تفسير سورة المرسلات

الكشاف أو تفسير الزمخشري
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري .
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مكية وآياتها خمسون

سورة المرسلات
مكية، [إلا آية ٤٨ فمدنية] وآياتها ٥٠ [نزلت بعد الهمزة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦)
أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة، أرسلهنّ بأوامره فعصفن في مضيهن كما تعصف الرياح، تخففا في امتثال أمره، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي. أو نشرن الشرائع في الأرض. أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين، ففرّقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عُذْراً للمحقين أَوْ نُذْراً للمبطلين. أو أقسم برياح عذاب أرسلهن. فعصفن، وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجوّ ففرّقن بينه، كقوله: وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً أو بسحائب نشرن الموات، ففرّقن بين هن يشكر لله تعالى وبين من يكفر، كقوله لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فألقين ذكرا إمّا عذرا للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها، وإما إنذارا الذين يغفلون الشكر لله وينسبون ذلك إلى الأنواء، وجعلن ملقيات للذكر لكونهن سببا في حصوله إذا شكرت النعمة فيهن أو كفرت. فإن قلت: ما معنى عرفا؟ قلت: متتابعة كشعر العرف «١». يقال: جاءوا عرفا واحدا، وهم عليه كعرف الضبع: إذا تألبوا عليه، ويكون بمعنى العرف الذي هو نقيض النكر، وانتصابه على أنه مفعول له، أى: أرسلن للإحسان والمعروف، والأول على الحال. وقرئ: عرفا على التثقيل، نحو نكر في نكر. فإن قلت:
قد فسرت المرسلات بملائكة العذاب، فكيف يكون إرسالهم معروفا؟ قلت: إن لم يكن معروفا للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين الذين انتقم الله لهم منهم. فإن قلت: ما العذر والنذر، وبما انتصبا؟ قلت: هما مصدران من أعذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوّف على
(١). قوله «كشعر العرف» في الصحاح «العرف» : عرف الفرس. وقوله تعالى وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً يقال: هو مستعار من عرف الفرس، أى: يتتابعون كعرف الفرس. وفيه «تألبوا» : تجمعوا. (ع)
فعل، كالكفر والشكر، ويجوز أن يكون جمع عذير، بمعنى المعذرة، وجمع نذير بمعنى الإنذار.
أو بمعنى العاذر والمنذر. وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكرا على الوجهين الأوّلين. أو على المفعول له. وأما على الوجه الثالث فعلى الحال بمعنى عاذرين أو منذرين. وقرئا: مخففين ومثقلين.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٧ الى ١٥]
إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)
إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لكائن نازل لا ريب فيه، وهو جواب القسم.
وعن بعضهم: أن المعنى: ورب المرسلات طُمِسَتْ محيت ومحقت. وقيل: ذهب بنورها ومحق ذواتها، موافق لقوله انْتَثَرَتْ وانْكَدَرَتْ ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور فُرِجَتْ فتحت فكانت أبوابا. قال الفارجى: باب الأمير المبهم نُسِفَتْ كالحب إذا نسف بالمنسف. ونحوه وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا وقيل: أخذت بسرعة من أماكنها، من انتسفت الشيء إذا اختطفته. وقرئت: طمست: وفرجت ونسفت مشدّدة. قرئ: أقتت. ووقتت، بالتشديد والتخفيف فيهما. والأصل: الواو. ومعنى توقيت الرسل: تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم. والتأجيل: من الأجل، كالتوقيت: من الوقت لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ تعظيم لليوم، وتعجيب من هوله لِيَوْمِ الْفَصْلِ بيان ليوم التأجيل، وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق. والوجه أن يكون معنى وقتت: بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره: وهو يوم القيامة. وأجلت: أخرت. فإن قلت: كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ؟ قلت: هو في أصله مصدر منصوب سادّ مسدّ فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه. ونحوه سَلامٌ عَلَيْكُمْ ويجوز: ويلا، بالنصب، ولكنه لم يقرأ به. يقال: ويلا له ويلا كيلا.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
قرأ قتادة: نهلك، بفتح النون، من هلكه بمعنى أهلكه. قال العجاج:
ومهمه هالك من تعرّجا «١»
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ بالرفع على الاستئناف، وهو وعيد لأهل مكة. يريد: ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين، ونسلك بهم سبيلهم لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم. ويقويها قراءة ابن مسعود. ثم سنتبعهم. وقرئ بالجزم للعطف على نهلك. ومعناه: أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود، ثم أتبعهم الآخرين من قوم شعيب ولوط وموسى كَذلِكَ مثل ذلك الفعل الشنيع نَفْعَلُ بكل من أجرم إنذارا وتحذيرا من عاقبة الجرم وسوء أثره.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٤]
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)
إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به: وهو تسعة الأشهر، أو ما دونها، أو ما فوقها فَقَدَرْنا فقدّرنا ذلك تقديرا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ فنعم المقدّرون له نحن. أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن، والأوّل أولى لقراءة من قرأ: فقدّرنا بالتشديد، ولقوله مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨)
الكفات: من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه: وهو اسم ما يكفت، كقولهم: الضمام والجماع لما يضم ويجمع، يقال: هذا الباب جماع الأبواب، وبه انتصب أَحْياءً وَأَمْواتاً كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتا. أو بفعل مضمر يدل عليه وهو تكفت. والمعنى: تكفت أحياء على ظهرها، وأمواتا في بطنها. وقد استدل بعض أصحاب الشافعي رحمه الله على قطع النباش بأنّ الله تعالى جعل الأرض كفاتا للأموات، فكان بطنها حرزا لهم، فالنباش سارق من الحرز.
فإن قلت: لم قيل أحياء وأمواتا على التنكير، وهي كفات الأحياء والأموات جميعا؟ قلت:
(١).
ومهمه هالك من تعرجا لا يرتجى الخريت منها مخرجا
العجاج. والمهمه: المفازة القفرة. ويقال: أهلكه وهلكه. ومنه: هالك من تعرج. وعرج وتعرج: إذا نزل في المكان. والخريت: الدليل العارف بالطرق الضيقة، ولو مثل خرت الابرة، أى: لا يرجو الدليل مخرجا منها إذا ولجها، فما بال غيره، وهو مع ذلك قطعه بالسير.
هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون وأمواتا لا يحصرون، على أنّ أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء والأموات. ويجوز أن يكون المعنى: تكفتكم أحياء وأمواتا، فينتصبا على الحال من الضمير، لأنه قد علم أنها كفات الإنس. فإن قلت:
فالتنكه في رَواسِيَ شامِخاتٍ وماءً فُراتاً؟ قلت: يحتمل إفادة التبعيض، لأنّ في السماء جبالا قال الله تعالى وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ وفيها ماء فرات أيضا، بل هي معدنه ومصبه، وأن يكون للتفخيم.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٧]
انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)
أى يقال لهم: انطلقوا إلى ما كذبتم به من العذاب، وانطلقوا الثاني تكرير. وقرئ:
انطلقوا على لفظ الماضي إخبارا بعد الأمر عن عملهم بموجبه، لأنهم مضطرون إليه لا يستطيعون امتناعا منه إِلى ظِلٍّ يعنى دخان جهنم، كقوله: وظل من يحموم ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ بتشعب لعظمه ثلاث شعب، وهكذا الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب. وقيل: يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش لا ظَلِيلٍ تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين وَلا يُغْنِي في محل الجر، أى: وغير مغن عنهم من حرّ اللهب شيئا بِشَرَرٍ وقرئ:
بشرار كَالْقَصْرِ أى كل شررة كالقصر من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر، الواحدة قصرة، نحو: جمرة وجمر. وقرئ: كالقصر، بفتحتين: وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل، نحو شجرة وشجر. وقرأ ابن مسعود: كالقصر بمعنى القصور، كرهن ورهن. وقرأ سعيد ابن جبير: كالقصر في جمع قصرة، كحاجة وحوج جِمالَتٌ جمع جمال. أو جمالة جمع جمل، شبهت بالقصور، ثم بالجمال لبيان التشبيه. ألا تراهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل «١».
وقرئ: جمالات، بالضم: وهي قلوس الجسور. وقيل: قلوس سفن البحر، الواحدة جمالة.
(١). قوله «بالأفدان والمجادل» جمع فدن وجمع مجدل، وكلاهما بمعنى القصر، كذا في الصحاح. وفيه أيضا «الجسر» بالفتح: الفطيم من الإبل. وفيه «القلس» : حبل ضخم من قلوس السفن. (ع)
680
وقرئ: جمالة، بالكسر، بمعنى: جمال: وجمالة بالضم: وهي القلس. وقيل صُفْرٌ لإرادة الجنس. وقيل صُفْرٌ: سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي:
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى «١»
وقال أبو العلاء:
حمراء ساطعة الذّوائب في الدّجى ترمى بكلّ شرارة كطراف «٢»
فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة، وكأنه قصد بخبثه: أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله «حمراء» توطئة لها ومناداة عليها، وتنبيها للسامعين على مكانها، ولقد عمى: جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا، كأنه جمالات صفر، فإنه بمنزلة قوله: كبيت أحمر، وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين: من جهة العظم، ومن جهة الطول في الهواء. وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس:
تشبيه من ثلاث جهات: من جهة العظم والطول والصفرة، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.
قرئ بنصب اليوم، ونصبه الأعمش، أى: هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت: ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت، ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا ينفع ولا يسمع فَيَعْتَذِرُونَ عطف
(١). لعمرو بن حطان يصف جهنم. وشبهها في اختطافها للكفار بلهيبها وكلاليبها بعاقل يصح منه الدعاء على سبيل المكتبة، فالدعاء والرمي: تخييل، والصوت ترشيح. ويجوز أنها تفعل ذلك حقيقة، كقولها هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وقال ابن عباس: تدعو الناس بأسمائهم بلسان فصيح وتقول: إلىّ إلىّ، تلتقطهم كما يلقط الطير الحب، ثم قال:
ورمتهم بشرر مثل الجبال الصفر. والمراد التي يرهق سوادها صفرة. ونزاعة للشوى: فاعل. والشوى: اسم جمع شواة، وهي الشواية: البقية القليلة من اللحم ونحوه، وتصغر شواية على شوية لزيادة التحقير. ويحتمل أن «شوية» تصغير شيء، قلبت ياؤه واوا وقلبت همزته ياء وألحق التاء المثناة. وقيل الشوى: الأطراف والجلد. وقيل:
كل ما ليس مقتلا للإنسان، يعنى أنها تنزع جلود أهلها وأطرافهم، لكن يبدلون غيرها، والألف في قافية البيت للإطلاق.
(٢).
الموقدى نار القرى الأصال والاسحار بالأهضام والاشعاف
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ترمى بكل شرارة كطراف
لأبى العلاء المعرى يصف قوما بالكرم، والموقدى حذفت نوته بالاضافة لمفعوله. والآصال: جمع أصيل، نصب على الظرفية، أى: يوقدن النار في الآصال العشاء. وفي الأسحار لتعجيل الغذاء. والأهضام: المواضع المطمئنة.
والأشعاف: أعالى الجبل، حمراء: حال من النار. وذوائبها: أطراف لهبها في الدجى، أى: الظلم، ترمى: جملة حالية. وشبه الشرارة بالطراف: وهو بيت من أدم في العظم والحمرة، وإذا كانت الشرارة كذلك فكيف النار كلها؟ [.....]
681
على يُؤْذَنُ منخرط في سلك النفي. والمعنى: ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن. ولو نصب لكان مسببا عنه لا محالة.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٣٨ الى ٤٥]
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥)
جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ كلام موضح لقوله هذا يَوْمُ الْفَصْلِ لأنه إذا كان يوم الفصل بين السعداء والأشقياء وبين الأنبياء وأممهم. فلا بدّ من جمع الأولين والآخرين، حتى يقع ذلك الفصل بينهم فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة كُلُوا وَاشْرَبُوا في موضع الحال من ضمير المتقين، في الظرف الذي هو في ظلال، أى: هم مستقرّون في ظلال، مقولا لهم ذلك.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٤٦ الى ٥٠]
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
وكُلُوا وَتَمَتَّعُوا حال من المكذبين، أى الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا فإن قلت: كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت: يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم، وكانوا من أهله تذكيرا بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد. وفي طريقته قوله:
إخوتى لا تبعدوا أبدا وبلى والله قد بعدوا «١»
يريد: كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بذلك، وعلل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قلائل، ثم البقاء في الهلاك أبدا. ويجوز أن يكون كُلُوا وَتَمَتَّعُوا كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا ارْكَعُوا اخشعوا لله وتواضعوا له بقبول
(١). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٤٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
Icon