تفسير سورة الحجرات

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.

الربع الثاني من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
*م هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس
*م/.
ففيما يتعلق بسلوك المؤمنين الواجب عليهم نحو الله ورسوله أوصاهم الحق سبحانه وتعالى بأن لا يسرعوا في معالجة الأمور قبله، وأن لا يفتاتوا على رسول الله بشيء، حتى يقضي الله فيه من عنده، بحيث يكونون تبعا له، بدلا من أن يتقدموا بين يديه، فالمؤمن ينبغي له أن لا يسبق ربه في أمر ولا نهي، وعليه أن يوجه رأيه وإرادته في الطريق السوي المرسوم من ربه، ابتغاء مرضاة الله، وذلك قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم١ ﴾، قال الضحاك : " أي لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم ".
سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.
وفيما يتعلق بسلوك المؤمنين نحو رسول الله خاصة أوصى الله عباده المؤمنين بأن يحترموا مقام الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يرفعوا أصواتهم على صوته إذا كانوا في مجلسه الشريف، وذلك يستلزم أمرهم –من باب أولى وأحرى- بأن لا يتجادلوا فيما بينهم أمامه، فضلا على أن يجادلوا الرسول أو يعارضوه فمقام الرسول عند ربه وفي أمته ليس هو مقام بقية الناس بعضهم مع بعض، وما جاز للصحابة في معاملة بعضهم لبعض لا يجوز لهم في معاملة الرسول الأعظم عليه صلوات الله وسلامه، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ﴾، وحذر كتاب الله من عاقبة سوء الأدب مع الرسول ورفع الصوت عليه، فقد ينتهي ذلك بما لا تحمد عقباه، ويؤدي إلى إحباط عمل المؤمن وخسرانه، وذلك قوله تعالى :﴿ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون٢ ﴾، أي إنما نهيناكم عن ذلك خشية أن يحبط عملكم. جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة في رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة، وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض ".
ثم ندب الله تعالى المؤمنين إلى خفض أصواتهم عندما يكونون بمحضر رسول الله، فذلك دليل على ما يملأ قلوبهم من إخلاص وسكينة وهيبة لمقام الرسول، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :﴿ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم٣ ﴾. ومما يتصل بهذا المقام ما روى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه في عهد خلافته كان بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلين قد ارتفعت أصواتهما في المسجد، فأقبل عليهما قائلا : " أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال : من أين أنتما ؟ فقالا من أهل الطائف، فقال لهما عمر : " لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا ". ونص العلماء على أنه يكره رفع الصوت عند قبره عليه الصلاة والسلام، كما كان رفع الصوت أمامه مكروها في حياته سواء بسواء، لأنه صلى الله عليه وسلم محترم حيا، ومحترم في قبره دائما.
ومضت الآيات الكريمة في نفس السياق، فنبهت إلى أن الاستعجال بمناداة الرسول صلى الله عليه وسلم من خارج بيته الشريف، للخروج إلى الناس، واستقبالهم لقضاء حاجاتهم، بدلا من انتظار خروجه دون مناداة ولا إزعاج، إن دل على شيء فإنما يدل على الجهل وسوء الأدب وقلة العقل، وبذلك يحض كتاب الله على وجوب انتظار المسلمين للرسول، إلى أن يفرغ من شؤونه الخاصة. ويخرج إليهم، وإذ ذاك يقبل عليه من له عنده حاجة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ٤ ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم٥ ﴾.
سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.
وفيما يتعلق بسلوك المسلمين بعضهم مع بعض نبهت الآيات الكريمة بادئ ذي بدء إلى وجوب التثبت في كل ما ينسب إلى الغير من أقوال وأفعال، فكثيرا ما يكون الأمر المنسوب إلى الغير كذبا، وكثيرا ما تكون نسبته إلى الغير خطئا، وإذا لم يقع التثبت في نسبة الأقوال والأفعال هل هي حق أم باطل، وإذا لم يحصل التحقق منها ومن ملابساتها، وقع المسلمون في البلبلة أحيانا، وفي الظلم أحيانا، وارتكبوا من الشطط وسوء التقدير، ما يؤدي إلى سوء المصير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين٦ ﴾، قال ابن كثير : " من ها هنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال، لاحتمال فسقه في نفس الأمر ".
ثم لفتت الآيات الكريمة أنظار المؤمنين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ملزما بموافقة أصحابه وترضيتهم في جميع ما يعرضون عليه من رغبات وآراء، فقد يرغبون في شيء يظنونه خيرا وليس بخير، وقد يرون الرأي يعتقدونه صالحا وهو غير صالح، فالمرجع الأعلى للمسلمين يجب أن يظل دائما وأبدا هو مقام الرسالة الأسمى، وذلك ما يشير إليه قوله :﴿ واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ﴾، أي : اعلموا أن بين أظهركم رسول الله، فعظموه وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى الحرج الذي ليس من الدين، وإلى مثل هذا المعنى ينظر قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ﴾ ( المؤمنون : ٧١ ).
وقوله تعالى هنا :﴿ واعلموا أن فيكم رسول الله ﴾، هذا بالنسبة إليه وهو لا يزال على قيد الحياة بين أظهر المسلمين، فإذا فارقهم الرسول وانتقل إلى الرفيق الأعلى كان حاضرا بينهم أيضا، إذ إن كتاب الله وسنة رسوله حاضران وخالدان بين المسلمين على الدوام، فلا بد من الرجوع إليهما والاهتداء بهديهما، على حد قوله صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي ".
ثم عقب كتاب الله بما يقوي في المسلمين روح الطاعة والامتثال، ويدفعهم إلى المزيد من التأدب مع مقام الرسالة، والمزيد من التفاني في تحقيق الأهداف التي رسمتها للمسلمين، وذلك قوله تعالى :﴿ ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم٨ ﴾، وهذه الآيات ترسم في نفس الوقت معالم الإيمان الصحيح لكل من يريد أن يلتحق بركب المؤمنين الصادقين في أي جيل من الأجيال، أو عصر من العصور، ألا وهي محبة الإيمان وكره الكفر، ومحبة التقوى وكره الفسوق، والتزام الطاعة لله ورسوله، وعدم التجرؤ على عصيانهما، فمن كان على هذه الوتيرة خرج من دائرة " السفهاء " ودخل في عداد " الراشدين ". ولعل التعبير " بالراشدين " في هذه الآية، هو السند الذي استند إليه السلف الصالح في إطلاق لقب " الخلفاء الراشدين " على خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام الأولين، رضي الله عنهم أجمعين، علاوة على الحديث الوارد في شأنهم بهذا اللقب.
سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.
وفيما يتعلق بسلوك المؤمنين بعضهم مع بعض في حالة الاضطرابات والقلاقل أوصى كتاب الله بفض كل نزاع قد يقع بينهم، على أساس العدل المطلق، وفي إطار الأخوة الإسلامية الصميمة، التي تعتبر المؤمنين كلهم إخوة في دين الله، وذلك قوله تعالى :﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين٩ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون١٠ ﴾.
سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.
ثم عادت الآيات الكريمة مرة أخرى إلى ذكر الآداب السامية التي يجب أن يلتزمها المسلمون في معاملة بعضهم لبعض، منبهة إلى وجوب تبادل الاحترام وحسن الظن فيما بينهم، وعدم الولوغ في أعراض الآخرين، سواء كانوا حاضرين أو غائبين، وذلك قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ﴾، وقوله تعالى :﴿ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ﴾، وقوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:سورة " الحجرات " مدنية.
هذه السورة الكريمة سميت " سورة الحجرات " أخذا من قوله تعالى فيها :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾، وأول ما يلفت النظر في هذه السورة الكريمة على العموم، وخاصة في الربع المخصص لهذا اليوم، أن آياتها البينات تعنى على الخصوص بإرشاد المؤمنين إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم نحو الله ورسوله، بعضهم نحو بعض، وما ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم جميعا نحو غيرهم من بقية الناس.
ثم عادت الآيات الكريمة مرة أخرى إلى ذكر الآداب السامية التي يجب أن يلتزمها المسلمون في معاملة بعضهم لبعض، منبهة إلى وجوب تبادل الاحترام وحسن الظن فيما بينهم، وعدم الولوغ في أعراض الآخرين، سواء كانوا حاضرين أو غائبين، وذلك قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ﴾، وقوله تعالى :﴿ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ﴾، وقوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ﴾.

وختمت آيات هذا الربع بخطاب موجه إلى بني الإنسان عموما وإلى المسلمين خصوصا، يتضمن الإشارة إلى أن " الإنسانية " رغم ما فيها من اختلاف في الأجناس والألوان والأديان، تعتبر وحدة مترابطة فيما بينها، فلا بد للمسلمين إذن من التعارف مع غيرهم، ومن التعاون مع كل من يجنح إلى التعاون معهم على ما فيه خير الإنسانية عموما، وخير الإسلام خصوصا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير١٣ ﴾.
الربع الثالث من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
كما تحدث كتاب الله في سورة " الفتح " عن المخلفين من الأعراب الذين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله عام الحديبية، لظنهم بالله ظن السوء، تحدث كتاب الله في مطلع هذا الربع من سورة " الحجرات " المدنية عن طائفة أخرى من الأعراب دخلوا في الإسلام، ثم أخذوا يتبجحون ويمنون على رسول الله، بأنهم انضموا إلى صفوف المسلمين ولم يقاتلوهم، كما قاتلهم غيرهم من العرب.
وقد فهم الإمام البخاري من الآيات الواردة في هذا الربع، بشأن هذه الطائفة من الأعراب أنهم داخلون في عداد المنافقين، بينما فهمها ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة على أن القصد منها هو أن أولئك الأعراب لم يكونوا منافقين، وإنما لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، وادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدّبوا على ذلك حتى لا يمنوا على الله ورسوله بشيء، ولو كانوا منافقين بالمرة لعنفوا وفضحوا كما عنف غيرهم في سورة أخرى، وهذا الفهم هو الذي اختاره ابن جرير الطبري في تفسيره وارتضاه ابن كثير، ﴿ قالت الأعراب آمنا ﴾، فقيل لهم تأديبا :﴿ قل لم تؤمنوا ﴾، أي : لم تؤمنوا الإيمان الكامل، ﴿ ولكن قولوا أسلمنا ﴾، أي استسلمنا وسالمنا، فالإسلام هنا لا يزيد على الاعتراف باللسان، والانقياد والجوارح، وعصمة الدم والمال، ﴿ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾، أي ولم يتمكن الإيمان الكامل من قلوبكم بعد، ﴿ وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ﴾، أي أن الله تعالى –رغما عن أن إيمانكم لم يصل بعد إلى درجة الكمال- لا ينقصكم من أجوركم شيئا إذا التزمتم الطاعة لله ورسوله، فلن تضيع أعمالكم كما تضيع أعمال الكفار، ﴿ إن الله غفور رحيم ﴾ " غفور " لمن تاب، " رحيم " لمن أناب.
ثم وصفت الآيات الكريمة خصال المؤمنين الكاملين الذين يضرب بهم المثل في الإيمان، فقال تعالى :﴿ إنما المؤمنون ﴾، أي : المؤمنون الكاملون إيمانا، ﴿ الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ﴾، أي ثبتوا بعد إيمانهم على وثيرة واحدة من التصديق القلبي الخالص، دون تردد ولا تزعزع ولا اضطراب، فقد يؤمن الشخص العادي ثم تعرض له عوارض وطوارئ تزعزع إيمانه، وتهز كيانه، أما المؤمن الحق فلا يزعزع إيمانه أي شيء، لا في الشدة ولا في الرخاء، لا في السراء ولا في الضراء، وهذه الآية :﴿ الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ﴾، واردة على غرار قوله تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ﴾ ( فصلت : ٣٠ )، فالسر كله في " الاستقامة " إذ عن طريقها ومن خلالها يبرز ما ينطوي عليه القلب من عقيدة صالحة وإيمان صحيح.
وقوله تعالى :﴿ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾، هذه صفة أخرى مميزة لكاملي الإيمان، فهم يؤمنون بأن كل ما يملكونه من نفس ونفيس إنما هو عطية من الله وهبة منه، ولذلك فهم لا يبخلون ببذل هباته وعطاياه، بما فيها المهج والأرواح، ما دامت في سبيله وابتغاء مرضاته.
وعقب كتاب الله على هذه الصفات المثالية لأهل الكمال من المؤمنين، بما يفيد أن المتصفين بها قولا وعملا، والعاملين بمقتضاها سرا وعلنا، هم " الصادقون " في إيمانهم، إذ تشهد بذلك تصرفاتهم وتضحياتهم، كما يشهد به وفاؤهم وثباتهم، فقال تعالى :﴿ أولئك هم الصادقون ﴾، بخلاف أولئك الأعراب الذين يمنون على رسول الله بإعلان إسلامهم، وكونهم لا يقاتلونه مثل بقية العرب، فهؤلاء لا زالوا في المرحلة الأولى من مراحل الإيمان، وهم يتدرجون في طريقهم إلى بقية المراحل، بقدر ما تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم يوما بعد يوم.
ثم خاطب كتاب الله أولئك " الأعراب السذج "، مبينا لهم أن الحق سبحانه وتعالى- الذي يعلم السر وأخفى- غني عن أن يكشفوا له عما في ضمائرهم، فمن أحاط بكل شيء علما، وهو يعلم ما في السماوات وما في الأرض، لا يتوقف على تصريحاتهم، ليطلع على مكنوناتهم، ﴿ قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ﴾.
وكشفت الآيات الكريمة الستار عن طبيعة الموقف الساذج الذي وقفه أولئك الأعراب، والذي دعا إلى تأديبهم وتهذيبهم حتى لا يعودوا لمثله، فقال تعالى :﴿ يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم ﴾، ثم يتجه إليهم خطاب الله على سبيل التنزل، بأنهم على فرض أنهم صادقون في الجمع بين الإسلام والإيمان، فإن المنة في إسلامهم وإيمانهم إنما هي لله ورسوله، إذ هو الذي هداهم إلى طريق الإيمان أولا وأخيرا، وذلك قوله تعالى :﴿ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ﴾.
وختمت سورة " الحجرات " المدنية بما يؤكد إحاطة علم الله بكل شيء، ولا سيما العلم بغيب السماوات والأرض، بما فيه غيب السرائر والضمائر، وذلك قوله تعالى :﴿ إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون١٨ ﴾.
Icon