تفسير سورة الشرح

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

يقول تعالى :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ يعني قد شرحنا لك صدرك أي نورناه، وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله :﴿ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ]، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق؟ وقيل : المراد بقوله :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ شرح صدره ليلة الإسراء، وهذا وإ، كان واقعاً ليلة الإسراء ولكن لا منافاة، فإن من حملة شرح صدره الحسي الشرح المعنوي أيضاً، وقوله تعالى :﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾، بمعنى ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ]، ﴿ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ الإنقاض الصوت أي أثقلك حمله، وقوله تعالى :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ قال مجاهد : لا أذكر إلاّ ذكرت معي « أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله » وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي بها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، روى ابن جرير عن أبي سعيد عن رسول الله ﷺ أنه قال :« أتاني جبريل فقال : إن ربي وربك يقول، كيف رفعت ذكرك؟ قال : الله أعلم، قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي » وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان، يعني ذكره فيه، كما قال حسان بن ثابت :
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أُممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته، فلا يذكر إلاّ ذكر معه.
وقوله تعالى :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر، بقوله ﴿ إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾، قال الحسن : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين، وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله ﷺ بشّر أصحابه بهذه الآية فقال :« لن يغلب عسر يُسْرَيْن »، ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدّد، ولهذا قال :« لن يغلب عسر يسرين » يعني قوله :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ فالعسر الاول عين الثاني، واليسر تعدّد ومما يروى عن الشافعي أنه قال :
2719
وقال الشاعر :
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الامور نجا
من صدّق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
وقوله تعالى :﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب * وإلى رَبِّكَ فارغب ﴾ أي إذا فرغت من أُمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، واخلص لربك النية والرغبة، قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربك، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وفي رواية عنه ﴿ فانصب ﴾ بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس، وقال ابن عباس ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب ﴾ يعني في الدعاء، وقال الضحّاك ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ ﴾ أي من الجهاد ﴿ فانصب ﴾ أي في العبادة ﴿ وإلى رَبِّكَ فارغب ﴾ قال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزَّ وجلَّ.
2720
Icon