تفسير سورة الحديد

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

[١٩٣/ ا]

ومن سورة الحديد
قوله عز وجل: هُوَ الْأَوَّلُ (٣).
يريد: قبل كل شيء. «وَالْآخِرُ» (٣) بعد كل شىء.
«وَالظَّاهِرُ» (٣) على كل شىء علما، وكذلك «الْباطِنُ» (٣) عَلَى «١» كل شيء «٢» علما.
وقوله: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (٧) مملّكين فِيهِ، وهو رزقه وعطيته.
القراء جميعًا على: «وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» (٨) ولو قرئت: وَقَدْ أُخِذَ ميثاقكم «٣». لكان صوابًا «٤».
وقوله: فَيُضاعِفَهُ لَهُ (١١) :
يقرأ «٥» بالرفع والنصب «٦» : فمن رفعه جعل الفاء عطفًا ليست بجواب «٧» كقولك: من ذا الَّذِي يحسن ويجمل «٨» ؟ ومن نصب جعله جوابًا للاستفهام، والعرب تصل (مَن) فِي الاستفهام ب (ذا) حتَّى تصير كالحرف الواحد. ورأيتها فِي بعض مصاحف عَبْد اللَّه: منذا متصلة فِي الكتاب، كما وصل فِي كتابنا وكتاب عَبْد اللَّه «يا بن أمّ». «٩»
وقوله: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (١٢) أي: يضيء بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، والباء فِي «بِأَيْمانِهِمْ» فِي معنى فِي، وكذلك: عن.
وقوله: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ (١٢).
ترفع البشرى، والجنات، ولو نويت بالبشرى النصبَ توقع عليها تبشير الملائكة، كأنه قيل لهم:
أبشروا ببشراكم، ثُمَّ تنصب جناتٍ، توقع البشرى عليها.
(١، ٢) سقط فى ح، ش.
(٣) أخذ ميثاقكم كرر فى ح مرتين.
(٤) وهى قراءة أبى عمرو واليزيدي والحسن (الإتحاف: ٤٠٩).
(٥) فى ش: تقرأ.
(٦) الرفع قراءة نافع، وأبى عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف، وقرأ عاصم بالنصب (الإتحاف: ٤١٠)
(٧) سقط فى (ا) والزيادة من ب، ح، ش.
(٨) فى ش: فيجمل.
(٩) من قوله تعالى فى سورة طه ٩٤: الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي.
132
وإن شئت نصبتها عَلَى القطع لأنها نكرة من نعتِ معرفةٍ، ولو رفعتَ البشرى باليوم كقولك: اليوم بشراكم اليوم سروركم، ثم تنصب الجنات «١» عَلَى القطع، ويكون فِي هَذَا المعنى رفع اليوم ونصبه كما قَالَ الشَّاعِر:
زَعم البوارِحُ أنَّ رِحلتنا غدا وبذاك خبرنا الغُدافُ الأسود «٢»
وقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ (١٢) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ذَلِكَ الفوز العظيم» بغير هُوَ.
وفي قراءتنا «ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» : كما كَانَ فِي قراءتنا «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» «٣» (٢٤) وفي كتاب أهل المدينة: «فإن اللَّه الغني الحميد» «٤».
وقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا (١٣) وقرأها يَحيى بْن وثاب والأعمش وحمزة (أَنْظِرُونا). من أنظرت، وسائر القراء على (انظرونا) بتخفيف الألف «٥»، ومعنى: انظرُونا.
انتظِرونا، ومعنى أنظِرونا، أخرونا كما قال: «أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» «٦»، وَقَدْ تَقُولُ العرب:
«انظِرْني» «٧» وهم يريدون: انتظرني «٨» تقويةٌ لقراءة يَحيى، قَالَ الشَّاعِر:
أبا هندٍ فلا تَعْجَلْ علينا وأَنْظِرنا نُخبِرْك اليقِينا «٩»
فمعنى هذه: انتظرنا قليلا نخبرك لأنه ليس هاهنا تأخير، إنَّما هُوَ استماع «١٠» كقولك للرجل:
اسمع مني حتَّى أخبرك:
وقوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ (١٣).
(١) فى ش: ثم نصبت على القطع.
(٢) البيت للنابغة انظر اللسان مادة: قوا وشرح المعلقات السبع للزوزنى: ١٨٧، والغداف: غراب القيظ الضخم. وفى ب، ش يخبرنا مكان خبرنا. [.....]
(٣) وفى المصحف المكي: «فإن الله الغنى الحميد» النشر: ١/ ١١.
(٤) فى ش: فإن الله هو الغنى الحميد. وهو خطأ وسيذكر ما يدل على ذلك فى ص: ١٣٦ الآية.
(٥) التخفيف قراءة طلحة، وزيد بن على (البحر المحيط ٨/ ٢٢١).
(٦) سورة الأعراف: الآية ١٤.
(٧، ٨) سقط فى ش.
(٩) البيت لعمرو بن كلثوم. انظر تفسير الطبري ٢٧/ ٢٢٤، شرح المعلقات للزوزنى: ١٢٢.
(١٠) فى ش: استمعا مع تحريف.
133
قَالَ المؤمنون للكافرين: ارجعوا إلى الموضع الَّذِي أخذنا منه [١٩٣/ ب] النور، فالتمسوا النور مِنْهُ، فلما رجعوا ضرب اللَّه عزَّ وجلَّ بينهم: بين المؤمنين والكفار بسور، وهو السور الَّذِي يكون عَلَيْهِ أهل الأعراف.
وقوله: لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ الجنة، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) النار، وفي قراءة عَبْد اللَّه: ظاهره من تلقائه العذاب.
وقوله: يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ (١٤) على دينكم فى الدنيا، فقال المؤمنون: «بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» (١٤) إلى آخر الآية.
وقوله: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ (١٥).
القراء عَلَى الياء، وَقَدْ قَالَ بعض أهل الحجاز [لا] «١» تؤخذ «٢» والفدية مشتقة من الفداء، فإذا تقدم الفعل قبل «٣» الفدية والشفاعة والصيحة والبينة وما أشبه ذَلِكَ، فإنك «٤» مؤنث فعله وتذكّره «٥»، قَدْ جاء الكتاب بكل ذَلِكَ.
وقوله عز وجل: مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ (١٥) أي: هِيَ أولى بكم.
وقوله: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ (١٦).
وفي يأن لغات: من العرب من يَقُولُ: ألم يأن لك، وأ لم يئن لَكَ مثل: يَعِنْ، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يَنَلْ لَكَ باللام، ومنهم من يَقُولُ: أَلم يُنلْ لَكَ، وأَحسنهن التي أَتى بها القرآن وقوله: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (١٦).
قرأها عاصم، وبعض أهل المدينة (نَزَّلَ) مشددة «٦»، وقرأها «٧» بعضهم: «وما «٨» نَزَلَ» مخففة وفي قراءة عَبْد اللَّه: وما أنزل «٩» من الحق، فهذا قوة لمن قرأ: نزّل.
(١ و ٨) سقط فى ش.
(٢) العبارة فى ح: تؤخذ لفدية، تحريف.
(٣) سقط في ح.
(٤) في ش: فإن تؤنث فعله ويذكره، تحريف.
(٥) قرأ الجمهور لا يؤخذ، وقرأ أبو جعفر والحسن وابن أبى إسحق والأعرج وابن عامر وهرون عن أبى عمرو بالتاء لتأنيث الفدية. البحر المحيط ٨/ ٢٢٢.
(٦) وهى قراءة الجمهور (البحر المحيط ٨/ ٢٢٣).
(٧) هما نافع وحفص. وقرأ الجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو فى رواية عنه مبنيا للمفعول مشددا، وعبد الله: أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل (البحر المحيط: ٨/ ٢٢٣). [.....]
(٩) في ح: وما نزل، وهو تحريف.
134
وقوله: وَلا يَكُونُوا «١» (١٦).
فِي موضع نصب، معناه: ألم يأنِ لهم أن تخشع قلوبهم، وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب، ولو كان جزمًا كَانَ صوابًا عَلَى النهى «٢».
وقوله: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ (١٨).
قرأها عاصم: إنّ المصَدِّقين والمصَدِّقات بالتخفيف للصاد، يريد: الَّذِينَ صدّقوا اللَّه ورسوله، وقرأها آخرون: إِن «٣» المصَّدقين يريدون: المتصدقين بالتشديد، وهي فِي قراءة أُبّي: إن المتصدقين والمتصدقات بتاءٍ ظاهرة «٤»، فهذه «٥» قوة لمن قَرَأَ إن المصّدّقين «٦» بالتشديد «٧».
وقوله: أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ (١٩) انقطع الكلام عند صفة الصديقين.
ثُمَّ قَالَ: «وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (١٩) يعني: النبيين لهم أجرهم ونورهم، فرفعتَ الصديقين بهم، ورفعت الشهداء بقوله: «لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» (١٩).
وقوله: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ (٢٠).
ذكر ما فى الدنيا، وأنه على ما «٨» وصف، وأمَّا الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنةً، والواو فِيهِ واو بمنزلة واحدة كقولك: ضع الصدقة فِي كل يتيم وأرملة، وإن قلت: فِي كل يتيم أَوْ أرملة، فالمعنى واحد والله أعلم.
وقوله: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ (٢٢).
أي ما أصاب الآدمي فِي الأرض من مصيبة مثل: ذهاب المال، والشدة، والجوع، والخوف
(١) في (ا) ولا تكونوا.
(٢) في (ا) كالنهى.
(٣) سقط فى ب.
(٤) وهذا هو أصل الكلمة.
(٥) سقط فى ح.
(٦) في ح. المتصدقين تحريف.
(٧) قرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد من التصديق، أي صدقوا الرسول صلّى الله عليه وسلم، وافقهما بن محيصن، والباقون بالتشديد فيهما من تصدق أعنى الصداقة، والأصل: المتصدقين والمتصدقات، أدغم التاء فى الصاد (الإتحاف ٤١٠).
(٨) سقطت الواو في ح، ش.
135
«وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ» الموت فِي الولد، وغير الولد، والأمراض «١» «إِلَّا فِي كِتابٍ» يعني: فِي العلم الأول، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرأَ تلك النفس أي: «٢» نخلقها، إِنَّ ذَلِكَ على الله يسير، ثُمَّ «٣» يَقُولُ: إن حفظ ذَلِكَ من جميع [١٩٤/ ا] الخلق عَلَى اللَّه يسير، ثُمَّ أدّب عباده، فَقَالَ: هَذَا «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ». أي: لا تحزنوا «٤» :«وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» (٢٣)، ومن قرأ: بما أتاكم بغير مد يجعل الفعل- لما «٥».
وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (٢٤).
هَذِهِ اليهود بخلت حسدًا أن تُظهِر «٦» صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسدًا للِإسلام لأنَّه يُذهب ملكهم.
وقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤).
وفي قراءة أهل المدينة بغير- هُوَ- «٧» دليل عَلَى ذَلِكَ.
وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (٢٥).
ذكر أن اللَّه عزَّ وجلَّ أنزل: القلاة والكلْبَتين والمِطرقة. قَالَ «٨» الفراء: القلاة: السَّندان.
وقوله: فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (٢٥).
يريد: السلاح للقتال، ومنافع للناس «٩» مثل: السكين، والفأس، والمز «١٠» وما أشبه ذَلِكَ.
وقوله: النُّبُوَّةَ (٢٦).
وفي مصحف عَبْد اللَّه بالياء بياءين: النَّبييّة بياءين والهمزة فِي كتابه تثبت بالألف فِي كل نوع،
(١) في ح: والأرض، تحريف.
(٢) فى ش: أن، تحريف.
(٣) سقط في ب، ش.
(٤) في ح، ش: وقال: ولا تفرحوا.
(٥) هى قراءة أبى عمرو والحسن، والباقين بالمد من الإيتاء أي بما أعطاكم الله إياه. (الإتحاف: ٤١١). [.....]
(٦) في ش:: أن يظهروا.
(٧) فى مصاحف أهل المدينة فإن الله الغنى الحميد (البحر المحيط ١/ ٣٩٨).
(٨) مكررة فى ب.
(٩) فى القرطبي: عن ابن عباس، نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين: السّندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة.
(١٠) كذا فى النسخ ولعلها المسن.
136
فلو كانت همزة لأثبَتت بالألف، ولو كانت الفعولة لكانت بالواو، ولا تخلو أن تكون مصدر النبأ «١» أو النبيّة مصدرًا فنسبت «٢» إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والعرب تَقُولُ: فعَل ذَلِكَ «٣» فِي غُلوميته، وفي غلومته «٤»، وفي غلاميته، وسمع الكِسَائِيّ العرب تَقُولُ: فعل ذلك فِي وليديته يريد: وهو وليد أي: مولود، فما جاءك من مصدر لاسم موضوع، فلك فِيهِ: الفُعولة، والفُعولية، وأن تجعله منسوبًا عَلَى صورة الاسم، من ذَلِكَ أن تقول: عبد بين العبودية، والعبودة والعبدية «٥»، فقس عَلَى هَذَا.
وقوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (٢٨) الكفل: الحظ، وهو فِي الأصل ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عَنِ «٦» السقوط، يَقُولُ:
يحصنكم الكِفل من عذاب اللَّه، كما يحصّن هَذَا الراكب الكفلُ من السقوط.
وقوله: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (٢٩) وفى قراءة عبد الله: لكى يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون، والعرب تجعل لا صلة فِي كل كلام دخل «٧» فِي آخره جحد، أَوْ فِي أوله جحد غير مصرح، فهذا مما دخل آخره الجحد، فجعلت (لا) فِي أوله صلة. وأمَّا الجحد السابق الَّذِي لم يصرح بِهِ «٨» فقوله عزَّ وجلَّ: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» «٩».
(١) فى ح: مصدرا للنبأ.
(٢) في ب: مصدر نسبت، وفي ش: مصدرا نسبت.
(٣) فى ش: ذاك.
(٤) في ح: غلومية، تحريف.
(٥) سقط فى ح، ش.
(٦) فى ش: على، تحريف.
(٧) فى ش: داخل.
(٨) سقط فى ح.
(٩) سورة الأعراف الآية: ١٢. [.....]
Icon