تفسير سورة المدّثر

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى بِنَا ابْنُ عَبَّاسٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ- فَقَنَتَ، وَرفع يَدَيْهِ: حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَيْنَ يَدَيْهِ لَرَأَى بَيَاضَ إبْطَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ: الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي كِتَابِهِ: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ، وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) «١»
(أَنَا) أَبُو على الروذبارى، أَنا إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارَ، نَا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ السَّمْحِ، ثَنَا سَهْلُ بن تَمام، نَا أَبُو الْأَشْهَبِ، وَمُسْلِمُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: «قَبْلَ الرُّكُوعِ «٢» ».
(أَخْبَرَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبى عَمْرو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ). فَقِيلَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
قَانِتِينَ: مُطِيعِينَ وَأمر رَسُول لله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالصَّلَاةِ قَائِمًا وَإِنَّمَا «٣»
خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ أَطَاقَهَا فَإِذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ: صَلَّى قَاعِدًا.».
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَثِيابَكَ)
(١) قد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٢ ص ٢٠٥) مُخْتَصرا، وَأخرجه الطَّبَرِيّ فى تَفْسِيره (ج ٢ ص ٣٥٤) بِالزِّيَادَةِ الَّتِي ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ هُنَا عقب ذَلِك. [.....]
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى «ج ٢ ص ٢٠٦- ٢١٢»
الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي وَردت فى أَن الْقُنُوت قبل الرُّكُوع أَو بعده.
(٣) عِبَارَته فى الْأُم «ج ١ ص ٦٩» «وَإِذا خُوطِبَ بالفرائض من أطاقها: فاذا كَانَ الْمَرْء مطيقا للْقِيَام فى الصَّلَاة: لم يجز إِلَّا هُوَ، إِلَّا عِنْد مَا ذكرت، من الْخَوْف، وَإِذا لم يطق الْقيام:
صلى قَاعِدا، وَركع وَسجد: إِذا أطَاق الرُّكُوع وَالسُّجُود.»
.
80
(فَطَهِّرْ: ٧٤- ٤) قِيلَ: صَلِّ «١» فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ:
أَشْبَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَرَ: أَنْ يُغْسَلَ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْب.». يعْنى «٢» : للصَّلَاة.
قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي عُمَرَ صَاحِبِ ثَعْلَبٍ، قَالَ: قَالَ ثَعْلَبٌ- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ).-: «اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَة: الثِّيَاب هَاهُنَا: السَّاتِرُ وَقَالَتْ طَائِفَة: الثِّيَاب هَاهُنَا:
الْقَلْبُ «٣»
.».
(أَخْبَرَنَا) عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشْرَانَ، عَنْ أَبِي عُمَرَ فَذَكَرَهُ.
(أَخْبَرَنَا) أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«بَدَأَ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) خَلْقَ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ، وَجَعَلَهُمَا مَعًا طَهَارَةً وَبَدَأَ خَلْقَ وَلَدِهِ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ. فَكَانَ- فِي ابْتِدَاءِ «٤» خَلْقِ آدَمَ مِنْ الطَّاهِرَيْنِ: اللَّذَيْنِ هُمَا الطَّهَارَةُ «٥».-: دَلَالَةٌ «٦» لِابْتِدَاءِ خَلْقِ غَيْرِهِ: أَنَّهُ مِنْ مَاءٍ طَاهِرٍ
(١) عبارَة الام «ج ١ ص ٤٧» «يصلى» وَمَا هُنَا أولى وأنسب.
(٢) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله.
(٣) هَذَا هُوَ التَّفْسِير الثَّانِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ.
(٤) عبارَة الْأُم (ج ١ ص ٤٧) :«ابْتِدَائه» وَلَا فرق فى الْمَعْنى.
(٥) فى الأَصْل: «طَهَارَة» وَمَا أَثْبَتْنَاهُ- وَهُوَ الْأَحْسَن- من عبارَة الْأُم الَّتِي وَردت هَكَذَا: «من الطهارتين اللَّتَيْنِ هما الطَّهَارَة».
(٦) عبارَة الْأُم: «دلَالَة أَن لَا يبْدَأ خلق غَيره إِلَّا من طَاهِر لَا من نجس».
81
لَا نَجَسٌ «١».».
وَقَالَ فِي (الْإِمْلَاءِ) - بِهَذَا الْإِسْنَادِ-: «الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجَسٍ: لِأَنَّ اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَبْتَدِئَ خَلْقَ مَنْ كَرَّمَهُمْ «٢»، وَجَعَلَ مِنْهُمْ:
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلَ جَنَّتِهِ.- مِنْ نَجَسٍ:
فَإِنَّهُ يَقُولُ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ: ١٧- ٧٠) وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
( [خَلَقَ الْإِنْسانَ «٣» ] مِنْ نُطْفَةٍ: ١٦- ٤) ( [أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ «٤» ] مِنْ ماءٍ مَهِينٍ).».
«وَلَوْ لَمْ [يَكُنْ «٥» ] فِي هَذَا، خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُقُولُ تَعْلَمُ: أَنَّ الله لَا يبتديء خَلْقَ مَنْ كَرَّمَهُ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ مِنْ نَجَسٍ. [فَكَيْفَ «٦» ] مَعَ مَا فِيهِ: مِنْ الْخَبَرِ، عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :«أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ: قَدْ أَصَابَهُ الْمَنِيُّ فَلَا يَغْسِلُهُ إنَّمَا يَمْسَحُ رَطْبًا، أَوْ يَحُتُّ «٧» يَابِسًا» : عَلَى مَعْنَى التَّنْظِيفِ «٨».
(١) فى الْأُم بعد ذَلِك: «ودلت سنه رَسُول الله على مثل ذَلِك» ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة فى فرك المنى من ثوب رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فى عبارَة الْإِمْلَاء الْآتِيَة.
(٢) فى الأَصْل: «كرمه» وَقد راعينا فِيمَا أَثْبَتْنَاهُ، قَوْله: وَجعل مِنْهُم وَظَاهر الْآيَة الْكَرِيمَة الذُّكُورَة بعد.
(٣) زِيَادَة لَا بَأْس بهَا.
(٤) زِيَادَة لَا بَأْس بهَا.
(٥) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا.
(٦) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا. [.....]
(٧) فى الأَصْل: «أَو نعت»، وَهُوَ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
(٨) انْظُر الْأُم (ج ١ ص ٤٧- ٤٨).
82
Icon