنون أنهم إلى الله صائرون. قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم. عن عائشة قالت :« قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصدّيق ولكن هم الذي يصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات » أخرجه الترمذي.
تحذير من مخالفة ما أمرهم به وإذا كان الرسل مع علو شأنهم كذلك فلأن يكون تحذيرا لغيرهم أولى لما روي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطمعه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فإنّى يستجاب لذلك» أخرجه مسلم. قوله عزّ وجلّ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها أُمَّةً واحِدَةً أي ملة واحدة وهي الإسلام وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ أي فاحذرون وقيل معناه أمرتكم بما أمرت به المرسلين قبلكم فأمركم واحد وأنا ربكم فاتقون فَتَقَطَّعُوا أي تفرقوا فصاروا فرقا يهودا ونصارى ومجوسا وغير ذلك من الأديان المختلفة أَمْرَهُمْ أي دينهم بَيْنَهُمْ زُبُراً أي فرقا وقطعا مختلفة وقيل معنى زبرا أي كتبا، والمعنى تمسك كل قوم بكتاب فآمنوا به وكفروا بما سواه من الكتب كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أي مسرورون معجبون بما عندهم من الدين فَذَرْهُمْ الخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فِي غَمْرَتِهِمْ قال ابن عباس في كفرهم وضلالتهم وقيل في عمايتهم وغفلتهم حَتَّى حِينٍ أي إلى أن يموتوا أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ أي ما نعطيهم ونجعله لهم مددا من المال والبنين في الدنيا نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ أي نعجل لهم ذلك في الخيرات ونقدمه ثوابا لأعمالهم لمرضاتنا عنهم بَلْ لا يَشْعُرُونَ أي إن ذلك استدراج لهم ثم ذكر المسارعين في الخيرات فقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أي خائفون، والمعنى أنّ المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه. قال الحسن البصري المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ يعني يصدقون وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات. وقيل معناه يعملون ما عملوا من أعمال البر وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أي خائفة أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأنّ أعمالهم لا تقبل منهم أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أي إنهم يوقنون أنهم إلى الله صائرون. قال الحسن عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم. عن عائشة قالت: «قلت يا رسول الله والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هم الذين يشربون الخمر ويسرقون قال لا يا بنت الصدّيق ولكن هم الذين يصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات» أخرجه الترمذي، وقوله:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٦١ الى ٧١]
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥)
قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ أي يبادرون إلى الأعمال الصالحة وَهُمْ لَها سابِقُونَ أي إليها وقال ابن عباس سبقت لهم من الله السعادة وقيل سبقوا الأمم إلى الخيرات. قوله عزّ وجلّ وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي طاقتها من الأعمال، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعدا ومن لم يستطع الصوم فليفطر وَلَدَيْنا
قوله عزّ وجلّ ﴿ ولا نكلف نفساً إلا وسعها ﴾ أي طاقتها من الأعمال، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعداً ومن لم يستطع الصوم فليفطر ﴿ ولدينا كتاب ﴾ هو اللوح المحفوظ ﴿ ينطق بالحق ﴾ أي يبين الصدق والمعنى قد أثبتنا عمل كل عامل في اللوح المحفوظ فهو ينطق به ويبينه وقيل هو كتاب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة ﴿ وهم لا يظلمون ﴾ أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ثم ذكر الكفار.
قال تعالى ﴿ بل قلوبهم في غمرة ﴾ أي غفلة وجهالة ﴿ من هذا ﴾ يعني القرآن ﴿ ولهم أعمال ﴾ أي للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم ﴿ من دون ذلك ﴾ يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله في قوله ﴿ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ﴾ ﴿ هم ﴾ يعني الكفار ﴿ لها ﴾ أي لتلك الأعمال الخبيثة ﴿ عاملون ﴾ أي لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم في الأزل من الشقاوة.
﴿ حتى إذا أخذنا مترفيهم ﴾ أي رؤساءهم وأغنياءهم ﴿ بالعذاب ﴾ قال ابن عباس : هو السيف يوم بدر وقيل هو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :« اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف » ﴿ إذا هم يجأرون ﴾ أي يصيحون ويستغيثون ويجزعون.
﴿ لا تجأروا اليوم ﴾ يعني لا تجزعوا ولا تضجوا اليوم ﴿ إنكم منا لا تنصرون ﴾ يعني لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم.
﴿ قد كانت آياتي تتلى عليكم ﴾ يعني القرآن ﴿ فكنتم على أعقابكم تنكصون ﴾ يعني ترجعون القهقرى وتتأخرون عن الإيمان.
﴿ مستكبرين به ﴾ قال ابن عباس : أي بالبيت الحرام كناية عن غير مذكور أي مستعظمين بالبيت وذلك أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته فلا يظهر علينا أحد ولا نخاف أحداً فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف. وقيل مستكبرين به أي بالقرآن فلم يؤمنوا به والقول الأول أظهر ﴿ سامراً ﴾ يعني أنهم يسمرون بالليل حول البيت وكان عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحراً أو شعراً ونحو ذلك من القول فيه وفي النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو قوله ﴿ تهجرون ﴾ من الإهجار وهو الإفحاش في القول وقيل معنى تهجرون تعرضون عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان به وبالقرآن وقيل هو من الهجر وهو القول القبيح أي تهذون وتقولون ما لا تعلمون.
﴿ أفلم يدبروا القول ﴾ يعني أفلم يتدبروا ما جاءهم من القرآن فيعتبرون بما فيه من الدلالات الواضحة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ﴾ يعني فأنكروا يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلاً إلى قومهم فكذلك بعثنا محمداً صلى الله عليه وسلم.
﴿ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ﴾ قال ابن عباس : أليس قد عرفوا محمداً صلّى الله عليه وسلم صغيراً وكبيراً وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة.
﴿ أم يقولون به جنة ﴾ أي جنون وليس هو كذلك ﴿ بل جاءهم بالحق ﴾ بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل ﴿ وأكثرهم للحق كارهون ﴾.
قوله عزّ وجلّ ﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم ﴾ قيل الحق هو الله تعالى والمعنى ولو اتبع الله مرادهم فيما يفعل. وقيل : لو سمى لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون وقيل : الحق هو القرآن أي لو نزل القرآن بما يحبون وما يعتقدون ﴿ لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ﴾ أي لفسد العالم ﴿ بل أتيناهم بذكرهم ﴾ قال ابن عباس بما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن ﴿ فهم عن ذكرهم ﴾ أي شرفهم ﴿ معرضون ﴾.
كِتابٌ
هو اللوح المحفوظ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ أي يبين الصدق والمعنى قد أثبتنا عمل كل عامل في اللوح المحفوظ فهو ينطق به ويبينه وقيل هو كتاب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم ثم ذكر الكفار فقال تعالى بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ أي غفلة وجهالة مِنْ هذا يعني القرآن وَلَهُمْ أَعْمالٌ أي للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم مِنْ دُونِ ذلِكَ يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله في قوله إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ هُمْ يعني الكفار لَها أي لتلك الأعمال الخبيثة عامِلُونَ أي لا بد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم في الأزل من الشقاوة حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ أي رؤساءهم وأغنياءهم بِالْعَذابِ قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر وقيل هو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف» إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ أي يصيحون ويستغيثون ويجزعون لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ يعني لا تجزعوا ولا تضجوا اليوم إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ يعني لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني القرآن فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ يعني ترجعون القهقرى وتتأخرون عن الإيمان مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال ابن عباس: أي بالبيت الحرام كناية عن غير مذكور أي مستعظمين بالبيت وذلك أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته فلا يظهر علينا أحد ولا نخاف أحدا فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف. وقيل مستكبرين به أي بالقرآن فلم يؤمنوا به والقول الأول أظهر سامِراً يعني أنهم يسمرون بالليل حول البيت وكان عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحرا أو شعرا ونحو ذلك من القول فيه وفي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو قوله تَهْجُرُونَ من الإهجار وهو الإفحاش في القول وقيل معنى تهجرون تعرضون عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن الإيمان به وبالقرآن وقيل هو من الهجر وهو القول القبيح أي تهذون وتقولون ما لا تعلمون أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ يعني أفلم يتدبروا ما جاءهم من القرآن فيعتبرون بما فيه من الدلالات الواضحة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ يعني فأنكروا يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلا إلى قومهم فكذلك بعثنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ
قال ابن عباس: أليس قد عرفوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم صغيرا وكبيرا وعرفوا نسبه وصدقه وأمانته ووفاءه بالعهود وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعد ما عرفوه بالصدق والأمانة أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ أي جنون وليس هو كذلك بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ بالصدق والقول الذي لا تخفى صحته وحسنه على عاقل وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ. قوله عزّ وجلّ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ قيل الحق هو الله تعالى والمعنى ولو اتبع الله مرادهم فيما يفعل. وقيل: لو سمى لنفسه شريكا وولدا كما يقولون وقيل: الحق هو القرآن أي لو نزل القرآن بما يحبون وما يعتقدون لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ أي لفسد العالم بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ قال ابن عباس بما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ أي شرفهم مُعْرِضُونَ.
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٧٢ الى ٨٨]
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)
حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١)
قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨)
﴿ وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ﴾ أي إلى دين الإسلام.
﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط ﴾ أي عن دين الحق ﴿ لناكبون ﴾ أي لعادلون عنه ومائلون.
﴿ ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ﴾ أي قحط وجدوبة ﴿ للجوا ﴾ أي لتمادوا ﴿ في طغيانهم يعمهون ﴾ أي لم ينزعوا عنه.
﴿ ولقد أخذناهم بالعذاب ﴾ وذلك أنّ النبيّ دعا على قريش أن يجعل الله عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط. فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال : إنهم قد أكلوا القد والعظام وشكا إليه الضر فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية ﴿ فما استكانوا لربهم ﴾ ما خضعوا وما ذلوا لربهم ﴿ وما يتضرعون ﴾ أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم.
﴿ حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد ﴾ قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وقيل الموت وقيل هو قيام الساعة ﴿ إذا هم فيه مبلسون ﴾ أي آيسون من كل خير.
قوله عزّ وجلّ ﴿ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة ﴾ أي لتسمعوا بها وتبصروا وتعقلوا ﴿ قليلاً ما تشكرون ﴾ أي لم تشكروا هذه النعم.
﴿ وهو الذي ذرأكم في الأرض ﴾ أي خلقكم ﴿ وإليه تحشرون ﴾ أي تبعثون.
﴿ وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار ﴾ أي تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان وقيل جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض ﴿ أفلا تعقلون ﴾ أي ما ترون من صنعه فتعتبروا.
﴿ بل قالوا مثل ما قال الأولون ﴾ أي كذبوا كما كذب الأولون، وقيل معناه أنكروا البعث مثل ما أنكر الأولون مع وضوح الأدلة.
﴿ قالوا أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون ﴾ أي لمحشورون قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب.
﴿ لقد وعدنا نحن ﴾ أي هذا الوعد ﴿ وآباؤنا هذا من قبل ﴾ أي وعد آباؤنا قوم ذكروا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة ﴿ إن هذا إلاّ أساطير الأولين ﴾ أي أكاذيب الأولين.
قوله تعالى ﴿ قل ﴾ أي يا محمد لأهل مكة ﴿ لمن الأرض ومن فيها ﴾ من الخلق ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ أي خالقها ومالكها.
﴿ سيقولون لله ﴾ أي لا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة لله ﴿ قل ﴾ أي قل لهم يا محمد إذا أقروا بذلك ﴿ أفلا تذكرون ﴾ أي فتعلموا أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت.
﴿ قل مَنْ رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ﴾ أي عبادة غيره وقيل معناه أفلا تحذرون عقابه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٦:﴿ قل مَنْ رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ﴾ أي عبادة غيره وقيل معناه أفلا تحذرون عقابه.
﴿ قل من بيده ملكوت كل شيء ﴾ أي ملك كل شيء ﴿ وهو يجير ﴾ أي يؤمن من يشاء ﴿ ولا يجار عليه ﴾ أي لا يؤمن من أخافه الله وقيل يمنع هو من يشاء من السوء ولا يمتنع منه من أراده بسوء ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ أي فأجيبوا.
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أي على ما جئتهم به خَرْجاً أي أجرا وجعلا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي ما يعطيك الله من رزقه وثوابه خير وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ تقدم تفسيره وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي إلى دين الإسلام وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ أي عن دين الحق لَناكِبُونَ أي لعادلون عنه ومائلون وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ أي قحط وجدوبة لَلَجُّوا أي لتمادوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي لم ينزعوا عنه وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ وذلك أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا على قريش أن يجعل الله عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم القحط. فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال: إنهم قد أكلوا القد والعظام وشكا إليه الضر فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ ما خضعوا وما ذلوا لربهم وَما يَتَضَرَّعُونَ أي لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ قال ابن عباس يعني القتل يوم بدر وقيل هو الموت وقيل هو قيام الساعة إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أي آيسون من كل خير. قوله عزّ وجلّ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي لتسمعوا بها وتبصروا وتعقلوا قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي لم تشكروا هذه النعم وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلقكم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي تبعثون وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان وقيل جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض أَفَلا تَعْقِلُونَ أي ما ترون من صنعه فتعتبروا بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ أي كذبوا كما كذب الأولون، وقيل معناه أنكروا البعث مثل ما أنكر الأولون مع وضوح الأدلة قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أي لمحشورون قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ أي هذا الوعد وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ أي وعد آباؤنا قوم ذكروا أنهم رسل الله فلم نر له حقيقة إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي أكاذيب الأولين. قوله تعالى قُلْ أي يا محمد لأهل مكة لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها من الخلق إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي خالقها ومالكها سَيَقُولُونَ لِلَّهِ أي لا بد لهم من ذلك لأنهم يقرون أنها مخلوقة لله قُلْ أي قل لهم يا محمد إذا أقروا بذلك أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي فتعلموا أن من قدر على خلق الأرض ومن فيها ابتداء يقدر على إحيائهم بعد الموت قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ أي عبادة غيره وقيل معناه أفلا تحذرون عقابه قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي ملك كل شيء وَهُوَ يُجِيرُ أي يؤمن من يشاء وَلا يُجارُ عَلَيْهِ أي لا يؤمن من أخافه الله وقيل يمنع هو من يشاء من السوء ولا يمتنع منه من أراده بسوء إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي فأجيبوا.
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٨٩ الى ١٠١]
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣)
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١)
275
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ أي فإنّى تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته وكيف يخيل لكم الحق باطلا بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ أي بالصدق وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما يدعون من الشريك والولد مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ أي من شريك إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ أي لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ومنع كل إله الآخر عن الاستيلاء على ما خلقه هو وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ أي طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم وإذا كان كذلك فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء ويقدر على كل شيء ثم نزه نفسه تعالى فقال سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أي من إثبات الولد والشريك عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تعظم من أن يوصف بما لا يليق به.
قوله عزّ وجلّ قُلْ رَبِّ أي يا رب إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ أي ما وعدتهم من العذاب رَبِّ أي يا رب فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي تهلكني بهلاكهم وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ أي من العذاب لَقادِرُونَ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني بالخلة التي هي أحسن وهي الصفح والإعراض والصبر السَّيِّئَةَ يعني أذاهم أمر بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة ثم نسخها الله بآية السيف نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ أي يكذبون ويقولون من الشرك.
قوله عزّ وجلّ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ أي أمتنع وأعتصم بك مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ قال ابن عباس نزغاتهم وقيل وساوسهم وقيل نفخهم ونفثهم وقيل دفعهم بالإغواء إلى المعاصي وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أي في شيء من أموري وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوس له عن جبير بن مطعم أنه رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلي صلاة قال عمر ولا أدري أي صلاة هي قال: «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثلاثا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه. قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة».
أخرجه أبو داود وقد جاء تفسير هذه الألفاظ في متن الحديث وتزيده إيضاحا قوله نفثه الشعر أي لأن الشعر تخرج من القلب فيلفظ به اللسان وينفثه كما ينفث الريق. قوله ونفخه الكبر وذلك أن المتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج إلى أن ينفخ. وقوله وهمزه الموتة الموتة الجنون لأنه المجنون ينخسه الشيطان ثم أخبر الله عزّ وجلّ أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال تعالى حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ قيل المراد به الله وهو على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم. وقيل هذا خطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه فعلى هذا يكون معناه أنه استغاث بالله أولا ثم رجع إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا. وقيل ذكر الرب للقسم فكأنه قال عند المعاينة بحق الله ارجعون لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ أي ضيعت وقيل تركت أي منعت وقيل خلفت من التركة أو المعنى أقول لا إله إلّا الله وأعمل بطاعته فيدخل فيه الأعمال البدنية والمالية قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله امرأ عمل فيما تمناه الكافر إذ رأى العذاب كَلَّا كلمة ردع وزجر أي لا يرجع إليها إِنَّها يعني مسألته الرجعة كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها أي لا ينالها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ أي من أمامهم ومن بين أيديهم حاجز إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ معناه أن بينهم وبين الرجعة حجابا ومانعا عن الرجوع وهو الموت وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة. قوله تعالى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ قال ابن عباس إنها النفخة الأولى نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض فلا أنساب بينهم يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ
276
﴿ بل أتيناهم بالحق ﴾ أي بالصدق ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ أي فيما يدعون من الشريك والولد.
﴿ ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ﴾ أي من شريك ﴿ إذاً لذهب كل إله بما خلق ﴾ أي لانفرد كل واحد من الآلهة بخلقه الذي خلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ومنع كل إله الآخر عن الاستيلاء على ما خلقه هو ﴿ ولعلا بعضهم على بعض ﴾ أي طلب بعضهم مغالبة بعض كفعل ملوك الدنيا فيما بينهم وإذا كان كذلك فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء ويقدر على كل شيء ثم نزه نفسه تعالى فقال ﴿ سبحان الله عمّا يصفون ﴾ أي من إثبات الولد والشريك.
﴿ عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ﴾ أي تعظم من أن يوصف بما لا يليق به.
قوله عزّ وجلّ ﴿ قل رب ﴾ أي يا رب ﴿ إما تريني ما يوعدون ﴾ أي ما وعدتهم من العذاب.
﴿ رب ﴾ أي يا رب ﴿ فلا تجعلني في القوم الظالمين ﴾ أي تهلكني بهلاكهم.
﴿ وإنا على أن نريك ما نعدهم ﴾ أي من العذاب ﴿ لقادرون ﴾.
﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ يعني بالخلة التي هي أحسن وهي الصفح والإعراض والصبر ﴿ السيئة ﴾ يعني أذاهم أمر بالصبر على أذى المشركين والكف عن المقاتلة ثم نسخها الله بآية السيف ﴿ نحن أعلم بما يصفون ﴾أي يكذبون ويقولون من الشرك.
قوله عزّ وجلّ ﴿ وقل رب أعوذ بك ﴾ أي أمتنع وأعتصم بك ﴿ من همزات الشياطين ﴾ قال ابن عباس نزغاتهم وقيل وساوسهم وقيل نفخهم ونفثهم وقيل دفعهم بالإغواء إلى المعاصي.
﴿ وأعوذ بك رب أن يحضرون ﴾ أي من شيء من أموري وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوس له عن جبير بن مطعم أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال عمر ولا أدري أي صلاة هي قال :« الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً ثلاثاً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه. قال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة ». أخرجه أبو داود وقد جاء تفسير هذه الألفاظ في متن الحديث وتزيده إيضاحاً قوله نفثه الشعر أي لأن الشعر تخرج من القلب فيلفظ به اللسان وينفثه كما ينفث الريق. قوله ونفخه الكبر وذلك أن المتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج إلى أن ينفخ. وقوله وهمزه الموتة الموتة الجنون لأنه المجنون ينخسه الشيطان ثم أخبر الله عزّ وجلّ أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت.
قال تعالى ﴿ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ﴾ قيل المراد به الله وهو على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم. وقيل هذا خطاب مع الملائكة الذي يقبضون روحه فعلى هذا يكون معناه أن استغاث بالله أولاً ثم رجع إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا. وقيل ذكر الرب للقسم فكأنه قال عند المعاينة بحق الله ارجعون.
﴿ لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ﴾ أي ضيعت وقيل تركت أي منعت وقيل خلفت من التركة أو المعنى أقول لا إله إلا الله وأعمل بطاعته فيدخل فيه الأعمال البدنية والمالية قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله فرحم الله أمراً عمل فيما تمناه الكافر إذ رأى العذاب ﴿ كلا ﴾ كلمة ردع وزجر أي لا يرجع إليها ﴿ إنها ﴾ يعني مسألته الرجعة ﴿ كلمة هو قائلها ﴾ أي لا ينالها ﴿ ومن ورائهم برزخ ﴾ أي من أمامهم ومن بين أيديهم حاجز ﴿ إلى يوم يبعثون ﴾ معناه أن بينهم وبين الرجعة حجاباً ومانعاً عن الرجوع وهو الموت وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
قوله تعالى ﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ﴾ قال ابن عباس إنها النفخة الأولى في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض فلا أنساب بينهم ﴿ يومئذٍ ولا يتساءلون ﴾ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية. قال :« يؤخذ بيد العبد والأمَة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي منادٍ هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ثم قرأ ابن مسعود ﴿ فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ﴾ وفي رواية عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم يعني لا يتفاخرون بالأنساب يومئذٍ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيلة أنت ولم يرد أن الأنساب تنقطع. فإن قلت قد قال ها هنا ولا يتساءلون وقال في موضع آخر وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قلت قال ابن عباس إن للقيامة أحوالاً ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون.
ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية.
قال: «يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ثم قرأ ابن مسعود فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ وفي رواية عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم يعني لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيلة أنت ولم يرد أن الأنساب تنقطع. فإن قلت قد قال ها هنا ولا يتساءلون وقال في موضع آخر وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قلت قال ابن عباس إن للقيامة أحوالا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون. قوله عزّ وجلّ:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١٠٢ الى ١١٤]
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦)
رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١)
قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أي غبنوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ أي تسفح وقيل تحرق وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ أي عابسون وقد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشوي على النار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وهم فيها كالحون قال تشويه النار فتنقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته»
. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب. قوله تعالى أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني قوارع القرآن وزواجره تخوفون بها فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا أي التي كتبت علينا فلم نهتد وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ
أي عن الهدى رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها أي من النار فَإِنْ عُدْنا أي لما تكره فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها أي أبعدوا فيها كما يقال للكلب إذا طرد اخسأ وَلا تُكَلِّمُونِ أي في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم فعند ذلك أيس المساكين من الفرج.
قال الحسن: هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بعد ذلك ما هو إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون. وروي عن عبد الله بن عمرو «إن أهل جهنم يدعون مالكا خازن جهنم أربعين عاما يا مالك ليقض علينا ربك فلا يجيبهم ثم يقول إنكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون فيما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق». ذكره البغوي بغير سند وأخرجه الترمذي بمعناه عن أبي الدرداء قوله فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة أي سكتوا ولم يتكلموا بكلمة وقيل إذا قال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون انقطع رجاؤهم وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنم إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يعني المؤمنين يَقُولُونَ رَبَّنا
قوله عزّ وجلّ :﴿ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا ﴾ أي غبنوا ﴿ أنفسهم في جهنم ﴾.
﴿ تلفح ﴾ أي تسفح وقيل تحرق ﴿ وجوههم النار وهم فيها كالحون ﴾ أي عابسون وقد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشوي على النار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم :« وهم فيها كالحون قال تشويه النار فتنقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته » أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب.
قوله تعالى ﴿ ألم تكن آياتي تتلى عليكم ﴾ يعني قوارع القرآن وزواجره تخوفون بها ﴿ فكنتم بها تكذبون ﴾.
﴿ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ﴾ أي التي كتبت علينا فلم نهتد ﴿ وكنا قوماً ضالين ﴾ أي عن الهدى.
﴿ ربنا أخرجنا منها ﴾ أي من النار ﴿ فإن عدنا ﴾ إي لما تكره ﴿ فإنا ظالمون ﴾.
﴿ قال اخسؤوا فيها ﴾ أي أبعدوا فيها كما يقال للكلب إذا طرد أخسأ ﴿ ولا تكلمون ﴾ أي في رفع العذاب فإني لا أرفعه عنكم فعند ذلك أيس المساكين من الفرج.
قال الحسن : هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بعد ذلك ما هو إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون. وروي عن عبد الله بن عمرو « إن أهل جهنم يدعون مالكاً خازن جهنم أربعين عاماً يا مالك ليقض علينا ربك فلا يجيبهم ثم يقول إنكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون فيما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق ». ذكره البغوي بغير سند وأخرجه الترمذي بمعناه عن أبي الدرداء قوله فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة أي سكتوا ولم يتكلموا بكلمة وقيل إذا قال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون انقطع رجاؤهم وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنم.
﴿ إنه كان فريق من عبادي ﴾ يعني المؤمنين ﴿ يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ﴾.
﴿ فاتخذتموهم سخرياً ﴾ أي تسخرون منهم وتستهزئون بهم ﴿ حتى أنسوكم ذكري ﴾ اشتغالكم بالاستهزاء بهم ذكري ﴿ وكنتم منهم تضحكون ﴾ نزل في كفار قريش كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل بلال وعمار وصهيب وخباب.
قال الله ﴿ إني جزيتهم اليوم بما صبروا ﴾ أي على أذاكم واستهزائكم في الدنيا ﴿ أنهم هم الفائزون ﴾ أي جزيتهم بصبرهم الفوز بالجنة.
﴿ قال ﴾ يعني أن الله قال للكفار يوم البعث ﴿ كم لبثتم في الأرض ﴾ أي في الدنيا وفي القبور ﴿ عدد سنين ﴾.
﴿ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ﴾ معناه أنهم نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب ﴿ فاسأل العادين ﴾ يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم.
﴿ قال إن لبثتم ﴾ أي ما لبثتم في الدنيا ﴿ إلاّ قليلا ﴾ سماه قليلا لأن المرء وإن طال لبثه في الدنيا. فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة ﴿ لو أنكم كنتم تعلمون ﴾ يعني قدر لبثكم في الدنيا.
آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا أي تسخرون منهم وتستهزءون بهم حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي اشتغالكم بالاستهزاء بهم ذكري وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ نزل في كفار قريش كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل بلال وعمار وصهيب وخباب ثم قال الله إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أي على أذاكم واستتهزائكم في الدنيا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ أي جزيتهم بصبرهم الفوز بالجنة قالَ يعني أن الله قال للكفار يوم البعث كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي في الدنيا وفي القبور عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ معناه أنهم نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب فَسْئَلِ الْعادِّينَ يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ أي ما لبثتم في الدنيا إِلَّا قَلِيلًا سماه قليلا لأن المرء وإن طال لبثه في الدنيا. فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني قدر لبثكم في الدنيا قوله عزّ وجلّ:
[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ١١٥ الى ١١٨]
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً أي لعبا وباطلا لا لحكمة وقيل العبث معناه لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عزّ وجلّ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ أي في دار الآخرة للجزاء. روى البغوي بسنده عن الحسن: «أن رجلا مصابا مرّ به على ابن مسعود فرقاه في أذنه أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بماذا رقيت في أذنه فأخبره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على الجبل لزال» ثم نزه الله تعالى عمّا يصفه به المشركون فقال عزّ وجلّ فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ أي هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أي الحسن وقيل الرفيع المرتفع وإنما خصّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ يعني لا حجة ولا بينة له به إذ لا يمكن إقامة برهان ولا دليل على إلهية غير الله ولا حجة في دعوى الشرك فَإِنَّما حِسابُهُ أي جزاؤه عِنْدَ رَبِّهِ أي هو مجازيه بعلمه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ يعني لا يسعد من جحد وكذب وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
قال عزّ وجلّ ﴿ فتعالى الله الملك الحق ﴾ أي هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات ﴿ لا إله إلا هو رب العرش الكريم ﴾ أي الحسن وقيل الرفيع المرتفع وإنما خصّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات.
﴿ ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به ﴾ يعني لا حجة ولا بينة له به إذ لا يمكن إقامة برهان ولا دليل على إلهية غير الله ولا حجة في دعوى الشرك ﴿ فإنما حسابه ﴾ أي جزاؤه ﴿ عند ربه ﴾ أي هو مجازيه بعلمه ﴿ إنه لا يفلح الكافرون ﴾ يعني لا يسعد من جحد وكذب﴿ وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ﴾.
Icon