ﰡ
[سورة الإسراء]
فاتحة سورة الإسراءلا يخفى على من سلك نحو توحيد الحق سلوكا تدريجيا طالبا الترقي من مرتبة الى مرتبة أعلى منها وارفع رتبة ومكانة ان لكل واحد من ارباب الولاء الطالبين للعروج الى معارج التوحيد معراجا مخصوصا ومقصدا معينا ومشربا خاصا مقدرا عند الله مثبتا في لوح قضائه وحضرة علمه وان كان مقصدا لكل بحسب الذات واحدا الا انه قد وقع التفاضل والتفاوت في المعارج لحكم ومصالح لا يعلمها الا هو فلا بد للسالك المسترشد ان يستكمل ويسترشد الى ان يصل الى معراجه المعين المقدر له من عنده سبحانه فإذا وصل اليه وحصل دونه فقد أدرك معراجه ونال مقره ومقصده من التوحيد وعند ذلك انقطع سيره وتم سلوكه وبعد ذلك سار وسلك فيه لا به واليه الى ان حار وفنى وليس وراء الله مرمى ومنتهى واشرف المعارج وأكملها وأتم المراقي وأعلاها وأشملها معراج نبينا صلّى الله عليه وسلّم إذ قد انكشف له التوحيد الذاتي الى حيث قد شهد الحق شهودا عينيا حقيا وتكلم معه كلاما تفصيليا بلا كيف واين وبلا وضع وجهة لا مقابلة ولا مقارنة ولا قرب ولا بعد بل حضور وسرور وحصول ووصول لا يفهمها الا ذوو الأذواق الصحيحة والمشارب الصافية من ارباب العناية الفائزين بالفوز العظيم بمتابعته صلّى الله عليه وسلّم وذلك بعد انخلاعه عن جلباب ناسوته وتشرفه بخلعته اللاهوتية لذلك أسند سبحانه اسراءه صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج الى نفسه تفضلا عليه وتكريما فقال متيمنا باسمه العظيم بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى لحبيبه بمقتضى ذاته المستجمع لجميع أوصافه لذلك قد صارت مرتبته جامعة لجميع المراتب وغاية لعموم شئون الحق وتطوراته الرَّحْمنِ له يوصله الى ذروة معارج عنايته ظاهرا الرَّحِيمِ له يخرجه عن بقعة الإمكان ويهديه الى فضاء الوجوب باطنا
[الآيات]
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى نزه سبحانه ذاته مما يجب تنزهه عنه في حضرة علمه وأبهم اسمه حسب تعاليه وترفعه في ذاته عن افهام عباده وأوصله بالاسراء الحقيقي الذي هو عبارة عن إخراج العبد من ظلمة الإمكان الذي هو الليل الحقيقي الى نور الوجوب الذي هو النهار الحقيقي بِعَبْدِهِ يعنى حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلّم بعد ما قد اخلع عنه كسوة ناسوته بالمرة والبسه خلعة من خلع لاهوته بحيث قد تجرد عن مقتضيات بشريته مطلقا وارتفعت عنه حجب تعيناته جملة وانكشفت دونه سدول الغفلات وأستار الغشاوات عن بصر بصيرته رأسا وحينئذ قد انطوت المسافات مطلقا لَيْلًا اى في قطعة منه صرح به وان كان الإسراء في اللغة عبارة عن السير في الليل ليعلم ان ابتداءه وانتهاءه كان فيه مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الذي قد حرم عنده ما أبيح في الأماكن الاخر من الصيد وغيره الا وهو عبارة عن قلب الإنسان الكامل الذي هو بيت الله الأعظم حقيقة وقد حرم فيه التوجه الى الغير والسوى مطلقا وان كان مبنيا في بقعة جسدانية امكانية إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ وكثرنا الخير والبركة على زوارها وساكنيها الا وهو البيت المعمور الأبدي الأزلي الذي هو الوجود المطلق المفيض المنبسط على كافة المظاهر وحوله اى حواليه كناية عن مقتضيات الأوصاف والأسماء الإلهية وزوارها عبارة عن استعدادات المظاهر وقابلياتها المستفيدة منها الناشئة عن اظلال أوصافها وانما اسريناه هكذا لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا الدالة على كمال قدرتنا وحكمتنا ووفور جودنا وكرامتنا إِنَّهُ اى الشأن انه صلّى الله عليه وسلّم بعد تجرده عن جلباب تعينه وهويته الناسوتية هُوَ السَّمِيعُ بسمعنا فيسمع بنا منا الْبَصِيرُ ببصرنا
وَكما أيدنا حبيبنا بما أيدناه من الإسراء به واراءة عجائب صنعتنا وقدرتنا إياه بان سيرناه من مكة في ساعة وآن الى البيت المقدس ثم منها الى فوق السموات السبع وقد مثلنا له فيها أرواح الأنبياء والأولياء فتكلم معهم ثم منها الى ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله وقد اخبر عنه سبحانه وعن قربه وصوله صلّى الله عليه وسلّم اليه بقوله دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى فسمع كلاما بلا كيف لا من جنس الأصوات والحروف كذلك قد آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تأييدا له وتنفيذا لأمرنا إياه الى ان خصصناه بتكلمنا معه بلا كيف وكرمناه بأنواع الكرامات وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ هاديا لهم يهديهم الى توحيدنا وتقديس ذاتنا عن الأشباه والأنداد مطلقا وامرناهم فيه أَلَّا تَتَّخِذُوا ايها المتحيرون في الخطوب والوقائع مِنْ دُونِي وَكِيلًا وشريكا لي وكفوا تتكلون اليه في أموركم غيرى إذ ليس في الوجود سواي فعليكم ان تتخذونى وكيلا وتفوضوا أموركم كلها الى وتأخذونى كفيلا إذ لا معبود لكم غيرى ولا مرجع لكم سواي
يا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا بمقتضى جودنا مَعَ نُوحٍ حين استولى الطوفان على وجه الأرض فهلك كل من عليها الا من آمن لنوح وحملناهم معه في السفينة فأنجيناه اصالة ومن معه تبعا له من المؤمنين إِنَّهُ يعنى نوحا قد كانَ عَبْداً شَكُوراً مبالغا في أداء الشكر مواظبا عليه على وجه الخضوع والخشوع فلكم ان تقتفوا اثر اسلافكم الذين هم اصحاب سفينة نوح عليه السّلام وهم مؤمنون مصدقون له فلكم ان تؤمنوا بمن أرسل إليكم لإصلاح أحوالكم وتصدقوا كتابه
وَاعلموا انا قد قَضَيْنا وأوحينا مقسما إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ المنزل عليهم على وجه الإيذان والأعلام تنبيها وتذكيرا والله لَتُفْسِدُنَّ أنتم فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ مرة بمخالفة احكام التورية وقتل شعيا ومرة بقتل يحيى وزكريا وبقصد قتل عيسى عليهم السّلام كل ذلك من أعظم الجرائم عند الله وَمع ذلك لَتَعْلُنَّ ولتستكبرن عتوا وعنادا على الأنبياء استيهانة واستخفافا وسخرية واستهزاء عُلُوًّا كَبِيراً بحيث لا تبالون لهم ولا تعدونهم من العقلاء بل تسفهونهم تارة وتكذبونهم اخرى فاعلموا ايها المسرفون انا ننتقم منكم في النشأة الاولى لكل جريمة صدرت عنكم من الجريمتين العظيمتين
فَإِذا جاءَ وَعْدُ انتقام أُولاهُما اى اولى الجريمتين بَعَثْنا وسلطنا عَلَيْكُمْ حين أردنا الانتقام منكم والأخذ عليها عِباداً لَنا منتقمين عنكم من قبلنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وشوكة عظيمة وصولة قوية قاهرة وهم إذا دخلوا عليكم فَجاسُوا اى تجسسوا وترددوا لطلبكم خِلالَ الدِّيارِ ووسطها للقتل والاستئصال وَقد كانَ ما ذكر من الانتقام وَعْداً من الله مَفْعُولًا حقا عليه سبحانه إنجازه وإيقاعه وذلك حين استولى بختنصر عليهم فقتل كبارهم وسبى صغارهم ونهب أموالهم وخرب بلدانهم وخرق التورية وخرب الأقصى
ثُمَّ بعد ما ضعفناكم واخذناكم قد رَدَدْنا وأعددنا لَكُمُ الْكَرَّةَ اى الدولة والصولة والغلبة عَلَيْهِمْ اى على أعدائكم وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ عظام وَبَنِينَ معاونين ناصرين وَجَعَلْناكُمْ في الكرة الثانية أَكْثَرَ نَفِيراً من الكرة الاولى واكثر عسكرا وجنودا منها
وبالجملة إِنْ أَحْسَنْتُمْ لبنى نوعكم خالصا لوجه الله وآمنتم بالله لتزكية نفوسكم أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ إذ فوائد الايمان والإحسان انما هي عائدة إليكم وَإِنْ أَسَأْتُمْ لهؤلاء وكفرتم بالله ورسله فَلَها اى وبال اساءتكم ايضا عائد عليها إذ الله في ذاته غنى عن احسان المحسن واساءة
ثم قال سبحانه عَسى رَبُّكُمْ يا بنى إسرائيل وقرب أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الثانية ان تبتم عن جرائمكم ومعاصيكم وَإِنْ عُدْتُمْ إليها ثالثا عُدْنا الى الانتقام والعذاب ثالثا وهكذا رابعا وخامسا وقد عادوا في النوبة الثالثة بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم وقصدوا قتله فأعاد الله عليهم الخزي بان سلط المسلمين عليهم فقتلوهم واسروهم وضربوا الجزية على ما بقي منهم وبالجملة قد صاروا مهانين أذلاء صاغرين الى قيام الساعة هذا في النشأة الاولى وَفي النشأة الاخرى جَعَلْنا جَهَنَّمَ البعد والخذلان وسعير الطرد والحرمان لِلْكافِرِينَ حَصِيراً محبسا ومضيقا بحيث لا ينجون منها ابد الآباد ومن أراد نجاة الدارين وخير النشأتين فعليه الامتثال والانقياد بعموم الاحكام الموردة في القرآن المنزل على خير الأنام
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ الفارق بين الهداية والضلال والحق والباطل والحرام والحلال يَهْدِي ويرشد لِلَّتِي للطريقة التي هِيَ أَقْوَمُ الطرق واعدلها وأوضح السبل وأبينها الى التوحيد المنجى عن ظلمات النشأتين وَيُبَشِّرُ ايضا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ المأمورة فيه المقربة الى التوحيد الذاتي أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً الا وهو الفوز بشرف اللقاء والتحقق عند سدرة المنتهى
وَيخبر القرآن ايضا أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ولم يصدقوا ما فيها من الحساب والعقاب والصراط والسؤال وجميع ما فيها قد أَعْتَدْنا وهيأنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً مؤلما مخزنا لرؤيتهم المؤمنين مترفين متنعمين في الجنة مترفهين وهم في النار مهانون صاغرون
وَمن جملة الأخلاق المذمومة والديدنة القبيحة المستهجنة يَدْعُ الْإِنْسانُ مسرعا مستعجلا بِالشَّرِّ الملحق له من غير علم بشريته ووخامة عاقبته دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ اى مثل دعائه بالخير في السرعة والاستعجال وَبالجملة قد كانَ الْإِنْسانُ خلق في جبلته واصل فطرته عَجُولًا مسرعا مستعجلا على كل ما يميل اليه وان كان مضر اله
وَمن كمال رحمتنا واشفاقنا لعموم عبادنا قد جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ دالتين على قدرة القادر العليم الحكيم بتواليهما على نسق واحد مع إمكان غيره فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ باشراق النهار وإضاءته وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ذا نور واضاءة لِتَبْتَغُوا وتطلبوا فَضْلًا وعطايا ناشئة مِنْ رَبِّكُمْ لتعيشوا بها وتقوموا امزجتكم منها وَلِتَعْلَمُوا بتجدد الملوين وتكرر الجديدين عَدَدَ السِّنِينَ
وَاعلموا ان كُلَّ إِنسانٍ يعنى كل فرد فرد من نوع الإنسان قد أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يعنى بعد ما رتبنا امور معاش الإنسان ومعاده على ما ينبغي ويليق بحاله كتبنا جميع ما صدر عنه من الأعمال الصالحة والفاسدة في مكتوب جامع لها محيط بها وعلقناه في عنقه تعليقا لازما شبه الأعمال بالطائر لان الإنسان يطير ويميل نحو السعادة والشقاوة بما صدر عنه من الأعمال كأن الأعمال جناح له وَبعد انقضاء النشأة الاولى المعدة للاختبار والاعتبار نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً حاويا لعموم ما صدر عنه في دار الابتلاء يَلْقاهُ وينال اليه مَنْشُوراً على رؤس الملأ والاشهاد تعظيما وتكريما او تفضيحا وتقريعا
وحين لقياه بكتابه يقال له اقْرَأْ ايها المكلف في دار الابتلاء بأنواع التكاليف والمأمور فيها بامتثال الأوامر وترك المناهي كِتابَكَ هذا اى صحيفتك المشتملة على عموم ما صدر عنك إذ قد كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ اى كفى نفسك اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً محاسبا كافيا وشهيدا شاهدا بلا احتياج لك الى محاسب آخر سواك
وبالجملة مَنِ اهْتَدى في النشأة الاولى بمتابعة ما امر ونهى فَإِنَّما يَهْتَدِي وما يفيد الا لِنَفْسِهِ إذ نفع الهداية انما هو الوصول الى مرتبة الخلافة والنيابة الإلهية التي قد جبل الإنسان عليها وهذا عائد الى نفس الموحد بلا سراية الى غيره الا على وجه الإرشاد والتنبيه وَكذا مَنْ ضَلَّ عن طريق الحق وانحرف عن مسلك التوحيد بترك المأمورات وارتكاب المنهيات فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها اى ما يعود وما يرجع وبال ضلالها الا على نفسها بلا سراية الى غيرها الا تسببا واضلالا وَبالجملة لا تَزِرُ ولا تحمل نفس وازِرَةٌ عاصية آثمة وِزْرَ نفس أُخْرى مثلها بل كل نفس رهينة بما كسبت سواء كان خيرا او شرا وبعد ما قد قرر سبحانه ان الهداية والضلال لا تسرى الى الغير أراد ان يبين سبحانه ان الأخذ والانتقام على الضلال انما هو بعد الإرشاد والتنبيه فقال وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ لأهل الغفلة والضلال حَتَّى نَبْعَثَ ونرسل إليهم رَسُولًا منهم حين ظهر عنهم ولاح عليهم علامات الفسوق والعصيان وامارات الضلال والطغيان ليبين لهم أولا طريق الهداية ويرغبهم نحوها ويجنبهم عن الضلال وينفرهم عنه وبعد ما بعثنا عليهم وأرسلنا إليهم رسلا ان لم يقبلوا قول الرسل ولم يمتثلو بما أمروا على ألسنتهم ونهوا قد أصروا على ما هم عليه من الضلال أخذوا وعذبوا
وَ
بذلك قد جرت سنتنا المستمرة انا إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ
ونستأصل قَرْيَةً
مستحقة للاهلاك والاستئصال أَمَرْنا
أولا مُتْرَفِيها
ومتنعميها بالاطاعة والانقياد لنبي أرسل إليهم من لدنا فَفَسَقُوا فِيها
وخرجوا عن مقتضى ما أمروا ونهوا على لسان نبيهم ولم يبالوا به فَحَقَ
فقد ثبت واستقر عَلَيْهَا الْقَوْلُ
اى على اهل القرية العذاب الموعود المعهود حقا حتما واستحقوا بحلوله جزما فَدَمَّرْناها
وأهلكنا أهلها بسبب فسقهم وخروجهم عن الإطاعة والامتثال بالمأمور تَدْمِيراً
اى إهلاكا كليا واستئصالا حقيقيا الى حيث لم يبق منهم ومن عمرانهم ودورهم ومنازلهم واطلالهم شيء
وَليس أمثال هذا الإهلاك ببدع منا بل كَمْ اى كثيرا قد أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ الماضية مِنْ بَعْدِ إهلاك قوم نُوحٍ كعاد
وبالجملة مَنْ كانَ منهم يُرِيدُ اللذات الْعاجِلَةَ والشهوات الفانية الزائلة عَجَّلْنا وأعطينا لَهُ فِيها اى في النشأة الاولى ابتلاء له واختبارا وتلبيسا عليه واغترارا ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ لأنا مطلعون على ما في سره وضميره ثُمَّ جَعَلْنا وهيأنا في النشأة الاخرى لَهُ جَهَنَّمَ منزل الطرد والحرمان حال كونه يَصْلاها ويطرح فيها مَذْمُوماً مشؤما محروما مَدْحُوراً مطرودا مقهورا
وَمَنْ أَرادَ منهم بامتثال الأوامر المتعلقة بمصالح الدين وباجتناب نواهيه المخلة له الْآخِرَةَ اى اللذات الاخروية الابدية وَسَعى لَها سَعْيَها واجتهد فيها بمقتضى الأمر الإلهي وَالحال انه هُوَ في حال السعى والاجتهاد مُؤْمِنٌ موقن مصدق بوحدانية الله وبعموم ما نزل من عنده على رسله بلا شوب تزلزل وتردد فَأُولئِكَ السعداء المقبولون قد كانَ سَعْيُهُمْ واجتهادهم في امتثال الأوامر واجتناب النواهي مَشْكُوراً مقبولا مستحسنا وعملهم مبرورا وجزاؤهم موفورا وهم كانوا في دار الجزاء مغفورين مسرورين
كُلًّا نُمِدُّ اى كل واحد من الفريقين المطيع والعاصي نيسر ونوفق له بمقتضى ما يهوى ويريد هؤُلاءِ المؤمنين المطيعين نوفقهم على الطاعات ونجنبهم عن المعاصي وَهَؤُلاءِ الكافرين العاصين نيسر لهم ما يميل اليه نفوسهم من الاهوية الفاسدة والآراء الباطلة إذ كل ميسر لما خلق له وبالجملة كل ذلك مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يا أكمل الرسل الذي رباك وعموم عباده بأنواع اللطف والكرم وَكيف لا ييسرهم سبحانه ولا يوفقهم الى ما يعنيه نفوسهم إذ لا رازق لهم سواه ولا معطى لهم غيره لذلك ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعا عن الكافر لكفره وعصيانه موفورا على المؤمنين لإيمانه بل لا يعلل فعله بالإعراض والأعواض مطلقا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ارادة واختيارا والتفاوت الجاري بين عباده انما هو لحكمة ومصلحة قد استأثر الله به في غيبه لا اطلاع لاحد عليه
لذلك قال سبحانه انْظُرْ ايها الناظر المعتبر كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ في النشأة الاولى بالمال والجاه والثروة والرياسة عَلى بَعْضٍ مبتلى بالفقر والمسكنة وانواع المذلة والهوان وَلَلْآخِرَةُ المعدة للذات الروحانية ولانواع الحقائق والمعارف والمكاشفات والمشاهدات أَكْبَرُ دَرَجاتٍ لبقاء لذاتها ابد الآباد وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا من الفضل المستعار الفاني الزائل بسرعة ومتى اعتبرت ايها المعتبر وتأملت ما فيه من العبر
لا تَجْعَلْ ولا تتخذ مَعَ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المتعزز برداء الفردانية إِلهاً آخَرَ كفوا له يعبد بالحق مثله وكيف تجعل وتأخذ ربا سواه والحال انه ليس في الوجود الا هو مع انك ان جعلت معه وأخذت الها سواه فَتَقْعُدَ أنت بعد جعلك واتخاذك ظلما وزورا خائبا خاسرا بل مَذْمُوماً عند الملائكة وعموم المؤمنين مَخْذُولًا عند الله يوم العرض الأكبر
وَكيف يتخذ ويثبت اله سواه مع انه قد قَضى رَبُّكَ يا أكمل الرسل وحكم حكما محكما مقطوعا مبرما أَلَّا تَعْبُدُوا اى بان لا تعبدوا ايها البالغون حد التكليف القابلون للعبادة والانقياد إِلَّا إِيَّاهُ إذ لا مستحق للعبادة والانقياد سواه وكيف لا هو المستقل بايجادكم واظهاركم بلا
وَبالجملة اخْفِضْ وابسط لَهُما جَناحَ الذُّلِّ والمسكنة والتواضع الناشئة مِنَ كمال الرَّحْمَةِ والشفقة عليهما وَلا تقتصر على الخفض والشفقة الدنياوية بل قُلْ لهما ولأجلهما مناجيا مع الله رَبِّ ارْحَمْهُما بمقتضى رحمتك الواسعة وجودك الشامل كَما رَبَّيانِي صَغِيراً اى ارحمهما حسب فضلك ورحمتك مثل رحمتهما وتربيتهما إياي في وقت صغرى وطفوليتى فعليكم ايها المكلفون ان تكونوا في دعائهما على العزيمة الصحيحة والمحبة الخالصة بحيث يكون بواطنكم موافقة لظواهركم مثل تربيتهما إياكم حالة صغركم ولا تتمنوا موتهما في قلوبكم
إذ رَبُّكُمْ المطلع على سرائركم أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من ابتغائكم موتهما او برهما وتكريمهما فالله سبحانه يعفو عنكم ويقبل توبتكم إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ مصلحين ما فوتم وأفسدتم على نفوسكم من حق تعظيمهما وتوقيرهما فَإِنَّهُ سبحانه من كمال فضله وجوده قد كانَ لِلْأَوَّابِينَ الرجاعين نحوه سبحانه النادمين عما صدر عنهم من المعاصي سيما بما يتعلق بعقوق الوالدين غَفُوراً يغفرهم ويتجاوز عنهم
وَلا تقتصر ايها الولد على تعظيم والديك فقط بل عليك تعظيم كل ما ينتمى إليك من قبلهما لذلك آتِ وأعط ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ اى حق تواضعهم وتوقيرهم ان كانوا اغنياء وأنفق عليهم ان كانوا فقراء وَآت ايضا من زكوات أموالك ومن فواضل صدقاتك الْمِسْكِينَ من الأجانب وهو الذي لا يقدر على قوته وقوت عياله وَابْنَ السَّبِيلِ ايضا الذي قد بعد بلده وليس معه مؤنة معاشه وكن في عموم انفاقك مقتصدا معتدلا وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إسرافا مفرطا خارجا عن حد الاعتدال سيما فيما لا يعنى ولا ينبغي إذ التبذير والتقتير كلاهما مذمومان عقلا وشرعا
لذلك قال سبحانه إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ المسرفين أموالهم رياء وسمعة كبرا وخيلاء قد كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أشباههم واتباعهم في صرف الأموال الموهوبة من الله غير المصرف وغير المستحق من المصارف بل قد صرفوها الى المحظورات والمكروهات باغواء الشياطين واغرائهم وَكانَ الشَّيْطانُ الغاوي الطاغي لِرَبِّهِ كَفُوراً لنعم الله فيغرى اتباعه الى الكفران ايضا.
ثم قال سبحانه وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ اى ان تحقق اعراضك ومنعك عن هؤلاء المستحقين المذكورين سيما بعد ما سألوا عنك العطاء ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ اى طلب رحمة ومغفرة مرجوة مِنْ رَبِّكَ حال كونك تَرْجُوها اى الرحمة لهم لعلمك منهم بأنهم قد صرفوها الى المعاصي والقبائح فعليك ان تمنعهم وتردهم هينا لينا بلا غلظة وتشدد فَقُلْ لَهُمْ حين دفعهم ومنعهم قَوْلًا مَيْسُوراً سهلا سلسا بحيث لا ييأسوا ولا يحزنوا مثل ان تقول سهل الله علينا وعليكم ويسر لنا ولكم من فضله وجوده
فقال وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً معقودة إِلى عُنُقِكَ بحيث لا يسع لك إعطاء شيء مما رزق الله لك على مستحقيه شحا وبخلا إذ هو افراط وتقتير وَايضا لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ بحيث لا ثبات ولا قرار عندك وفي يدك للأموال والأرزاق المسوقة نحوك لمصلحة الخيرات وبناء الخانات والرباطات وسائر مصالح العباد أصلا فهذا تفريط وتبذير وكلاهما مذمومان شرعا وعقلا فعليك بالاقتصاد الذي هو عبارة عن الكرم والجود والسماحة الممدوحة عند ارباب المروة والفتوة ألا وهو صراط الله الأعدل الأقوم فَتَقْعُدَ بعد اتصافك بالبخل والتقتير مَلُوماً عند الله وعند الملائكة والناس أجمعين وان اتصفت بالإسراف والتبذير تقعد مَحْسُوراً نادما متحسرا قلقا حائرا في نظم معاشك
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ الصوري والمعنوي ويوسعه لِمَنْ يَشاءُ من عباده بمقتضى علمه بحالهم وسعة استعدادهم وقابلية حوصلتهم وَيَقْدِرُ اى يقبض ويضيق على من يشاء منهم بمقتضى علمه بضيق صدورهم وقلة تمكنهم ووقارهم وحكمتهم واعتدالهم إذ الله العليم الحكيم المتقن في أفعاله لا يتجاوز عن مقتضى حكمته وكيف يتجاوز إِنَّهُ سبحانه قد كانَ بِعِبادِهِ عليما خَبِيراً عن بواطنهم وضمائرهم وما يئول اليه أمورهم بَصِيراً بظواهر أحوالهم وتقلباتهم في شئونهم وتطوراتهم
وَلا تَقْتُلُوا ايها البالغون لرتبة التكليف الإلهي أَوْلادَكُمْ الحاصلة لكم من أصلابكم سواء كانوا بنين او بنات بلا رخصة شرعية سيما خَشْيَةَ إِمْلاقٍ اى من خوف فقر وفاقة إذ نَحْنُ من سعة جودنا ووفور رحمتنا نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إذ لا رازق لكم ولهم سوانا وبالجملة إِنَّ قَتْلَهُمْ ان صدر عنكم كانَ خِطْأً كَبِيراً وذنبا عظيما عند الله
وَعليكم ايها المؤمنون المتدرجون في مسالك التحقيق ان لا تَقْرَبُوا الزِّنى بترتيب مقدمات تترتب عليها تلك العفلة القبيحة فكيف الإتيان بها العياذ بالله إِنَّهُ اى الزنا قد كانَ فاحِشَةً مسقطة للعدالة مزيلة للمروءة مبطلة لحكمة التناسل التي هي المعرفة الإلهية إذ ولد الزنا لا يبلغ مرتبة الولاية ودرجة العرفان أصلا وَساءَ سَبِيلًا الزنا لقضاء الشهوة المعدة لسر الظهور والإظهار من لدن حكيم عليم
وَعليكم ايضا ايها الموحدون القاصدون الى معارج التوحيد ان لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إذ هي بيت الله وتخريب بيته من أعظم الكبائر إِلَّا بِالْحَقِّ اى برخصة شرعية من قصاص وحد وردة الى غير ذلك من الرخص التي قد عينها الشرع وَبالجملة مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً بلا رخصة شرعية فَقَدْ جَعَلْنا بمقتضى عدلنا لِوَلِيِّهِ اى لمن يلي امر المقتول بعده سُلْطاناً سطوة وغلبة على القاتل الظالم مع معاونة الحكام له فَلا يُسْرِفْ اى الولي المنتقم فِي الْقَتْلِ لقصاص المقتول المظلوم بان يقتل غير القائل بدله او يقتله مع غيره وكيف لا يقتل القائل الظالم بدل المقتول المظلوم إِنَّهُ قد كانَ اى المظلوم مَنْصُوراً مرحوما عند الله وعند عموم الخلائق
وَعليكم ايضا ايها المتوجهون نحو الحق بالعزيمة الصحيحة والقصد الخالص ان لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الذي لا متعهد له من الأبوين إِلَّا بِالَّتِي اى بالطريقة التي هِيَ أَحْسَنُ الطرق بحالهم من ازدياد أموالهم وتنميتها وحفظها وتعميرها على وجه العدالة والمروة حَتَّى يَبْلُغَ اليتيم أَشُدَّهُ اى رشده وإذا بلغ الى سن التمييز والتصرف فلكم ايها الأوصياء المتعهدون لأموال اليتامى ردها حينئذ إليهم بعد اختبارهم وامتحان
وَايضا أَوْفُوا الْكَيْلَ اى عليكم إيفاء الكيل إِذا كِلْتُمْ لغيركم وَزِنُوا ايضا إذا وزنتم بِالْقِسْطاسِ اى الميزان وهو لفظ سرياني الْمُسْتَقِيمِ الذي لا ميل له الى جانب بل قد صار كفتاه على السوية بلا ميل ذلِكَ اى ايفاؤكم ووفاؤكم واستقامتكم في المكيال والميزان خَيْرٌ جالب لانواع الخيرات في الدنيا وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا اى عاقبة ومآلا في العقبى
وَلا تَقْفُ اى لا تتبع ايها المؤمن الموقن الموفق الطالب للوصول الى مرتبة التوحيد ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اى ما لم يتعلق علمك به تقليدا او تخمينا إذ أنت في يوم الجزاء مسئول عما رمته بلا علم وقصدت نحوه وأقدمت عليه باى عضو وجارحة وكذا عما قلته بلسانك رجما بالغيب بلا فكر وروية إِنَّ السَّمْعَ قدمه إذ قد نسبت اليه اكثر الكواذب والمفتريات وَالْبَصَرَ لان النفس تقع في اكثر الفتن والمهالك برؤية البصر وَالْفُؤادَ الذي هو اصل في إنشاء الكواذب والمزورات كُلُّ أُولئِكَ اى كل واحد واحد من القوى الثلاثة قد كانَ يوم القيمة عَنْهُ مَسْؤُلًا فتقر وتشهد تلك القوى بعد ما سئل عنها عن جميع ما صدر منها من المعاصي فيفتضح صاحبها على رؤس الاشهاد
وَبالجملة لا تَمْشِ ايها الطالب لعدالة التوحيد والعرفان فِي الْأَرْضِ التي قد أعدت للتذلل والانكسار والتواضع والخشوع مَرَحاً ذا كبر وخيلاء وكيف تختال وتتكبر عليها ايها المهان المخلوق من المهين إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بشدة قوتك ووطأتك وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ باستعلائك واستكبارك طُولًا اى من جهة الطول والعلو ولن تبقى مرة متطاولة عليها حتى تستعلى أنت بها على من دونك وبالجملة لا تتكبر ولا تتجبر ايها العاجز الضعيف مع ضعفك وقصر عمرك ودناءة مادتك
وبالجملة كُلُّ ذلِكَ من النواهي المذكورة من قوله لا تجعل مع الله الها آخر الى هنا قد كانَ سَيِّئُهُ اى ثبت وتحقق كون كل واحدة منها سيئة وإثما عِنْدَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل لذلك قد كان مَكْرُوهاً منهيا عنه مبغوضا عليه من لدنه سبحانه
ذلِكَ المذكور من الاحكام المتقدمة من أول السورة الى هنا مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ يا أكمل الرسل تربية لك وتأييدا لأمرك مِنَ الْحِكْمَةِ المتقنة التي يجب الامتثال والاتصاف بها على من أراد سلوك سبيل التوحيد المبنى على عدالة الأخلاق والأطوار والشئون وَاعلموا ان معظم المنهيات والمحظورات الشرك بالله العياذ به منه لذلك كرره سبحانه تأكيدا ومبالغة وبالغ في الاحتراز عنه حيث قال لا تَجْعَلْ ولا تتخذ مَعَ اللَّهِ المتوحد المتفرد في ذاته المعبود بالحق والاستحقاق إِلهاً آخَرَ يعبد له كعبادته وان اتخذت الها سواه فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ البعد والخذلان حال كونك مَلُوماً تلوم أنت نفسك بأنواع الملامات بما ضاع عنك من التوحيد المنجى عن عموم المضايقة والمهالك مَدْحُوراً مبعدا عن رحمة الله وسعة فضله وإحسانه
أَتزعمون ايها المشركون المستكبرون ان الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء قد فضلكم على نفسه فَأَصْفاكُمْ واصطفاكم على ذاته بحيث قد خصصكم واجتباكم رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ الذين هم أكرم الأولاد وأشرفها وَاتَّخَذَ وأخذ لنفسه اولادا مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً نواقص عقلا ودينا إِنَّكُمْ ايها المسرفون باقدامكم واجترائكم على الله وعلى ملائكته الذين هم اشرف
ثم قال سبحانه توبيخا لهم وتقريعا واشارة الى تناهيهم في الضلال والطغيان وَلَقَدْ صَرَّفْنا وكررنا مرارا شناعة هذا القول اى نسبة الولد الى الله الصمد المنزه في ذاته عن الأهل والولد وكذا أمثاله وأضرابه من الهذيانات التي لا يليق بجنابه فِي هذَا الْقُرْآنِ المنزل لهداية اهل الغي والضلال لِيَذَّكَّرُوا اى ليتذكروا ويتعظوا ويتفطنوا الى وخامة عواقبه ومآله ومع ذلك لم يتذكروا ولم يتفطنوا بل وَما يَزِيدُهُمْ ذلك التكرار والمبالغة إِلَّا نُفُوراً اعراضا عن الحق وإصرارا على ما هم عليه من الباطل
قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا لَوْ كانَ مَعَهُ سبحانه آلِهَةٌ أمثاله كَما يَقُولُونَ وتدعون أنتم ايها المشركون المدعون المعاندون انهم معبودون بالحق مستحقون للعبادة كما زعمتم إِذاً لَابْتَغَوْا ولطلبوا تلك الالهة البتة إِلى معاداة ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ليغلبوا عليه ويستولوا على ملكه كما يتخيل الولاة بعضهم بالنسبة الى بعض وإذا عجزوا عن مماراته ومقابلته لم يكونوا مثله فلم يستحقوا للعبادة المطلقة مثله
سُبْحانَهُ اى نزه سبحانه ذاته تنزيها بليغا وقدسه تقديسا متناهيا في القدس والنزاهة وَتَعالى اى ترفع وتعاظم عَمَّا يَقُولُونَ هؤلاء الظالمون المسرفون المفرطون في شانه من اثبات الشريك المماثل له والكفو المتكافئ معه عُلُوًّا كَبِيراً اى تعاليا وتباعدا في غاية البعد والاستحالة والامتناع إذ لا موجود سواه ولا اله غيره وكيف تغفلون وتذهلون عن دلائل توحيد الحق وشواهد استقلاله ايها الضالون المضلون مع انكم أنتم مجبولون على فطرة المعرفة والتوحيد مخلوقون على جبلة اليقين والعرفان ومع ان عموم المظاهر ينزهون ذاته عن مطلق النقائص حالا ومقالا
إذ تُسَبِّحُ لَهُ وتقدس ذاته عن الشريك والولد والكفو والنظير السَّماواتُ السَّبْعُ المطبقة المعلقة المنضدة المنظومة على ابلغ النظام وأعجبه مع ما فيها من الكواكب المختلفة الألوان والأشكال والمنازل والحركات والآثار المترتبة عليها ومع ما فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المبدعات والمخترعات التي لا علم لنا الا بانياتها دون لمياتها كل ذلك يدل على وحدة مظهرها وبارئها وتفرد موجدها وَالْأَرْضُ وما عليها من انواع النباتات والمعادن والحيوانات التي قد عجزت عن عدها وإحصائها ألسنة اولى البصائر والنهى المعتبرين المتأملين في مصنوعات الحق وعجائب مخترعاته وَكذا مَنْ فِيهِنَّ من الملائكة والثقلين المجبولين على عبادة الحق وعرفانه وَبالجملة إِنْ مِنْ شَيْءٍ وما من ذرة يطلق عليه اسم الشيء ويمتد عليه ظل الوجود إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ اى يقدس ذاته وينزهه عن شوب الحدوث والإمكان بعضه بلسان الحال وبعضه بلسان القال سيما عن أقوى امارات الإمكان التي هي الإيلاد والاستيلاد وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ ولا تفهمون أنتم ايها المنهمكون في الغي والضلال تَسْبِيحَهُمْ لعدم التفاتكم واشتغالكم بالتدبر والتأمل في مصنوعات الحق والتفكر في آياته بل تنكرونها وتصرون على القدح فيها عنادا ومكابرة وتشركون بالله العياذ به منه أندادا وبذلك قد استوجبتم أشد العذاب وأسوأ النكال فامهلكم الله إِنَّهُ كانَ حَلِيماً
وَمن كمال لطفنا معك يا أكمل الرسل وغاية حفظنا وحراستنا إياك إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ واستغرقت في لجج رموزه وإشاراته وخضت في تيار بحره الزخار لطلب فرائد فوائده وصرت من غاية استغراقك وتلذذك به وبما فيه الى ان غبت عن محافظة نفسك ومراقبة حالك إذ قد جَعَلْنا حسب حفظنا وحضانتنا لك بَيْنَكَ وَبَيْنَ القوم الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ولا يوقنون بالأمور المترتبة عليها فيها حِجاباً غليظا وغشاء كثيفا مَسْتُوراً نسترك به عن أعين أعدائك القاصدين لك سوء مع انهم لا يرون الحجب ايضا روى سعيد بن جبير رضى الله عنه انه لما نزلت تبت يد ابى لهب السورة جاءت امرأة ابى لهب بحجر لترضح به رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس مع ابى بكر رضى الله عنه فسألته اين صاحبك لقد بلغني انه هجانى فقال ابو بكر ما نطق صاحبي بالشعر قط ثم قال أبو بكر ما رأتك يا رسول الله فقال عليه السّلام لم يزل ملك بيني وبين أعدائي انا أراهم وهم لا يرونني
وَكيف لا يكون الكافر محجوبا مستورا عن سرائر القرآن ومرموزاته إذ قد جَعَلْنا وغطينا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً واغطية كثيفة تمنعهم عن أَنْ يَفْقَهُوهُ ويفهموا معناه وَايضا قد جعلنا فِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما وثقلا يمنعهم عن استماع ألفاظه حتى لا يتأملوا ولا يتدبروا في معناه وَمن غلظ غشاوتهم وكثافة حجبهم وأكنتهم إِذا ذَكَرْتَ أنت رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ منفردا بلا ذكر آلهتهم الباطلة وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ وانصرفوا من حولك معرضين كارهين نُفُوراً متنفرين ساخطين عليك ولا تبال يا أكمل الرسل بهم وبسماعهم واستماعهم وعدمه ولا تلتفت أنت نحوهم قط
إذ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ اى بغرضهم المتعلق باستماعهم الذي هو الاستهزاء والسخرية وقت إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَكيف لا يكونون مستهزئين مستسخرين إِذْ هُمْ حين استماعهم كلامك نَجْوى اى ذو ومناجاة يضمرون في نفوسهم مقتك وهلاكك واقله الاستهزاء معك اذكر إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ منهم على سبيل العناد والمكابرة لأهل العدل والتوحيد إِنْ تَتَّبِعُونَ وما تقتفون أنتم ايها الضالون إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً قد سحر به فجن فاختلط كلامه وذهب عقله وتكلم من تلقاء نفسه كلاما لا يشبه كلام العقلاء
انْظُرْ ايها الناظر بنور الله المؤيد من عنده كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ الحشوة البتراء من غاية اضطرابهم وتهالكهم مرة يقولون انك شاعر ومرة ساحر ومرة كاهن ومرة مجنون وبالجملة فَضَلُّوا عن طريق الحق في عموم ما نسبوا إليك والى ما جئت به من الكلام المعجز في أعلى مراتب الاعجاز فَلا يَسْتَطِيعُونَ الى مقتك وقدح كتابك سَبِيلًا واضحا موجها سوى هذه الهذيانات الباطلة بل قد خبطوا في جميعها خبط عشواء فضلوا عن السبيل السواء
وَمن غاية انهماكهم في الغي والضلال ونهاية انكارهم بحقية القرآن وبما فيه من احوال يوم القيمة وأهوالها وافزاعها قالُوا مستبعدين متعجبين على سبيل التهكم والاستهزاء أَإِذا كُنَّا عِظاماً يعنى انبعث ونحيي بعد ما قد صرنا عظاما بالية رميمة وَرُفاتاً غبارا مرفوتا مشتوتا تذروه الرياح أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ محشورون من قبورنا خَلْقاً آخر جَدِيداً معادا للخلق الاول لا مثلا له بل عينا بلا مغايرة له أصلا كلا وحاشا من اين يتأتى لنا
قُلْ يا أكمل الرسل في جوابهم إلزاما لهم وتبكيتا لا تستبعدوا ايها الضالون المعاندون أمثال هذا البعث والأحياء عن قدرة الله في الأشياء التي قد عهد حياتها من قبل إذ لا بعد ولا غرابة فيها بل كُونُوا حِجارَةً هي ابعد بمراحل عن قبول الحيوة أَوْ حَدِيداً هو أشد بعدا منها
أَوْ خَلْقاً آخر مثلا هو ايضا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ويستحيل في نفوسكم اتصافه بالحيوة فالله القادر المقتدر بالقدرة الغالبة الكاملة والقوة الشاملة قادر على احيائه وإيجاده ان تعلقت ارادته ومضت مشيته ونفذت حكمه وقضاؤه على تكوينه وإظهاره وبعد ما أفحموا عن سماع الحجة القوية وانحسرت عقولهم عن المقابلة معها فَسَيَقُولُونَ مستفهمين عن تعيين الحق المبدئ المعيد على سبيل الإنكار مَنْ يُعِيدُنا بعد موتنا وبعد صيرورتنا عظاما ورفاتا قُلِ يا أكمل الرسل يعيدكم الَّذِي فَطَرَكُمْ وأظهركم من كتم العدم أَوَّلَ مَرَّةٍ إظهارا إبداعيا وإيجادا اختراعيا بلا سبق مادة ومدة فاعادتكم أهون عليه من ابدائكم وابداعكم وبعد ما سمعوا منك قولك فَسَيُنْغِضُونَ ويحركون إِلَيْكَ ايها المؤيد من عند الله لإلزام أولئك الغواة الطغاة الهالكين في تيه المكابرة والعناد رُؤُسَهُمْ على وجه الاستهزاء والاستبعاد وَيَقُولُونَ حينئذ مستسخرين مَتى هُوَ مع ان الأنبياء الماضين يدعون مثلك قيامها ووقوعها فلم تقع بعد وأنت ايضا تدعى فلا تقع وبالجملة ما هي الا مجرد الدعوى منك ومنهم بلا وقوع ولا ورود قُلِ لهم يا أكمل الرسل عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً يعنى بعد ما قد ختم امر الرسالة والتشريع وكمل بناء الدين وشيد أركانه وبنيانه فقد قرب وقوعها فانتظروا ايها المؤمنون المصدقون ليوم الحشر والنشر مترصدين مترقبين
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ الله للبعث والحشر فَتَسْتَجِيبُونَ له أنتم طائعين راغبين ملتبسين بِحَمْدِهِ معترفين بكمال قدرته ووفور حوله وقوته وَتذكروا من طول ذلك اليوم وشدة أهواله وافزاعه على الكافرين ومن داوم عيشه وحضوره عليكم قد تَظُنُّونَ أنتم وتعتقدون فيه حين حضوركم إِنْ لَبِثْتُمْ وما أقمتم وما سكنتم في النشأة الاولى إِلَّا قَلِيلًا يعنى تستقلون وتستقصرون مدة لبثكم في الدنيا يعنى مع كثرة شدائد يوم القيمة وأهوالها على الكفرة ودوام عيشها على المطيعين
وَقُلْ يا أكمل الرسل على سبيل العظة والتذكير وتهذيب الأخلاق وتصفية الباطن لِعِبادِي يعنى المؤمنين الموقنين بشئونى وظهوري حسب تجلياتى في الاولى والاخرى الكاملين المكملين الراشدين المرشدين إذا أرادوا هداية التائهين في بحر الغفلة والضلال يَقُولُوا كل منهم وقت تذكيرهم وتنبيههم رفقا لهم وتليينا لقلوبهم بالكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمات وألينها وأتمها نفعا وأقربها للقبول لا بالتي هي أخشن واغلظ لتكون مدخلا للشيطان مثيرة للفتن والطغيان إِنَّ الشَّيْطانَ المضل المغوى يَنْزَغُ ويوقع الفتنة بَيْنَهُمْ اى بين المرشد والمسترشد ويهيجها ويثيرها الى ان ادى الأمر الى المشاجرة والمقاتلة وانواع الخصومات المخلة للحكمة المقصودة من امر النبوة والرسالة والكلمة الغليظة كثيرا ما تفضى إليها فيفوت الغرض الأصلي منها وبالجملة إِنَّ الشَّيْطانَ قد كانَ في اصل فطرته وجبلته خلق لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً ظاهر العداوة مستمر الفتنة بحيث لا يرجى رفع عداوته أصلا فلكم ايها الهادون الناصحون ان لا تغلظوا ولا تخشنوا في دعوة الناس الى طريق الحق ولا تبالغوا ايضا في إرشادهم وهدايتهم إذ ما عليكم الا تبليغ ما أمرتم بتبليغه وليس في وسعكم وطاقتكم رشدهم وهدايتهم البتة إذ هو مبنى على العلم باستعداداتهم وقابلياتهم ولا علم
بل رَبُّكُمْ الذي رباكم أَعْلَمُ بِكُمْ ايها المجبولون على فطرة المعرفة والايمان إِنْ يَشَأْ هدايتكم يَرْحَمْكُمْ بمقتضى جوده ويوفقكم على قبول الايمان وحصول العرفان عناية منه وفضلا أَوْ إِنْ يَشَأْ غوايتكم يُعَذِّبْكُمْ ويبقكم في تيه الحرمان والخذلان خاسرين خائبين بمتابعة الشيطان وَبالجملة ما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل وأفضل البرايا مع انك لولاك لما خلقنا الأفلاك إذ كل ما في العالم من المظاهر مربوط منوط بمرتبتك المحيطة الجامعة للكل ومع ذلك ما جعلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ليكون أمورهم كلها موكولا إليك بحيث إذا أردت أنت هداية بعض وضلال آخرين فيقع مرادك بلا خلف بل ما أرسلناك الا مبلغا بشيرا ونذيرا وما عليك الا البلاغ وعلينا الإصلاح او الإفساد إذ نحن بكمال استغنائنا عن مطلق مظاهرنا ومصنوعاتنا مستقلون في تدبيرات امور ملكنا وملكوتنا وشهادتنا وغيبنا وجبروتنا وناسوتنا ولاهوتنا
وَبالجملة رَبُّكَ يا أكمل الرسل أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى باستعدادات الملائكة السماويين والارضيين وقابليات الثقلين السفليين وَلعلمنا باستعدادات عموم عبادنا لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بسنة سنية وخصلة حميدة مثل تفضيلنا ابراهيم بالخلة وكمال الحلم ولوقار ونهاية الخشية والطمأنينة وموسى بالتكليم وسائر المعجزات وعيسى بأنواع الارهاصات والكرامات والمعجزات من الارتقاء نحو السماء والتكلم في غير أوانه ووجوده بلا أب وسليمان بالملك العظيم وقد فضلناك يا أكمل الرسل بخصائص ما أعطينا الأنبياء الماضين ولا أحدا من العالمين من شق القمر والمعراج الصوري والمعنوي وغير ذلك من الكمالات العلية والكرامات السنية التي لا تكاد تحصى وَمن جملة تفضيلنا إياهم ايضا انا قد آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً مشتملا على انواع الحكم وفصل الخطاب سيما على القاب خاتم الرسالة ومتمم مكارم الأخلاق صلّى الله عليه وسلّم وعلى نسخ دينه عموم الأديان وكتابه جميع الكتب وكون أمته اشرف الأمم ودينه أكمل الأديان
قُلِ يا أكمل الرسل للمشركين الذين يدعون آلهة غير الله ويعبدونهم كعبادته على سبيل التعجيز والتقريع ادْعُوا عند نزول البلاء وهجوم المحن والعناء عليكم شركاءكم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنتم آلهة مِنْ دُونِهِ اى من دون الله سبحانه حتى ينقذوكم من الشدة والبأس وأنتم وان بالغتم في الدعاء والتوجه نحوهم والالتجاء إليهم فَلا يَمْلِكُونَ اى فهم لا يملكون ولا يقدرون يعنى آلهتكم كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ فكيف عنكم بل عن أنفسهم وَلا تَحْوِيلًا دفعا وترديدا منكم الى غيركم
إذ أُولئِكَ الفقراء الضعفاء الَّذِينَ يَدْعُونَ إليهم ويدعونهم آلهة كالملائكة وعيسى وعزير عليهم السّلام يَبْتَغُونَ ويطلبون من شدة احتياجهم إِلى رَبِّهِمُ الذي أوجدهم وأظهرهم من كتم العدم الْوَسِيلَةَ المقربة لهم اليه سبحانه من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية المقبولة عند الله ليظهر لهم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ اليه واقبل عنده وَمع ذلك يَرْجُونَ في مناجاتهم وكذا خلال خلواتهم وصلواتهم مع ربهم رَحْمَتَهُ بمقتضى فضله ولطفه وَيَخافُونَ عَذابَهُ بمقتضى قهره وعدله إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل قد كانَ مَحْذُوراً واجب الحذر لكل من دخل تحت حيطة التكليف الإلهي سواء كان نبيا او وليا.
ثم قال سبحانه وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ اى ما من قرية من القرى الهالكة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها بالخسف او الكسف او الزلزلة او الطاعون او غير ذلك قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كالقتل والنهب والأسر وانواع البلايا والمصيبات قد كانَ ذلِكَ الإهلاك
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ما صرفنا عن إرسال الآيات المقترحة عنك يا أكمل الرسل وعن الإتيان بها إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا وبأمثالها الْأَوَّلُونَ اى الأمم الماضون بعد إتيان ما اقترحوا عتوا وعنادا فاستأصلناهم بتكذيبهم وعنادهم إذ من سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة استئصال المقترحين المكذبين على انبيائنا سيما بعد إتياننا إياهم بمقترحاتهم فلو حصل مقترحات هؤلاء المقترحين ايضا ليكذبونك البتة فلزم حينئذ إهلاكهم واستئصالهم على مقتضى سنتنا المستمرة لكن قد مضى حكمنا على ان لا ننتقم من مكذبيك في النشأة الاولى لان منهم من يؤمن ومنهم من يولد مؤمنا لذلك ما جئنا بمقترحاتهم وَاذكر لهم يا أكمل الرسل ان كانوا شاكين مترددين فيما ذكرنا بعض قصص الأمم الماضية المشهورة في الآفاق وذكرهم كيف آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ المقترحة حين اقترحوا على نبينا صالح عليه السّلام بإخراجها من الحجر المعين فأخرجها منه باذن الله وبكمال قدرته حال كون أعينهم مُبْصِرَةً خروجها منه ومع ذلك فَظَلَمُوا بِها اى بالناقة بعد ما أمرهم سبحانه بمحافظتها ورعايتها على لسان صالح عليه السّلام فكذبوه فعقروها واستأصلناهم لأجلها وبالجملة أمثالهم من الأمم الهالكة بتكذيبهم بعد إتيان ما اقترحوا اكثر من ان تحصى وَبالجملة ما نُرْسِلُ وما نأتى بِالْآياتِ المقترحة حين نأتى بها إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب المهلك المستأصل على المقترحين
وَاذكر يا أكمل الرسل للمؤمنين وقت إِذْ قُلْنا موحيا لَكَ مسليا عليك لا تحزن من كثرة عدد عدوك وعددهم ولا تخف من شوكتهم وصولتهم إِنَّ رَبَّكَ الذي اصطفاك من بين البرية للرسالة العامة قد أَحاطَ بِالنَّاسِ احاطة ذوات الظل بأظلالها وذوات الصورة بعكوسها فهم مقهورون تحت قبضة قدرته يفعل بهم حسب ارادته ومشيئته فامض أنت يا أكمل الرسل على ما أمرت بلا خوف وتردد فلك الاستيلاء والغلبة عليهم وَايضا ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي قد أَرَيْناكَ حين نزولك ماء بدر وأصبحت تقول مشيرا بإصبعك هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فأخبرت قريش بقولك واشارتك الى مصارعهم فاستهزءوا بك واستبعد بعض المؤمنين ايضا ذلك إِلَّا فِتْنَةً واختبارا لِلنَّاسِ هل يؤمنون بك ويصدقون قولك أم يكذبونك ينكرون بك ثم لما وقع الأمر على الوجه الذي اريتك في منامك اطمأن المؤمنون وازدادوا يقينا وإخلاصا وجحد الكافرون وازدادوا شقاقا ونفاقا ونسبوا أمرك هذا بعد ما وقع جزما الى السحر والكهانة والرجم بالغيب عنادا ومكابرة وَايضا ما جعلنا الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ المكروهة التي يلعنها كل من يذوقها ويطعمها الا وهي الزقوم المنبت على شفير الجحيم لذلك قد لعنت فِي الْقُرْآنِ حتى يحترز المؤمنون عن الأعمال المقربة إليها الموجبة لاكلها الا فتنة للناس وابتلاء لذلك لما سمعت قريش بشجرة الزقوم جعلوها منشأ الهزل والسخرية مع الرسول عليه السّلام حتى قال ابو جهل ان محمدا يخوفنا عن نار تحرق الحجارة ويزعم انها تنبت الشجرة وقد علمتم ان النار تحرق الشجر وما هي الا فرية بلا مرية. ثم اعلم ان الأمور الدينية سيما المعتقدات الاخروية كلها تعبدية فلو ظهر لها وجه عقلي فبها ولو لم يظهر لزم الإطاعة والانقياد بها على سبيل التعبد والتسليم من الصادق الصدوق مع ان نبت الشجر في النار مما لا يمتنع عقلا ايضا إذ وجود الحيوان في النار ابعد من وجود النبات فيها وحكاية الدويبة المعروفة التي يقال لها سمندر وعيشها في النار كالسمك في الماء متى خرج منها مات واتخاذ الناس من شعرها
وَليس طغيانهم وإصرارهم عليه الا بتسويلات الشياطين وتغريراتهم بمقتضى العداوة القديمة والخصومة المستمرة بين الشيطان وبنى آدم اذكر وقت إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ بأجمعهم بعد ما جاءوا بما جاءوا من الحجج والدلائل الدالة على عدم لياقة آدم بالخلافة والنيابة الى ان أفحموا والزموا اسْجُدُوا لِآدَمَ وتذللوا عنده ولا تجادلوا في حقه انا قد اخترناه لخلافتنا ونيابتنا فَسَجَدُوا سجود تواضع وتكريم امتثالا للأمر الوجوبي بعد ما تمادوا في إيراد الحجج والمناقضات استحياء منه سبحانه ورهبة من سطوة قهره بالإعراض عن امره وما خالف امر الله منهم إِلَّا إِبْلِيسَ فانه أصر على الإنكار ولم يرغب بامتثال المأمور بل قد زاد على الجدال والنزاع حيث قالَ مستبعدا مستنكرا أَأَسْجُدُ وأتذلل مع نجابة أصلي وشرف عنصري لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً اى لمن انشأته وصورته من طين منتن مذموم مرذول لا شرف له ولا نجابة وبالجملة ما هي الا تفضيل المفضول وتكريم المهان المرذول ثم لما طرده الحق عن ساحة عز الحضور وأخرجه من بين الملائكة ولعنه لعنة مؤبدة الى ان ايس عن القبول مطلقا
قالَ إبليس معترضا على الله مسيأ الأدب معه سبحانه مستفهما على سبيل الاستبعاد والاستنكار أَرَأَيْتَكَ اى أخبرني يا مولاي عن وجه كرامة هذَا القالب المستحقر المسترذل الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وأمرتني بسجوده وطردتني لأجله طردا مخلدا بناء على انه يعبدك ويعرفك ويوحدك حق توحيدك ويقدسك حق تقديسك وتنزيهك وبالجملة هو يتفطن على حق قدرك وقدر حقيتك والله بحق عظمتك وجلالك لَئِنْ أَخَّرْتَنِ وأبقيتني فيما بينهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال وعرضها على جنابك لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ ولأضلنهم ولأغوينهم بأنواع الإغواء والإغراء بحيث امحون أسماءهم عن دفتر المؤمنين فكيف عن زمرة العارفين المكاشفين المشاهدين لان تركيبهم وبنيتهم هذه تقتضي انواع الفسادات واصناف العصيان والضلالات ولى فيهم مداخل كثيرة اوسوسهم واغريهم الى حيث أضلهم واغويهم عن منهج الرشد ومسلك السداد إِلَّا قَلِيلًا منهم فإنهم قد ثبتوا على ما جبلوا له بلا قدرة منى على اغوائهم لكونهم مؤيدين من عندك موفقين من لدنك
ثم لما سمع سبحانه منه ما سمع قالَ سبحانه ساخطا عليه مغاضبا طاردا له أشد طرد وتبعيد اذْهَبْ يا ملعون فقد امهلناك فيما بينهم الى قيام الساعة فلك ان تفعل بهم ما تفعل فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ بعد ما قد جبلناهم على فطرة التوحيد والمعرفة ومع ذلك قد أرسلنا عليهم الرسل المنبهين المرشدين لهم طريق الهداية والرشد وأنزلنا عليهم من لدنا الكتب المبينة لهم احوال المبدأ والمعاد ومع ذلك يتركون متابعة الكتب والرسل ويتبعون لك ويقتفون اثرك فهم حينئذ خارجون عن زمرة عبادنا الصالحين لاحقون بك مستحقون بما استحققت به أنت وأعوانك من الجزاء فَإِنَّ جَهَنَّمَ الطرد والحرمان وانواع المذلة والخذلان حينئذ جَزاؤُكُمْ تابعا ومتبوعا ضالا ومضلا جَزاءً مَوْفُوراً مستوفى وافرا وافيا لا مزيد عليه مؤبدا مخلدا لا نجاة لكم منها
وَبعد ما قد سمعت
ثم قال سبحانه إِنَّ خلص عِبادِي أضافهم سبحانه الى نفسه لكمال إخلاصهم واختصاصهم لَيْسَ لَكَ ايها المضل المغوى عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ اى حجة واستيلاء تغلبهم بها عليهم سيما الذين اتخذوني خليلا وأخذوني حسيبا وكفيلا وَبالجملة كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا يعنى كفى ربك كفيلا حفيظا يتوكلون عليه مخلصين ويستعيذون نحوه من اغوائك واغرائك ايها الطاغي ملتجئين اليه وكيف لا يحفظكم ولا يعيذكم ايها المؤمنون المخلصون عما يؤذيكم ويقصد مقتكم
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي اى يسرى ويجرى لَكُمُ الْفُلْكَ الجارية فِي الْبَحْرِ بتيسيره وتسهيله عناية منه إياكم لِتَبْتَغُوا وتطلبوا مِنْ فَضْلِهِ ما يوسع لكم طريق المعاش من انواع التجارات والأرباح واستخراج اصناف الجواهر منه وغير ذلك إِنَّهُ سبحانه من كمال جوده وسعة رحمته كانَ بِكُمْ رَحِيماً مشفقا عطوفا سيما بعد اتكالكم عليه سبحانه على وجه الإخلاص
وَمما ارتكز في نفوسكم ورسخ في قلوبكم انكم إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ بان عرض لمركبكم ما يوجب كسرها وغرقها وصرتم فيها حيارى سكارى بحيث ضَلَّ وغاب عنكم
أَأعرضتم عنه سبحانه سيما بعد انجائه وإنقاذه إياكم فَأَمِنْتُمْ عن قهره وسخطه حين وصلتم الى البر مع انه سبحانه قادر على إهلاككم في البر ايضا اما تخافون أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ اى يقلب عليكم الأرض كما خسفها على قارون أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ ريحا شديدا حاصِباً فيها حصباء نرميكم ونرجمكم بها كما رجمنا قوم لوط ثُمَّ بعد ما اخذناكم في البر بأمثال هذه البليات لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا حفيظا يحفظكم عن أمثال هذه المصيبات او يشفع لكم بتخفيفها وكشفها سوى الله الواحد الأحد القادر المقتدر القيوم المطلق
أَمْ أَمِنْتُمْ ايها القاصرون عن ادراك قدر الله وكمال قدرته عن أَنْ يُعِيدَكُمْ ويلجئكم الى الرجوع فِيهِ اى في البحر تارَةً أُخْرى بأسباب ووسائل لا تخطر ببالكم فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ في الكرة الاخرى لاخذكم وانتقامكم قاصِفاً كاسرا مِنَ الرِّيحِ لتكسر مركبكم فَيُغْرِقَكُمْ فيه بِما كَفَرْتُمْ عند النجاة عن مثله في الكرة الاولى ثُمَّ بعد ارجاعنا الى البحر واغراقنا فيه على نحو انعامنا وانجائنا من قبل لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً اى لا تجدوا ناصرا ومعينا لكم يظهر علينا ويجترئ باخذنا إياكم وانتقامنا عنكم ويطالب عنا قصاص ما فعلنا بكم إذ لا راد لفعلنا ولا معقب لحكمنا ولا معين ولا مستعان لكم سوانا نفعل ما نشاء ونحكم ما نريد.
ثم قال سبحانه على سبيل الانعام والامتنان وَلَقَدْ كَرَّمْنا وفضلنا بَنِي آدَمَ بأنواع الكرامة والتفضيل على سائر المخلوقات من حسن الصورة والسيرة واعتدال المزاج واستواء القامة والعقل المفاض المنشعب من العقل الكل الذي هو حضرة العلم الحضوري الإلهي وكذا بالقدرة والارادة وسائر الصفات المترتبة على الصفات الذاتية الإلهية ليشعر بخلافته ونيابته وَمع ذلك قد حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ بركوب النجائب من الخيل والبغال والبعير وغير ذلك وَفي الْبَحْرِ بركوب الجواري والسفن وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى الأطائب التي يكسبونها بأيديهم بمقتضى اقدارنا إياهم واعدادنا لهم اسباب مكاسبهم وابحنا لهم ما تستلذ به نفوسهم وتشتهي قلوبهم على وفق ما نطق به السنة رسلهم وكتبهم وَبالجملة قد فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا والقليل المستثنى هم الملائكة المقربون المهيمون المستغرقون بمطالعة جمال الله وجلاله وان كان الوالهون الهائمون من افراد الإنسان في ولاء الله ومحبته المكاشفون بسر الخلافة والنيابة التي اخبر بها الحق الواصلون الى مرتبة الفناء الذاتي بالموت الإرادي أفضل منهم ايضا وارفع رتبة ومكانة وانما كرمناهم وفضلناهم بما فضلناهم لحكم ومصالح تقتضيها ذاتنا وهي انا أردنا ان نطالع ذاتنا المتصفة بعموم أوصاف الكمال ونعوت الجمال والجلال في مظهر تام كامل لائق لمرآتيتنا وخلافتنا فاظهرناهم وكرمناهم لأجل هذه الحكمة العزيزة والمصلحة الشريفة فمن لم يبلغ منهم الى هذه المرتبة العلية والدرجة السنية بسلوكه الذي قد ارشدناه اليه
يَوْمَ نَدْعُوا ونحشر كُلَّ أُناسٍ منهم لنسألهم ونطلب عنهم ما كسبوا وما حصلوا من المعارف والحقائق والأعمال المقربة إلينا باقتدائهم بِإِمامِهِمْ الذي قد أرسل إليهم وانزل عليهم من الرسل والكتب لإرشادهم وهدايتهم مع انا قد كتبنا خيرهم وشرهم اللذين قد جاء كل منهم بهما في صحيفة ونعطيهم اليوم صحائف أعمالهم بأيديهم فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ منهم بِيَمِينِهِ فهو دليل خيرية اعماله وطيب أحواله فَأُولئِكَ السعداء المقبولون اصحاب اليمين يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ فرحين بما فيه مسرورين فيجازون بمقتضى ما كتب بل بأضعافها وآلافها عناية منا وفضلا وَهم لا يُظْلَمُونَ ولا ينقصون من أجور أعمالهم فَتِيلًا مقدار ما في ظهر النواة من الخط الأسود او بين الأصابع من الوسخ المفتولة
وَمن اوتى كتابه بشماله فهو علامة شرية اعماله ووخامة أحواله ومآله فأولئك الأشقياء المردودون اصحاب الشمال والشآمة ينظرون الى كتابهم فيجدون ما فيه من انواع المعاصي والآثام فيغمضون عيونهم عن قراءتها آيسين محزونين فيجازون بمقتضى ما كتب مثلا بمثل عدلا منه سبحانه إذ مَنْ كانَ فِي هذِهِ النشأة أَعْمى عن مطالعة آثار الأوصاف الذاتية الإلهية وملاحظة عجائب صنعه وغرائب حكمته وبدائع تجلياته وتطوراته المتجددة آنا فآنا لحظة فلحظة فَهُوَ فِي النشأة الْآخِرَةِ ايضا أَعْمى إذ النشأة الاولى مزرعة لعموم الخيرات والاخرى وقت الحصاد فمن لم يزرع فيها فهو في وقت الحصاد مغبون أعمى عن وجدان الخيرات وَأَضَلُّ سَبِيلًا لفوات اسباب التدارك والتلافي عنه فيبقى متحيرا مدهوشا قلقا حائرا ضالا مستوحشا. ثم قال سبحانه مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم على وجه التأديب والتنبيه بعد ما ظهر عليه مخايل الميل والركون عن الحق بمخادعة اهل الكفر والنفاق
وَإِنْ كادُوا اى ان الشأن ان الكفرة الضالين المسرفين قد قاربوا لَيَفْتِنُونَكَ يا أكمل الرسل ويوقعونك في الفتنة الشديدة بالميل والانصراف عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وأنزلنا في كتابك من الأوامر والنواهي والاحكام المتعلقة بتهذيب الظاهر والباطن ويرغبونك لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ اى غير ما أوحينا إليك وَإِذاً اى حين افترائك وانتسابك إلينا غير ما أوحينا لك من الأمور التي تشتهيها أنفسهم وترتضيها قلوبهم لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وآمنوا بك بواسطة انتسابك هذا إلينا واتفاقك معهم في ذلك الافتراء والمراء نزلت في ثقيف حين قالوا لا نؤمن بك حتى تخصنا بخصال نفتخر ونباهى بها على سائر العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا وكل ربوا لنا فهو لنا وكل ربوا علينا فهو موضوع عنا وان تمتعنا باللات سنة وان تحرم وادينا كما حرمت مكة فان قالت العرب لم فعلت معهم هذا ولم خصصتهم بتلك الكرامات فقل ان الله قد أمرني وأوصاني بها وانتظر ان تنزل آية فيها فان فعلت بنا هذه نؤمن بك ونصدقك ونتخذك خليلا فتردد صلّى الله عليه وسلّم وقرب ان يميل ويركن لشدة ميله الى ايمانهم واتباعهم فجاءه جبريل عليه السّلام ومنعه عن هذا الرأى
لذلك قال سبحانه وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ اى ولولا اثباتنا وثثبيتنا إياك يا أكمل الرسل في مقر صدقك وتمكينك لَقَدْ كِدْتَ وقاربت أنت تَرْكَنُ وتميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا اى قد صرت في صدد
وبالجملة إِذاً اى حين انجاحك مسئولهم ومأمولهم وفعلت معهم ما طلبوا منك لَأَذَقْناكَ في نشأتك هذه ضِعْفَ الْحَياةِ اى ضعف عذاب من جاء بمثله في النشأة الاولى وَكذا ضِعْفَ الْمَماتِ اى قد أذقناك ايضا ضعف عذاب من جاء به في النشأة الاخرى يعنى نعذبك في الدنيا والآخرة بضعف عذاب من جاء به من سائر الناس لان جزاء الأبرار لو أتوا بالمعاصي والآثام ضعف جزاء الأشرار بل اكثر إذ لا يتوقع منهم الانحراف عن منهج الرشد أصلا ولو انصرفوا أخذوا بضعف من يتوقع منهم الانحراف والانصراف ثُمَّ بعد أخذنا إياك وانتقامنا عنك بكذا لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً اى لا تجد أنت لك نصيرا يظهر علينا بنصرتك ويطالبنا بانقاذك عن عذابنا
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ اى وان قاربوا ليحركونك ويضطرونك بالنقل والجلاء مِنَ الْأَرْضِ التي قد استقررت أنت عليها وتمكنت فيها يعنى مكة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها معللين بان الأنبياء والرسل انما بعثوا في ارض الشأم والأرض المقدسة خصوصا أجدادك ابراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب وأولادهم واسباطهم صلوات الله عليهم كلهم قد بعثوا فيها فلك ان تخرج إليها حتى نؤمن لك ونصدق برسالتك وما ذلك الا حيلة وخديعة معك قصدوا ليخرجوك بها من مكة حتى تبقى الرياسة لهم وَلا تغتم يا أكمل الرسل ولا تحزن بالخروج منها فإنك إِذاً لو خرجت أنت منها وهم ايضا لا يَلْبَثُونَ ولا يقيمون اى أولئك الضالون المفسدون المسرفون فيها خِلافَكَ وبعد خروجك إِلَّا زمانا قَلِيلًا وقد جرى الأمر على مقتضى وعد الله سبحانه إياه صلّى الله عليه وسلّم فإنهم بعد ما هاجر عليه السّلام قتلوا ببدر بعد مدة يسيرة وليس اخراجك يا أكمل الرسل عن مكة وإهلاكهم بعد خروجك منها ببدع منا مستحدث بل من سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة إهلاك الأمم الذين اخرجوا نبيهم المبعوث إليهم من بين أظهرهم عنادا بل قد صار ذلك
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا المبعوثين الى الأمم الماضية اى من سنتنا القديمة الموضوعة فيهم بالنسبة الى اقوامهم فكذلك حالك مع هؤلاء المعاندين المكذبين وَبعد ما قد استمرت منا هذه السنة السنية لا تَجِدُ أنت ولا غيرك ايضا لِسُنَّتِنا المنبعثة من كمال حكمتنا تَحْوِيلًا تغييرا وتبديلا أذلنا فيها حكم ومصالح مخفية قد استأثرنا بها لا اطلاع لك عليها وانما عليك التوجه والتقرب إلينا في عموم أوقاتك وحالاتك سيما في الأوقات المكتوبة المحفوظة
أَقِمِ الصَّلاةَ وأدم الميل والتوجه نحونا لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى حين زوالها من الاستواء إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى ظلمته بغروبها الى حيث لم يبق من بقية آثار ضوءها شيء أصلا فيسع في المحدود المذكور الظهر والعصر والمغرب والعشاء على ما عين الشرع لكل منها وقتا معينا وَطول قُرْآنَ صلاة الْفَجْرِ وأطل القيام فيها مع القراءة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ الذي هو وقت الانكشاف وأوان الانجلاء الصوري المنبئ عن الانكشاف المعنوي والانجلاء الحقيقي الذي هو عبارة عن اشراق نور الوجود واضمحلال الاظلال والعكوس المشعرة بالكثرة والغيرية لذلك قد كانَ قراءة القرآن المبين لسرائر الوحدة الذاتية وكيفية سريانها على صفائح المكونات فيه مَشْهُوداً لخواص عباد الله من الملائكة والثقلين بل لجميع الحيوانات من الوحوش والطيور إذ الكل في وقت الفجر متوجهون نحو الحق مسبحون مهللون حالا ومقالا
وَان شئت ازدياد القرب والثواب قم واستيقظ من منامك في قطعة مِنَ اللَّيْلِ واترك النوم فيها طلبا لمرضاة الله فَتَهَجَّدْ بِهِ وصل فيها صلاة التهجد
وَبعد ما وصلت ايها السالك الناسك اليه لم يبق لك درجة الاستكمال والاسترشاد بل قد صرت كاملا رشيدا وان ألهمت وأذنت من عنده سبحانه بعد ما تحققت في تلك المرتبة للإرشاد والتكميل صرت مرشدا مكملا لأهل النقص والاستكمال شفيعا لهم عند الله باذنه لتنفذهم من لوازم الإمكان المفضى الى دركات النيران وتوصلهم الى قضاء الجنان بتوفيق الله إياك وإياهم وبعد وصولك بسعيك وجهدك وانواع تهجدك وإقامتك في خلال الليالى بتوفيق الله وتيسيره على ما وصلت من المقامات العلية والمراتب السنية قُلْ مناجيا الى ربك ملتجئا نحوه طالبا التمكن والتقرر في المقام الذي وصلت اليه بتوفيقه وتأييده رَبِّ يا من رباني بأنواع اللطف والكرم أَدْخِلْنِي حسب فضلك وجودك مُدْخَلَ صِدْقٍ ومنزل قرار وتمكين الا وهو مقر التوحيد المسقط لعموم الإضافات والكثرات وخلدنى فيه بلا تذبذب وتلوين وَأَخْرِجْنِي عن مقتضيات انانيتى وهويتى الى فضاء الفناء الموصل الى شرف البقاء واللقاء مُخْرَجَ صِدْقٍ بلا تلعثم وتزلزل وَاجْعَلْ لِي حين معارضة انانيتى معى واستيلاء جنود امارتى على مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً اى برهانا قاطعا وكشفا صريحا وشهودا تاما ليكون نَصِيراً لي ينصرني على أعدائي ويخلصني من أيديهم حين هجومهم على
وَقُلْ بعد ما تحققت وتمكنت في مقام الكشف والشهود قد جاءَ الْحَقُّ الصريح الثابت ولاحت شمس الذات وَزَهَقَ اى تلاشى واضمحل الْباطِلُ اى العكوس والاظلال الهالكة الباقية في عدمياتها الاصلية إِنَّ العدم الْباطِلُ الزاهق الزائل الظاهر على صورة الحق قد كانَ زَهُوقاً في نفسه مضمحلا في حد ذاته باقيا على عدمه وان أوهم وخيل انها موجودات متأصلات في الوجود الا انها ما شمت رائحة منه سوى ان اشعة التجليات الوجودية الإلهية قد لاحت عليها وانبسطت إياها فيتراءى ما يتراءى فظن المحجوب انها موجودات متأصلات وبالجملة من لم يجعل الله له نورا فما له من نور
وَمتى تحققت بالمقام المحمود وفزت بما فزت من الحوض المورود الذي هو عبارة عن حضرة الوجود نُنَزِّلُ عليك تعظيما لشأنك وتأييدا لأمرك مِنَ الْقُرْآنِ المبين الموضح للمراتب العلية من التوحيد ما هُوَ شِفاءٌ لمرضى القلوب بسموم الإمكان في مضيق الحدثان ومجلس الملوان من الموفقين بشرف متابعتك وَرَحْمَةٌ نازلة لِلْمُؤْمِنِينَ بك المصدقين بدينك وكتابك ليسترشدوا ويستكشفوا بما فيه من الرموز والإشارات قدر قابلياتهم واستعدادتهم كي يتفطنوا ويتنبهوا بما فيه من السرائر المودعة المتعلقة بسلوك مسالك التوحيد والعرفان وَلا يَزِيدُ تربيتك وتعظيمك يا أكمل الرسل الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى حدوده وأحكامه سبحانه استنكارا واستكبارا إِلَّا خَساراً وبوارا لا خسار أعظم منه وهو إبطالهم الحكمة التي قد جبلهم الحق لأجلها الا وهي المعرفة والتوحيد وما ينتمى إليها من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية المقبولة عند الله. ثم اخبر سبحانه عن تمايل الإنسان وتلوينه وعدم رسوخه وتمكنه بحال من الأحوال وعدم فطنته وذكائه بذاته وكيفية افتقاره واحتياجه الى الحق وعدم تأمله في مبدئه ومعاده وفي كيفية ارتباطه بالحق في النشأة الاولى والاخرى
فقال وَإِذا أَنْعَمْنا وأعطينا من كمال فضلنا وجودنا عَلَى الْإِنْسانِ المجبول
قُلْ يا أكمل الرسل كلاما ناشئا عن محض الحكمة منبئا عن الاستقامة والعدالة مبنيا عليهما كُلٌّ من المحق والمبطل والهادي والضال يَعْمَلُ ويقتدى عَلى شاكِلَتِهِ وطريقته التي تشاكل وتشابه حاله ووقته إياها إذ كل ميسر موفق من لدنا لما خلق له سواء كان من رشد أو غي او ضلالة او هداية ولا علم لكم يا بنى آدم على حقيقة الأمر والحال فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بعلمه الحضوري بِمَنْ هُوَ أَهْدى منكم وأقوم سَبِيلًا وأوضح منهجا واسد طريقا فيوفقه على جهته ووجهته ومن هو على خلافه فعلى خلافه. ثم قال سبحانه تأييدا لحبيبه صلّى الله عليه وسلم وتعليما
وَيَسْئَلُونَكَ يا أكمل الرسل فرق النصارى واليهود وجميع اهل الزيغ والضلال عَنِ الرُّوحِ المتعلق بالأجساد المحيي لها ومحركها بالإرادة والاختيار وإذا انفصل وافترق عنها ماتت ولم تتحرك وانقطع الشعور والإدراك عنها اى يسئلونك عن كميته وكيفية تعلقه وارتباطه بالأجسام وكيفية انفصاله عنها قُلِ الرُّوحُ نفسه وحقيقته وكيفية تعلقه بالأجسام وكيفية انفصاله عنها كلها صادرة ناشئة مِنْ أَمْرِ رَبِّي اى من جملة ما حصل بامره الدال على تكوين المكونات وإيجاد الموجودات وهو قول كن الدال على سرعة نفوذ قضائه سبحانه واما كمية المقضى وكيفية حصوله وانفصاله فأمر قد استأثر الله به في غيبه ولم يطلع أحدا عليه لذلك قال وَما أُوتِيتُمْ يا ابن آدم مِنَ الْعِلْمِ المتعلق بالروح إِلَّا قَلِيلًا الا وهو انيته وتحققه دون كميته وحقيقته لان اطلاع الإنسان انما هو بقدر قابليته واستعداده وليس في وسعه وطاقته ان يعلم حقيقة الخردلة وكيفية حصوله وتكونه فكيف حقيقة الروح وكيفية تعلقه بالبدن غاية ما في الباب ان المكاشفين من ارباب الأذواق ينكشفون بكيفية سريان الهوية الذاتية الإلهية التي هي منبع الروح على صفائح المكونات سريان الروح في البدن وسريان نور الشمس على مطلق الأضواء ويتفطنون منها ان ظهور الأشياء وحياتها ومنبع نشأها ونماءها انما هي تلك السراية هذا نهاية ما يمكن التكلم والتفوه عنه واما الاطلاع على كنهها فأمر لا يسعه مقدرة البشر.
ثم قال سبحانه وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اى والله ان شئنا وأردنا اذهاب القرآن المرشد لقاطبة الأنام لحككناه من المصاحف ومحوناه من الصدور والخواطر ايضا ثُمَّ بعد اذهابنا ومحونا لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا اى لا تجد ظهيرا معينا لك يطالبنا بمجيئه
إِلَّا رَحْمَةً ناشئة مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل نازلة إليك ان سألت منه سبحانه رده يرده إليك تلطفا وعطفا إِنَّ فَضْلَهُ سبحانه قد كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً كثيرا مثل اصطفائك من بين البرية وارسالك الى كافة الخليقة وتأييدك في عموم الأوقات ونصرك على جميع الأعادي وغير ذلك ثم لما قال بعض المعاندين من الكفار الطاعنين في القرآن القاد حين به وبشأنه لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن الذي أنت جئت به يا محمد
قُلْ لهم يا أكمل الرسل في جوابهم مقسما مؤكدا والله لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ واتفقوا معاونين متعاضدين عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ الجامع لأحوال النشأتين الواقع في أعلى مرتبة البلاغة والفصاحة لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولما حصل لهم الإتيان به مطلقا وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً اى ولو كانوا متظاهرين متعاضدين في إتيانه لم يتأت منهم الإتيان لكونه خارجا عن طوق البشر
وَالله لَقَدْ صَرَّفْنا وكررنا لِلنَّاسِ فِي حق هذَا الْقُرْآنِ المعجز لفظا ومعنى مِنْ كُلِّ مَثَلٍ موضح لهم اعجازه وخروجه عن معرض معارضة البشر معه وارتفاع شانه عن القدح والطعن فيه فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ وامتنعوا عن قبوله ولم يتفطنوا لاعجازه وبالجملة ما يزيدوا في حقه مع ظهور الدلائل والشواهد المكررة إِلَّا كُفُوراً جحودا وإنكارا بدل القبول واليقين بحقيته
وَمع ظهور هذا المعجز المشتمل لما في العالم غيبا وشهادة اجمالا وتفصيلا قالُوا تعنتا واقتراحا ومبالغة وإلحاحا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ولن نصدق بكتابك ودينك حَتَّى تَفْجُرَ وتشقق أنت لَنا مِنَ الْأَرْضِ اى ارض مكة شرفها الله يَنْبُوعاً اى عينا جارية نشرب منها ونزرع بها ونغرس على وجه العموم
أَوْ تَكُونَ لَكَ عليها على وجه الخصوص جَنَّةٌ وبستان مغروسة مملوة مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ سهل السقي فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها وأوسطها تَفْجِيراً سهلا يسيرا بحيث لا تكلف في سقيها ولا عسر أصلا
أَوْ تأتى بآية ملجئة لنا الى الايمان بان تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ ونسبت الى ربك بقوله ان نشأ نخسف بهم الأرض او نسقط عليهم كسفا من السماء عَلَيْنا كِسَفاً اى قطعة بعد قطعة حتى نؤمن لك أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ الذي ادعيت الرسالة والنبوة من عنده جهرة ظاهرة تعالى عن ذلك وَالْمَلائِكَةِ اى تأتى بالملائكة الذين ادعيت أنت وساطتهم ورسالتهم بينك وبين ربك قَبِيلًا اى تأتى بهم مقابلا عيانا مشاهدا محسوسا لنا بحيث نريهم صورهم وأشباحهم
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ متخذ مِنْ زُخْرُفٍ اى ذهب وفضة مكللة بجواهر نفيسة أَوْ تَرْقى وتصعد أنت بنفسك على رؤس الاشهاد فِي السَّماءِ بلا اسباب ووسائل وَبعد صعودك وعروجك إليها لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ اى لن نؤمن ونصدق بك بمجرد رقيك وعروجك حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً مكتوبا من عند ربك مشتملا على اسامينا وعلى دعوتك إيانا الى الايمان وتصديقنا بك بحيث نَقْرَؤُهُ بين أظهرنا ونؤمن بك بأجمعنا قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما سمعت منهم هذه المقترحات التي ليس في وسعك وطاقتك متعجبا منزها مستبعدا سُبْحانَ رَبِّي وتعالى شأنه من ان يشارك في قدرته فان أمثال هذه المقترحات انما تصدر عنه سبحانه اصالة او أظهرها سبحانه بدعاء بعض عباده ان تعلق ارادته ومشيته ولم يظهر سبحانه على أمثال هذا بل هَلْ كُنْتُ وما صرت إِلَّا بَشَراً ضعيفا كسائر الناس غاية ما في الباب انى بوحي الله الى والهامه على قد كنت رَسُولًا من لدنه كسائر الرسل وقد كانوا ايضا لا يتأتى منهم كل ما اقترح عنهم اقوامهم بل ما يصدر عنهم الا ما يسر الله لهم ومكنهم عليه ومالي ايضا الا ما يسر الله لي وقدره على.
ثم قال سبحانه وَما مَنَعَ وصرف النَّاسَ عن أَنْ يُؤْمِنُوا ويهتدوا وقت إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى اى الرسول الهادي المرشد الرشيد إياهم ليرشدهم الى طريق التوحيد والعرفان إِلَّا أَنْ قالُوا اى الا قولهم هذا على سبيل الاستبعاد والاستنكار أَبَعَثَ اللَّهُ العليم الحكيم المتقن في أفعاله بَشَراً
قُلْ لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا لا بد بين المفيد والمستفيد من المناسبة والملائمة المصححة لأمر الإفادة والاستفادة لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ سماويون نازلون منها إليها لمصلحة وهم يَمْشُونَ عليها مُطْمَئِنِّينَ متمكنين لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ حين احتياجهم الى الإرشاد والتكميل مِنَ السَّماءِ مَلَكاً كذلك مجانسا لهم رَسُولًا إليهم يرشدهم ويهديهم حسب مجانستهم ومناسبتهم
قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما ايست عن ايمانهم وصلاحهم كَفى بِاللَّهِ اى كفى الله شَهِيداً مثبتا لرسالتي عليكم بإظهار انواع المعجزات على يدي قاطعا للنزاع الواقع بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ سبحانه بذاته وبحضرة علمه قد كانَ بِعِبادِهِ وبجميع ما صدر عنهم من الأعمال على التفصيل خَبِيراً بَصِيراً ذا خبرة وبصارة كاملة شاملة بحيث لا يشذ من أحوالهم شيء من علمه وخبرته فيجازيهم بكمال قدرته حسب علمه بهم
وَبعد ما ثبت ان أمرهم موكول الى الله وحالهم محفوظ عنده مَنْ يَهْدِ اللَّهُ الهادي وتعلق ارادته بهدايته فَهُوَ الْمُهْتَدِ اى هو مقصور على الهداية لا يتعداها أصلا وَمَنْ يُضْلِلْ الله وتعلق مشيته بضلاله فَلَنْ تَجِدَ يا أكمل الرسل لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ اى من دون الله يوالونهم ويظاهرون عليهم وينقذونهم من بأس الله وبطشه بعد ما اخذتهم العزة باثمهم وَلذلك نَحْشُرُهُمْ ونبعثهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بعد تنقيد أعمالهم ونجزهم نحو النار مكبين عَلى وُجُوهِهِمْ منكوسين تنفيذا لأحكامنا يعنى يسحبون ويجرون نحو جهنم البعد والخذلان وجحيم الطرد والحرمان عُمْياً لكونهم في النشأة الاولى أعمى عن رؤية الحق في اعيان المظاهر وصفحات المجالى وَبُكْماً لكونهم صامتين ساكتين عما ظهر لهم من دلائل التوحيد عنادا ومكابرة وَصُمًّا لكونهم أصمين عن استماع كلمة الحق عن السنة الرسل ووراثهم اى العلماء لذلك صار مَأْواهُمْ ومنزلهم جَهَنَّمُ الطرد والحرمان المسعر بنيران الخسران والخذلان وقد صارت من شدة تسعرها الى حيث كُلَّما خَبَتْ وسكنت لهب نارها بعد ما أكلت جلودهم ولحومهم زِدْناهُمْ جلودا ولحوما مثل جلودهم ولحومهم بل عينها يعنى كلما اضمحلت جلودهم ولحومهم نعيدهم على ما كانوا عليه لتصير سَعِيراً ذا شرر والتهاب مفرط بعد ما جدد ما تأكل والسبب في تكرارها وإعادتها كذلك انكارهم للحشر واعادة المعدوم بعينه
ذلِكَ الذي سمعت من العذاب جَزاؤُهُمْ اى جزاء المنكرين الكافرين وانما عذبناهم بها بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم قد كَفَرُوا بِآياتِنا الدالة على الحشر الجسماني وَقالُوا منكرين مستبعدين أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَصرنا رُفاتاً هباء غبارا منبثا مثارا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً اى مخلوقا موجودا جَدِيداً مثل المخلوق الاول كلا وحاشا
أَينكرون الحشر واعادة المعدوم بعينه ويصرون على الإنكار أولئك المعاندون وَلَمْ يَرَوْا ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ خلقا إبداعيا اختراعيا بلا سبق مادة وزمان قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بعد موتهم واعدامهم مع ان الإعادة أسهل وأيسر من الإنشاء والإبداء وَلم يعلموا كيف جَعَلَ اى صير وقدر سبحانه لَهُمْ أَجَلًا معينا لا رَيْبَ فِيهِ حتى وصلوا اليه ماتوا بحيث لا يسع لهم طلب التقديم والتأخير أصلا ومع وضوح هذه الدلائل
قُلْ للمنكرين المتوهمين نفاد قدرة الله وانصرام حوله وقوته عن مراده لا تقيسوا الغائب على الشاهد ولا تتوهموا الشح والبخل والعجز والاضطرار في حق الله بل الكل انما هو من اوصافكم وخواصكم إذ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي مع سعتها وفسحتها وعدم نفادها وتناهيها أصلا إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ وبخلتم خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ ومحافة النفاد بالإنفاق سيما بلا وضع شيء بدل ما ينفق وَبالجملة قد كانَ الْإِنْسانُ خلق في اصل فطرته قَتُوراً ممسكا لازدحام لوازم الإمكان واسباب الافتقار فيه إذ هو أحوج المظاهر وابعدهم عن الوحدة الذاتية إذ الإنسان آخر نقطة قوس الإمكان وهي نهاية الكثرة ويصير هو ايضا بعينه أول نقطة قوس الوجوب ان انخلع عن ملابس الإمكان وتجرد عنها بالمرة وترقى الى مدارج معارجه بلا شوب شين ونقصان
وَمن جملة كفورية الإنسان وقتوريته انا لَقَدْ آتَيْنا من سعة رحمتنا وكمال حولنا وقدرتنا مُوسى المؤيد من عندنا تِسْعَ آياتٍ ومعجزات بَيِّناتٍ واضحات دالة على صدقه في رسالته وحقيته في نبوته ألا وهي العصا واليد البيضاء والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الجبل فوقهم وان شئت يا أكمل الرسل زيادة إيضاح والزام لمشركي اليهود فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ اى بقية أحبارهم ليخبروك وقت إِذْ جاءَهُمْ موسى من قبل مدعيا النبوة ومظهرا المعجزات المذكورة يعنى سلهم عما مضى بينه وبين فرعون وبينه وبين قومه ايضا فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ بعد ما رأى منه ما رأى من الخوارق بدل الايمان والإطاعة إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى بعد ما جئت بسحر عظيم وكيد كبير وهو وان كان من كمال العقل والدراية الكاملة انا اعتقدك مَسْحُوراً مجنونا مخبطا مختل العقل والرأى بادعائك الرسالة والنبوة من خالق السماء وبنزول الملك والصحف إليك من لدنه مع انسداد الطرق وانعدام السبل ثم لما سمع موسى من فرعون ما سمع ايس من إيمانه وقنط وحينئذ
قالَ موبخا عليه مقرعا والله لَقَدْ عَلِمْتَ يقينا ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ الآيات القاهرة الباهرة الى إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إذ هي خارجة عن وسع غيره مطلقا وعلمت ايضا انه ما أنزلها الا بَصائِرَ اى بينات وشواهد دالة على صدقى في دعواي لأبصرك وأوقظك عن منام غفلتك وتتفطن أنت بها لأصل فطرتك وجبلتك وَإِنِّي بعد ما قد بالغت في تبليغ ما جئت به من الهداية والإرشاد فلم تصدقني ولم تقبل منى ولم تؤمن على لَأَظُنُّكَ واعتقدك يا فِرْعَوْنُ المتناهي في الغفلة والغرور مَثْبُوراً مصروفا عن الخير كله مطرودا عن ساحة عز الحضور مجبولا على الشر ودواعيه مطلقا وبعد ما رأى فرعون من موسى ما رأى من المعجزات الواضحة خاف ان يميل اليه قومه ويؤمنوا له
فَأَرادَ وقصد فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ اى بنى إسرائيل ويستأصلهم بان يحركهم أولا مِنَ الْأَرْضِ اى ارض مصر ويفرقهم بحيث لا يتأتى منهم المقاومة معه أصلا ثم يأمر بقتل كل فرقة فرقة منهم مكرا منه وكيدا فمكرنا له قبل مكره إياهم فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ كانوا متفقين مَعَهُ في مكره وكيده جَمِيعاً حين أمرنا موسى ومن معه بالفرار ليلا فأخبر هو واتبع اثره فلقى موسى البحر وهو على عقبه فامرتا موسى حينئذ بضرب البحر بالعصا فضربه
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد انقراض فرعون وانقضائه لِبَنِي إِسْرائِيلَ على سبيل التوصية والتذكير في كتابنا المنزل عليهم وهو التوراة اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد فرعون ان يستفزكم منها بالقهر والغلبة آمنين مؤمنين صالحين مصلحين عموم مفاسدكم بما أرسل إليكم وانزل عليكم عاملين حسب أوامرنا ونواهينا المنزلة إليكم في كتابكم فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وقيام الساعة قد جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ملتفين مختلطين سعداءكم مع أشقيائكم فنميز بينكم وندخلكم منزل الشقاوة والسعادة المعد لكلا الفريقين.
ثم قال سبحانه في حق القرآن ونزوله وعظم قدر من انزل اليه وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ اى ما أنزلنا القرآن الا ملتبسا بالحق المطابق للواقع بلا عروض الباطل عليه أصلا وَكذا بِالْحَقِّ نَزَلَ
اى عموم ما نزل فيه من الاحكام والأوامر والنواهي والعبر والأمثال والرموز والإشارات والمعارف والحقائق كلها قد نزل بالحق الصريح الثابت الخالص عن توهم الباطل مطلقا وَايضا ما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل على كافة البرايا وعامة الأمم إِلَّا مُبَشِّراً بالحق للمؤمن المطيع بأنواع الخيرات واللذات الروحانية المعنوية وَنَذِيراً ايضا بالحق للكافر الجاحد عن انواع العذاب والعقاب الجسمانية والروحانية
وَبالجملة ما أرسلناك عليهم الا لتكون داعيا لهم الى التوحيد والعرفان تاليا لهم قارئا عليهم قُرْآناً فرقانا بين الحق والباطل والهداية والضلال لذلك فَرَقْناهُ اى قد فرقنا انزاله عليك حيث أنزلناه إليك مفرقا منجما لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ لدى الحاجة عَلى مُكْثٍ مهل وتؤدة فإنها أسهل وأيسر للحفظ والفهم من سائر الكتب الإلهية وَايضا قد نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا تدريجيا على حسب الوقائع ومقتضى الازمنة والموارد في عرض عشرين سنة
قُلْ يا أكمل الرسل للطاعنين في القرآن المائلين عن حقيته وصدقه جهلا وعنادا على سبيل التهديد والتوبيخ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا اى سواء منكم الايمان بالقرآن وعدم الايمان به لأنكم جهلاء عما فيه من الحقائق والمعارف غفلاء عن الرموز والإشارات المودعة فيه فتصديقكم وتكذيبكم إياه لا يجدي له نفعا ولا يورث ضرا وانما العبرة لذوي الخبرة إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من لدن حكيم عليم بحقية القرآن وبحقية ما فيه وكذا بما في عموم الكتب الإلهية ألا وهم الأنبياء والأولياء المجبولون على فطرة التوحيد والعرفان قد كانوا يؤمنون ويصدقون به مِنْ قَبْلِهِ اى قبل نزوله وبعد نزوله لذلك إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ ويقرأ عندهم يَخِرُّونَ ويسقطون لِلْأَذْقانِ سُجَّداً متذللين واضعين جباههم وأذقانهم على تراب المذلة والهوان تعظيما لأمر الله وشكرا له لإنجاز وعده
وَيَقُولُونَ في حين سجوده منزهين مسبحين سُبْحانَ رَبِّنا وتعالى من ان يأتى منه الخلف فيما عهد علينا او عن ان يعجز عن إتيان ما وعدنا واوعدنا به إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا اى انه قد كان وعد ربنا الذي وعدنا به في الكتب السالفة من إرسال رسول متصف بأوصاف مخصوصة معه كتاب جامع لما في الكتب السالفة ناسخ لها خاتم للرسالة العامة والتشريع الشامل لذلك صار دينه ناسخا لجميع الأديان فقد أنجز سبحانه وعده بإرسال هذا النبي الأمي الموعود
وَيَخِرُّونَ ايضا العالمون العارفون بحقانية القرآن بعد تأملهم وتوغلهم في حكمه وأحكامه وحقائقه ومعارفه لِلْأَذْقانِ حال كونهم يَبْكُونَ من خشية الله وَبالجملة ما
قُلِ يا أكمل الرسل للمحجوبين الغافلين عن سرسريان الوحدة الذاتية الإلهية في المظاهر كلها والمجالى برمتها ادْعُوا اللَّهَ اى سموا الذات الاحدية التي هي ينبوع بحر الوجود ومنشأ عموم المظاهر والموجود باسم الله المستجمع لجميع الأسماء والصفات اجمالا أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ اى سموه باسم الصفات التي قد اتصفت بها الذات الاحدية تفصيلا أَيًّا ما تَدْعُوا وتسموا من اسماء الذات والصفات فَلَهُ اى لله المنزه عن سمة الكثرة والحدوث مطلقا المقدس عن وصمة الشركة والتعدد رأسا الْأَسْماءُ الْحُسْنى الكاملة الدالة على احدية ذاته غاية ما في الباب انها باعتبار شئونه وتجلياته قد يتعدد أسماؤه وصفاته وبالجملة الاسم والمسمى كلاهما متحدان عند سقوط الإضافات ورفع التعينات واطراح الاعتبارات إذ لا يتصور التعدد دون جنابه الا وهما واعتبارا وَإذا كان الكل من الأسماء والمسميات راجعا الى الذات الاحدية بعد رفع التعينات وسقوط الإضافات لا تَجْهَرْ أنت ايها العارف المتمكن في مقام التوحيد الراسخ فيه بلا تلوين وتقليد ولا تعلن بِصَلاتِكَ وميلك نحو الحق بوحا وشطحا ولا تقل في حال صحوك وافاقتك كلام ارباب السكر والحيرة وَلا تُخافِتْ بِها ايضا ضنا وشحا على ذوى الاستعداد والاسترشاد وَابْتَغِ واختر يا صاحب التمكن والتمكين بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا مقتصدا معتدلا مائلا عن كلا طرفي الإفراط والتفريط إذ الخير في كل الأمور أوسطها إذ هو اعدلها
وَقُلِ بعد ما تحققت وتمكنت في مقر التوحيد شكرا لما أنعمك الحق الوصول اليه وأمكنك التحقق دونه والورود عليه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قد توحد بذاته وتقدس بأسمائه وصفاته وتفرد بألوهيته واستقل بوجوب وجوده وربوبيته بحيث لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً يخلف عنه لكونه صمدا قيوما أزليا ابديا سرمديا بحيث لا يعرضه الفناء مطلقا ولا يعتريه الانصرام والانقضاء ابدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ والملكوت يظاهره او يزاحمه ويخاصمه إذ لا شيء في الوجود سواه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يواليه ويتولى امره ويعين عليه حين ما لحقه مِنَ الذُّلِّ المسقط لعزه الأصلي وعظمه الحقيقي الأزلي إذ لا تغير ولا تبدل في ذاته ولا تحول ولا انتقال في شأنه أصلا وَبالجملة كَبِّرْهُ تَكْبِيراً ذاتيا حقيقيا وعظمه تعظيما صوريا ومعنويا وكيف لا إذ لا وجود للغير معه حتى يتصور هناك النسبة والاضافة بل هو أجل واكبر لذاته بلا توهم الاضافة فبه اهدنا بفضلك سواء سبيلك الى توحيدك واجعلنا من زمرة ارباب تكبيرك وتمجيدك
خاتمة سورة الإسراء
عليك ايها الموحد المتحقق بمقام تمجيد الحق وتحميده مكنك الله بما أوصلك اليه وقررك دونه ان تعظم الحق غاية التعظيم وتكبره كمال التكبير والتكريم واعلم ان تعظيم الحق انما هو بتعظيم مظاهره ومجاليه إذ ما من ذرة من ذرائر الكائنات الا وقد ظهر الحق فيه وتجلى عليه بأسمائه الحسنى وأوصافه العليا فلك ان تتواضع وتتذلل عند كل ذرة من ذرائر المظاهر طوعا ورغبة ولا تتكبر عليها ولا تتعظم دونها إذ التكبر والتفوق على ذرة حقيرة من اى جنس وصنف كانت من امارات عدم الوصول الى مرتبة اليقين الحقي ومقر التوحيد الحقيقي وذلك انما يحصل لك بعد رفع مقتضيات