تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
أخرجه (١) ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت: سألت خديجة رسول الله - ﷺ - عن أولاد المشركين، فقال: «هم من آبائهم»، ثم سألته بعد ذلك فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثمّ سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ وقال: هم على الفطرة، أو قال: في الجنة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾؛ أي: تبرأ عن الشريك والولد والصاحبة، الإله الذي سير بعبده محمد - ﷺ - ﴿لَيْلًا﴾؛ أي: في جزء قليل من الليل ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾؛ أي: من حرم مكّة من بيت أم هانىء بنت أبي طالب ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾؛ أي (٢) إلى المسجد الأبعد من الأرض أي من أرض الحجاز وأقرب إلى السماء، وهو مسجد بيت المقدس، ورجع من ليلته في نحو ثلاث ساعات، وسمي أقصى؛ لأنه أبعد المساجد التي تزار ويطلب بها الأجر من المسجد الحرام؛ أي أبعد بالنظر إلى من بالحجاز.
قال النحويون (٣): ﴿سُبْحانَ﴾ اسم علم للتسبيح، وانتصابه على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، فالمقصود منه التنزيه والتبعيد له تعالى عن السوء في الذات والصفات، والأفعال والأسماء، والأحكام، فالتعجيب مقصود منه أيضا؛ أي: تعجبوا أو اعجبوا من قدرة الله تعالى على هذا الأمر الغريب، والمعنى: ما أبعد الإله الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، ولذا لا يستعمل إلّا فيه تعالى، والإسراء سير الليل.
وفائدة ذكر الليل، مع أنه معلوم من ذكر الإسراء: الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدّته، وأنه أسري به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة، ومعنى أسرى به: صيره ساريا في الليل، وقوله: ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ أي بروحه وجسده على المعتمد، وقال (٤): ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ دون نبيه، أو حبيبه؛ لئلا تضل به أمته، كما
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾؛ أي: تبرأ عن الشريك والولد والصاحبة، الإله الذي سير بعبده محمد - ﷺ - ﴿لَيْلًا﴾؛ أي: في جزء قليل من الليل ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾؛ أي: من حرم مكّة من بيت أم هانىء بنت أبي طالب ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾؛ أي (٢) إلى المسجد الأبعد من الأرض أي من أرض الحجاز وأقرب إلى السماء، وهو مسجد بيت المقدس، ورجع من ليلته في نحو ثلاث ساعات، وسمي أقصى؛ لأنه أبعد المساجد التي تزار ويطلب بها الأجر من المسجد الحرام؛ أي أبعد بالنظر إلى من بالحجاز.
قال النحويون (٣): ﴿سُبْحانَ﴾ اسم علم للتسبيح، وانتصابه على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، فالمقصود منه التنزيه والتبعيد له تعالى عن السوء في الذات والصفات، والأفعال والأسماء، والأحكام، فالتعجيب مقصود منه أيضا؛ أي: تعجبوا أو اعجبوا من قدرة الله تعالى على هذا الأمر الغريب، والمعنى: ما أبعد الإله الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، ولذا لا يستعمل إلّا فيه تعالى، والإسراء سير الليل.
وفائدة ذكر الليل، مع أنه معلوم من ذكر الإسراء: الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدّته، وأنه أسري به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة، ومعنى أسرى به: صيره ساريا في الليل، وقوله: ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ أي بروحه وجسده على المعتمد، وقال (٤): ﴿بِعَبْدِهِ﴾؛ دون نبيه، أو حبيبه؛ لئلا تضل به أمته، كما
(١) لباب لنقول.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
(٤) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
(٤) الفتوحات.
11
ضَلَّتْ أمة المسيح حيث ادَّعته إلهًا، أو لأن وصفه بالعبودية المضاف إلى الله تعالى أشرف المقامات والأوصاف.
لا تدعني إلّا بيا عبدها... فإنّه أشرف أسمائي
﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ﴿من﴾ ابتدائية قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه، وهو ظاهر القرآن، وقال عامة المفسرين أسري برسول الله - ﷺ - من دار أم هانىء، فحملوا المسجد الحرام على مكة، أو الحرم لإحاطة كل منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كلّه مسجد، وكان (١) الإسراء به ببدنه في اليقظة بعد البعثة، وكان قبلها في المنام كما أنه رأى فتح مكة سنة ست وتحقق سنة ثمان اهـ كرخي، والحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس دون العروج به من مكة، لأنه محشر الخلائق، فيطؤه بقدمه، ليسهل على أمته يوم وقوفهم ببركة أثر قدمه، أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء، فأراد الله تعالى أن يشرفهم بزيارته - ﷺ -، وليخبر الناس بصفاته، فيصدّقوه في الباقي اهـ كرخي، وقيل (٢): الحكمة في إسرائه - ﷺ - إلى بيت المقدس، ليحصل له العروج إلى السماء مستويًا من غير تعريج، لما روي عن كعب أنّ باب السماء الذي يقال له: مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا وقيل: الحكمة في ذلك، أنّ الشام خيرة الله تعالى من أرضه كما في الحديث الصحيح، فهي أفضل الأرض بعد الحرمين، وأول إقليم ظهر فيه ملكه - ﷺ -، وقيل غير ذلك.
ثمّ ذكر سبحانه الغاية التي أسري برسوله - ﷺ - إليها فقال: ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾، أي القاصي، وهو بيت المقدس، وأول من بناه آدم بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة كما في «المواهب» فهو أول ما بني على الأرض بعد الكعبة، وسمّي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، ولم يكن حينئذ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: ﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾ ونواحيه بالثمار، والأنهار، والأنبياء، والصالحين، فقد بارك الله سبحانه وتعالى حول المسجد الأقصى
لا تدعني إلّا بيا عبدها... فإنّه أشرف أسمائي
﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ ﴿من﴾ ابتدائية قال الحسن وقتادة: يعني المسجد نفسه، وهو ظاهر القرآن، وقال عامة المفسرين أسري برسول الله - ﷺ - من دار أم هانىء، فحملوا المسجد الحرام على مكة، أو الحرم لإحاطة كل منهما بالمسجد الحرام، أو لأن الحرم كلّه مسجد، وكان (١) الإسراء به ببدنه في اليقظة بعد البعثة، وكان قبلها في المنام كما أنه رأى فتح مكة سنة ست وتحقق سنة ثمان اهـ كرخي، والحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس دون العروج به من مكة، لأنه محشر الخلائق، فيطؤه بقدمه، ليسهل على أمته يوم وقوفهم ببركة أثر قدمه، أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء، فأراد الله تعالى أن يشرفهم بزيارته - ﷺ -، وليخبر الناس بصفاته، فيصدّقوه في الباقي اهـ كرخي، وقيل (٢): الحكمة في إسرائه - ﷺ - إلى بيت المقدس، ليحصل له العروج إلى السماء مستويًا من غير تعريج، لما روي عن كعب أنّ باب السماء الذي يقال له: مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا وقيل: الحكمة في ذلك، أنّ الشام خيرة الله تعالى من أرضه كما في الحديث الصحيح، فهي أفضل الأرض بعد الحرمين، وأول إقليم ظهر فيه ملكه - ﷺ -، وقيل غير ذلك.
ثمّ ذكر سبحانه الغاية التي أسري برسوله - ﷺ - إليها فقال: ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾، أي القاصي، وهو بيت المقدس، وأول من بناه آدم بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة كما في «المواهب» فهو أول ما بني على الأرض بعد الكعبة، وسمّي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، ولم يكن حينئذ وراءه مسجد، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله: ﴿الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ﴾ ونواحيه بالثمار، والأنهار، والأنبياء، والصالحين، فقد بارك الله سبحانه وتعالى حول المسجد الأقصى
(١) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
12
ببركات الدنيا، فهي ليست إلا حول الأقصى، وأما في الداخل فالبركة في كل من المسجدين، بل هي في الحرم أتم، وهي كثرة الثواب بالعبادة فيهما اهـ شيخنا، أي الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم، وفي قوله: ﴿بارَكْنا﴾ بعد قوله: ﴿أَسْرى﴾ التفات من الغيبة إلى التكلم، ثم ذكر العلّة التي أسرى به لأجلها فقال: ﴿لِنُرِيَهُ﴾، أي لكي نري عبدنا محمدًا - ﷺ - ﴿مِنْ آياتِنا﴾، أي من عبرنا (١) وأدلتنا ما فيه البرهان الساطع، والدليل القاطع على وحدانيّتنا، وعظيم قدرتنا، والمراد بها، ما أراه الله تعالى في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة، في جزء قليل من الليل، وقرأ الجمهور ﴿لِنُرِيَهُ﴾ بالنون، وهو التفات من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، وقرأ الحسن: ﴿ليريه﴾ بالياء، فيكون الالتفات في ﴿آياتِنا﴾، ﴿إِنَّهُ﴾ أي إنّ الذي أسرى بعبده ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في إسراء محمد - ﷺ - من مكة إلى بيت المقدس، أو بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول محمد - ﷺ - وقول أولئك المشركين ﴿الْبَصِيرُ﴾ بما يفعلون، لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يعزب عنه شيء في الأرض، ولا في السماء، فهو محيط به علمًا، ومحصيه عددًا، وهو لهم بالمرصاد، وسيجزيهم بما هم له أهل أو بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله، وذاتهم وأفعالهم، ويقال (٢): معنى هذه الجملة ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنّ هذا العبد الذي اختصصناه بالإسراء هو خاصة السميع لكلامنا، البصير لذاتنا، فهو السميع أذنا وقلبا بالإجابة لنا، والقبول لأوامرنا، البصير بصرا، وبصيرة، وتوسيط ضمير الفصل للإشعار باختصاصه - ﷺ - وحده بهذه الكرامة، ولهذا عقب الله تعالى بقوله: ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾.
تحقيق ما قيل في الإسراء والمعراج
اعلم (٣): أن هاهنا أمرين:
تحقيق ما قيل في الإسراء والمعراج
اعلم (٣): أن هاهنا أمرين:
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
13
١ - إسراء النبي - ﷺ - من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وهذا هو الذي ذكر في هذه السورة.
٢ - العروج به، والصعود إلى السماء الدنيا، ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام بعد وصوله إلى بيت المقدس، ولم يذكر ذلك هنا، وسيأتي بيانه في سورة النجم، ونفصل القول فيه تفصيلًا إن شاء الله سبحانه وتعالى هناك.
آراء العلماء في الإسراء
وهاهنا أمور: مكان الإسراء، زمانه، هل كان الإسراء بالروح والجسد، أو بالروح فحسب.
١ - يرى جمع من العلماء أن الإسراء كان من المسجد الحرام، وقيل: أسري به من دار أم هانىء بنت أبي طالب.
٢ - أما زمانه: فقد كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة، وعن أنس والحسن البصري أنه كان قبل مبعثه - ﷺ -.
٣ - أكثر العلماء على أن الإسراء كان بالروح والجسد، يقظة لا منامًا، ولهم على ذلك أدلة:
أ - أن التسبيح والتعجب في قوله: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إنما يكون في الأمور العظام، ولو كان ذلك مناما لم يكن فيه كبير شأن، ولم يكن مستعظمًا.
ب - أنه لو كان منامًا ما كانت قريش تبادر إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كانوا قد أسلموا، ولما قالت أم هانىء لا تحدث الناس فيكذبوك، ولما فضّل أبو بكر بالتصديق، وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها - لم أعرفها حق المعرفة - فكربت كربًا مّا كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به» الحديث.
٢ - العروج به، والصعود إلى السماء الدنيا، ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام بعد وصوله إلى بيت المقدس، ولم يذكر ذلك هنا، وسيأتي بيانه في سورة النجم، ونفصل القول فيه تفصيلًا إن شاء الله سبحانه وتعالى هناك.
آراء العلماء في الإسراء
وهاهنا أمور: مكان الإسراء، زمانه، هل كان الإسراء بالروح والجسد، أو بالروح فحسب.
١ - يرى جمع من العلماء أن الإسراء كان من المسجد الحرام، وقيل: أسري به من دار أم هانىء بنت أبي طالب.
٢ - أما زمانه: فقد كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة، وعن أنس والحسن البصري أنه كان قبل مبعثه - ﷺ -.
٣ - أكثر العلماء على أن الإسراء كان بالروح والجسد، يقظة لا منامًا، ولهم على ذلك أدلة:
أ - أن التسبيح والتعجب في قوله: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إنما يكون في الأمور العظام، ولو كان ذلك مناما لم يكن فيه كبير شأن، ولم يكن مستعظمًا.
ب - أنه لو كان منامًا ما كانت قريش تبادر إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كانوا قد أسلموا، ولما قالت أم هانىء لا تحدث الناس فيكذبوك، ولما فضّل أبو بكر بالتصديق، وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها - لم أعرفها حق المعرفة - فكربت كربًا مّا كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به» الحديث.
14
ج - أن قوله ﴿بِعَبْدِهِ﴾ يدل على مجموع الروح والجسد.
د - أن ابن عباس - رضي الله عنه - قال في قوله: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ هي: رؤيا أريها رسول الله - ﷺ - ليلة أسري به، ويؤيده أن العرب قد تستعمل الرؤيا في المشاهدة الحسية.
ألا ترى إلى قول الراعي يصف صائدا:
هـ - أن الحركة بهذه السرعة ممكنة في نفسها، فقد جاء في القرآن الكريم أنَّ الرِّياح كانت تسير بسليمان عليه السلام إلى المواضع البعيدة، في الأوقات القليلة، فقد قال تعالى في صفة سير سليمان عليه السلام: ﴿غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ﴾، وجاء فيه أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام، في مقدار لمح البصر، كما قال تعالى: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾، وإذا جاز هذا لدى طائفة من الناس، جاز لدى جميعهم.
ويرى آخرون من الناس أن الإسراء كان بالروح فحسب، ولهم على ذلك حجج:
أ - أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - ﷺ - قال: كان رؤيا من الله صادقة، وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ، كان من المشركين، فلا يقبل خبره في مثل هذا.
ب - أن بعض آل أبي بكر رضي الله عنه قال: كانت عائشة تقول: ما فقد جسد رسول الله - ﷺ -، ولكن أسري بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة، ولم تكن زوجا لرسول الله - ﷺ -.
ج - أن الحسن قال في قوله: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا...﴾ الآية. إنها رؤيا منام رآها والرؤيا تختص بالنوم.
قال أبو جعفر الطبري: الصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد - ﷺ - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر
د - أن ابن عباس - رضي الله عنه - قال في قوله: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ هي: رؤيا أريها رسول الله - ﷺ - ليلة أسري به، ويؤيده أن العرب قد تستعمل الرؤيا في المشاهدة الحسية.
ألا ترى إلى قول الراعي يصف صائدا:
وكبّر للرّؤيا وهشّ فؤاده | وبشّر قلبا كان جمّا بلابله |
ويرى آخرون من الناس أن الإسراء كان بالروح فحسب، ولهم على ذلك حجج:
أ - أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله - ﷺ - قال: كان رؤيا من الله صادقة، وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ، كان من المشركين، فلا يقبل خبره في مثل هذا.
ب - أن بعض آل أبي بكر رضي الله عنه قال: كانت عائشة تقول: ما فقد جسد رسول الله - ﷺ -، ولكن أسري بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة، ولم تكن زوجا لرسول الله - ﷺ -.
ج - أن الحسن قال في قوله: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا...﴾ الآية. إنها رؤيا منام رآها والرؤيا تختص بالنوم.
قال أبو جعفر الطبري: الصواب من القول في ذلك عندنا، أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد - ﷺ - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر
15
الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - ﷺ - أنّ الله حمله على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه من الآيات ما أراه، ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجّة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك، كانوا يدفعون به عن صدقه فيه؛ إذ لم يكن منكرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة، من بني آدم، أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر، أو أقلّ.
وبعد: فإن الله إنّما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، وليس جائزًا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره، إلا أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله - ﷺ - أن الله أسرى به على دابة، يقال لها: البراق، ولو كان الإسراء بروحه.. لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اهـ.
والخلاصة: أن الذي عليه المعول عند جمهرة المسلمين، أنه أسري به - ﷺ - يقظة لا منامًا، من مكة إلى بيت المقدس، راكبًا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد، ربط الدابة عند الباب، ودخله يصلي في قبلته، تحية المسجد ركعتين، ثم ركب البراق وعاد إلى مكة بغلسٍ.
إلمامةٌ في المعراج
يرى بعض العلماء أن عروج النبي - ﷺ - السموات السبع، كان بجسده وروحه يقظة لا منامًا لدليلين:
أ - آية الإسراء إذ صرح فيها بأنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.
ب - الحديث المروي في الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم، وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السموات العلا، ثمّ إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.
وبعد: فإن الله إنّما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، وليس جائزًا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره، إلا أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله - ﷺ - أن الله أسرى به على دابة، يقال لها: البراق، ولو كان الإسراء بروحه.. لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اهـ.
والخلاصة: أن الذي عليه المعول عند جمهرة المسلمين، أنه أسري به - ﷺ - يقظة لا منامًا، من مكة إلى بيت المقدس، راكبًا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد، ربط الدابة عند الباب، ودخله يصلي في قبلته، تحية المسجد ركعتين، ثم ركب البراق وعاد إلى مكة بغلسٍ.
إلمامةٌ في المعراج
يرى بعض العلماء أن عروج النبي - ﷺ - السموات السبع، كان بجسده وروحه يقظة لا منامًا لدليلين:
أ - آية الإسراء إذ صرح فيها بأنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.
ب - الحديث المروي في الكتب الصحاح كالبخاري ومسلم، وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السموات العلا، ثمّ إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.
16
وأنكره آخرون، وأثبتوا أنَّ المعراج كان بالروح فحسب لوجوه:
١ - أنَّ الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة.
٢ - أنه لو صح ذلك لكان أعظم المعجزات، وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدل به على صدقه في ادّعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإنّ ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.
٣ - أن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة، مستحيلٌ، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي، أو يتنفس فيه.
٤ - أن حديث المعراج اشتمل على أشياء في غاية البعد:
أ - شق بطنه، وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الزائغة، والأخلاق المذمومة.
ب - ركوب البراق ولا حاجة له بذلك؛ لأن العالم العلوي في غنى عن ذلك.
ج - أنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل محمد - ﷺ - يتردد بين الله وموسى عليه السلام إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه السلام، وهذا غير جائز، كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني؛ لأنه يقتضي نسخ الحكم قبل العمل به، وهذا بداء محال على الله سبحانه وتعالى.
د - لم يقل أحد من المسلمين بأنّ الأنبياء أحياء بأجسادهم في العالم العلوي، وإنما الحياة هناك حياة روحية لا جسمانية، والتخاطب، والكلام معهم، والصلاة بهم من الأمور الروحية، لا الجسمية، إذ لا يعقل غير هذا، وبهذا يثبت المعراج الروحي لا الجسماني.
ويمكن أن يجيب الأولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، والله
١ - أنَّ الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة.
٢ - أنه لو صح ذلك لكان أعظم المعجزات، وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدل به على صدقه في ادّعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإنّ ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.
٣ - أن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة، مستحيلٌ، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي، أو يتنفس فيه.
٤ - أن حديث المعراج اشتمل على أشياء في غاية البعد:
أ - شق بطنه، وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الزائغة، والأخلاق المذمومة.
ب - ركوب البراق ولا حاجة له بذلك؛ لأن العالم العلوي في غنى عن ذلك.
ج - أنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل محمد - ﷺ - يتردد بين الله وموسى عليه السلام إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه السلام، وهذا غير جائز، كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني؛ لأنه يقتضي نسخ الحكم قبل العمل به، وهذا بداء محال على الله سبحانه وتعالى.
د - لم يقل أحد من المسلمين بأنّ الأنبياء أحياء بأجسادهم في العالم العلوي، وإنما الحياة هناك حياة روحية لا جسمانية، والتخاطب، والكلام معهم، والصلاة بهم من الأمور الروحية، لا الجسمية، إذ لا يعقل غير هذا، وبهذا يثبت المعراج الروحي لا الجسماني.
ويمكن أن يجيب الأولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، والله
17
تعالى قادر على خرق سننه بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية، ثم عودتها في مدة قصيرة عصًا صغيرةً كما كانت.
عظة وذكرى
إنا لنقف قليلًا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورًا هي الغاية في العظة والاعتبار:
١ - أنّ هاتين الرحلتين: الرحلة الأرضية «الإسراء» والرّحلة السماوية «المعراج» حدثتا في ليلة واحدة، قبل الهجرة بسنة، ليمحص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان، ومن في قلبه منهم مرض فيكون الأول خليقًا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، والإنضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقّة من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمةٍ، تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور في ذلك الحين شرقًا، وغربًا.
٢ - أنّ الله تعالى أطلع رسوله على ما في هذا الكون أرضيةً وسماويةً من العظمة والجلال ليكون درسًا عمليًا لتعليم رسوله بالمشاهدة، والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التّعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسيح في أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء، فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم الّتي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها، إلا بضرب من التخيّل والتوهم، فأنى لنا أن نصل إلى ذلك، وقد حبس عنّا الكثير من العلم، ولم نؤت إلا قليله ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
٣ - أن ما يجدُّ كل يوم من ضروب المخترعات والتوصل بها إلى طي المسافات بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات في قليل الساعات من قارّة إلى قارّة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أنّ ما جاء في وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
٤ - أن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيل إلينا من
عظة وذكرى
إنا لنقف قليلًا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورًا هي الغاية في العظة والاعتبار:
١ - أنّ هاتين الرحلتين: الرحلة الأرضية «الإسراء» والرّحلة السماوية «المعراج» حدثتا في ليلة واحدة، قبل الهجرة بسنة، ليمحص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان، ومن في قلبه منهم مرض فيكون الأول خليقًا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، والإنضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقّة من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمةٍ، تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور في ذلك الحين شرقًا، وغربًا.
٢ - أنّ الله تعالى أطلع رسوله على ما في هذا الكون أرضيةً وسماويةً من العظمة والجلال ليكون درسًا عمليًا لتعليم رسوله بالمشاهدة، والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التّعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسيح في أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء، فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم الّتي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها، إلا بضرب من التخيّل والتوهم، فأنى لنا أن نصل إلى ذلك، وقد حبس عنّا الكثير من العلم، ولم نؤت إلا قليله ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
٣ - أن ما يجدُّ كل يوم من ضروب المخترعات والتوصل بها إلى طي المسافات بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات في قليل الساعات من قارّة إلى قارّة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أنّ ما جاء في وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
٤ - أن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيل إلينا من
18
العوائق العلمية من صعوبة الوصول إلى الملأ الأعلى، لتخلخل الهواء، واستحالة الوصول إلى الطبقات العليا من السماء، فهو إنّما يكون بالنظر إلى الأجرام والأجسام المشاهدة في عالم الحس، وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشريّ إلى تحديدها، وإبداء الرأي فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه فأجدر بنا أن لا نطيل البحث فيها، ولا التعمق في استقصاء آثارها.
٥ - أن ما جاء في الحديث من أن الرّسول - ﷺ - صلّى إمامًا بالأنبياء في عالم السموات ليرشد إلى أن محمدًا - ﷺ - جاء بشريعة، ختمت الشرائع السالفة كلها، وأتمتها، ومن أوتوها ألقوا الزعامة إليه، وصاروا مؤتمِّين به.
٦ - أن في هذا مغزى جديرًا بطول التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا في وفاقٍ ووئام في الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم، الذي أرسلهم أفلا يجدر بمتّبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت به، هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع في القوانين الوضعيّة، فإنّ الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغي جميع ما سبقه.
٢ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى تشريف محمَّدٍ - ﷺ - بالإسراء، ذكر عقبه تشريف موسى عليه السلام، بإنزال التوراة عليه مع ما فيه من دعوته عليه السلام إلى الطور، وما وقع فيه من المناجاة جمعا بين الأمرين المتحدين في المعنى، فقال: ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾؛ أي: وأعطينا موسى التوراة جملة واحدة بعد ما أسريناه إلى الطور. ﴿وَجَعَلْناهُ﴾؛ أي: وجعلنا ذلك الكتاب ﴿هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾؛ أي: هاديًا (١) لأولاد يعقوب، يهتدون إلى الحق، والصواب بما فيه من الأحكام، وأن في قوله: ﴿أَلَّا تَتَّخِذُوا﴾ زائدة على قراءة التاء الفوقانية، و ﴿لا﴾ ناهية، والفعل مجزوم بحذف النون، والجملة: مقول لقول محذوف، والتقدير: وقلنا لهم: لا تتخذوا ﴿مِنْ دُونِي﴾؛ أي: غيري، وهو أحد مفعولي ﴿تَتَّخِذُوا﴾ و ﴿من﴾ زائدة؛
٥ - أن ما جاء في الحديث من أن الرّسول - ﷺ - صلّى إمامًا بالأنبياء في عالم السموات ليرشد إلى أن محمدًا - ﷺ - جاء بشريعة، ختمت الشرائع السالفة كلها، وأتمتها، ومن أوتوها ألقوا الزعامة إليه، وصاروا مؤتمِّين به.
٦ - أن في هذا مغزى جديرًا بطول التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا في وفاقٍ ووئام في الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم، الذي أرسلهم أفلا يجدر بمتّبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت به، هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع في القوانين الوضعيّة، فإنّ الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغي جميع ما سبقه.
٢ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى تشريف محمَّدٍ - ﷺ - بالإسراء، ذكر عقبه تشريف موسى عليه السلام، بإنزال التوراة عليه مع ما فيه من دعوته عليه السلام إلى الطور، وما وقع فيه من المناجاة جمعا بين الأمرين المتحدين في المعنى، فقال: ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾؛ أي: وأعطينا موسى التوراة جملة واحدة بعد ما أسريناه إلى الطور. ﴿وَجَعَلْناهُ﴾؛ أي: وجعلنا ذلك الكتاب ﴿هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾؛ أي: هاديًا (١) لأولاد يعقوب، يهتدون إلى الحق، والصواب بما فيه من الأحكام، وأن في قوله: ﴿أَلَّا تَتَّخِذُوا﴾ زائدة على قراءة التاء الفوقانية، و ﴿لا﴾ ناهية، والفعل مجزوم بحذف النون، والجملة: مقول لقول محذوف، والتقدير: وقلنا لهم: لا تتخذوا ﴿مِنْ دُونِي﴾؛ أي: غيري، وهو أحد مفعولي ﴿تَتَّخِذُوا﴾ و ﴿من﴾ زائدة؛
(١) روح البيان.
أي: وقلنا لهم لا تتّخذوا غيري ﴿وَكِيلًا﴾؛ أي: وليًا، ونصيرًا تكلون إليه أموركم، وعلى قراءة التحتانية ﴿أن﴾ مصدرية، ولا نافية، ولام التعليل مقدرة، والمعنى: وجعلناه هدى لبني إسرائيل لئلا يتّخذوا من دوني وكيلًا يكلون إليه أمورهم.
والمعنى: أي (١) وأعطينا موسى التوراة، وجعلنا فيها هداية لبني إسرائيل، وقلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ووليّا ونصيرا تكلون إليه أموركم، وهذه مقالة أوحى الله بها إلى كل نبيّ أرسله، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن لا يعوّلوا في أمر إلا عليه.
وقرأ ابن عباس (٢)، ومجاهد، وقتادة، وعيسى، وأبو رجاء، وأبو عمرو من السبعة: ﴿يتخذوا﴾ بالياء على الغيبة وباقي السبعة بتاء الخطاب وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي - ﷺ - من قبل أنّ موسى أوتي التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسري بمحمد إلى بيت المقدس.
٣ - ثم نبّه إلى عظيم شرف بني إسرائيل، وإتمام نعمته عليهم، ليكون في ذلك تهييج لهم، وبيان لعظيم المنّة عليهم، فقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ﴾؛ أي: يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، لا تتخذوا من دوني وكيلًا، والمراد: تأكيد الحمل على التوحيد، بتذكير إنعامه عليهم في ضمن إنجائه آباءهم من الغرق في سفينة نوح، قال في «الكواشي»: هذا منة على جميع الناس، لأنّهم كلّهم من ذرية من أنجي في السفينة من الغرق، والمعنى: كانوا مؤمنين فكونوا مثلهم، واقتفوا بآثار آبائكم ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إن (٣) نوحا عليه السلام ﴿كانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾؛ أي: كثير الشكر في مجامع حالاته، وكان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء.. أجاعني، وإذا شرب قال: الحمدُ لله الذي سقاني، ولو
والمعنى: أي (١) وأعطينا موسى التوراة، وجعلنا فيها هداية لبني إسرائيل، وقلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ووليّا ونصيرا تكلون إليه أموركم، وهذه مقالة أوحى الله بها إلى كل نبيّ أرسله، أمرهم جميعا أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن لا يعوّلوا في أمر إلا عليه.
وقرأ ابن عباس (٢)، ومجاهد، وقتادة، وعيسى، وأبو رجاء، وأبو عمرو من السبعة: ﴿يتخذوا﴾ بالياء على الغيبة وباقي السبعة بتاء الخطاب وقد جاءت هذه الآية عقب ذكر آية الإسراء بالنبي - ﷺ - من قبل أنّ موسى أوتي التوراة بمسيره إلى الطور، كما أسري بمحمد إلى بيت المقدس.
٣ - ثم نبّه إلى عظيم شرف بني إسرائيل، وإتمام نعمته عليهم، ليكون في ذلك تهييج لهم، وبيان لعظيم المنّة عليهم، فقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ﴾؛ أي: يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، لا تتخذوا من دوني وكيلًا، والمراد: تأكيد الحمل على التوحيد، بتذكير إنعامه عليهم في ضمن إنجائه آباءهم من الغرق في سفينة نوح، قال في «الكواشي»: هذا منة على جميع الناس، لأنّهم كلّهم من ذرية من أنجي في السفينة من الغرق، والمعنى: كانوا مؤمنين فكونوا مثلهم، واقتفوا بآثار آبائكم ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إن (٣) نوحا عليه السلام ﴿كانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾؛ أي: كثير الشكر في مجامع حالاته، وكان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء.. أجاعني، وإذا شرب قال: الحمدُ لله الذي سقاني، ولو
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
شاءَ.. أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء.. جرَّدني، وإذا تغوَّط.. قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية، ولو شاء.. حبسه.
والمعنى: أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبّهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدًا شكورًا؛ أي: مبالغًا في الشكر بصرفه كلّ ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، فاللّسان لذكر الله، والعقل للفكر فيما خلق الله والبصر للتأمل فيما صنع الله، وهكذا بقية الحواس، وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهنيّ أن النبي - ﷺ - قال: «إنّ نوحًا كان إذا أمسى، وأصبح قال: سبحان الله حين تمسون، وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض، وعشيًا وحين تظهرون».
وأخرج ابن جرير، والبيهقي، والحاكم عن سلمان الفارسي قال: «كان نوح إذا لبس ثوبًا، أو أطعم طعامًا حمد الله تعالى، فسمي عبدًا شكورًا»، وفي هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حثٌّ للذرية على الاقتداء به، وزجرٌ لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.
وقرأ زيد بن ثابت (١)، وأبان بن عثمان، وزيد بن علي، ومجاهد في رواية، بكسر ذال ﴿ذرية﴾ وقرأ مجاهد أيضا بفتحها، وعن زيد بن ثابت ﴿ذرية﴾ بفتح الذال، وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعلية، كمطية، وقرىء ذرية بالرفع شاذا على تقديرهم ذرية، أو على البدل من الضمير في ﴿يتخذوا﴾ على القراءة بالياء لأنه غيب،
٤ - ثمّ بيّن سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بالتوراة، وجعلها هدًى لهم، لكنهم لم يهتدوا بها فقال: ﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾؛ أي: أوحينا إليهم، وأعلمناهم، وأخبرناهم ﴿فِي﴾ ما آتيناهم من ﴿الْكِتابِ﴾؛ أي:
والمعنى: أي يا سلالة ذلك النبي الكريم الذي شمله الله بجميل رعايته، وأنجاه من غرق الطوفان بما ألهمه من عمل السفينة التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أنتم من حفدة أبنائه، فتشبّهوا بأبيكم، واقتدوا به، فإنه كان عبدًا شكورًا؛ أي: مبالغًا في الشكر بصرفه كلّ ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، فاللّسان لذكر الله، والعقل للفكر فيما خلق الله والبصر للتأمل فيما صنع الله، وهكذا بقية الحواس، وأعضاء الجسم.
أخرج ابن مردويه عن معاذ بن أنس الجهنيّ أن النبي - ﷺ - قال: «إنّ نوحًا كان إذا أمسى، وأصبح قال: سبحان الله حين تمسون، وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض، وعشيًا وحين تظهرون».
وأخرج ابن جرير، والبيهقي، والحاكم عن سلمان الفارسي قال: «كان نوح إذا لبس ثوبًا، أو أطعم طعامًا حمد الله تعالى، فسمي عبدًا شكورًا»، وفي هذا إيماء إلى أن إنجاء من كان معه كان ببركة شكره، وفيه حثٌّ للذرية على الاقتداء به، وزجرٌ لهم عن الشرك الذي هو أفظع مراتب الكفر.
وقرأ زيد بن ثابت (١)، وأبان بن عثمان، وزيد بن علي، ومجاهد في رواية، بكسر ذال ﴿ذرية﴾ وقرأ مجاهد أيضا بفتحها، وعن زيد بن ثابت ﴿ذرية﴾ بفتح الذال، وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعلية، كمطية، وقرىء ذرية بالرفع شاذا على تقديرهم ذرية، أو على البدل من الضمير في ﴿يتخذوا﴾ على القراءة بالياء لأنه غيب،
٤ - ثمّ بيّن سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بالتوراة، وجعلها هدًى لهم، لكنهم لم يهتدوا بها فقال: ﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾؛ أي: أوحينا إليهم، وأعلمناهم، وأخبرناهم ﴿فِي﴾ ما آتيناهم من ﴿الْكِتابِ﴾؛ أي:
(١) البحر المحيط.
21
التوراة، وكان إنزالها على نبيهم موسى، كإنزالها عليهم، لكونهم قومه وقيل: المراد بالكتاب: اللوح المحفوظ، والمعنى، وقضينا: أي: حكمنا على بني إسرائيل في اللوح المحفوظ، قضاء مبتوتا، وحكما مقطوعًا، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ﴾: موطئة لقسم محذوف؛ أي: وعزتي وجلالي لتفسدن في أرض الشام، وبيت المقدس، أو أرض مصر بالمعاصي والظلم ﴿مَرَّتَيْنِ﴾؛ أي: إفسادتين: أولاهما: مخالفة أحكام التوراة، وقتل شعياء، وحبس أرمياء، وثانيتهما: قتل زكريا، ويحيى، وقصد قتل عيسى عليهم السلام؛ أي: لتفسدن فيها إفسادًا بعد إفساد ﴿وَلَتَعْلُنَّ﴾؛ أي: ولتستكبرنّ فيها عن طاعة الله تعالى أو لتظلمن الناس ﴿عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ أي استكبارا مجاوزا الحد، أو ظلمًا فاحشًا، وهذه ﴿اللام﴾ كاللام التي قبلها، والمعنى أي وأوحينا (١) إلى بني إسرائيل فيما أنزلناه في التوراة على موسى، فأعلمهم به، لتعصن الله، ولتخالفنّ أمره مرتين، أولاهما: تغيير التوراة، وقتل شعيا عليه السلام، وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والثانية: قتل زكريا، ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام.
وقيل: سبب قتل زكريا أنّهم اتهموه بمريم، قيل: قالوا: حين حملت مريم ضيّع بنت سيّدنا حتى زنت، فقطعوه بالمنشار في الشجرة. ولتستكبرن في الأرض عن طاعة الله تعالى، ولتبغن على الناس، ولتظلمنّهم ظلمًا شديدًا تفرطون فيه، وتبلغون أقصى الغاية.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فِي الْكِتابِ﴾ بالإفراد، والظاهر أن يراد به التوراة، وقرأ أبو العالية، وسعيد بن جبير ﴿في الكتب﴾ على الجمع، فاحتمل أن يراد به الجنس، وقرأ الجمهور: ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾ بضم التاء، وكسر السين من أفسد الرباعي، وقرأ ابن عباس، ونصر بن علي، وجابر بن زيد: ﴿لتفسدن﴾ بضم التاء، وفتح السين مبنيًا للمفعول؛ أي يفسدكم غيركم، فقيل: من الإضلال، وقيل: من
وقيل: سبب قتل زكريا أنّهم اتهموه بمريم، قيل: قالوا: حين حملت مريم ضيّع بنت سيّدنا حتى زنت، فقطعوه بالمنشار في الشجرة. ولتستكبرن في الأرض عن طاعة الله تعالى، ولتبغن على الناس، ولتظلمنّهم ظلمًا شديدًا تفرطون فيه، وتبلغون أقصى الغاية.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فِي الْكِتابِ﴾ بالإفراد، والظاهر أن يراد به التوراة، وقرأ أبو العالية، وسعيد بن جبير ﴿في الكتب﴾ على الجمع، فاحتمل أن يراد به الجنس، وقرأ الجمهور: ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾ بضم التاء، وكسر السين من أفسد الرباعي، وقرأ ابن عباس، ونصر بن علي، وجابر بن زيد: ﴿لتفسدن﴾ بضم التاء، وفتح السين مبنيًا للمفعول؛ أي يفسدكم غيركم، فقيل: من الإضلال، وقيل: من
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
22
الغلبة، وقرأ عيسى: ﴿لتفسدن﴾ بفتح التاء، وضم السين، أي فسدتم بأنفسكم بارتكاب المعاصي، وقرأ الجمهور: ﴿عُلُوًّا﴾ بوزن عتوًا، وقرأ زيد بن علي: ﴿عليًا كبيرًا﴾، ولكن التصحيح في فعول المصدر أكثر من الإعلال كقوله: وعتوا عتوًّا كبيرًا، بخلاف الجمع، فإن الإعلال فيه هو المقيس.
٥ - ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما﴾؛ أي: وعد عقاب أولى المرتين؛ أي: فإذا حان وقرب وقت العقاب الموعود به في أولى الإفسادتين ﴿بَعَثْنا عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: سلّطنا عليكم لمؤاخذتكم بجناياتكم ﴿عِبادًا لَنَّا﴾ قيل (١): هم بختنصر، وجنوده، وقيل: جالوت وجنوده، وقيل: جند من بابل، وأكثر ما يقال: عباد الله، وعبيد الناس، والإضافة (٢) فيه لبيان كونهم مظاهر الاسم المذلّ المنتقم القهّار، كما يفيده مقام العظمة، لا للتشريف، فإن الكافر ليس من أهله، ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾؛ أي: أصحاب قوة في الحروب، وبطش عند اللقاء، وهذا كقولهم: ظل ظليل؛ لأن البأس يتضمن الشدة؛ أي ذوي قوة وبطش في الحروب ﴿فَجاسُوا﴾؛ أي: جاس أولئك العباد، وترددوا ﴿خِلالَ الدِّيارِ﴾؛ أي: خلال دياركم وأوساطها، من الجوس، وهو التردد خلال الدور والبيوت في الغارة؛ أي: مشوا في وسط المنازل، أو في أوساطها للقتل والأسر، والغارة، وطافوا بينها لينظروا هل بقي منهم أحد لم يقتلوه، فقتلوا علماءهم، وكبارهم، وحرّقوا التوراة، وخرّبوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفا، وذلك من قبيل تولية بعض الظالمين بعضًا مما جرت السنة الإلهية، ﴿وَكانَ﴾ ذلك؛ أي: وعد عقابهم في المرة الأولى، فالضمير في، ﴿وَكانَ﴾ عائد على وعد أولاهما، وفي «الجمل»: ﴿وَكانَ﴾؛ أي: البعث المذكور، وجوس الأعداء ﴿وَعْدًا مَفْعُولًا﴾؛ أي: وعدًا لا بد منه أن يفعل.
والمعنى: أي (٣) فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، أرسلنا عليكم لمؤاخذتكم بجنايتكم عبادًا لنا أولي بطش شديد في الحروب، قيل: هم سنحاريب ملك بابل وجنوده، فأوغلوا في البلاد، وترددوا بين الدور، والمساكن
٥ - ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما﴾؛ أي: وعد عقاب أولى المرتين؛ أي: فإذا حان وقرب وقت العقاب الموعود به في أولى الإفسادتين ﴿بَعَثْنا عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: سلّطنا عليكم لمؤاخذتكم بجناياتكم ﴿عِبادًا لَنَّا﴾ قيل (١): هم بختنصر، وجنوده، وقيل: جالوت وجنوده، وقيل: جند من بابل، وأكثر ما يقال: عباد الله، وعبيد الناس، والإضافة (٢) فيه لبيان كونهم مظاهر الاسم المذلّ المنتقم القهّار، كما يفيده مقام العظمة، لا للتشريف، فإن الكافر ليس من أهله، ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾؛ أي: أصحاب قوة في الحروب، وبطش عند اللقاء، وهذا كقولهم: ظل ظليل؛ لأن البأس يتضمن الشدة؛ أي ذوي قوة وبطش في الحروب ﴿فَجاسُوا﴾؛ أي: جاس أولئك العباد، وترددوا ﴿خِلالَ الدِّيارِ﴾؛ أي: خلال دياركم وأوساطها، من الجوس، وهو التردد خلال الدور والبيوت في الغارة؛ أي: مشوا في وسط المنازل، أو في أوساطها للقتل والأسر، والغارة، وطافوا بينها لينظروا هل بقي منهم أحد لم يقتلوه، فقتلوا علماءهم، وكبارهم، وحرّقوا التوراة، وخرّبوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفا، وذلك من قبيل تولية بعض الظالمين بعضًا مما جرت السنة الإلهية، ﴿وَكانَ﴾ ذلك؛ أي: وعد عقابهم في المرة الأولى، فالضمير في، ﴿وَكانَ﴾ عائد على وعد أولاهما، وفي «الجمل»: ﴿وَكانَ﴾؛ أي: البعث المذكور، وجوس الأعداء ﴿وَعْدًا مَفْعُولًا﴾؛ أي: وعدًا لا بد منه أن يفعل.
والمعنى: أي (٣) فإذا حان وقت حلول العقاب الموعود، أرسلنا عليكم لمؤاخذتكم بجنايتكم عبادًا لنا أولي بطش شديد في الحروب، قيل: هم سنحاريب ملك بابل وجنوده، فأوغلوا في البلاد، وترددوا بين الدور، والمساكن
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
للقتل والسلب والنهب، وقتلوا علماءكم، وكبراءكم، وأحرقوا التوراة، وخربوا بيت المقدس، وسبوا منكم عددًا كثيرًا، وكان ذلك وعدا نافذًا لا مردّ له؛ أي: وعدًا منجزًا.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَجَاسُوا﴾ بالجيم، وقرأ أبو السمال وطلحة: ﴿فَحَاسُوا﴾ بالحاء المهملة، وقرىء ﴿فتجوَّسوا﴾ على وزن تكسّروا بالجيم، وقرأ (٢) الحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل، وأبو رزين خلل الديار بفتح الخاء، واللام، من غير ألف بالإفراد فيجمع على خلال كجبل وجبال، ويجوز أن يكون خلال مفردا كالخلل وهو: وسط الديار وما بينها
٦ - ﴿ثُمَّ﴾ بعد عقوبة أولاهما ﴿رَدَدْنا لَكُمُ﴾ يا بني إسرائيل؛ أي: أعدنا لكم ﴿الْكَرَّةَ﴾؛ أي الدولة والغلبة والرّجعة ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الذين فعلوا بكم ما فعلوا بعد مئة سنة، حين تبتم ورجعتم من الإفساد، والعلو، وذلك حين قتل داود جالوت، وقيل: حين قتل بختنصّر.
تلخيصه: بعد ظفرهم بكم أظفرناكم بهم، والكرّة في الأصل المرة، و (عليهم) متعلق بها؛ لأنه يقال كر عليه إذا عطف عليه ﴿وَأَمْدَدْناكُمْ﴾؛ أي: قويناكم، وأعطيناكم ﴿بِأَمْوالٍ﴾ كثيرة بعد ما نهبت أموالكم ﴿وَبَنِينَ﴾ عديدة بعد ما سبيت أولادكم؛ أي بسطنا عليكم رزق الأموال، والأولاد حتّى عاد أمركم كما كان ﴿وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾؛ أي: رجالًا وعددًا مما كنتم عليه أولًا، أو أكثر عددًا ورجالًا من عدوكم، أو أكثر خروجًا إلى الغزو؛ لأنّ النفير يكون مصدرًا بمعنى الخروج إلى الغزو، والنّفير من ينفر مع الرجل من عشيرته.
والمعنى: أي ثم (٣) رجعت لكم الدولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا حين تبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد، والعلو، فغزوتم البابليّين واستنقذتم الأسرى، والأموال، ورجع الملك إليكم، وكثرت أموالكم بعد أن نهبت، وأولادكم بعد أن سبيت، وصرتم أكثر عددًا، وأعظم قوة مما كنتم قبل،
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَجَاسُوا﴾ بالجيم، وقرأ أبو السمال وطلحة: ﴿فَحَاسُوا﴾ بالحاء المهملة، وقرىء ﴿فتجوَّسوا﴾ على وزن تكسّروا بالجيم، وقرأ (٢) الحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل، وأبو رزين خلل الديار بفتح الخاء، واللام، من غير ألف بالإفراد فيجمع على خلال كجبل وجبال، ويجوز أن يكون خلال مفردا كالخلل وهو: وسط الديار وما بينها
٦ - ﴿ثُمَّ﴾ بعد عقوبة أولاهما ﴿رَدَدْنا لَكُمُ﴾ يا بني إسرائيل؛ أي: أعدنا لكم ﴿الْكَرَّةَ﴾؛ أي الدولة والغلبة والرّجعة ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الذين فعلوا بكم ما فعلوا بعد مئة سنة، حين تبتم ورجعتم من الإفساد، والعلو، وذلك حين قتل داود جالوت، وقيل: حين قتل بختنصّر.
تلخيصه: بعد ظفرهم بكم أظفرناكم بهم، والكرّة في الأصل المرة، و (عليهم) متعلق بها؛ لأنه يقال كر عليه إذا عطف عليه ﴿وَأَمْدَدْناكُمْ﴾؛ أي: قويناكم، وأعطيناكم ﴿بِأَمْوالٍ﴾ كثيرة بعد ما نهبت أموالكم ﴿وَبَنِينَ﴾ عديدة بعد ما سبيت أولادكم؛ أي بسطنا عليكم رزق الأموال، والأولاد حتّى عاد أمركم كما كان ﴿وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾؛ أي: رجالًا وعددًا مما كنتم عليه أولًا، أو أكثر عددًا ورجالًا من عدوكم، أو أكثر خروجًا إلى الغزو؛ لأنّ النفير يكون مصدرًا بمعنى الخروج إلى الغزو، والنّفير من ينفر مع الرجل من عشيرته.
والمعنى: أي ثم (٣) رجعت لكم الدولة والغلبة على الذين فعلوا بكم ما فعلوا حين تبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد، والعلو، فغزوتم البابليّين واستنقذتم الأسرى، والأموال، ورجع الملك إليكم، وكثرت أموالكم بعد أن نهبت، وأولادكم بعد أن سبيت، وصرتم أكثر عددًا، وأعظم قوة مما كنتم قبل،
(١) البحر المحيط.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراغي.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراغي.
وذلك بفضل طاعته تعالى، والإخبات إليه،
٧ - ومن ثمّ قال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ﴾؛ أي: أفعالكم، وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم ﴿أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾؛ أي: لغرض أنفسكم؛ لأن ثواب ذلك عائد إليكم، ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ أفعالكم، وأقوالكم فأوقعتموها، لا على الوجه المطلوب منكم، ﴿فَلَها﴾؛ أي: فعليها؛ أي (١): إحسان الأعمال وإساءتها، كلاهما مختص بكم، لا يتعدى ثوابها ووبالها إلى غيركم، فـ ﴿اللام﴾ على أصلها، وهو الاختصاص قال (٢) في تفسير «النيسابوري» قال أهل الإشارة: إنه أعاد الإحسان مرتين ولم يذكر الإساءة إلا مرّة، إشارة إلى أنّ جانب الرحمة أغلب، ويجوز أن يترك تكريرها استهجانًا لها.
والمعنى: أي (٣) ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ﴾ فأطعتم الله، ولزمتم أمره، وتركتم نهيه ﴿أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ لأنكم تنفعوها بذلك في دنياها وآخرتها، أما في الدنيا: فإنّ الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء، ويرد كيده في نحره، وينمي لكم أموالكم، ويزيدكم قوة إلى قوتكم، وأما في الآخرة: فإن الله يثيبكم جنّات تجري من تحتها الأنهار، ويرضى عنكم ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وإن أسأتم، فعصيتم ربكم، وفعلتم ما نهاكم عنه، فإلى أنفسكم تسيؤون، لأنكم تسخطونه، فيسلّط عليكم في الدنيا أعداءكم، ويمكّن منكم من يبغي بكم السوء، ويلحق بكم في الآخرة العذاب المهين ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أي: وعد عقوبة المرة الآخرة - أي: الثانية - أي: حان وقت ما وعد به من عقوبة المرة الآخرة من الإفسادين، والمرة الآخرة هي قصدهم قتل عيسى فخلصه الله منهم، ورفعه إليه، وقتلوا زكريّا ويحيى فسلط الله عليهم الفرس والرّوم فسبوهم وقتلوهم.
وجواب ﴿إذا﴾ محذوف دل عليه جواب إذا الأولى؛ أي: فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادًا لنا ﴿لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ﴾؛ أي: ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة، وتتبيّن في وجوهكم الكآبة، والحزن.
٧ - ومن ثمّ قال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ﴾؛ أي: أفعالكم، وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم ﴿أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾؛ أي: لغرض أنفسكم؛ لأن ثواب ذلك عائد إليكم، ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ أفعالكم، وأقوالكم فأوقعتموها، لا على الوجه المطلوب منكم، ﴿فَلَها﴾؛ أي: فعليها؛ أي (١): إحسان الأعمال وإساءتها، كلاهما مختص بكم، لا يتعدى ثوابها ووبالها إلى غيركم، فـ ﴿اللام﴾ على أصلها، وهو الاختصاص قال (٢) في تفسير «النيسابوري» قال أهل الإشارة: إنه أعاد الإحسان مرتين ولم يذكر الإساءة إلا مرّة، إشارة إلى أنّ جانب الرحمة أغلب، ويجوز أن يترك تكريرها استهجانًا لها.
والمعنى: أي (٣) ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ﴾ فأطعتم الله، ولزمتم أمره، وتركتم نهيه ﴿أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ لأنكم تنفعوها بذلك في دنياها وآخرتها، أما في الدنيا: فإنّ الله يدفع عنكم أذى من أرادكم بسوء، ويرد كيده في نحره، وينمي لكم أموالكم، ويزيدكم قوة إلى قوتكم، وأما في الآخرة: فإن الله يثيبكم جنّات تجري من تحتها الأنهار، ويرضى عنكم ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وإن أسأتم، فعصيتم ربكم، وفعلتم ما نهاكم عنه، فإلى أنفسكم تسيؤون، لأنكم تسخطونه، فيسلّط عليكم في الدنيا أعداءكم، ويمكّن منكم من يبغي بكم السوء، ويلحق بكم في الآخرة العذاب المهين ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ أي: وعد عقوبة المرة الآخرة - أي: الثانية - أي: حان وقت ما وعد به من عقوبة المرة الآخرة من الإفسادين، والمرة الآخرة هي قصدهم قتل عيسى فخلصه الله منهم، ورفعه إليه، وقتلوا زكريّا ويحيى فسلط الله عليهم الفرس والرّوم فسبوهم وقتلوهم.
وجواب ﴿إذا﴾ محذوف دل عليه جواب إذا الأولى؛ أي: فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادًا لنا ﴿لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ﴾؛ أي: ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة، وتتبيّن في وجوهكم الكآبة، والحزن.
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
25
وقيل: المراد بالوجوه: السادة منهم؛ أي: ليحزنوكم بالقتل والسبي حزنًا يظهر في وجوهكم.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لِيَسُوؤُا﴾؛ أي: قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ليسوؤوا بلام كي، وياء الغيبة، وضمير الجمع الغائب العائد على المبعوثين؛ وبالهمز بين الواوين، وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر، عن عاصم ﴿ليسوء وجوهكم﴾ بالياء، وهمزة مفتوحة على الإفراد، والفاعل المضمر عائد على الله تعالى، أو على الوعد أو على البعث الدال عليه جملة الجزاء المحذوفة، وقرأ علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، والكسائي: ﴿لنسوء﴾ بالنون التي للعظمة، وفيها ضمير يعود على الله، وقرأ أبي ﴿لنسوءن﴾ بلام الأمر، والنون التي للعظمة، ونون التوكيد الخفيفة آخرا، وعن علي أيضا ﴿لنسوءن﴾ و ﴿ليسوءن﴾ بالنون والياء، ونون التوكيد الشديدة، وهي لام القسم، ودخلت لام الأمر في قراءة أبيّ على المتكلم، كقوله تعالى: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ وجواب إذا هو الجملة الأمرية، على تقدير الفاء وفي مصحف أبيّ ﴿ليسىء﴾ بياء مضمومة بغير واو، وفي مصحف أنس ﴿ليسوء وجهكم﴾ على الإفراد، ومعنى ﴿لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ﴾؛ أي: ليدخلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسبيكم، وخصت المساءاة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة. وقوله: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ معطوف على ﴿لِيَسُوؤُا﴾؛ أي: وليدخلوا مسجد بيت المقدس، فيخرّبوه ﴿كَما دَخَلُوهُ﴾ في المرة الأولى ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾؛ أي: وليدمّروا ويهلكوا، ويهدّموا، ويخرّبوا ﴿ما عَلَوْا﴾؛ أي: ما غلبوا عليه من بلادكم، أو مدة علوّهم ﴿تَتْبِيرًا﴾؛ أي: تدميرًا، ذكر المصدر إزالة للشك، وتحقيقًا للخبر.
ومعنى الآية: أي فإذا جاء وقت حلول العقاب على المرة الآخرة من مرتي إفسادكم في الأرض، بعثنا أعداءكم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة باديةً في وجوهكم «فإن الأعراض النفسية تظهر في الوجوه، فالفرح يظهر فيها النضارة، والإشراق، والحزن والخوف يظهر فيها الغبرة والقترة» ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ قاهرين
وقرأ الجمهور (١): ﴿لِيَسُوؤُا﴾؛ أي: قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ليسوؤوا بلام كي، وياء الغيبة، وضمير الجمع الغائب العائد على المبعوثين؛ وبالهمز بين الواوين، وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر، عن عاصم ﴿ليسوء وجوهكم﴾ بالياء، وهمزة مفتوحة على الإفراد، والفاعل المضمر عائد على الله تعالى، أو على الوعد أو على البعث الدال عليه جملة الجزاء المحذوفة، وقرأ علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، والكسائي: ﴿لنسوء﴾ بالنون التي للعظمة، وفيها ضمير يعود على الله، وقرأ أبي ﴿لنسوءن﴾ بلام الأمر، والنون التي للعظمة، ونون التوكيد الخفيفة آخرا، وعن علي أيضا ﴿لنسوءن﴾ و ﴿ليسوءن﴾ بالنون والياء، ونون التوكيد الشديدة، وهي لام القسم، ودخلت لام الأمر في قراءة أبيّ على المتكلم، كقوله تعالى: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ وجواب إذا هو الجملة الأمرية، على تقدير الفاء وفي مصحف أبيّ ﴿ليسىء﴾ بياء مضمومة بغير واو، وفي مصحف أنس ﴿ليسوء وجهكم﴾ على الإفراد، ومعنى ﴿لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ﴾؛ أي: ليدخلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسبيكم، وخصت المساءاة بالوجوه، والمراد: أصحاب الوجوه لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة. وقوله: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ معطوف على ﴿لِيَسُوؤُا﴾؛ أي: وليدخلوا مسجد بيت المقدس، فيخرّبوه ﴿كَما دَخَلُوهُ﴾ في المرة الأولى ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾؛ أي: وليدمّروا ويهلكوا، ويهدّموا، ويخرّبوا ﴿ما عَلَوْا﴾؛ أي: ما غلبوا عليه من بلادكم، أو مدة علوّهم ﴿تَتْبِيرًا﴾؛ أي: تدميرًا، ذكر المصدر إزالة للشك، وتحقيقًا للخبر.
ومعنى الآية: أي فإذا جاء وقت حلول العقاب على المرة الآخرة من مرتي إفسادكم في الأرض، بعثنا أعداءكم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة باديةً في وجوهكم «فإن الأعراض النفسية تظهر في الوجوه، فالفرح يظهر فيها النضارة، والإشراق، والحزن والخوف يظهر فيها الغبرة والقترة» ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ قاهرين
(١) البحر المحيط.
26
فاتحين مذلين لكم كما دخلوه أول مرّة، وليهلكوا ما ادخرتموه وخزنتموه، تتبيرًا شديدًا فلا يبقون منه شيئًا.
والذي أثبته اليهود في تواريخهم (١): أن الذي أغار عليهم أولًا وخرب بيت المقدس هو بختنصر، وكان ذلك زمن إرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأوثان والأصنام، فحبسوه في بئر، وجرحوه، وأن الذي أغار عليهم ثانيا هو أسبيانوس قيصر الروم، وكان بين الإغارتين على ما قيل نحو من خمس مئة سنة، وعلى الجملة فمعرفة من بعث إليهم بأعيانهم وتواريخ البعوث مما لا يتعلّق به غرض كبير؛ لأن المراد أنه كلما كثرت معاصيهم.. سلط الله عليهم من ينتقم منهم، مرة بعد أخرى، وظاهر الآية يدل على اتحاد المبعوثين أولًا وثانيًا.
٨ - ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾؛ أي: حقق ربكم يا بني إسرائيل ﴿أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد انتقامه منكم في المرة الثانية، بإمداده إياكم في الأموال، والأولاد، إن تبتم توبةً أخرى، وانزجرتم عن المعاصي، فتابوا فرحمهم، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ﴾ مرة ثالثة إلى المعاصي ﴿عُدْنا﴾ إلى عقوبتكم.
قال أهل السير (٢): ثمّ إنهم عادوا إلى ما لا ينبغي، وهو تكذيب محمد - ﷺ - وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة، والإنجيل فعاد الله إلى عقوبتهم، على أيدي العرب، فجرى على بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، وخيبر، ما جرى من القتل، والسبي، والإجلاء، وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
والمعنى: ﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد البعث الثاني إن تبتم وازدجرتم عن المعاصي، وقد حقق الله لهم وعده، فكثر عددهم، وأعزهم بعد الذلة، وجعل منهم الملوك والأنبياء، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾؛ أي: وإن عدتم لمعصيتي، ومخالفة أمري، وقتل رسلي، عدنا عليكم بالقتل، والسبي، وإحلال الذل والصغار بكم،
والذي أثبته اليهود في تواريخهم (١): أن الذي أغار عليهم أولًا وخرب بيت المقدس هو بختنصر، وكان ذلك زمن إرميا عليه السلام، وقد أنذرهم مجيئه صريحا بعد أن نهاهم عن الفساد وعبادة الأوثان والأصنام، فحبسوه في بئر، وجرحوه، وأن الذي أغار عليهم ثانيا هو أسبيانوس قيصر الروم، وكان بين الإغارتين على ما قيل نحو من خمس مئة سنة، وعلى الجملة فمعرفة من بعث إليهم بأعيانهم وتواريخ البعوث مما لا يتعلّق به غرض كبير؛ لأن المراد أنه كلما كثرت معاصيهم.. سلط الله عليهم من ينتقم منهم، مرة بعد أخرى، وظاهر الآية يدل على اتحاد المبعوثين أولًا وثانيًا.
٨ - ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾؛ أي: حقق ربكم يا بني إسرائيل ﴿أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد انتقامه منكم في المرة الثانية، بإمداده إياكم في الأموال، والأولاد، إن تبتم توبةً أخرى، وانزجرتم عن المعاصي، فتابوا فرحمهم، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ﴾ مرة ثالثة إلى المعاصي ﴿عُدْنا﴾ إلى عقوبتكم.
قال أهل السير (٢): ثمّ إنهم عادوا إلى ما لا ينبغي، وهو تكذيب محمد - ﷺ - وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة، والإنجيل فعاد الله إلى عقوبتهم، على أيدي العرب، فجرى على بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع، وخيبر، ما جرى من القتل، والسبي، والإجلاء، وضرب الجزية على من بقي منهم، وضرب الذلة والمسكنة.
والمعنى: ﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد البعث الثاني إن تبتم وازدجرتم عن المعاصي، وقد حقق الله لهم وعده، فكثر عددهم، وأعزهم بعد الذلة، وجعل منهم الملوك والأنبياء، ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾؛ أي: وإن عدتم لمعصيتي، ومخالفة أمري، وقتل رسلي، عدنا عليكم بالقتل، والسبي، وإحلال الذل والصغار بكم،
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
وقد عادوا فعاد الله عليهم، بعقابه، فقد كذبوا النبي - ﷺ - وهموا بقتله، فسلطه الله عليهم، فقتل قريظة، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين، فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون، ولا ملك لهم ولا سلطان.
﴿وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾؛ أي (١): محبسًا ومقرًا يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج، منها أبد الآباد، فهو فعيل بمعنى فاعل؛ أي (٢): حاصرة لهم، ومحيطة بهم، فصرف من حاصرة إلى حصير، كما صرف مؤلم إلى أليم، وتذكيره إما لكونه بمعنى النّسبة، كلابن وتامر، أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، أو بالنظر إلى لفظ (جهنم) إذ ليس فيه علامة التأنيث، وعن الحسن: حصيرا؛ أي: بساطا، وفراشا، كما يبسط ويفرش الحصير المرمول، والحصير: المنسوج، وإنّما سمّي الحصير؛ لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.
واعلم: أن جهنم عصمني الله وإياكم عنها من أعظم المخلوقات، وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة؛ أي: نفاة الصانع والمشركون، والكافرون، والمنافقون، وأهل الكبائر من المؤمنين، ثمّ يخرج بالشفاعة وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه؛ أي (٣): إنه تعالى جعل جهنّم للكافرين به بساطًا، ومهادًا كما قال: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ وقال ابن عباس وغيره: جعلناها سجنًا محيطًا بهم حابسًا لهم لا رجاء لهم في الخلاص منه.
وخلاصة ذلك: أن لهم في الدنيا ما تقدّم وصفه من العذاب، وفي الآخرة ما يكون محيطا بهم من عذاب جهنم، فلا يتخلصون منه أبدًا، وفي الكرخي: والمعنى: أن عذاب الدنيا، وإن كان شديدًا، إلا أنه قد يتفلّت بعض الناس عنه، والذي يقع فيه يتخلّص إما بالموت، أو بطريق آخر، وأما عذاب الآخرة، فإنه يكون محيطًا بهم، لا رجاء في الخلاص منه اهـ.
٩ - ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ﴾ الذي آتيناك يا محمد ﴿يَهْدِي﴾ الناس كافةً لا فرقةً
﴿وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾؛ أي (١): محبسًا ومقرًا يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج، منها أبد الآباد، فهو فعيل بمعنى فاعل؛ أي (٢): حاصرة لهم، ومحيطة بهم، فصرف من حاصرة إلى حصير، كما صرف مؤلم إلى أليم، وتذكيره إما لكونه بمعنى النّسبة، كلابن وتامر، أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، أو بالنظر إلى لفظ (جهنم) إذ ليس فيه علامة التأنيث، وعن الحسن: حصيرا؛ أي: بساطا، وفراشا، كما يبسط ويفرش الحصير المرمول، والحصير: المنسوج، وإنّما سمّي الحصير؛ لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.
واعلم: أن جهنم عصمني الله وإياكم عنها من أعظم المخلوقات، وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة؛ أي: نفاة الصانع والمشركون، والكافرون، والمنافقون، وأهل الكبائر من المؤمنين، ثمّ يخرج بالشفاعة وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه؛ أي (٣): إنه تعالى جعل جهنّم للكافرين به بساطًا، ومهادًا كما قال: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ وقال ابن عباس وغيره: جعلناها سجنًا محيطًا بهم حابسًا لهم لا رجاء لهم في الخلاص منه.
وخلاصة ذلك: أن لهم في الدنيا ما تقدّم وصفه من العذاب، وفي الآخرة ما يكون محيطا بهم من عذاب جهنم، فلا يتخلصون منه أبدًا، وفي الكرخي: والمعنى: أن عذاب الدنيا، وإن كان شديدًا، إلا أنه قد يتفلّت بعض الناس عنه، والذي يقع فيه يتخلّص إما بالموت، أو بطريق آخر، وأما عذاب الآخرة، فإنه يكون محيطًا بهم، لا رجاء في الخلاص منه اهـ.
٩ - ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ﴾ الذي آتيناك يا محمد ﴿يَهْدِي﴾ الناس كافةً لا فرقةً
(١) روح البيان.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراغي.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراغي.
مخصوصةً منهم، كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى ﴿لِلَّتِي﴾، أي للطريقة التي ﴿هِيَ أَقْوَمُ﴾ الطرائق وأسدها، وأصوبها، أي يهدي إلى الطريقة التي هي أقوم من غيرها من الطرق، والملل، وهي ملة الإسلام، أو يهدي للحالة التي هي أقوم من غيرها من الحالات، وهي توحيد الله، والإيمان برسله، والمراد (١) بهدايته لها: كونه بحيث يهتدي إليها من يتمسك به، لا تحصيل الاهتداء بالفعل، فإنّه مخصوص بالمؤمنين ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بما في تضاعيفه من الأحكام والشرائع ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ﴾ التي شرحت فيه، ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾؛ أي: بأنّ لهم بمقابلة تلك الأعمال ﴿أَجْرًا كَبِيرًا﴾؛ أي: ثوابًا عظيمًا بحسب الذات، وبحسب التضعيف عشر مرات فصاعدًا.
١٠ - وقوله: ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ معطوف على جملة يبشّرُ بإضمار يخبر؛ أي: وإن هذا القرآن الذي أنزل عليك يخبر ويبين بأن الذين لا يؤمنون ﴿بِالْآخِرَةِ﴾، وأحكامها المشروحة في القرآن من البعث، والحساب، والجزاء، وأنكروا وجودها ﴿أَعْتَدْنا لَهُمْ﴾؛ أي: هيأنا لهم في الآخرة ﴿عَذابًا أَلِيمًا﴾ وهو عذاب جهنم، ويجوز أن يكون معطوفا على ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ فالمعنى أنه يبشّر المؤمنين ببشارتين: ثوابهم، وعقاب أعدائهم، فإنّ المرء يستبشر ببلية عدوّه، وقرأ الجمهور ﴿وَيُبَشِّرُ﴾ مشدّدًا مضارع بشّر المشدد، وقرأ عبد الله، وطلحة، وابن وثاب، والأخوان: ﴿ويبشر﴾ مضارع بشر المخفف.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى مدح (٢) في هذه الآية كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد - ﷺ -، ووصفه بصفات ثلاث:
١ - أنه يرشد من اهتدى به للسبيل التي هي أقوم السبل، وهي ذلك الدين القيم، والملة الحنيفية السمحاء التي أهم دعائمها: الإخبات لله، والإنابة إليه، واعتقاد أنّه واحد لا شريك له، وأنه صاحب الملك والملكوت، وهو الحي الذي لا يموت، وهو الفرد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
١٠ - وقوله: ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ معطوف على جملة يبشّرُ بإضمار يخبر؛ أي: وإن هذا القرآن الذي أنزل عليك يخبر ويبين بأن الذين لا يؤمنون ﴿بِالْآخِرَةِ﴾، وأحكامها المشروحة في القرآن من البعث، والحساب، والجزاء، وأنكروا وجودها ﴿أَعْتَدْنا لَهُمْ﴾؛ أي: هيأنا لهم في الآخرة ﴿عَذابًا أَلِيمًا﴾ وهو عذاب جهنم، ويجوز أن يكون معطوفا على ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ فالمعنى أنه يبشّر المؤمنين ببشارتين: ثوابهم، وعقاب أعدائهم، فإنّ المرء يستبشر ببلية عدوّه، وقرأ الجمهور ﴿وَيُبَشِّرُ﴾ مشدّدًا مضارع بشّر المشدد، وقرأ عبد الله، وطلحة، وابن وثاب، والأخوان: ﴿ويبشر﴾ مضارع بشر المخفف.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى مدح (٢) في هذه الآية كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد - ﷺ -، ووصفه بصفات ثلاث:
١ - أنه يرشد من اهتدى به للسبيل التي هي أقوم السبل، وهي ذلك الدين القيم، والملة الحنيفية السمحاء التي أهم دعائمها: الإخبات لله، والإنابة إليه، واعتقاد أنّه واحد لا شريك له، وأنه صاحب الملك والملكوت، وهو الحي الذي لا يموت، وهو الفرد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
٢ - أنه يبشر المؤمنين بالله ورسوله الذين يعملون صالح الأعمال، فيأتمرون بما أمر به، وينتهون عما نهاهم عنه، بالأجر العظيم يوم القيامة كفاء ما قدموا لأنفسهم من عمل صالح.
٣ - أنه ينذر الذين لا يصدقون بالميعاد، ولا يقرون بالثواب والعقاب في الدنيا، فلا يتحاشون ركوب المعاصي، بالعذاب الأليم الموجع جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الكفر، واجتراح الآثام، ويدخل في هؤلاء أهل الكتاب، لأن بعضهم ينكر الثواب والعقاب الجسمانيين، وبعضهم يقول: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وإطلاق البشارة على العقاب من قبيل التهكم كما في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾.
١١ - وبعد أن بين حال الهادي، وهو الكتاب الكريم بيّن حال المهدي، وهو الإنسان فقال: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ﴾.
قال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن بعض من لا يؤمن بالآخرة، كان يدعو على نفسه بتعجيل ما وعد به من الشر في الآخرة، كقول النضر بن الحارث ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً...﴾ الآية، والمراد بالإنسان: الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده؛ أي ويدعو الله سبحانه الإنسان عند غضبه بالشر والضرر على نفسه، وأهله وماله وولده ﴿دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ في الإلحاح، أي دعاء مثل دعائه لهم بالخير، والرزق، والعافية، والرحمة ويستجاب له، فلو استجيب له إذا دعاه باللّعن كما يجاب له بالخير لهلك أو المعنى (٢): إن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه مع أن ذلك الشيء يكون منبع ضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه مغترا بظاهر الأمور، غير متفحّص عن حقائقها وأسرارها.
روي: أن النضر بن الحارث قال: (اللهم انصر خير الحزبين، اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك...) إلى آخره، فأجاب الله دعاءه، وضربت رقبته
٣ - أنه ينذر الذين لا يصدقون بالميعاد، ولا يقرون بالثواب والعقاب في الدنيا، فلا يتحاشون ركوب المعاصي، بالعذاب الأليم الموجع جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الكفر، واجتراح الآثام، ويدخل في هؤلاء أهل الكتاب، لأن بعضهم ينكر الثواب والعقاب الجسمانيين، وبعضهم يقول: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، وإطلاق البشارة على العقاب من قبيل التهكم كما في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾.
١١ - وبعد أن بين حال الهادي، وهو الكتاب الكريم بيّن حال المهدي، وهو الإنسان فقال: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ﴾.
قال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن بعض من لا يؤمن بالآخرة، كان يدعو على نفسه بتعجيل ما وعد به من الشر في الآخرة، كقول النضر بن الحارث ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً...﴾ الآية، والمراد بالإنسان: الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده؛ أي ويدعو الله سبحانه الإنسان عند غضبه بالشر والضرر على نفسه، وأهله وماله وولده ﴿دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ في الإلحاح، أي دعاء مثل دعائه لهم بالخير، والرزق، والعافية، والرحمة ويستجاب له، فلو استجيب له إذا دعاه باللّعن كما يجاب له بالخير لهلك أو المعنى (٢): إن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه مع أن ذلك الشيء يكون منبع ضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه مغترا بظاهر الأمور، غير متفحّص عن حقائقها وأسرارها.
روي: أن النضر بن الحارث قال: (اللهم انصر خير الحزبين، اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك...) إلى آخره، فأجاب الله دعاءه، وضربت رقبته
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
يوم بدر.
وحذفت الواو من ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾ في رسم المصحف اتباعًا لخط اللفظ لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها، كقوله: ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)﴾ ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ونحو ذلك. ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾ بحسب جبلته ﴿عَجُولًا﴾؛ أي: كثير العجل يسارع إلى طلب ما يخطر بباله، ولا ينظر عاقبته، ولا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه، فالإنسان (١) عجولٌ قولًا وفعلًا يتمادى في الأعمال الموجبة للشر والعذاب، وفي الأثر: «المؤمن وقاف والمنافق وثاب».
وروي أن آدم قال لأولاده: كل عملٍ تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فإني لو وقفت ساعة.. لم يكن أصابني ما أصابني. وقال أعرابي: إياكم والعجلة، فإن العرب تكنِّيها أمَّ الندامات.
قيل: العجلة من الشيطان، إلا في ستة مواضع: أداء الصلاة إذا دخل الوقت، ودفن الميت إذا حضر، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، وإطعام الضيف إذا نزل، وتعجيل التوبة إذا أذنب.
١٢ - ولما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد، أكّدها بدليل آخر من عجائب صنعه، وبدائع خلقه، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ﴾ قدم الليل؛ لأن فيه تظهر غرر الشهور، ولأنه الأصل؛ أي: جعلناهما بسبب تعاقبهما، واختلافهما في الطول والقصر ﴿آيَتَيْنِ﴾ دالتين على وجود الصانع القدير، ووحدته، إذ لا بد لكل متغير من مغير، وإنما قال (٢): ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ﴾ بالتثنية، ولم يقل آية كما قال في موضع آخر ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ بالإفراد لأن الليلَ والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم، وقيل: لأن عيسى ومريم كانا في وقت واحد، والشمس والقمر آيتان، لأنهما في وقتين، ولا سبيل إلى رؤيتهما معا بصفتهما الرئيسية؛ أي (٣): جعلنا الليل والنهار علامتين دالتين على تمام علمنا، وكمال قدرتنا، فلما
وحذفت الواو من ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾ في رسم المصحف اتباعًا لخط اللفظ لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها، كقوله: ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)﴾ ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ونحو ذلك. ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾ بحسب جبلته ﴿عَجُولًا﴾؛ أي: كثير العجل يسارع إلى طلب ما يخطر بباله، ولا ينظر عاقبته، ولا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه، فالإنسان (١) عجولٌ قولًا وفعلًا يتمادى في الأعمال الموجبة للشر والعذاب، وفي الأثر: «المؤمن وقاف والمنافق وثاب».
وروي أن آدم قال لأولاده: كل عملٍ تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة، فإني لو وقفت ساعة.. لم يكن أصابني ما أصابني. وقال أعرابي: إياكم والعجلة، فإن العرب تكنِّيها أمَّ الندامات.
قيل: العجلة من الشيطان، إلا في ستة مواضع: أداء الصلاة إذا دخل الوقت، ودفن الميت إذا حضر، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، وإطعام الضيف إذا نزل، وتعجيل التوبة إذا أذنب.
١٢ - ولما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد، أكّدها بدليل آخر من عجائب صنعه، وبدائع خلقه، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ﴾ قدم الليل؛ لأن فيه تظهر غرر الشهور، ولأنه الأصل؛ أي: جعلناهما بسبب تعاقبهما، واختلافهما في الطول والقصر ﴿آيَتَيْنِ﴾ دالتين على وجود الصانع القدير، ووحدته، إذ لا بد لكل متغير من مغير، وإنما قال (٢): ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ﴾ بالتثنية، ولم يقل آية كما قال في موضع آخر ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ بالإفراد لأن الليلَ والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم، وقيل: لأن عيسى ومريم كانا في وقت واحد، والشمس والقمر آيتان، لأنهما في وقتين، ولا سبيل إلى رؤيتهما معا بصفتهما الرئيسية؛ أي (٣): جعلنا الليل والنهار علامتين دالتين على تمام علمنا، وكمال قدرتنا، فلما
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
31
بين سبحانه وتعالى أن هذا القرآن يدل على الطريق الأقوم ذكر الدلائل الدالة على وحدته تعالى وهو عجائب العالم العلوي والسفلي، فالقرآن نعم الدين، ووجود الليل والنهار نعم الدنيا، فلولاهما.. لما حصل للخلق الراحة، والكسب، والقرآن ممتزج من المحكم والمتشابه، فكذلك الدهر مركب من الليل والنهار، فالمحكم كالنهار، والمتشابه كالليل، فكما أنّ المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه، فكذلك الزمان لا يحصل الانتفاع به إلا بالليل والنهار، و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ تفسيرية (١)، والإضافة بيانية كما في إضافة العدد إلى المعدود؛ أي: فمحونا الآية التي هي الليل، والمحو في الأصل إزالة الشيء الثابت، والمراد هنا إبداعها، وخلقها ممحوة الضوء مطموسة كما في قولهم: سبحانه من صغّر البعوض، وكبّر الفيل؛ أي: أنشأهما وخلقهما كذلك، بقرينة أن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئًا، ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾؛ أي: الآية التي هي النهار ﴿مُبْصِرَةً﴾، أي: مضيئةً تبصر فيها الأشياء وصفها بحال أهلها.
ويجوز أن تكون الإضافة في الموضعين حقيقية، فالمراد بآية الليل والنهار القمر والشمس، والمعنى حينئذ ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، وهي القمر، أي (٢) طمسنا نورها؛ لأنه يبدو في أول الأمر على صورة الهلال، ثمّ لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرًا كاملًا ثم يشرع في الانتقاص قليلًا قليلًا إلى أن يعود إلى المحاق ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾ وهي الشمس ﴿مُبْصِرَةً﴾؛ أي مضيئة ذات أشعة تظهر بها الأشياء المظلمة، فالإضاءة سبب لحصول الإبصار.
روي (٣): أن الله تعالى خلق كلاًّ من نور القمر والشمس سبعين جزءًا، ثمّ أمر جبريل فمسح بجناحه ثلاث مرّات فمحا من القمر تسعة وستّين جزأ، فحولها إلى الشمس ليتميّز الليل من النهار، إذ كان في الزمن الأول لا يعرف الليل والنهار، فالسواد الذي في القمر أثر المحو، وهذا السواد في القمر بمنزلة الخال
ويجوز أن تكون الإضافة في الموضعين حقيقية، فالمراد بآية الليل والنهار القمر والشمس، والمعنى حينئذ ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، وهي القمر، أي (٢) طمسنا نورها؛ لأنه يبدو في أول الأمر على صورة الهلال، ثمّ لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرًا كاملًا ثم يشرع في الانتقاص قليلًا قليلًا إلى أن يعود إلى المحاق ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾ وهي الشمس ﴿مُبْصِرَةً﴾؛ أي مضيئة ذات أشعة تظهر بها الأشياء المظلمة، فالإضاءة سبب لحصول الإبصار.
روي (٣): أن الله تعالى خلق كلاًّ من نور القمر والشمس سبعين جزءًا، ثمّ أمر جبريل فمسح بجناحه ثلاث مرّات فمحا من القمر تسعة وستّين جزأ، فحولها إلى الشمس ليتميّز الليل من النهار، إذ كان في الزمن الأول لا يعرف الليل والنهار، فالسواد الذي في القمر أثر المحو، وهذا السواد في القمر بمنزلة الخال
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
32
على الوجه الجميل ولما كان زمان الدولة العربية الأحمدية قمريا ظهر عليه أثر السيادة على النجوم، وهو السواد، لأنه سيد الألوان، كما ظهر على الحجر المكرم الذي خرج من الجنة أبيض أثر السيادة بمبايعة الأنبياء والأولياء عليهم السلام، وجعل الله شهورنا قمرية لا شمسية تنبيها من الله للعارفين أن آياتهم ممحوة من ظواهرهم، مصروفة إلى بواطنهم، فاختصوا من بين جميع الأمم الماضية بالتجليات الخاصة.
وحاصل المعنى: أي وجعلنا الليل والنهار دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما في الدّين: فلأن كلّا منهما مضاد للآخر، ومخالف له مع تعاقبهما على الدوام، وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا بد لهما من فاعل مدبر، يقدرهما بمقادير مخصوصة، وأما في الدنيا فلأن مصالحها لا تتم إلا بهما، فلولا الليل.. لما حصل السكون، والراحة، ولولا النهار.. لما حصل الكسب، والتصرف في وجوه المعاش ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾؛ أي: فمحونا آية هي الليل؛ أي: جعلنا الليل ممحو الضوء، مطموسه مظلمة لا يستبين فيه شيء، كما لا يستبين ما في اللوح الممحو، روي ذلك عن مجاهد، ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾؛ أي: وجعلنا الآية التي هي النهار مضيئة، و ﴿مُبْصِرَةً﴾ يبصر فيها أهلها، وقرأ قتادة، وعلي بن الحسين ﴿مبصرة﴾ بفتح الميم، والصاد، وهو مصدر: أقيم مقام الاسم، وكثر ذلك في صفات الأمكنة، كقولهم: أرض مسبعة، ومكان مضبّة.
وقوله: ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ متعلق بقوله (١) ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ أي لتطلبوا لأنفسكم في بياض النهار ﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي رزقًا من ربكم، وسماه فضلًا؛ لأن إعطاء الرزق لا يجب على الله، وإنما يفيضه بحكم الربوبية، إذ غالب تحصيل الأرزاق، وقضاء الحوائج، يكون بالنهار، ولم يذكر هنا السكون في الليل اكتفاء بما قاله في موضع آخر ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِرًا﴾.
وحاصل المعنى: أي وجعلنا الليل والنهار دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا، أما في الدّين: فلأن كلّا منهما مضاد للآخر، ومخالف له مع تعاقبهما على الدوام، وهذا من أقوى الأدلة على أنه لا بد لهما من فاعل مدبر، يقدرهما بمقادير مخصوصة، وأما في الدنيا فلأن مصالحها لا تتم إلا بهما، فلولا الليل.. لما حصل السكون، والراحة، ولولا النهار.. لما حصل الكسب، والتصرف في وجوه المعاش ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾؛ أي: فمحونا آية هي الليل؛ أي: جعلنا الليل ممحو الضوء، مطموسه مظلمة لا يستبين فيه شيء، كما لا يستبين ما في اللوح الممحو، روي ذلك عن مجاهد، ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾؛ أي: وجعلنا الآية التي هي النهار مضيئة، و ﴿مُبْصِرَةً﴾ يبصر فيها أهلها، وقرأ قتادة، وعلي بن الحسين ﴿مبصرة﴾ بفتح الميم، والصاد، وهو مصدر: أقيم مقام الاسم، وكثر ذلك في صفات الأمكنة، كقولهم: أرض مسبعة، ومكان مضبّة.
وقوله: ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ متعلق بقوله (١) ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ أي لتطلبوا لأنفسكم في بياض النهار ﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي رزقًا من ربكم، وسماه فضلًا؛ لأن إعطاء الرزق لا يجب على الله، وإنما يفيضه بحكم الربوبية، إذ غالب تحصيل الأرزاق، وقضاء الحوائج، يكون بالنهار، ولم يذكر هنا السكون في الليل اكتفاء بما قاله في موضع آخر ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِرًا﴾.
(١) روح البيان.
33
أو المعنى: فعلنا (١) ذلك لتطلبوا في الليل والنهار فضل ربكم من الرزق الحلال بالكسب، ومن الثواب الجزيل بأداء الطاعات والاحتراز عن المنهيات. وفي التعبير (٢) عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء مع ذكر صفة الربوبية الدالة على الوصول إلى ذلك شيئًا فشيئًا، دلالة على أنه ليس للمرء في تحصيل الرزق سوى الطلب بالأسباب العادية، وفي الخبر «يطلبك رزقك كما يطلبك أجلك»، وقيل في هذا المعنى:
وقوله: ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ﴾ متعلق بكلا الفعلين أعني ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ لا بأحدهما فقط، كالأول؛ إذ لا يكون علم عدد السنين، والحساب إلا باختلاف الجديدين، ومعرفة الأيام، والشهور، والسنين والفرق (٣) بين العدد، والحساب أنّ العدد إحصاء ما له كمية بتكرير أمثاله من غير أن يتحصل منه شيء، والحساب إحصاء ما له كمية بتكرير أمثاله، من حيث يتحصل بطائفة معينة، منها حد معيّن منه له اسم خاص، فالسنة مثلا إن وقع النّظر إليها من حيث عدد أيامها، فذلك هو العدد، وإن وقع النظر إليها من حيث تحققها، وتحصلها من عدة أشهر، قد يحصل كل شهر من عدّة أيام، قد يحصل كل يوم من عدة ساعات، قد تحصلت كل ساعة من عدة دقائق، فذلك هو الحساب.
والمعنى: أي فمحونا آية الليل، وجعلنا آية النهار مبصرة، لتعلموا بمحو آية الليل، وجعل آية النهار مبصرةً عدد السنين، التي تتوقف عليها مصالحكم الدينية والدنيوية ولتعلموا الحساب، أي حساب الأشهر، والليالي والأيام، وغير ذلك مما نيط به شيء من تلك المصالح في معرفة أوقات المعاش، كآجال الدّيون،
ولقد علمت وما الإشراق من خلقي | أنّ الّذي هو رزقي سوف يأتيني |
أسعى إليه فيعييني تطلّبه | ولو قعدت أتاني لا يعنّيني |
والمعنى: أي فمحونا آية الليل، وجعلنا آية النهار مبصرة، لتعلموا بمحو آية الليل، وجعل آية النهار مبصرةً عدد السنين، التي تتوقف عليها مصالحكم الدينية والدنيوية ولتعلموا الحساب، أي حساب الأشهر، والليالي والأيام، وغير ذلك مما نيط به شيء من تلك المصالح في معرفة أوقات المعاش، كآجال الدّيون،
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
34
وأوقات الزّراعة، وأوقات الدّين كأوقات الصلاة والحج والصوم اهـ شيخنا؛ إذ لو كان الزمان كله نسقًا واحدًا.. لما عرف شيء من هذا كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَدًا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)﴾. ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ لكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم قد ﴿فَصَّلْناهُ﴾ لكم في القرآن ﴿تَفْصِيلًا﴾ بيِّنًا، وبيناه لكم تبيينًا واضحًا لا يلتبس، وعند ذلك تنزاح العلل، وتزول الأعذار، ليهلك من هلك عن بينة، ولهذا قال: ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ﴾.
والخلاصة: وكل (١) شيء تفتقرون إليه في المعاش والمعاد، بيناه في القرآن بيانًا بليغًا لا التباس معه، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا، فليتّبع العاقل ما أدركه؛ أي: لحقه علمه، وليفوض ما جهله منه إلى ذي العلم،
١٣ - ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ﴾ مكلف مؤمنًا كان أو كافرًا، ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو أميًا، سلطانًا أو رعيةً، حرًا أو عبدًا، ﴿أَلْزَمْناهُ﴾؛ أي: ألزقناه ﴿طائِرَهُ﴾؛ أي: عمله الصادر عنه باختياره، حسبما قدّر له من خير أو شر، كأنّما طار إليه من عش الغيب ووكر القدر وقلّدناه ﴿فِي عُنُقِهِ﴾، وذكر العنق كناية عن شدة اللزوم، أي: ألزمناه عمله كلزوم القلادة في عنقه، بحيث لا يفارقه عمله أبدًا؛ فإن كان خيرًا.. كان زينة له، كالطوق، وإن كان شرا.. كان شينا له، كالغل على رقبته، وقرىء ﴿عُنُقِهِ﴾ بسكون النون؛ ذكره في «البحر».
وإنما كنّى عن العمل بالطير (٢)؛ لأن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل، اعتبروا أحوال الطير، فهل يطير متيامنًا، أو متياسرًا، أو صاعدًا إلى الجو، إلى غير ذلك، فيستدلون بكل واحد منها على الخير والشر، والسعادة والنحوسة، فلما كثر ذلك منهم، سمي نفس الخير والشر بالطائر، تسمية للشيء باسم لازمه،
والخلاصة: وكل (١) شيء تفتقرون إليه في المعاش والمعاد، بيناه في القرآن بيانًا بليغًا لا التباس معه، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا، فليتّبع العاقل ما أدركه؛ أي: لحقه علمه، وليفوض ما جهله منه إلى ذي العلم،
١٣ - ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ﴾ مكلف مؤمنًا كان أو كافرًا، ذكرًا أو أنثى، عالمًا أو أميًا، سلطانًا أو رعيةً، حرًا أو عبدًا، ﴿أَلْزَمْناهُ﴾؛ أي: ألزقناه ﴿طائِرَهُ﴾؛ أي: عمله الصادر عنه باختياره، حسبما قدّر له من خير أو شر، كأنّما طار إليه من عش الغيب ووكر القدر وقلّدناه ﴿فِي عُنُقِهِ﴾، وذكر العنق كناية عن شدة اللزوم، أي: ألزمناه عمله كلزوم القلادة في عنقه، بحيث لا يفارقه عمله أبدًا؛ فإن كان خيرًا.. كان زينة له، كالطوق، وإن كان شرا.. كان شينا له، كالغل على رقبته، وقرىء ﴿عُنُقِهِ﴾ بسكون النون؛ ذكره في «البحر».
وإنما كنّى عن العمل بالطير (٢)؛ لأن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل، اعتبروا أحوال الطير، فهل يطير متيامنًا، أو متياسرًا، أو صاعدًا إلى الجو، إلى غير ذلك، فيستدلون بكل واحد منها على الخير والشر، والسعادة والنحوسة، فلما كثر ذلك منهم، سمي نفس الخير والشر بالطائر، تسمية للشيء باسم لازمه،
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
وقيل: المراد بالطائر صحيفة الأعمال التي كتبتها الملائكة الحفظة، فإذا مات العبد طويت تلك الصحيفة، وجعلت معه في قبره حتى تخرج له يوم القيامة، وقيل: المراد بالطائر: كتاب إجابته في القبر لمنكر ونكير.
قال الفخر الرازي: والتحقيق في هذا الباب (١): أنه تعالى خلق الخلق، وخص كل واحد منهم بمقدار مخصوص من العقل والفهم، والعلم والعمر، والرزق والسعادة، والشقاوة، والإنسان لا يمكنه أن يتجاوز ذلك المقدار، وينحرف عنه، بل لا بد وأن يصل إليه ذلك القدر بحسب الكمية والكيفية، فتلك الأشياء المقدّرة كأنّها تطير إليه، وتصير إليه، فلهذا المعنى لا يبعد أن يعبّر عن تلك الأحوال المقدرة بلفظ الطائر، فقوله تعالى: ﴿أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ كناية عن أن كل ما قدره الله ومضى في علمه حصوله له، فيما علمه فهو لازم له، واصل إليه، غير منحرف عنه، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» اهـ، ملخصا.
﴿وَنُخْرِجُ لَهُ﴾؛ أي: لكل إنسان ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ والبعث للحساب، ﴿كِتابًا﴾ مسطورا فيه عمله نقيرًا، وقطميرًا، وهو مفعول ﴿وَنُخْرِجُ﴾. ﴿يَلْقاهُ﴾ الإنسان أي: يجده، ويراه ﴿مَنْشُورًا﴾؛ أي مفتوحا بعد ما كان مطويًّا، ليمكنه قراءته، صفتان لـ ﴿كِتابًا﴾ أو الأول صفة، والثاني حال. قال الحسن (٢): بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان، فهما عن يمينك، وعن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأمّا الذي عن شمالك، فيحفظ سيئاتك، حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة.
١٤ - ويقال له: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾؛ أي: كتاب عملك، فهو على تقدير القول، وعن قتادة: يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئًا ﴿كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾؛ أي: كفى اليوم نفسك من جهة كونها حسيبًا عليك، و ﴿الباء﴾ زائدة، واليوم ظرف لـ ﴿كَفى﴾ و ﴿حَسِيبًا﴾ تمييز لفاعل ﴿كَفى﴾ و ﴿على﴾ صلته، لأنه بمعنى الحاسب،
قال الفخر الرازي: والتحقيق في هذا الباب (١): أنه تعالى خلق الخلق، وخص كل واحد منهم بمقدار مخصوص من العقل والفهم، والعلم والعمر، والرزق والسعادة، والشقاوة، والإنسان لا يمكنه أن يتجاوز ذلك المقدار، وينحرف عنه، بل لا بد وأن يصل إليه ذلك القدر بحسب الكمية والكيفية، فتلك الأشياء المقدّرة كأنّها تطير إليه، وتصير إليه، فلهذا المعنى لا يبعد أن يعبّر عن تلك الأحوال المقدرة بلفظ الطائر، فقوله تعالى: ﴿أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ كناية عن أن كل ما قدره الله ومضى في علمه حصوله له، فيما علمه فهو لازم له، واصل إليه، غير منحرف عنه، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» اهـ، ملخصا.
﴿وَنُخْرِجُ لَهُ﴾؛ أي: لكل إنسان ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ والبعث للحساب، ﴿كِتابًا﴾ مسطورا فيه عمله نقيرًا، وقطميرًا، وهو مفعول ﴿وَنُخْرِجُ﴾. ﴿يَلْقاهُ﴾ الإنسان أي: يجده، ويراه ﴿مَنْشُورًا﴾؛ أي مفتوحا بعد ما كان مطويًّا، ليمكنه قراءته، صفتان لـ ﴿كِتابًا﴾ أو الأول صفة، والثاني حال. قال الحسن (٢): بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان، فهما عن يمينك، وعن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأمّا الذي عن شمالك، فيحفظ سيئاتك، حتى إذا مت طويت صحيفتك، وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة.
١٤ - ويقال له: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾؛ أي: كتاب عملك، فهو على تقدير القول، وعن قتادة: يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئًا ﴿كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾؛ أي: كفى اليوم نفسك من جهة كونها حسيبًا عليك، و ﴿الباء﴾ زائدة، واليوم ظرف لـ ﴿كَفى﴾ و ﴿حَسِيبًا﴾ تمييز لفاعل ﴿كَفى﴾ و ﴿على﴾ صلته، لأنه بمعنى الحاسب،
(١) الفخر الرازي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
36
وتذكيره مبنيٌّ على تأويل النفس بالشخص، وفوّض تعالى حساب العبد إليه، لئلا ينسب إلى الظلم، ولتجب الحجة عليه باعترافه.
وقال الحسن: أنصف من أنصفك، أنصف من جعلك حسيب نفسك اهـ.
وقرأ الجمهور (١) - ومنهم أبو جعفر -: ﴿وَنُخْرِجُ﴾ بالنون مضارع أخرج الرباعي كتابا بالنصب، وعن أبي جعفر أيضًا، ﴿ويخرج﴾ بالياء مبنيًا للمفعول ﴿كِتابًا﴾ بالنصب؛ أي: ويخرج الطائر كتابًا، وعنه أيضًا ﴿كتاب﴾ بالرفع على مفعول ما لم يسمّ فاعله، وقرأ الحسن وابن محيصن ومجاهد ﴿ويخرج﴾ بفتح الياء وضم الراء أي طائره كتابًا إلّا الحسن، فقرأ ﴿كتاب﴾ على أنه فاعل ﴿يخرج﴾ وقرأت فرقة ﴿ويخرج﴾ بضم الياء، وكسر الراء؛ أي: ويخرج الله، وقرأ الجمهور ﴿يَلْقاهُ﴾ بفتح الياء وسكون اللام، وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والجحدري، والحسن بخلاف عنه: ﴿يلقّاه﴾ بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
وحاصل معنى الآية: أي وألزمنا كل امرىء عمله، الذي يصدر منه باختياره، بحسب ما قدر له من خير أو شر، لا ينفك عنه بحال، والعرب تضرب المثل للشيء الذي يلزم بالشيء الذي يوضع في العنق، فيقولون: جعلت هذا في عنقك؛ أي: قلّدتك هذا العمل، وألزمتك الاحتفاظ به، وخصّوا العنق؛ لأنه يظهر عليه ما يزين المرء، كالقلائد والأطواق، أو ما يشينه كالأغلال والأوهاق «الحبال تجر بها الدواب».
وخلاصة هذا: أن كل إنسان منكم معشر بني آدم ألزمناه نحسه وسعده، وشقاءه وسعادته بما سبق في علمنا أنه صائر إليه، ونحن نخرج له حين الحساب كتابا يراه منشورا، فيه أعماله التي كسبها في الدنيا، وقد أحصى عليه ربه فيه كل ما أسلف في تلك الحياة، فيقال له: اقرأ كتاب عملك الذي عملته في الدنيا، وكان الملكان يكتبانه، ويحصيانه عليك، وحسبك اليوم نفسك عليك حاسبا، تحسب عليك أعمالك فتحصيها، لا نبتغي عليك شاهدًا غيرها، ولا نطلب محصيًا سواها.
وقال الحسن: أنصف من أنصفك، أنصف من جعلك حسيب نفسك اهـ.
وقرأ الجمهور (١) - ومنهم أبو جعفر -: ﴿وَنُخْرِجُ﴾ بالنون مضارع أخرج الرباعي كتابا بالنصب، وعن أبي جعفر أيضًا، ﴿ويخرج﴾ بالياء مبنيًا للمفعول ﴿كِتابًا﴾ بالنصب؛ أي: ويخرج الطائر كتابًا، وعنه أيضًا ﴿كتاب﴾ بالرفع على مفعول ما لم يسمّ فاعله، وقرأ الحسن وابن محيصن ومجاهد ﴿ويخرج﴾ بفتح الياء وضم الراء أي طائره كتابًا إلّا الحسن، فقرأ ﴿كتاب﴾ على أنه فاعل ﴿يخرج﴾ وقرأت فرقة ﴿ويخرج﴾ بضم الياء، وكسر الراء؛ أي: ويخرج الله، وقرأ الجمهور ﴿يَلْقاهُ﴾ بفتح الياء وسكون اللام، وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والجحدري، والحسن بخلاف عنه: ﴿يلقّاه﴾ بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف.
وحاصل معنى الآية: أي وألزمنا كل امرىء عمله، الذي يصدر منه باختياره، بحسب ما قدر له من خير أو شر، لا ينفك عنه بحال، والعرب تضرب المثل للشيء الذي يلزم بالشيء الذي يوضع في العنق، فيقولون: جعلت هذا في عنقك؛ أي: قلّدتك هذا العمل، وألزمتك الاحتفاظ به، وخصّوا العنق؛ لأنه يظهر عليه ما يزين المرء، كالقلائد والأطواق، أو ما يشينه كالأغلال والأوهاق «الحبال تجر بها الدواب».
وخلاصة هذا: أن كل إنسان منكم معشر بني آدم ألزمناه نحسه وسعده، وشقاءه وسعادته بما سبق في علمنا أنه صائر إليه، ونحن نخرج له حين الحساب كتابا يراه منشورا، فيه أعماله التي كسبها في الدنيا، وقد أحصى عليه ربه فيه كل ما أسلف في تلك الحياة، فيقال له: اقرأ كتاب عملك الذي عملته في الدنيا، وكان الملكان يكتبانه، ويحصيانه عليك، وحسبك اليوم نفسك عليك حاسبا، تحسب عليك أعمالك فتحصيها، لا نبتغي عليك شاهدًا غيرها، ولا نطلب محصيًا سواها.
(١) البحر المحيط.
37
١٥ - وبعد أن ذكر أن القرآن هاد للّتي هي أقوم، وأن الأعمال لازمة لأصحابها.. بيّن أن منفعة العمل، ومضرته راجعة إلى عامله، فقال: ﴿مَنِ اهْتَدى﴾ بهداية القرآن، وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام، وانتهى عما نهاه ﴿فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾؛ أي: فإنّما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره، ممن لم يهتد ﴿وَمَنْ ضَلَّ﴾ عن الطريقة التي يهديه إليها ﴿فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾؛ أي فإنما وبال ضلاله عليها لا على من عداه ممن لم يباشره حتى يمكن مفارقة العمل من صاحبه.
وقال البيضاوي (١): لا ينجي اهتداؤه غيره، ولا يردي ضلاله سواه؛ أي: في الآخرة، وإلا ففي حكم الدنيا يتعدى نفع الاهتداء، وضرر الضلال إلى الغير، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾.
والمعنى: أي من (٢) استقام على طريق الحق، واتبعه، واتبع الدين الذي بعث به محمد - ﷺ - فنفسه قد نفع، ومن حاد عن قصد السبيل، وسار على غير هدى، وكفر بالله، ورسوله، وبما جاء به من عند ربه من الحق، فلا يضر إلا نفسه، لأنه جعلها مستحقّةً لغضب الله، وأليم عذابه، ثم زاد الجملة الثانية توكيدا، بقوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾؛ أي: ولا تحمل نفس آثمةٌ، ولا غير آثمةٍ ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾؛ أي: إثم نفس أخرى، بطيبة النفس، حتى يمكن تخلّص النفس الثانية من إثمها، بل على كل نفس إثمها دون إثم غيرها من الأنفس، ولكن يحمل عليها إثم غيرها بالقصاص. فإن قلت: ورد في الحديث: «من سنّ سنّةً سيئةً.. فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فمقتضاه: أنه يحمل وزره فيكون معارضًا لهذه الآية؟
أجيب: بأنّ المراد بالوزر الذي يحمله في الحديث: وزر التّسبّب، ولا شك أنّ التسبب من فعل الشخص، ومع ذلك فلا ينقص من وزر الفاعل شيء، فالمتسبب الفاعل يعاقب على فعله وتسببه، والفاعل بلا تسبب يعاقب على فعله فقط، ذكره الصاوي.
وقال البيضاوي (١): لا ينجي اهتداؤه غيره، ولا يردي ضلاله سواه؛ أي: في الآخرة، وإلا ففي حكم الدنيا يتعدى نفع الاهتداء، وضرر الضلال إلى الغير، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾.
والمعنى: أي من (٢) استقام على طريق الحق، واتبعه، واتبع الدين الذي بعث به محمد - ﷺ - فنفسه قد نفع، ومن حاد عن قصد السبيل، وسار على غير هدى، وكفر بالله، ورسوله، وبما جاء به من عند ربه من الحق، فلا يضر إلا نفسه، لأنه جعلها مستحقّةً لغضب الله، وأليم عذابه، ثم زاد الجملة الثانية توكيدا، بقوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾؛ أي: ولا تحمل نفس آثمةٌ، ولا غير آثمةٍ ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾؛ أي: إثم نفس أخرى، بطيبة النفس، حتى يمكن تخلّص النفس الثانية من إثمها، بل على كل نفس إثمها دون إثم غيرها من الأنفس، ولكن يحمل عليها إثم غيرها بالقصاص. فإن قلت: ورد في الحديث: «من سنّ سنّةً سيئةً.. فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فمقتضاه: أنه يحمل وزره فيكون معارضًا لهذه الآية؟
أجيب: بأنّ المراد بالوزر الذي يحمله في الحديث: وزر التّسبّب، ولا شك أنّ التسبب من فعل الشخص، ومع ذلك فلا ينقص من وزر الفاعل شيء، فالمتسبب الفاعل يعاقب على فعله وتسببه، والفاعل بلا تسبب يعاقب على فعله فقط، ذكره الصاوي.
(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
38
وفي هذا قطع لأطماعهم الفارغة؛ إذ كانوا يزعمون أنّهم إن لم يكونوا على الحقّ فالتّبعة على أسلافهم الذين قلدوهم، روي عن ابن عباس: أنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال: اكفروا بمحمد وعليّ أوزاركم، ولا معارضة بين هذه الآية وبين قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وقوله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ﴾؛ فإن الدعاة إلى الضلال، عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم، وإثم آخر بسبب إضلالهم من أضلوا من غير أن ينقص أوزار أولئك، ولا يرفع عنهم منها شيئًا، وهذا عدل من الله ورحمة منه بعباده.
ثم ذكر عنايته ورحمته بهم، فقال: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾؛ أي: وما صحّ (١) وما استقام منا، بل استحال في عاداتنا المبنية على الحكم البالغة، أن نعذب أحدًا من أهل الضلال والأوزار اكتفاء بقضية العقل، ﴿حَتَّى نَبْعَثَ﴾ إليهم ﴿رَسُولًا﴾ يهديهم إلى الحق، ويردعهم عن الضلال، ويقيم الحجج ويمهد الشرائع، قطعا للمعذرة، وإلزاما للحجّة، وفيه دلالة على أن البعثة واجبة لا بمعنى الوجوب على الله، بل بمعنى أن قضية الحكمة تقتضي ذلك لما فيه من المصالح والحكم، والمراد بالعذاب المنفيِّ هو العذاب الدنيوي، وهو من مقدمات العذاب الأخرويّ، فجوزوا على الكفر والمعاندة بالعذاب في الدارين وما بينهما أيضًا وهو البرزخ، وفي هذا دليل على أن ما وجب إنما وجب بالسمع لا بالعقل اهـ. خازن؛ أي (٢): وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع أعذارهم.
وخلاصة ذلك: أن سنتنا المبنية على الحكم البالغة، أن لا نعذب أحدًا أي نوع من العذاب الدنيوي أو الأخروي على فعل شيء أو تركه، إلا إذا أرسلنا رسولًا يهدي إلى الحق، ويردع عن الضلال، ويقيم الحجج، ويمهد الشرائع، وتبلغه دعوته.
وعبارة الشوكاني هنا: ولمَّا ذكر الله سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته،
ثم ذكر عنايته ورحمته بهم، فقال: ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾؛ أي: وما صحّ (١) وما استقام منا، بل استحال في عاداتنا المبنية على الحكم البالغة، أن نعذب أحدًا من أهل الضلال والأوزار اكتفاء بقضية العقل، ﴿حَتَّى نَبْعَثَ﴾ إليهم ﴿رَسُولًا﴾ يهديهم إلى الحق، ويردعهم عن الضلال، ويقيم الحجج ويمهد الشرائع، قطعا للمعذرة، وإلزاما للحجّة، وفيه دلالة على أن البعثة واجبة لا بمعنى الوجوب على الله، بل بمعنى أن قضية الحكمة تقتضي ذلك لما فيه من المصالح والحكم، والمراد بالعذاب المنفيِّ هو العذاب الدنيوي، وهو من مقدمات العذاب الأخرويّ، فجوزوا على الكفر والمعاندة بالعذاب في الدارين وما بينهما أيضًا وهو البرزخ، وفي هذا دليل على أن ما وجب إنما وجب بالسمع لا بالعقل اهـ. خازن؛ أي (٢): وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع أعذارهم.
وخلاصة ذلك: أن سنتنا المبنية على الحكم البالغة، أن لا نعذب أحدًا أي نوع من العذاب الدنيوي أو الأخروي على فعل شيء أو تركه، إلا إذا أرسلنا رسولًا يهدي إلى الحق، ويردع عن الضلال، ويقيم الحجج، ويمهد الشرائع، وتبلغه دعوته.
وعبارة الشوكاني هنا: ولمَّا ذكر الله سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته،
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
39
والضال بضلاله، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره، ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله، وإنزال كتبه، فبيّن سبحانه أنه لم يتركهم سدًى، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم، والظاهر: أنّه لا يعذبهم لا في الدنيا، ولا في الآخرة، إلّا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل، وبه قالت طائفة من أهل العلم، وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا: هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة، انتهت.
قلت: ومعنى الآية: وما كنا معذبين أحدًا في الدنيا، فلا يعارضه حديث «أبي وأبوك في النار» أو يقال: إنه أحاديث أحاد، فلا يعارض النص القطعيّ.
وقال ابن الجوزي: ومعنى (١) ﴿حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾؛ أي: حتى نبيّن لهم ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة، قال القاضي أبو يعلى: وفي هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلًا، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك.. لم يقطع عليه بالنار، قال: وقيل معناه: أنه لا يعذب في ما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب، ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها لم يلزمه قضاء شيء منها؛ لأنها لا تلزمه إلّا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه: قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة، ولم يستأنفوا. ولو أسلم في دار الإسلام، ولم يعلم بفرض الصلاة.. فالواجب عليه القضاء، لأنه قد رأى النّاس يصلون في المساجد، بأذانٍ وإقامة، وذلك دعاء إليها.
الإعراب
﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)﴾.
﴿سُبْحانَ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبح الله سبحانًا، والجملة المحذوفة مستأنفة، وهو مضاف، ﴿الَّذِي﴾ اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، ﴿أَسْرى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود
قلت: ومعنى الآية: وما كنا معذبين أحدًا في الدنيا، فلا يعارضه حديث «أبي وأبوك في النار» أو يقال: إنه أحاديث أحاد، فلا يعارض النص القطعيّ.
وقال ابن الجوزي: ومعنى (١) ﴿حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾؛ أي: حتى نبيّن لهم ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة، قال القاضي أبو يعلى: وفي هذا دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلًا، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك.. لم يقطع عليه بالنار، قال: وقيل معناه: أنه لا يعذب في ما طريقه السمع إلا بقيام حجة السمع من جهة الرسول، ولهذا قالوا: لو أسلم بعض أهل الحرب في دار الحرب، ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها لم يلزمه قضاء شيء منها؛ لأنها لا تلزمه إلّا بعد قيام حجة السمع، والأصل فيه: قصة أهل قباء حين استداروا إلى الكعبة، ولم يستأنفوا. ولو أسلم في دار الإسلام، ولم يعلم بفرض الصلاة.. فالواجب عليه القضاء، لأنه قد رأى النّاس يصلون في المساجد، بأذانٍ وإقامة، وذلك دعاء إليها.
الإعراب
﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)﴾.
﴿سُبْحانَ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبح الله سبحانًا، والجملة المحذوفة مستأنفة، وهو مضاف، ﴿الَّذِي﴾ اسم موصول في محل الجر مضاف إليه، ﴿أَسْرى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود
(١) زاد المسير.
40
على الموصول ﴿بِعَبْدِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق به ﴿لَيْلًا﴾ منصوب على الظرفية، ومتعلق به أيضًا ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ﴾ متعلق به أيضًا ﴿الْحَرامِ﴾ صفة لـ ﴿الْمَسْجِدِ﴾. ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ﴾ متعلق به أيضًا ﴿الْأَقْصَى﴾ صفة أولى لـ ﴿الْمَسْجِدِ﴾، والجملة الفعلية صلة الموصول ﴿الَّذِي﴾ اسم موصول صفة ثانية لـ ﴿الْمَسْجِدِ﴾ ﴿بارَكْنا﴾ فعل وفاعل ﴿حَوْلَهُ﴾ منصوب على الظرفية، متعلق بـ ﴿بارَكْنا﴾ ﴿لِنُرِيَهُ﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل، ﴿نريه﴾ فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله، ورأى بصرية ﴿مِنْ آياتِنا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿نري﴾ والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإراءتنا إياه من آياتنا، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَسْرى﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل ﴿السَّمِيعُ﴾ خبره ﴿الْبَصِيرُ﴾ خبر ثان له، وجملة ﴿إنّ﴾ مستأنفةٌ مسوقةٌ لتعليل ما قبلها.
﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾.
﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾ فعل وفاعل، ومفعولان لأن (آتى) بمعنى أعطى، والجملة مستأنفة، ﴿وَجَعَلْناهُ هُدىً﴾ فعل وفاعل، ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَآتَيْنا﴾ ﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿هُدًى﴾ وهو بمعنى هاد. ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾ زائدة ﴿لا﴾ ناهية جازمة ﴿تَتَّخِذُوا﴾ فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية ﴿مِنْ﴾ زائدة ﴿دُونِي﴾ بمعنى غيري، مفعول أول لـ ﴿تَتَّخِذُوا﴾. ﴿وَكِيلًا﴾ مفعول ثان لها، والجملة الفعلية مقول لقول محذوف تقديره: وقلنا لهم: لا تتخذوا... إلخ، وجملة القول المحذوف معطوف على ﴿جَعَلْناهُ﴾.
﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)﴾.
﴿ذُرِّيَّةَ﴾ منادى مضاف حذف منه حرف النداء؛ أي: يا ذرية من حملنا مع نوح، وجملة النداء مقول لذلك القول المحذوف ﴿مَنْ﴾ اسم موصول بمعنى الذي في محل جر بالإضافة. ﴿حَمَلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من حملناهم ﴿مَعَ نُوحٍ﴾ ظرف، ومضاف إليه حال من الضمير المحذوف، أو متعلق بـ ﴿حَمَلْنا﴾ أو جواب النداء محذوف تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح، كونوا كما كان نوح في العبودية، والانقياد، وفي كثرة الشكر لله
﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾.
﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾ فعل وفاعل، ومفعولان لأن (آتى) بمعنى أعطى، والجملة مستأنفة، ﴿وَجَعَلْناهُ هُدىً﴾ فعل وفاعل، ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَآتَيْنا﴾ ﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿هُدًى﴾ وهو بمعنى هاد. ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾ زائدة ﴿لا﴾ ناهية جازمة ﴿تَتَّخِذُوا﴾ فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية ﴿مِنْ﴾ زائدة ﴿دُونِي﴾ بمعنى غيري، مفعول أول لـ ﴿تَتَّخِذُوا﴾. ﴿وَكِيلًا﴾ مفعول ثان لها، والجملة الفعلية مقول لقول محذوف تقديره: وقلنا لهم: لا تتخذوا... إلخ، وجملة القول المحذوف معطوف على ﴿جَعَلْناهُ﴾.
﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)﴾.
﴿ذُرِّيَّةَ﴾ منادى مضاف حذف منه حرف النداء؛ أي: يا ذرية من حملنا مع نوح، وجملة النداء مقول لذلك القول المحذوف ﴿مَنْ﴾ اسم موصول بمعنى الذي في محل جر بالإضافة. ﴿حَمَلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من حملناهم ﴿مَعَ نُوحٍ﴾ ظرف، ومضاف إليه حال من الضمير المحذوف، أو متعلق بـ ﴿حَمَلْنا﴾ أو جواب النداء محذوف تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح، كونوا كما كان نوح في العبودية، والانقياد، وفي كثرة الشكر لله
41
بفعل الطاعات، ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماضٍ ناقص واسمه ضمير يعود على نوح ﴿عَبْدًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾. ﴿شَكُورًا﴾ صفته، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل الجملة المحذوفة.
﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤)﴾.
﴿وَقَضَيْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق به، و ﴿قضى﴾ يتعدى بنفسه، أو بعلى، وإنما عدّاه هنا بـ ﴿إِلى﴾ لتضمنه معنى أوحينا ﴿فِي الْكِتابِ﴾: متعلق به أيضًا، ومتعلق القضاء محذوف دل عليه قوله: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ﴾ والتقدير: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب بإفسادهم في الأرض مرتين ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾: ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿تفسدن﴾ فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل، والأصل: لتفسدونن، والجملة الفعلية: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تفسدن﴾، ومفعول الإفساد محذوف تقديره: لتفسدن الأديان في الأرض ﴿مَرَّتَيْنِ﴾: منصوب على المصدرية، والعامل فيه من غيره، لأنه بمعنى: لتفسدن إفسادتين ﴿وَلَتَعْلُنَّ﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم، (تعلن) فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل ﴿عُلُوًّا﴾: منصوب على المصدرية ﴿كَبِيرًا﴾: صفة له، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم المذكور قبلها.
﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)﴾.
﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنكم لتفسدون في الأرض مرتين، وأردتم بيان ما يترتب على كلتا المرتين من العقوبة، فأقول لكم: إذا جاء وعد أولاهما الخ ﴿إذا﴾ ظرف لما يستقبل
﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤)﴾.
﴿وَقَضَيْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق به، و ﴿قضى﴾ يتعدى بنفسه، أو بعلى، وإنما عدّاه هنا بـ ﴿إِلى﴾ لتضمنه معنى أوحينا ﴿فِي الْكِتابِ﴾: متعلق به أيضًا، ومتعلق القضاء محذوف دل عليه قوله: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ﴾ والتقدير: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب بإفسادهم في الأرض مرتين ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾: ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿تفسدن﴾ فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل، والأصل: لتفسدونن، والجملة الفعلية: جواب القسم لا محل لها من الإعراب، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تفسدن﴾، ومفعول الإفساد محذوف تقديره: لتفسدن الأديان في الأرض ﴿مَرَّتَيْنِ﴾: منصوب على المصدرية، والعامل فيه من غيره، لأنه بمعنى: لتفسدن إفسادتين ﴿وَلَتَعْلُنَّ﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم، (تعلن) فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل الرفع فاعل ﴿عُلُوًّا﴾: منصوب على المصدرية ﴿كَبِيرًا﴾: صفة له، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم المذكور قبلها.
﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)﴾.
﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنكم لتفسدون في الأرض مرتين، وأردتم بيان ما يترتب على كلتا المرتين من العقوبة، فأقول لكم: إذا جاء وعد أولاهما الخ ﴿إذا﴾ ظرف لما يستقبل
42
من الزمان، ﴿جاءَ وَعْدُ أُولاهُما﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض بـ ﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿بَعَثْنا﴾: فعل وفاعل عَلَيْكُمْ: متعلق به ﴿عِبادًا﴾: مفعول به ﴿لَنا﴾: صفة ﴿عِبادًا﴾. ﴿أُولِي بَأْسٍ﴾: صفة ثانية لـ ﴿عِبادًا﴾. ﴿شَدِيدٍ﴾ صفة بأس وجملة ﴿بَعَثْنا﴾ جواب ﴿إذا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ مقول لجواب ﴿إذا﴾ المقدرة، وجملة ﴿إذا﴾ المقدرة مستأنفة. ﴿فَجاسُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿بَعَثْنا﴾ ﴿خِلالَ الدِّيارِ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿جاسوا﴾. ﴿وَكانَ﴾ فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على البعث ﴿وَعْدًا﴾ خبرها. ﴿مَفْعُولًا﴾ صفته، وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة.
﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وتراخ ﴿رَدَدْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿بَعَثْنا﴾ ﴿لَكُمُ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿الْكَرَّةَ﴾ مفعول ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ أو بـ ﴿الْكَرَّةَ﴾. ﴿وَأَمْدَدْناكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿بِأَمْوالٍ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿وَبَنِينَ﴾ معطوف على أموال ﴿وَجَعَلْناكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول ﴿أَكْثَرَ﴾ مفعول ثان ﴿نَفِيرًا﴾ تمييز، والجملة الفعلية معطوفة على ﴿أَمْدَدْناكُمْ﴾.
﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)﴾.
﴿إِنْ﴾ حرف شرط جازم، ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه جوابًا لها ﴿لِأَنْفُسِكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ جازم وفعل، وفاعل. فَلَها ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط، وجوبًا ﴿لها﴾ جار ومجرور خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فلها الإساءة لا لغيرها، والتعبير باللام لمشاكلة ما قبلها، وإلا فحق المقام أن يكون على، والجملة الاسمية في محل الجزم جواب الشرط، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية قبلها، ﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم كون إساءتكم عليكم، وأردتم بيان ما
﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف وتراخ ﴿رَدَدْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿بَعَثْنا﴾ ﴿لَكُمُ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿الْكَرَّةَ﴾ مفعول ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ أو بـ ﴿الْكَرَّةَ﴾. ﴿وَأَمْدَدْناكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿بِأَمْوالٍ﴾ متعلق بـ ﴿رَدَدْنا﴾ ﴿وَبَنِينَ﴾ معطوف على أموال ﴿وَجَعَلْناكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول ﴿أَكْثَرَ﴾ مفعول ثان ﴿نَفِيرًا﴾ تمييز، والجملة الفعلية معطوفة على ﴿أَمْدَدْناكُمْ﴾.
﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)﴾.
﴿إِنْ﴾ حرف شرط جازم، ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه جوابًا لها ﴿لِأَنْفُسِكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ جازم وفعل، وفاعل. فَلَها ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط، وجوبًا ﴿لها﴾ جار ومجرور خبر مقدم لمبتدأ محذوف تقديره: فلها الإساءة لا لغيرها، والتعبير باللام لمشاكلة ما قبلها، وإلا فحق المقام أن يكون على، والجملة الاسمية في محل الجزم جواب الشرط، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية قبلها، ﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم كون إساءتكم عليكم، وأردتم بيان ما
43
يترتب عليها من العقوبة، فأقول لكم: إذا جاء ﴿إذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض بـ ﴿إذا﴾ على كونها فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف تقديره: بعثناهم عليكم، وجملة ﴿إذا﴾ في محل النصب مقول لجواب ﴿إذا﴾ المقدرة، ﴿لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ﴾ فعل وفاعل، ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، و ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، والتقدير، بعثناهم عليكم لإساءتهم وجوهكم، والجار والمجرور متعلق بالجواب المحذوف، ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿لِيَسُوؤُا﴾ ﴿كَما﴾ ﴿الكاف﴾ حرف جر وتشبيه، ﴿ما﴾ مصدرية ﴿دَخَلُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿الكاف﴾ والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، والتقدير: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ دخولًا مثل دخولهم، إياه أول مرة، ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿دخلوا﴾ ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، معطوف على ﴿لِيَسُوؤُا﴾ ﴿ما﴾ اسم موصول في محل النصب على المفعولية، أو ما مصدرية ظرفية ﴿عَلَوْا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ إن قلنا: موصولة، والعائد محذوف تقديره، ما علوه أو صلة ما لمصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف المقدر، إليه تقديره؛ وليتبروا مدة علوهم ﴿تَتْبِيرًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة ﴿لِيُتَبِّرُوا﴾.
﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
﴿عَسى﴾ فعل ماض بمعنى حقق ﴿رَبُّكُمْ﴾ فاعل ﴿أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: حقق ربكم رحمته إياكم، إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿عُدْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجزم جواب ﴿إن﴾ الشرطية، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَجَعَلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿جَهَنَّمَ﴾ مفعول أول ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ متعلق بما بعده ﴿حَصِيرًا﴾ مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ والجملة الفعلية: مستأنفة.
﴿عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
﴿عَسى﴾ فعل ماض بمعنى حقق ﴿رَبُّكُمْ﴾ فاعل ﴿أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: حقق ربكم رحمته إياكم، إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿عُدْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجزم جواب ﴿إن﴾ الشرطية، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَجَعَلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿جَهَنَّمَ﴾ مفعول أول ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ متعلق بما بعده ﴿حَصِيرًا﴾ مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ والجملة الفعلية: مستأنفة.
44
﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩)﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب وتوكيد ﴿هذَا﴾ في محل النصب اسمها ﴿الْقُرْآنَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان له، ﴿يَهْدِي﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقُرْآنَ﴾ ومفعوله محذوف تقديره: الناس كافّة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿لِلَّتِي﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْدِي﴾ ﴿هِيَ أَقْوَمُ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة صلة الموصول، ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقُرْآنَ﴾، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يَهْدِي﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول صفة لـ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول ﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ومصدر ﴿لَهُمْ﴾ خبرها مقدم ﴿أَجْرًا﴾ اسمها مؤخر ﴿كَبِيرًا﴾ صفة ﴿أَجْرًا﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ ﴿يُبَشِّرُ﴾ والتقدير: ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بكون أجر كبير لهم.
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (١١)﴾.
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ﴾ ناصب واسمه ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ صلة الموصول ﴿أَعْتَدْنا﴾ فعل وفاعل ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به ﴿عَذابًا﴾ مفعول به ﴿أَلِيمًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، والرابط ضمير ﴿لَهُمْ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ مع اسمها وخبرها في محل الجر بحرف جر محذوف، معطوف على جملة ﴿إِنَّ﴾ الأولى، والتقدير: ويبشر المؤمنين بشيئين: بكون أجر كبير لهم، وبكون عذاب أليم للذين لا يؤمنون بالآخرة، ولا شكّ أنّ ما يصيب أعداءهم سرور لهم، أو في محل الجر بحرف جر محذوف، متعلق بعامل محذوف تقديره: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابًا أليمًا. ﴿وَيَدْعُ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، وتقول في تطبيق إعرابه: ﴿يَدْعُ﴾ فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ضمّة مقدّرة على الواو المحذوفة لفظًا للتخلص من التقاء الساكنين، وخطًّا تبعًا للفظ منع من ظهورها
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب وتوكيد ﴿هذَا﴾ في محل النصب اسمها ﴿الْقُرْآنَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان له، ﴿يَهْدِي﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقُرْآنَ﴾ ومفعوله محذوف تقديره: الناس كافّة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿لِلَّتِي﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَهْدِي﴾ ﴿هِيَ أَقْوَمُ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة صلة الموصول، ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على ﴿الْقُرْآنَ﴾، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يَهْدِي﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول صفة لـ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول ﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ومصدر ﴿لَهُمْ﴾ خبرها مقدم ﴿أَجْرًا﴾ اسمها مؤخر ﴿كَبِيرًا﴾ صفة ﴿أَجْرًا﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ ﴿يُبَشِّرُ﴾ والتقدير: ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بكون أجر كبير لهم.
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (١١)﴾.
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ﴾ ناصب واسمه ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ صلة الموصول ﴿أَعْتَدْنا﴾ فعل وفاعل ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به ﴿عَذابًا﴾ مفعول به ﴿أَلِيمًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، والرابط ضمير ﴿لَهُمْ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ مع اسمها وخبرها في محل الجر بحرف جر محذوف، معطوف على جملة ﴿إِنَّ﴾ الأولى، والتقدير: ويبشر المؤمنين بشيئين: بكون أجر كبير لهم، وبكون عذاب أليم للذين لا يؤمنون بالآخرة، ولا شكّ أنّ ما يصيب أعداءهم سرور لهم، أو في محل الجر بحرف جر محذوف، متعلق بعامل محذوف تقديره: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابًا أليمًا. ﴿وَيَدْعُ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، وتقول في تطبيق إعرابه: ﴿يَدْعُ﴾ فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ضمّة مقدّرة على الواو المحذوفة لفظًا للتخلص من التقاء الساكنين، وخطًّا تبعًا للفظ منع من ظهورها
45
الثقل؛ لأنه فعل معتل بالواو، ﴿بِالشَّرِّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَدْعُ﴾ ﴿دُعاءَهُ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة لـ ﴿يَدْعُ﴾ ﴿بِالْخَيْرِ﴾ متعلق به، ولكنه على التشبيه، والتقدير: ويدع الإنسان بالشر دعاء كدعائه بالخير في الإلحاح، والإكثار، ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة مستأنفة.
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (١٢)﴾.
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة مستأنفة ﴿فَمَحَوْنا﴾ ﴿الفاء﴾ تفسيرية ﴿محونا﴾ فعل، وفاعل ﴿آيَةَ اللَّيْلِ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿جَعَلْنَا﴾. وفي «أبي السعود»: و ﴿الفاء﴾ في ﴿محونا﴾ تفسيرية؛ لأن المحو المذكور، وما عطف عليه ليسا مما يحصل عقب جعل الليل والنهار آيتين، بل هما من جملة ذلك الجعل، ومتمماته. اهـ. ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول أول ﴿مُبْصِرَةً﴾ مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ والجملة معطوفة على جملة ﴿محونا﴾ ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أن﴾ مضمرة بعد لام كي، ﴿فَضْلًا﴾ مفعول به ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ جار ومجرور صفة ﴿فَضْلًا﴾ والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿اللام﴾، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾؛ أي: وجعلنا آية النهار مبصرة لابتغائكم فضلًا من ربكم، ﴿وَلِتَعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ﴿عَدَدَ السِّنِينَ﴾ مفعول به، ﴿وَالْحِسابَ﴾ معطوف على عدد السنين، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بكلا الفعلين، أعني ﴿محونا﴾ ﴿وَجَعَلْنَا﴾؛ والتقدير: فمحونا آية الليل، وجعلنا آية النهار مبصرة لمعرفتكم عدد السنين والحساب، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾: منصوب بفعل محذوف وجوبًا، يفسره المذكور بعده، تقديره: وبينا كل شيء فصلناه، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿فَصَّلْناهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿تَفْصِيلًا﴾ منصوب على المصدرية، والجملة الفعلية جملة مفسّرة لا محلّ لها من الإعراب.
﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا ١٣ اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)﴾.
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (١٢)﴾.
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة مستأنفة ﴿فَمَحَوْنا﴾ ﴿الفاء﴾ تفسيرية ﴿محونا﴾ فعل، وفاعل ﴿آيَةَ اللَّيْلِ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿جَعَلْنَا﴾. وفي «أبي السعود»: و ﴿الفاء﴾ في ﴿محونا﴾ تفسيرية؛ لأن المحو المذكور، وما عطف عليه ليسا مما يحصل عقب جعل الليل والنهار آيتين، بل هما من جملة ذلك الجعل، ومتمماته. اهـ. ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول أول ﴿مُبْصِرَةً﴾ مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ والجملة معطوفة على جملة ﴿محونا﴾ ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أن﴾ مضمرة بعد لام كي، ﴿فَضْلًا﴾ مفعول به ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ جار ومجرور صفة ﴿فَضْلًا﴾ والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿اللام﴾، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾؛ أي: وجعلنا آية النهار مبصرة لابتغائكم فضلًا من ربكم، ﴿وَلِتَعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، ﴿عَدَدَ السِّنِينَ﴾ مفعول به، ﴿وَالْحِسابَ﴾ معطوف على عدد السنين، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بكلا الفعلين، أعني ﴿محونا﴾ ﴿وَجَعَلْنَا﴾؛ والتقدير: فمحونا آية الليل، وجعلنا آية النهار مبصرة لمعرفتكم عدد السنين والحساب، ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾: منصوب بفعل محذوف وجوبًا، يفسره المذكور بعده، تقديره: وبينا كل شيء فصلناه، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿فَصَّلْناهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿تَفْصِيلًا﴾ منصوب على المصدرية، والجملة الفعلية جملة مفسّرة لا محلّ لها من الإعراب.
﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا ١٣ اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)﴾.
46
﴿وَكُلَّ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿كُلَّ﴾ منصوب بفعل محذوف وجوبًا، يفسره المذكور بعده، تقديره: وألزمنا كل إنسان ألزمناه، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿إِنسانٍ﴾ مضاف إليه ﴿أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة الفعلية جملة مفسرة لا محلّ لها من الإعراب، ﴿فِي عُنُقِهِ﴾: جار ومجرور متعلق، بـ ﴿أَلْزَمْناهُ وَنُخْرِجُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَهُ﴾ متعلق به ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾: ظرف متعلق به أيضًا ﴿كِتابًا﴾: مفعول به، وجملة ﴿نُخْرِجُ﴾ معطوفة على جملة ﴿أَلْزَمْناهُ﴾ ﴿يَلْقاهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الإنسان، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿كِتابًا﴾ ﴿مَنْشُورًا﴾ صفة ثانية لـ ﴿كِتابًا﴾ أو حال من ضمير ﴿يَلْقاهُ﴾. ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الإنسان، والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف تقديره: ويقال له: اقرأ كتابك ﴿كَفى بِنَفْسِكَ﴾ فعل وفاعل، و ﴿الباء﴾ زائدة، والجملة في محل النصب مقول للقول المحذوف أيضًا، ﴿الْيَوْمَ﴾ ظرف متعلق بـ ﴿كَفى﴾ ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق بما بعده ﴿حَسِيبًا﴾ تمييز لفاعل ﴿كَفى﴾.
﴿مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.
﴿مَنِ﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما ﴿اهْتَدى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنِ﴾ والجملة في محل الجزم بـ ﴿مَنِ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّما﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿مَنِ﴾ الشرطية جوازًا ﴿إنما﴾ أداة حصر ﴿يَهْتَدِي﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنِ﴾ لِنَفْسِهِ متعلق به، والجملة في محل الجزم بـ ﴿مَنِ﴾ الشرطية على كونها جواب شرط لها، وجملة ﴿مَنِ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَمَنْ﴾ اسم شرط مبتدأ، والخبر جملة الجواب ﴿ضَلَّ﴾ فعل شرط لها ﴿فَإِنَّما يَضِلُّ﴾ جواب شرط لها ﴿عَلَيْها﴾ متعلق به، وجملة ﴿مَنِ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿مَنِ﴾ الأولى. ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ما نافية ﴿كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَزِرُ﴾. ﴿حَتَّى﴾ حرف جر وغاية ﴿نَبْعَثَ﴾
﴿مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.
﴿مَنِ﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما ﴿اهْتَدى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنِ﴾ والجملة في محل الجزم بـ ﴿مَنِ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّما﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿مَنِ﴾ الشرطية جوازًا ﴿إنما﴾ أداة حصر ﴿يَهْتَدِي﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنِ﴾ لِنَفْسِهِ متعلق به، والجملة في محل الجزم بـ ﴿مَنِ﴾ الشرطية على كونها جواب شرط لها، وجملة ﴿مَنِ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَمَنْ﴾ اسم شرط مبتدأ، والخبر جملة الجواب ﴿ضَلَّ﴾ فعل شرط لها ﴿فَإِنَّما يَضِلُّ﴾ جواب شرط لها ﴿عَلَيْها﴾ متعلق به، وجملة ﴿مَنِ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿مَنِ﴾ الأولى. ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ما نافية ﴿كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَزِرُ﴾. ﴿حَتَّى﴾ حرف جر وغاية ﴿نَبْعَثَ﴾
47
فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿رَسُولًا﴾ مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره؛ وما كنا معذبين إلى بعثنا رسولا. الجار والمجرور متعلق بـ ﴿مُعَذِّبِينَ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ ﴿سُبْحانَ﴾ مصدر سماعي لسبح المشدد؛ أو اسم مصدر له، أو مصدر قياسي لسبح المخفف، فإنّه يقال: سبح في الماء، وفيه: معنى البعد، والتنزيه، فيه بعد عن النقائص، وعلى كل، فهو علم جنس للتنزيه، والتقديس، ويقال: أسرى وسرى بمعنى سار في الليل، وهما لازمان، لكن مصدر الأول: الإسراء، ومصدر الثاني: السُّرى بضم السين كهدى، فالهمزة ليست للتعدية إلى المفعول، وإنما جاءت التعدية هنا من الباء، ومعنى أسرى به صيّره ساريًا في الليل ﴿الْكِتابَ﴾ هو التوراة ﴿وَكِيلًا﴾؛ أي: كفيلًا تكلون إليه أموركم ﴿شَكُورًا﴾؛ أي: كثير الشكر ﴿وَقَضَيْنا﴾؛ أي: أعلمنا بالوحي ﴿لَتَعْلُنَّ﴾، أي لتستكبرن عن طاعة الله.
﴿مَرَّتَيْنِ﴾ والمرتان: تثنية مرة، وهي الواحدة من المر؛ أي المرور على حد قوله: وفعلة لمرة كجلسة، وفي «القاموس»: مرّ مرًا، ومرورًا جاز وذهب كاستمر ومره جاز عليه، والمرة: الفعلة الواحدة، والجمع مرّ بالضم، ومرار بالكسر، ومرر كعنب، ولقيه ذات مرة لا يستعمل إلا ظرفًا، وذات المرار؛ أي: مرارًا كثيرة، وجئته مرًا، أو مرين؛ أي: مرة أو مرتين اهـ.
﴿وَعْدُ أُولاهُما﴾، والوعد الموعود به، وهو العقاب، فهو مصدر واقع موقع مفعول، وتركه الزمخشريّ على حاله، لكن بحذف مضاف؛ أي: وعد عقاب أولاهما اهـ سمين ﴿فَجاسُوا﴾، وفي «القاموس» الجوس بالجيم طلب الشيء بالاستقصاء، والتردد خلال الديار، والبيوت، والطواف فيها كالجوسان، والاجتياس وبابه قال: اهـ ثم قال: والحوس بالحاء المهملة: الجوس اهـ وفي «السمين» ﴿فَجاسُوا﴾ عطف على ﴿بَعَثْنا﴾، أي: ترتب على بعثنا إياهم هذا و (الجوس) بفتح
التصريف ومفردات اللغة
﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ ﴿سُبْحانَ﴾ مصدر سماعي لسبح المشدد؛ أو اسم مصدر له، أو مصدر قياسي لسبح المخفف، فإنّه يقال: سبح في الماء، وفيه: معنى البعد، والتنزيه، فيه بعد عن النقائص، وعلى كل، فهو علم جنس للتنزيه، والتقديس، ويقال: أسرى وسرى بمعنى سار في الليل، وهما لازمان، لكن مصدر الأول: الإسراء، ومصدر الثاني: السُّرى بضم السين كهدى، فالهمزة ليست للتعدية إلى المفعول، وإنما جاءت التعدية هنا من الباء، ومعنى أسرى به صيّره ساريًا في الليل ﴿الْكِتابَ﴾ هو التوراة ﴿وَكِيلًا﴾؛ أي: كفيلًا تكلون إليه أموركم ﴿شَكُورًا﴾؛ أي: كثير الشكر ﴿وَقَضَيْنا﴾؛ أي: أعلمنا بالوحي ﴿لَتَعْلُنَّ﴾، أي لتستكبرن عن طاعة الله.
﴿مَرَّتَيْنِ﴾ والمرتان: تثنية مرة، وهي الواحدة من المر؛ أي المرور على حد قوله: وفعلة لمرة كجلسة، وفي «القاموس»: مرّ مرًا، ومرورًا جاز وذهب كاستمر ومره جاز عليه، والمرة: الفعلة الواحدة، والجمع مرّ بالضم، ومرار بالكسر، ومرر كعنب، ولقيه ذات مرة لا يستعمل إلا ظرفًا، وذات المرار؛ أي: مرارًا كثيرة، وجئته مرًا، أو مرين؛ أي: مرة أو مرتين اهـ.
﴿وَعْدُ أُولاهُما﴾، والوعد الموعود به، وهو العقاب، فهو مصدر واقع موقع مفعول، وتركه الزمخشريّ على حاله، لكن بحذف مضاف؛ أي: وعد عقاب أولاهما اهـ سمين ﴿فَجاسُوا﴾، وفي «القاموس» الجوس بالجيم طلب الشيء بالاستقصاء، والتردد خلال الديار، والبيوت، والطواف فيها كالجوسان، والاجتياس وبابه قال: اهـ ثم قال: والحوس بالحاء المهملة: الجوس اهـ وفي «السمين» ﴿فَجاسُوا﴾ عطف على ﴿بَعَثْنا﴾، أي: ترتب على بعثنا إياهم هذا و (الجوس) بفتح
48
الجيم وضمها: مصدر جاس، يجوس، والمعنى هنا: تردّدوا لطلبكم بالفساد ﴿خِلالَ الدِّيارِ﴾. قال في «القاموس» الخلل منفرج ما بين الشيئين، ومن السحاب: مخارج الماء كخلاله، وخلال الديار أيضًا ما حوالي جدرها، وما بين بيوتها انتهى. قالوا: يجوز أن يكون مفردًا بمعنى الوسط، أو جمع خلل بمعنى الأوساط، مثل جبلٍ، وجبالٍ، وجَملٍ، وجمالٍ والديار: جمع دار، وهو المحل يجمع البناء، والعرصة، والمعنى مشوا في وسط المنازل، أو أوساطها للقتل والأسر، والغارة فقتلوا علماءهم وكبارهم، وحرّقوا التوراة، وخرّبوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفًا، وذلك من قبيل تولية بعض الظالمين بعضا مما جرت به السنة الإلهية.
﴿أُولِي بَأْسٍ﴾ والبؤس، والبأس، والبأساء: الشدّة والمكروه، كما قال الراغب. إلّا أنّ البؤس كثر استعماله في الفقر، والحرب، والبأس، والبأساء، في النّكاية بالعدو ﴿الْكَرَّةَ﴾ وهي في الأصل مصدر: كرّ يكرّ إذا: رجع، والكرّة: الدولة والغلبة، وأصل الكرّ: العطف والرجوع ﴿نَفِيرًا﴾ والنفير والنافر، من ينفر مع الرجل من عشيرته، وأهل بيته ﴿تَتْبِيرًا﴾ والتتبير: الإهلاك، وهي كلمة نبطيّة كما روي عن سعيد بن جبير، وكل شيء كسرته وفتته.. فقد تبّرته. ﴿ما عَلَوْا﴾؛ أي: ما غلبوا واستولوا عليه من بلادكم، أصله: عليوا تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا، فالتقى ساكنان فحذفت الألف. فصار علوّا بوزن فعوا ﴿حَصِيرًا﴾ الحصير المحبس، والسّجن، والمقر. يحصرون فيه، لا يستطيعون الخروج منها أبد الآباد، فهو فعيل بمعنى فاعل؛ أي: حاصرة لهم، ومحيطة بهم، كما مر في مبحث التفسير، وفي «الشهاب» قوله: محبسًا، أي: مكان الحبس المعروف، فإن كان حصيرًا، اسم مكان. فهو جامد لا يلزم تذكيره، ولا تأنيثه، وإن كان بمعنى حاصرًا؛ أي: محيطًا بهم، وفعيل بمعنى فاعل، يلزم مطابقته، فكأن يقال: حصيرة، فإما لأنه على النسب كلابن، وتامر، أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، أو لأنّ تأنيث جهنّم غير حقيقي، أو لتأويلها بمذكر كالسجن والحبس اهـ.
﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾، والقياس: أن تثبت واو يدع لأنه مرفوع؛ إلا أنه لما وجب
﴿أُولِي بَأْسٍ﴾ والبؤس، والبأس، والبأساء: الشدّة والمكروه، كما قال الراغب. إلّا أنّ البؤس كثر استعماله في الفقر، والحرب، والبأس، والبأساء، في النّكاية بالعدو ﴿الْكَرَّةَ﴾ وهي في الأصل مصدر: كرّ يكرّ إذا: رجع، والكرّة: الدولة والغلبة، وأصل الكرّ: العطف والرجوع ﴿نَفِيرًا﴾ والنفير والنافر، من ينفر مع الرجل من عشيرته، وأهل بيته ﴿تَتْبِيرًا﴾ والتتبير: الإهلاك، وهي كلمة نبطيّة كما روي عن سعيد بن جبير، وكل شيء كسرته وفتته.. فقد تبّرته. ﴿ما عَلَوْا﴾؛ أي: ما غلبوا واستولوا عليه من بلادكم، أصله: عليوا تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا، فالتقى ساكنان فحذفت الألف. فصار علوّا بوزن فعوا ﴿حَصِيرًا﴾ الحصير المحبس، والسّجن، والمقر. يحصرون فيه، لا يستطيعون الخروج منها أبد الآباد، فهو فعيل بمعنى فاعل؛ أي: حاصرة لهم، ومحيطة بهم، كما مر في مبحث التفسير، وفي «الشهاب» قوله: محبسًا، أي: مكان الحبس المعروف، فإن كان حصيرًا، اسم مكان. فهو جامد لا يلزم تذكيره، ولا تأنيثه، وإن كان بمعنى حاصرًا؛ أي: محيطًا بهم، وفعيل بمعنى فاعل، يلزم مطابقته، فكأن يقال: حصيرة، فإما لأنه على النسب كلابن، وتامر، أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، أو لأنّ تأنيث جهنّم غير حقيقي، أو لتأويلها بمذكر كالسجن والحبس اهـ.
﴿وَيَدْعُ الْإِنْسانُ﴾، والقياس: أن تثبت واو يدع لأنه مرفوع؛ إلا أنه لما وجب
49
سقوطها لفظًا لاجتماع الساكنين، سقطت في الخط أيضًا على خلاف القياس، ونظيره: ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)﴾ اهـ زاده والمراد بالإنسان: الجنس: لأن أحدًا من الناس لا يعرى عن عجلة، ولو تركها.. لكان تركها أصلح في الدين والدنيا اهـ كرخي.
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ وإنما ذكر المصدر لأجل تأكيد الكلام، وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقًا على الوجه الذي لا مزيد عليه اهـ. كرخي ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ﴾؛ أي: عمله سمي به، إمّا لأنه طار إليه من عشّ الغيب، وإمّا لأنه سبب الخير والشر كما قالوا: طائر الله لا طائرك؛ أي: قدر الله الغالب الذي يأتي بالخير والشر، لا طائرك الذي تتشاءم به، وتتيمّن؛ إذ جرت عادتهم بأن يتفاءلوا بالطّير، ويسمّونه زجرا، فإن مرّ بهم من اليسار إلى اليمين تيمنوا به، وسمّوه سانحا، وإن مر من اليمين إلى اليسار تشاءموا منه، وسمّوه بارحًا.
﴿كِتابًا﴾ هو صحيفة عمله ﴿مَنْشُورًا﴾؛ أي: غير مطوي ﴿حَسِيبًا﴾، أي: حاسبًا، أي: عادًا له يعد عليه أعماله، وهو تمييز، و ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به، وهو إما بمعنى الحاسب، أو بمعنى الكافي اهـ من البيضاوي وفي «السمين» قوله: ﴿حَسِيبًا﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه تمييز، قال الزمخشري: وهو بمعنى حاسب، كضريب بمعنى ضارب، وصريم بمعنى صارم، ذكرهما سيبويه، و ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به من قولك: حسب عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى الكافي، ووضع موضع الشهيد، فعدّي بعلى؛ لأنّ الشّاهد يكفي المدّعي ما أهمه، فإن قلت: لم ذكر حسيبًا؟ قلت: لأنه بمنزلة الشاهد، والقاضي، والأمين وهذه الأمور يتولاها الرجال، فكأنه قيل: كفى بنفسك رجلًا حسيبًا، ويجوز أن تؤول النفس بمعنى الشخص كما يقال: ثلاثة أنفس:
والثاني: أنه منصوب على الحال، وذكر لما تقدّم، وقيل: حسيب بمعنى محاسب كخليط، وجليس بمعنى مخالط، ومجالس اهـ ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾، والوزر: الإثم، والذنب يقال منه: وزر يزر فهو وازر، وهي وازرة، أي: نفس وازرة، وقال في «القاموس» الوزر بالكسر الإثم، والثّقل، والحمل الثقيل انتهى.
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ وإنما ذكر المصدر لأجل تأكيد الكلام، وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقًا على الوجه الذي لا مزيد عليه اهـ. كرخي ﴿وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ﴾؛ أي: عمله سمي به، إمّا لأنه طار إليه من عشّ الغيب، وإمّا لأنه سبب الخير والشر كما قالوا: طائر الله لا طائرك؛ أي: قدر الله الغالب الذي يأتي بالخير والشر، لا طائرك الذي تتشاءم به، وتتيمّن؛ إذ جرت عادتهم بأن يتفاءلوا بالطّير، ويسمّونه زجرا، فإن مرّ بهم من اليسار إلى اليمين تيمنوا به، وسمّوه سانحا، وإن مر من اليمين إلى اليسار تشاءموا منه، وسمّوه بارحًا.
﴿كِتابًا﴾ هو صحيفة عمله ﴿مَنْشُورًا﴾؛ أي: غير مطوي ﴿حَسِيبًا﴾، أي: حاسبًا، أي: عادًا له يعد عليه أعماله، وهو تمييز، و ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به، وهو إما بمعنى الحاسب، أو بمعنى الكافي اهـ من البيضاوي وفي «السمين» قوله: ﴿حَسِيبًا﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنه تمييز، قال الزمخشري: وهو بمعنى حاسب، كضريب بمعنى ضارب، وصريم بمعنى صارم، ذكرهما سيبويه، و ﴿عَلَيْكَ﴾ متعلق به من قولك: حسب عليه كذا، ويجوز أن يكون بمعنى الكافي، ووضع موضع الشهيد، فعدّي بعلى؛ لأنّ الشّاهد يكفي المدّعي ما أهمه، فإن قلت: لم ذكر حسيبًا؟ قلت: لأنه بمنزلة الشاهد، والقاضي، والأمين وهذه الأمور يتولاها الرجال، فكأنه قيل: كفى بنفسك رجلًا حسيبًا، ويجوز أن تؤول النفس بمعنى الشخص كما يقال: ثلاثة أنفس:
والثاني: أنه منصوب على الحال، وذكر لما تقدّم، وقيل: حسيب بمعنى محاسب كخليط، وجليس بمعنى مخالط، ومجالس اهـ ﴿وِزْرَ أُخْرى﴾، والوزر: الإثم، والذنب يقال منه: وزر يزر فهو وازر، وهي وازرة، أي: نفس وازرة، وقال في «القاموس» الوزر بالكسر الإثم، والثّقل، والحمل الثقيل انتهى.
50
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعجيب المستفاد من قوله: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ لأن فيه معنى التعجب، فكأنه قال: تعجبوا أو اعجبوا من قدرة الله تعالى على هذا الأمر العجيب.
ومنها: الإضافة للتشريف، والتكريم في قوله: ﴿بِعَبْدِهِ﴾. ووصفه بالعبودية؛ لأنّ هذا المقام أشرف المقامات، والعبودية أشرف أوصاف الإنسان كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
ومنها: التأكيد بـ ﴿لَيْلًا﴾، إذ الإسراء في لسان العرب لا يكون إلّا ليلًا حتى لا يتخيل أنه كان نهارًا.
ومنها: التنكير في ﴿لَيْلًا﴾ لإفادة تقليل مدة الإسراء، في جزء من الليل، قيل: قدر أربع ساعات، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل: أقل من ذلك، وذلك لأن التّنكير قد يكون للتقليل، والتقليل والتبعيض: متقاربان، فاستعمل في التبعيض، ما هو للقليل. اهـ كرخي.
وهذا بخلاف ما لو قيل: أسرى بعبده الليل.. فإن التركيب مع التعريف يفيد استغراق السّير لجميع أجزاء الليل. اهـ شيخنا. ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿بارَكْنا﴾ و ﴿لِنُرِيَهُ﴾، ثم التفت منه إلى الغيبة في قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ إن أعدنا الضمير إلى الله تعالى، وهو الصحيح ففي الكلام التفاتان، وقرأ الحسن ليريه بالياء من تحت، أي: الله تعالى، وعلى هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعة التفاتات، وذلك أنه التفت أولًا من الغيبة في قوله: ﴿الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿بارَكْنا﴾، ثمّ التفت ثانيًا من التكلم في ﴿بارَكْنا﴾ إلى الغيبة في
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعجيب المستفاد من قوله: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ لأن فيه معنى التعجب، فكأنه قال: تعجبوا أو اعجبوا من قدرة الله تعالى على هذا الأمر العجيب.
ومنها: الإضافة للتشريف، والتكريم في قوله: ﴿بِعَبْدِهِ﴾. ووصفه بالعبودية؛ لأنّ هذا المقام أشرف المقامات، والعبودية أشرف أوصاف الإنسان كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
وممّا زادني شرفًا وتيها | وكدت بأخمصي أطأ الثُّرَيَّا |
دخولي تحت قولك يا عبادي | وأن صيَّرت أحمد لِيْ نبيَّا |
ومنها: التنكير في ﴿لَيْلًا﴾ لإفادة تقليل مدة الإسراء، في جزء من الليل، قيل: قدر أربع ساعات، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل: أقل من ذلك، وذلك لأن التّنكير قد يكون للتقليل، والتقليل والتبعيض: متقاربان، فاستعمل في التبعيض، ما هو للقليل. اهـ كرخي.
وهذا بخلاف ما لو قيل: أسرى بعبده الليل.. فإن التركيب مع التعريف يفيد استغراق السّير لجميع أجزاء الليل. اهـ شيخنا. ومنها: الالتفات من الغيبة في قوله: ﴿الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿بارَكْنا﴾ و ﴿لِنُرِيَهُ﴾، ثم التفت منه إلى الغيبة في قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ إن أعدنا الضمير إلى الله تعالى، وهو الصحيح ففي الكلام التفاتان، وقرأ الحسن ليريه بالياء من تحت، أي: الله تعالى، وعلى هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعة التفاتات، وذلك أنه التفت أولًا من الغيبة في قوله: ﴿الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿بارَكْنا﴾، ثمّ التفت ثانيًا من التكلم في ﴿بارَكْنا﴾ إلى الغيبة في
51
(ليَريه) على هذه القراءة، ثم التفت ثالثًا من هذه الغيبة إلى التكلم في ﴿آياتِنا﴾، ثمّ التفت رابعًا من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ على الصحيح في الضمير أنه لله تعالى وأما على قول نقله أبو البقاء أن الضمير في ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ للنبيّ - ﷺ - فلا يجىء ذلك، ويكون في قراءة العامة التفات واحد، وفي قراءة الحسن ثلاثة، وهذا موضع غريب، وأكثر ما ورد الالتفات ثلاث مرّات على ما قاله الزمخشري في قول امرىء القيس:
تطاول ليلك بالإثمد
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
ومنها: التعبير عن المستقبل بالماضي في قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ﴾ لأن الرّدّ لم يقع وقت الإخبار، لكن لتحقّقه عبّر بالماضي.
ومنها: الطباق بين ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ و ﴿أَسَأْتُمْ﴾.
ومنها: المجاز العقليُّ في قوله: ﴿آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾؛ لأن النهار لا يبصر، بل يبصر فيه، فهو من إسناد الشيء إلى زمانه، ومنها: التأكيد في قوله: ﴿فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ ذكر المصدر، وهو قوله: ﴿تَفْصِيلًا﴾ لأجل تأكيد الكلام وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقًّا على الوجه الذي لا مزيد عليه.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ استعير الطّائر لعمل العبد، بجامع الانتقال في كل، فكما أن الطائر ينتقل من عشه، ووكره، ينتقل عمل العبد من عش الغيب، والقدر، إلى العبد.
ومنها: الطباق بين ﴿ضَلَّ﴾ و ﴿مَنِ اهْتَدى﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾؛ أي: يقال له، يوم القيامة: اقرأ كتابك.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
تطاول ليلك بالإثمد
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.
ومنها: التعبير عن المستقبل بالماضي في قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ﴾ لأن الرّدّ لم يقع وقت الإخبار، لكن لتحقّقه عبّر بالماضي.
ومنها: الطباق بين ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ و ﴿أَسَأْتُمْ﴾.
ومنها: المجاز العقليُّ في قوله: ﴿آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾؛ لأن النهار لا يبصر، بل يبصر فيه، فهو من إسناد الشيء إلى زمانه، ومنها: التأكيد في قوله: ﴿فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ ذكر المصدر، وهو قوله: ﴿تَفْصِيلًا﴾ لأجل تأكيد الكلام وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقًّا على الوجه الذي لا مزيد عليه.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ استعير الطّائر لعمل العبد، بجامع الانتقال في كل، فكما أن الطائر ينتقل من عشه، ووكره، ينتقل عمل العبد من عش الغيب، والقدر، إلى العبد.
ومنها: الطباق بين ﴿ضَلَّ﴾ و ﴿مَنِ اهْتَدى﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾؛ أي: يقال له، يوم القيامة: اقرأ كتابك.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
52
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (٣٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه لا يعاقب أحدًا منهم إلا إذا أرسل إليهم رسولًا يبلغ رسالات ربهم رحمة بهم ورأفة.. أعقب ذلك بأن عذابه إنما يكون بكسب العبد واختياره، وأنّ هذا واقع بتقدير الله تعالى وعلمه، وإذا وقعت المعصية حلّت العقوبة بعذاب الاستئصال كما فعل بكثير من الأمم التي
﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (٣٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه لا يعاقب أحدًا منهم إلا إذا أرسل إليهم رسولًا يبلغ رسالات ربهم رحمة بهم ورأفة.. أعقب ذلك بأن عذابه إنما يكون بكسب العبد واختياره، وأنّ هذا واقع بتقدير الله تعالى وعلمه، وإذا وقعت المعصية حلّت العقوبة بعذاب الاستئصال كما فعل بكثير من الأمم التي
53
من بعد نوح كعاد، وثمود، والله عليم بأفعالهم وبما يستحقون، ثمّ قسم العباد قسمين: قسم يحبّ الحياة الدنيا ويعمل لها، وعاقبته دار البوار، وبئس القرار، وقسم يعمل للآخرة، ويسعى لها سعيها وهو مؤمن، وأولئك سعيهم مشكور، مقبول عند ربهم، ولهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وهؤلاء يمدهم ربهم بعطائه؛ إذ ليس عطاؤه بممنوع من أحد، ولكن قد فضّل بعضهم على بعضٍ في أرزاق، ومراتب التفاوت في الآخرة أكثر من درجات التفاوت في الدنيا، وأبعد مدى.
قوله تعالى: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنّ الناس فريقان (١): فريق يريد بعمله الدنيا فقط، وعاقبتهم العذاب والوبال، وفريق يريد بعمله طاعة الله تعالى، وهم أهل مرضاته، والمستحقون لثوابه، وقد اشترط لنيلهم ذلك أن يعملوا للآخرة، وأن يكونوا مؤمنين، لا جرم فصّل الله في هذه الآية حقيقة الإيمان والأعمال التي إذا عملها المؤمن كان ساعيا للآخرة، وصار من الذين سعد طائرهم، وحسن حظهم. ثم أعقب ذلك بذكر ما هو من شعائر الإيمان وشرائطه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعدئذ أتبع ذلك بالأمر ببر الوالدين من قبل أنّهما السبب الظاهر في وجوده، وبالأمر بإيتاء ذوي القربى حقوقهم، ثمّ بالأمر بإصلاح أحوال المساكين، وأبناء السبيل؛ لأن في إصلاحهما إصلاح المجتمع، والمسلمون كلّهم إخوة، وهم يد على من سواهم، ثم قفّى على ذلك بالنهي عن التبذير، لما فيه من إصلاح حال المرء، وعدم ارتباكه في معيشته، وصلاحه إصلاح للأمة جمعاء، فما الأمم إلا مجموعة الأفراد، ففي صلاحهم صلاحها، ثمّ علّمنا سبيل إنفاق المال على الوجه الذي يرضاه الدين، ويرشد إلى حسنه العقل، وبعدئذ نهانا عن قتل الأولاد خشية الفقر، وبيّن أنّ الكفيل بأرزاقهم وأرزاقكم هو ربكم، فلا وجه للخوف من ذلك، ثمّ تلا هذا بالنهي عن الزنا، لما فيه من اختلاط الأنساب وفقدان النسل أو قلّته ووقوع الشّغب والقتال بين الناس دفاعًا عن
قوله تعالى: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنّ الناس فريقان (١): فريق يريد بعمله الدنيا فقط، وعاقبتهم العذاب والوبال، وفريق يريد بعمله طاعة الله تعالى، وهم أهل مرضاته، والمستحقون لثوابه، وقد اشترط لنيلهم ذلك أن يعملوا للآخرة، وأن يكونوا مؤمنين، لا جرم فصّل الله في هذه الآية حقيقة الإيمان والأعمال التي إذا عملها المؤمن كان ساعيا للآخرة، وصار من الذين سعد طائرهم، وحسن حظهم. ثم أعقب ذلك بذكر ما هو من شعائر الإيمان وشرائطه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وبعدئذ أتبع ذلك بالأمر ببر الوالدين من قبل أنّهما السبب الظاهر في وجوده، وبالأمر بإيتاء ذوي القربى حقوقهم، ثمّ بالأمر بإصلاح أحوال المساكين، وأبناء السبيل؛ لأن في إصلاحهما إصلاح المجتمع، والمسلمون كلّهم إخوة، وهم يد على من سواهم، ثم قفّى على ذلك بالنهي عن التبذير، لما فيه من إصلاح حال المرء، وعدم ارتباكه في معيشته، وصلاحه إصلاح للأمة جمعاء، فما الأمم إلا مجموعة الأفراد، ففي صلاحهم صلاحها، ثمّ علّمنا سبيل إنفاق المال على الوجه الذي يرضاه الدين، ويرشد إلى حسنه العقل، وبعدئذ نهانا عن قتل الأولاد خشية الفقر، وبيّن أنّ الكفيل بأرزاقهم وأرزاقكم هو ربكم، فلا وجه للخوف من ذلك، ثمّ تلا هذا بالنهي عن الزنا، لما فيه من اختلاط الأنساب وفقدان النسل أو قلّته ووقوع الشّغب والقتال بين الناس دفاعًا عن
(١) المراغي.
54
العرض، ثم بالنهي عن القتل لهذا السبب عينه.
وقال أبو حيان: قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا...﴾ مناسبة (١) اقتران برّ الوالدين بإفراد الله بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة، والوالدان وساطة في إنشائه، وهو تعالى المنعم بإيجاده وإيجاد رزقه، وهما ساعيان في مصالحه.
قوله سبحانه تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى...﴾ الآية، لما أمر الله تعالى ببر الوالدين.. أمر بصلة القرابة.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ...﴾ الآية، لمّا بيّن الله تعالى أنه هو المتكفّل بأرزاق العباد حيث قال: إن ربّك يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر.. أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى...﴾ الآية، لما نهى الله تعالى عن قتل الأولاد.. نهى عن التسبب في إيجاده من الطريق غير المشروعة، فنهى عن قربان الزنا، واستلزم ذلك النّهي عن الزنا.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ...﴾ الآية، لمّا نهى الله عن قتل الأولاد، وعن إيجادهم من الطريق غير المشروعة.. نهى عن قتل النفس، فانتقل من الخاص إلى العامّ، والظاهر أنّ هذه كلها منهيات مستقلة ليست مندرجة تحت قوله: ﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾ كاندراج ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ انتهى.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): ما أخرجه الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا أنزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ...﴾ الآية. دعا رسول الله - ﷺ - فاطمة فأعطاها فدك. قال ابن كثير: هذا مشكل، فإنه يشعر بأنّ الآية مدنية، والمشهور خلافه، وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله.
قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه سعيد بن
وقال أبو حيان: قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا...﴾ مناسبة (١) اقتران برّ الوالدين بإفراد الله بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة، والوالدان وساطة في إنشائه، وهو تعالى المنعم بإيجاده وإيجاد رزقه، وهما ساعيان في مصالحه.
قوله سبحانه تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى...﴾ الآية، لما أمر الله تعالى ببر الوالدين.. أمر بصلة القرابة.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ...﴾ الآية، لمّا بيّن الله تعالى أنه هو المتكفّل بأرزاق العباد حيث قال: إن ربّك يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر.. أتبعه بالنهي عن قتل الأولاد.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى...﴾ الآية، لما نهى الله تعالى عن قتل الأولاد.. نهى عن التسبب في إيجاده من الطريق غير المشروعة، فنهى عن قربان الزنا، واستلزم ذلك النّهي عن الزنا.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ...﴾ الآية، لمّا نهى الله عن قتل الأولاد، وعن إيجادهم من الطريق غير المشروعة.. نهى عن قتل النفس، فانتقل من الخاص إلى العامّ، والظاهر أنّ هذه كلها منهيات مستقلة ليست مندرجة تحت قوله: ﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾ كاندراج ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ انتهى.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): ما أخرجه الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا أنزلت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ...﴾ الآية. دعا رسول الله - ﷺ - فاطمة فأعطاها فدك. قال ابن كثير: هذا مشكل، فإنه يشعر بأنّ الآية مدنية، والمشهور خلافه، وروى ابن مردويه عن ابن عباس مثله.
قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه سعيد بن
(١) البحر المحيط.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
55
منصور عن عطاء الخراساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله - ﷺ - فقال: «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا، وأعينهم تفيض من الدمع حزنا، ظنوا ذلك من غضب رسول الله - ﷺ - فأنزل الله ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ﴾، وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نزلت فيمن كان يسأل النبي - ﷺ - من المساكين.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه سعيد بن منصور عن سيار أبي الحكم قال: أتى رسول الله - ﷺ - بزّ، وكان معطيا كريما، فقسمه بين الناس، فأتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه، فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها...﴾ الآية.
وأخرج ابن مردويه، وغيره عن ابن مسعود، قال: جاء غلام إلى النبي - ﷺ - فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، قال: «ما عندنا شيء اليوم» قال: فتقول لك: أكسني قميصك، فدفعه إليه، فجلس في البيت حاسرًا فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)﴾.
وأخرج أيضًا عن أبي أمامة: أن النبي - ﷺ - قال لعائشة: «أنفق ما على ظهر كفي» فقالت: إذن لا يبقى شيء، فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ...﴾ الآية. وظاهر ذلك أنّها مدنية.
التفسير وأوجه القراءة
١٦ - ثم بين كيف يقع العذاب بعد بعثة الرسل، فقال: ﴿وَإِذا أَرَدْنا﴾؛ أي: وإذا (١) دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بعذاب الاستئصال أَمَرْنا على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها ﴿مُتْرَفِيها﴾ أي منعميها ورؤسائها وكبارها وملوكها بالأعمال الصالحة، وهي الإيمان والطاعة، والمترف كمكرم من أبطرته النعمة، وسعة العيش والترفة (٢) بالضم النعمة والطّعام الطيّب، وخصهم بالذكر مع توجّه الأمر إلى الكل؛ لأنهم الأصول في الخطاب، والباقي أتباع لهم، وقرأ (٣)
قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه سعيد بن منصور عن سيار أبي الحكم قال: أتى رسول الله - ﷺ - بزّ، وكان معطيا كريما، فقسمه بين الناس، فأتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه، فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها...﴾ الآية.
وأخرج ابن مردويه، وغيره عن ابن مسعود، قال: جاء غلام إلى النبي - ﷺ - فقال: إن أمي تسألك كذا وكذا، قال: «ما عندنا شيء اليوم» قال: فتقول لك: أكسني قميصك، فدفعه إليه، فجلس في البيت حاسرًا فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)﴾.
وأخرج أيضًا عن أبي أمامة: أن النبي - ﷺ - قال لعائشة: «أنفق ما على ظهر كفي» فقالت: إذن لا يبقى شيء، فأنزل الله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ...﴾ الآية. وظاهر ذلك أنّها مدنية.
التفسير وأوجه القراءة
١٦ - ثم بين كيف يقع العذاب بعد بعثة الرسل، فقال: ﴿وَإِذا أَرَدْنا﴾؛ أي: وإذا (١) دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بعذاب الاستئصال أَمَرْنا على لسان الرسول المبعوث إلى أهلها ﴿مُتْرَفِيها﴾ أي منعميها ورؤسائها وكبارها وملوكها بالأعمال الصالحة، وهي الإيمان والطاعة، والمترف كمكرم من أبطرته النعمة، وسعة العيش والترفة (٢) بالضم النعمة والطّعام الطيّب، وخصهم بالذكر مع توجّه الأمر إلى الكل؛ لأنهم الأصول في الخطاب، والباقي أتباع لهم، وقرأ (٣)
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
56
الجمهور ﴿أَمَرْنا﴾ من الأمر الذي هو ضد النهي، وقرأ (١) علي بن أبي طالب، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء وعيسى بن عمر، وسلّام، وعبد الله بن أبي يزيد، والكلبي ﴿آمرنا﴾ بالمد، وجاء كذلك عن ابن عباس، والحسن، وقتادة وأبي العالية، وابن هرمز، وعاصم، وابن كثير، وأبي عمرو، ونافع، وهو اختيار يعقوب، ومعناه: كثّرنا يقال: أمر الله القوم، وآمرهم، ومعنى ﴿آمرنا﴾ مترفيها: أي كثّرنا أغنياءها، وفساقها، وقرأ ابن عباس، وأبو عثمان النهدي السدي، وزيد بن علي، وأبو العالية ﴿أمّرنا﴾ بتشديد الميم، وروي ذلك عن علي، والحسن، والباقر، وعاصم، وأبي عمرو ومعناه (٢) جعلنا جبابرتها وفسّاقها أمراء.
﴿فَفَسَقُوا﴾؛ أي: فخرجوا عما أمرهم الله تعالى به من الإيمان والطاعة، وعملوا المعاصي ﴿فِيها﴾، أي: في تلك القرية ﴿فَحَقَّ﴾؛ أي فوجب، وثبت ﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على أهل تلك القرية. ﴿الْقَوْلُ﴾ بالعذاب، أي: ثبت عليهم قضاؤنا بالعذاب، وتحقق موجبه بحلول العذاب بهم، إثر ما ظهر فسقهم وطغيانهم، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم، وقيل: القول هو ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ وهؤلاء في النار، ولا أبالي. ذكره في «البحر».
والمعنى: أي فثبت عليها ما توعدناهم به على لسان رسولنا من الإهلاك ﴿فَدَمَّرْناها﴾ بتدمير أهلها، وتخريب ديارها ﴿تَدْمِيرًا﴾، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر، وهدم البناء، والمعنى: فأهلكناها إهلاك الاستئصال كفاء فسقهم، وطغيانهم، وبطرهم إهلاكًا عظيمًا، لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه.
وقيل (٣): في تفسير ﴿أَمَرْنا﴾ بأنه مجاز عن السبب الحامل لهم على الفسق، وهو إدرار النعم عليهم، بأن صبّ عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق.
وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - أن النبي - ﷺ - دخل عليها فزعا يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من
﴿فَفَسَقُوا﴾؛ أي: فخرجوا عما أمرهم الله تعالى به من الإيمان والطاعة، وعملوا المعاصي ﴿فِيها﴾، أي: في تلك القرية ﴿فَحَقَّ﴾؛ أي فوجب، وثبت ﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على أهل تلك القرية. ﴿الْقَوْلُ﴾ بالعذاب، أي: ثبت عليهم قضاؤنا بالعذاب، وتحقق موجبه بحلول العذاب بهم، إثر ما ظهر فسقهم وطغيانهم، والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم، وقيل: القول هو ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ وهؤلاء في النار، ولا أبالي. ذكره في «البحر».
والمعنى: أي فثبت عليها ما توعدناهم به على لسان رسولنا من الإهلاك ﴿فَدَمَّرْناها﴾ بتدمير أهلها، وتخريب ديارها ﴿تَدْمِيرًا﴾، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر، وهدم البناء، والمعنى: فأهلكناها إهلاك الاستئصال كفاء فسقهم، وطغيانهم، وبطرهم إهلاكًا عظيمًا، لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه.
وقيل (٣): في تفسير ﴿أَمَرْنا﴾ بأنه مجاز عن السبب الحامل لهم على الفسق، وهو إدرار النعم عليهم، بأن صبّ عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق.
وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضي الله عنها - أن النبي - ﷺ - دخل عليها فزعا يقول: «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
57
ردم يأجوج ومأجوج، مثل هذه وحلّق بأصبعيه، الإبهام والتي تليها، قالت زينب: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث»، متفق عليه. قوله: «ويل للعرب» كلمة تقال لمن وقع في هلكة، أو أشرف أن يقع فيها، وقوله: إذا كثر الخبث؛ أي: الشر.
وحاصل معنى الآية: أي (١) إذا دنا وقت تعلق إرادتنا بهلاك أيّ قرية بعذاب الاستئصال، لما ظهر منها من المعاصي، ودنّست به أنفسها من الآثام، لم نعاجلها بالعقوبة، بل نأمر مترفيها بالطاعة؛ فإذا فسقوا عن أمرنا، وتمرّدوا حقّ عليهم العذاب جزاءً وفاقًا لاجتراحهم السيئات، وارتكابهم كبائر الإثم والفواحش، فدمرنا تلك القرية تدميرًا، لم يبق منها ديّارًا ولا نافخ نار، وخص المترفين بالذكر كما مرّ لما جرت به العادة أن من سواهم يكون تبعًا لهم، وأن العامة والدهماء يقلّدونهم فيما يفعلون، ولأنهم أسرع إلى الفجور، وأقدر على الوصول إلى سبله.
١٧ - ثم ذكر سبحانه: أنّ هذه عادته الجارية مع القرون الخالية. فقال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا﴾، ﴿وَكَمْ﴾ هنا خبرية بمعنى عدد كثير مفعول ﴿أَهْلَكْنا﴾ و ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ تبيين لإبهام ﴿كَمْ﴾. وتمييزٌ له كما يميز العدد بالجنس، والقرون (٢) جمع قرن، والقرن مدة من الزمن يخترم فيها المرء، والأصح أنه مئة سنة، والمراد به هنا، كل أمّة هلكت، فلم يبق منها أحد، وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم؛ لأنهم يتقدمونهم؛ أي: وكثيرًا من الأمم الماضية ﴿أَهْلَكْنا﴾ ﴿مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ عليه السلام؛ أي: من بعد زمنه كعاد، وثمود، ومن بعدهم، ولم يقل من بعد آدم لأن نوحا أول نبي بالغ قومه في تكذيبه وقومه أول من حلت بهم العقوبة العظمى وهو الاستئصال بالطوفان.
والمعنى (٣): أي وقد أهلكنا أممًا كثيرة قبلكم من بعد نوح حتى زمانكم
وحاصل معنى الآية: أي (١) إذا دنا وقت تعلق إرادتنا بهلاك أيّ قرية بعذاب الاستئصال، لما ظهر منها من المعاصي، ودنّست به أنفسها من الآثام، لم نعاجلها بالعقوبة، بل نأمر مترفيها بالطاعة؛ فإذا فسقوا عن أمرنا، وتمرّدوا حقّ عليهم العذاب جزاءً وفاقًا لاجتراحهم السيئات، وارتكابهم كبائر الإثم والفواحش، فدمرنا تلك القرية تدميرًا، لم يبق منها ديّارًا ولا نافخ نار، وخص المترفين بالذكر كما مرّ لما جرت به العادة أن من سواهم يكون تبعًا لهم، وأن العامة والدهماء يقلّدونهم فيما يفعلون، ولأنهم أسرع إلى الفجور، وأقدر على الوصول إلى سبله.
١٧ - ثم ذكر سبحانه: أنّ هذه عادته الجارية مع القرون الخالية. فقال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا﴾، ﴿وَكَمْ﴾ هنا خبرية بمعنى عدد كثير مفعول ﴿أَهْلَكْنا﴾ و ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ تبيين لإبهام ﴿كَمْ﴾. وتمييزٌ له كما يميز العدد بالجنس، والقرون (٢) جمع قرن، والقرن مدة من الزمن يخترم فيها المرء، والأصح أنه مئة سنة، والمراد به هنا، كل أمّة هلكت، فلم يبق منها أحد، وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم؛ لأنهم يتقدمونهم؛ أي: وكثيرًا من الأمم الماضية ﴿أَهْلَكْنا﴾ ﴿مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ عليه السلام؛ أي: من بعد زمنه كعاد، وثمود، ومن بعدهم، ولم يقل من بعد آدم لأن نوحا أول نبي بالغ قومه في تكذيبه وقومه أول من حلت بهم العقوبة العظمى وهو الاستئصال بالطوفان.
والمعنى (٣): أي وقد أهلكنا أممًا كثيرة قبلكم من بعد نوح حتى زمانكم
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
58
حين جحدوا آيات الله تعالى، وكذّبوا رسله، وكانوا على مثل ما أنتم عليه من الشرور، والآثام، ولستم بأكرم على الله منهم، فاحذروا أن يحلّ بكم من العقاب مثل ما حل بهم، وينزل بكم من سخطه مثل ما نزل بهم.
وفي هذا من الوعيد لمكذبي رسول الله - ﷺ - من مشركي قريش، وتهديدهم بشديد العذاب إن لم ينتهوا عما هم عليه من تكذيب رسوله ما لا يخفى.
روي عن الشعبي أنه قال (١): خرج أسد وذئب وثعلب، يتصيّدون، فاصطادوا حمار وحش، وغزالا، وأرنبا، فقال الأسد للذئب: اقسم لنا، فقال: حمار الوحش للملك، والغزال لي، والأرنب للثعلب، قال: فرفع الأسد يده، وضرب رأس الذئب ضربة، فإذا هو منجدل بين يدي الأسد، ثم قال للثعلب: اقسم هذه بيننا، فقال: الحمار يتغدى به الملك، والغزال يتعشى به، والأرنب ما بين ذلك، فقال الأسد: ويحك ما أقضاك من علّمك هذا القضاء؟ فقال: القضاء الذي نزل برأس الذئب، ولذلك قيل: العاقل من وعظ بغيره.
ثم خاطب رسوله - ﷺ - بما هو ردع للناس كافة فقال: ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾، أي كفى كون ربك يا محمد ﴿بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾، أي: من جهة كونه خبيرا، أي: عالما ببواطن الأمور، وحقائقها، بصيرًا: أي: عالما بظواهرها، وشواهدها، فيعاقب عليها، وتقديم (٢) الخبير مع أنه مضاف إلى الغيوب والأمور الباطنة، والبصير مضاف إلى الأمور الظاهرة، كالشهيد لتقدم متعلقه من الاعتقادات والنيات التي هي مبادىء الأعمال الظاهرة وفيه (٣) إشارة إلى أنّ البعث والأمر، وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب، فإن ذلك حاصل قبل ذلك، وإنما هو لقطع الأعذار، وإلزام الحجة من كل وجهٍ.
وفي الآية (٤): بشارةٌ عظيمة لأهل الطاعة، وتخويف شديد لأهل المعصية؛ لأن العلم التّامّ، والخبرة الكاملة، والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى
وفي هذا من الوعيد لمكذبي رسول الله - ﷺ - من مشركي قريش، وتهديدهم بشديد العذاب إن لم ينتهوا عما هم عليه من تكذيب رسوله ما لا يخفى.
روي عن الشعبي أنه قال (١): خرج أسد وذئب وثعلب، يتصيّدون، فاصطادوا حمار وحش، وغزالا، وأرنبا، فقال الأسد للذئب: اقسم لنا، فقال: حمار الوحش للملك، والغزال لي، والأرنب للثعلب، قال: فرفع الأسد يده، وضرب رأس الذئب ضربة، فإذا هو منجدل بين يدي الأسد، ثم قال للثعلب: اقسم هذه بيننا، فقال: الحمار يتغدى به الملك، والغزال يتعشى به، والأرنب ما بين ذلك، فقال الأسد: ويحك ما أقضاك من علّمك هذا القضاء؟ فقال: القضاء الذي نزل برأس الذئب، ولذلك قيل: العاقل من وعظ بغيره.
ثم خاطب رسوله - ﷺ - بما هو ردع للناس كافة فقال: ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾، أي كفى كون ربك يا محمد ﴿بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾، أي: من جهة كونه خبيرا، أي: عالما ببواطن الأمور، وحقائقها، بصيرًا: أي: عالما بظواهرها، وشواهدها، فيعاقب عليها، وتقديم (٢) الخبير مع أنه مضاف إلى الغيوب والأمور الباطنة، والبصير مضاف إلى الأمور الظاهرة، كالشهيد لتقدم متعلقه من الاعتقادات والنيات التي هي مبادىء الأعمال الظاهرة وفيه (٣) إشارة إلى أنّ البعث والأمر، وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب، فإن ذلك حاصل قبل ذلك، وإنما هو لقطع الأعذار، وإلزام الحجة من كل وجهٍ.
وفي الآية (٤): بشارةٌ عظيمة لأهل الطاعة، وتخويف شديد لأهل المعصية؛ لأن العلم التّامّ، والخبرة الكاملة، والبصيرة النافذة تقتضي إيصال الجزاء إلى
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.
59
مستحقه، بحسب استحقاقه، ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك، والمراد بكونه سبحانه خبيرًا بصيرًا: أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرًا وباطنًا لا تخفى عليه منها خافية.
والمعنى: أي (١) وحسبك - أيها الرسول - بالله خبيرًا بذنوب خلقه، فلا يخفى عليه شيء من أفعال مشركي قومك، ولا أفعال غيرهم، بل هو عليم بجميع أعمالهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقون.
١٨ - ثم قسّم سبحانه عباده إلى قسمين: محب للعاجلة، ومحب لأعمال الآخرة، فذكر الأول منهما بقوله: ﴿مَنْ كانَ﴾ منكم أيها العباد ﴿يُرِيدُ﴾ بأعمال البر التي عملها ﴿الْعاجِلَةَ﴾؛ أي: المنفعة العاجلة، أو الدار العاجلة فقط: أي ما فيها من فنون مطالبها، فيدخل فيه الكفرة، والفسقة، والمراؤون، والمنافقون، والمهاجر للدنيا، والمجاهد لمحض الغنيمة والذكر، وطالب العلم لغرض الوظيفة، والمحمدة، والشهرة والاسم، كما ابتلي به كثير من طلبة عصرنا، وقد بيّنا ما يتعلق بعلم من ذكّر وضده في كتابنا «سلّم المعراج على خطبة المنهاج»، فراجعه إن شئت. ﴿عَجَّلْنا لَهُ﴾؛ أي: لذلك المريد ﴿فِيها﴾؛ أي: في تلك العاجلة، ثمّ قيّد المعجّل بقيدين:
الأول: قوله: ﴿مَا نَشَاءُ﴾ تعجيله له من نعيمها، لا كل ما يريد؛ فإن الحكمة لا تقتضي وصول كلّ طالب إلى مرامه ومطلوبه، ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة، يريدون من الدنيا ما لا ينالون، ويتمنّون ما لا يصلون إليه، ومن حكمته سبحانه: أنه (٢) يبتلي بعض العباد بالطلب من غير حصول المطلوب، وبعضهم يبتلي به مع حصول المطلوب المشروط به، إما مقارنا لطلبه، وإما بعده، لأن وقت الطلب قد يفارق وقت حصول المطلوب، فيحصل الطلب في وقت، والمطلوب في وقت، وبعضهم لا يبتلي بالطلب، بل يصل إليه الفيض
والمعنى: أي (١) وحسبك - أيها الرسول - بالله خبيرًا بذنوب خلقه، فلا يخفى عليه شيء من أفعال مشركي قومك، ولا أفعال غيرهم، بل هو عليم بجميع أعمالهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وسيجازيهم على ذلك بما يستحقون.
١٨ - ثم قسّم سبحانه عباده إلى قسمين: محب للعاجلة، ومحب لأعمال الآخرة، فذكر الأول منهما بقوله: ﴿مَنْ كانَ﴾ منكم أيها العباد ﴿يُرِيدُ﴾ بأعمال البر التي عملها ﴿الْعاجِلَةَ﴾؛ أي: المنفعة العاجلة، أو الدار العاجلة فقط: أي ما فيها من فنون مطالبها، فيدخل فيه الكفرة، والفسقة، والمراؤون، والمنافقون، والمهاجر للدنيا، والمجاهد لمحض الغنيمة والذكر، وطالب العلم لغرض الوظيفة، والمحمدة، والشهرة والاسم، كما ابتلي به كثير من طلبة عصرنا، وقد بيّنا ما يتعلق بعلم من ذكّر وضده في كتابنا «سلّم المعراج على خطبة المنهاج»، فراجعه إن شئت. ﴿عَجَّلْنا لَهُ﴾؛ أي: لذلك المريد ﴿فِيها﴾؛ أي: في تلك العاجلة، ثمّ قيّد المعجّل بقيدين:
الأول: قوله: ﴿مَا نَشَاءُ﴾ تعجيله له من نعيمها، لا كل ما يريد؛ فإن الحكمة لا تقتضي وصول كلّ طالب إلى مرامه ومطلوبه، ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة، يريدون من الدنيا ما لا ينالون، ويتمنّون ما لا يصلون إليه، ومن حكمته سبحانه: أنه (٢) يبتلي بعض العباد بالطلب من غير حصول المطلوب، وبعضهم يبتلي به مع حصول المطلوب المشروط به، إما مقارنا لطلبه، وإما بعده، لأن وقت الطلب قد يفارق وقت حصول المطلوب، فيحصل الطلب في وقت، والمطلوب في وقت، وبعضهم لا يبتلي بالطلب، بل يصل إليه الفيض
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
60
بلا طلب، فالأول طلب ولا شيء، والثاني طلب وشيء، والثالث: شيء ولا طلب.
والقيد الثاني: قوله: ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾؛ أي: لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا.
وجملة ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ بدل من الضمير في ﴿له﴾ بإعادة الجار بدل البعض من الكل؛ لأن الضمير يرجع إلى ﴿من﴾ الموصولة المفيدة للعموم.
وهذه الآية مقيِّدة للآيات المطلقة كقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها﴾ وقوله: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿ما نَشاءُ﴾ بالنون، وروي عن نافع ﴿ما يشاء﴾ بالياء، فقيل: الضمير في يشاء يعود على الله، وهو من باب الالتفات، فقراءة النون والياء سواء، وقيل: يجوز أن يعود على ﴿من﴾ العائد عليها الضمير في ﴿له﴾ وليس ذلك عامًّا بل لا يكون له ما يشاء إلا آحاد أراد الله لهم ذلك، ثم بعد هذه الطلبة الفارغة، والإرادة الخالية، التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم، ولهذا قال سبحانه: ﴿ثُمَّ﴾ بعد انتقاله إلى الآخرة ﴿جَعَلْنا لَهُ﴾؛ أي: لذلك المريد في الآخرة مكان ما عجّلنا له في الدنيا بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة، وإخلاصه عن الشوائب ﴿جَهَنَّمَ﴾ وما فيها من أصناف العذاب حالة كونه ﴿يَصْلاها﴾؛ أي: يدخلها حال من الضمير المجرور ﴿مَذْمُومًا﴾ من عند الخلق؛ أي: ملوما مهانا بالذمّ؛ لأن الذمّ اللوم، وهو خلاف المدح والحمد، يقال: ذممته، وهو ذميم غير حميد كما في «بحر العلوم» ﴿مَدْحُورًا﴾ عند الخالق؛ أي: مطرودًا من رحمة الله تعالى مبعدا عنها، فإنّ الدّحر الطرد، والإبعاد.
فهذه عقوبته في الآخرة، مع أنه لا ينال من الدنيا إلّا ما قدره الله سبحانه
والقيد الثاني: قوله: ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾؛ أي: لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا.
وجملة ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ بدل من الضمير في ﴿له﴾ بإعادة الجار بدل البعض من الكل؛ لأن الضمير يرجع إلى ﴿من﴾ الموصولة المفيدة للعموم.
وهذه الآية مقيِّدة للآيات المطلقة كقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها﴾ وقوله: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿ما نَشاءُ﴾ بالنون، وروي عن نافع ﴿ما يشاء﴾ بالياء، فقيل: الضمير في يشاء يعود على الله، وهو من باب الالتفات، فقراءة النون والياء سواء، وقيل: يجوز أن يعود على ﴿من﴾ العائد عليها الضمير في ﴿له﴾ وليس ذلك عامًّا بل لا يكون له ما يشاء إلا آحاد أراد الله لهم ذلك، ثم بعد هذه الطلبة الفارغة، والإرادة الخالية، التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم، ولهذا قال سبحانه: ﴿ثُمَّ﴾ بعد انتقاله إلى الآخرة ﴿جَعَلْنا لَهُ﴾؛ أي: لذلك المريد في الآخرة مكان ما عجّلنا له في الدنيا بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة، وإخلاصه عن الشوائب ﴿جَهَنَّمَ﴾ وما فيها من أصناف العذاب حالة كونه ﴿يَصْلاها﴾؛ أي: يدخلها حال من الضمير المجرور ﴿مَذْمُومًا﴾ من عند الخلق؛ أي: ملوما مهانا بالذمّ؛ لأن الذمّ اللوم، وهو خلاف المدح والحمد، يقال: ذممته، وهو ذميم غير حميد كما في «بحر العلوم» ﴿مَدْحُورًا﴾ عند الخالق؛ أي: مطرودًا من رحمة الله تعالى مبعدا عنها، فإنّ الدّحر الطرد، والإبعاد.
فهذه عقوبته في الآخرة، مع أنه لا ينال من الدنيا إلّا ما قدره الله سبحانه
(١) البحر المحيط.
61
له، فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن التقيّ، فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه، ولا جزع، مع سكون نفسه، واطمئنان قلبه، وثقته بربّه، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه، وهو الجنة.
والمعنى: أي من (١) كان غرضه، وطلبه الدنيا العاجلة، ولها يعمل ويسعى، وإيّاها يبتغي، لا يوقن بمعاد ولا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا من ربه على ما يعمل، يعجّل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الرزق، وسعة العيش، ثمّ يصليه حين مقدمه عليه في الآخرة جهنّم مذمومًا على قلّة شكره، وسوء صنيعه فيما سلف، مبعدًا من رحمته مطرودًا من إنعامه.
وقد اشتمل هذا العقاب على ثلاثة أمور:
١ - الدوام والخلود، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها﴾؛ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه.
٢ - الإهانة والاحتقار، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ﴿مَذْمُومًا﴾.
٣ - البعد والطّرد من رحمة الله دائمًا، فلا يتخلّل ذلك راحة، ولا يعقبه خلاص، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿مَدْحُورًا﴾ وفي قوله: ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ إشارة إلى أن الفوز بالدنيا، لا يحصل لكل من يريدها، فكثير من الكفار الضلال يعرضون عن الدين في طلب الدنيا، ثمّ هم يبقون محرومين من الدين والدنيا.
وفي هذا تهديد وزجر عظيم لهؤلاء الكفار، فإنهم قد يتركون الدين لطلب الدنيا، وربما فاتتهم أيضًا،
١٩ - وذكر الثاني من القسمين بقوله: ﴿وَمَنْ أَرادَ﴾ بأعماله الصالحة الدار ﴿الْآخِرَةَ﴾، أي: ثوابها، وما فيها من النعيم المقيم بأن يؤثرها على الدنيا، ويعقد إرادته بها ﴿وَسَعى لَها﴾، أي للآخرة ﴿سَعْيَها﴾؛ أي: السعي اللائق بها، وهو الإتيان بما أمر به، والإنتهاء عما نهي عنه خالصًا لله غير مشوب، وكان الإتيان به على القانون الشرعي من غير ابتداع ولا هوى لا التقرب
والمعنى: أي من (١) كان غرضه، وطلبه الدنيا العاجلة، ولها يعمل ويسعى، وإيّاها يبتغي، لا يوقن بمعاد ولا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا من ربه على ما يعمل، يعجّل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الرزق، وسعة العيش، ثمّ يصليه حين مقدمه عليه في الآخرة جهنّم مذمومًا على قلّة شكره، وسوء صنيعه فيما سلف، مبعدًا من رحمته مطرودًا من إنعامه.
وقد اشتمل هذا العقاب على ثلاثة أمور:
١ - الدوام والخلود، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها﴾؛ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه.
٢ - الإهانة والاحتقار، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ﴿مَذْمُومًا﴾.
٣ - البعد والطّرد من رحمة الله دائمًا، فلا يتخلّل ذلك راحة، ولا يعقبه خلاص، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿مَدْحُورًا﴾ وفي قوله: ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾ إشارة إلى أن الفوز بالدنيا، لا يحصل لكل من يريدها، فكثير من الكفار الضلال يعرضون عن الدين في طلب الدنيا، ثمّ هم يبقون محرومين من الدين والدنيا.
وفي هذا تهديد وزجر عظيم لهؤلاء الكفار، فإنهم قد يتركون الدين لطلب الدنيا، وربما فاتتهم أيضًا،
١٩ - وذكر الثاني من القسمين بقوله: ﴿وَمَنْ أَرادَ﴾ بأعماله الصالحة الدار ﴿الْآخِرَةَ﴾، أي: ثوابها، وما فيها من النعيم المقيم بأن يؤثرها على الدنيا، ويعقد إرادته بها ﴿وَسَعى لَها﴾، أي للآخرة ﴿سَعْيَها﴾؛ أي: السعي اللائق بها، وهو الإتيان بما أمر به، والإنتهاء عما نهي عنه خالصًا لله غير مشوب، وكان الإتيان به على القانون الشرعي من غير ابتداع ولا هوى لا التقرب
(١) المراغي.
62
بما يخترعون بآرائهم وخرافاتهم، وفائدة (١) اللام: اعتبار النية، والإخلاص، فإنها للاختصاص.
﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾؛ أي: والحال أنه مؤمن إيمانًا صحيحًا لا شرك معه، ولا تكذيب، فإنه العمدة، لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه، إلا إذا كان من المؤمنين ﴿فَأُولئِكَ﴾ الجامعون الشرائط الثلاثة المذكورة من إرادة الآخرة، والسعي الجميل لها، والإيمان؛ أي: أولئك المريدون للآخرة السّاعون لها سعيها، المؤمنون بالله إيمانًا صحيحًا، واسم الإشارة مبتدأ خبره قوله: ﴿كانَ سَعْيُهُمْ﴾؛ أي: عملهم ﴿مَشْكُورًا﴾؛ أي: مقبولًا عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول مثابًا عليه، فإن شكر الله الإثابة على الطاعة، وقيل: مضاعفًا إلى أضعاف كثيرة، فقد اعتبر (٢) سبحانه في كون السعي مشكورًا أمورًا ثلاثة:
١ - أن يريد بعمله ثواب الآخرة، ونعيمها؛ فإن لم تحصل هذه النية لم ينتفع بذلك العمل، كما قال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى﴾، وجاء في الحديث «إنما الأعمال بالنيات» إلى أنّ استنارة القلب بمعرفة الله ومحبته لا تحصل إلا إذا نوى العامل بعمله طاعة ربه، والإخبات والخشوع له.
٢ - أن يعمل العمل الذي يتوصل به إلى الفوز بثواب الآخرة، ولا يكون ذلك إلا إذا كان من القرب والطاعات، لا من الأعمال الباطنة كعبادة الأوثان، والكواكب، والملائكة.
٣ - أن يكون ذلك وهو مؤمن، فإنّ أعمال البرّ لا توجب الثّواب إلا إذا وجد الإيمان.
والخلاصة: أن من أراد الآخرة، ولها عمل، وإياها طلب، فأطاع الله، وطلب ما يرضيه، وهو مصدّق بثوابه، وعظيم جزائه على سعيه لها، شكر الله له جزيل سعيه، وآتاه حسن المثوبة، كفاء ما قدّم من صالح العمل، وتجاوز عن سيئاته، وأدخله فراديس جنانه.
﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾؛ أي: والحال أنه مؤمن إيمانًا صحيحًا لا شرك معه، ولا تكذيب، فإنه العمدة، لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه، إلا إذا كان من المؤمنين ﴿فَأُولئِكَ﴾ الجامعون الشرائط الثلاثة المذكورة من إرادة الآخرة، والسعي الجميل لها، والإيمان؛ أي: أولئك المريدون للآخرة السّاعون لها سعيها، المؤمنون بالله إيمانًا صحيحًا، واسم الإشارة مبتدأ خبره قوله: ﴿كانَ سَعْيُهُمْ﴾؛ أي: عملهم ﴿مَشْكُورًا﴾؛ أي: مقبولًا عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول مثابًا عليه، فإن شكر الله الإثابة على الطاعة، وقيل: مضاعفًا إلى أضعاف كثيرة، فقد اعتبر (٢) سبحانه في كون السعي مشكورًا أمورًا ثلاثة:
١ - أن يريد بعمله ثواب الآخرة، ونعيمها؛ فإن لم تحصل هذه النية لم ينتفع بذلك العمل، كما قال: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى﴾، وجاء في الحديث «إنما الأعمال بالنيات» إلى أنّ استنارة القلب بمعرفة الله ومحبته لا تحصل إلا إذا نوى العامل بعمله طاعة ربه، والإخبات والخشوع له.
٢ - أن يعمل العمل الذي يتوصل به إلى الفوز بثواب الآخرة، ولا يكون ذلك إلا إذا كان من القرب والطاعات، لا من الأعمال الباطنة كعبادة الأوثان، والكواكب، والملائكة.
٣ - أن يكون ذلك وهو مؤمن، فإنّ أعمال البرّ لا توجب الثّواب إلا إذا وجد الإيمان.
والخلاصة: أن من أراد الآخرة، ولها عمل، وإياها طلب، فأطاع الله، وطلب ما يرضيه، وهو مصدّق بثوابه، وعظيم جزائه على سعيه لها، شكر الله له جزيل سعيه، وآتاه حسن المثوبة، كفاء ما قدّم من صالح العمل، وتجاوز عن سيئاته، وأدخله فراديس جنانه.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
63
فائدة: واعلم (١) أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان مركّبًا من الدنيا والآخرة، ولكلّ جزءٍ منهما ميل وإرادة إلى كله؛ ليتغذّى منه، ويتقوّى، ويتكمّل به، ففي جزئه الدنيوي وهو النفس طريق إلى دركات النيران، وفي جزئه الأخروي وهو الروح طريقٌ إلى درجات الجنان، وخلق القلب من هذين الجزئين، وله طريق إلى ما بين إصبعي الرحمن، إصبع اللطف، وإصبع القهر فمن يرد الله به أن يكون مظهر قهره أزاغ قلبه، وحوّل وجهه إلى الدنيا، فيريد العاجلة، ويربّي بها نفسه إلى أن تبلّغه إلى دركات جهنم البعيدة، ويصلى نار القطيعة، ومن يرد الله به أن يكون مظهر لطفه أقام قلبه وحوّل وجهه إلى عالم العلو، فيريد الآخرة، ويسعى لها سعيها، وهو الطلب بالصدق، وهو مؤمن بأن من طلبه وجده، فأولئك كان سعيهم في الوجود مشكورًا من الموجد في الأزل.
٢٠ - ثم بيّن سبحانه أن عطاءه ورزقه الدنيوي لا يحظر على كل من الفريقين فقال: ﴿كُلًّا﴾؛ أي: كل واحد من الفريقين مريد الدنيا، ومريد الآخرة، فهو منصوب بقوله: ﴿نُمِدُّ﴾؛ أي: نمد ونزيد كلّا من الفريقين بالعطاء مرّة بعد أخرى، بحيث يكون الآنف مددًا للسالف لا نقطعه منه، وقوله: ﴿هؤُلاءِ﴾ بدل من ﴿كُلًّا﴾ و ﴿هؤُلاءِ﴾ عطف عليه؛ أي: نمد هؤلاء الذين يريدون الدّنيا وهؤلاء الذين يريدون الآخرة ﴿مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ﴾؛ أي: من معطاه الواسع الذي لا تناهي له، لأنّ العطاء اسم لما يعطى فهو متعلق بـ ﴿نُمِدُّ﴾، فالله تعالى يوسّع عليهما في الرزق من الأموال والأولاد، وغيرهما من أسباب العز، والزينة في الدنيا، وهذا (٢) الإمداد المذكور ليس على طريق الاستيجاب والاستحقاق بالسعي والعمل الصالح، بل بمحض التفضّل ﴿وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ﴾ يا محمد؛ أي: معطاه في الدنيا ﴿مَحْظُورًا﴾؛ أي: ممنوعًا من كل أحد، مؤمنًا كان أو كافرًا، لأن الكلّ مخلوقون في دار العمل، فأزاح تعالى العذر عن الكل، وأوصل تعالى متاع الدنيا إلى الكل على القدر الذي يقتضيه الصلاح، فيرزق المؤمنين، والكافرين، وأهل الطاعة وأهل المعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه، بل هو فائض على البرّ
٢٠ - ثم بيّن سبحانه أن عطاءه ورزقه الدنيوي لا يحظر على كل من الفريقين فقال: ﴿كُلًّا﴾؛ أي: كل واحد من الفريقين مريد الدنيا، ومريد الآخرة، فهو منصوب بقوله: ﴿نُمِدُّ﴾؛ أي: نمد ونزيد كلّا من الفريقين بالعطاء مرّة بعد أخرى، بحيث يكون الآنف مددًا للسالف لا نقطعه منه، وقوله: ﴿هؤُلاءِ﴾ بدل من ﴿كُلًّا﴾ و ﴿هؤُلاءِ﴾ عطف عليه؛ أي: نمد هؤلاء الذين يريدون الدّنيا وهؤلاء الذين يريدون الآخرة ﴿مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ﴾؛ أي: من معطاه الواسع الذي لا تناهي له، لأنّ العطاء اسم لما يعطى فهو متعلق بـ ﴿نُمِدُّ﴾، فالله تعالى يوسّع عليهما في الرزق من الأموال والأولاد، وغيرهما من أسباب العز، والزينة في الدنيا، وهذا (٢) الإمداد المذكور ليس على طريق الاستيجاب والاستحقاق بالسعي والعمل الصالح، بل بمحض التفضّل ﴿وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ﴾ يا محمد؛ أي: معطاه في الدنيا ﴿مَحْظُورًا﴾؛ أي: ممنوعًا من كل أحد، مؤمنًا كان أو كافرًا، لأن الكلّ مخلوقون في دار العمل، فأزاح تعالى العذر عن الكل، وأوصل تعالى متاع الدنيا إلى الكل على القدر الذي يقتضيه الصلاح، فيرزق المؤمنين، والكافرين، وأهل الطاعة وأهل المعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه، بل هو فائض على البرّ
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
في الدنيا والآخرة، وعلى الفاجر في الدنيا فقط، وإن وجد منه ما يقتضي الحظر، وهو الفجور والكفر.
والمعنى: أي (١) إنّ كلّا من الفريقين مريدي العاجلة، ومريدي الآجلة الساعي لها سعيها، وهو مؤمن يمده ربّه بعطائه، ويوسّع عليه الرزق، ويكثر له الأولاد والأموال وغيرهما من زينة الدنيا، فإن عطاءه ليس بالممنوع من أحد من خلقه، مؤمنا كان أو كافرا فكلّهم مخلوق في دار العمل، فوجب إزالة العذر، ورفع العلة، وإيصال متاع الدنيا إليهم على القدر الذي يقتضيه صلاحهم، ثمّ تختلف أحوال الفريقين، ففريق العاجلة إلى جهنم، وبئس المهاد، وفريق الآجلة إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم عقبى الدار.
٢١ - والخطاب في قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ لمحمد - ﷺ -، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار و ﴿كَيْفَ﴾ في محل النصب على الحالية، بفضَّلنا لا بانظر، لأنّ أسماء الاستفهام مما يلزم الصدارة فلا يتقدّم عليها عاملها، وهذه الجملة مقررة لما مر من الإمداد، وموضحة له، والمعنى انظر يا محمد بنظر الاعتبار، كيف فضّلنا بعض العباد على بعض، فيما أمددناهم من العطايا الدنيوية، فمن غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، وعاقل وأحمق، وذلك لحكمة بالغة تقتصر العقول عن إدراكها؛ أي: انظر إلى عطائنا للفريقين في الدنيا كيف فضلنا بعضهم على بعض، فأوصلنا رزقنا إلى مؤمن، وقبضناه عن مؤمن آخر، وأوصلناه إلى كافر، ومنعناه من كافر آخر، ولهذا حكم وأسباب بيَّنها سبحانه بقوله: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾ وقوله: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ﴾؛ أي: ولدرجات الآخرة أكبر، وأعظم من درجات الدنيا؛ فإن درجات الآخرة باقية غير متناهية، ونعم الدنيا فانية متناهية ﴿وَ﴾
والمعنى: أي (١) إنّ كلّا من الفريقين مريدي العاجلة، ومريدي الآجلة الساعي لها سعيها، وهو مؤمن يمده ربّه بعطائه، ويوسّع عليه الرزق، ويكثر له الأولاد والأموال وغيرهما من زينة الدنيا، فإن عطاءه ليس بالممنوع من أحد من خلقه، مؤمنا كان أو كافرا فكلّهم مخلوق في دار العمل، فوجب إزالة العذر، ورفع العلة، وإيصال متاع الدنيا إليهم على القدر الذي يقتضيه صلاحهم، ثمّ تختلف أحوال الفريقين، ففريق العاجلة إلى جهنم، وبئس المهاد، وفريق الآجلة إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم عقبى الدار.
٢١ - والخطاب في قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ لمحمد - ﷺ -، ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والاعتبار و ﴿كَيْفَ﴾ في محل النصب على الحالية، بفضَّلنا لا بانظر، لأنّ أسماء الاستفهام مما يلزم الصدارة فلا يتقدّم عليها عاملها، وهذه الجملة مقررة لما مر من الإمداد، وموضحة له، والمعنى انظر يا محمد بنظر الاعتبار، كيف فضّلنا بعض العباد على بعض، فيما أمددناهم من العطايا الدنيوية، فمن غني وفقير، وقوي وضعيف، وصحيح ومريض، وعاقل وأحمق، وذلك لحكمة بالغة تقتصر العقول عن إدراكها؛ أي: انظر إلى عطائنا للفريقين في الدنيا كيف فضلنا بعضهم على بعض، فأوصلنا رزقنا إلى مؤمن، وقبضناه عن مؤمن آخر، وأوصلناه إلى كافر، ومنعناه من كافر آخر، ولهذا حكم وأسباب بيَّنها سبحانه بقوله: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ﴾ وقوله: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ﴾؛ أي: ولدرجات الآخرة أكبر، وأعظم من درجات الدنيا؛ فإن درجات الآخرة باقية غير متناهية، ونعم الدنيا فانية متناهية ﴿وَ﴾
(١) المراغي.
للآخرة ﴿وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾؛ أي: ولتفاضلهم في الآخرة، وتفاوتهم فيها أكبر من تفاوتهم في الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات السفلى في جهنم مصفّدا بالسلاسل والأغلال، ومنهم من يكون في الدرجات العليا في نعيم وحبور، وكل فريق يتفاوتون فيما بينهم، وقرىء ﴿أكثر﴾ بالثاء المثلثة ففي «الصحيحين»: «إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل علّيّين كما ترون الكوكب الغابر في السماء» وفيهما: «إنّ الله تعالى أمدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
وروى ابن عبد البر عن الحسن قال: حضر جماعة من الناس باب عمر رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو القرشي - وكان أحد الأشراف في الجاهلية -، وأبو سفيان بن حرب، ومشايخ من قريش، فأذن لصهيب، وبلال، وأهل بدر - وكان يحبّهم - فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا فقال سهيل: - وكان أعقلهم - أيّها القوم: إنّي والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، إنهم دعوا ودعينا - يعني إلى الإسلام - فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكبر.
وعن بعضهم أنه قال: أيّها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة، وهي أكبر وأفضل.
٢٢ - ثم لمّا أجمل سبحانه أعمال البر في قوله: ﴿وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أخذ في تفصيل ذلك مبتدئًا بأشرفها الذي هو التوحيد. فقال: ﴿لا تَجْعَلْ﴾ أيها الإنسان ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلهًا آخَرَ﴾ ﴿فَتَقْعُدَ﴾، أي: فتصير ﴿مَذْمُومًا﴾، أي: مستحقّا للذم عند الملائكة والمؤمنين ﴿مَخْذُولًا﴾ أي مستحقًا للخذلان والذل والهوان عند الله سبحانه وتعالى، والخطاب (١) فيه للنبي - ﷺ - والمراد به أمّته، فإنّ
وروى ابن عبد البر عن الحسن قال: حضر جماعة من الناس باب عمر رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو القرشي - وكان أحد الأشراف في الجاهلية -، وأبو سفيان بن حرب، ومشايخ من قريش، فأذن لصهيب، وبلال، وأهل بدر - وكان يحبّهم - فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا فقال سهيل: - وكان أعقلهم - أيّها القوم: إنّي والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم، إنهم دعوا ودعينا - يعني إلى الإسلام - فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكبر.
وعن بعضهم أنه قال: أيّها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة، وهي أكبر وأفضل.
٢٢ - ثم لمّا أجمل سبحانه أعمال البر في قوله: ﴿وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أخذ في تفصيل ذلك مبتدئًا بأشرفها الذي هو التوحيد. فقال: ﴿لا تَجْعَلْ﴾ أيها الإنسان ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلهًا آخَرَ﴾ ﴿فَتَقْعُدَ﴾، أي: فتصير ﴿مَذْمُومًا﴾، أي: مستحقّا للذم عند الملائكة والمؤمنين ﴿مَخْذُولًا﴾ أي مستحقًا للخذلان والذل والهوان عند الله سبحانه وتعالى، والخطاب (١) فيه للنبي - ﷺ - والمراد به أمّته، فإنّ
(١) روح البيان.
بعضهم قالوا: الأصل في الأوامر هو - ﷺ -، وفي النواهي أُمَّته، وقيل: هو على إضمار القول، والتقدير: قل لكل مكلف: لا تجعل إلخ، وانتصاب (١) ﴿مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ إمّا على خبريّتهما لـ ﴿تقعد﴾ إن قلنا: إنها من أفعال التصيير، وإما على الحال، إن قلنا: إنها على بابها بمعنى المكث؛ أي: فتصير جامعًا بين الأمرين الذم لك من الله، ومن ملائكته، ومن صالحي عباده، والخذلان لك منه سبحانه، أو تمكث حال كونك جامعًا بين الأمرين.
والمعنى (٢): أي لا تجعل - أيها الإنسان - مع الله سبحانه شريكًا في ألوهيته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة، وأفرد له الألوهة فإنه لا ربَّ غيره، ولا معبود سواه. إنّك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه تصر ملومًا على ما ضيّعت من شكر الذي أنعم عليك بنعمه، وشكر من لم يولك نعمة مخذولًا لا ينصرك ربّك بل يكلك إلى من عبدته معه ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
وحاصل ما ذكره في هذه الآيات من أنواع التكاليف خمسة وعشرون نوعًا بعضها أصلي، وبعضها فرعيّ، وقد بدئت بالأصل في قوله: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ...﴾ الخ وختمت به أيضًا في قوله: ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ ﴿فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ وسيأتي تعدادها في آخرها، إن شاء الله تعالى.
٢٣ - وبعد أن ذكر الركن الأعظم في الإيمان، وهو التوحيد أتبعه بذكر شعائره، وشرائعه، وهي الأمور الآتية، فقال: ﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾؛ أي: وأمر ربك يا محمد كلّ مكلف أمرًا جزمًا، وحكما قطعا، وحتمًا مبرمًا ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾؛ أي: بأن لا تعبدوا غيره إذ العبادة نهاية التعظيم، فلا تستحقّ إلا لمن له غاية العظمة، ونهاية الإنعام، والإفضال على عباده، ولا منعم إلا هو سبحانه، وإنّما قال (٣): ﴿رَبُّكَ﴾ خطابًا للنبي - ﷺ - ولم يقل ربكم مع كونه مقتضى السّياق؛ لأنه مخصوص بالتربية أصالة والأمة تبعٌ له في هذا الشأن.
والمعنى (٢): أي لا تجعل - أيها الإنسان - مع الله سبحانه شريكًا في ألوهيته وعبادته، ولكن أخلص له العبادة، وأفرد له الألوهة فإنه لا ربَّ غيره، ولا معبود سواه. إنّك إن تجعل معه إلها غيره، وتعبد معه سواه تصر ملومًا على ما ضيّعت من شكر الذي أنعم عليك بنعمه، وشكر من لم يولك نعمة مخذولًا لا ينصرك ربّك بل يكلك إلى من عبدته معه ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
وحاصل ما ذكره في هذه الآيات من أنواع التكاليف خمسة وعشرون نوعًا بعضها أصلي، وبعضها فرعيّ، وقد بدئت بالأصل في قوله: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ...﴾ الخ وختمت به أيضًا في قوله: ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ ﴿فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ وسيأتي تعدادها في آخرها، إن شاء الله تعالى.
٢٣ - وبعد أن ذكر الركن الأعظم في الإيمان، وهو التوحيد أتبعه بذكر شعائره، وشرائعه، وهي الأمور الآتية، فقال: ﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾؛ أي: وأمر ربك يا محمد كلّ مكلف أمرًا جزمًا، وحكما قطعا، وحتمًا مبرمًا ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾؛ أي: بأن لا تعبدوا غيره إذ العبادة نهاية التعظيم، فلا تستحقّ إلا لمن له غاية العظمة، ونهاية الإنعام، والإفضال على عباده، ولا منعم إلا هو سبحانه، وإنّما قال (٣): ﴿رَبُّكَ﴾ خطابًا للنبي - ﷺ - ولم يقل ربكم مع كونه مقتضى السّياق؛ لأنه مخصوص بالتربية أصالة والأمة تبعٌ له في هذا الشأن.
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
67
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَقَضَى﴾ فعلًا ماضيًا من القضاء، وقرأ أبو عمران، وعاصم الجحدري، ومعاذ القارىء ﴿وقضاء ربك﴾ بقاف، وضاد بالمد، والهمز والرفع، وخفض اسم الرب، مصدر قضى مرفوعًا على الابتداء، وأن لا تعبدوا خبره، وقرأ أبيّ بن كعب، وابن عباس، وابن جبير، والنخعيّ وأبو المتوكل، وميمون بن مهران: ﴿ووصى ربك﴾ من التوصية وهذا خلاف ما انعقد عليه الإجماع، فلا يلتفت إليه، وقرأ بعضهم ﴿وأوصى﴾ من الإيصاء، وينبغي أن يحمل ذلك على التفسير، لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف، والمتواتر هو: ﴿قَضى﴾ وهو المستفيض عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم في أسانيد القرّاء السبعة. ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا﴾؛ أي: وقضى ربّك بأن تحسنوا إلى الوالدين، إحسانًا كاملًا وتبروهما برًا واسعًا؛ ليكون الله معكم ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)﴾ فإن إحسانهما إليك قد بلغ الغاية العظيمة، فوجب أن يكون إحسانك إليهما كذلك، ومع ذلك لا تحصل المكافأة؛ لأن إنعامهما عليك كان على سبيل الابتداء، وفي الأمثال المشهورة «إن البادىء بالبرّ لا يكافأ».
وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إليهما للأسباب الآتية (٢):
١ - شفقتهما على الولد، وبذل الجهد في إيصال الخير إليه، وإبعاد الضر عنه جهد المستطاع، فوجب مقابلة ذلك بالإحسان إليهما، والشكر لهما.
٢ - أنّ الولد قطعة من الوالدين كما جاء في الخبر أنه - ﷺ - قال: «فاطمة بضعة مني».
٣ - أنهما أنعما عليه، وهو في غاية الضعف، ونهاية العجز، فوجب أن يقابل ذلك بالشكر حين كبرهما، كما قال الشاعر العربي يعدد نعمه على ولده وقد عقّه في كبره:
وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إليهما للأسباب الآتية (٢):
١ - شفقتهما على الولد، وبذل الجهد في إيصال الخير إليه، وإبعاد الضر عنه جهد المستطاع، فوجب مقابلة ذلك بالإحسان إليهما، والشكر لهما.
٢ - أنّ الولد قطعة من الوالدين كما جاء في الخبر أنه - ﷺ - قال: «فاطمة بضعة مني».
٣ - أنهما أنعما عليه، وهو في غاية الضعف، ونهاية العجز، فوجب أن يقابل ذلك بالشكر حين كبرهما، كما قال الشاعر العربي يعدد نعمه على ولده وقد عقّه في كبره:
غذوتك مولودًا ومنتك يافعًا | تعلّ بما أجني عليك وتنهلُ |
إذا ليلةٌ ضافتك بالسُّقم لم أبت | لسقمك إلّا سَاهرًا أتململُ |
(١) البحر المحيط وزاد المسير.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
68
كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي | طرقت به دوني فعينيَّ تهملُ |
تخاف الرَّدى نفسي عليك وإنّها | لتعلم أنَّ الموت وقتٌ مؤجّلُ |
فلمّا بلغت السِّنَّ والغاية الّتي | إليها مدى ما كنت فيك أؤمِّلُ |
جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً | كأنّك أنت المنعم المتفضِّلُ |
فليتك إذ لم ترع حقَّ أبُوّتي | فعلت كما الجار المجاور يفعلُ |
والخُلاصةُ: أنه لا نعمة تصل إلى الإنسان أكثر من نعمة الخالق عليه، ثمّ نعمة الوالدين، ومن ثم بدأ بشكر نعمته أوّلًا بقوله: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ ثمّ أردفها بشكر نعمة الوالدين بقوله: وبالوالدين إحسانا، ثم فصّل ما يجب من الإحسان إليهما بقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما﴾، وكلمة (٢) ﴿إِمَّا﴾ مركبة من ﴿إن﴾ الشرطية، و ﴿ما﴾ المزيدة لتأكيدها، ولذلك حلّ الفعل نون التوكيد، ومعنى ﴿عِنْدَكَ﴾ في كنفك وكفالتك، وأحدهما فاعل للفعل، وتوحيد ضمير الخطاب في ﴿عِنْدَكَ﴾، وفيما بعده مع أنّ ما سبق على الجمع، للاحتراز عن التباس المراد، فإنّ المقصود نهي كل أحد عن تأفيف والديه، ونهرهما، ولو قوبل الجمع بالجمع أو بالتثنية.. لم يحصل هذا المراد فإن قلت: كيف خص الله سبحانه حال الكبر بالإحسان إلى الوالدين، وهو واجب في حقهما على العموم؟.
قلت: إنّ هذا وقت الحاجة في الغالب، وعند عدم الحاجة إجابتهما ندب، وفي حالة الحاجة واجب، ذكره في «روح البيان».
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
69
والمعنى: إن يبلغ أحد الوالدين أو كلاهما سن الكبر والشيخوخة، والعجز، والضعف، والحال أنّهما عندك في منزلك، وكفالتك؛ أي: والحال أنهما في حال يلزمك فيه القيام بأمرهما في المعيشة، ككبر سنهما، وعجزهما عن الكسب، وغير ذلك ﴿فَلا تَقُلْ﴾ أيها الولد لأحدهما، أو ﴿لَهُما﴾؛ أي للوالدين كلامًا رديئًا، وقولًا خشنًا كقولك لهما ﴿أُفٍّ﴾؛ أي: أنا أتضجر من شيء يصدر منكما، كظهور رائحة تؤذيك منهما، بل أكرمهما واخدمهما كما خدماك في مثل هذه الحالة؛ أي: لا تقل لهما كلاما رديئا إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك كما أنهما لا يستقذران منك حين كنت تخرأ أو تبول، والتقييد بحالة الكبر، خرج مخرج الغالب؛ لأن الولد غالبا إنما يتهاون بوالديه عند حصول الكبر لهما كما مر، والأصح أنّ أُفٍّ اسم فعل مضارع مدلوله لفظ الفعل؛ أي: لا تقل: أنا أتضجّر من شيء يصدر منكما، وقال مجاهد: إنّ معناه إذا رأيت منهما في حال الكبر، الغائط، أو البول اللذين رأيا منك في حال الصغر، فلا تقذرهما، وتقول: أف، انتهى. والآية أعمّ من ذلك، وقرأ الجمهور (١) ﴿يَبْلُغَنَّ﴾ بنون التوكيد الشديدة، والفعل مسند إلى ﴿أَحَدُهُما﴾ وروي عن ابن ذكوان بالنون الخفيفة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي ﴿إما يبلغان﴾ بألف التثنية، ونون التوكيد الثقيلة، وهي قراءة السلمي، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، والجحدري، فقيل: الألف علامة تثنية، لا ضمير على لغة أكلوني البراغيث، وقيل: الألف ضمير الوالدين، و ﴿أَحَدُهُما﴾ بدل من الضمير، و ﴿كِلاهُما﴾ عطف على ﴿أَحَدُهُما﴾، والمعطوف على البدل بدل.
وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، ونافع، وحفص، ﴿أُفٍّ﴾ بالكسر والتشديد، مع التنوين، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر كذلك بغير تنوين، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، بفتح الفاء مشددة من غير تنوين، وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين، وقرأ أبو السمال ﴿أف﴾ بضم الفاء من غير تنوين، وقرأ زيد بن علي ﴿أفًا﴾ بالنصب والتشديد والتنوين، وقرأ ابن
وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، ونافع، وحفص، ﴿أُفٍّ﴾ بالكسر والتشديد، مع التنوين، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر كذلك بغير تنوين، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، بفتح الفاء مشددة من غير تنوين، وحكى هارون قراءة بالرفع والتنوين، وقرأ أبو السمال ﴿أف﴾ بضم الفاء من غير تنوين، وقرأ زيد بن علي ﴿أفًا﴾ بالنصب والتشديد والتنوين، وقرأ ابن
(١) البحر المحيط.
70
عباس ﴿أف﴾ خفيفة فهذه سبع قراءات من اللغات التي حكيت في ﴿أُفٍّ﴾.
﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾؛ أي: لا تزجرهما بإغلاظ إذا كرهت منهما شيئًا؛ أي: لا تغلظ لهما في الكلام، والمراد (١) من قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ المنع من إظهار الضّجر بالقليل أو الكثير، ومن قوله: ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليه ﴿وَقُلْ لَهُما﴾ بدل التأفيف والنهر ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾؛ أي: قولًا لينًا حسنًا، بأن يخاطبه بالكلام المقرون بأمارات التعظيم، كأن (٢) يقول: يا أبتاه، ويا أمّاه كدأب إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه: يا أبت مع ما به من الكفر، ولا يدعوهما بأسمائهما، فإنه من الجفاء، وسوء الأدب، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، ولا يجهر لهما بالكلام، بل يكلمهما بالهمس والخضوع إلا لضرورة الصّمم والإفهام، ولا يسبّ والدي رجلٍ فيسب ذلك الرجل والديه، ولا ينظر إليهما بالغضب
٢٤ - ﴿وَاخْفِضْ لَهُما﴾ أي ألن لهما ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾؛ أي: حالك الليّن المذلول المتواضع، واخضع لهما حتّى لا تمتنع عن شيء أحباه ويسرهما ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ أي: من أجل فرط رحمتك لهما، وشدة شفقتك عليهما، ورقة قلبك لهما، بسبب ضعفهما لا لأجل خوفك من العار، لافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل الضعيف، للسيد الفظ الغليظ؛ أي: في التّواضع والتملق.
ويقبّل رجل أمّه (٣)، ويباشر خدمتهما بيده، ولا يفوّضها إلى غيره؛ لأنه ليس بعار للرجل أن يخدم معلمه، وأبويه وسلطانه، وضيفه، ولا يؤمه للصلاة، وإن كان أفقه منه؛ أي: أعلم بالفقه من الأب، ولا يمشي أمامهما إلا أن يكون لإماطة الأذى عن الطريق، ولا يتصدّر عليهما في المجلس، ولا يسبق عليهما في شيء؛ أي: في الأكل والشرب والجلوس، والكلام وغير ذلك.
﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾؛ أي: لا تزجرهما بإغلاظ إذا كرهت منهما شيئًا؛ أي: لا تغلظ لهما في الكلام، والمراد (١) من قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ المنع من إظهار الضّجر بالقليل أو الكثير، ومن قوله: ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليه ﴿وَقُلْ لَهُما﴾ بدل التأفيف والنهر ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾؛ أي: قولًا لينًا حسنًا، بأن يخاطبه بالكلام المقرون بأمارات التعظيم، كأن (٢) يقول: يا أبتاه، ويا أمّاه كدأب إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه: يا أبت مع ما به من الكفر، ولا يدعوهما بأسمائهما، فإنه من الجفاء، وسوء الأدب، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، ولا يجهر لهما بالكلام، بل يكلمهما بالهمس والخضوع إلا لضرورة الصّمم والإفهام، ولا يسبّ والدي رجلٍ فيسب ذلك الرجل والديه، ولا ينظر إليهما بالغضب
٢٤ - ﴿وَاخْفِضْ لَهُما﴾ أي ألن لهما ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾؛ أي: حالك الليّن المذلول المتواضع، واخضع لهما حتّى لا تمتنع عن شيء أحباه ويسرهما ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ أي: من أجل فرط رحمتك لهما، وشدة شفقتك عليهما، ورقة قلبك لهما، بسبب ضعفهما لا لأجل خوفك من العار، لافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل الضعيف، للسيد الفظ الغليظ؛ أي: في التّواضع والتملق.
ويقبّل رجل أمّه (٣)، ويباشر خدمتهما بيده، ولا يفوّضها إلى غيره؛ لأنه ليس بعار للرجل أن يخدم معلمه، وأبويه وسلطانه، وضيفه، ولا يؤمه للصلاة، وإن كان أفقه منه؛ أي: أعلم بالفقه من الأب، ولا يمشي أمامهما إلا أن يكون لإماطة الأذى عن الطريق، ولا يتصدّر عليهما في المجلس، ولا يسبق عليهما في شيء؛ أي: في الأكل والشرب والجلوس، والكلام وغير ذلك.
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
71
وفي الحديث «ما من ولد ينظر إلى الوالد وإلى والدته نظر مرحمة إلّا كان له بها حجّة وعمرة» قيل: وإن نظر في اليوم ألف مرة قال: «وإن نظر في اليوم مئة ألف» كما في «خالصة الحقائق» وقلت: فيه مقال.
قال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة، وإذا بعث إليه منها ليحمله.. فعل، ولا يناوله الخمر، ويأخذ الإناء منه إذا شربها، وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره، وفيها لحم الخنزير، أوقد كما في «بحر العلوم» ولا ينتسب إلى غير والديه استنكافا منهما، فإنّه يستوجب اللعنة، وقرأ الجمهور (١): ﴿من الذل﴾ بضم الذال، وقرأ ابن عباس، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والجحدريّ وابن وثّاب بكسر الذال.
ثمّ كأنه قال له سبحانه: ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها ﴿وَ﴾ لكن ﴿قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما﴾؛ أي: وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، ولا تكتف برحمتك الفانية، وإن كانا كافرين.. لأن من الرحمة أن يهديهما إلى الإسلام، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ما زال إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرّأ منه، يعني ترك الدعاء، ولم يستغفر له بعد ما مات على الكفر، كذا في «تفسير أبي الليث» وفي الحديث «إذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق في الدنيا» سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت، فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار، ولو كان شيء أفضل منه، لأمرت به الأبوين. ويعضّده قوله عليه السلام: «إنّ الله ليرفع درجة العبد في الجنة، فيقول: يا رب أنّى لي هذا، فيقول: باستغفار ولدك» وفي الحديث «من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان بارًا».
والكاف في قوله ﴿كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾ في محل النصب على أنه نعت مصدر محذوف؛ أي: قل في الدعاء لهما: رب ارحمهما برحمتك الدنيوية والأخروية
قال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة، وإذا بعث إليه منها ليحمله.. فعل، ولا يناوله الخمر، ويأخذ الإناء منه إذا شربها، وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره، وفيها لحم الخنزير، أوقد كما في «بحر العلوم» ولا ينتسب إلى غير والديه استنكافا منهما، فإنّه يستوجب اللعنة، وقرأ الجمهور (١): ﴿من الذل﴾ بضم الذال، وقرأ ابن عباس، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والجحدريّ وابن وثّاب بكسر الذال.
ثمّ كأنه قال له سبحانه: ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها ﴿وَ﴾ لكن ﴿قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما﴾؛ أي: وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، ولا تكتف برحمتك الفانية، وإن كانا كافرين.. لأن من الرحمة أن يهديهما إلى الإسلام، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ما زال إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرّأ منه، يعني ترك الدعاء، ولم يستغفر له بعد ما مات على الكفر، كذا في «تفسير أبي الليث» وفي الحديث «إذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق في الدنيا» سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت، فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار، ولو كان شيء أفضل منه، لأمرت به الأبوين. ويعضّده قوله عليه السلام: «إنّ الله ليرفع درجة العبد في الجنة، فيقول: يا رب أنّى لي هذا، فيقول: باستغفار ولدك» وفي الحديث «من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان بارًا».
والكاف في قوله ﴿كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾ في محل النصب على أنه نعت مصدر محذوف؛ أي: قل في الدعاء لهما: رب ارحمهما برحمتك الدنيوية والأخروية
(١) البحر المحيط.
72
رحمة مثل رحمتهما عليَّ، وتربيتهما وإرشادهما إيايَّ في حال صغري، وفاء بوعدك للراحمين، ويجوز أن تكون الكاف تعليلية؛ أي لأجل تربيتهما لي. روي أنّ رجلًا قال لرسول الله - ﷺ -: «إنّ أبوي بلغا من الكبر أنّي ألي منهما ما وليا منّي في الصغر، فهل قضيتهما حقّهما؟ قال: «لا فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما».
وحاصل معنى الآيتين: أي إذا (١) وصل الوالدان عندك أو أحدهما إلى حال الضعف والعجز، وصَارَا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوله: وجب عليك أن تشفق عليهما وتحنو لهما، تعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، ويتجلّى بأن تتبع معهما الأمور الخمسة الآتية:
١ - أن لا تتأفَّف من شيءٍ تراه من أحدهما أو منهما ممّا يتأذَّى به النَّاس، ولكن أصبر على ذلك منهما، واحتسب الأجر عليه كما صبرًا عليك في صغرك.
٢ - أن لا تنغّص عليهما بكلام تزجرهما به، وفي هذا منع من إظهار الضّجر القليل، أو الكثير.
٣ - أن تقول لهما قولًا حسنًا، وكلامًا طيبًا، مقرونًا بالاحترام والتعظيم، ممّا يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة، كأن تقول يا أبتاه، ويا أماه، ولا تدعوهما بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدق فيهما بنظرك.
٤ - أن تتواضع لهما، وتتذلل وتطيعهما فيما أمراك مما لم يكن معصيةً لله، رحمةً منك بهما وشفقة عليهما إذ هما قد احتاجا إلى من كان أفقر الخلق إليهما، وذلك منتهى ما يكون من الضّراعة، والمسكنة ولله در الخفاجي إذ يقول:
وقوله: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ أي: أن يكون ذلك التذلل رحمةً بهما، لا من أجل
وحاصل معنى الآيتين: أي إذا (١) وصل الوالدان عندك أو أحدهما إلى حال الضعف والعجز، وصَارَا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوله: وجب عليك أن تشفق عليهما وتحنو لهما، تعاملهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه، ويتجلّى بأن تتبع معهما الأمور الخمسة الآتية:
١ - أن لا تتأفَّف من شيءٍ تراه من أحدهما أو منهما ممّا يتأذَّى به النَّاس، ولكن أصبر على ذلك منهما، واحتسب الأجر عليه كما صبرًا عليك في صغرك.
٢ - أن لا تنغّص عليهما بكلام تزجرهما به، وفي هذا منع من إظهار الضّجر القليل، أو الكثير.
٣ - أن تقول لهما قولًا حسنًا، وكلامًا طيبًا، مقرونًا بالاحترام والتعظيم، ممّا يقتضيه حسن الأدب، وترشد إليه المروءة، كأن تقول يا أبتاه، ويا أماه، ولا تدعوهما بأسمائهما، ولا ترفع صوتك أمامهما، ولا تحدق فيهما بنظرك.
٤ - أن تتواضع لهما، وتتذلل وتطيعهما فيما أمراك مما لم يكن معصيةً لله، رحمةً منك بهما وشفقة عليهما إذ هما قد احتاجا إلى من كان أفقر الخلق إليهما، وذلك منتهى ما يكون من الضّراعة، والمسكنة ولله در الخفاجي إذ يقول:
يا من أتى يسأل عن فاقتي | ما حال من يسأل من سائله |
ما ذلَّة السُّلطان إلّا إذا | أصبح محتاجًا إلى عامله |
(١) المراغي.
73
امتثال الأمر وخوف العار فقط، فتذكر نفسك بما تقدّم لهما من الإحسان إليك، وبما أمرت به من الشفقة والحدب عليهما، وقد مثّل حاله معهما بحال الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه لتربيته؛ فإنه يخفض له جناحه، فكأنه قال للولد: اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك في حال صغرك.
٥ - أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، كفاء رحمتهما لك في صغرك، وجميل شفقتهما عليك، وبالجملة فقد بالغ سبحانه في التوصية بهما، من وجوه كثيرة، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معًا.
وبر الأم مقدّم على بر الأب (١)؛ لما روى الشيخان أنّ رسول الله - ﷺ - سئل من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة، بل يكون بعد الموت أيضًا، فقد روى ابن ماجة أنّ رسول الله - ﷺ - سئل هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما» فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما.
والخلاصة: أنه سبحانه بالغ في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق، وتقف عندها شعورهم، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثمّ شفّعهما بالإحسان إليهما، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخّص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضّجر، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها، وأن يذلّ ويخضع لهما، ثمّ ختمها بالدعاء لهما، والترحم عليهما، وهذه الخمسة الأشياء جعلها سبحانه من رحمته بها مقرونة بوحدانيّته، وعدم الشرك به.
٥ - أن تدعو الله أن يرحمهما برحمته الباقية، ولو خمس مرات في اليوم والليلة، كفاء رحمتهما لك في صغرك، وجميل شفقتهما عليك، وبالجملة فقد بالغ سبحانه في التوصية بهما، من وجوه كثيرة، وكفاهما أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معًا.
وبر الأم مقدّم على بر الأب (١)؛ لما روى الشيخان أنّ رسول الله - ﷺ - سئل من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك».
ولا يختص برهما بحال الحياة، بل يكون بعد الموت أيضًا، فقد روى ابن ماجة أنّ رسول الله - ﷺ - سئل هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم خصال أربع: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما» فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما.
والخلاصة: أنه سبحانه بالغ في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعرّ منها جلود أهل العقوق، وتقف عندها شعورهم، من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته، ثمّ شفّعهما بالإحسان إليهما، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخّص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضّجر، ومع أحوال لا يكاد الإنسان يصبر معها، وأن يذلّ ويخضع لهما، ثمّ ختمها بالدعاء لهما، والترحم عليهما، وهذه الخمسة الأشياء جعلها سبحانه من رحمته بها مقرونة بوحدانيّته، وعدم الشرك به.
(١) المراغي.
74
فصل في ذكر الأحاديث التي وردت في بر الوالدين (١)
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - ﷺ - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك، فأدناك» متفق عليه.
وعنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما، ثم لم يدخل الجنة». أخرجه مسلم. وعنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: «لن يجزي ولد والده إلّا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» أخرجه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى رسول الله - ﷺ - فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحيّ والداك؟» قال: نعم، «قال: ففيهما فجاهد» متفق عليه. وعنه أن رسول الله - ﷺ - قال: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين» أخرجه الترمذي مرفوعًا، وموقوفًا، وهو أصح.
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت: فضيِّع ذلك الباب، أو احفظه» أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله - ﷺ - أي الأعمال أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة لوقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «برّ الوالدين» قلت: ثمَّ؛ أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله تعالى» أخرجه مسلم.
٢٥ - ولما كان بر الوالدين عسيرًا حذّر من التهاون فيه. فقال: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ﴾؛ أي: بما في ضمائركم من قصد البر والتقوى، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهةً واستثقالًا ﴿إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ﴾؛ أي: قاصدين الصلاح، والبرّ دون العقوق، والفساد، فلا يضرّكم ما وقع منكم من الهفوة والزلة في حالة الغضب ﴿فَإِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كانَ لِلْأَوَّابِينَ﴾؛ أي: الرجاعين إليه بالتوبة مما فرط منهم مما لا يكاد يخلو عنه البشر، ﴿غَفُورًا﴾ لما وقع منهم من نوع تقصير، أو
(١) الخازن.
إذاية فعليةٍ أو قوليةٍ في حق الوالدين.
والمعنى: أي (١) ربكم أيها الناس: أعلم منكم بما وقع في نفوسكم من تعظيمكم أمر آبائكم، وأمهاتكم، والبرّ بهم، ومن الاستخفاف بحقوقهم، والعقوق بهم، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءًا، وتعتقدوا لهم في نفوسكم عقوقًا، فإن أنتم أصلحتم نيّاتكم فيهم وأطعتم ربّكم فيما أمركم من البر بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلّةٍ في واجب لهم عليكم، فإنه تعالى يغفر لكم ما فرط منكم، فهو غفّارٌ لمن يتوب من ذنبه، ويرجع من معصيته إلى طاعته، ويعمل بما يحبه ويرضاه..
وفي هذا: وعد لمن أضمر البرّ بهم، ووعيد لمن تهاون بحقوقهم، وعمل على عقوقهم. وقيل: المعنى (٢) ربّكم أعلم منكم بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كل الطاعات، ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم، أو الإصرار عليه، ويندرج تحت هذا العموم ما في النفس من البر والعقوق، اندراجًا أوليًا، وهذا المعنى أولي اعتبارًا بعموم اللفظ، فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيّده، إن تكونوا قاصدين الصلاح والتوبة من الذنب والإخلاص في الطاعة.. فلا يضركم ما وقع منكم من الذنب الذي تبتم عنه، ﴿فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ﴾؛ أي: الرجاعين عن الذنوب إلى التوبة، وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص، ﴿غَفُورًا﴾ لما فرط منهم من قول، أو فعل، أو اعتقاد فمن تاب.. تاب الله عليه، ومن رجع إلى الله، رجع الله إليه.
٢٦ - وبعد أن أمر بالبر بالوالدين أمر بالبر بأصناف ثلاثة أخرى، فقال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى﴾؛ أي: وأعط - أيها المكلف - القريب منك من جهة الأب أو الأم، وإن بعد ﴿حَقَّهُ﴾ من صلة الرّحم بالمال أو بالمودة، والزيارة وحسن العشرة، وإن كان محتاجا إلى النفقة.. فأنفق عليه ما يسد حاجته.
والمعنى: أي (١) ربكم أيها الناس: أعلم منكم بما وقع في نفوسكم من تعظيمكم أمر آبائكم، وأمهاتكم، والبرّ بهم، ومن الاستخفاف بحقوقهم، والعقوق بهم، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءًا، وتعتقدوا لهم في نفوسكم عقوقًا، فإن أنتم أصلحتم نيّاتكم فيهم وأطعتم ربّكم فيما أمركم من البر بهم، والقيام بحقوقهم عليكم، بعد هفوة كانت منكم، أو زلّةٍ في واجب لهم عليكم، فإنه تعالى يغفر لكم ما فرط منكم، فهو غفّارٌ لمن يتوب من ذنبه، ويرجع من معصيته إلى طاعته، ويعمل بما يحبه ويرضاه..
وفي هذا: وعد لمن أضمر البرّ بهم، ووعيد لمن تهاون بحقوقهم، وعمل على عقوقهم. وقيل: المعنى (٢) ربّكم أعلم منكم بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كل الطاعات، ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم، أو الإصرار عليه، ويندرج تحت هذا العموم ما في النفس من البر والعقوق، اندراجًا أوليًا، وهذا المعنى أولي اعتبارًا بعموم اللفظ، فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيّده، إن تكونوا قاصدين الصلاح والتوبة من الذنب والإخلاص في الطاعة.. فلا يضركم ما وقع منكم من الذنب الذي تبتم عنه، ﴿فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ﴾؛ أي: الرجاعين عن الذنوب إلى التوبة، وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص، ﴿غَفُورًا﴾ لما فرط منهم من قول، أو فعل، أو اعتقاد فمن تاب.. تاب الله عليه، ومن رجع إلى الله، رجع الله إليه.
٢٦ - وبعد أن أمر بالبر بالوالدين أمر بالبر بأصناف ثلاثة أخرى، فقال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى﴾؛ أي: وأعط - أيها المكلف - القريب منك من جهة الأب أو الأم، وإن بعد ﴿حَقَّهُ﴾ من صلة الرّحم بالمال أو بالمودة، والزيارة وحسن العشرة، وإن كان محتاجا إلى النفقة.. فأنفق عليه ما يسد حاجته.
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
76
واعلم: أنه (١) لا يجب على الفقير إلّا نفقة أولاده الصغار الفقراء، ونفقة زوجته غنيةً أو فقيرةً مسلمة أو كافرةً، وأما الغني - وهو صاحب النصاب الفاضل عن الحوائج الأصلية ذكرًا كان أو أنثى -: فيجب عليه نفقة الأبوين، ومن في حكمهما من الأجداد والجدات إذا كانوا فقراء، سواء كانوا مسلمين أو كافرين، وهذا إذا كانوا أهل ذمة، فإن كانوا حربا.. فلا تجب نفقتهم وإن كانوا مستأمنين، وتجب نفقة كل ذي رحم محرم مما سوى الوالدين، إن كان فقيرًا صغيرًا، أو أنثى، أو زمنًا، أو أعمى أو لا يحسن الكسب لخرقه، فإن كان قادرًا عليه لا تجب نفقته اتفاقًا، أو لكونه من الشرفاء والعظماء، وتجب نفقة الأبوين مع القدرة على الكسب ترجيحًا لهما على سائر المحارم، وطالب العلم إذا لم يقدر على الكسب لا تسقط نفقته عن الأب كالزمن، وكذا نفقة البنت البالغة غير المزوّجة، ونفقة الإبن الزمن البالغ على الأب، وإذا كان للفقير أب غنيّ وابن غني، فالنفقة على الأبوين، ولا نفقة مع اختلاف الدين إلا بالزوجية - كما سبق - والولاء، فنفقة الأصول الفقراء مسلمين أو لا على الفروع الأغنياء، ونفقة الفروع مسلمين أو لا على الأصول الأغنياء، فلا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم، ولا على المسلم نفقة أخيه النصراني، لعدم الولاء بينهما، ويعتبر في نفقة قرابة الولاء أصولًا أو فروعًا الأقرب فالأقرب، وفي نفقة ذي الرحم يعتبر كونه أهلا للإرث، ولا تجب النفقة لرحم ليس بمحرم اتفاقا كأبناء الأعمام، بل حقهم صلتهم بالمودة، والزيارة، وحسن المعاشرة، والتفصيل في باب النفقة في كتب الفروع، فأرجع إليها، ووجوب نفقة كل ذي رحم محرم إذا كانوا فقراء على مذهب أبي حنيفة، وقال (٢) الشافعي: لا تلزم النفقة إلا لوالد على ولده، أو ولد على والديه فحسب.
وقوله: ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ معطوف على ﴿ذَا الْقُرْبى﴾؛ أي: وأعط - أيها المكلّف - من اتصف بالمسكنة أو بكونه من أبناء السبيل حقه، والمراد (٣)
وقوله: ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ معطوف على ﴿ذَا الْقُرْبى﴾؛ أي: وأعط - أيها المكلّف - من اتصف بالمسكنة أو بكونه من أبناء السبيل حقه، والمراد (٣)
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
77
به في هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة، والمسكين هو من له شيء من المال أو الكسب يقع موقعا من كفايته، ولا يكفيه تمام حاجته، والفقير من له شيء من المال أو الكسب لا يقع موقعًا من كفايته، أو لا شيء له أصلًا.
﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ هو المسافر لغرض في غير معصية المنقطع عن ماله، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده، وقد بسطنا الكلام على الأصناف الثلاثة في سورة التوبة فراجعها.
ولما أمر الله سبحانه بما أمر به من الإنفاق نهى عن التبذير، وهو صرف المال في غير مصارفه، وتفريقه كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، كما يفرّق البذر في الأرض، وقال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه، وهو حرام فقال: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾؛ أي: ولا (١) تفرق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال في معصيته، تفريقا بإعطائه من لا يستحقه أو بإنفاقه في المحرمات كالمناهي والملاهي، أو بإنفاقه رئاءً وسمعةً،
٢٧ - ثم نبه سبحانه على قبح التبذير بإضافته إلى الشياطين فقال: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ﴾؛ أي: إنّ المسرفين بإنفاق أموالهم في غير مصارفها ﴿كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ أي: أتباعهم وأصدقاءهم؛ لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف، تقول العرب: لكل من لازم سنّة قوم واتبع أثرهم هو أخوهم؛ أي: إنّ المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته إخوان الشياطين، وقرناؤهم في الدنيا والآخرة كما قال: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ وقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ﴾، أي: قرناءهم من الشياطين ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ﴾؛ أي: لنعمة ربه التي أنعم بها عليه ﴿كَفُورًا﴾ أي جحودا لا يشكره عليها، بل يكفرها بترك طاعته، وارتكابه معصيته، وكذا إخوانه المبذرون أموالهم في معاصي الله، لا يشكرون الله على نعمه عليهم، بل يخالفون
﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ هو المسافر لغرض في غير معصية المنقطع عن ماله، فيجب إعانته ومساعدته على سفره حتى يصل إلى مقصده، وقد بسطنا الكلام على الأصناف الثلاثة في سورة التوبة فراجعها.
ولما أمر الله سبحانه بما أمر به من الإنفاق نهى عن التبذير، وهو صرف المال في غير مصارفه، وتفريقه كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، كما يفرّق البذر في الأرض، وقال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه، وهو حرام فقال: ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾؛ أي: ولا (١) تفرق أيها الإنسان ما أعطاك الله من مال في معصيته، تفريقا بإعطائه من لا يستحقه أو بإنفاقه في المحرمات كالمناهي والملاهي، أو بإنفاقه رئاءً وسمعةً،
٢٧ - ثم نبه سبحانه على قبح التبذير بإضافته إلى الشياطين فقال: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ﴾؛ أي: إنّ المسرفين بإنفاق أموالهم في غير مصارفها ﴿كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ أي: أتباعهم وأصدقاءهم؛ لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف، تقول العرب: لكل من لازم سنّة قوم واتبع أثرهم هو أخوهم؛ أي: إنّ المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته إخوان الشياطين، وقرناؤهم في الدنيا والآخرة كما قال: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ وقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ﴾، أي: قرناءهم من الشياطين ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ﴾؛ أي: لنعمة ربه التي أنعم بها عليه ﴿كَفُورًا﴾ أي جحودا لا يشكره عليها، بل يكفرها بترك طاعته، وارتكابه معصيته، وكذا إخوانه المبذرون أموالهم في معاصي الله، لا يشكرون الله على نعمه عليهم، بل يخالفون
(١) المراغي.
أمره، ولا يستنون سنّته، ويتركون الشكران عليها، ويتلقونها بالكفران، وقرأ الحسن والضحاك (١): ﴿إخوان الشيطان﴾ على الإفراد، وكذا ثبت في مصحف أنس.
قال الكرخي: وكذلك من رزقه الله جاهًا أو مالًا فصرفه إلى غير مرضاة الله، كان كفورًا لنعمة الله؛ لأنه موافق للشيطان في الصفة والفعل اهـ، وفي ذكر وصف الشيطان بالكفران دون ذكر سائر أوصافه بيان لحال المبذر؛ لأنه لما صرف نعم الله عليه في غير موضعها كفر بها ولم يشكرها، كما أنّ الشيطان كفر بهذه النعم.
وقد كان من عادة العرب أن يجمعوا أموالهم من السلب، والنهب، والغارة، ثم ينفقونها في التفاخر، وحب الشهرة، وكان المشركون من قريش ينفقون أموالهم ليصدّوا الناس عن الإسلام، وتوهين أهله، وإعانة أعدائه، فجاءت الآية تبين قبح أعمالهم.
٢٨ - ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾ تقدم قريبًا أن أصل إِمَّا هذه مركب من ﴿إن﴾ الشرطية، و ﴿ما﴾ الإبهامية، وأنّ دخول نون التوكيد على الشرط لمشابهته للنهي؛ أي: وإن أعرضت - يا محمد أو أيها المكلف - عن هؤلاء الذين أُمرت أن تؤتيهم؛ أي عن ذي القربى والمسكين، وابن السبيل حياءً من التصريح بالرد لكونك كنت فقيرًا في وقت طلبهم منك ﴿ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾؛ أي: لانتظار مجيىء رزق من ربك ترجوه، أن يأتيك فتعطيهم، وقيل (٢): معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك، فوضع الابتغاء موضع الفقد، لأن الفقد سبب للابتغاء، فأقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق؛ لأن فاقد الرزق مبتغ له؛ أي: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك. ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾، أي قولًا سهلًا لينًا كالوعد الجميل، أو الاعتذار المقبول؛ أي: عدهم وعدًا طيبًا تطيب به قلوبهم، وقيل: هو أن يقول:
قال الكرخي: وكذلك من رزقه الله جاهًا أو مالًا فصرفه إلى غير مرضاة الله، كان كفورًا لنعمة الله؛ لأنه موافق للشيطان في الصفة والفعل اهـ، وفي ذكر وصف الشيطان بالكفران دون ذكر سائر أوصافه بيان لحال المبذر؛ لأنه لما صرف نعم الله عليه في غير موضعها كفر بها ولم يشكرها، كما أنّ الشيطان كفر بهذه النعم.
وقد كان من عادة العرب أن يجمعوا أموالهم من السلب، والنهب، والغارة، ثم ينفقونها في التفاخر، وحب الشهرة، وكان المشركون من قريش ينفقون أموالهم ليصدّوا الناس عن الإسلام، وتوهين أهله، وإعانة أعدائه، فجاءت الآية تبين قبح أعمالهم.
٢٨ - ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾ تقدم قريبًا أن أصل إِمَّا هذه مركب من ﴿إن﴾ الشرطية، و ﴿ما﴾ الإبهامية، وأنّ دخول نون التوكيد على الشرط لمشابهته للنهي؛ أي: وإن أعرضت - يا محمد أو أيها المكلف - عن هؤلاء الذين أُمرت أن تؤتيهم؛ أي عن ذي القربى والمسكين، وابن السبيل حياءً من التصريح بالرد لكونك كنت فقيرًا في وقت طلبهم منك ﴿ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾؛ أي: لانتظار مجيىء رزق من ربك ترجوه، أن يأتيك فتعطيهم، وقيل (٢): معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك، فوضع الابتغاء موضع الفقد، لأن الفقد سبب للابتغاء، فأقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق؛ لأن فاقد الرزق مبتغ له؛ أي: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك. ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾، أي قولًا سهلًا لينًا كالوعد الجميل، أو الاعتذار المقبول؛ أي: عدهم وعدًا طيبًا تطيب به قلوبهم، وقيل: هو أن يقول:
(١) البحر المحيط.
(٢) البيضاوي.
(٢) البيضاوي.
رزقنا الله وإياكم من فضله.
والمعنى: أي (١) وإن أعرضت عن ذوي القربى والمسكين، وابن السبيل، وأنت تستحي أن ترد عليهم انتظار فرج من الله ترجو أن يأتيك، ورزق يفيض عليك فقل لهم قولًا لينًا جميلًا، وعدهم وعدًا تطيب به قلوبهم. قال الحسن: أمر أن يقول لهم: «نعم وكرامةً، وليس عندنا اليوم شيء، فإن يأتنا نعرف حقكم».
وفي هذا تأديب من الله لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون، وكيف يردون، ولقد أحسن من قال:
٢٩ - ثم بيّن سبحانه الطريق المثلى في إنفاق المال فقال: ﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ أيها الإنسان ﴿يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾؛ أي: مضمومة ﴿إِلى عُنُقِكَ﴾ مجموعة معه في الغل، وهو: بضم الغين طوق من حديد يجعل في العنق؛ أي: لا تمسك يدك عن الإنفاق في الحق، والخير كالمغلولة يده إلى عنقه، لا يقدر على مدها؛ أي: لا تمسك عن الإنفاق بحيث تضيق على نفسك وأهلك. ﴿وَلا تَبْسُطْها﴾؛ أي: لا تمدها في الإنفاق ﴿كُلَّ الْبَسْطِ﴾ فتعطي جميع ما عندك في وجوه صلة الرحم، وسبيل الخيرات؛ أي: لا تتوسّع (٢) في الإنفاق توسّعًا مفرطًا بحيث لا يبقى في يدك شيء، وروي عن قالون ﴿كل البصط﴾ بالصاد ذكره في «البحر» ﴿فَتَقْعُدَ﴾؛ أي: فتصير ﴿مَلُومًا﴾ عند الله تعالى؛ لأنّ المسرف غير مرضي عنده تعالى، وعند أصحابك فهم يلومونك على تضييع المال بالكلية، وإبقاء الأهل والولد في الضر، وتبقى ملوما عند نفسك بسبب سوء تدبيرك، وترك الحزم في مهمّات معاشك، أو ملومًا على البخل من الواجبات. ﴿مَحْسُورًا﴾؛ أي: نادمًا على ما فرط منك من الإنفاق أو منقطعًا لا شيء عندك تنفقه، أو منقطعًا عنك الأحباب بسبب ذهاب
والمعنى: أي (١) وإن أعرضت عن ذوي القربى والمسكين، وابن السبيل، وأنت تستحي أن ترد عليهم انتظار فرج من الله ترجو أن يأتيك، ورزق يفيض عليك فقل لهم قولًا لينًا جميلًا، وعدهم وعدًا تطيب به قلوبهم. قال الحسن: أمر أن يقول لهم: «نعم وكرامةً، وليس عندنا اليوم شيء، فإن يأتنا نعرف حقكم».
وفي هذا تأديب من الله لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون، وكيف يردون، ولقد أحسن من قال:
إلّا يكن ورقٌ يومًا أجود به | للسَّائلين فإنّي ليِّن العودِ |
لا يعدم السَّائلون الخير في خلقي | إمّا نوالٌ وإمَّا حسن مردودِ |
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
80
الأسباب من (١): حسره السفر إذا أثَّر فيه أثرا بليغًا، أو عاريا من حسر رأسه، ولا تشكل هذه الآية على ما ورد من فعل السلف الذين خرجوا عن أموالهم في محبة الله ورسوله وصاروا فقراء؛ لأن النهي محمول على من كان يعقبه النّدم والتحسّر، بخلاف السّلف، فلم يوجد منهم التحسر.
والمعنى: أي لا تكن (٢) بخيلًا منوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فإنك إن بخلت كنت ملومًا مذمومًا عند الناس، كما قال زهير:
ومذمومًا عند الله لحرمان الفقير والمسكين من فضل مالك، وقد أوجب الله عليك سدّ حاجتهما بإعطاء زكاة أموالك.
وإن أسرفت في أموالك فسرعان ما تفقدها فتصبح معسرًا بعد الغنى، ذليلًا بعد العزة، محتاجًا إلى معونة غيرك بعد أن كنت معينًا له، وحينئذٍ تقع في الحسرة التي تقطع نياط قلبك، ويبلغ منك الأسى كلّ مبلغ، ولكن أنّى يفيد ذلك، وقد فات ما فات، فلا ينفع النّدم، ولا تجدي العظة والنصيحة.
وخلاصة ذلك: اقتصد في عيشك، وتوسّط في الإنفاق، ولا تكن بخيلًا، ولا مسرفًا.
روى أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: «ما عال من اقتصد» وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» وروي عن أنس مرفوعًا «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهمُّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين»، وقيل: «حسن التدبير مع العفاف خيرٌ من الغنى مع الإسراف».
وإجمال المعنى: لا تجعل يدك في انقباضها كالمغلولة الممنوعة عن
والمعنى: أي لا تكن (٢) بخيلًا منوعًا لا تعطي أحدًا شيئًا، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فإنك إن بخلت كنت ملومًا مذمومًا عند الناس، كما قال زهير:
وَمَنْ يكُ ذا مالٍ فيبخل بماله | على قومه يُستغنَ عنه ويُذْمَمِ |
وإن أسرفت في أموالك فسرعان ما تفقدها فتصبح معسرًا بعد الغنى، ذليلًا بعد العزة، محتاجًا إلى معونة غيرك بعد أن كنت معينًا له، وحينئذٍ تقع في الحسرة التي تقطع نياط قلبك، ويبلغ منك الأسى كلّ مبلغ، ولكن أنّى يفيد ذلك، وقد فات ما فات، فلا ينفع النّدم، ولا تجدي العظة والنصيحة.
وخلاصة ذلك: اقتصد في عيشك، وتوسّط في الإنفاق، ولا تكن بخيلًا، ولا مسرفًا.
روى أحمد وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: «ما عال من اقتصد» وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - ﷺ -: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة» وروي عن أنس مرفوعًا «التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهمُّ نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين»، وقيل: «حسن التدبير مع العفاف خيرٌ من الغنى مع الإسراف».
وإجمال المعنى: لا تجعل يدك في انقباضها كالمغلولة الممنوعة عن
(١) النسفي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
81
الانبساط، ولا تَتَوسَّع في الإنفاق، فتصير نادمًا مغمومًا، وعاجزًا عن الإنفاق لا شيء عندك، فتكون كالدابة التي قد عجزت عن السير، فوقفت ضعفًا وعجزًا وإعياء.
٣٠ - ثم سلّى رسوله والمؤمنين بأن الذي يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله تعالى، ولكن لمشيئة الخالق الرزاق فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ أيها الرسول ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ البسط عليه من عباده، ويوسّعه عليه وَيَقْدِرُ؛ أي: يضيّق على من يشاء التضييق عليه بحسب السنن التي وضعها لعباده في كسب المال، وحسن تصرفهم في جمعه بالوسائل والنظم التي وضعها في الكون؛ أي: يوسعه على بعض، ويضيّقه على بعض، لحكمةٍ بالغةٍ لا لكون من وسّع له رزقه مكرمًا عنده، ومن ضيّقه عليه مهانًا لديه.
فعلى العاقل (١): التسليم لأمر الله تعالى، والرضى بقضائه، والصّبر في موارد القبض، والشكر في مواقع البسط، والإنفاق مهما أمكن، ثمّ علّل ما ذكره من البسط للبعض، والتضييق على البعض بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كانَ بِعِبادِهِ﴾؛ أي: ببواطن عباده، ﴿خَبِيرًا﴾ وبظواهرهم ﴿بَصِيرًا﴾ فيعلم ما يسرّون وما يعلنون، لا يخفى عليه من ذلك خافيةٌ، فهو الخبير بأحوالهم، البصير بكيفية تدبيرهم، في أرزاقهم.
والمعنى: أنّ (٢) ربّك ذو خبرة بعباده فيعلم من الذي تصلحه السِّعة في الرزق، ومن الذي تفسده، ومن الذي يصلحه الإقتار والضّيق، ومن الذي يفسده، وهو البصير بتدبيرهم وسياستهم فعليك أن تعمل بما أمرك به، أو نهاك عنه من بسط يدك فيما تبسط فيه، وفيمن تبسطها له، وفي كفها عمن تكفها عنه، فهو أعلم بمصالح العباد منك، ومن جميع الخلق، وأبصرهم بتدبير شؤونهم.
وقصارى ذلك: أنكم إذا علمتم أنّ شأنه تعالى البسط والقبض، وأمعنتم النظر في ذلك وجدتم أنّ من سننه تعالى الاقتصاد، فاقتصدوا واستنوا بسننه.
٣٠ - ثم سلّى رسوله والمؤمنين بأن الذي يرهقهم من الإضافة ليس لهوانهم على الله تعالى، ولكن لمشيئة الخالق الرزاق فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ أيها الرسول ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ البسط عليه من عباده، ويوسّعه عليه وَيَقْدِرُ؛ أي: يضيّق على من يشاء التضييق عليه بحسب السنن التي وضعها لعباده في كسب المال، وحسن تصرفهم في جمعه بالوسائل والنظم التي وضعها في الكون؛ أي: يوسعه على بعض، ويضيّقه على بعض، لحكمةٍ بالغةٍ لا لكون من وسّع له رزقه مكرمًا عنده، ومن ضيّقه عليه مهانًا لديه.
فعلى العاقل (١): التسليم لأمر الله تعالى، والرضى بقضائه، والصّبر في موارد القبض، والشكر في مواقع البسط، والإنفاق مهما أمكن، ثمّ علّل ما ذكره من البسط للبعض، والتضييق على البعض بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كانَ بِعِبادِهِ﴾؛ أي: ببواطن عباده، ﴿خَبِيرًا﴾ وبظواهرهم ﴿بَصِيرًا﴾ فيعلم ما يسرّون وما يعلنون، لا يخفى عليه من ذلك خافيةٌ، فهو الخبير بأحوالهم، البصير بكيفية تدبيرهم، في أرزاقهم.
والمعنى: أنّ (٢) ربّك ذو خبرة بعباده فيعلم من الذي تصلحه السِّعة في الرزق، ومن الذي تفسده، ومن الذي يصلحه الإقتار والضّيق، ومن الذي يفسده، وهو البصير بتدبيرهم وسياستهم فعليك أن تعمل بما أمرك به، أو نهاك عنه من بسط يدك فيما تبسط فيه، وفيمن تبسطها له، وفي كفها عمن تكفها عنه، فهو أعلم بمصالح العباد منك، ومن جميع الخلق، وأبصرهم بتدبير شؤونهم.
وقصارى ذلك: أنكم إذا علمتم أنّ شأنه تعالى البسط والقبض، وأمعنتم النظر في ذلك وجدتم أنّ من سننه تعالى الاقتصاد، فاقتصدوا واستنوا بسننه.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
٣١ - وبعد أن بيّن أنه تعالى الكفيل بالأرزاق، وهو الذي يبسط ويقدر، نهاهم عن قتل الأولاد خشية الفقر، فقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا﴾ يا معاشر العرب ﴿أَوْلادَكُمْ﴾، ولا تئدوا بناتكم بدفنها حيّةً ﴿خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾؛ أي: لأجل خوف فقر وفاقة في المستقبل إن تركتموهم حية؛ أي: لا تقتلوهم مخافة فقر، ولا لغير مخافة فـ ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ لا أنتم، أي: نرزقهم (١) من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيطرأ عليكم ما تخشونه من الفقر، فلا تخافوا الفقر لعلمكم بعجزهم عن تحصيل رزقهم، وقد كان العرب في جاهليتهم يقتلون البنات لعجزهم عن الكسب وقدرة البنين عليه بالغارات، والسّلب والنّهب، ولأنّ فقرهم ينفر الأكفاء عن الرغبة فيهنّ فيحتاجون إلى تزويجهن لغير الأكفاء، وفي ذلك عار أيُّما عار عليهم، وقوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ خطاب للموسرين بدليل قوله: خشية إملاق، ولذلك قدّم الأولاد، وما تقدّم في الأنعام خطابٌ للمعسرين، ولذلك قدم ذكر الآباء وأخّر ذكر الأولاد ذكره الصاوي.
والحاصل: أن الحكمة في تقديم رزق الأبناء على رزق الآباء في قوله هنا: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾، وفي سورة الأنعام قدم رزق الآباء على رزق الأبناء حيث قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. أنّ قتل الأولاد هنا كان خشية وقوع الفقر بسببهم، فقدّم تعالى رزق الأولاد، وفي الأنعام كان قتلهم بسبب فقر الآباء فعلًا، فقدّم رزق الآباء، فلله در التنزيل ما أدق أسراره، فقتل (٢) الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظنّ بالله تعالى، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم، فالأول: ضد التعظيم لأمر الله تعالى، والثاني: ضد الشفقة على خلق الله وكلاهما مذمومٌ غاية الذم، قال بعضهم: والذي حملهم على قتل الأولاد البُخلُ وطولُ الأمل.
والخلاصة: أن الأرزاقَ بيد الله، فكما يفتح خزائنَه للبنينَ، يفتحها للبنات، فليس لكم سبب يدعو إلى قتلهن، ومن ثُمَّ قال: ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ﴾؛ أي: إنَّ قتل
والحاصل: أن الحكمة في تقديم رزق الأبناء على رزق الآباء في قوله هنا: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾، وفي سورة الأنعام قدم رزق الآباء على رزق الأبناء حيث قال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾. أنّ قتل الأولاد هنا كان خشية وقوع الفقر بسببهم، فقدّم تعالى رزق الأولاد، وفي الأنعام كان قتلهم بسبب فقر الآباء فعلًا، فقدّم رزق الآباء، فلله در التنزيل ما أدق أسراره، فقتل (٢) الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظنّ بالله تعالى، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم، فالأول: ضد التعظيم لأمر الله تعالى، والثاني: ضد الشفقة على خلق الله وكلاهما مذمومٌ غاية الذم، قال بعضهم: والذي حملهم على قتل الأولاد البُخلُ وطولُ الأمل.
والخلاصة: أن الأرزاقَ بيد الله، فكما يفتح خزائنَه للبنينَ، يفتحها للبنات، فليس لكم سبب يدعو إلى قتلهن، ومن ثُمَّ قال: ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ﴾؛ أي: إنَّ قتل
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
الأولاد لخوف فقر، ولا لغيره ﴿كانَ خِطْأً كَبِيرًا﴾؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وإثمًا فظيعًا لما فيه من انقطاع التناسل، وزوال هذا النوع من الوجود.
وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا، وهو خلقك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك».
وقرأ الأعمش وابن وثَّاب (١): ﴿ولا تُقَتِّلوا﴾ بالتضعيف، وقرىء ﴿خِشْيَةَ﴾ بكسر الخاء، وقرأ الجمهور ﴿خِطْأً﴾ بكسر الخاء، وسكون الطاء، وقرأ ابن كثير بكسرها، وفتح الطاء، والمدّ، وهي قراءة طلحة، وشبل، والأعمش، ويحيى، وخالد بن إلياس، وقتادة، والحسن، والأعرج، بخلاف عنهما. وقال النحاس: لا أعرف لهذه القراءة وجها، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا، وقرأ ابن ذكوان ﴿خَطأً﴾ على وزن نبأ، وقرأ الحسن ﴿خَطَاءً﴾ بفتحهما، والمد جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى قاله ابن جني، وقال أبو حاتم: هي غلط غير جائز، ولا يعرف هذا في اللغة، وقرأ أبو رجاء، والزهري، كذلك إلا أنّهما كسرا الخاء فصار مثل ربا، وكلاهما من خطىء في الدين، وأخطأ في الرّأي، وجاء عن ابن عامر خطأ بالفتح، والقصر مع إسكان الطاء، وهو مصدر ثالث من خطىء بالكسر.
٣٢ - ولما كان في قتل الأولاد حظ من البخل، وفي الزنا داعٍ من دواعي الإسراف أتبعه به، فقال: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ أيها المكلفون بمباشرة مقدماته من اللمس، والقبلة والنظرة، والمعانقة والغمزة.
وفي النهي (٢) عن قربانه بمباشرة مقدماته نهيٌ عنه بالأولى؛ فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حرامًا.. كان المتوسّل إليه حرامًا، بفحوى الخطاب، والزنا: الأكثر فيه القصر، ويمد لغة لا ضرورةً هكذا نقل اللغويون.
وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن بالمدّ قال أبو عبيدة: وقد يمدّ الزنا
وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا، وهو خلقك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك».
وقرأ الأعمش وابن وثَّاب (١): ﴿ولا تُقَتِّلوا﴾ بالتضعيف، وقرىء ﴿خِشْيَةَ﴾ بكسر الخاء، وقرأ الجمهور ﴿خِطْأً﴾ بكسر الخاء، وسكون الطاء، وقرأ ابن كثير بكسرها، وفتح الطاء، والمدّ، وهي قراءة طلحة، وشبل، والأعمش، ويحيى، وخالد بن إلياس، وقتادة، والحسن، والأعرج، بخلاف عنهما. وقال النحاس: لا أعرف لهذه القراءة وجها، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا، وقرأ ابن ذكوان ﴿خَطأً﴾ على وزن نبأ، وقرأ الحسن ﴿خَطَاءً﴾ بفتحهما، والمد جعله اسم مصدر من أخطأ كالعطاء من أعطى قاله ابن جني، وقال أبو حاتم: هي غلط غير جائز، ولا يعرف هذا في اللغة، وقرأ أبو رجاء، والزهري، كذلك إلا أنّهما كسرا الخاء فصار مثل ربا، وكلاهما من خطىء في الدين، وأخطأ في الرّأي، وجاء عن ابن عامر خطأ بالفتح، والقصر مع إسكان الطاء، وهو مصدر ثالث من خطىء بالكسر.
٣٢ - ولما كان في قتل الأولاد حظ من البخل، وفي الزنا داعٍ من دواعي الإسراف أتبعه به، فقال: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ أيها المكلفون بمباشرة مقدماته من اللمس، والقبلة والنظرة، والمعانقة والغمزة.
وفي النهي (٢) عن قربانه بمباشرة مقدماته نهيٌ عنه بالأولى؛ فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حرامًا.. كان المتوسّل إليه حرامًا، بفحوى الخطاب، والزنا: الأكثر فيه القصر، ويمد لغة لا ضرورةً هكذا نقل اللغويون.
وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، والحسن بالمدّ قال أبو عبيدة: وقد يمدّ الزنا
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
84
في كلام أهل نجد.
قال الفرزدق:
ثم علل النهي عن الزنا بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ أي: إن الزنا ﴿كانَ فاحِشَةً﴾؛ أي: فعلة قبيحة ظاهرة القبح، لاشتماله على فساد الأنساب، وعلى التقاتل، فإن الإنسان لا يعرف أن الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أو من غيره؟ فلا يقوم بتربيته، وذلك يوجب ضياع الأولاد، وانقطاع النسل، وخراب العالم، ﴿وَساءَ﴾ الزنا، وقبح من جهة كونه ﴿سَبِيلًا﴾؛ أي طريقًا إلى النار، والمخصوص بالذم طريقه. ولا خلاف في كونه من الكبائر، وقد ورد في تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم.
والحاصل: أن الزنا اشتمل على مفاسدَ كثيرةٍ (١)، أهمها:
١ - اختلاط الأنساب، واشتباهها وإذا شك المرء في الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أم من غيره؟ لا يقوم بتربيته، ولا يستمر في تعهده، وذلك مما يوجب إضاعة النسل، وخراب العالم كما مر آنفًا.
٢ - فتح باب الهرج والمرج، والاضطراب بين الناس دفاعًا عن العرض، فكم سمعنا بحوادث قتلٍ كان مبعثها الإقدام على الزّنا حتى إنه ليقال عند السماع بحادث قتل: فتّش عن المرأة.
٣ - أن المرأة إذا عرفت بالزنا، وشهرت به استقذرها كل ذي طبع سليم، فلا تحدث ألفة بينها وبين زوجها، ولا يتم السّكن والازدواج الذي جعله الله مودّةً، ورحمة بين الناس بقوله: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
٤ - أنه ليس المقصد من المرأة مجرد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكةً
قال الفرزدق:
أَخَضَبْتَ فِعْلَكَ للزِّناء وَلَمْ تَكُنْ | يَوْمَ اللِّقَاء لِتَخْضِبَ الأَبْطَالَا |
والحاصل: أن الزنا اشتمل على مفاسدَ كثيرةٍ (١)، أهمها:
١ - اختلاط الأنساب، واشتباهها وإذا شك المرء في الولد الذي أتت به الزانية أهو منه أم من غيره؟ لا يقوم بتربيته، ولا يستمر في تعهده، وذلك مما يوجب إضاعة النسل، وخراب العالم كما مر آنفًا.
٢ - فتح باب الهرج والمرج، والاضطراب بين الناس دفاعًا عن العرض، فكم سمعنا بحوادث قتلٍ كان مبعثها الإقدام على الزّنا حتى إنه ليقال عند السماع بحادث قتل: فتّش عن المرأة.
٣ - أن المرأة إذا عرفت بالزنا، وشهرت به استقذرها كل ذي طبع سليم، فلا تحدث ألفة بينها وبين زوجها، ولا يتم السّكن والازدواج الذي جعله الله مودّةً، ورحمة بين الناس بقوله: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
٤ - أنه ليس المقصد من المرأة مجرد قضاء الشهوة، بل أن تصير شريكةً
(١) المراغي.
85
للرجل في ترتيب المنزل، وإعداد مهامه من مطعوم، ومشروب، وملبوس، وأن تكون حافظة له قائمة بشؤون الأولاد، والخدم، وهذه المهامّ لا تتم على وجه الكمال إلّا إذا كانت مختصة برجل واحد منقطعة له دون غيره من الناس.
وإجمال ذلك: أن الزّنا فاحشة، وأيّ فاحشة لما فيه من اختلاط الأنساب، والتقاتل، والتناحر، دفاعا عن العرض، وأنه سبيل سيّىء من قبل أنه يسوّي بين الإنسان والحيوان في عدم اختصاص الذّكران بالإناث.
٣٣ - وبعد أن نهى عن قتل الأولاد للسبب المتقدم، نهى عن القتل مطلقًا، فقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا﴾ أيها العباد ﴿النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى قتلها بالإسلام والعهد ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي إلا قتلًا متلبسًا بالحق، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدًا، كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان، وغيرهما، عن ابن مسعود «لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة».
فالمراد بالتي حرّم الله التي جعلها معصومة بعصمة الدين، أو عصمة العهد، والمراد بالحق الذي استثناه، هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل من إحدى الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث السابق؛ أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق، أو إلا متلبسين بالحق.
ولتحريم (١) القتل حكم (٢):
١ - أنه إفساد، فوجب تحريمه لقوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾.
٢ - أنه ضرر، والأصل في المضارة الحرمة لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقوله - ﷺ -: «لا ضرر ولا ضرار».
٣ - أنه إذا أبيح القتل زال هذا النوع من الوجود، ففتك القوي بالضعيف،
وإجمال ذلك: أن الزّنا فاحشة، وأيّ فاحشة لما فيه من اختلاط الأنساب، والتقاتل، والتناحر، دفاعا عن العرض، وأنه سبيل سيّىء من قبل أنه يسوّي بين الإنسان والحيوان في عدم اختصاص الذّكران بالإناث.
٣٣ - وبعد أن نهى عن قتل الأولاد للسبب المتقدم، نهى عن القتل مطلقًا، فقال: ﴿وَلا تَقْتُلُوا﴾ أيها العباد ﴿النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى قتلها بالإسلام والعهد ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي إلا قتلًا متلبسًا بالحق، وهو أحد أمور ثلاثة: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن معصوم عمدًا، كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان، وغيرهما، عن ابن مسعود «لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة».
فالمراد بالتي حرّم الله التي جعلها معصومة بعصمة الدين، أو عصمة العهد، والمراد بالحق الذي استثناه، هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل من إحدى الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث السابق؛ أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق، أو إلا متلبسين بالحق.
ولتحريم (١) القتل حكم (٢):
١ - أنه إفساد، فوجب تحريمه لقوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾.
٢ - أنه ضرر، والأصل في المضارة الحرمة لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقوله - ﷺ -: «لا ضرر ولا ضرار».
٣ - أنه إذا أبيح القتل زال هذا النوع من الوجود، ففتك القوي بالضعيف،
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
86
وحدث الاضطراب في المجتمع، فلا يستقيم للنّاس حال، ولا ينتظم لهم معاش.
﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾؛ أي بغير سبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعًا ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ﴾؛ أي: لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين ﴿سُلْطانًا﴾؛ أي: تسلّطًا واستيلاءً على القاتل، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدّية.
ثم لما بيّن إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوضٌ عن القصاص، نهاه عن مجاوزة الحد فقال: ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾؛ أي: لا يتجاوز ما أباحه الله له، فيقتل بالواحد اثنين، أو جماعة كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ إذ كانوا يقتلون القاتل، ويقتلون معه غيره، إذا كان رجلًا شريفًا، وأحيانًا لا يرضون بقتل القاتل، بل يقتلون بدله رجلًا شريفًا، أو يمثّل بالقاتل أو يعذبه.
وفي الآية: إيماء إلى أن الأولى للولي أن لا يقدم على استيفاء القتل، وأن يكتفي بالدية أو يعفو.
ثم علل النهي عن السرف فقال: ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إن ولي المقتول ﴿كانَ مَنْصُورًا﴾ من جهة الله سبحانه وتعالى؛ أي: إنّ الله سبحانه نصر الولي بأن أوجب له القصاص، أو الدية، وأمر الحكّام أن يعينوه على استيفاء حقه، فلا يبغي ما وراءه، ولا يطمع في الزيادة على ذلك.
وقد يكون المعنى: إنّ المقتول ظلمًا منصور في الدنيا بإيجاب القود له على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه، وإيجاب النار لقاتله، وهذه الآية أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَلا يُسْرِفْ﴾ بياء الغيبة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي، وزيد بن علي، وحذيفة، وابن وثاب، والأعمش، ومجاهد، بخلاف
﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾؛ أي بغير سبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعًا ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ﴾؛ أي: لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين ﴿سُلْطانًا﴾؛ أي: تسلّطًا واستيلاءً على القاتل، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدّية.
ثم لما بيّن إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول، أو ما هو عوضٌ عن القصاص، نهاه عن مجاوزة الحد فقال: ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾؛ أي: لا يتجاوز ما أباحه الله له، فيقتل بالواحد اثنين، أو جماعة كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ إذ كانوا يقتلون القاتل، ويقتلون معه غيره، إذا كان رجلًا شريفًا، وأحيانًا لا يرضون بقتل القاتل، بل يقتلون بدله رجلًا شريفًا، أو يمثّل بالقاتل أو يعذبه.
وفي الآية: إيماء إلى أن الأولى للولي أن لا يقدم على استيفاء القتل، وأن يكتفي بالدية أو يعفو.
ثم علل النهي عن السرف فقال: ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إن ولي المقتول ﴿كانَ مَنْصُورًا﴾ من جهة الله سبحانه وتعالى؛ أي: إنّ الله سبحانه نصر الولي بأن أوجب له القصاص، أو الدية، وأمر الحكّام أن يعينوه على استيفاء حقه، فلا يبغي ما وراءه، ولا يطمع في الزيادة على ذلك.
وقد يكون المعنى: إنّ المقتول ظلمًا منصور في الدنيا بإيجاب القود له على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه، وإيجاب النار لقاتله، وهذه الآية أول ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَلا يُسْرِفْ﴾ بياء الغيبة، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي، وزيد بن علي، وحذيفة، وابن وثاب، والأعمش، ومجاهد، بخلاف
(١) البحر المحيط.
87
عنه، وجماعة بتاء الخطاب، والظاهر: أنه على خطاب الولي، فالضمير له، وقال الطبري الخطاب للرسول - ﷺ -: والأئمة من بعده، أي فلا تقتلوا غير القاتل انتهى. وقال ابن عطيّة، وقرأ أبو مسلم السراج، صاحب الدعوة العباسيَّة ﴿فلا يسرفُ﴾ بضم الفاء على الخبر، ومعناه النهي، وقد يأتي الأمر، والنهي بلفظ الخبر، ثم قال: وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر، وفي قراءة أبيّ ﴿فلا تسرفوا في القتل، إنّ وليّ المقتول كان منصورًا﴾ والأولى حملها على التفسير لا على القراءة لمخالفتها سواد المصحف، ولأن المستفيض عنه ﴿إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا﴾ كقراءة الجماعة.
الإعراب
﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (١٦)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذا﴾ ظرفٌ لما يستقبل من الزمان، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ﴿أَرَدْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها ﴿أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾ ناصب وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، لـ ﴿أَرَدْنا﴾ تقديره: وإذا أردنا إهلاك قرية من القرى ﴿أَمَرْنا﴾ فعل وفاعل ﴿مُتْرَفِيها﴾ مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية جواب ﴿إِذا﴾ لا محلّ لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة مسوقة لبيان الأسباب التي تهلك بها القرى ﴿فَفَسَقُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿فسقوا﴾ فعل وفاعل فِيها متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَمَرْنا﴾. ﴿فَحَقَّ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة حق فعل ماض ﴿عَلَيْهَا﴾ متعلق به ﴿الْقَوْلُ﴾ فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فسقوا﴾ لا على جملة ﴿أَمَرْنا﴾ لأن العاطف هنا مرتب ﴿فَدَمَّرْناها﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿دمرناها﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿تَدْمِيرًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، مؤكد لعامله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)﴾.
الإعراب
﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا (١٦)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذا﴾ ظرفٌ لما يستقبل من الزمان، والظرف متعلق بالجواب الآتي، ﴿أَرَدْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها ﴿أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً﴾ ناصب وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، لـ ﴿أَرَدْنا﴾ تقديره: وإذا أردنا إهلاك قرية من القرى ﴿أَمَرْنا﴾ فعل وفاعل ﴿مُتْرَفِيها﴾ مفعول به منصوب بالياء، والجملة الفعلية جواب ﴿إِذا﴾ لا محلّ لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة مسوقة لبيان الأسباب التي تهلك بها القرى ﴿فَفَسَقُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿فسقوا﴾ فعل وفاعل فِيها متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَمَرْنا﴾. ﴿فَحَقَّ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة حق فعل ماض ﴿عَلَيْهَا﴾ متعلق به ﴿الْقَوْلُ﴾ فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فسقوا﴾ لا على جملة ﴿أَمَرْنا﴾ لأن العاطف هنا مرتب ﴿فَدَمَّرْناها﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿دمرناها﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿تَدْمِيرًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، مؤكد لعامله، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾.
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)﴾.
88
﴿وَكَمْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿كَمْ﴾ خبرية بمعنى عدد كثير في محل النصب على المفعولية بـ ﴿أَهْلَكْنا﴾ ﴿أَهْلَكْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿مِنَ﴾ حرف جر وبيان لكنها زائدة في تمييز ﴿كَمْ﴾ الخبرية ﴿الْقُرُونِ﴾ مجرور بـ ﴿مِنَ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَهْلَكْنا﴾ ﴿مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ جار ومجرور حال ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ أو متعلق بـ ﴿أَهْلَكْنا﴾ وجاز تعلّق حرفي جرّ متّحدي اللفظ بعامل واحد، لاختلاف معناهما؛ لأن الأولى، للبيان، والثانية: لابتداء الغاية، كما ذكره الكرخي، ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾ فعل وفاعل، و ﴿الباء﴾ زائدة في فاعل ﴿كَفى﴾، والجملة مستأنفة ﴿بِذُنُوبِ عِبادِهِ﴾ جار ومجرور، مضاف إليه متعلق بما بعده على سبيل التنازع ﴿خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ تمييزان لنسبة ﴿كَفى﴾ كما في «الفتوحات».
﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)﴾.
﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط أو هما ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، واسمها ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿يُرِيدُ الْعاجِلَةَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾؛ والجملة الفعلية في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾ ﴿عَجَّلْنا﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونه جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿لَهُ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَجَّلْنا﴾ ﴿فِيها﴾ متعلق به أيضًا، أو حال من ما الموصولة المذكورة بعده ﴿ما﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿عَجَّلْنا﴾. ﴿نَشاءُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول المشيئة محذوف، تقديره: ما نشاء تعجيله، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط، الضمير المحذوف ﴿لِمَنْ﴾ جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله: ﴿لَهُ﴾ بدل بعض من كل ﴿نُرِيدُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعوله محذوف تقديره: لمن نريد التعجيل له، والجملة الفعلية صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، ﴿ثُمَّ جَعَلْنا﴾ ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف لتراخي المدة ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿عَجَّلْنا﴾ ﴿لَهُ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني
﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)﴾.
﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط أو هما ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، واسمها ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿يُرِيدُ الْعاجِلَةَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾؛ والجملة الفعلية في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾ ﴿عَجَّلْنا﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونه جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿لَهُ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَجَّلْنا﴾ ﴿فِيها﴾ متعلق به أيضًا، أو حال من ما الموصولة المذكورة بعده ﴿ما﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿عَجَّلْنا﴾. ﴿نَشاءُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول المشيئة محذوف، تقديره: ما نشاء تعجيله، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط، الضمير المحذوف ﴿لِمَنْ﴾ جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله: ﴿لَهُ﴾ بدل بعض من كل ﴿نُرِيدُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعوله محذوف تقديره: لمن نريد التعجيل له، والجملة الفعلية صلة ﴿مَنْ﴾ الموصولة، ﴿ثُمَّ جَعَلْنا﴾ ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف لتراخي المدة ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿عَجَّلْنا﴾ ﴿لَهُ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني
89
لـ ﴿جَعَلْنا﴾. ﴿جَهَنَّمَ﴾ مفعوله الأول ﴿يَصْلاها﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على مريد العاجلة، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير له ﴿مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ حالان من فاعل يصلى.
﴿وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿مَنْ﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط ﴿أَرادَ الْآخِرَةَ﴾ فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿وَسَعى﴾ فعل ماض في محل الجزم معطوف على ﴿أَرادَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ﴿لَها﴾ متعلق به ﴿سَعْيَها﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿سَعى﴾ ﴿فَأُولئِكَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب من الشرطية ﴿أولئك﴾ اسم إشارة للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ ﴿كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ فعل ناقص، واسمه وخبره، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿مَنْ﴾ الأولى.
﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)﴾.
﴿كُلًّا﴾ مفعول مقدم لـ ﴿نُمِدُّ﴾ والتنوين عوض عن المضاف إليه، أي كل واحد من ﴿الفريقين﴾ نُمِدُّ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله ﴿هؤُلاءِ﴾ بدل من ﴿كُلًّا﴾ بدل تفصيل من مجمل ﴿وَهَؤُلاءِ﴾ معطوف على ﴿هؤُلاءِ﴾ الأول ﴿مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نُمِدُّ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)﴾.
﴿انْظُرْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل مخاطب، والجملة مستأنفة ﴿كَيْفَ﴾ اسم استفهام في محل النصب على الحال؛ أي: انظر
﴿وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿مَنْ﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط ﴿أَرادَ الْآخِرَةَ﴾ فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿وَسَعى﴾ فعل ماض في محل الجزم معطوف على ﴿أَرادَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، ﴿لَها﴾ متعلق به ﴿سَعْيَها﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿سَعى﴾ ﴿فَأُولئِكَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب من الشرطية ﴿أولئك﴾ اسم إشارة للجمع المذكر في محل الرفع مبتدأ ﴿كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ فعل ناقص، واسمه وخبره، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية، على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿مَنْ﴾ الأولى.
﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)﴾.
﴿كُلًّا﴾ مفعول مقدم لـ ﴿نُمِدُّ﴾ والتنوين عوض عن المضاف إليه، أي كل واحد من ﴿الفريقين﴾ نُمِدُّ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله ﴿هؤُلاءِ﴾ بدل من ﴿كُلًّا﴾ بدل تفصيل من مجمل ﴿وَهَؤُلاءِ﴾ معطوف على ﴿هؤُلاءِ﴾ الأول ﴿مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نُمِدُّ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)﴾.
﴿انْظُرْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل مخاطب، والجملة مستأنفة ﴿كَيْفَ﴾ اسم استفهام في محل النصب على الحال؛ أي: انظر
90
فضلنا بعضهم على بعض كائنًا على أيّ حالةٍ، أو كيفيّةٍ، أو على التشبيه بالظرف منصوب، بـ ﴿فَضَّلْنا﴾ وهي معلقة لـ ﴿انْظُرْ﴾ بمعنى تفكر، ﴿فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ متعلق بـ ﴿فَضَّلْنا﴾، وجملة ﴿فَضَّلْنا﴾ في محل النصب مفعول ﴿انْظُرْ﴾ معلقة عنها بـ ﴿كَيْفَ﴾ ﴿وَلَلْآخِرَةُ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء، أو قسم ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ﴾ مبتدأ وخبر ﴿دَرَجاتٍ﴾ تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة الاسمية مستأنفة، أو جواب لقسم محذوف، ﴿وَأَكْبَرُ﴾ معطوف على ﴿أَكْبَرُ﴾. ﴿تَفْضِيلًا﴾ منصوب على التمييز.
﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)﴾.
﴿لا تَجْعَلْ﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على محمد أو على كل مخاطب، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف مفعول ثان، لـ ﴿تَجْعَلْ﴾ ﴿إِلهًا﴾ مفعول أول لـ ﴿تَجْعَلْ﴾ ﴿آخَرَ﴾ صفة له، والتقدير: لا تجعل إلها آخر كائنا مع الله ﴿فَتَقْعُدَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة سببية ﴿تقعد﴾ فعل مضارع من أخوات صار، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على المخاطب، ﴿مَذْمُومًا﴾ خبر أول لها ﴿مَخْذُولًا﴾ خبر ثان لها، والجملة الفعلية صلة، أن المصدرية، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن جعلك مع الله إلهًا آخر، فقعودك مذمومًا مخذولًا.
﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا﴾.
﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿قَضى رَبُّكَ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان منزلة الوالدين، ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾ إما مصدرية، وعليها فـ ﴿لا﴾ نافية ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أن﴾ وعلامة نصبه حذف النون ﴿أَلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿إِيَّاهُ﴾ في محل النصب مفعول ﴿تَعْبُدُوا﴾، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، ﴿وَقَضى﴾ بمعنى أمر كما مر؛ والتقدير: وقضى ربك بعدم عبادة غيره سبحانه، وإما مفسرة؛ لأن ﴿وَقَضى﴾ فيه معنى
﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)﴾.
﴿لا تَجْعَلْ﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على محمد أو على كل مخاطب، والجملة الفعلية مستأنفة ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف مفعول ثان، لـ ﴿تَجْعَلْ﴾ ﴿إِلهًا﴾ مفعول أول لـ ﴿تَجْعَلْ﴾ ﴿آخَرَ﴾ صفة له، والتقدير: لا تجعل إلها آخر كائنا مع الله ﴿فَتَقْعُدَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة سببية ﴿تقعد﴾ فعل مضارع من أخوات صار، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على المخاطب، ﴿مَذْمُومًا﴾ خبر أول لها ﴿مَخْذُولًا﴾ خبر ثان لها، والجملة الفعلية صلة، أن المصدرية، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن جعلك مع الله إلهًا آخر، فقعودك مذمومًا مخذولًا.
﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا﴾.
﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿قَضى رَبُّكَ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان منزلة الوالدين، ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾ إما مصدرية، وعليها فـ ﴿لا﴾ نافية ﴿تَعْبُدُوا﴾ فعل وفاعل منصوب بـ ﴿أن﴾ وعلامة نصبه حذف النون ﴿أَلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿إِيَّاهُ﴾ في محل النصب مفعول ﴿تَعْبُدُوا﴾، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، ﴿وَقَضى﴾ بمعنى أمر كما مر؛ والتقدير: وقضى ربك بعدم عبادة غيره سبحانه، وإما مفسرة؛ لأن ﴿وَقَضى﴾ فيه معنى
91
القول، دون حروفه، أو مخفّفةً من الثقيلة، فـ ﴿لا﴾ على هذين الوجهين ناهيةٌ جازمة، ﴿تَعْبُدُوا﴾ مجزوم بها، وعلامة جزمه حذف النون، والجملة الفعلية إما مفسرة لا محلّ لها من الإعراب، أو في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ المخففة، ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ﴾ جار ومجرور متعلق بفعل محذوف جوازًا تقديره: وأحسنوا بالوالدين ﴿إِحْسانًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة بذلك الفعل المحذوف، وإنما علّقنا الجار والمجرور بالفعل المحذوف دون المصدر لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته
﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)﴾.
﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾ حرف شرط زيدت عليها ﴿ما﴾ تأكيدًا لها ﴿يَبْلُغَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ﴿عِنْدَكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الفاعل ﴿الْكِبَرَ﴾ مفعول به ﴿أَحَدُهُما﴾ فاعل ﴿أَوْ كِلاهُما﴾ معطوف على أحدهما مرفوع بالألف، لأنه ملحق بالمثنى، والتقدير: إن يبلغ أحدهما، أو كلاهما الكبر حالة كونه أو كونهما كائنين عندك؛ أي: في منزلك، أو كفالتك، ﴿فَلا تَقُلْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا ﴿لا تقل﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على الولد ﴿لَهُما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقُلْ﴾ ﴿أُفٍّ﴾ مقول محكي لـ ﴿تَقُلْ﴾ وإن شئت قلت: ﴿أُفٍّ﴾ اسم فعل مضارع بمعنى أتضجّر، وفاعله ضمير يعود على المتكلم، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقول ﴿تَقُلْ﴾، وجملة ﴿لا تقل﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة إن الشرطية مستأنفة، ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ جازم، وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الولد، والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿لا تقل﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿إن﴾ الشرطية، ﴿وَقُلْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على الولد ﴿لَهُما﴾ متعلق به ﴿قَوْلًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة ﴿كَرِيمًا﴾ صفة لـ ﴿قَوْلًا﴾ والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿لا تقل﴾.
﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾.
﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)﴾.
﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾ حرف شرط زيدت عليها ﴿ما﴾ تأكيدًا لها ﴿يَبْلُغَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ﴿عِنْدَكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من الفاعل ﴿الْكِبَرَ﴾ مفعول به ﴿أَحَدُهُما﴾ فاعل ﴿أَوْ كِلاهُما﴾ معطوف على أحدهما مرفوع بالألف، لأنه ملحق بالمثنى، والتقدير: إن يبلغ أحدهما، أو كلاهما الكبر حالة كونه أو كونهما كائنين عندك؛ أي: في منزلك، أو كفالتك، ﴿فَلا تَقُلْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبًا ﴿لا تقل﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على الولد ﴿لَهُما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقُلْ﴾ ﴿أُفٍّ﴾ مقول محكي لـ ﴿تَقُلْ﴾ وإن شئت قلت: ﴿أُفٍّ﴾ اسم فعل مضارع بمعنى أتضجّر، وفاعله ضمير يعود على المتكلم، وجملة اسم الفعل في محل النصب مقول ﴿تَقُلْ﴾، وجملة ﴿لا تقل﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة إن الشرطية مستأنفة، ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ جازم، وفعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الولد، والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿لا تقل﴾ على كونها جوابًا لـ ﴿إن﴾ الشرطية، ﴿وَقُلْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على الولد ﴿لَهُما﴾ متعلق به ﴿قَوْلًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة ﴿كَرِيمًا﴾ صفة لـ ﴿قَوْلًا﴾ والجملة الفعلية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿لا تقل﴾.
﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾.
92
﴿وَاخْفِضْ﴾ فعل أمر في محل الجزم معطوف على قوله: ﴿وَقُلْ لَهُما﴾ وفاعله ضمير يعود على الولد ﴿لَهُما﴾ متعلق به، ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾ مفعول به، ومضاف إليه ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿اخْفِضْ﴾ فمن للتعليل؛ أي: من أجل الرحمة أو للابتداء؛ أي: إن هذا الخفض ناشىء من الرحمة المركوزة في الطبع، ويصح كونه حالًا من ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾. ﴿وَقُلْ﴾ معطوف على ﴿وَقُلْ﴾ الأولى ﴿رَبِّ ارْحَمْهُما...﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿رَبِّ﴾ منادى مضاف ﴿ارْحَمْهُما﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾ على كونها جواب النداء ﴿كَما﴾ ﴿الكاف﴾ حرف جر وتشبيه، أو للتعليل ﴿ما﴾ مصدرية صفة. ﴿رَبَّيانِي﴾ فعل وفاعل ومفعول، و (نون) وقاية، لأن الألف ضمير تثنية ﴿صَغِيرًا﴾ حال من (ياء) المتكلم، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿الكاف﴾ والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: رب ارحمهما رحمة مثل تربيتهما إيّاي حالة كوني صغيرًا، أو رحمة مثل رحمتهما إياي حالة كوني صغيرًا أو ارحمهما لأجل تربيتهما إياي حالة كوني صغيرًا.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥)﴾.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ والجملة مستأنفة ﴿فِي نُفُوسِكُمْ﴾ جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها ﴿إِنْ﴾ حرف شرط ﴿تَكُونُوا﴾ فعل ناقص واسمه مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية صالِحِينَ خبر ﴿تَكُونُوا﴾ وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف تقديره: فلا يضركم ما وقع منكم من الهفوة في حالة الغضب، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿فَإِنَّهُ﴾ ﴿الفاء﴾ تعليلية ﴿إنه﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله ﴿لِلْأَوَّابِينَ﴾ متعلق بما بعده ﴿غَفُورًا﴾ خبر ﴿كَانَ﴾، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة، مسوقة لتعليل الجواب المحذوف.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥)﴾.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ والجملة مستأنفة ﴿فِي نُفُوسِكُمْ﴾ جار ومجرور صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها ﴿إِنْ﴾ حرف شرط ﴿تَكُونُوا﴾ فعل ناقص واسمه مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية صالِحِينَ خبر ﴿تَكُونُوا﴾ وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف تقديره: فلا يضركم ما وقع منكم من الهفوة في حالة الغضب، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة، ﴿فَإِنَّهُ﴾ ﴿الفاء﴾ تعليلية ﴿إنه﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله ﴿لِلْأَوَّابِينَ﴾ متعلق بما بعده ﴿غَفُورًا﴾ خبر ﴿كَانَ﴾، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة، مسوقة لتعليل الجواب المحذوف.
93
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (٢٧)﴾.
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المكلف ﴿حَقَّهُ﴾ مفعول ثان، والجملة مستأنفة ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ معطوفان على ﴿ذَا الْقُرْبى﴾. ﴿وَلا تُبَذِّرْ﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على المكلف. ﴿تَبْذِيرًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَآتِ﴾. ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانُوا﴾ فعل ناقص واسمه ﴿إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ خبره، ومضاف إليه، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل النهي السابق ﴿وَكانَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو حالية ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ﴾ فعل ناقص واسمه ﴿لِرَبِّهِ﴾ جار ومجرور متعلق بما بعده ﴿كَفُورًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ إما معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾ أو في محل النصب حال من ﴿الشَّياطِينِ﴾.
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)﴾.
﴿وَإِمَّا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾ حرف شرط، ﴿ما﴾ زائدة، ﴿تُعْرِضَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على المكلف ﴿عَنْهُمُ﴾ متعلق به ﴿ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ﴾ مفعول لأجله منصوب بفعل الشرط أو جوابه، ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ جار ومجرور صفة أولى لـ ﴿رَحْمَةٍ﴾. ﴿تَرْجُوها﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ ﴿رَحْمَةٍ﴾ أو حال من ﴿رَحْمَةٍ﴾ لتخصصه بالصفة، ﴿فَقُلْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط، وجوبًا ﴿قل﴾ فعل أمر في محل الجزم، بـ ﴿إن﴾ على كونه جوابًا لها مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به ﴿قَوْلًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة ﴿مَيْسُورًا﴾ صفة لـ ﴿قَوْلًا﴾.
﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)﴾.
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المكلف ﴿حَقَّهُ﴾ مفعول ثان، والجملة مستأنفة ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ معطوفان على ﴿ذَا الْقُرْبى﴾. ﴿وَلا تُبَذِّرْ﴾ جازم ومجزوم وفاعله ضمير يعود على المكلف. ﴿تَبْذِيرًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَآتِ﴾. ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانُوا﴾ فعل ناقص واسمه ﴿إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ خبره، ومضاف إليه، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل النهي السابق ﴿وَكانَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو حالية ﴿وَكانَ الشَّيْطانُ﴾ فعل ناقص واسمه ﴿لِرَبِّهِ﴾ جار ومجرور متعلق بما بعده ﴿كَفُورًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ إما معطوفة على جملة ﴿إِنَّ﴾ أو في محل النصب حال من ﴿الشَّياطِينِ﴾.
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)﴾.
﴿وَإِمَّا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾ حرف شرط، ﴿ما﴾ زائدة، ﴿تُعْرِضَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على المكلف ﴿عَنْهُمُ﴾ متعلق به ﴿ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ﴾ مفعول لأجله منصوب بفعل الشرط أو جوابه، ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ جار ومجرور صفة أولى لـ ﴿رَحْمَةٍ﴾. ﴿تَرْجُوها﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ ﴿رَحْمَةٍ﴾ أو حال من ﴿رَحْمَةٍ﴾ لتخصصه بالصفة، ﴿فَقُلْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط، وجوبًا ﴿قل﴾ فعل أمر في محل الجزم، بـ ﴿إن﴾ على كونه جوابًا لها مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به ﴿قَوْلًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة ﴿مَيْسُورًا﴾ صفة لـ ﴿قَوْلًا﴾.
﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)﴾.
94
﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ فعل، ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة مستأنفة ﴿إِلى عُنُقِكَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مَغْلُولَةً﴾ ﴿وَلا تَبْسُطْها﴾ فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، ﴿كُلَّ الْبَسْطِ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ﴾. ﴿فَتَقْعُدَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة سببية (تقعد) فعل مضارع من أخوات صار الناقصة منصوب بأن مضمرة بعد الفاء السببية، واسمها ضمير يعود على المخاطب ﴿مَلُومًا﴾ خبر أول لها ﴿مَحْسُورًا﴾ خبر ثان لها، وجملة (تقعد) في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيّد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن بسط يدك فقعودك ملومًا محسورًا.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠)﴾.
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ ناصب واسمه ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾. ﴿لِمَنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَبْسُطُ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿يَشاءُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الفعلية صلة ﴿من﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: لمن يشاء البسط له، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يَبْسُطُ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب، واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله ﴿بِعِبادِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بما بعده، على سبيل التنازع ﴿خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ خبران لـ ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة إن مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (٣١)﴾.
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ فعل وفاعل، ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية ﴿خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ مفعول لأجله، ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة نَحْنُ مبتدأ، وجملة نَرْزُقُهُمْ خبره وَإِيَّاكُمْ معطوف على ﴿الهاء﴾، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ﴾ ناصب واسمه كانَ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على القتل ﴿خِطْأً﴾ خبر ﴿كانَ﴾. ﴿كَبِيرًا﴾ صفة
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠)﴾.
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ ناصب واسمه ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾. ﴿لِمَنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَبْسُطُ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿يَشاءُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الفعلية صلة ﴿من﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: لمن يشاء البسط له، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يَبْسُطُ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب، واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله ﴿بِعِبادِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بما بعده، على سبيل التنازع ﴿خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ خبران لـ ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة إن مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (٣١)﴾.
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ فعل وفاعل، ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية ﴿خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ مفعول لأجله، ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة نَحْنُ مبتدأ، وجملة نَرْزُقُهُمْ خبره وَإِيَّاكُمْ معطوف على ﴿الهاء﴾، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿إِنَّ قَتْلَهُمْ﴾ ناصب واسمه كانَ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على القتل ﴿خِطْأً﴾ خبر ﴿كانَ﴾. ﴿كَبِيرًا﴾ صفة
95
﴿خِطْأً﴾، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل النهي السابق.
﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (٣٢)﴾.
﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الزنا ﴿فاحِشَةً﴾ خبرها، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَساءَ﴾ فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا يعود على الزنا ﴿سَبِيلًا﴾ تمييز لفاعل ﴿وَساءَ﴾، وجملة ﴿وَساءَ﴾ في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف، هو مخصوص بالذم تقديره هو يعود على الزنا، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محلّ لها من الإعراب.
﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (٣٣)﴾.
﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿الَّتِي﴾ صفة لـ ﴿النَّفْسَ﴾ ﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قتلها فعل وفاعل، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿بِالْحَقِّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقْتُلُوا﴾ أو بمحذوف حال من فاعل ﴿تَقْتُلُوا﴾؛ أي: إلّا حالة كونكم ملتبسين بالحق، ﴿وَمَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما. ﴿قُتِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿مَظْلُومًا﴾ حال من نائب الفاعل في ﴿قُتِلَ﴾ ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب من الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ ﴿قد﴾ ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها ﴿لِوَلِيِّهِ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿سُلْطانًا﴾ مفعول أول له، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿فَلا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿لا﴾ ناهية ﴿يُسْرِفْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على ﴿وليه﴾. {فِي
﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (٣٢)﴾.
﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الزنا ﴿فاحِشَةً﴾ خبرها، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، ﴿وَساءَ﴾ فعل ماض من أفعال الذم، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا يعود على الزنا ﴿سَبِيلًا﴾ تمييز لفاعل ﴿وَساءَ﴾، وجملة ﴿وَساءَ﴾ في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف، هو مخصوص بالذم تقديره هو يعود على الزنا، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محلّ لها من الإعراب.
﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (٣٣)﴾.
﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾ فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ﴿الَّتِي﴾ صفة لـ ﴿النَّفْسَ﴾ ﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قتلها فعل وفاعل، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿بِالْحَقِّ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقْتُلُوا﴾ أو بمحذوف حال من فاعل ﴿تَقْتُلُوا﴾؛ أي: إلّا حالة كونكم ملتبسين بالحق، ﴿وَمَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما. ﴿قُتِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾ ﴿مَظْلُومًا﴾ حال من نائب الفاعل في ﴿قُتِلَ﴾ ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب من الشرطية وجوبًا لاقترانه بـ ﴿قد﴾ ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها ﴿لِوَلِيِّهِ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿سُلْطانًا﴾ مفعول أول له، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿فَلا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿لا﴾ ناهية ﴿يُسْرِفْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وفاعله ضمير يعود على ﴿وليه﴾. {فِي
96
الْقَتْلِ} متعلق به، والجملة في محل الجزم معطوفة على جملة الجواب ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على الولي ﴿مَنْصُورًا﴾ خبرها، وجملة ﴿كانَ﴾ من اسمها وخبرها في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ والمترفون: هم المنعّمون من الملوك والعظماء، وفي «القاموس» التّرفه بالضم: النعمة، والطعام الطيِّب: والشيء الظريف، تخص به صاحبك، وترف كفرح تنعّم وأترفته النّعمة أطغته، أو نعّمته كترفّته تتريفًا، والمترف كمكرم المتروك، يصنع ما يشاء، ولا يمنع، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه، وتترّف تنعّم، وفي «أساس البلاغة» أترفته النّعمة أبطرته، وأترف فلان، وهو مترف وأعوذ بالله من الإتراف، والإسراف، واستترفوا تعفرتوا، وطغوا، ولم أزل معهم في ترفة، أي: في نعمة ﴿فَفَسَقُوا﴾؛ أي: خرجوا عن الطاعة، وتمرّدوا ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾؛ أي: وجب لها العذاب ﴿تَدْمِيرًا﴾، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر.
﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ جمع قرن، والقرن: القوم يجمعهم زمان واحد، وقد حدّد بأربعين سنة وثمانين سنة، وبمئة، وبغير ذلك ﴿الْعاجِلَةَ﴾ الدار الدنيا. ﴿يَصْلاها﴾؛ أي: يقاسي حرّها ﴿مَدْحُورًا﴾؛ أي: مطرودًا مبعدًا من رحمة الله، وفي «القاموس» الدحر: الطّرد والإبعاد، والدفع كالدحور، وهو داحرٌ ودحور، وفي «المختار» دحره يدحره من باب: خضع طرده اهـ. ﴿مَحْظُورًا﴾؛ أي: ممنوعًا عمّن يريده ﴿فَتَقْعُدَ﴾ قعد يجوز أن تكون على بابها، فينتصب ما بعدها على الحال، ويجوز أن تكون بمعنى صار فينتصب ما بعدها على الخبرية، وإليه ذهب الفراء، والزمخشري اهـ «سمين» ﴿مَذْمُومًا﴾؛ أي: ممن يستحق الذّمّ من الملائكة والمؤمنين ﴿مَخْذُولًا﴾؛ أي: من الله، لأنك أشركت معه ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
﴿وَقَضى﴾ قيل: بمعنى أوصى، وقيل بمعنى حكم، وقيل: بمعنى أوجب، وقيل: بمعنى ألزم. اهـ «سمين» ﴿أُفٍّ﴾ يقرأ بالتنوين للدلالة على التنكير؛ أي: لا تقل لهما أتضجّر وأقلق من كل فعل لكما، وبعدمه للدلالة على التعريف؛ أي:
التصريف ومفردات اللغة
﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ والمترفون: هم المنعّمون من الملوك والعظماء، وفي «القاموس» التّرفه بالضم: النعمة، والطعام الطيِّب: والشيء الظريف، تخص به صاحبك، وترف كفرح تنعّم وأترفته النّعمة أطغته، أو نعّمته كترفّته تتريفًا، والمترف كمكرم المتروك، يصنع ما يشاء، ولا يمنع، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه، وتترّف تنعّم، وفي «أساس البلاغة» أترفته النّعمة أبطرته، وأترف فلان، وهو مترف وأعوذ بالله من الإتراف، والإسراف، واستترفوا تعفرتوا، وطغوا، ولم أزل معهم في ترفة، أي: في نعمة ﴿فَفَسَقُوا﴾؛ أي: خرجوا عن الطاعة، وتمرّدوا ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾؛ أي: وجب لها العذاب ﴿تَدْمِيرًا﴾، والتدمير: الإهلاك مع طمس الأثر.
﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ جمع قرن، والقرن: القوم يجمعهم زمان واحد، وقد حدّد بأربعين سنة وثمانين سنة، وبمئة، وبغير ذلك ﴿الْعاجِلَةَ﴾ الدار الدنيا. ﴿يَصْلاها﴾؛ أي: يقاسي حرّها ﴿مَدْحُورًا﴾؛ أي: مطرودًا مبعدًا من رحمة الله، وفي «القاموس» الدحر: الطّرد والإبعاد، والدفع كالدحور، وهو داحرٌ ودحور، وفي «المختار» دحره يدحره من باب: خضع طرده اهـ. ﴿مَحْظُورًا﴾؛ أي: ممنوعًا عمّن يريده ﴿فَتَقْعُدَ﴾ قعد يجوز أن تكون على بابها، فينتصب ما بعدها على الحال، ويجوز أن تكون بمعنى صار فينتصب ما بعدها على الخبرية، وإليه ذهب الفراء، والزمخشري اهـ «سمين» ﴿مَذْمُومًا﴾؛ أي: ممن يستحق الذّمّ من الملائكة والمؤمنين ﴿مَخْذُولًا﴾؛ أي: من الله، لأنك أشركت معه ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
﴿وَقَضى﴾ قيل: بمعنى أوصى، وقيل بمعنى حكم، وقيل: بمعنى أوجب، وقيل: بمعنى ألزم. اهـ «سمين» ﴿أُفٍّ﴾ يقرأ بالتنوين للدلالة على التنكير؛ أي: لا تقل لهما أتضجّر وأقلق من كل فعل لكما، وبعدمه للدلالة على التعريف؛ أي:
97
لا تقل لهما أتضجر من فعل خاص من أفعالكما اهـ. شيخنا.
والأصح: أن أُفّ اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر، وفيه: أربعون لغة، وحاصلها: أن الهمزة إمّا أن تكون مضمومةً، أو مكسورةً، أو مفتوحةً، فإن كانت مضمومة.. فاثنتان وعشرون لغةً.
وحاصل ضبطها: أنها إمّا مجرّدة عن اللواحق، أو ملحقة بزائد، والمجردة إما أن يكون آخرها ساكنًا، أو متحركًا، والمتحركة إمّا أن تكون مشددةً، أو مخففةً، وكلٌّ منهما مثلّث الآخر مع التنوين، وعدمه، فهذه اثنتا عشرة لغة، والساكنة إما مشدّدةً أو مخفّفةً فهذه سبع عشرة، وإن كان حرف مدّ فهو إمّا واو، أو ياء، أو ألف، والفاء فيهن: مشددةً، والألف إما مفخّمة أو بالإمالة المحضة، أو بين بين، فهذه خمس أخرى مع السبع عشرة، وإن كانت مكسورة فإحدى عشرة مثلثة الفاء، مخففة مع التنوين، وعدمه، فهذه ست لغات، وفتح الفاء وكسرها بالتشديد فيها مع التنوين وعدمه، فهذه أربع لغات: والحادية عشرة: أفّي بالإمالة، وإن كانت مفتوحة، فالفاء مشددة مع الفتح، والكسر، والتنوين وعدمه، والخامسة أف بالسكون، والسادسة أفّي بالإمالة، والسابعة: أفاه بهاء السكت، فهذه السبع مكملة للأربعين، وقد قرىء من هذه اللغات بسبع، ثلاث في المتواتر، وأربع في الشواذ، وقراءة حفص، وهي قراءتنا ﴿أُفٍّ﴾ بالكسر، والتنوين مع التشديد ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾، وفي «السمين» والنهر: الزجر بجرحٍ، وغلظة، وأصله الظهور، ومنه النهر لظهوره، وقال الزمخشري: النهي، والنّهر، والنّهم أخوات اهـ.
﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾؛ أي: جميلًا لا شراسة فيه، قال الراغب: كل شيء يشرف في جنسه، يقال: إنّه كريمٌ ﴿وَاخْفِضْ لَهُما﴾ وخفض الجناح يراد به: التواضع، والتذلل ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ أي: من فرط رحمتك عليهما ﴿لِلْأَوَّابِينَ﴾ جمع أوّاب، والأواب الذي ديدنه الرجوع إلى الله، والالتجاء إليه حين الشدّة ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ والتبذير: إنفاق المال في غير موضعه ﴿إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾؛ أي: أمثالهم في الشّرارة، فإن التّضييع، والإتلاف شر، أو أصدقاؤهم، وأتباعهم لأنهم
فصل في أُفّ
والأصح: أن أُفّ اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر، وفيه: أربعون لغة، وحاصلها: أن الهمزة إمّا أن تكون مضمومةً، أو مكسورةً، أو مفتوحةً، فإن كانت مضمومة.. فاثنتان وعشرون لغةً.
وحاصل ضبطها: أنها إمّا مجرّدة عن اللواحق، أو ملحقة بزائد، والمجردة إما أن يكون آخرها ساكنًا، أو متحركًا، والمتحركة إمّا أن تكون مشددةً، أو مخففةً، وكلٌّ منهما مثلّث الآخر مع التنوين، وعدمه، فهذه اثنتا عشرة لغة، والساكنة إما مشدّدةً أو مخفّفةً فهذه سبع عشرة، وإن كان حرف مدّ فهو إمّا واو، أو ياء، أو ألف، والفاء فيهن: مشددةً، والألف إما مفخّمة أو بالإمالة المحضة، أو بين بين، فهذه خمس أخرى مع السبع عشرة، وإن كانت مكسورة فإحدى عشرة مثلثة الفاء، مخففة مع التنوين، وعدمه، فهذه ست لغات، وفتح الفاء وكسرها بالتشديد فيها مع التنوين وعدمه، فهذه أربع لغات: والحادية عشرة: أفّي بالإمالة، وإن كانت مفتوحة، فالفاء مشددة مع الفتح، والكسر، والتنوين وعدمه، والخامسة أف بالسكون، والسادسة أفّي بالإمالة، والسابعة: أفاه بهاء السكت، فهذه السبع مكملة للأربعين، وقد قرىء من هذه اللغات بسبع، ثلاث في المتواتر، وأربع في الشواذ، وقراءة حفص، وهي قراءتنا ﴿أُفٍّ﴾ بالكسر، والتنوين مع التشديد ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾، وفي «السمين» والنهر: الزجر بجرحٍ، وغلظة، وأصله الظهور، ومنه النهر لظهوره، وقال الزمخشري: النهي، والنّهر، والنّهم أخوات اهـ.
﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾؛ أي: جميلًا لا شراسة فيه، قال الراغب: كل شيء يشرف في جنسه، يقال: إنّه كريمٌ ﴿وَاخْفِضْ لَهُما﴾ وخفض الجناح يراد به: التواضع، والتذلل ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾؛ أي: من فرط رحمتك عليهما ﴿لِلْأَوَّابِينَ﴾ جمع أوّاب، والأواب الذي ديدنه الرجوع إلى الله، والالتجاء إليه حين الشدّة ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ والتبذير: إنفاق المال في غير موضعه ﴿إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾؛ أي: أمثالهم في الشّرارة، فإن التّضييع، والإتلاف شر، أو أصدقاؤهم، وأتباعهم لأنهم
98
يطيعونهم في الإسراف، والصرف في المعاصي، والعرب تقول لكل من هو ملازم سنّة قوم: هو أخوهم ﴿لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾؛ أي: جحودًا لنعمة ربه، فما ينبغي أن يطاع؛ لأنه يدعو إلى مثل عمله اهـ من «الخازن» والبيضاوي وعبارة الكرخي والمراد من هذه الأخوة: التّشبّه بهم في هذا الفعل القبيح؛ لأنّ العرب يسمّون اللازم للشيء أخًا له فيقولون: فلان أخو الكرم، والجود وأخو الشعر إذا كان مواظبًا على هذه الأفعال اهـ. و ﴿الابتغاء﴾ الطلب و ﴿الرحمة﴾ الرزق و ﴿الميسور﴾ السّهل اللّيّن ﴿والمغلولة﴾ المقيدة بالغل، وهو بضم الغين طوق من حديد، يوضع في اليدين، والعنق فمعنى مغلولة إلى عنقك، أي: مضمومةً إليه مجموعة معه في الغل، والمراد به هنا: الإمساك عن الإنفاق في الخيرات ﴿وَلا تَبْسُطْها﴾؛ أي: لا تتوسع في الإنفاق ﴿مَلُومًا﴾؛ أي: مذموما من الخلق والخالق ﴿مَحْسُورًا﴾؛ أي نادمًا، أو منقطعًا بك لا شيء عندك من حسرة السفر، إذا أثر فيه فهو محسور؛ أي: منقطع عن السير إعياءً، وكلالًا، والإملاق الفقر.
قال الشاعر:
﴿خِطْأً﴾ والخطأ كالإثم، وزنًا، ومعنًى فقال فيه: خطئًا بكسر الخاء، وسكون الطاء على وزن مثل، وخطأ بفتحتين على وزن شبه، وخطاء بكسر الخاء، وفتح الطاء، وبالمد على وزن قتال ففيه ثلاث قرآت كلها سبعية اهـ شيخنا فعلى الأولى: فهو مصدر لخطىء من باب علم، وعلى الثانية: اسم مصدر لأخطأ رباعيا، وعلى الثالثة: هو مصدر لخاطأ، وهو وإن لم يسمع، لكنه سمع تخاطأ اهـ من «البيضاوي». ومجيء تخاطأ يدل على وجود (خاطأ)؛ لأن تفاعل مطاوعٌ فاعل كباعدته فتباعد، وناولته فتناول اهـ زاده ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ في «المصباح». قربت الأمر أقربه من باب تعب، وفي لغة من باب قتل قربانا بالكسر دانيته، ومن الأول: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾ ويقال منه أيضًا: قربت المرأة قربانا كناية عن الجماع، ومن الثاني: لا تقرب الحمى؛ أي: لا تدن منه اهـ.
والعامة على قصر الزنا، وهي اللغة الفاشية، وقرىء بالمد، وفيه وجهان:
قال الشاعر:
وإنّي على الإملاق يا قوم ماجدٌ | أعدّ لأضيافي الشُّواء المُضهَّبَا |
والعامة على قصر الزنا، وهي اللغة الفاشية، وقرىء بالمد، وفيه وجهان:
99
أحدهما: أنّه لغة في المقصور.
والثاني: أنه مصدر زانأ يزانىء كقاتل قتالا؛ لأنه يكون من اثنين اهـ. «سمين» (والفاحشة) الفعلة القبيحة الظاهرة القبح ﴿سُلْطانًا﴾ السلطان التسلط والاستيلاء ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾؛ أي: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها﴾؛ لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا باطل فبقي أن يكون مجازا عن التوسعة في العيش، واسترسالهم في المعاصي، وفيه أيضًا المجاز بالحذف، لأنه لم يذكر المأمور به إيجازا في القول واعتمادًا على بداهته للسامع؛ أي: أمرناهم بالطاعة.
ومنها: التزام ما لا يلزم في قوله: ﴿مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾، وهو التزام حرف أو حرفين فصاعدا قبل الروي على قدر طاقة الشاعر، أو الكاتب من غير كلفةٍ فقد التزم في قوله: ﴿مُتْرَفِيها﴾ و ﴿فِيها﴾ ﴿الفاء﴾ قبل ياء الردف، ولزمت الياء، وسيأتي الكثير منه في القرآن، وهو من أرشق الاستعمالات.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا﴾، وفي قوله: ﴿وَسَعى لَها سَعْيَها﴾ وفي قوله: ﴿الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿الْعاجِلَةَ﴾ و ﴿الْآخِرَةَ﴾.
ومنها: اللفُّ والنَّشْرُ المرتّب في قوله: ﴿هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾ فهؤلاء الأولى للفريق الأول، أي: مريد الدنيا، وهؤلاء الثانية للفريق الثاني، أي: مريد الآخرة.
ومنها: الإجمال ثمّ التفصيل في قوله: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ﴾
والثاني: أنه مصدر زانأ يزانىء كقاتل قتالا؛ لأنه يكون من اثنين اهـ. «سمين» (والفاحشة) الفعلة القبيحة الظاهرة القبح ﴿سُلْطانًا﴾ السلطان التسلط والاستيلاء ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾؛ أي: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿أَمَرْنا مُتْرَفِيها﴾؛ لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا باطل فبقي أن يكون مجازا عن التوسعة في العيش، واسترسالهم في المعاصي، وفيه أيضًا المجاز بالحذف، لأنه لم يذكر المأمور به إيجازا في القول واعتمادًا على بداهته للسامع؛ أي: أمرناهم بالطاعة.
ومنها: التزام ما لا يلزم في قوله: ﴿مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾، وهو التزام حرف أو حرفين فصاعدا قبل الروي على قدر طاقة الشاعر، أو الكاتب من غير كلفةٍ فقد التزم في قوله: ﴿مُتْرَفِيها﴾ و ﴿فِيها﴾ ﴿الفاء﴾ قبل ياء الردف، ولزمت الياء، وسيأتي الكثير منه في القرآن، وهو من أرشق الاستعمالات.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿فَدَمَّرْناها تَدْمِيرًا﴾، وفي قوله: ﴿وَسَعى لَها سَعْيَها﴾ وفي قوله: ﴿الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿الْعاجِلَةَ﴾ و ﴿الْآخِرَةَ﴾.
ومنها: اللفُّ والنَّشْرُ المرتّب في قوله: ﴿هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾ فهؤلاء الأولى للفريق الأول، أي: مريد الدنيا، وهؤلاء الثانية للفريق الثاني، أي: مريد الآخرة.
ومنها: الإجمال ثمّ التفصيل في قوله: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ﴾
100
لأنها جرت في الفعل بعد جريانها في المصدر، حيث شبهت إلانة الجانب بخفض الجناح، بجامع العطف. والرقة في كلٍّ، واستعير الخفض للإلانة، واشتق منه اخفض بمعنى ألن أو الاستعارة الأصلية في الجناح، حيث شبه الجانب بالجناح، واستعير للجانب.
ومنها: إضافة الموصوف إلى الصفة في قوله: ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾ لأن المصدر، وهو ﴿الذُّلِّ﴾ بمعنى الذليل، وفي السمين، قوله: ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾ فيه استعارة بليغة، وذلك أنّ الطائر إذا أراد الطيران نشر جناحيه، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع، واللين اهـ ويصحّ كونها استعارة مكنية، بأن شبّه الذلّ بطائر، له جناحٌ، وحذف الطّائر ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الجناح على سبيل الاستعارة، المكنية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ﴾ حيث شبه حال البخيل في امتناعه عن الإنفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه، فهو لا يقدر على التصرف في شيءٍ، وشبه حال المسرف المبذّر المتلاف بحال من يبسط يده كل البسط، فلا يبقي شيئًا في كفه، ولا يدّخر شيئًا ينفعه في الحاجة، ليخلص إلى نتيجة مجدية، وهي التوسط بين الأمرين، والاقتصاد الذي هو وسط بين الإسراف، والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد، وقبضها من حيث المعنى، لأنّ جعل اليد مغلولة هو قبضها، وغلها أبلغ في القبض.
ومنها: اللّفّ والنّشر المرتب في قوله: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ لأن قوله: ﴿مَلُومًا﴾ راجع إلى البخل، وقوله: ﴿مَحْسُورًا﴾ راجع إلى الإسراف، أي: يلومك الناس إن بخلت وتصبح مقطوعًا إن أسرفت.
ومنها: الطباق بين ﴿يَبْسُطُ﴾ و ﴿يَقْدِرُ﴾.
ومنها: الإطناب في قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا
ومنها: إضافة الموصوف إلى الصفة في قوله: ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾ لأن المصدر، وهو ﴿الذُّلِّ﴾ بمعنى الذليل، وفي السمين، قوله: ﴿جَناحَ الذُّلِّ﴾ فيه استعارة بليغة، وذلك أنّ الطائر إذا أراد الطيران نشر جناحيه، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع، واللين اهـ ويصحّ كونها استعارة مكنية، بأن شبّه الذلّ بطائر، له جناحٌ، وحذف الطّائر ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الجناح على سبيل الاستعارة، المكنية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ﴾ حيث شبه حال البخيل في امتناعه عن الإنفاق بحال من يده مغلولة إلى عنقه، فهو لا يقدر على التصرف في شيءٍ، وشبه حال المسرف المبذّر المتلاف بحال من يبسط يده كل البسط، فلا يبقي شيئًا في كفه، ولا يدّخر شيئًا ينفعه في الحاجة، ليخلص إلى نتيجة مجدية، وهي التوسط بين الأمرين، والاقتصاد الذي هو وسط بين الإسراف، والتقتير، وقد طابق في الاستعارة بين بسط اليد، وقبضها من حيث المعنى، لأنّ جعل اليد مغلولة هو قبضها، وغلها أبلغ في القبض.
ومنها: اللّفّ والنّشر المرتب في قوله: ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ لأن قوله: ﴿مَلُومًا﴾ راجع إلى البخل، وقوله: ﴿مَحْسُورًا﴾ راجع إلى الإسراف، أي: يلومك الناس إن بخلت وتصبح مقطوعًا إن أسرفت.
ومنها: الطباق بين ﴿يَبْسُطُ﴾ و ﴿يَقْدِرُ﴾.
ومنها: الإطناب في قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا
101
يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} فإن معنى هذه الآية جاء موجزًا في قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ﴾ لكن الأول إطناب، والثاني إيجاز، وكلاهما موصوف بالمساواة فالإطناب في اصطلاح البيانيين: هو زيادة اللفظ على المعنى، لفائدة، فإذا لم تكن في الزيادة فائدة، تسمى تطويلًا إن كانت الزيادة.. غير متعينة، وحشوًا إن كانت متعينةً.
ومنها: الزيادة والحذف في عِدَّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الزيادة والحذف في عِدَّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
102
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا (٥٢)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لما نهى (١) عن إتلاف النفوس نهى عن أخذ الأموال كما قال - ﷺ -: «فَإنَّ دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا (٥٢)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى، لما نهى (١) عن إتلاف النفوس نهى عن أخذ الأموال كما قال - ﷺ -: «فَإنَّ دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ
(١) البحر المحيط.
103
عليكم»، ولمّا كان اليتيم ضعيفًا عن أن يدفع عن ماله لصغره.. نص على النهي عن قربان ماله.
قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أنه سبحانه وتعالى لما نهى عن إتلاف مال اليتيم.. أردفه (١) بالأمر بوفاء العهد، وهو العقد الذي يعمل لتوكيد الأمر وتثبيته، ثم بإيفاء الكيل والميزان لما في حسن التعامل بين الناس من توافر المودة، والمحبّة بينهم، وهذا ما يرمي إليه الدّين لإصلاح شؤون الفرد والمجتمع.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أمر (٢) بثلاثة أشياء.. أتبع ذلك بثلاثة مناه: ﴿وَلا تَقْفُ﴾ ﴿وَلا تَمْشِ﴾ ﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ أي: أردف ذلك بالنّهي (٣) عن تتبع ما لا علم لك به من قول، أو فعل، فلا تتّبع ما يعمله الآباء اقتداء بهم من عبادة الأصنام تقليدا لهم، ولا تشهد على شيء لم تره، ولا تكذب فتقول في شيء لم تسمعه إنك قد سمعته، ولا في شيء لم تره إنّك قد رأيته، ثمّ بالنهي عن مشية الخيلاء، والمرح لما فيهما من الصلف الذي لا يرضاه الله تعالى، ولا الناس، ثمّ ختم ذلك ببيان أنّ تلك الأوامر، والنواهي من وحي الله وتبليغه، لا من عند نفسه، أمر بها، ونهى عنها لأنها أسس سعادة الدارين، وعليها تبنى العلاقات بين الأفراد والأمم على نظم صحيحة، لا تكون عرضة للاضطراب، وفقدان الثقة في معاملاتهم.
قوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما نبه (٤) على جهل من أثبتوا له شريكًا، واتخذوا له ندًا ونظيرًا.. أردف ذلك بالتنديد، والتقريع لمن أثبتوا له ولدا، وأنه قد بلغ من تحتهم أن جعلوا البنين لأنفسهم مع علمهم بعجزهم، ونقصهم، وأعطوا لله البنات، مع علمهم بأنّه الموصوف بالكمال،
قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أنه سبحانه وتعالى لما نهى عن إتلاف مال اليتيم.. أردفه (١) بالأمر بوفاء العهد، وهو العقد الذي يعمل لتوكيد الأمر وتثبيته، ثم بإيفاء الكيل والميزان لما في حسن التعامل بين الناس من توافر المودة، والمحبّة بينهم، وهذا ما يرمي إليه الدّين لإصلاح شؤون الفرد والمجتمع.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أمر (٢) بثلاثة أشياء.. أتبع ذلك بثلاثة مناه: ﴿وَلا تَقْفُ﴾ ﴿وَلا تَمْشِ﴾ ﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ أي: أردف ذلك بالنّهي (٣) عن تتبع ما لا علم لك به من قول، أو فعل، فلا تتّبع ما يعمله الآباء اقتداء بهم من عبادة الأصنام تقليدا لهم، ولا تشهد على شيء لم تره، ولا تكذب فتقول في شيء لم تسمعه إنك قد سمعته، ولا في شيء لم تره إنّك قد رأيته، ثمّ بالنهي عن مشية الخيلاء، والمرح لما فيهما من الصلف الذي لا يرضاه الله تعالى، ولا الناس، ثمّ ختم ذلك ببيان أنّ تلك الأوامر، والنواهي من وحي الله وتبليغه، لا من عند نفسه، أمر بها، ونهى عنها لأنها أسس سعادة الدارين، وعليها تبنى العلاقات بين الأفراد والأمم على نظم صحيحة، لا تكون عرضة للاضطراب، وفقدان الثقة في معاملاتهم.
قوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما نبه (٤) على جهل من أثبتوا له شريكًا، واتخذوا له ندًا ونظيرًا.. أردف ذلك بالتنديد، والتقريع لمن أثبتوا له ولدا، وأنه قد بلغ من تحتهم أن جعلوا البنين لأنفسهم مع علمهم بعجزهم، ونقصهم، وأعطوا لله البنات، مع علمهم بأنّه الموصوف بالكمال،
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
104
الذي لا نهاية له، والجلال الذي لا غاية له، ثمّ أتبعه ببيان أنه قد ضرب في القرآن الأمثال، ليتدبروا ويتأمّلوا فيها، ولكن ذلك ما زادهم إلا نفورًا عن الحق، وقلّة طمأنينة إليه، ثمّ أردفه ببيان أنه لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى.. لطلبت لأنفسها قربة إلى الله، وسبيلًا إليه، ولكنّها لم تفعل ذلك، وكيف تقرّبكم إليه، وكل ما في السموات والأرض يسبح بحمده، بدلالة أحواله على توحيده، وتقديسه، وكمال قدرته، ولكنكم لجهلكم وغفلتكم لا تدركون دلالة تلك الدلائل.
قوله تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنه سبحانه وتعالى لما أنهى الكلام في مقام الألوهية، وجدالهم بالّتي هي أحسن، بضرب الأمثال لهم، وإقامة الحجة عليهم، وإيضاح السبيل لهم.. أردف هنا بالكلام في مقام النبوة، والنعي عليهم في عدم فهمهم للقرآن، والنفور منه، والهزء به، وضربهم الأمثال للنبي - ﷺ -، وقولهم فيه تارةً إنه ساحرٌ، وأخرى إنه مجنون وحينًا إنه شاعر.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن المنذر عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا تلا القرآن على مشركي قريشٍ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا يهزؤون به: ﴿قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ...﴾ الآيات.
وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ أبا سفيان، والنّضر بن الحارث، وأبا جهل وغيرهم، كانوا يجالسون النبيّ - ﷺ - ويستمعون إلى حديثه، فقال النضر يومًا: ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء، وقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقا، وقال أبو جهل: هو مجنون، وقال أبو لهب: هو كاهن، وقال حويطب بن عبد العزى: هو شاعر فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها (١): أنه سبحانه وتعالى لما أنهى الكلام في مقام الألوهية، وجدالهم بالّتي هي أحسن، بضرب الأمثال لهم، وإقامة الحجة عليهم، وإيضاح السبيل لهم.. أردف هنا بالكلام في مقام النبوة، والنعي عليهم في عدم فهمهم للقرآن، والنفور منه، والهزء به، وضربهم الأمثال للنبي - ﷺ -، وقولهم فيه تارةً إنه ساحرٌ، وأخرى إنه مجنون وحينًا إنه شاعر.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ...﴾ الآية، أخرج (٢) ابن المنذر عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا تلا القرآن على مشركي قريشٍ، ودعاهم إلى الكتاب قالوا يهزؤون به: ﴿قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ...﴾ الآيات.
وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ أبا سفيان، والنّضر بن الحارث، وأبا جهل وغيرهم، كانوا يجالسون النبيّ - ﷺ - ويستمعون إلى حديثه، فقال النضر يومًا: ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء، وقال أبو سفيان: إني لأرى بعض ما يقول حقا، وقال أبو جهل: هو مجنون، وقال أبو لهب: هو كاهن، وقال حويطب بن عبد العزى: هو شاعر فنزلت هذه الآية.
(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
105
التفسير وأوجه القراءة
٣٤ - ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ﴾ فضلًا عن أن تتصرّفوا فيه، والخطاب فيه لأولياء اليتيم ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾؛ أي: إلا بالخصلة، والطريقة التي هي أحسن الخصال، والطرائق، وهي حفظه واستثماره، وإرباحه ﴿حَتَّى﴾ غاية لجواز التصرف على الوجه الأحسن المدلول عليه بالاستثناء ﴿يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾؛ أي: قوّته؛ أي: خمس عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، وهو مفرد جاء على وزن الجمع كآنك، ولا نظير لهما كما في «القاموس» والمراد (١) ببلوغ الأشد كمال عقله، ورشده، بحيث يمكنه القيام بمصالح ماله، وإلا لم ينفك عنه الحجر، والمعنى؛ أي: لا تقربوا مال اليتيم، ولا تتصرفوا فيه إلا بالطريق التي هي أحسن الطرق، وهي طريقة حفظه وتثميره، بما يزيد به حتى يبلغ اليتيم أشده، وتستحكم قوة عقله وشبابه، فإذا بلغ أشده، واستحكم عقله، كان لكم أن تدفعوه إليه، أو تتصرفوا فيه بإذنه؛ لأنه إذ ذاك يمكنه القيام على ماله بما فيه المصلحة، ولمّا نزلت هذه الآية اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله - ﷺ -، فكانوا لا يخالطون اليتامى في طعام، ولا في غيره، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ فكانت لهم فيها رخصةٌ، ونظير الآية قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وبعد أن نهى عن الزنا والقتل، وأكل مال اليتيم.. أتبعها بثلاثة أوامر: فقال: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾، أي (٢): أتموا بالعهد سواء جرى بينكم وبين ربكم، أو بينكم وبين غيركم من الناس، أي وأوفوا بما عاهدتم الله عليه من التزام ما كلفكم به، وما عاهدتم الناس عليه من العقود التي تتعاملون بها في البيوع، والإجارة، ونحوها، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، ويدخل في ذلك ما بين العبد وربّه، وما بين العباد بعضهم مع بعض، والوفاء به: القيام بحفظه على الوجه الشرعيِّ، والقانون المرضيّ ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا﴾
٣٤ - ﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ﴾ فضلًا عن أن تتصرّفوا فيه، والخطاب فيه لأولياء اليتيم ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾؛ أي: إلا بالخصلة، والطريقة التي هي أحسن الخصال، والطرائق، وهي حفظه واستثماره، وإرباحه ﴿حَتَّى﴾ غاية لجواز التصرف على الوجه الأحسن المدلول عليه بالاستثناء ﴿يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾؛ أي: قوّته؛ أي: خمس عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، وهو مفرد جاء على وزن الجمع كآنك، ولا نظير لهما كما في «القاموس» والمراد (١) ببلوغ الأشد كمال عقله، ورشده، بحيث يمكنه القيام بمصالح ماله، وإلا لم ينفك عنه الحجر، والمعنى؛ أي: لا تقربوا مال اليتيم، ولا تتصرفوا فيه إلا بالطريق التي هي أحسن الطرق، وهي طريقة حفظه وتثميره، بما يزيد به حتى يبلغ اليتيم أشده، وتستحكم قوة عقله وشبابه، فإذا بلغ أشده، واستحكم عقله، كان لكم أن تدفعوه إليه، أو تتصرفوا فيه بإذنه؛ لأنه إذ ذاك يمكنه القيام على ماله بما فيه المصلحة، ولمّا نزلت هذه الآية اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله - ﷺ -، فكانوا لا يخالطون اليتامى في طعام، ولا في غيره، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ فكانت لهم فيها رخصةٌ، ونظير الآية قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
وبعد أن نهى عن الزنا والقتل، وأكل مال اليتيم.. أتبعها بثلاثة أوامر: فقال: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾، أي (٢): أتموا بالعهد سواء جرى بينكم وبين ربكم، أو بينكم وبين غيركم من الناس، أي وأوفوا بما عاهدتم الله عليه من التزام ما كلفكم به، وما عاهدتم الناس عليه من العقود التي تتعاملون بها في البيوع، والإجارة، ونحوها، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، ويدخل في ذلك ما بين العبد وربّه، وما بين العباد بعضهم مع بعض، والوفاء به: القيام بحفظه على الوجه الشرعيِّ، والقانون المرضيّ ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا﴾
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
عنه، فيسئل النَّاكث، ويعاقب عليه يوم القيامة؛ أي: إنّ الله سبحانه وتعالى سائل ناقض العهد عن نقضه إيَّاه، فيقال للناكث على سبيل التبكيت والتوبيخ: لم نكثت عهدك، وهلا وفيت به؟ كما يقال لوائد الموءودة بأيّ ذنب قتلت؟ وقوله تعالى لعيسى عليه السلام: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ﴾ والمخاطبة لعيسى والإنكار على غيره، أو مطلوبًا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به
٣٥ - ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾. أي: أتمّوه، ولا تخسروه ﴿إِذا كِلْتُمْ﴾ لغيركم؛ أي (١): وقت كيلكم للمشترين، وتقييد الأمر بذلك، لأن التطفيف هناك، وأمّا وقت الاكتيال على النّاس، فلا حاجة إلى الأمر بالتّعديل قال تعالى: ﴿إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ فالخطاب فيه للبائعين، وأخذ من هذا بعضهم أنّ أجرة الكيال على البائع؛ لأنها من تمام التسليم، وكذلك عليه أجرة النقّاد للثمن، وهو كذلك كما هو مقرر في الفروع اهـ شيخنا.
والمعنى: أي وأتموا الكيل للناس، ولا تخسروهم، إذا كلتم لهم حقوقهم من قبلكم، فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم، ولم تفوا الكيل ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾؛ أي: وزنوا بالميزان المعتدل بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، فيقع الجور، أو الحيف لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات، والبيع والشراء، ومن ثم بالغ الشارع في المنع من التطفيف، والنقصان سعيًا في إبقاء الأموال لأربابها، والقسطاس هو كل (٢) ما يوزن به صغيرًا كان أو كبيرًا، من ميزان الدّرهم إلى ما هو أكبر منه، وقيل هو القبان.
وقرأ ابن كثير (٣)، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر ﴿القسطاس﴾ بضم القاف، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بكسر القاف، وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صادًا.
﴿ذلِكَ﴾؛ أي: إيفاؤكم بالعهد، وإيفاؤكم من تكيلون له، ووزنكم بالعدل، لمن توفون له ﴿خَيْرٌ﴾ لكم في الدنيا من نكثكم وبخسكم في الكيل والوزن، لأن
٣٥ - ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾. أي: أتمّوه، ولا تخسروه ﴿إِذا كِلْتُمْ﴾ لغيركم؛ أي (١): وقت كيلكم للمشترين، وتقييد الأمر بذلك، لأن التطفيف هناك، وأمّا وقت الاكتيال على النّاس، فلا حاجة إلى الأمر بالتّعديل قال تعالى: ﴿إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ فالخطاب فيه للبائعين، وأخذ من هذا بعضهم أنّ أجرة الكيال على البائع؛ لأنها من تمام التسليم، وكذلك عليه أجرة النقّاد للثمن، وهو كذلك كما هو مقرر في الفروع اهـ شيخنا.
والمعنى: أي وأتموا الكيل للناس، ولا تخسروهم، إذا كلتم لهم حقوقهم من قبلكم، فإن كلتم لأنفسكم فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم، ولم تفوا الكيل ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾؛ أي: وزنوا بالميزان المعتدل بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين، فيقع الجور، أو الحيف لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات، والبيع والشراء، ومن ثم بالغ الشارع في المنع من التطفيف، والنقصان سعيًا في إبقاء الأموال لأربابها، والقسطاس هو كل (٢) ما يوزن به صغيرًا كان أو كبيرًا، من ميزان الدّرهم إلى ما هو أكبر منه، وقيل هو القبان.
وقرأ ابن كثير (٣)، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر ﴿القسطاس﴾ بضم القاف، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بكسر القاف، وقرأت فرقة بالإبدال من السين الأولى صادًا.
﴿ذلِكَ﴾؛ أي: إيفاؤكم بالعهد، وإيفاؤكم من تكيلون له، ووزنكم بالعدل، لمن توفون له ﴿خَيْرٌ﴾ لكم في الدنيا من نكثكم وبخسكم في الكيل والوزن، لأن
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
ذلك مما يرغّب الناس في معاملتكم، وحب الثناء عليكم ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾؛ أي: وأجمل عاقبة لما يترتّب على ذلك من الثواب في الآخرة، والخلاص من العقاب الأليم، وكثير من الفقراء الذين اشتهروا بالأمانة، والبعد عن الخيانة، أقبلت عليهم الدنيا، وحصل لهم الثروة والغنى وكان ذلك سبب سعادتهم في الدنيا، فقوله: ﴿تَأْوِيلًا﴾ تفعيل من آل إذا رجع، وهو ما يؤول إليه أمره.
٣٦ - وبعد أن ذكر سبحانه أوامر ثلاثةً نهى عن مثلها فقال: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: ولا تتبع أيها المرء ما لا علم لك به ولا ظنّ من قول أو فعل، من قولك: قفوت فلانا إذا اتبعت أثره، ومنه قافية الشّعر؛ لأنها تقفو كل بيت، ومنه القبيلة المشهورة بالقافة؛ لأنهم يتّبعون آثار أقدام الناس؛ أي: لا تكن (١) في اتباع ما لا علم لك به من قول، أو فعل، كمن يتبع مسلكًا لا يدري أنه يوصله إلى مقصده، وذلك (٢) دستورٌ شامل لكثير من شؤون الحياة، ومن ثمّ قال المفسرون فيه أقوالا كثيرة:
١ - قال ابن عباس: لا تشهد إلّا بما رأت عيناك وسمعته أذناك، ووعاه قلبك.
٢ - قال قتادة: لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم.
٣ - وقيل: المراد النهي عن القول بلا علم، بل بالظن والتوهم كما قال: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وفي الحديث «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».
٤ - وقيل: المراد نهي المشركين عن اعتقاداتهم تقليدًا لأسلافهم، واتّباعًا للهوى كما قال: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾.
٣٦ - وبعد أن ذكر سبحانه أوامر ثلاثةً نهى عن مثلها فقال: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: ولا تتبع أيها المرء ما لا علم لك به ولا ظنّ من قول أو فعل، من قولك: قفوت فلانا إذا اتبعت أثره، ومنه قافية الشّعر؛ لأنها تقفو كل بيت، ومنه القبيلة المشهورة بالقافة؛ لأنهم يتّبعون آثار أقدام الناس؛ أي: لا تكن (١) في اتباع ما لا علم لك به من قول، أو فعل، كمن يتبع مسلكًا لا يدري أنه يوصله إلى مقصده، وذلك (٢) دستورٌ شامل لكثير من شؤون الحياة، ومن ثمّ قال المفسرون فيه أقوالا كثيرة:
١ - قال ابن عباس: لا تشهد إلّا بما رأت عيناك وسمعته أذناك، ووعاه قلبك.
٢ - قال قتادة: لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم.
٣ - وقيل: المراد النهي عن القول بلا علم، بل بالظن والتوهم كما قال: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وفي الحديث «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».
٤ - وقيل: المراد نهي المشركين عن اعتقاداتهم تقليدًا لأسلافهم، واتّباعًا للهوى كما قال: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
108
قال الشوكاني: وأقول (١): إنّ هذه الآية قد دلّت على عدم جواز العمل بما ليس بعلم، ولكنها عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظن، كالعمل بالعام، وبخبر الواحد، والعمل بالشهادة، والاجتهاد في القبلة، وفي جزاء الصيد، ونحو ذلك، فلا تخرج من عمومها، ومن عموم ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ إلا ما قد قام دليلٌ على جواز العمل به فالعمل بالرأي في مسائل الشرع إن كان لعدم وجود دليل في الكتاب والسنة، فقد رخّص فيه النبي - ﷺ - كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ حين بعثه قاضيا إلى اليمن: «بم تقضي؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد»، قال: فبسنة رسول الله قال: «فإن لم تجد»، قال: أجتهد رأيي. وهو حديث صالح للاحتجاج به.
وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتاب أو السنة، ولكنه قصّر صاحب الرأي عن البحث، فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولًا أوليًا؛ لأنه محض رأي في شرع الله، وبالناس عنه غنى بكتاب الله سبحانه، وبسنة رسوله - ﷺ - ولم تدع إليه حاجة على أنّ الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل إنّما هو رخصة للمجتهد، يجوز له أن يعمل به، ولم يَدُلَّ دليل على أنه يجوز لغيره العمل به، وينزله منزلة مسائل الشرع.
وقد قيل: إن هذه الآية خاصَّة بالعقائد، ولا دليل على ذلك أصلًا، ثم علّل سبحانه النهي عن العمل بما ليس بعلم بقوله: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ﴾؛ أي: كل واحد من هذه الأعضاء الثلاثة، فهو إشارة إلى الأعضاء المذكورة، فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولةً عن أحوالها شاهدة على أصحابها ﴿كانَ عَنْهُ﴾؛ أي: عن نفسه، وعما فعل به صاحبه ﴿مَسْؤُلًا﴾؛ أي: إنّ الله سبحانه سائل هذه الأعضاء عما فعل بها صاحبها يوم القيامة.
ومعنى سؤال هذه الجوارح (٢): أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه؛ لأنها
وأما التوثب على الرأي مع وجود الدليل في الكتاب أو السنة، ولكنه قصّر صاحب الرأي عن البحث، فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهي دخولًا أوليًا؛ لأنه محض رأي في شرع الله، وبالناس عنه غنى بكتاب الله سبحانه، وبسنة رسوله - ﷺ - ولم تدع إليه حاجة على أنّ الترخيص في الرأي عند عدم وجود الدليل إنّما هو رخصة للمجتهد، يجوز له أن يعمل به، ولم يَدُلَّ دليل على أنه يجوز لغيره العمل به، وينزله منزلة مسائل الشرع.
وقد قيل: إن هذه الآية خاصَّة بالعقائد، ولا دليل على ذلك أصلًا، ثم علّل سبحانه النهي عن العمل بما ليس بعلم بقوله: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ﴾؛ أي: كل واحد من هذه الأعضاء الثلاثة، فهو إشارة إلى الأعضاء المذكورة، فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولةً عن أحوالها شاهدة على أصحابها ﴿كانَ عَنْهُ﴾؛ أي: عن نفسه، وعما فعل به صاحبه ﴿مَسْؤُلًا﴾؛ أي: إنّ الله سبحانه سائل هذه الأعضاء عما فعل بها صاحبها يوم القيامة.
ومعنى سؤال هذه الجوارح (٢): أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه؛ لأنها
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
109
آلات، والمستعملُ لها هو الروح الإنساني، فإن استعملها في الخير.. استحق الثّواب، وإن استعملها في الشر.. استحقَّ العقاب، وقيل: إنّ الله سبحانه ينطق هذه الأعضاء عند سؤالها، فتخبر عمّا فعله صاحبها كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)﴾ وفي الخبر: عن شكل بن حميد قال: «أتيت النبي - ﷺ - فقلت: يا نبي الله علّمني تعويذًا أتعوّذ به، فأخذ بيدي ثمّ قال: قل: «أعوذ بك من شر سمعي، وشر بصري وشر بصري وشر قلبي، وشرٍّ منّي» يريد الزنا.
قال علي السمرقندي: واعلم (١) أنّ المراد بالنهي: النهي عن اتباع كلّ ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع، والبصر، والقلب، كأنه تعالى قال: لا تسمع كل ما لا يجوز سماعه، ولا تبصر كل ما لا يجوز إبصاره، ولا تعزم على كل ما لا يجوز لك العزم عليه؛ لأن كلّ واحد منها يسأله الله تعالى ويجازيه، ولم يذكر اللسان مع أنه من أعظمها؛ لأن السّمع يدل عليه، لأنه ما يكب الناس على مناخرهم في نار جهنّم إلّا حصائد ألسنتهم، وتلك الحصائد من قبل المسموعات اللازمة للسمع. انتهى
وقرأ الجمهور (٢) ﴿وَلا تَقْفُ﴾ بحذف الواو، للجازم مضارع قفا كعدا، وقرأ زيد بن علي: ﴿ولا تقفو﴾ بإثبات الواو، كما قال الشاعر:
وإثبات الواو، والياء، والألف مع الجازم لغة لبعض العرب، وضرورة لغيرهم، وقرأ معاذ القارىء ﴿وَلَا نَقُفْ﴾ مثل تقل من قاف، يَقُوف، تقول العرب: قفت أثره، وقفوت أثره، وهما لغتان لوجود التصاريف فيهما، كجبذ وجذب، وقرأ الجراح العقيلي، ﴿والفواد﴾ بفتح الفاء والواو، وقلبت الهمزة واوًا بعد الضمة في الفؤاد، ثم استصحب القلب مع الفتح، وهي لغة في الفؤاد،
قال علي السمرقندي: واعلم (١) أنّ المراد بالنهي: النهي عن اتباع كلّ ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع، والبصر، والقلب، كأنه تعالى قال: لا تسمع كل ما لا يجوز سماعه، ولا تبصر كل ما لا يجوز إبصاره، ولا تعزم على كل ما لا يجوز لك العزم عليه؛ لأن كلّ واحد منها يسأله الله تعالى ويجازيه، ولم يذكر اللسان مع أنه من أعظمها؛ لأن السّمع يدل عليه، لأنه ما يكب الناس على مناخرهم في نار جهنّم إلّا حصائد ألسنتهم، وتلك الحصائد من قبل المسموعات اللازمة للسمع. انتهى
وقرأ الجمهور (٢) ﴿وَلا تَقْفُ﴾ بحذف الواو، للجازم مضارع قفا كعدا، وقرأ زيد بن علي: ﴿ولا تقفو﴾ بإثبات الواو، كما قال الشاعر:
هجوت زبان ثُمَّ جئت معتذرًا | من هجو زبَّان كأن لم تهجو ولم تَدَعُ |
(١) بحر العلوم.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
110
وأنكرها أبو حاتم وغيره.
٣٧ - ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ﴾ التقييد لزيادة التقرير ﴿مَرَحًا﴾؛ أي: ولا تمش - أيها الإنسان - متبخترًا متمايلًا كمشي الجبارين فتحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها، بدوسك، وشدة وطئك لها، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محوط بنوعين من الجماد أنت أضعف منهما، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر، ولقد أحسن من قال:
والمرح (١): قيل: هو شدة الفرح، وقيل: التكبر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره، وقيل: الخيلاء في المشي، وقيل: البطر، والأشر وقيل: النشاط، والظاهر: أنّ المراد به هنا الخيلاء والفخر، والمرح: مصدر وقع حالا، أي ذا مرح، وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلا عليها، أو على ما هو معتمد عليها تأكيدا، وتقريرا كما ذكرنا آنفًا.
وخلاصة ذلك (٢): تواضع ولا تتكبّر فإنك مخلوقٌ ضعيفٌ محصور بين حجارة وتراب، فلا تفعل فعل القوي المقتدر، ولا يخفى ما في الآية من التقريع، والتهكم، والزجر لمن اعتاد ذلك.
وقرأ الجمهور: ﴿مَرَحًا﴾ بفتح الراء على المصدر، وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: ﴿إِنَّكَ﴾ أيها المرء ﴿لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾؛ أي: إنك لن تشق الأرض، ولن تثقبها بمشيك عليها، وشدة وطئك فيها تكبرا حتى تبلغ آخرها، وفيه تهكم بالمختال المتكبر.
﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ﴾ التي هي بعض أجزاء الأرض ﴿طُولًا﴾؛ أي: في
٣٧ - ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ﴾ التقييد لزيادة التقرير ﴿مَرَحًا﴾؛ أي: ولا تمش - أيها الإنسان - متبخترًا متمايلًا كمشي الجبارين فتحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها، بدوسك، وشدة وطئك لها، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محوط بنوعين من الجماد أنت أضعف منهما، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر، ولقد أحسن من قال:
ولا تمش فوق الأَرض إلّا تواضعًا | فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ |
وإن كنت في عزٍّ وحرزٍ ومنعةٍ | فكم مات من قومٍ هم منك أمنعُ |
وخلاصة ذلك (٢): تواضع ولا تتكبّر فإنك مخلوقٌ ضعيفٌ محصور بين حجارة وتراب، فلا تفعل فعل القوي المقتدر، ولا يخفى ما في الآية من التقريع، والتهكم، والزجر لمن اعتاد ذلك.
وقرأ الجمهور: ﴿مَرَحًا﴾ بفتح الراء على المصدر، وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: ﴿إِنَّكَ﴾ أيها المرء ﴿لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾؛ أي: إنك لن تشق الأرض، ولن تثقبها بمشيك عليها، وشدة وطئك فيها تكبرا حتى تبلغ آخرها، وفيه تهكم بالمختال المتكبر.
﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ﴾ التي هي بعض أجزاء الأرض ﴿طُولًا﴾؛ أي: في
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
الطول حتى يمكنك أن تتكبَّر عليها؛ أي: لن يبلغ طولك الجبال حتّى يكون عظم جثّتك حاملًا لك على التكبر، فالتكبر إنما يكون بالقوة، وعظم الجثّة وكلاهما غير موجود لديك، فما الحامل لك على ما أنت فيه، وأنت أحقر من كل من الجمادين، وكيف يليق بك الكبر. فطولا منصوب على التمييز؛ أي: لن يبلغ طولك الجبال؛ أي: تطاولك، واستعلاؤك، وقال الزجاج: ﴿لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾؛ أي: لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها، وشدة وطئك عليها ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا﴾؛ أي: بتطاولك، وهو تهكم بالمختال وقرأ الجراح الأعرابي (١) ﴿لَنْ تَخْرِقَ﴾ بضم الراء قال أبو حاتم: لا تعرف هذه اللغة
٣٨ - ﴿كُلُّ ذلِكَ﴾ المذكور من الخصال الخمس والعشرين من قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ إلى هنا فهو نهي عن اعتقاد أن مع الله إلهًا آخر، وهو أولاها، والثانية والثالثة قوله: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ فهو أمر بعبادة الله ونهي عن عبادة غيره، والبواقي ظاهرة بعد الأوامر، والنواهي ﴿كانَ سَيِّئُهُ﴾؛ أي: السيىء القبيح منه، وهو المنهيات منها، وهو أربع عشرة خصلة، فإنّ المأمور به حسن وهو إحدى عشرة، ثلاث مستترة، وثمان ظاهرة كما في «بحر العلوم» ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿مَكْرُوهًا﴾ أي: مبغوضا، والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد، ووصف ذلك بمتعلق الكراهة، مع أن البعض من الكبائر، للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الانتهاء عن ذلك وتأكده.
والمعنى (٢): كل ما ذكر من الخصال أثناء الأوامر والنواهي، وهي الخمس والعشرون السالفة، كان السيىء منه، وهو ما نهي عنه منها من الجعل مع الله إلهًا آخر، وعبادة غيره، والتأفف، والتبذير، وغل اليد، وقتل الأولاد خشية الإملاق مكروها عند ربك؛ أي: مبغوضًا عنده تعالى، وإن كان مرادًا له تعالى بالإرادة التكونية، كما قال - ﷺ -: «ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن» وهذه الإرادة لا تستدعي الرضا منه سبحانه.
٣٨ - ﴿كُلُّ ذلِكَ﴾ المذكور من الخصال الخمس والعشرين من قوله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ إلى هنا فهو نهي عن اعتقاد أن مع الله إلهًا آخر، وهو أولاها، والثانية والثالثة قوله: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ فهو أمر بعبادة الله ونهي عن عبادة غيره، والبواقي ظاهرة بعد الأوامر، والنواهي ﴿كانَ سَيِّئُهُ﴾؛ أي: السيىء القبيح منه، وهو المنهيات منها، وهو أربع عشرة خصلة، فإنّ المأمور به حسن وهو إحدى عشرة، ثلاث مستترة، وثمان ظاهرة كما في «بحر العلوم» ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿مَكْرُوهًا﴾ أي: مبغوضا، والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد، ووصف ذلك بمتعلق الكراهة، مع أن البعض من الكبائر، للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الانتهاء عن ذلك وتأكده.
والمعنى (٢): كل ما ذكر من الخصال أثناء الأوامر والنواهي، وهي الخمس والعشرون السالفة، كان السيىء منه، وهو ما نهي عنه منها من الجعل مع الله إلهًا آخر، وعبادة غيره، والتأفف، والتبذير، وغل اليد، وقتل الأولاد خشية الإملاق مكروها عند ربك؛ أي: مبغوضًا عنده تعالى، وإن كان مرادًا له تعالى بالإرادة التكونية، كما قال - ﷺ -: «ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن» وهذه الإرادة لا تستدعي الرضا منه سبحانه.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
تتمة: واعلم أنا نعد لك الخصال الخمس والعشرين التي وردت الإشارة إليها بقوله تعالى: ﴿كُلُّ ذلِكَ...﴾ على ترتيبها المذكور في الآيات، وهذا إحصاؤها بذلك الترتيب:
١ - ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾. ٢
و٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ...﴾ إلى آخر الآية لاشتماله على تكليفين، وهما عبادة الله، والنهي عن عبادة غيره.
٤ - ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا﴾.
٥ - ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾.
٦ - ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾
٧ - ﴿وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
٨ - ﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ﴾.
٩ - ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما﴾.
١٠ - ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ﴾.
١١ - ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾.
١٢ - ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.
١٣ - ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾.
١٤ - ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾.
١٥ - ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾.
١٦ - ﴿وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ﴾.
١٧ - ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾.
١٨ - ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾.
١٩ - ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾.
٢٠ - ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾.
٢١ - ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾.
٢٢ - ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾.
٢٣ - ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ﴾.
٢٤ - ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.
٢٥ - ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾.
وقرأ الحرميان (١) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو، وأبو جعفر، والأعرج ﴿سيئة﴾ بالنصب والتأنيث، وقرأ باقي السبع، والحسن، ومسروق ﴿سَيِّئُهُ﴾ بضم الهمزة مضافًا فـ ﴿الهاء﴾ ضمير المذكر الغائب، وقرأ عبد الله ﴿سيئاته﴾ بالجمع مضافا للهاء، وعنه أيضًا ﴿سيئات﴾ بغير هاء، وعنه أيضًا ﴿كان خبيثه﴾.
٣٩ - ثم بيّن وجوب امتثال تلك الأوامر، وترك تلك النواهي، فقال: ﴿ذلِكَ﴾ المذكور في الآيات السابقة، أي: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الحميدة، ونهيناك عنه من الرذائل الذميمة التي جملتها خمس وعشرون خصلةً ﴿مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ﴾؛ أي: بعض ما أوحى إليك ربك من فقه الدين، ومعرفة أسراره، حالة كونه: ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ التي هي معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به اهـ.
«بيضاوي» فالتوحيد من القسم الأول، وباقي التكاليف من القسم الثاني اهـ «زاده»
١ - ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾. ٢
و٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ...﴾ إلى آخر الآية لاشتماله على تكليفين، وهما عبادة الله، والنهي عن عبادة غيره.
٤ - ﴿وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا﴾.
٥ - ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾.
٦ - ﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾
٧ - ﴿وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
٨ - ﴿وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ﴾.
٩ - ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما﴾.
١٠ - ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ﴾.
١١ - ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾.
١٢ - ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.
١٣ - ﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾.
١٤ - ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾.
١٥ - ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾.
١٦ - ﴿وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ﴾.
١٧ - ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾.
١٨ - ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى﴾.
١٩ - ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ﴾.
٢٠ - ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾.
٢١ - ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾.
٢٢ - ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾.
٢٣ - ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ﴾.
٢٤ - ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.
٢٥ - ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾.
وقرأ الحرميان (١) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو، وأبو جعفر، والأعرج ﴿سيئة﴾ بالنصب والتأنيث، وقرأ باقي السبع، والحسن، ومسروق ﴿سَيِّئُهُ﴾ بضم الهمزة مضافًا فـ ﴿الهاء﴾ ضمير المذكر الغائب، وقرأ عبد الله ﴿سيئاته﴾ بالجمع مضافا للهاء، وعنه أيضًا ﴿سيئات﴾ بغير هاء، وعنه أيضًا ﴿كان خبيثه﴾.
٣٩ - ثم بيّن وجوب امتثال تلك الأوامر، وترك تلك النواهي، فقال: ﴿ذلِكَ﴾ المذكور في الآيات السابقة، أي: هذا الذي أمرناك به من الأخلاق الحميدة، ونهيناك عنه من الرذائل الذميمة التي جملتها خمس وعشرون خصلةً ﴿مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ﴾؛ أي: بعض ما أوحى إليك ربك من فقه الدين، ومعرفة أسراره، حالة كونه: ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ التي هي معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به اهـ.
«بيضاوي» فالتوحيد من القسم الأول، وباقي التكاليف من القسم الثاني اهـ «زاده»
(١) البحر المحيط.
أو حالة (١) كونه من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ، والفساد ﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ أيها المكلف ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى﴾؛ أي: ترمى ﴿فِي﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ﴾ حالة كونك ﴿مَلُومًا﴾ عند نفسك وعند الناس وعند الملائكة ﴿مَدْحُورًا﴾؛ أي: مطرودًا مبعدًا من رحمة الله تعالى، ومن كل خير، كرر هذه (٢) الآية مع ما سلف للتنبيه على أن التوحيد رأس الدين، ورأس الحكمة، وهو مبتدأ الأمر، ومنتهاه، وقد رتب عليه أولًا آثار الشرك في الدنيا، فقال: ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ ورتّب عليه هنا نتيجته في العقبى فقال: ﴿فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ وقد علمت فيما تقدم لك أنّ مثل هذا الخطاب إما موجهٌ إلى الإنسان عامة، وإما إلى الرسول خاصةً، والمراد أمته، والكلام من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.
فائدة: والفرق (٣) بين المذموم والملوم، وبين المخذول والمدحور، أن المذموم معناه: من يذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكرٌ، وأنّ الملوم معناه من يقال له لم فعلت هذا الفعل القبيح، وما الذي حملك عليه، وهذا هو اللوم، وأنّ المخذول هو: الضعيف الذي لا ناصر له، والمدحور هو: المبعد المطرود عن كل خير،
٤٠ - ولمّا أمر بالتوحيد، ونهى عن إثبات الشريك لله، أتبعه بذكر فساد طريقة من أثبت الولد له تعالى، فقال: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾، والخطاب (٤) فيه للقائلين بأن الملائكة بنات الله. وكان المشركون يستنكفون من البنات، فيختارون لأنفسهم الذكور، ومع ذلك ينسبون إليه تعالى الإناث، فأنكر الله ذلك منهم.
و ﴿الهمزة﴾ فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلةٌ على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفضّلكم ربكم على جنابه ونفسه أيها المشركون، فأصفاكم واختاركم، وخصّكم بالبنين، أفضل الأولاد ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا﴾؛ أي: واختار لنفسه من الملائكة إناثًا التي هي أخس الأولاد
فائدة: والفرق (٣) بين المذموم والملوم، وبين المخذول والمدحور، أن المذموم معناه: من يذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكرٌ، وأنّ الملوم معناه من يقال له لم فعلت هذا الفعل القبيح، وما الذي حملك عليه، وهذا هو اللوم، وأنّ المخذول هو: الضعيف الذي لا ناصر له، والمدحور هو: المبعد المطرود عن كل خير،
٤٠ - ولمّا أمر بالتوحيد، ونهى عن إثبات الشريك لله، أتبعه بذكر فساد طريقة من أثبت الولد له تعالى، فقال: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾، والخطاب (٤) فيه للقائلين بأن الملائكة بنات الله. وكان المشركون يستنكفون من البنات، فيختارون لأنفسهم الذكور، ومع ذلك ينسبون إليه تعالى الإناث، فأنكر الله ذلك منهم.
و ﴿الهمزة﴾ فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلةٌ على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفضّلكم ربكم على جنابه ونفسه أيها المشركون، فأصفاكم واختاركم، وخصّكم بالبنين، أفضل الأولاد ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا﴾؛ أي: واختار لنفسه من الملائكة إناثًا التي هي أخس الأولاد
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن بتصرف.
(٤) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن بتصرف.
(٤) روح البيان.
وأدناها - بحسب زعمكم -، وهذا خلاف الحكمة، وما عليه عقولكم، وعادتكم، فإنّ العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشَّوب والنَّقص ويكون أردأها وأدناها للسادات.
وعبر عن البنات بالإناث إظهارًا لجهة خساستهن؛ لأنّ الأنوثة أخسُّ أوصاف الحيوان.
والمعنى (١): أفْضَّلكم على جنابه، فخصَّكم ربّكم بالذكور من الأولاد، واتخذ من الملائكة إناثًا، وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدونهنَّ، وتقتلونهن، فتجعلون له ما لا ترضون لأنفسكم.
وخلاصة ذلك: أنّهم جعلوا الملائكة إناثًا، ثم ادعوا أنّهن بنات الله، ثمّ عبدوهن، فأخطؤوا في الأمور الثلاثة، خطأً عظيمًا، ومن ثمّ قال: ﴿إِنَّكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿لَتَقُولُونَ﴾ بإضافة الولد إليه تعالى ﴿قَوْلًا عَظِيمًا﴾ أي: قولا فظيعا لا يجترىء عليه أحد؛ حيث تجعلونه سبحانه من قبيل الأجسام المتجانسة السّريعة الزوال، ثمّ تضيفون إليه ما تكرهون من أخس الأولاد، وتفضّلون عليه أنفسكم بالبنين، ثم تصفون الملائكة الذين هم من أشرف الخلق بالأنوثة التي هي أخس أوصاف الحيوان.
ونحو الآية قوله تعالى ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَدًا (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْدًا (٩٥)﴾.
٤١ - ولما كان هذا الكلام غايةً في الوضوح والبيان، ولا يخفى فهمه على إنسان، ثمّ هم بعد ذلك، أعرضوا عنه نبّه إلى ذلك فقال: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد صرّفنا وبيّنا وكررنا في هذا القرآن الكريم الآيات والحجج، وضربنا لهم الأمثال وحذرناهم، وأنذرناهم ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ ويتعظوا، فيقفوا على بطلان
وعبر عن البنات بالإناث إظهارًا لجهة خساستهن؛ لأنّ الأنوثة أخسُّ أوصاف الحيوان.
والمعنى (١): أفْضَّلكم على جنابه، فخصَّكم ربّكم بالذكور من الأولاد، واتخذ من الملائكة إناثًا، وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم، بل تئدونهنَّ، وتقتلونهن، فتجعلون له ما لا ترضون لأنفسكم.
وخلاصة ذلك: أنّهم جعلوا الملائكة إناثًا، ثم ادعوا أنّهن بنات الله، ثمّ عبدوهن، فأخطؤوا في الأمور الثلاثة، خطأً عظيمًا، ومن ثمّ قال: ﴿إِنَّكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿لَتَقُولُونَ﴾ بإضافة الولد إليه تعالى ﴿قَوْلًا عَظِيمًا﴾ أي: قولا فظيعا لا يجترىء عليه أحد؛ حيث تجعلونه سبحانه من قبيل الأجسام المتجانسة السّريعة الزوال، ثمّ تضيفون إليه ما تكرهون من أخس الأولاد، وتفضّلون عليه أنفسكم بالبنين، ثم تصفون الملائكة الذين هم من أشرف الخلق بالأنوثة التي هي أخس أوصاف الحيوان.
ونحو الآية قوله تعالى ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَدًا (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْدًا (٩٥)﴾.
٤١ - ولما كان هذا الكلام غايةً في الوضوح والبيان، ولا يخفى فهمه على إنسان، ثمّ هم بعد ذلك، أعرضوا عنه نبّه إلى ذلك فقال: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد صرّفنا وبيّنا وكررنا في هذا القرآن الكريم الآيات والحجج، وضربنا لهم الأمثال وحذرناهم، وأنذرناهم ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ ويتعظوا، فيقفوا على بطلان
(١) المراغي.
ما يقولون، فإنّ التكرار يقتضي الإذعان واطمئنان النفس، وهم مع ذلك لا يعتبرون، ولا يتذكرون بما يرد عليهم من الآيات والنذر، بل ﴿وَما يَزِيدُهُمْ﴾ التذكير ﴿إِلَّا نُفُورًا﴾ وفرارًا، وهربًا من الحق، وبعدًا منه وإعراضًا عنه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿صرّفنا﴾ بتشديد الراء، أي: لم نجعله نوعًا واحدًا، بل وعدًا، ووعيدًا، ومحكمًا، ومتشابهًا، وأمرًا، ونهيًا، وناسخًا، ومنسوخًا، وأخبارًا، وأمثالًا مثل تصريف الرياح وتقليبها من صبا، ودبور وجنوب، وشمال، ومفعول ﴿صَرَّفْنا﴾ على هذا المعنى محذوف، وهي هذه الأشياء أي: صرّفنا الأمثال، والعبر والحكم والأحكام والأعلام، وقرأ الحسن بتخفيف الراء. وقال صاحب «اللوامح»: هو بمعنى قراءة الجمهور. قال لأن فعل، وفعّل ربّما تعاقبا على معنى واحد، وقال ابن عطية على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله، وقرأ الجمهور ﴿ليذَّكَّرُوا﴾ بتشديد الذال والكاف المفتوحتين، أو ﴿لِيَتَذَكَّروا﴾ من التذكر، فأدغمت التاء في الذال، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي، وطلحة، وابن وثاب، والأعمش، ﴿ليذْكُروا﴾ بسكون الذال وضم الكاف من الذكر، أو الذكر، أي ليتّعظوا، ويعتبروا.
٤٢ - ثم ردّ على هؤلاء الذين يشركون بربهم، ويتخذون الشفعاء والأنداد، وندّد عليهم، وسفّه أحلامهم فقال ﴿قُلْ﴾ أيها الرسول الكريم لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر لإظهار بطلان ما هم عليه من الشرك من جهة أخرى ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿آلِهَةٌ﴾ أخرى ﴿كَما يَقُولُونَ﴾؛ أي: كما يقول المشركون قاطبة، والكاف في محل النصب على أنّها صفة لمصدر محذوف، أي: كونًا مشابهًا بما يقولون، والمراد بالمشابهة الموافقة والمطابقة، وقرأ ابن كثير، وحفص ﴿يَقُولُونَ﴾ بالياء التحتية على الغيبة، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأنّ مع الله آلهة أخرى ﴿إِذًا﴾ حرف جواب وجزاء قال الزمخشري: ﴿إِذًا﴾ دالّة على أنّ ما بعدها، وهو ﴿لَابْتَغَوْا﴾ جواب لمقالة المشركين، وجزاء لـ ﴿لَوْ﴾ اهـ «سمين».
وقرأ الجمهور (١): ﴿صرّفنا﴾ بتشديد الراء، أي: لم نجعله نوعًا واحدًا، بل وعدًا، ووعيدًا، ومحكمًا، ومتشابهًا، وأمرًا، ونهيًا، وناسخًا، ومنسوخًا، وأخبارًا، وأمثالًا مثل تصريف الرياح وتقليبها من صبا، ودبور وجنوب، وشمال، ومفعول ﴿صَرَّفْنا﴾ على هذا المعنى محذوف، وهي هذه الأشياء أي: صرّفنا الأمثال، والعبر والحكم والأحكام والأعلام، وقرأ الحسن بتخفيف الراء. وقال صاحب «اللوامح»: هو بمعنى قراءة الجمهور. قال لأن فعل، وفعّل ربّما تعاقبا على معنى واحد، وقال ابن عطية على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله، وقرأ الجمهور ﴿ليذَّكَّرُوا﴾ بتشديد الذال والكاف المفتوحتين، أو ﴿لِيَتَذَكَّروا﴾ من التذكر، فأدغمت التاء في الذال، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي، وطلحة، وابن وثاب، والأعمش، ﴿ليذْكُروا﴾ بسكون الذال وضم الكاف من الذكر، أو الذكر، أي ليتّعظوا، ويعتبروا.
٤٢ - ثم ردّ على هؤلاء الذين يشركون بربهم، ويتخذون الشفعاء والأنداد، وندّد عليهم، وسفّه أحلامهم فقال ﴿قُلْ﴾ أيها الرسول الكريم لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر لإظهار بطلان ما هم عليه من الشرك من جهة أخرى ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿آلِهَةٌ﴾ أخرى ﴿كَما يَقُولُونَ﴾؛ أي: كما يقول المشركون قاطبة، والكاف في محل النصب على أنّها صفة لمصدر محذوف، أي: كونًا مشابهًا بما يقولون، والمراد بالمشابهة الموافقة والمطابقة، وقرأ ابن كثير، وحفص ﴿يَقُولُونَ﴾ بالياء التحتية على الغيبة، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأنّ مع الله آلهة أخرى ﴿إِذًا﴾ حرف جواب وجزاء قال الزمخشري: ﴿إِذًا﴾ دالّة على أنّ ما بعدها، وهو ﴿لَابْتَغَوْا﴾ جواب لمقالة المشركين، وجزاء لـ ﴿لَوْ﴾ اهـ «سمين».
(١) البحر المحيط.
﴿لَابْتَغَوْا﴾، أي: لابتغت تلك الآلهة، وطلبت ﴿إِلى ذِي الْعَرْشِ﴾، أي: إلى صاحب الملك والسرير، أي: إلى من له الملك والربوبية على الإطلاق ﴿سَبِيلًا﴾؛ أي: طريقًا بالمغالبة والممانعة؛ أي: ليغالبوه، ويقهروه، ويدفعوا عن أنفسهم العيب والعجز كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض.
يشير إلى أن الآلهة لا يخلو أمرهم: من أنّهم كانوا أكبر منه، أو كانوا أمثاله، أو كانوا أدنى منه، فإن كانوا أكبر منه طلبوا طريقًا إلى إزعاج صاحب العرش، ونزع الملك قهرا وغلبة، ليكون لهم الملك لا له كما هو المعتاد من الملوك
٤٣ - ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أي: تنزه (١) الله بذاته تنزّهًا حقيقيًا عما يقولون من أنّ معه آلهة أخرى ﴿وَتَعالى﴾ عطف على ما تضمنه المصدر، قبله، أي: تنزه وتعالى، أي: ترفّع بصفاته ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ من أنّ له بناتًا ﴿عُلُوًّا﴾ واقع موقع تعاليًا كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتًا (١٧)﴾؛ أي: إنباتًا ﴿كَبِيرًا﴾؛ أي: تعالى عما يقولون من الأقوال الشّنيعة، والفرية العظيمة، علوًّا كبيرًا؛ أي: تعاليًا لا غاية وراءه، كيف لا وإنه سبحانه في أقصى غايات الوجود، وهو الوجوب الذاتي، وما يقولون: من أن له تعالى شركاء وأولادًا في أبعد مراتب العدم، أعني الامتناع، ووصف (٢) العلوّ بالكبر مبالغةً في النزاهة، وتنبيها على أن بين الواجب لذاته، والممكن لذاته، وبين الغنيّ المطلق، والفقير المطلق، مباينةٌ لا تعقل الزيادة عليها، والمعنى: تنزيهًا لله، وعلوًا له عما يقولون أيّها القوم من الفرية والكذب، فهو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
قوله: ﴿كَما يَقُولُونَ﴾، وقوله: ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ يقرأ (٣) بالياء التحتية فيهما، وبالتاء الفوقية فيهما، وبالياء التحتية في الأول، والتاء الفوقية في الثاني، فالقراءات الثلاثة كلها سبعية، وعلى الأخيرة يكون في الكلام التفات اهـ شيخنا.
يشير إلى أن الآلهة لا يخلو أمرهم: من أنّهم كانوا أكبر منه، أو كانوا أمثاله، أو كانوا أدنى منه، فإن كانوا أكبر منه طلبوا طريقًا إلى إزعاج صاحب العرش، ونزع الملك قهرا وغلبة، ليكون لهم الملك لا له كما هو المعتاد من الملوك
٤٣ - ﴿سُبْحانَهُ﴾؛ أي: تنزه (١) الله بذاته تنزّهًا حقيقيًا عما يقولون من أنّ معه آلهة أخرى ﴿وَتَعالى﴾ عطف على ما تضمنه المصدر، قبله، أي: تنزه وتعالى، أي: ترفّع بصفاته ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ من أنّ له بناتًا ﴿عُلُوًّا﴾ واقع موقع تعاليًا كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتًا (١٧)﴾؛ أي: إنباتًا ﴿كَبِيرًا﴾؛ أي: تعالى عما يقولون من الأقوال الشّنيعة، والفرية العظيمة، علوًّا كبيرًا؛ أي: تعاليًا لا غاية وراءه، كيف لا وإنه سبحانه في أقصى غايات الوجود، وهو الوجوب الذاتي، وما يقولون: من أن له تعالى شركاء وأولادًا في أبعد مراتب العدم، أعني الامتناع، ووصف (٢) العلوّ بالكبر مبالغةً في النزاهة، وتنبيها على أن بين الواجب لذاته، والممكن لذاته، وبين الغنيّ المطلق، والفقير المطلق، مباينةٌ لا تعقل الزيادة عليها، والمعنى: تنزيهًا لله، وعلوًا له عما يقولون أيّها القوم من الفرية والكذب، فهو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
قوله: ﴿كَما يَقُولُونَ﴾، وقوله: ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ يقرأ (٣) بالياء التحتية فيهما، وبالتاء الفوقية فيهما، وبالياء التحتية في الأول، والتاء الفوقية في الثاني، فالقراءات الثلاثة كلها سبعية، وعلى الأخيرة يكون في الكلام التفات اهـ شيخنا.
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) الفتوحات.
(٢) الشوكاني.
(٣) الفتوحات.
٤٤ - ثم بيّن سبحانه عظمة ملكه وكبير سلطانه فقال: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ﴾؛ أي: تنزه الله تعالى السموات السبع، والأرض عن كل نقص بدلالة أحوالها على توحيد الله تعالى، وقدرته، ولطيف حكمته، فكأنها تنطق بذلك، ويصير لها بمنزلة التسبيح النطقي، ﴿وَ﴾ يسبحه تعالى أيضًا ﴿مَنْ فِيهِنَّ﴾؛ أي: من في السموات والأرض من المخلوقات؛ أي: تنزهه عمّا يقول هؤلاء المشركون، وتعظمه، وتشهد له بالوحدانية، في ربوبيته، وألوهيته كما قال أبو نواس:
والمكلف العاقلُ (١) يسبح ربه إما بالقول كقوله: «سبحان الله» وإما بدلالة أحواله على توحيده وتقديسه، وغير العاقل لا يسبّح إلا بالطريق الثاني، فهي تدل بحدوثها دلالة واضحة على وجوب وجوده تعالى، ووحدانيته، وقدرته وتنزهه عن الحدوث، فإنّ الأثر يدل على مؤثره.
ومعنى التسبيح (٢): تنزيه الحق، وتبعيدُه عن نقائص الإمكان، والحدوث، إمّا بلسان الحال، الدال على وجود الخالق، وقدرته وحكمته، كتسبيح السموات والأرض، وإما بلسان القال الناطق بما يسمع كتسبيح من فيهن من الملائكة، والجن والإنس، فالتسبيح مشترك بين اللفظ الدّال عليه، وبين مثل الحدوث والإمكان، الدّالّ على تنزيهه تعالى عن لوازم الإمكان وتوابع الحدوث.
وقرأ النحويان (٣): أبو عمرو والكسائي، وحمزة وحفص ﴿تُسَبِّحُ﴾ بالتاء من فوق، وباقي السبعة بالياء، وفي بعض المصاحف ﴿سبحت له السماوات﴾ بلفظ الماضي، وتاء التأنيث، وهي قراءة عبد الله، والأعمش، وطلحة بن مصرّف.
ثم أكّد ما سلف بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: وما من شيء من المخلوقات ﴿إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ تعالى، أي: يدل بإمكانه وحدوثه دلالةً واحدةً على وجوب وجوده تعالى، ووحدته وقدرته، وتنزهه عن لوازم الحدوث.
وفيْ كلّ شيءٍ له آيةٌ | تدلُّ على أنَّه واحدُ |
ومعنى التسبيح (٢): تنزيه الحق، وتبعيدُه عن نقائص الإمكان، والحدوث، إمّا بلسان الحال، الدال على وجود الخالق، وقدرته وحكمته، كتسبيح السموات والأرض، وإما بلسان القال الناطق بما يسمع كتسبيح من فيهن من الملائكة، والجن والإنس، فالتسبيح مشترك بين اللفظ الدّال عليه، وبين مثل الحدوث والإمكان، الدّالّ على تنزيهه تعالى عن لوازم الإمكان وتوابع الحدوث.
وقرأ النحويان (٣): أبو عمرو والكسائي، وحمزة وحفص ﴿تُسَبِّحُ﴾ بالتاء من فوق، وباقي السبعة بالياء، وفي بعض المصاحف ﴿سبحت له السماوات﴾ بلفظ الماضي، وتاء التأنيث، وهي قراءة عبد الله، والأعمش، وطلحة بن مصرّف.
ثم أكّد ما سلف بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: وما من شيء من المخلوقات ﴿إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ تعالى، أي: يدل بإمكانه وحدوثه دلالةً واحدةً على وجوب وجوده تعالى، ووحدته وقدرته، وتنزهه عن لوازم الحدوث.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
118
والمعنى (١): وما من شيء من الأشياء حيوانًا كان أو نباتًا، أو جمادًا إلا ينزهه تعالى متلبسًا بحمده بلسان الحال عما لا يليق بذاته تعالى من لوازم الإمكان.
والخلاصة: أن كل الأكوان بأسرها شاهدة بتنزهه تعالى عن مشاركته للمخلوقات في صفاتها المحدثة ﴿وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ﴾، أيها المشركون، ولا تفهمون ﴿تَسْبِيحَهُمْ﴾ ما عدا من يسبح بلغتكم، ولسانكم، والفقه (٢): عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه؛ أي: ولكن لا تفهمون أيّها المشركون تلك الدّلالة، لأنّكم لما جعلتم مع الله آلهةً، فكأنكم لم تنظروا، ولم تفكروا؛ إذ النّظر الصحيح، والتفكير الحق، يؤدي إلى غير ما أنتم عليه، فأنتم إذًا لم تفقهوا التسبيح، ولم تستوضحوا الدلالة على الخالق.
فإنّ الكفار (٣)، وإن كانوا مقرّين بألسنتهم بإثبات إله العالم، لم يتفكروا في أنواع الدلائل، ولم يعلموا كمال قدرته تعالى، فأستبعدوا كونه تعالى قادرًا على النشر، والحشر، فهم غافلون عن أكثر دلائل التوحيد، والنبوة، والمعاد؛ لأنهم أثبتوا لله شركاء، وزوجًا وولدًا.
وقرىء ﴿لا يُفَقَّهونَ﴾ على صيغة المبني للمفعول مع فتح الفاء، وتشديد القاف ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كانَ حَلِيمًا﴾ على جهلكم، وإشراككم، فمن حلمه أن أمهلكم، ولم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء جهلكم بهذا التسبيح بإشراككم به سواه، وعبادتكم معه غيره، والحلم (٤): تأخير مكافأة الظالم بالنسبة إلى الخالق، والطمأنينة عند سورة الغضب بالنسبة إلى المخلوق ﴿غَفُورًا﴾ لمن تاب منكم ورجع إلى التوحيد، ومن مغفرته لكم أنّه لا يؤاخذ من تاب منكم.
أخرج أحمد وابن مردويه، عن ابن عمر أن النبي - ﷺ - قال: «إنّ نوحًا عليه
والخلاصة: أن كل الأكوان بأسرها شاهدة بتنزهه تعالى عن مشاركته للمخلوقات في صفاتها المحدثة ﴿وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ﴾، أيها المشركون، ولا تفهمون ﴿تَسْبِيحَهُمْ﴾ ما عدا من يسبح بلغتكم، ولسانكم، والفقه (٢): عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه؛ أي: ولكن لا تفهمون أيّها المشركون تلك الدّلالة، لأنّكم لما جعلتم مع الله آلهةً، فكأنكم لم تنظروا، ولم تفكروا؛ إذ النّظر الصحيح، والتفكير الحق، يؤدي إلى غير ما أنتم عليه، فأنتم إذًا لم تفقهوا التسبيح، ولم تستوضحوا الدلالة على الخالق.
فإنّ الكفار (٣)، وإن كانوا مقرّين بألسنتهم بإثبات إله العالم، لم يتفكروا في أنواع الدلائل، ولم يعلموا كمال قدرته تعالى، فأستبعدوا كونه تعالى قادرًا على النشر، والحشر، فهم غافلون عن أكثر دلائل التوحيد، والنبوة، والمعاد؛ لأنهم أثبتوا لله شركاء، وزوجًا وولدًا.
وقرىء ﴿لا يُفَقَّهونَ﴾ على صيغة المبني للمفعول مع فتح الفاء، وتشديد القاف ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كانَ حَلِيمًا﴾ على جهلكم، وإشراككم، فمن حلمه أن أمهلكم، ولم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء جهلكم بهذا التسبيح بإشراككم به سواه، وعبادتكم معه غيره، والحلم (٤): تأخير مكافأة الظالم بالنسبة إلى الخالق، والطمأنينة عند سورة الغضب بالنسبة إلى المخلوق ﴿غَفُورًا﴾ لمن تاب منكم ورجع إلى التوحيد، ومن مغفرته لكم أنّه لا يؤاخذ من تاب منكم.
أخرج أحمد وابن مردويه، عن ابن عمر أن النبي - ﷺ - قال: «إنّ نوحًا عليه
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.
119
السلام، لما حضرته الوفاة، قال لابنيه: - آمركما بسبحان الله وبحمده؛ فإنّها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء -».
تنبيه: وهذا المعنى الذي ذكرناه من أنّ المراد من تسبيح كل شيء: الدَّلالة على الخالق ما عليه الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، ومن يليهم من أهل الظاهر، وهم الذين لهم عين واحدة، وسمع واحد، وقال الشيخ علي السمرقندي - رحمه الله - في «بحر العلوم»: ذهب السلف الصالح، إلى أنّ التسبيح في الآية في المحلّين محمول على حقيقته، وهو الأصح، فإنه إن كان كلام الجماد مسلما، فينبغي أن يكون تسبيحه أيضًا مسلّما، قال رسول الله - ﷺ -: «إنّي لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» وعن ابن مسعود، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، على أنَّ شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)﴾. كان داود إذا سبح جاوبتهُ الجبالُ بالتسبيح، وقال مجاهد (١): كُلُّ الأشياء تسبح الله حيًّا كان أو جمادًا، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده.
وعن المقداد بن معديكرب: إنَّ التُّراب يسبح ما لم يبتلَّ، والخريزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، والورق ما دام على الشجر، والماءَ ما دام جاريًا، والثوب ما دام جديدًا، فإذا اتسخ ترك التسبيح، والوحش، والطير إذا صاحت، فإذا سكتت تركت التسبيح، وفي الحديث عن السدي: «ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير إلا بما يضيّع من تسبيح الله» كما في تفسير «المدارك للنسفي».
٤٥ - ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن، وما يقع من سامعيه فقال: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾؛ أي: وإذَا قرأت أيُّها الرسول القرآن على هؤلاء المشركين، الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرُّون بالثواب، والعقاب، ﴿جَعَلْنا بَيْنَكَ﴾ يا محمد ﴿وَبَيْنَ﴾ هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا﴾
تنبيه: وهذا المعنى الذي ذكرناه من أنّ المراد من تسبيح كل شيء: الدَّلالة على الخالق ما عليه الزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، ومن يليهم من أهل الظاهر، وهم الذين لهم عين واحدة، وسمع واحد، وقال الشيخ علي السمرقندي - رحمه الله - في «بحر العلوم»: ذهب السلف الصالح، إلى أنّ التسبيح في الآية في المحلّين محمول على حقيقته، وهو الأصح، فإنه إن كان كلام الجماد مسلما، فينبغي أن يكون تسبيحه أيضًا مسلّما، قال رسول الله - ﷺ -: «إنّي لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن» وعن ابن مسعود، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل، على أنَّ شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)﴾. كان داود إذا سبح جاوبتهُ الجبالُ بالتسبيح، وقال مجاهد (١): كُلُّ الأشياء تسبح الله حيًّا كان أو جمادًا، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده.
وعن المقداد بن معديكرب: إنَّ التُّراب يسبح ما لم يبتلَّ، والخريزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، والورق ما دام على الشجر، والماءَ ما دام جاريًا، والثوب ما دام جديدًا، فإذا اتسخ ترك التسبيح، والوحش، والطير إذا صاحت، فإذا سكتت تركت التسبيح، وفي الحديث عن السدي: «ما اصطيد حوت في البحر، ولا طائر يطير إلا بما يضيّع من تسبيح الله» كما في تفسير «المدارك للنسفي».
٤٥ - ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن، وما يقع من سامعيه فقال: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾؛ أي: وإذَا قرأت أيُّها الرسول القرآن على هؤلاء المشركين، الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرُّون بالثواب، والعقاب، ﴿جَعَلْنا بَيْنَكَ﴾ يا محمد ﴿وَبَيْنَ﴾ هؤلاء المشركين ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا﴾
(١) روح البيان.
يحجبهم من أن يدركوك على ما أنْتَ عليه من النبوة، ويفهموا قدرك الجليل، ولذلك اجترؤوا على أن يقولوا: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ ويمنعوا قلوبهم عن أن تفهم ما تقرؤه عليهم، فينتفعوا به، عقوبة منّا لهم على كفرهم، وتدسيتهم لأنفسهم، واجتراحهم الجرائم، والمعاصي التي تظلم القلوب، وتضع عليها الأغشية، وتستر عنها فهم حقائق القرآن، ومراميه، وأسراره وأحكامه، وحكمه، ومواعظه، وعبره؛ أي: أنهم (١) لإعراضهم عن قراءتك، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجابٌ يمرون بك ولا يرونك، ذكر هذا المعنى الزجّاج وغيره. ومعنى ﴿مَسْتُورًا﴾؛ أي: ساترًا يسترك عنهم، قال الأخفش: أراد ساترًا، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول، كما تقول إنك لمشؤومٌ وميمونٌ، وإنما هو شائم، ويامن وقيل: معنى مستورًا ذا ستر كقولهم: سيلٌ مفعمٌ؛ أي: ذو إفعام من أفعمت الإناء؛ أي: ملأته، وقيل: حجابًا لا تراه الأعين، فهو مستور عنها، وقيل: حجاب من دونه حجابٌ، فهو مستور بغيره، والمعنى حجابًا محجوبًا وقيل: المراد بالحجاب المستور الطّبع والختم.
٤٦ - ثمّ بين السّبب في عدم فهمهم لمدارك القرآن فقال: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾؛ أي: على قلوب هؤلاء المشركين ﴿أَكِنَّةً﴾؛ أي: أغطيةً، وموانع كثيرةً جمع كنان، وهو الغطاءُ ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾؛ أي: كراهية (٢) أن يفهموا القرآن على كنهه، ويعرفوا أنه من عند الله تعالى، فهو مفعول لأجله، ولكنه على حذف مضاف، هذا على رأي الكوفيين، أو لئلّا يفقهوا القرآن ويفهموا ما فيه من الأوامر، والنواهي، والحكم والمعاني، هذا على مذهب البصريين لقلة حذف ﴿لا﴾ بالنسبة إلى حذف المضاف، وهذا تمثيل (٣) لتجافي قلوبهم عن الحق، ونبوِّها عن قبوله، واعتقاده كأنها في غلف وأغطية، تحول بينها وبينه، وتمنع من نفوذه فيها.
﴿وَ﴾ جعلنا ﴿فِي آذانِهِمْ وَقْرًا﴾ أي صممًا، وثقلًا مانعًا عن سماعه اللائق به، وهذا تمثيل لمجّ أسماعهم للحقّ ونبوها عن الإصغاء إليه، كأنّ بها صممًا
٤٦ - ثمّ بين السّبب في عدم فهمهم لمدارك القرآن فقال: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ﴾؛ أي: على قلوب هؤلاء المشركين ﴿أَكِنَّةً﴾؛ أي: أغطيةً، وموانع كثيرةً جمع كنان، وهو الغطاءُ ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾؛ أي: كراهية (٢) أن يفهموا القرآن على كنهه، ويعرفوا أنه من عند الله تعالى، فهو مفعول لأجله، ولكنه على حذف مضاف، هذا على رأي الكوفيين، أو لئلّا يفقهوا القرآن ويفهموا ما فيه من الأوامر، والنواهي، والحكم والمعاني، هذا على مذهب البصريين لقلة حذف ﴿لا﴾ بالنسبة إلى حذف المضاف، وهذا تمثيل (٣) لتجافي قلوبهم عن الحق، ونبوِّها عن قبوله، واعتقاده كأنها في غلف وأغطية، تحول بينها وبينه، وتمنع من نفوذه فيها.
﴿وَ﴾ جعلنا ﴿فِي آذانِهِمْ وَقْرًا﴾ أي صممًا، وثقلًا مانعًا عن سماعه اللائق به، وهذا تمثيل لمجّ أسماعهم للحقّ ونبوها عن الإصغاء إليه، كأنّ بها صممًا
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) بحر العلوم.
(٢) روح البيان.
(٣) بحر العلوم.
يمنع عن سماعه، ولَمَّا (١) كان القرآن معجزًا من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى حقّ فهمه، وإدراك اللفظ حقَّ إدراكه.
ومن قبائح المشركين: أنهم كانوا يحبّون أن يذكر محمَّدٌ - ﷺ - آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله سبحانه: ﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ وأنت تتلوه حالة كونه ﴿وَحْدَهُ﴾ أي واحدا غير مشفوع به آلهتهم؛ أي: منفردا غير مقرون به آلهتهم؛ أي: إذا قلت: لا إله إلا الله، ولم تقل: واللات والعزّى، فهو (٢) مصدر وقع موقع الحال، أصله تحده وحده فحذف الفعل الذي هو الحال، وأقيم المصدر مقامه ﴿وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ﴾؛ أي: رجعوا على أعقابهم، وانفضّوا من حولك، وهربوا ونفروا ﴿نُفُورًا﴾ وهو مصدر كالقعود، أو جمع نافر؛ أي: أعرضوا ورجعوا على أعقابهم حالة كونهم نافرين استكبارًا واستعظامًا لأن يذكر الله وحده.
والحاصل: أنّ الكفّار (٣) عند استماع القرآن كانوا على حالتين، فإذا سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر الله، بقوا متحيرين لا يفهمون منه شيئًا، وإذا سمعوا آيةً فيها ذكر الله تعالى وذمّ الشرك بالله تركوا ذلك المجلس، ولا يستطيعون سماع القرآن،
٤٧ - ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ﴾؛ أي: بالسبب والغرض الذي يستمعونك ﴿بِهِ﴾؛ أي: لأجله من الاستخفاف والهزء بك وبالقرآن، فالباء بمعنى اللام؛ أو للملابسة متعلّقةٌ بمحذوف حال من الواو، وفي يستمعون؛ أي: يستمعونك حالة كونهم ملابسين بذلك السبب، وهو الهزء المذكور ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ ظرف لأعلم، وفائدته: تأكيد الوعيد بالإخبار بأنه كما يقع الاستماع المذكور منهم يتعلق به العلم، وكذا قوله: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوى﴾؛ أي: ذوو نجوى؛ أي: أصحاب مناجاةٍ، ومحادثة بينهم ظرف لأعلم لكن (٤) لا من حيث تعلّقه بما به الاستماع، بل بما به التناجي المدلول عليه بسياق النظم، ونجوى مصدر أو جمع نجيّ؛ أي: نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك،
ومن قبائح المشركين: أنهم كانوا يحبّون أن يذكر محمَّدٌ - ﷺ - آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله سبحانه: ﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ وأنت تتلوه حالة كونه ﴿وَحْدَهُ﴾ أي واحدا غير مشفوع به آلهتهم؛ أي: منفردا غير مقرون به آلهتهم؛ أي: إذا قلت: لا إله إلا الله، ولم تقل: واللات والعزّى، فهو (٢) مصدر وقع موقع الحال، أصله تحده وحده فحذف الفعل الذي هو الحال، وأقيم المصدر مقامه ﴿وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ﴾؛ أي: رجعوا على أعقابهم، وانفضّوا من حولك، وهربوا ونفروا ﴿نُفُورًا﴾ وهو مصدر كالقعود، أو جمع نافر؛ أي: أعرضوا ورجعوا على أعقابهم حالة كونهم نافرين استكبارًا واستعظامًا لأن يذكر الله وحده.
والحاصل: أنّ الكفّار (٣) عند استماع القرآن كانوا على حالتين، فإذا سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر الله، بقوا متحيرين لا يفهمون منه شيئًا، وإذا سمعوا آيةً فيها ذكر الله تعالى وذمّ الشرك بالله تركوا ذلك المجلس، ولا يستطيعون سماع القرآن،
٤٧ - ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ﴾؛ أي: بالسبب والغرض الذي يستمعونك ﴿بِهِ﴾؛ أي: لأجله من الاستخفاف والهزء بك وبالقرآن، فالباء بمعنى اللام؛ أو للملابسة متعلّقةٌ بمحذوف حال من الواو، وفي يستمعون؛ أي: يستمعونك حالة كونهم ملابسين بذلك السبب، وهو الهزء المذكور ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ ظرف لأعلم، وفائدته: تأكيد الوعيد بالإخبار بأنه كما يقع الاستماع المذكور منهم يتعلق به العلم، وكذا قوله: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوى﴾؛ أي: ذوو نجوى؛ أي: أصحاب مناجاةٍ، ومحادثة بينهم ظرف لأعلم لكن (٤) لا من حيث تعلّقه بما به الاستماع، بل بما به التناجي المدلول عليه بسياق النظم، ونجوى مصدر أو جمع نجيّ؛ أي: نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك،
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.
مضمرون له، وهو الهزء والسخرية بك، وبالقرآن، وبقولهم حين هم متناجون، متحدّثون فيما بينهم من قول بعضهم: إنه مجنون، وبعضهم إنه كاهن، وقوله: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ بدل من إذ هم نجوى، ووضع ﴿الظَّالِمُونَ﴾ موضع المضمر؛ للدلالة على أنّ هذا القول منهم ظلم، وتجاوز عن الحد، وفيه: دليل على أن من يتناجون به غير ما يستمعون به؛ أي: نحن أعلم إذ يقول الظالمون بعضهم لبعض عند تناجيهم: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾؛ أي: ما تتبعون إن وجد منكم الاتباع فرضًا ﴿إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾؛ أي: إلا رجلًا سحر فجن، فمن ظلمهم وضعوا اسم المسحور موضع المبعوث.
والمعنى: أي نحن (١) أعلم بالغرض الذي يستمعون إليك لأجله، وهو الهزء، والسخرية، والتكذيب حين استماعهم، وأعلم بما يتناجون به، ويتسارون به، فبعضهم يقول: مجنونٌ، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ما اتبعتم إلّا رجلًا قد سحر فاختلط عليه عقله، وزال عن حد الاستواء، وهل من خير لكم في اتباع أمثاله المجانين
٤٨ - ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد؛ أي: تأمّل، وفكّر أيها الرسول ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ﴾؛ أي: كيف جعلوا لك الأشباه ومثّلوا لك الأمثال حيث شبهوك بالمسحور مثلًا، فقالوا: هو مسحور، وهو شاعر مجنون، ﴿فَضَلُّوا﴾ في كل ذلك عن سواء السبيل. ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إلى طريق الحق لضلالهم عنه، وبعدهم منه، والاستفهام فيه للتعجيب، فكأنّه قال: تعجب من ضربهم الأمثال لك، وفي هذا من الوعيد وتسلية الرسول - ﷺ - ما لا يخفى.
والمعنى: فضلّوا عن طريق الصواب في جميع ذلك القول، فلا يستطيعون سبيلًا وطريقًا موصلًا إلى الطعن الذي تقبله العقول، ويقع التصديق له، لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه، أو فضلّوا (٢) عن الحق، والرشاد، فلا يستطيعون سبيلًا إليه؛ لأنهم بالغوا في الضلالة والإنكار، وكانوا مستمعين بالهوى، فيستمعون الأساطير، والسحر، والشعر، ولو استمعوا كلام الله،
والمعنى: أي نحن (١) أعلم بالغرض الذي يستمعون إليك لأجله، وهو الهزء، والسخرية، والتكذيب حين استماعهم، وأعلم بما يتناجون به، ويتسارون به، فبعضهم يقول: مجنونٌ، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ما اتبعتم إلّا رجلًا قد سحر فاختلط عليه عقله، وزال عن حد الاستواء، وهل من خير لكم في اتباع أمثاله المجانين
٤٨ - ﴿انْظُرْ﴾ يا محمد؛ أي: تأمّل، وفكّر أيها الرسول ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ﴾؛ أي: كيف جعلوا لك الأشباه ومثّلوا لك الأمثال حيث شبهوك بالمسحور مثلًا، فقالوا: هو مسحور، وهو شاعر مجنون، ﴿فَضَلُّوا﴾ في كل ذلك عن سواء السبيل. ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إلى طريق الحق لضلالهم عنه، وبعدهم منه، والاستفهام فيه للتعجيب، فكأنّه قال: تعجب من ضربهم الأمثال لك، وفي هذا من الوعيد وتسلية الرسول - ﷺ - ما لا يخفى.
والمعنى: فضلّوا عن طريق الصواب في جميع ذلك القول، فلا يستطيعون سبيلًا وطريقًا موصلًا إلى الطعن الذي تقبله العقول، ويقع التصديق له، لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه، أو فضلّوا (٢) عن الحق، والرشاد، فلا يستطيعون سبيلًا إليه؛ لأنهم بالغوا في الضلالة والإنكار، وكانوا مستمعين بالهوى، فيستمعون الأساطير، والسحر، والشعر، ولو استمعوا كلام الله،
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
وصفاته، ولانحراف مزاجهم، وحصول المرض في قلوبهم، كانوا يتنفّرون عند استماع ذكر الواحد الأحد، بالوحدانية، والحدة، ولا يجدون حلاوة التوحد، بل يجدون منه المرارة لسوء المزاج.
ومن هذا القبيل إكباب أهل الهوى في كل عصر على استماع الملاهي، والأخبار والأساطير، وقيل وقال، معرضين عن كلام الله الملك العليِّ الكبير، بل وأكثرهم لا يريد إلا المحادثة الدنيويَّة، والمذاكرة العرفيَّة والتعدي إلى أعراض الناس، والاتباع إلى ما يوسوس به الوسواس الخناس، والقدح في شأن أهل الحق الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، فيا مصيبةً ابتلي بها المسلمون عامّةً وخاصّةً من تتبع اليهود والنصارى، والمسابقة فيه، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
٤٩ - ولما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النُّبُوَّات حكى شبهتهم في أمر المعاد، فقال: ﴿وَقالُوا﴾؛ أي: وقال الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي مكة، وغيرهم على سبيل الإنكار، والاستبعاد، وقد نسوا بداية خلقهم من تراب، بل إنهم خلقوا من لا شيء كقوله تعالى: ﴿خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾؛ أي: قالوا: ﴿أَإِذا كُنَّا﴾؛ أي: أنبعث ونعاد إذا كنّا ﴿عِظامًا﴾ في قبورنا، لم نتحطم ولم نتكسّر بعد مماتنا ﴿وَ﴾ كنّا ﴿رُفاتًا﴾؛ أي: عظاما متكسّرة مدقوقة مفتتة ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ بعد مصيرنا فيها، وقد بلينا فتكسّرت عظامنا، وتقطعت أوصالنا؛ أي: أئنا لمخلوقون ﴿خَلْقًا جَدِيدًا﴾ كما كنا قبل الممات، نصب على المصدر من غير لفظه، أو على الحالية على أنّ الخلق بمعنى المخلوق.
وإذا في قوله (١): ﴿أَإِذا﴾ متمحضة للظرفية، وهو الأظهر، والعامل فيها: ما دل عليه مبعوثون لا نفسه، لأنّ ما بعد إن، والهمزة، واللام لا يعمل فيما قبلها، وهو نبعث، أو نعاد كما قدّرنا في الحلّ، وهو محل الاستفهام الإنكاري؛ أي: حياتنا بعد الموت محال منكرٌ لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من التنافي،
ومن هذا القبيل إكباب أهل الهوى في كل عصر على استماع الملاهي، والأخبار والأساطير، وقيل وقال، معرضين عن كلام الله الملك العليِّ الكبير، بل وأكثرهم لا يريد إلا المحادثة الدنيويَّة، والمذاكرة العرفيَّة والتعدي إلى أعراض الناس، والاتباع إلى ما يوسوس به الوسواس الخناس، والقدح في شأن أهل الحق الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، فيا مصيبةً ابتلي بها المسلمون عامّةً وخاصّةً من تتبع اليهود والنصارى، والمسابقة فيه، فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
٤٩ - ولما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النُّبُوَّات حكى شبهتهم في أمر المعاد، فقال: ﴿وَقالُوا﴾؛ أي: وقال الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي مكة، وغيرهم على سبيل الإنكار، والاستبعاد، وقد نسوا بداية خلقهم من تراب، بل إنهم خلقوا من لا شيء كقوله تعالى: ﴿خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾؛ أي: قالوا: ﴿أَإِذا كُنَّا﴾؛ أي: أنبعث ونعاد إذا كنّا ﴿عِظامًا﴾ في قبورنا، لم نتحطم ولم نتكسّر بعد مماتنا ﴿وَ﴾ كنّا ﴿رُفاتًا﴾؛ أي: عظاما متكسّرة مدقوقة مفتتة ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ بعد مصيرنا فيها، وقد بلينا فتكسّرت عظامنا، وتقطعت أوصالنا؛ أي: أئنا لمخلوقون ﴿خَلْقًا جَدِيدًا﴾ كما كنا قبل الممات، نصب على المصدر من غير لفظه، أو على الحالية على أنّ الخلق بمعنى المخلوق.
وإذا في قوله (١): ﴿أَإِذا﴾ متمحضة للظرفية، وهو الأظهر، والعامل فيها: ما دل عليه مبعوثون لا نفسه، لأنّ ما بعد إن، والهمزة، واللام لا يعمل فيما قبلها، وهو نبعث، أو نعاد كما قدّرنا في الحلّ، وهو محل الاستفهام الإنكاري؛ أي: حياتنا بعد الموت محال منكرٌ لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من التنافي،
(١) المراغي.
وتقييده بالوقت المذكور، ليس لتخصيصه به، فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت، وإن كان البدن على حاله، بل لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له.
ومثل الآية قوله تعالى حكايةً عنهم: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظامًا نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) وقوله: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾.
٥٠ - وقد أمر الله رسوله - ﷺ - أن يجيبهم ويعرفهم قدرته على بعثه إيّاهم بعد مماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بلاهم خلقًا جديدًا على أي حال كانوا، عظامًا أو رفاتًا أو حجارةً أو حديدًا أو خلقًا مما يكبر في صدورهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد جوابًا لهم ﴿كُونُوا﴾ أيها المشركون المنكرون للإعادة ﴿حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾
٥١ - ﴿أَوْ خَلْقًا﴾ آخر ﴿مِمَّا يَكْبُرُ﴾ ويعظم ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾؛ أي: في قلوبكم من قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإنكم مبعوثون، ومعادون لا محالة.
والمعنى (١): لو تكونون حجارة مع أنها لا تقبل الحياة بحالٍ أو حديدًا مع أنه أصلب من الحجارة، أو خلقًا آخر غيرهما كائنًا من الأشياء التي تعظم في اعتقادكم عن قبول الحياة، كالسموات والأرض، فلا بدّ من إيجاد الحياة فيكم، فإنّ قدرته تعالى لا تعجز عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظامًا ممزّقةً، وقد كانت طريّةً موصوفةً بالحياة من قبل، والشّيء أقبل لما اعتيد فيه مما لم يعتد ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ تماديا في الاستهزاء ﴿مَنْ﴾ الذي ﴿يُعِيدُنا﴾ ويبعثنا بعد الموت؛ أي: من الذي يقدر على إعادة الحياة إلينا، إذا صرنا كذلك؟ وقد نسوا مبدأهم فلزمهم نسيان معيدهم. ﴿قُلِ﴾ إرشادا لهم إلى طريقة الاستدلال يعيدكم الإله القادر العظيم ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ﴾ وأنشأكم واخترعكم ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ على غير مثال سبق، وكنتم ترابًا ما شمّ رائحة الحياة، فهو المبدىء
ومثل الآية قوله تعالى حكايةً عنهم: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظامًا نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) وقوله: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾.
٥٠ - وقد أمر الله رسوله - ﷺ - أن يجيبهم ويعرفهم قدرته على بعثه إيّاهم بعد مماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بلاهم خلقًا جديدًا على أي حال كانوا، عظامًا أو رفاتًا أو حجارةً أو حديدًا أو خلقًا مما يكبر في صدورهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد جوابًا لهم ﴿كُونُوا﴾ أيها المشركون المنكرون للإعادة ﴿حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾
٥١ - ﴿أَوْ خَلْقًا﴾ آخر ﴿مِمَّا يَكْبُرُ﴾ ويعظم ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾؛ أي: في قلوبكم من قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها، فإنكم مبعوثون، ومعادون لا محالة.
والمعنى (١): لو تكونون حجارة مع أنها لا تقبل الحياة بحالٍ أو حديدًا مع أنه أصلب من الحجارة، أو خلقًا آخر غيرهما كائنًا من الأشياء التي تعظم في اعتقادكم عن قبول الحياة، كالسموات والأرض، فلا بدّ من إيجاد الحياة فيكم، فإنّ قدرته تعالى لا تعجز عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظامًا ممزّقةً، وقد كانت طريّةً موصوفةً بالحياة من قبل، والشّيء أقبل لما اعتيد فيه مما لم يعتد ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ تماديا في الاستهزاء ﴿مَنْ﴾ الذي ﴿يُعِيدُنا﴾ ويبعثنا بعد الموت؛ أي: من الذي يقدر على إعادة الحياة إلينا، إذا صرنا كذلك؟ وقد نسوا مبدأهم فلزمهم نسيان معيدهم. ﴿قُلِ﴾ إرشادا لهم إلى طريقة الاستدلال يعيدكم الإله القادر العظيم ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ﴾ وأنشأكم واخترعكم ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ على غير مثال سبق، وكنتم ترابًا ما شمّ رائحة الحياة، فهو المبدىء
(١) المراح.
والمعيد؛ أي: فالذي ابتدأ خلقكم أوّل مرة من غير مثال، يعيدكم إلى الحياة بالقدرة التي ابتدأكم بها، فكما لم تعجز تلك القدرة عن البداءة لا تعجز عن الإعادة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ﴾ أي: يحركون جهتك ﴿رُؤُسَهُمْ﴾ تعجبًا وإنكارًا، وتكذيبًا لقولك، يقال: أنغض إذا حرك كالمتعجب، أي: يحركون رؤوسهم إلى فوق، وإلى أسفل هزءا وسخرية ﴿وَيَقُولُونَ﴾ استهزاء ﴿مَتى هُوَ﴾، أي: متى الإحياء والإعادة التي وعدتنا؟ فهو سؤال عن وقت البعث بعد تعيين الباعث ﴿قُلِ﴾ جوابًا لهم ﴿عَسى أَنْ يَكُونَ﴾ ذلك البعث والإعادة؛ أي: حقّ ووجب كونه ﴿قَرِيبًا﴾ إذ كل ما هو آت قريب، أو لأنه مضى أكثر الزمان، وبقي أقله، وعسى في الأصل: للطمع، والإشفاق، وفي كلامه تعالى: للوجوب، يعني: أنه قرب وقته فقد قرب ما يكون فيه من الحساب والعقاب.
٥٢ - اذكروا ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ سبحانه وتعالى من الأجداث كما دعاكم من العدم إلى المحشر على لسان إسرافيل بالنداء الذي يسمعه جميع الخلائق، وهو النفخة الأخيرة، فإن (١) إسرافيل ينادي: أيتها الأجسام البالية، والعظام النخرة، والأجزاء المتفرقة، عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه.
﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ منها استجابة الأحياء، وتوافقون الداعي فيما دعاكم إليه حالة كونكم متلبسين ﴿بِحَمْدِهِ﴾ تعالى؛ أي: حامدين لله تعالى على قدرته على البعث، كما قال سعيد بن جبير: إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، فيقدّسونه، ويحمدونه حين لا ينفعهم ذلك، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث. ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ عندما ترون الأهوال الهائلة ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾؛ أي: ما مكثتم في القبور، أو في الدنيا ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ كالذي مرّ على قرية؛ أي: تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا زمنًا قليلًا بالنسبة إلى لبثكم بعد الإحياء وذلك (٢) لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفًا من السنين عدّ ذلك قليلًا بنسبة مدة القيامة، والخلود في الآخرة، وقيل: إنهم يستحقرون مدّة الدنيا في جنب
٥٢ - اذكروا ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ سبحانه وتعالى من الأجداث كما دعاكم من العدم إلى المحشر على لسان إسرافيل بالنداء الذي يسمعه جميع الخلائق، وهو النفخة الأخيرة، فإن (١) إسرافيل ينادي: أيتها الأجسام البالية، والعظام النخرة، والأجزاء المتفرقة، عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه.
﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ منها استجابة الأحياء، وتوافقون الداعي فيما دعاكم إليه حالة كونكم متلبسين ﴿بِحَمْدِهِ﴾ تعالى؛ أي: حامدين لله تعالى على قدرته على البعث، كما قال سعيد بن جبير: إنهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، فيقدّسونه، ويحمدونه حين لا ينفعهم ذلك، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث. ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ عندما ترون الأهوال الهائلة ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾؛ أي: ما مكثتم في القبور، أو في الدنيا ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ كالذي مرّ على قرية؛ أي: تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا زمنًا قليلًا بالنسبة إلى لبثكم بعد الإحياء وذلك (٢) لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفًا من السنين عدّ ذلك قليلًا بنسبة مدة القيامة، والخلود في الآخرة، وقيل: إنهم يستحقرون مدّة الدنيا في جنب
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
126
القيامة، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)﴾ وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥)﴾ وقوله: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)﴾ قال الحسن: المراد تقريب وقت البعث، فكأنك بالدنيا، ولم تكن، وبالآخرة، ولم تزل.
الإعراب
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (٣٤)﴾.
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ﴾ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء، مفرغ من أعم الأحوال؛ أي لا تقربوه بحال من الأحوال إلا بالخصلة، أو الطريقة التي هي أحسن، وهي حفظه وصيانته، واستغلاله لمصلحة اليتيم ﴿بِالَّتِي﴾ جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تَقْرَبُوا﴾ ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول ﴿حَتَّى﴾ حرف جر، وغاية ﴿يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد ﴿حَتَّى﴾ الجارة، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْيَتِيمِ﴾ والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى بلوغه أشده الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَقْرَبُوا﴾، أو متعلق بما فهم من الاستثناء، من جواز قربانه، تقديره: فأقربوه (١) بالخصلة التي هي أحسن، إلى أن يبلغ أشده، فلا تقربوه بعد ذلك، لأن التّصرّف له حينئذ، ﴿وَأَوْفُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَقْرَبُوا﴾. ﴿بِالْعَهْدِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَوْفُوا﴾ ﴿إِنَّ الْعَهْدَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ مَسْؤُلًا﴾ فعل ناقص، وخبره واسمه ضمير مستتر فيه يعود على العهد، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
الإعراب
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (٣٤)﴾.
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ﴾ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء، مفرغ من أعم الأحوال؛ أي لا تقربوه بحال من الأحوال إلا بالخصلة، أو الطريقة التي هي أحسن، وهي حفظه وصيانته، واستغلاله لمصلحة اليتيم ﴿بِالَّتِي﴾ جار ومجرور، متعلق بـ ﴿تَقْرَبُوا﴾ ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول ﴿حَتَّى﴾ حرف جر، وغاية ﴿يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد ﴿حَتَّى﴾ الجارة، وفاعله ضمير يعود على ﴿الْيَتِيمِ﴾ والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى بلوغه أشده الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تَقْرَبُوا﴾، أو متعلق بما فهم من الاستثناء، من جواز قربانه، تقديره: فأقربوه (١) بالخصلة التي هي أحسن، إلى أن يبلغ أشده، فلا تقربوه بعد ذلك، لأن التّصرّف له حينئذ، ﴿وَأَوْفُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَقْرَبُوا﴾. ﴿بِالْعَهْدِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَوْفُوا﴾ ﴿إِنَّ الْعَهْدَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ مَسْؤُلًا﴾ فعل ناقص، وخبره واسمه ضمير مستتر فيه يعود على العهد، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
(١) الفتوحات.
127
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)﴾.
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾، ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد من معنى الشرط متعلق بـ ﴿أَوْفُوا﴾. ﴿كِلْتُمْ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿أَوْفُوا﴾. ﴿وَزِنُوا﴾ فعل وفاعل معطوفة على جملة ﴿أَوْفُوا﴾ ﴿بِالْقِسْطاسِ﴾ متعلق به ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ صفة لـ ﴿القسطاس﴾. ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾ مبتدأ وخبر. ﴿وَأَحْسَنُ﴾ معطوف على ﴿خَيْرٌ﴾ ﴿تَأْوِيلًا﴾ تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٣٦)﴾.
﴿وَلا﴾ ناهية جازمة ﴿تَقْفُ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة، وهو الواو لأنه من قفا يقفو من باب عَدَا وسمَا، وفاعله ضمير يعود على المخاطب. ﴿ما﴾ موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ ﴿لَيْسَ﴾ فعل ناقص ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم ﴿بِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عِلْمٌ﴾ ﴿عِلْمٌ﴾ اسم ليس مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿إِنَّ السَّمْعَ﴾ ناصب واسمه ﴿وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ﴾ معطوفان عليه ﴿كُلُّ أُولئِكَ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على ﴿كُلُّ﴾. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق بما بعده ﴿مَسْؤُلًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (٣٧)﴾.
﴿وَلا تَمْشِ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق بـ ﴿تَمْشِ﴾ ﴿مَرَحًا﴾ حال من فاعل تمش، ولكنه على تقدير مضاف أي ذا مرح؛ أي: مارحًا ﴿إِنَّكَ﴾ ناصب
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾، ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد من معنى الشرط متعلق بـ ﴿أَوْفُوا﴾. ﴿كِلْتُمْ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿أَوْفُوا﴾. ﴿وَزِنُوا﴾ فعل وفاعل معطوفة على جملة ﴿أَوْفُوا﴾ ﴿بِالْقِسْطاسِ﴾ متعلق به ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ صفة لـ ﴿القسطاس﴾. ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾ مبتدأ وخبر. ﴿وَأَحْسَنُ﴾ معطوف على ﴿خَيْرٌ﴾ ﴿تَأْوِيلًا﴾ تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (٣٦)﴾.
﴿وَلا﴾ ناهية جازمة ﴿تَقْفُ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة، وهو الواو لأنه من قفا يقفو من باب عَدَا وسمَا، وفاعله ضمير يعود على المخاطب. ﴿ما﴾ موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ ﴿لَيْسَ﴾ فعل ناقص ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم ﴿بِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عِلْمٌ﴾ ﴿عِلْمٌ﴾ اسم ليس مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿إِنَّ السَّمْعَ﴾ ناصب واسمه ﴿وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ﴾ معطوفان عليه ﴿كُلُّ أُولئِكَ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على ﴿كُلُّ﴾. ﴿عَنْهُ﴾ متعلق بما بعده ﴿مَسْؤُلًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (٣٧)﴾.
﴿وَلا تَمْشِ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق بـ ﴿تَمْشِ﴾ ﴿مَرَحًا﴾ حال من فاعل تمش، ولكنه على تقدير مضاف أي ذا مرح؛ أي: مارحًا ﴿إِنَّكَ﴾ ناصب
128
واسمه ﴿لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ﴾ ناصب، وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿طُولًا﴾ تمييز محول عن الفاعل؛ أي: ولن يبلغ طولك الجبال، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ﴾.
﴿كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾.
﴿كُلُّ ذلِكَ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه ﴿كانَ سَيِّئُهُ﴾ فعل ناقص، واسمه ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بما بعده ﴿مَكْرُوهًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ذلِكَ مبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿مِمَّا﴾ خبر ﴿أَوْحى﴾ فعل ماض ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به ﴿رَبُّكَ﴾ فاعل، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها والعائد أو الرابط محذوف؛ تقديره: مما أوحاه إليك ربك، ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ جار ومجرور حال من العائد المحذوف، أو من نفس الموصول؛ أي: ذلك مما أوحاه إليك ربّك حالة كونه كائنًا من الحكمة التي هي معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به.
﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾.
﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ ظرف، ومضاف إليه في محل المفعول الثاني لـ ﴿جعل﴾ ﴿إِلهًا﴾ مفعول أول ﴿آخَرَ﴾ صفة له، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾. ﴿فَتُلْقى﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة سببية. ﴿تلقى﴾ فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بأن مضمرة، وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، ونائب فاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾ متعلق به، ﴿مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ حالان من نائب فاعل ﴿تلقى﴾، وجملة ﴿تلقى﴾ في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن جعلك مع الله إلهًا آخر، فإلقاؤك في جهنم ملومًا مدحورًا.
﴿كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾.
﴿كُلُّ ذلِكَ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه ﴿كانَ سَيِّئُهُ﴾ فعل ناقص، واسمه ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق بما بعده ﴿مَكْرُوهًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. ذلِكَ مبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿مِمَّا﴾ خبر ﴿أَوْحى﴾ فعل ماض ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به ﴿رَبُّكَ﴾ فاعل، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها والعائد أو الرابط محذوف؛ تقديره: مما أوحاه إليك ربك، ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ جار ومجرور حال من العائد المحذوف، أو من نفس الموصول؛ أي: ذلك مما أوحاه إليك ربّك حالة كونه كائنًا من الحكمة التي هي معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به.
﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾.
﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ جازم ومجزوم، وفاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ ظرف، ومضاف إليه في محل المفعول الثاني لـ ﴿جعل﴾ ﴿إِلهًا﴾ مفعول أول ﴿آخَرَ﴾ صفة له، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾. ﴿فَتُلْقى﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة سببية. ﴿تلقى﴾ فعل مضارع مغير الصيغة منصوب بأن مضمرة، وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، ونائب فاعله ضمير يعود على المخاطب ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾ متعلق به، ﴿مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ حالان من نائب فاعل ﴿تلقى﴾، وجملة ﴿تلقى﴾ في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن جعلك مع الله إلهًا آخر، فإلقاؤك في جهنم ملومًا مدحورًا.
129
﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠)﴾.
﴿أَفَأَصْفاكُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للإستفهام التوبيخي، المضمَّن للإنكار، داخلة على محذوف و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف ﴿أصفاكم﴾ ﴿رَبُّكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعل ﴿بِالْبَنِينَ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أخصكم ربكم بالبنين فأصفاكم بهم، واتخذ من الملائكة إناثا، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿وَاتَّخَذَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿اتَّخَذَ﴾ فعل ماض متعدّ لمفعولين ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني ﴿إِناثًا﴾ مفعول أول له، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصفاكم﴾ ويجوز أن تكون حالًا ﴿من ربكم﴾ على تقدير قد و ﴿الواو﴾ حينئذ واو الحال ﴿إِنَّكُمْ﴾ ناصب واسمه ﴿لَتَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء ﴿قَوْلًا﴾ مفعول مطلق ﴿عَظِيمًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤١)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿صَرَّفْنا﴾ فعل وفاعل ﴿فِي هذَا﴾ متعلق به، ﴿الْقُرْآنِ﴾ بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان منه، والجملة الفعلية جواب القسم، لا مَحَلَّ لها من الإعراب ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر، وتعليل ﴿يذكروا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام التعليل، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، تقديره: لتذكرهم الجار والمجرور متعلق بـ ﴿صَرَّفْنا﴾ ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ حالية ﴿ما﴾ نافية ﴿يَزِيدُهُمْ﴾ فعل ومفعول أول وفاعله ضمير يعود على القرآن ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿نُفُورًا﴾ مفعول ثان لـ ﴿يزيد﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من القرآن.
﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣)﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {لَوْ كانَ
﴿أَفَأَصْفاكُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للإستفهام التوبيخي، المضمَّن للإنكار، داخلة على محذوف و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف ﴿أصفاكم﴾ ﴿رَبُّكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعل ﴿بِالْبَنِينَ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أخصكم ربكم بالبنين فأصفاكم بهم، واتخذ من الملائكة إناثا، والجملة المحذوفة مستأنفة، ﴿وَاتَّخَذَ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿اتَّخَذَ﴾ فعل ماض متعدّ لمفعولين ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني ﴿إِناثًا﴾ مفعول أول له، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصفاكم﴾ ويجوز أن تكون حالًا ﴿من ربكم﴾ على تقدير قد و ﴿الواو﴾ حينئذ واو الحال ﴿إِنَّكُمْ﴾ ناصب واسمه ﴿لَتَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل، و ﴿اللام﴾ حرف ابتداء ﴿قَوْلًا﴾ مفعول مطلق ﴿عَظِيمًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤١)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿صَرَّفْنا﴾ فعل وفاعل ﴿فِي هذَا﴾ متعلق به، ﴿الْقُرْآنِ﴾ بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان منه، والجملة الفعلية جواب القسم، لا مَحَلَّ لها من الإعراب ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر، وتعليل ﴿يذكروا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام التعليل، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل، تقديره: لتذكرهم الجار والمجرور متعلق بـ ﴿صَرَّفْنا﴾ ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ حالية ﴿ما﴾ نافية ﴿يَزِيدُهُمْ﴾ فعل ومفعول أول وفاعله ضمير يعود على القرآن ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿نُفُورًا﴾ مفعول ثان لـ ﴿يزيد﴾، والجملة الفعلية في محل النصب حال من القرآن.
﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣)﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة {لَوْ كانَ
130
مَعَهُ آلِهَةٌ...} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لَوْ﴾ حرف شرط غير جازم ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص ﴿مَعَهُ﴾ ظرف، ومضاف إليه، خبر ﴿كانَ﴾ ﴿آلِهَةٌ﴾ اسمها مؤخر، وجملة ﴿كانَ﴾ فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب، ﴿كَما﴾ ﴿الكاف﴾ حرف جر وتشبيه، ﴿ما﴾ موصولة في محل الجر بـ ﴿الكاف﴾ ﴿يَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل صلة ﴿ما﴾ الموصولة، الجار والمجرور، صفة لمصدر محذوف تقديره: قل لو كان معه آلهة كونًا مشابهًا لما يقولون ﴿إِذًا﴾ حرف جواب وجزاء، دالّة على أنّ ما بعدها جواب لمقالة المشركين، وجزاءً لفعل شرط ﴿لَوْ﴾ مهملة لا عمل لها ﴿لَابْتَغَوْا﴾ ﴿اللام﴾ رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾ ﴿ابتغوا﴾ فعل وفاعل ﴿إِلى ذِي الْعَرْشِ﴾ متعلق بـ ﴿أبتغوا﴾ أو حال من ﴿سَبِيلًا﴾. ﴿سَبِيلًا﴾ مفعول ﴿ابتغوا﴾ وجملة ﴿ابتغوا﴾ جواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾ ﴿سُبْحانَهُ﴾ مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا، تقديره: أسبحه سبحانًا، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾ ﴿وَتَعالى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿سُبْحانَهُ﴾ ﴿عَمَّا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَعالى﴾ ﴿يَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل صلة لـ ﴿ما﴾، والعائد محذوف تقديره: عما يقولونه ﴿عُلُوًّا﴾ مفعول مطلق لـ ﴿تَعالى﴾ لأنه مصدر واقعٌ موقع التعالي ﴿كَبِيرًا﴾ صفة له.
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)﴾.
﴿تُسَبِّحُ﴾ فعل مضارع ﴿لَهُ﴾ متعلق به ﴿السَّماواتُ﴾ فاعل ﴿السَّبْعُ﴾ صفة لـ ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿وَالْأَرْضُ﴾ معطوف على ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿وَمَنْ﴾ اسم موصول في محل الرفع معطوف على ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿فِيهِنَّ﴾ جار ومجرور صلة من الموصولة، والجملة الفعلية مستأنفة، ﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو مستأنفة ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿مَنْ﴾ زائدة ﴿شَيْءٍ﴾ مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة، تقدم النفي عليه، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿يُسَبِّحُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿شَيْءٍ﴾ ﴿بِحَمْدِهِ﴾ جار ومجرور حال من فاعل ﴿يُسَبِّحُ﴾، أي: حالة كونه ملتبسًا بحمده، والجملة الفعلية
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)﴾.
﴿تُسَبِّحُ﴾ فعل مضارع ﴿لَهُ﴾ متعلق به ﴿السَّماواتُ﴾ فاعل ﴿السَّبْعُ﴾ صفة لـ ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿وَالْأَرْضُ﴾ معطوف على ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿وَمَنْ﴾ اسم موصول في محل الرفع معطوف على ﴿السَّماواتُ﴾ ﴿فِيهِنَّ﴾ جار ومجرور صلة من الموصولة، والجملة الفعلية مستأنفة، ﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو مستأنفة ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿مَنْ﴾ زائدة ﴿شَيْءٍ﴾ مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة، تقدم النفي عليه، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿يُسَبِّحُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿شَيْءٍ﴾ ﴿بِحَمْدِهِ﴾ جار ومجرور حال من فاعل ﴿يُسَبِّحُ﴾، أي: حالة كونه ملتبسًا بحمده، والجملة الفعلية
131
في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ﴾ عطف اسمية على فعلية، أو مستأنفة ﴿وَلكِنْ﴾ ﴿الواو﴾ حالية ﴿لكِنْ﴾ حرف استدراك مهمل ﴿لا﴾ نافية ﴿تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يُسَبِّحُ﴾. ﴿إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا﴾ ناصب واسمه وخبره الأول ﴿غَفُورًا﴾ خبر ثان له، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة.
﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (٤٥)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالشرط، أو بالجواب أو هما ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿بَيْنَكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿وَبَيْنَ الَّذِينَ﴾ ظرف، ومضاف إليه معطوف على الظرف الأول ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ فعل وفاعل صلة الموصول ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ متعلق به ﴿حِجابًا﴾ مفعول أول لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿مَسْتُورًا﴾ صفة ﴿حِجابًا﴾، وجملة ﴿جَعَلْنا﴾ جواب ﴿إِذا﴾ لا محلَّ لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة.
﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا﴾.
﴿وَجَعَلْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على قوله ﴿جَعَلْنا بَيْنَكَ﴾ ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿أَكِنَّةً﴾ مفعول أول له، ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر إليه، تقديره: كراهية فقههم إياه أو مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: من فقههم إياه، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَكِنَّةً﴾ ﴿وَفِي آذانِهِمْ﴾ جار ومجرور معطوف على قوله: ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿وَقْرًا﴾ معطوف على ﴿أَكِنَّةً﴾ على كونه مفعولًا أولًا لـ ﴿جَعَلْنا﴾.
﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا﴾.
﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (٤٥)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالشرط، أو بالجواب أو هما ﴿جَعَلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿بَيْنَكَ﴾ ظرف، ومضاف إليه في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿وَبَيْنَ الَّذِينَ﴾ ظرف، ومضاف إليه معطوف على الظرف الأول ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ فعل وفاعل صلة الموصول ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ متعلق به ﴿حِجابًا﴾ مفعول أول لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿مَسْتُورًا﴾ صفة ﴿حِجابًا﴾، وجملة ﴿جَعَلْنا﴾ جواب ﴿إِذا﴾ لا محلَّ لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة.
﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا﴾.
﴿وَجَعَلْنا﴾ فعل وفاعل معطوف على قوله ﴿جَعَلْنا بَيْنَكَ﴾ ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿أَكِنَّةً﴾ مفعول أول له، ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر إليه، تقديره: كراهية فقههم إياه أو مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: من فقههم إياه، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَكِنَّةً﴾ ﴿وَفِي آذانِهِمْ﴾ جار ومجرور معطوف على قوله: ﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ على كونه مفعولًا ثانيًا لـ ﴿جَعَلْنا﴾ ﴿وَقْرًا﴾ معطوف على ﴿أَكِنَّةً﴾ على كونه مفعولًا أولًا لـ ﴿جَعَلْنا﴾.
﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا﴾.
132
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿ذَكَرْتَ رَبَّكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ متعلق بـ ﴿ذَكَرْتَ﴾ ﴿وَحْدَهُ﴾ حال من ربك لأنه في تأويل النكرة، أي منفردًا، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، ﴿وَلَّوْا﴾ فعل وفاعل ﴿عَلى أَدْبارِهِمْ﴾ متعلق به، أو حال من فاعل، ﴿وَلَّوْا نُفُورًا﴾ مفعول مطلق معنوي، لـ ﴿وَلَّوْا﴾، أو حال من فاعل ﴿وَلَّوْا﴾ أي: نافرين على أنه جمع نافر، وجملة ﴿وَلَّوْا﴾ جواب إذا لا محلّ لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة.
﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧)﴾.
﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ فعل وفاعل، صلة الموصول بِهِ متعلق به، و ﴿الباء﴾ سببية، والمعنى: ما يستمعون بسببه، أو لأجله، وهو الهزء بك، وبالقرآن، ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق بـ ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ ﴿وَإِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان معطوف على ﴿إِذْ﴾ الأولى على كونه متعلقًا بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، ﴿هُمْ نَجْوى﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿إِذْ﴾ بدل من ﴿إِذْ﴾ في قوله: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوى﴾ بدل كل من كل، ﴿يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿تَتَّبِعُونَ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُ﴾ ﴿إِلَّا﴾ أداة حصر ﴿رَجُلًا﴾ مفعول به ﴿مَسْحُورًا﴾ صفة لـ ﴿رَجُلًا﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩)﴾.
﴿انْظُرْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿كَيْفَ﴾ اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل النصب على الحال، والعامل فيه ﴿ضَرَبُوا﴾، وهي معلقة لـ ﴿انْظُرْ﴾ للعمل في لفظ ما بعدها، ﴿ضَرَبُوا﴾ فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾ متعلق به ﴿الْأَمْثالَ﴾ مفعول به، وجملة ﴿ضَرَبُوا﴾ في محل النصب
﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧)﴾.
﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ فعل وفاعل، صلة الموصول بِهِ متعلق به، و ﴿الباء﴾ سببية، والمعنى: ما يستمعون بسببه، أو لأجله، وهو الهزء بك، وبالقرآن، ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، وجملة ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق بـ ﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ ﴿وَإِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان معطوف على ﴿إِذْ﴾ الأولى على كونه متعلقًا بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، ﴿هُمْ نَجْوى﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿إِذْ﴾ بدل من ﴿إِذْ﴾ في قوله: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوى﴾ بدل كل من كل، ﴿يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿تَتَّبِعُونَ﴾ في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُ﴾ ﴿إِلَّا﴾ أداة حصر ﴿رَجُلًا﴾ مفعول به ﴿مَسْحُورًا﴾ صفة لـ ﴿رَجُلًا﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩)﴾.
﴿انْظُرْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿كَيْفَ﴾ اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل النصب على الحال، والعامل فيه ﴿ضَرَبُوا﴾، وهي معلقة لـ ﴿انْظُرْ﴾ للعمل في لفظ ما بعدها، ﴿ضَرَبُوا﴾ فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾ متعلق به ﴿الْأَمْثالَ﴾ مفعول به، وجملة ﴿ضَرَبُوا﴾ في محل النصب
133
سادّة مسد مفعول ﴿انْظُرْ﴾. فَضَلُّوا ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿ضلوا﴾ فعل، وفاعل معطوف على ﴿ضَرَبُوا﴾ ﴿فَلا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿لا﴾ نافية ﴿يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿ضلوا﴾ لأن العاطف مرتب، ﴿وَقالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على ﴿ضَرَبُوا﴾ ﴿أَإِذا كُنَّا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿أَإِذا﴾ ﴿الهمزة﴾ للإستفهام الإنكاري الابتعادي، لاستبعاد ما يتساءلون عنه، إِذا ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط، متعلق بمحذوف دلّ عليه ﴿مبعوثون﴾ ﴿كُنَّا عِظامًا﴾ فعل ناقص، واسمه وخبره، ﴿وَرُفاتًا﴾ معطوف على ﴿عِظامًا﴾ والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذا﴾ والتقدير: أنبعث وقت كوننا عظامًا ورفاتًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾، ولا يجوز أن يتعلّق إِذا بـ ﴿مبعوثون﴾ لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها، وكذا ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله، وقد اجتمعا هنا، ويجوز أن تكون ﴿إِذا﴾ شرطية، والجواب حينئذ الفعل الذي تعلقت به ﴿إذا﴾ ﴿أَإِنَّا﴾ الهمزة للاستفهام، الإنكاري الاستبعادي، ﴿إِنَّا﴾ ناصب واسمه ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾ خبره، واللام حرف ابتداء ﴿خَلْقًا﴾ حال من الضمير المستكن في ﴿مبعوثون﴾ ﴿جَدِيدًا﴾ صفته ولكنه على تأويله بالمشتق؛ أي: مخلوقين، أو مفعول مطلق من معنى الفعل، لا من لفظه أي: نبعث بعثًا جديدًا.
﴿قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿كُونُوا حِجارَةً﴾ إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿كُونُوا حِجارَةً﴾ فعل ناقص واسمه وخبره. ﴿أَوْ حَدِيدًا﴾ ﴿أَوْ خَلْقًا﴾ معطوفان على ﴿حِجارَةً﴾، وجملة ﴿كُونُوا﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور صفة ﴿خَلْقًا﴾. ﴿يَكْبُرُ﴾ فعل مضارع ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة ﴿لما﴾ أو صفة لها، ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة، و ﴿السين﴾
﴿قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿كُونُوا حِجارَةً﴾ إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿كُونُوا حِجارَةً﴾ فعل ناقص واسمه وخبره. ﴿أَوْ حَدِيدًا﴾ ﴿أَوْ خَلْقًا﴾ معطوفان على ﴿حِجارَةً﴾، وجملة ﴿كُونُوا﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿مِمَّا﴾ جار ومجرور صفة ﴿خَلْقًا﴾. ﴿يَكْبُرُ﴾ فعل مضارع ﴿فِي صُدُورِكُمْ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة ﴿لما﴾ أو صفة لها، ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة، و ﴿السين﴾
134
حرف استقبال، ﴿يقولون﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قُلْ﴾ ﴿مَنْ يُعِيدُنا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾ اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، وجملة ﴿يُعِيدُنا﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿يقولون﴾.
﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿الَّذِي﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، خبره محذوف تقديره: الذي فطركم أول مرة يعيدكم، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو الذي فطركم أوّل مرة، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿فَطَرَكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الموصول، ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ظرف متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول ﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة، و ﴿السين﴾ حرف استقبال ﴿ينغضون﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به ﴿رُؤُسَهُمْ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿قُلِ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾. ﴿مَتى﴾ اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿هُوَ﴾ مبتدأ مؤخر، تقديره: كائن ﴿مَتى هُوَ﴾ أي البعث، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ (يقولون). ﴿قُلِ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿عَسى﴾ فعل ماض من أفعال الرجاء، ترفع الاسم، وتنصب الخبر، واسمها ضمير مستتر فيه، تقديره: هو يعود على البعث ﴿أَنْ﴾ حرف نصب ﴿يَكُونَ﴾ فعل مضارع ناقص منصوب بأن، واسمها ضمير يعود على البعث ﴿قَرِيبًا﴾ خبر ﴿يَكُونَ﴾، وجملة ﴿يَكُونَ﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر ﴿عَسى﴾ تقديره: عسى كونه ﴿قَرِيبًا﴾، ولكنه في تأويل اسم الفاعل ليصح الإخبار؛ أي: عسى كائنا قريبا، ويصح كون عسى تامة، والتقدير: عسى كونه قريبا، و ﴿عَسى﴾ هنا للتحقق كما مرّ.
﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿الَّذِي﴾ اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، خبره محذوف تقديره: الذي فطركم أول مرة يعيدكم، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو الذي فطركم أوّل مرة، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾. ﴿فَطَرَكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الموصول، ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ظرف متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول ﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة، و ﴿السين﴾ حرف استقبال ﴿ينغضون﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَيْكَ﴾ متعلق به ﴿رُؤُسَهُمْ﴾ مفعول به، والجملة معطوفة على جملة ﴿قُلِ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾. ﴿مَتى﴾ اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿هُوَ﴾ مبتدأ مؤخر، تقديره: كائن ﴿مَتى هُوَ﴾ أي البعث، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ (يقولون). ﴿قُلِ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿عَسى﴾ فعل ماض من أفعال الرجاء، ترفع الاسم، وتنصب الخبر، واسمها ضمير مستتر فيه، تقديره: هو يعود على البعث ﴿أَنْ﴾ حرف نصب ﴿يَكُونَ﴾ فعل مضارع ناقص منصوب بأن، واسمها ضمير يعود على البعث ﴿قَرِيبًا﴾ خبر ﴿يَكُونَ﴾، وجملة ﴿يَكُونَ﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر ﴿عَسى﴾ تقديره: عسى كونه ﴿قَرِيبًا﴾، ولكنه في تأويل اسم الفاعل ليصح الإخبار؛ أي: عسى كائنا قريبا، ويصح كون عسى تامة، والتقدير: عسى كونه قريبا، و ﴿عَسى﴾ هنا للتحقق كما مرّ.
135
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)﴾.
﴿يَوْمَ﴾ منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا: يوم يدعوكم كما ذكره أبو البقاء وأبو السعود، أو متعلق بـ ﴿يَكُونَ﴾ ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿يَوْمَ﴾ ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿تستجيبون﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿يَدْعُوكُمْ﴾. ﴿بِحَمْدِهِ﴾ جار ومجرور حال من ﴿الواو﴾ في ﴿تستجيبون﴾، أي: فتجيبون حال كونكم حامدين لله على كمال قدرته، ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ ﴿الواو﴾ حالية ﴿تَظُنُّونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تستجيبون﴾؛ أي: حالة كونكم ظانّين ﴿إِنْ﴾ ﴿إِنْ﴾ نافية معلقة للظن عن العمل فيما بعدها، وقلّ من ذكر ﴿إِنْ﴾ النافية في أدوات تعليق هذا الباب، ذكره في «الفتوحات» ﴿لَبِثْتُمْ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿قَلِيلًا﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿لَبِثْتُمْ﴾ لأنه صفة لزمان محذوف أي إلّا زمانا قليلا أو منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفة لمصدر محذوف أي لبثًا قليلًا، وجملة ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ في محل النصب سادة مسد مفعولي الظن.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ وفي الكرخي: والمراد بالأشد هاهنا بلوغه إلى حيث يمكنه بسبب عقله ورشده؛ القيام بمصالح ماله، فحينئذ تزول ولاية غيره عنه، فإن بلغ غير كامل العقل لم تزل الولاية عنه اهـ والأشدّ: مفرد بمعنى القوة، وقيل: جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع شدة بكسر الشين، وقيل: جمع شد كذلك، وقيل: جمع شد بفتحها، وعلى كلّ، فالمراد به القوة؛ أي: حتى يبلغ قوته، والمراد بها هنا بلوغه عاقلًا رشيدًا، وإن كان الأشد في الأصل عبارة عن بلوغ ثلاث وثلاثين سنة، اهـ شيخنا.
﴿بِالْقِسْطاسِ﴾ هو روميٌّ عُرِّبَ، ولا يقدح ذلك في عربية القرآن؛ لأن العجميَّ إذا استعملته العرب، وأجرته مجرى كلامهم في الإعراب، والتعريف،
﴿يَوْمَ﴾ منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا: يوم يدعوكم كما ذكره أبو البقاء وأبو السعود، أو متعلق بـ ﴿يَكُونَ﴾ ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿يَوْمَ﴾ ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿تستجيبون﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿يَدْعُوكُمْ﴾. ﴿بِحَمْدِهِ﴾ جار ومجرور حال من ﴿الواو﴾ في ﴿تستجيبون﴾، أي: فتجيبون حال كونكم حامدين لله على كمال قدرته، ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ ﴿الواو﴾ حالية ﴿تَظُنُّونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تستجيبون﴾؛ أي: حالة كونكم ظانّين ﴿إِنْ﴾ ﴿إِنْ﴾ نافية معلقة للظن عن العمل فيما بعدها، وقلّ من ذكر ﴿إِنْ﴾ النافية في أدوات تعليق هذا الباب، ذكره في «الفتوحات» ﴿لَبِثْتُمْ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿قَلِيلًا﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿لَبِثْتُمْ﴾ لأنه صفة لزمان محذوف أي إلّا زمانا قليلا أو منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفة لمصدر محذوف أي لبثًا قليلًا، وجملة ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ في محل النصب سادة مسد مفعولي الظن.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ وفي الكرخي: والمراد بالأشد هاهنا بلوغه إلى حيث يمكنه بسبب عقله ورشده؛ القيام بمصالح ماله، فحينئذ تزول ولاية غيره عنه، فإن بلغ غير كامل العقل لم تزل الولاية عنه اهـ والأشدّ: مفرد بمعنى القوة، وقيل: جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع شدة بكسر الشين، وقيل: جمع شد كذلك، وقيل: جمع شد بفتحها، وعلى كلّ، فالمراد به القوة؛ أي: حتى يبلغ قوته، والمراد بها هنا بلوغه عاقلًا رشيدًا، وإن كان الأشد في الأصل عبارة عن بلوغ ثلاث وثلاثين سنة، اهـ شيخنا.
﴿بِالْقِسْطاسِ﴾ هو روميٌّ عُرِّبَ، ولا يقدح ذلك في عربية القرآن؛ لأن العجميَّ إذا استعملته العرب، وأجرته مجرى كلامهم في الإعراب، والتعريف،
136
والتنكير، ونحوها.. صار عربيّا، والقسطاس بضم القاف وكسرها، القرسطون؛ أي: القبان، وقيل: كل ميزان صغر، أو كبر، و ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ العدل ﴿تَأْوِيلًا﴾ والتأويل: ما يؤول إليه الشيء، وهو عاقبته. ومآله ﴿مَرَحًا﴾ والمرح: الفخر، والكبر، وفي «المصباح» مرح مرحًا، فهو مرح مثل فرح فرحًا وزنًا ومعنًى، وقيل: المرح أشد الفرح اهـ.
﴿وَلا تَقْفُ﴾؛ أي: ولا تتبع، يقال: قفا أثره من بابي عدا، وسما هو مأخوذ من القفا، كأنه يقفو الأمور يتّبعها ويتعرّفها، ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ﴾ أي أخصّكم وخلّصكم، والإصفاء جعل الشيء خالصًا له، والتصفية في الأصل: معناها التّخليص، ولكنه هنا ضمّن معنى خصّكم لأجل تعلق البنين به، وفي «الأساس» - يعني أساس البلاغة - ومن المجاز: أصفيته المودة، وأصفيته بالبر آثرته، واختصصته. ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾، وأصفى عياله بشيء يسير، أرضاهم به، وألفه منقلبه عن واو؛ لأنه من صفا يصفو ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾؛ أي: بيّنا وأوضحنا، ولها معان كثيرة بالتشديد، يقال صرفه بمعنى صرفه مع مبالغة، وصرف الشيء باعه، وصرف الدّراهم بدّلها، وصرف الخمر شربها صرفًا؛ أي: غير ممزوجة، وصرف الكلام اشتق بعضه من بعض، وصرفه في الأمر فوض الأمر إليه، وصرف الماء أجراه، وصرّف الله الرّياح: أجراها من وجه إلى وجه.
﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾: ﴿وَحْدَهُ﴾: اعلم: أنّ ﴿وَحْدَهُ﴾ لم يُستعمل إلا منصوبًا، إلا ما ورد شاذًا، قالوا: هو نسيجٌ وحده، وعيير وحده، وجحيشٌ وحده.
فأما نسيج وحده، فهو مدح، وأصله أنّ الثّوب إذا كان رفيعًا، فلا ينسج على منواله غيره، فكأنّه قال: نسيج أفراده، يقال هذا للرجل: إذا أفرد بالفضل، وأما عيير وحده، وجحيش وحده فهو تصغير عير، وهو الحمار: يقال للوحش والأهلي، وجحيش وحده، وهو ولد الحمار، فهو ذمٌّ يقال للرجل المعجب برأيه لا يخالط أحدًا في رأي ولا يدخل في معونة أحد، ومعناه ينفرد بخدمة نفسه،
﴿وَلا تَقْفُ﴾؛ أي: ولا تتبع، يقال: قفا أثره من بابي عدا، وسما هو مأخوذ من القفا، كأنه يقفو الأمور يتّبعها ويتعرّفها، ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ﴾ أي أخصّكم وخلّصكم، والإصفاء جعل الشيء خالصًا له، والتصفية في الأصل: معناها التّخليص، ولكنه هنا ضمّن معنى خصّكم لأجل تعلق البنين به، وفي «الأساس» - يعني أساس البلاغة - ومن المجاز: أصفيته المودة، وأصفيته بالبر آثرته، واختصصته. ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾، وأصفى عياله بشيء يسير، أرضاهم به، وألفه منقلبه عن واو؛ لأنه من صفا يصفو ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾؛ أي: بيّنا وأوضحنا، ولها معان كثيرة بالتشديد، يقال صرفه بمعنى صرفه مع مبالغة، وصرف الشيء باعه، وصرف الدّراهم بدّلها، وصرف الخمر شربها صرفًا؛ أي: غير ممزوجة، وصرف الكلام اشتق بعضه من بعض، وصرفه في الأمر فوض الأمر إليه، وصرف الماء أجراه، وصرّف الله الرّياح: أجراها من وجه إلى وجه.
﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾: ﴿وَحْدَهُ﴾: اعلم: أنّ ﴿وَحْدَهُ﴾ لم يُستعمل إلا منصوبًا، إلا ما ورد شاذًا، قالوا: هو نسيجٌ وحده، وعيير وحده، وجحيشٌ وحده.
فأما نسيج وحده، فهو مدح، وأصله أنّ الثّوب إذا كان رفيعًا، فلا ينسج على منواله غيره، فكأنّه قال: نسيج أفراده، يقال هذا للرجل: إذا أفرد بالفضل، وأما عيير وحده، وجحيش وحده فهو تصغير عير، وهو الحمار: يقال للوحش والأهلي، وجحيش وحده، وهو ولد الحمار، فهو ذمٌّ يقال للرجل المعجب برأيه لا يخالط أحدًا في رأي ولا يدخل في معونة أحد، ومعناه ينفرد بخدمة نفسه،
137
وأما قولك جاء وحده: فوحده حال من فاعل جاء المستتر فيه، وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيؤوّل بنكرة من لفظه، أو من معناه؛ أي: متوحدًا، أو منفردًا، وتقول: مررت به وحده، ومررت بهم وحدهم، فوحده مصدر في موضع الحال، كأنه في معنى إيحاد جاء على حذف الزوائد، كأنك قلت أوحدته بمروري إيحادا، أو إيحاد في معنى موحد؛ أي: منفرد فإذا قلت مررت به، وحده فكأنّك قلت: مررت به منفردًا، ويحتمل عند سيبويه أن يكون للفاعل والمفعول.
﴿حِجابًا مَسْتُورًا﴾ الحجاب والحجب: المنع من الوصول إلى الشيء، والمراد الحاجب والمستور، أي: الساتر كما جاء عكسه من نحو ﴿ماءٍ دافِقٍ﴾، أي: مدفوق فاسم المفعول بمعنى اسم الفاعل ﴿أَكِنَّةً﴾ والأكنة الأغطية واحدها كنان ﴿وَقْرًا﴾ والوقر الصّمم، والثّقل في الآذان المانع من السماع، ﴿نُفُورًا﴾ مفعول مطلق لـ ﴿وَلَّوْا﴾ لتفاوت معناهما، لأن النفور الإدبار مع الانزعاج، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد، وقعود وشاهد وشهود، اهـ من «الشهاب» و «البيضاوي» ﴿مَسْحُورًا﴾؛ أي: مخبول العقل فهو كقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ ﴿فَضَلُّوا﴾؛ أي: جاروا عن قصد السبيل ﴿رُفاتًا﴾ والرّفات ما تكسّر وبلي من كل شيء، وما بولغ في دقّه، وتفتيته، وهو اسم مفرد لأجزاء ذلك الشيء المفتت، وقال الفرّاء: هو التراب، يؤيده أنه تكرر في القرآن ترابا وعظاما، والرّفات والحطام بمعنى، ويقال: رفت الشيء يرفته بالكسر من باب: ضرب؛ أي: كسره، والفعال يغلب في التفريق، كالحطام والرقاق والفتات، وفي «القاموس» «وتاج العروس»: رفته يرفته بالضم، ويرفته بالكسر إذا كسره ودقه وانكسر واندق وانقطع لازم ومتعد.
﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾؛ أي: يحركون رؤوسهم، في «المختار»: نَغَضَ رأسه من باب نصر، وجلس؛ أي: تحرك وأنغض رأسه حركه كالمتعجب من الشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ﴾ ونغض فلان رأسه؛ أي: حركه يتعدى ويلزم اهـ وفي «اللسان يقال: أنغض رأسه ينغضها؛ أي: حركها إلى فوق، وإلى أسفل إنغاضًا فهو منغض، وأمّا نغض ثلاثيًا ينغض بالفتح، وينغض بالضم، فبمعنى
﴿حِجابًا مَسْتُورًا﴾ الحجاب والحجب: المنع من الوصول إلى الشيء، والمراد الحاجب والمستور، أي: الساتر كما جاء عكسه من نحو ﴿ماءٍ دافِقٍ﴾، أي: مدفوق فاسم المفعول بمعنى اسم الفاعل ﴿أَكِنَّةً﴾ والأكنة الأغطية واحدها كنان ﴿وَقْرًا﴾ والوقر الصّمم، والثّقل في الآذان المانع من السماع، ﴿نُفُورًا﴾ مفعول مطلق لـ ﴿وَلَّوْا﴾ لتفاوت معناهما، لأن النفور الإدبار مع الانزعاج، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد، وقعود وشاهد وشهود، اهـ من «الشهاب» و «البيضاوي» ﴿مَسْحُورًا﴾؛ أي: مخبول العقل فهو كقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ ﴿فَضَلُّوا﴾؛ أي: جاروا عن قصد السبيل ﴿رُفاتًا﴾ والرّفات ما تكسّر وبلي من كل شيء، وما بولغ في دقّه، وتفتيته، وهو اسم مفرد لأجزاء ذلك الشيء المفتت، وقال الفرّاء: هو التراب، يؤيده أنه تكرر في القرآن ترابا وعظاما، والرّفات والحطام بمعنى، ويقال: رفت الشيء يرفته بالكسر من باب: ضرب؛ أي: كسره، والفعال يغلب في التفريق، كالحطام والرقاق والفتات، وفي «القاموس» «وتاج العروس»: رفته يرفته بالضم، ويرفته بالكسر إذا كسره ودقه وانكسر واندق وانقطع لازم ومتعد.
﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾؛ أي: يحركون رؤوسهم، في «المختار»: نَغَضَ رأسه من باب نصر، وجلس؛ أي: تحرك وأنغض رأسه حركه كالمتعجب من الشيء، ومنه قوله تعالى: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ﴾ ونغض فلان رأسه؛ أي: حركه يتعدى ويلزم اهـ وفي «اللسان يقال: أنغض رأسه ينغضها؛ أي: حركها إلى فوق، وإلى أسفل إنغاضًا فهو منغض، وأمّا نغض ثلاثيًا ينغض بالفتح، وينغض بالضم، فبمعنى
138
تحرك لا يتعدَّى يقال: نغضت سنه إذا تحرّكت تنغض نغضًا اهـ. ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾؛ أي: تجيبون الداعي.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة المكنية في قوله: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا﴾ إذا جعلنا ضمير مسؤولًا راجعًا إلى العهد، وينسب إليه السؤال على طريق الاستعارة بالكناية، بأن يشبه العهد بمن نكث عهده، ونسبة السؤال إليه تخييل.
ومنها: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا﴾، ولو جرى على ما تقدم لقيل: كنت عنه مسؤولًا.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ﴾، وقوله: ﴿قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ للتنبيه على أنّ التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، وعلى أنّه رأس الحكمة وملاكها.
ومنها: الفرض والتقدير في قوله: ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ﴾.
ومنها: التنكيت في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ والتنكيتُ، هو قصدُ المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره ممّا يسد مسدّه لنكتة في المذكور، ترجح مجيئه على سواه، فقد خص سبحانه ﴿تَفْقَهُونَ﴾ دون تعلمون لما في الفقه من الزيادة على العلم؛ لأنه التصرف في المعلوم بعد علمه، واستنباط الأحكام منه، والمراد الذي يقتضيه معنى الكلام التفقه في معرفة التسبيح من الحيوان البهيم، والنبات، والجماد، وكلَّ ما يدخل تحت لفظة شيء مما لا
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة المكنية في قوله: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا﴾ إذا جعلنا ضمير مسؤولًا راجعًا إلى العهد، وينسب إليه السؤال على طريق الاستعارة بالكناية، بأن يشبه العهد بمن نكث عهده، ونسبة السؤال إليه تخييل.
ومنها: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: ﴿كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا﴾، ولو جرى على ما تقدم لقيل: كنت عنه مسؤولًا.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ﴾، وقوله: ﴿قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: ﴿أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ﴾ للتنبيه على أنّ التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، وعلى أنّه رأس الحكمة وملاكها.
ومنها: الفرض والتقدير في قوله: ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ﴾.
ومنها: التنكيت في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ والتنكيتُ، هو قصدُ المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره ممّا يسد مسدّه لنكتة في المذكور، ترجح مجيئه على سواه، فقد خص سبحانه ﴿تَفْقَهُونَ﴾ دون تعلمون لما في الفقه من الزيادة على العلم؛ لأنه التصرف في المعلوم بعد علمه، واستنباط الأحكام منه، والمراد الذي يقتضيه معنى الكلام التفقه في معرفة التسبيح من الحيوان البهيم، والنبات، والجماد، وكلَّ ما يدخل تحت لفظة شيء مما لا
139
يعقل، ولا ينطق، إذ تسبيح ذلك بمجرد وجوده الدالّ على قدرة موجده وحكمته.
ومنها: الاستفهام الإنكاريّ في قوله: ﴿أَإِذا كُنَّا عِظامًا﴾ وتكرير ﴿الهمزة﴾ في قوله: ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لتأكيد الإنكار، وكذلك تأكيده بـ ﴿إن﴾ و ﴿اللام﴾ للإشارة إلى قوّة الإنكار.
ومنها: التعجيز والإهانة في الأمر في قوله: ﴿قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠)﴾.
ومنها: التخيير في هاتين الآيتين، وهو أن يؤتى بقطعةٍ من الكلام، وقد عطف بعضها على بعض بأداة التخيير.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ تسجيلًا عليهم بصفة الظلم؛ إذ مقتضى السياق أن يقال: إذ يقولون... الخ.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الاستفهام الإنكاريّ في قوله: ﴿أَإِذا كُنَّا عِظامًا﴾ وتكرير ﴿الهمزة﴾ في قوله: ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لتأكيد الإنكار، وكذلك تأكيده بـ ﴿إن﴾ و ﴿اللام﴾ للإشارة إلى قوّة الإنكار.
ومنها: التعجيز والإهانة في الأمر في قوله: ﴿قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠)﴾.
ومنها: التخيير في هاتين الآيتين، وهو أن يؤتى بقطعةٍ من الكلام، وقد عطف بعضها على بعض بأداة التخيير.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ تسجيلًا عليهم بصفة الظلم؛ إذ مقتضى السياق أن يقال: إذ يقولون... الخ.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
140
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيانًا كَبِيرًا (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُورًا (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه (١) لما قدَّم ما نسَب الكفار لله تعالى من الولد، ونُفُورهم
﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيانًا كَبِيرًا (٦٠) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُورًا (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه (١) لما قدَّم ما نسَب الكفار لله تعالى من الولد، ونُفُورهم
(١) البحر المحيط.
141
عن كتاب الله، إذا سمعوه، وإيذاء الرسول - ﷺ - ونسبته إلى أنه مسحور، وإنكار البعث، كان ذلك مدعاة لإيذاء المؤمنين، ومجلبة لبغض المؤمنين إياهم، ومعاملتهم بما عاملوهم... فأمر الله تعالى نبيّه أن يوصي المؤمنين بالرفق بالكفار، واللطف بهم في القول، وأن لا يعاملوهم بمثل أفعالهم وأقوالهم، فعلى هذا يكون المعنى: قل لعبادي المؤمنين يقولوا للمشركين الكلم التي هي أحسن، وقيل: المعنى: يقولوا؛ أي: يقول بعض المؤمنين لبعض الكلم التي هي أحسن؛ أي: يعظّم بعضهم بعضًا.
وعبارة المراغي (١) هنا قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أقام الحجج على إبطال الشرك فقال: ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ﴾ الآية، وذكر الأدلة على صحّة البعث، والجزاء.. فقال: ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ....﴾.
أمر رسوله - ﷺ - أن يأمر عباده المؤمنين بأن يحاجوا مُخَالفيهم، ويجادلوهم باللين، ولا يغلّظوا لهم في القول، ولا يشتموهم، فإنّ الكلمة الطّيّبة تجذب النفوس، وتميل بها إلى الاقتناع، كما يعلم ذلك الذين تولوا النصح والإرشاد من الوعاظ، والساسة، والزعماء في كل أمة، ثمّ ذكر من الكلمة الطيبة أن يقول لهم: ربكم العليم بكم إن شاء عذبكم، وإن شاء رحمكم، ولا يصرح بأنهم من أهل النار؛ فإنّ ذلك مما يهيّج الشرّ، مع أن الخاتمة مجهولة لا يعلمها إلا الله سبحانه، ثم بيّن لرسوله أنه لا يقسر الناس على الإسلام، فما عليه إلا البلاغ، والإنذار، والله هو العليم بمن في السموات والأرض، فيختار لنبوته من يشاء، ممن يراه أهلًا لذلك، وأولئك الأنبياء ليسوا سواءً في مراتب الفضل والكمال، وأفضلهم محمد - ﷺ - وأمته.
قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنها (٢) عود على بدء في تسفيه آراء المشركين الذين كانوا يعبدون الملائكة، والجنّ والمسيح، وعزيرًا؛ إذ رد عليهم بأن من تدعونهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ويخافون عذابه، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فادعوني وحدي لأني أنا المالك لنفعكم وضرّكم دونهم.
وعبارة المراغي (١) هنا قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أقام الحجج على إبطال الشرك فقال: ﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ﴾ الآية، وذكر الأدلة على صحّة البعث، والجزاء.. فقال: ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ....﴾.
أمر رسوله - ﷺ - أن يأمر عباده المؤمنين بأن يحاجوا مُخَالفيهم، ويجادلوهم باللين، ولا يغلّظوا لهم في القول، ولا يشتموهم، فإنّ الكلمة الطّيّبة تجذب النفوس، وتميل بها إلى الاقتناع، كما يعلم ذلك الذين تولوا النصح والإرشاد من الوعاظ، والساسة، والزعماء في كل أمة، ثمّ ذكر من الكلمة الطيبة أن يقول لهم: ربكم العليم بكم إن شاء عذبكم، وإن شاء رحمكم، ولا يصرح بأنهم من أهل النار؛ فإنّ ذلك مما يهيّج الشرّ، مع أن الخاتمة مجهولة لا يعلمها إلا الله سبحانه، ثم بيّن لرسوله أنه لا يقسر الناس على الإسلام، فما عليه إلا البلاغ، والإنذار، والله هو العليم بمن في السموات والأرض، فيختار لنبوته من يشاء، ممن يراه أهلًا لذلك، وأولئك الأنبياء ليسوا سواءً في مراتب الفضل والكمال، وأفضلهم محمد - ﷺ - وأمته.
قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنها (٢) عود على بدء في تسفيه آراء المشركين الذين كانوا يعبدون الملائكة، والجنّ والمسيح، وعزيرًا؛ إذ رد عليهم بأن من تدعونهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ويخافون عذابه، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فادعوني وحدي لأني أنا المالك لنفعكم وضرّكم دونهم.
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
142
ثم بيّن أنّ قرى الكافرين صائرة إما إلى الفناء والهلاك بعذاب الاستئصال، وإمّا بعذاب دون ذلك من قتل كبرائها، وتسليط المسلمين عليهم بالسّبي، واغتنام الأموال، وأخذ الجزية، ثمّ أردف ذلك ببيان أنه ما منعه من إرسال الآيات التي طلب مثلها الأولون كقولهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا...﴾ إلخ. إلا أنّه لو جاء بها، ولم يؤمنوا.. لأصابهم عذاب الاستئصال كما أصاب من قبلهم، أو لم ينظروا إلى ما أصاب ثمود حين كذبوا بآيات ربهم، وعقروا الناقة، ثم قفّى على ذلك بأن الله حافظه من قومه، وأنه سينصره، ويؤيّده، ثمّ أتبع ذلك بأنّ أمر الإسراء كان فتنةً للناس وامتحانًا لإيمانهم، كما كان ذكر شجرة الزقوم في قوله: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾ كذلك ثم تلا هذا بذكر تماديهم في العناد، وأنه كلما خوّفهم وأنذرهم، ازدادوا تماديًا، وطغيانًا، فلو أنزل عليهم الآيات التي اقترحوها.. لم ينتفعوا بها، ومن ثم أجّل عذابهم إلى يوم الوقت المعلوم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها من وجهين (١):
أحدهما: أنه لمّا نازعوا الرسول - ﷺ - في النبوة، واقترحوا عليه الآيات، كان ذلك لكبرهم وحسدهم للرسول - ﷺ - على ما آتاه الله من النبوة، والدرجة الرفيعة.. فناسب ذكر قصة آدم عليه السلام وإبليس حيث حمله الكبر والحسد على الامتناع من السجود.
والثاني: أنه لما قال: ﴿فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾ بيّن سبب هذا الطغيان، وهو قول إبليس ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لمّا ذكر (٢) أن الرسول - ﷺ - كان في محنة في قومه، إذ كذبوه وتوعَّدوه حين حدَّثهم بالإسراء، وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه، وعاندوه، واقترحوا عليه الآيات حسدًا
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها من وجهين (١):
أحدهما: أنه لمّا نازعوا الرسول - ﷺ - في النبوة، واقترحوا عليه الآيات، كان ذلك لكبرهم وحسدهم للرسول - ﷺ - على ما آتاه الله من النبوة، والدرجة الرفيعة.. فناسب ذكر قصة آدم عليه السلام وإبليس حيث حمله الكبر والحسد على الامتناع من السجود.
والثاني: أنه لما قال: ﴿فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾ بيّن سبب هذا الطغيان، وهو قول إبليس ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لمّا ذكر (٢) أن الرسول - ﷺ - كان في محنة في قومه، إذ كذبوه وتوعَّدوه حين حدَّثهم بالإسراء، وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه، وعاندوه، واقترحوا عليه الآيات حسدًا
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
143
على ما آتاه الله من النبوة، وكبرًا عن أن ينقادوا إلى الحق.. بيَّن أنَّ هذا ليس ببدع من قومك، فقد لاقى كثير من الأنبياء من أهل زمانهم مثل ما لاقيت، ألا ترى أن آدم عليه السلام كان في محنة شديدة من إبليس، وأنّ الكبر والحسد هما اللذان حملاه على الخروج من الإيمان، والدخول في الكفر، والحسد بلية قديمة، ومحنة عظيمة للخلق. انتهت.
قوله تعالى: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه تعالى (١) لما ذكر وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم، وأنها تضر وتنفع، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم، وتمكينه من وسوسة ذريته، وتسويله، ذكر ما يدلّ من أفعاله على وحدانيته، وأنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء، فذكر إحسانه إليهم بحرا، وبرا، وأنه تعالى متمكن بقدرته ممّا يريده، وعبارة المراغي هنا: مناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر في الآية السالفة أنه هو الحافظ الكالىء للعبد المؤمن من غواية إبليس، وأنه لا يستطيع أن يمسّه بسوء، قفّى على ذلك بذكر بعض نعمته تعالى على الإنسان التي كان يجب عليه أن يقابلها بالشكران، لا بالكفران، وهو الذي يرى دلائل قدرته في البر والبحر، فهو الذي يزجي له الفلك في البحر لتنقل له أرزاقه، وأقواته من بعيد المسافات، لكنه مع هذا هو كفور للنعمة، إذا مسه الضر دعا ربه، وإذا أمن أعرض عنه، وعبد الأصنام والأوثان، فهل يأمن أن يخسف به الأرض، أو يرسل عليه حاصبًا من الريح في البر، أو قاصفًا من الريح في البحر، فيغرقه بكفره، أفلا يفرده بالعبادة، ويخبت له كفاء تلك النعم المتظاهرة عليه.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم الجنيون، واستمسك الآخرون بعبادتهم، فأنزل الله عز وجل {قُلِ
قوله تعالى: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه تعالى (١) لما ذكر وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم، وأنها تضر وتنفع، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم، وتمكينه من وسوسة ذريته، وتسويله، ذكر ما يدلّ من أفعاله على وحدانيته، وأنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء، فذكر إحسانه إليهم بحرا، وبرا، وأنه تعالى متمكن بقدرته ممّا يريده، وعبارة المراغي هنا: مناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر في الآية السالفة أنه هو الحافظ الكالىء للعبد المؤمن من غواية إبليس، وأنه لا يستطيع أن يمسّه بسوء، قفّى على ذلك بذكر بعض نعمته تعالى على الإنسان التي كان يجب عليه أن يقابلها بالشكران، لا بالكفران، وهو الذي يرى دلائل قدرته في البر والبحر، فهو الذي يزجي له الفلك في البحر لتنقل له أرزاقه، وأقواته من بعيد المسافات، لكنه مع هذا هو كفور للنعمة، إذا مسه الضر دعا ربه، وإذا أمن أعرض عنه، وعبد الأصنام والأوثان، فهل يأمن أن يخسف به الأرض، أو يرسل عليه حاصبًا من الريح في البر، أو قاصفًا من الريح في البحر، فيغرقه بكفره، أفلا يفرده بالعبادة، ويخبت له كفاء تلك النعم المتظاهرة عليه.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن مسعود قال: كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم الجنيون، واستمسك الآخرون بعبادتهم، فأنزل الله عز وجل {قُلِ
(١) لباب النقول.
144
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ...} الآية.
قوله تعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الحاكم والطبراني وغيرهما، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي - ﷺ - أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحّي عنهم الجبال، فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت تؤتهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال: بل أستأني بهم، فأنزل الله عز وجل ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ...﴾ الآية. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن الزبير نحوه بأبسط منه.
قوله تعالى: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ...﴾ الآية، سبب نزولها (١): ما أخرجه أبو يعلى عن أم هانىء أنه - ﷺ - لما أسري به... أصبح يحدث نفرًا من قريش، يستهزئون به، فطلبوا منه آيةً فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصّة العير، فقال الوليد بن المغيرة: هذا ساحر، فأنزل الله ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ وأخرج ابن المنذر عن الحسن نحوه، وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي أنَّ رسول الله - ﷺ - أصبح يومًا مهمومًا فقيل له: ما لك يا رسول الله؟ لا تهتمّ، فإنّ رؤياك فتنة لهم، فأنزل الله ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾.
وأخرج ابن جرير، من حديث سهل بن سعد نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص، ومن حديث يعلى بن مرّة، ومن مرسل سعيد بن المسيب نحوها، وأسانيدها ضعيفة.
قوله تعالى: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ...﴾ الآية، أخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس، قال: لما ذكر الله الزقّوم خوّف به هذا الحيَّ من قريش، قال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقُّوم الذي يخوفكم به محمدٌ؟ قالوا: لا، قال: الثريد بالزبد، أما لئن أمكننا منها لنزقمنّها زقمًا، فأنزل الله
قوله تعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الحاكم والطبراني وغيرهما، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي - ﷺ - أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحّي عنهم الجبال، فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت تؤتهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال: بل أستأني بهم، فأنزل الله عز وجل ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ...﴾ الآية. وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن الزبير نحوه بأبسط منه.
قوله تعالى: ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ...﴾ الآية، سبب نزولها (١): ما أخرجه أبو يعلى عن أم هانىء أنه - ﷺ - لما أسري به... أصبح يحدث نفرًا من قريش، يستهزئون به، فطلبوا منه آيةً فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصّة العير، فقال الوليد بن المغيرة: هذا ساحر، فأنزل الله ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ وأخرج ابن المنذر عن الحسن نحوه، وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي أنَّ رسول الله - ﷺ - أصبح يومًا مهمومًا فقيل له: ما لك يا رسول الله؟ لا تهتمّ، فإنّ رؤياك فتنة لهم، فأنزل الله ﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾.
وأخرج ابن جرير، من حديث سهل بن سعد نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص، ومن حديث يعلى بن مرّة، ومن مرسل سعيد بن المسيب نحوها، وأسانيدها ضعيفة.
قوله تعالى: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ...﴾ الآية، أخرج ابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث عن ابن عباس، قال: لما ذكر الله الزقّوم خوّف به هذا الحيَّ من قريش، قال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقُّوم الذي يخوفكم به محمدٌ؟ قالوا: لا، قال: الثريد بالزبد، أما لئن أمكننا منها لنزقمنّها زقمًا، فأنزل الله
(١) لباب النقول.
145
﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾، وأنزل ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٥٣ - ﴿وَقُلْ﴾ يا محمد ﴿لِعِبادِي﴾ المؤمنين إذا أردتم إتيان الحجّة على المخالفين، فأذكروها غير مخلوطة بالشتم والسب، فيقابلونهم بمثله، ولا يخاشنوهم بل ﴿يَقُولُوا﴾ لهم الكلمة ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ كأن يقولوا لهم: يهديكم الله، ولا يتخاشنوا معهم في الكلام، كأن يقولوا لهم: إنكم من أهل النار، فإنه يهيّجهم إلى الشر؛ أي: وقل لعبادي يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم مع خصومهم من المشركين وغيرهم الكلام الأحسن للإقناع، مع البعد عن الشّتم والسّبّ والأذى، ونظير الآية قوله: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ وقوله: ﴿وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ روي أنّ الآية نزلت في عمر بن الخطاب، ذلك أنّ رجلا شتمه، فسبّه عمر وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله الآية، ثمّ علّل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: يفسد ويلقي العداوة بينهم؛ أي: إنّ الشيطان يفسد بين المؤمنين والمشركين، ويهيّج الشرّ بينهم، فينتقل الحال من الكلام إلى الفعال، ويقع الشر والمخاصمة، ومن ثمّ نهى رسول الله - ﷺ - أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنّ الشّيطان ينزغ في يده، فربما أصابه بها، وفي الحقيقة: المعلل محذوف يعلم بطريق المفهوم، تقديره: ولا يقولوا غير الأحسن، وهو القول الخشن على النفوس، لأنّ الشيطان ينزغ بينهم.
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: «ولا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار» وروي أيضًا عن رجل من بني سليط قال: أتيت النبي - ﷺ - وهو في رفلةٍ - جماعة - من النّاس فسمعته يقول: «والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، التقوى هاهنا، ووضع يده على صدره» ثم بيّن سبب نزغ الشيطان
التفسير وأوجه القراءة
٥٣ - ﴿وَقُلْ﴾ يا محمد ﴿لِعِبادِي﴾ المؤمنين إذا أردتم إتيان الحجّة على المخالفين، فأذكروها غير مخلوطة بالشتم والسب، فيقابلونهم بمثله، ولا يخاشنوهم بل ﴿يَقُولُوا﴾ لهم الكلمة ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ كأن يقولوا لهم: يهديكم الله، ولا يتخاشنوا معهم في الكلام، كأن يقولوا لهم: إنكم من أهل النار، فإنه يهيّجهم إلى الشر؛ أي: وقل لعبادي يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم مع خصومهم من المشركين وغيرهم الكلام الأحسن للإقناع، مع البعد عن الشّتم والسّبّ والأذى، ونظير الآية قوله: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ وقوله: ﴿وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ روي أنّ الآية نزلت في عمر بن الخطاب، ذلك أنّ رجلا شتمه، فسبّه عمر وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله الآية، ثمّ علّل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: يفسد ويلقي العداوة بينهم؛ أي: إنّ الشيطان يفسد بين المؤمنين والمشركين، ويهيّج الشرّ بينهم، فينتقل الحال من الكلام إلى الفعال، ويقع الشر والمخاصمة، ومن ثمّ نهى رسول الله - ﷺ - أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنّ الشّيطان ينزغ في يده، فربما أصابه بها، وفي الحقيقة: المعلل محذوف يعلم بطريق المفهوم، تقديره: ولا يقولوا غير الأحسن، وهو القول الخشن على النفوس، لأنّ الشيطان ينزغ بينهم.
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: «ولا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار» وروي أيضًا عن رجل من بني سليط قال: أتيت النبي - ﷺ - وهو في رفلةٍ - جماعة - من النّاس فسمعته يقول: «والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، التقوى هاهنا، ووضع يده على صدره» ثم بيّن سبب نزغ الشيطان
للإنسان بقوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ﴾ في قديم الزمان ﴿لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾؛ أي: ظاهر العداوة؛ أي: إن بين الشيطان والإنسان عداوة قديمةً، مستحكمة لا يريد صلاحهم أصلًا، بل يريد هلاكهم، وقد أبان عداوته، إذ أخرج أباهم من الجنة، ونزع عنه لباس النور، كما قال تعالى حكايةً عن الشيطان: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾ وقال: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ﴾.
وقرأ طلحة (١): ﴿ينزغ﴾ بكسر الزاي. قال أبو حاتم: لعلها لغة، والقراءة بالفتح، وقال صاحب «اللوامع» هي لغة، وقال الزمخشري هما لغتان، نحو: ﴿يَعرِشون﴾، و ﴿يَعرِشون﴾
٥٤ - ثم فسر سبحانه التي هي أحسن بما علمهم النصفة - من الإنصاف - بقوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿أَعْلَمُ بِكُمْ﴾، أي: بعاقبتكم منَّا ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ سبحانه ﴿يَرْحَمْكُمْ﴾ بأن يوفّقكم للإيمان، والمعرفة إلى أن تموتوا فينجيكم من العذاب ﴿أَوْ إِنْ يَشَأْ﴾ سبحانه ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ بأن يميتكم على الكفر فيعذّبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم، فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل، لئلا تصيروا محرومين من السعادات الأبدية.
والمعنى: أي (٢) ربكم أيها القوم هو العليم بكم، إن يشأ رحمتكم بتوفيقكم للإيمان، والعمل الصالح.. يرحمكم، وإن يشأ يعذّبكم بأن يخذلكم عن الإيمان فتموتوا على شرككم، وفي هذا إيماء إلى أنّه لا ينبغي للمؤمنين أن يحتقروا المشركين، ولا أن يقطعوا بأنهم من أهل النار، ويعيّروهم بذلك، فإن العاقبة مجهولة، ولا يعلم الغيب إلا الله، إلى أنّ ذلك مما يجر إلى توليد الضغينة في النفوس، بلا فائدة، ولا داع يدعو إليها، وهذا تفسير (٣) للتي هي أحسن، وما بينهما اعتراض؛ أي: قولوا لهم: هذه الكلمة، وما يشاكلها، ولا تصرّحوا بأنهم من أهل النار، فإنه مما يهيّجهم على الشر، هذا ما ذهب إليه صاحب «الكشاف»
وقرأ طلحة (١): ﴿ينزغ﴾ بكسر الزاي. قال أبو حاتم: لعلها لغة، والقراءة بالفتح، وقال صاحب «اللوامع» هي لغة، وقال الزمخشري هما لغتان، نحو: ﴿يَعرِشون﴾، و ﴿يَعرِشون﴾
٥٤ - ثم فسر سبحانه التي هي أحسن بما علمهم النصفة - من الإنصاف - بقوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿أَعْلَمُ بِكُمْ﴾، أي: بعاقبتكم منَّا ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ سبحانه ﴿يَرْحَمْكُمْ﴾ بأن يوفّقكم للإيمان، والمعرفة إلى أن تموتوا فينجيكم من العذاب ﴿أَوْ إِنْ يَشَأْ﴾ سبحانه ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ بأن يميتكم على الكفر فيعذّبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم، فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل، لئلا تصيروا محرومين من السعادات الأبدية.
والمعنى: أي (٢) ربكم أيها القوم هو العليم بكم، إن يشأ رحمتكم بتوفيقكم للإيمان، والعمل الصالح.. يرحمكم، وإن يشأ يعذّبكم بأن يخذلكم عن الإيمان فتموتوا على شرككم، وفي هذا إيماء إلى أنّه لا ينبغي للمؤمنين أن يحتقروا المشركين، ولا أن يقطعوا بأنهم من أهل النار، ويعيّروهم بذلك، فإن العاقبة مجهولة، ولا يعلم الغيب إلا الله، إلى أنّ ذلك مما يجر إلى توليد الضغينة في النفوس، بلا فائدة، ولا داع يدعو إليها، وهذا تفسير (٣) للتي هي أحسن، وما بينهما اعتراض؛ أي: قولوا لهم: هذه الكلمة، وما يشاكلها، ولا تصرّحوا بأنهم من أهل النار، فإنه مما يهيّجهم على الشر، هذا ما ذهب إليه صاحب «الكشاف»
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
وتبعه البيضاوي، وأبو السعود، وقال الجمهور: المراد بالتي هي أحسن: المحاورة الحسنة بحسب المعنى، والرحمة الإنجاء من كفار مكة، وأذاهم، والتعذيب تسليطهم عليهم، فيكون الخطاب في ربكم للمؤمنين.
ثم وجّه خطابه إلى أعظم الخلق ليكون من دونه أسوة له فقال: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ﴾ يا محمد رقيبا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ حفيظًا لأعمالهم ﴿وَكِيلًا﴾ عليهم؛ أي موكولًا إليك أمورهم، ومفوّضًا إليك شؤونهم تجبرهم على الإيمان؛ أي: وما أرسلناك أيها الرسول حفيظا ورقيبا تقسر الناس على ما يرضي الله، وإنما أرسلناك بشيرًا ونذيرًا، فدارهم ولا تغلظ عليهم، ومر أصحابك بذلك، فإن ذلك هو الذي يؤثّر في القلوب، ويستهوي الأفئدة،
٥٥ - ثم انتقلَ من علمه تعالى بهم إلى علمه بجميع خلقه، فقال: ﴿وَرَبُّكَ﴾ يا محمد ﴿أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: بأحوالهم الظاهرة والباطنة، فيختار منهم لنبوته والفقه في دينه، من يراه أهلا لذلك، ويفضل بعضهم على بعض لإحاطة علمه، وواسع قدرته، ونحو الآية قوله: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ وهذا أعم من قوله: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ لأنّ هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذلك خاص ببني آدم أو ببعضهم.
وفي هذا: ردٌّ عليهم حين قالوا: يبعد كل البعد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا، وأن يكون أولئك الجوع العراة كصهيب، وبلال، وخباب، وغيرهم أصحابه دون الأكابر، والصناديد من قريش، ولا يجوز (١) إطلاق لفظ يتيمٍ على النبي - ﷺ -، لإشعاره بالتحقير حتى أفتى بعض المالكية بقتل قائله كما في «الشِّفاء» وفي ذكر (٢) من في السموات ردّ لقولهم: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ﴾ وفي ذكر من في الأرض ردّ لقولهم: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾؛ أي: من إحدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومي، وعروة بن مسعود الثقفي، وقيل غيرهما.
ثم وجّه خطابه إلى أعظم الخلق ليكون من دونه أسوة له فقال: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ﴾ يا محمد رقيبا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ حفيظًا لأعمالهم ﴿وَكِيلًا﴾ عليهم؛ أي موكولًا إليك أمورهم، ومفوّضًا إليك شؤونهم تجبرهم على الإيمان؛ أي: وما أرسلناك أيها الرسول حفيظا ورقيبا تقسر الناس على ما يرضي الله، وإنما أرسلناك بشيرًا ونذيرًا، فدارهم ولا تغلظ عليهم، ومر أصحابك بذلك، فإن ذلك هو الذي يؤثّر في القلوب، ويستهوي الأفئدة،
٥٥ - ثم انتقلَ من علمه تعالى بهم إلى علمه بجميع خلقه، فقال: ﴿وَرَبُّكَ﴾ يا محمد ﴿أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: بأحوالهم الظاهرة والباطنة، فيختار منهم لنبوته والفقه في دينه، من يراه أهلا لذلك، ويفضل بعضهم على بعض لإحاطة علمه، وواسع قدرته، ونحو الآية قوله: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ وهذا أعم من قوله: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ لأنّ هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذلك خاص ببني آدم أو ببعضهم.
وفي هذا: ردٌّ عليهم حين قالوا: يبعد كل البعد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا، وأن يكون أولئك الجوع العراة كصهيب، وبلال، وخباب، وغيرهم أصحابه دون الأكابر، والصناديد من قريش، ولا يجوز (١) إطلاق لفظ يتيمٍ على النبي - ﷺ -، لإشعاره بالتحقير حتى أفتى بعض المالكية بقتل قائله كما في «الشِّفاء» وفي ذكر (٢) من في السموات ردّ لقولهم: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ﴾ وفي ذكر من في الأرض ردّ لقولهم: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾؛ أي: من إحدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومي، وعروة بن مسعود الثقفي، وقيل غيرهما.
(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
148
وهذا كالتوطئة لقوله: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ﴾؛ أي: وعزتي، وجلالي لقد فضلنا ورفعنا بعض النبيين والمرسلين على بعض آخر منهم، بما لهم من الفضائل النفسية، والمزايا القدسيّة، وإنزال الكتب السماويّة، فخصصنا كلّا منهم بفضيلة ومزية، ففضلنا إبراهيم باتخاذه خليلًا، وموسى بالتكليم، ومحمدًا - ﷺ - بالقرآن الذي أعجز البشر، والإسراء والمعراج؛ أي: إن (١) هذا التّفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة، وبمن دونه، وبمن يستحق مزيد الخصوصية، بتكثير فضائله، وفواضله، ونحو الآية قوله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾، ولا خلاف في أنّ أولي العزم منهم، وهم الخمسة المذكورون في سورة الشورى في قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ أفضل من بقيتهم، ولا خلاف في أن محمدًا - ﷺ - أفضلهم، ثمّ إبراهيم، فموسى، فعيسى عليهم السلام، ثمّ ذكر ما فضّل به داود، فقال: ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾؛ أي: كتابًا مزبورًا؛ أي: إن تفضيل داود لم يكن بالملك، بل كان بما آتاه الله من الكتاب، وأفرده بالذكر، لأنه ذكر في الزبور فضل محمد، وأنه خاتم النبيين، وأمته خير الأمم، وكون الأرض يرثها عباد الله الصالحون، وهم محمد - ﷺ - وأمته كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)﴾. قال الزجاج؛ أي: فلا تنكروا تفضيل محمد - ﷺ - وإعطاءه القرآن، فقد أعطى الله داود زبورًا. اهـ.
وفي هذا (٢): رد لقول اليهود: لا نبيّ بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة، فإذا أعطى الله موسى التوراة، فلا يبعد أن يعطي داود زبورًا، وعيسى الإنجيل، ومحمدًا القرآن، ولا يبعد أن يفضل محمدًا - ﷺ - على جميع الخلق، فكيف تنكر اليهود ذلك وكفّار قريش فضل محمد، وإعطاءه القرآن.
والزبور (٣) كتاب أنزل على داود يشتمل على مئة وخمسين سورةً، أطولها
وفي هذا (٢): رد لقول اليهود: لا نبيّ بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة، فإذا أعطى الله موسى التوراة، فلا يبعد أن يعطي داود زبورًا، وعيسى الإنجيل، ومحمدًا القرآن، ولا يبعد أن يفضل محمدًا - ﷺ - على جميع الخلق، فكيف تنكر اليهود ذلك وكفّار قريش فضل محمد، وإعطاءه القرآن.
والزبور (٣) كتاب أنزل على داود يشتمل على مئة وخمسين سورةً، أطولها
(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
(٢) المراح.
(٣) الفتوحات.
149
قدر ربع من القرآن، وأقصرها قدر سورة ﴿إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ وكلها دعاء لله، وتحميد وتمجيد وتسبيح، ليس فيها حلالٌ ولا حرامٌ، ولا فرائضٌ ولا حدودٌ، ولا أحكامٌ، وقرأ حمزة ﴿زبورًا﴾ بضم الزاي. ذكره البيضاوي.
ونكّر زبورا هنا (١)، وعرفه في الأنبياء حيث قال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ﴾ لأنهما واحد كعباس والعباس، وفي قوله: ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ إشارة إلى أن فضل النبي - ﷺ - على داود، بقدر فضل القرآن على الزبور.
٥٦ - ﴿قُلِ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين والكفار قاطبة ﴿ادْعُوا﴾ عند حلول الشدائد بكم الأشخاص ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أنهم آلهة ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى، وعبدتموهم متجاوزين الله تعالى كعيسى، ومريم، وعزير وطائفة من الملائكة، وطائفة من الجن، وذلك أن (٢) الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف، فاستغاثوا بالنبي - ﷺ - ليدعو لهم فأنزل الله عز وجل ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أنهم آلهة مِنْ دُونِهِ وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله: ﴿يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ فإنّ هذا لا يليق بالجمادات ﴿فَلا يَمْلِكُونَ﴾؛ أي: فلا يملك أولئك المعبودون، ولا يستطيعون ﴿كَشْفَ الضُّرِّ﴾ النازل بكم، وإزالته ﴿عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا﴾ له، ونقله إلى غيركم، أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر، والمعبود الحقّ هو الذي يقدر على كشف الضر، وعلى تحويله من حالٍ إلى حال، ومن مكان إلى مكان، فوجب القطع بأنّ هذه التي تزعمونها آلهةً ليست بآلهة.
والمعنى (٣): أي قل - يا محمد - لمشركي قومك الذين يعبدون من دون الله من خلقه، ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم أربابٌ وآلهةٌ من دونه، حين ينزل الضر بكم من فقر ومرض ونحوهما، وانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم؟ أو تحويله عنكم إلى غيركم، إنهم لا يقدرون على دفع شيءٍ من ذلك، ولا يملكونه، وإنما يملكه ويقدر عليه خالقكم وخالقهم.
ونكّر زبورا هنا (١)، وعرفه في الأنبياء حيث قال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ﴾ لأنهما واحد كعباس والعباس، وفي قوله: ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ إشارة إلى أن فضل النبي - ﷺ - على داود، بقدر فضل القرآن على الزبور.
٥٦ - ﴿قُلِ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين والكفار قاطبة ﴿ادْعُوا﴾ عند حلول الشدائد بكم الأشخاص ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أنهم آلهة ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى، وعبدتموهم متجاوزين الله تعالى كعيسى، ومريم، وعزير وطائفة من الملائكة، وطائفة من الجن، وذلك أن (٢) الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف، فاستغاثوا بالنبي - ﷺ - ليدعو لهم فأنزل الله عز وجل ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أنهم آلهة مِنْ دُونِهِ وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله: ﴿يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ فإنّ هذا لا يليق بالجمادات ﴿فَلا يَمْلِكُونَ﴾؛ أي: فلا يملك أولئك المعبودون، ولا يستطيعون ﴿كَشْفَ الضُّرِّ﴾ النازل بكم، وإزالته ﴿عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا﴾ له، ونقله إلى غيركم، أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر، والمعبود الحقّ هو الذي يقدر على كشف الضر، وعلى تحويله من حالٍ إلى حال، ومن مكان إلى مكان، فوجب القطع بأنّ هذه التي تزعمونها آلهةً ليست بآلهة.
والمعنى (٣): أي قل - يا محمد - لمشركي قومك الذين يعبدون من دون الله من خلقه، ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم أربابٌ وآلهةٌ من دونه، حين ينزل الضر بكم من فقر ومرض ونحوهما، وانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم؟ أو تحويله عنكم إلى غيركم، إنهم لا يقدرون على دفع شيءٍ من ذلك، ولا يملكونه، وإنما يملكه ويقدر عليه خالقكم وخالقهم.
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
٥٧ - ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضار، فقال: ﴿أُولئِكَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ صفته، وضمير الصلة محذوف؛ أي: يدعونهم وخبر المبتدأ ﴿يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾، والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة؛ أي (١): أولئك الآلهة الذين يدعوهم المشركون من المذكورين، أعني: عيسى، ومريم وعزيرًا، يبتغون؛ أي: يطلبون لأنفسهم الوسيلة إلى ربهم؛ أي: القرب إلى ربهم بالطاعة والعبادة، و ﴿أي﴾: في قوله تعالى: ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ موصولة بدل من (واو) ﴿يَبْتَغُونَ﴾؛ أي: يبتغي الذي هو أقرب منهم إلى الله القرب إليه بالعبادة، والطاعة، فكيف بمن دونه من غير الأقرب، قال في «الكواشي»: أو ﴿أَيُّهُمْ﴾ استفهام مبتدأ خبره أقرب، والجملة معمول لمحذوف، والتقدير: يبتغون ويطلبون القرب إليه تعالى، لينظروا أيّ المعبودين أقرب إليه تعالى، فيتوسلوا به، والمعنى؛ أي (٢): هؤلاء الذين يدعوهم المشركون أربابا، وينادونهم لكشف الضر عنهم، يطلبون مجتهدين إلى ربهم، ومالك أمرهم القرب إليه بالطاعة والعبادة، ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾؛ أي: إن أقرب أولئك المعبودين إلى الله يدعوه ويبتغي إليه الوسيلة، والقرب منه، وإذا كان العجز عن كشف الضر عنكم، والافتقار إلى ربكم شأن أعلاهم، وأدناهم.. فكيف تعبدونهم.
والخلاصة: آلهتهم أيضًا يطلبون القرب إليه تعالى ﴿وَيَرْجُونَ﴾ بفعلهم الطاعة، ﴿رَحْمَتَهُ﴾ تعالى ﴿وَيَخافُونَ﴾ بمخالفة أمره ﴿عَذابَهُ﴾ تعالى كدأب سائر العباد، فأين هم من كشف الضر؟ فضلا عن الإلهية، ثمّ ذكر العلّة في خوفهم من العذاب، فقال: ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿كانَ مَحْذُورًا﴾؛ أي: حقيقًا بأن يحذره كلّ أحد حتى الرسل والملائكة، فضلًا عن غيرهما، وإن لم يحذره العصاة لكمال غفلتهم بل يتعرضون له، وتخصيصه بالتعليل لما أنّ المقام مقام التحذير من العذاب، فعلى العاقل أن يترك الاعتذار، ويحذر من بطش القهار.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَدْعُونَ﴾ بياء الغيبة، وابن مسعود، وقتادة بتاء
والخلاصة: آلهتهم أيضًا يطلبون القرب إليه تعالى ﴿وَيَرْجُونَ﴾ بفعلهم الطاعة، ﴿رَحْمَتَهُ﴾ تعالى ﴿وَيَخافُونَ﴾ بمخالفة أمره ﴿عَذابَهُ﴾ تعالى كدأب سائر العباد، فأين هم من كشف الضر؟ فضلا عن الإلهية، ثمّ ذكر العلّة في خوفهم من العذاب، فقال: ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿كانَ مَحْذُورًا﴾؛ أي: حقيقًا بأن يحذره كلّ أحد حتى الرسل والملائكة، فضلًا عن غيرهما، وإن لم يحذره العصاة لكمال غفلتهم بل يتعرضون له، وتخصيصه بالتعليل لما أنّ المقام مقام التحذير من العذاب، فعلى العاقل أن يترك الاعتذار، ويحذر من بطش القهار.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَدْعُونَ﴾ بياء الغيبة، وابن مسعود، وقتادة بتاء
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
الخطاب، وزيدُ بن علي بياء الغيبة مبنيًا للمفعول، وقرأ الجمهور ﴿إِلى رَبِّهِمُ﴾ بضمير الجمع الغائب، وقرأ ابن مسعود ﴿إلى ربك﴾ بالكاف خطابًا للرسول - ﷺ -.
٥٨ - ثم ذكر مآل الدنيا وأهلها، فقال: ﴿وَإِنْ﴾ نافية ﴿مِنْ﴾ استغراقية ﴿قَرْيَةٍ﴾ قال أبو السعود: المراد بها القرية الكافرة؛ أي: ما من قرية من قرى الكفّار ﴿إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها﴾؛ أي: مخربوها البتة بالخسف بها، أو بإهلاك أهلها بالكلية حين ارتكبوا من عظائم المعاصي الموجبة لذلك ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾؛ لأن (١) الهلاك يومئذ غير مختص بالقرى الكافرة، ولا هو بطريق العقوبة، وإنما هو لانقضاء عمر الدنيا. ﴿أَوْ مُعَذِّبُوها﴾؛ أي: معذبوا أهلها على الإسناد المجازي ﴿عَذابًا شَدِيدًا﴾ بالقتل والقحط، والزلازل، ونحوها من البلايا الدنيوية، والعقوبات الأخروية؛ لأن التعذيب مطلق عمّا قُيِّد به الإهلاك من قبلية يوم القيامة، وكثير من القرى العاصية قد أخرت عقوباتها إلى يوم القيامة، هذا ما ذهب إليه أبو السعود، ولا يخفى أن هذا التعميم لا يناسب سوق الآية، وقيد القبلية معتبرٌ في الشق الثاني أيضًا، وهو لا ينافي العذاب الشديد الواقع بعد يوم القيامة، فالوجه: حمل الإهلاك على الاستئصال، والتعذيب: على أنواع البلية التي هي أشد من الموت.
والمعنى (٢): أي وما من قرية من القرى التي ظلم أهلها بالكفر والمعاصي إلا نحن مهلكو أهلها بالفناء، ومبيدوهم بالاستئصال قبل يوم القيامة، أو معذبوها ببلاء من قتل بالسيف أو غير ذلك من صنوف العذاب بسبب ذنوبهم، وخطاياهم، كما قال سبحانه عن الأمم الماضية: ﴿وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وقال: ﴿فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْرًا (٩)﴾، وقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ﴾ الآية، ﴿كَانَ ذلِكَ﴾ المذكور من الإهلاك والتعذيب ﴿فِي الْكِتابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ، أو في علم الله ﴿مَسْطُورًا﴾؛ أي: مثبتًا، أو مكتوبًا لم يغادر منه شيء إلا بيّن فيه كيفياته وأسبابه الموجبة له، ووقته المضروب له.
٥٨ - ثم ذكر مآل الدنيا وأهلها، فقال: ﴿وَإِنْ﴾ نافية ﴿مِنْ﴾ استغراقية ﴿قَرْيَةٍ﴾ قال أبو السعود: المراد بها القرية الكافرة؛ أي: ما من قرية من قرى الكفّار ﴿إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها﴾؛ أي: مخربوها البتة بالخسف بها، أو بإهلاك أهلها بالكلية حين ارتكبوا من عظائم المعاصي الموجبة لذلك ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾؛ لأن (١) الهلاك يومئذ غير مختص بالقرى الكافرة، ولا هو بطريق العقوبة، وإنما هو لانقضاء عمر الدنيا. ﴿أَوْ مُعَذِّبُوها﴾؛ أي: معذبوا أهلها على الإسناد المجازي ﴿عَذابًا شَدِيدًا﴾ بالقتل والقحط، والزلازل، ونحوها من البلايا الدنيوية، والعقوبات الأخروية؛ لأن التعذيب مطلق عمّا قُيِّد به الإهلاك من قبلية يوم القيامة، وكثير من القرى العاصية قد أخرت عقوباتها إلى يوم القيامة، هذا ما ذهب إليه أبو السعود، ولا يخفى أن هذا التعميم لا يناسب سوق الآية، وقيد القبلية معتبرٌ في الشق الثاني أيضًا، وهو لا ينافي العذاب الشديد الواقع بعد يوم القيامة، فالوجه: حمل الإهلاك على الاستئصال، والتعذيب: على أنواع البلية التي هي أشد من الموت.
والمعنى (٢): أي وما من قرية من القرى التي ظلم أهلها بالكفر والمعاصي إلا نحن مهلكو أهلها بالفناء، ومبيدوهم بالاستئصال قبل يوم القيامة، أو معذبوها ببلاء من قتل بالسيف أو غير ذلك من صنوف العذاب بسبب ذنوبهم، وخطاياهم، كما قال سبحانه عن الأمم الماضية: ﴿وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وقال: ﴿فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْرًا (٩)﴾، وقال: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ﴾ الآية، ﴿كَانَ ذلِكَ﴾ المذكور من الإهلاك والتعذيب ﴿فِي الْكِتابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ، أو في علم الله ﴿مَسْطُورًا﴾؛ أي: مثبتًا، أو مكتوبًا لم يغادر منه شيء إلا بيّن فيه كيفياته وأسبابه الموجبة له، ووقته المضروب له.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «إنّ أوّل ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب؛ فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب المقدّر، وما هو كائن إلى يوم القيامة».
٥٩ - وكان كفار قريش يقولون: يا محمد إنّك تزعم أنه كان قبلك أنبياء منهم من سُخِّرت له الريح، ومنهم من كان يحي الموتى، فإن سرّك أن نؤمن بك، ونصدّقك.. فادع ربَّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبا، فأجاب الله عن هذه الشّبهة بقوله: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ﴾ ﴿الباء﴾ زائدة، وأن المصدرية في محل النصب بـ ﴿مَنَعَنا﴾ على كونه مفعولا ثانيا له؛ أي: وما (١) صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحتها قريش من إحياء الموتى، وقلب الصّفا ذهبا، ورفع جبال مكة لتنبسط الأرض، وتصلح للزراعة، وإجراء الأنهار لتحصل الحدائق ونحو ذلك، و ﴿أن﴾ في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ في محل رفع على المفعولية والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: وما منعنا عن إرسالها شيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين، الذين هم أمثالهم في الطبع، كعاد، وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنّتنا، وقد قضينا أن لا نستأصلهم؛ لأن فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن، ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة، فقال: ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ معطوف على معلوم من السياق كأنه (٢) قيل: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون، حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرة، فكذبوها، وآتينا ثمود الناقة حالة كونها ﴿مُبْصِرَةً﴾ بكسر الصاد؛ أي: مبيّنة مظهرة لنبوة صالح ﴿فَظَلَمُوا﴾ أنفسهم بتكذيبهم. ﴿بِهَا﴾ وأقبلوا أنفسهم للهلاك بعقرها؛ أي: لم يكتفوا بمجرد الكفر بها، بل فعلوا بها ما فعلوا من العقر، وظلموا أنفسهم، وعرضوها للهلاك بسبب عقرها، ولعلّ تخصيصها بالذكر، لأنّ آثار ديارهم الهالكة باقية في ديار العرب، قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم، ومعنى الآية؛ أي (٣): إنّه تعالى لو
٥٩ - وكان كفار قريش يقولون: يا محمد إنّك تزعم أنه كان قبلك أنبياء منهم من سُخِّرت له الريح، ومنهم من كان يحي الموتى، فإن سرّك أن نؤمن بك، ونصدّقك.. فادع ربَّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبا، فأجاب الله عن هذه الشّبهة بقوله: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ﴾ ﴿الباء﴾ زائدة، وأن المصدرية في محل النصب بـ ﴿مَنَعَنا﴾ على كونه مفعولا ثانيا له؛ أي: وما (١) صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحتها قريش من إحياء الموتى، وقلب الصّفا ذهبا، ورفع جبال مكة لتنبسط الأرض، وتصلح للزراعة، وإجراء الأنهار لتحصل الحدائق ونحو ذلك، و ﴿أن﴾ في قوله: ﴿إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ في محل رفع على المفعولية والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: وما منعنا عن إرسالها شيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين، الذين هم أمثالهم في الطبع، كعاد، وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنّتنا، وقد قضينا أن لا نستأصلهم؛ لأن فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن، ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة، فقال: ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ معطوف على معلوم من السياق كأنه (٢) قيل: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون، حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرة، فكذبوها، وآتينا ثمود الناقة حالة كونها ﴿مُبْصِرَةً﴾ بكسر الصاد؛ أي: مبيّنة مظهرة لنبوة صالح ﴿فَظَلَمُوا﴾ أنفسهم بتكذيبهم. ﴿بِهَا﴾ وأقبلوا أنفسهم للهلاك بعقرها؛ أي: لم يكتفوا بمجرد الكفر بها، بل فعلوا بها ما فعلوا من العقر، وظلموا أنفسهم، وعرضوها للهلاك بسبب عقرها، ولعلّ تخصيصها بالذكر، لأنّ آثار ديارهم الهالكة باقية في ديار العرب، قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم، ومعنى الآية؛ أي (٣): إنّه تعالى لو
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
153
أظهر تلك المعجزات القاهرة، ثمَّ لم يؤمنوا بها بل بقوا مصرين على كفرهم.. لاستحقوا عذاب الاستئصال كما هي سنتنا في الأمم السّالفة، لكن هذا العذاب على هذه الأمة لا يكون لأن الله علم أن فيهم من سيؤمنون، أو يؤمن أولادهم، فلم يجبهم إلى ما طلبوا، ولم يظهر لهم تلك المعجزات.
والخلاصة: أنه ما منعنا من إرسال الآية التي سألوها إلا تكذيب الأولين بمثلها، فإن أرسلناها، وكذّب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله في عباده.
وأخرج البيهقي في «الدلائل» عن الربيع بن أنس قال: قال الناس لرسول الله - ﷺ -: لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون؟ فقال رسول الله - ﷺ -: «إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم» فقالوا: لا نريدها.
ثمّ بيّن: أنَّ الآيات التي التمسوها هي مثل آية ثمود، وقد أوتوها واضحة بينة فكفروا بها، فاستحقّوا العذاب، فكيف يتمنّى مثلها هؤلاء على سبيل الاقتراح، كما قال: ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها﴾ وهذا معطوف على محذوف كما سبق آنفا؛ أي: وقد سألت ثمود من قبل قومك الآيات، فآتيناها ما سألت، وجعلنا لها الناقة حجة واضحة، دالّةً على وحدانية من خلقها، وصدق رسوله الذي أجيب دعاؤه فيها، فكفروا بها، ومنعوها شربها وقتلوها، فأبادهم الله تعالى، وانتقم منهم، وأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر.
وقرأ الجمهور (١): ﴿ثَمُودَ﴾ ممنوع الصرف، وقال هارون: أهل الكوفة ينوّنون ثمود في كل وجه، وقال أبو حاتم: لا تنوّن العامّة والعلماء بالقرآن ثمود في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة، ونحن نقرؤها بغير ألف انتهى. وانتصب مبصرةً على الحال، وهي قراءة الجمهور، وقرأ زيد بن عليّ ﴿مبصرةٌ﴾ بالرفع على إضمار مبتدأ؛ أي: هي مبصرةٌ، وأضاف الإبصار إليها على سبيل المجاز، لما كانت يبصرها الناس، والتقدير: آيةٌ مبصرةٌ، وقرأ قوم
والخلاصة: أنه ما منعنا من إرسال الآية التي سألوها إلا تكذيب الأولين بمثلها، فإن أرسلناها، وكذّب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله في عباده.
وأخرج البيهقي في «الدلائل» عن الربيع بن أنس قال: قال الناس لرسول الله - ﷺ -: لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون؟ فقال رسول الله - ﷺ -: «إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم» فقالوا: لا نريدها.
ثمّ بيّن: أنَّ الآيات التي التمسوها هي مثل آية ثمود، وقد أوتوها واضحة بينة فكفروا بها، فاستحقّوا العذاب، فكيف يتمنّى مثلها هؤلاء على سبيل الاقتراح، كما قال: ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها﴾ وهذا معطوف على محذوف كما سبق آنفا؛ أي: وقد سألت ثمود من قبل قومك الآيات، فآتيناها ما سألت، وجعلنا لها الناقة حجة واضحة، دالّةً على وحدانية من خلقها، وصدق رسوله الذي أجيب دعاؤه فيها، فكفروا بها، ومنعوها شربها وقتلوها، فأبادهم الله تعالى، وانتقم منهم، وأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر.
وقرأ الجمهور (١): ﴿ثَمُودَ﴾ ممنوع الصرف، وقال هارون: أهل الكوفة ينوّنون ثمود في كل وجه، وقال أبو حاتم: لا تنوّن العامّة والعلماء بالقرآن ثمود في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة، ونحن نقرؤها بغير ألف انتهى. وانتصب مبصرةً على الحال، وهي قراءة الجمهور، وقرأ زيد بن عليّ ﴿مبصرةٌ﴾ بالرفع على إضمار مبتدأ؛ أي: هي مبصرةٌ، وأضاف الإبصار إليها على سبيل المجاز، لما كانت يبصرها الناس، والتقدير: آيةٌ مبصرةٌ، وقرأ قوم
(١) البحر المحيط.
154
بفتح الصاد، اسم مفعول؛ أي: يبصرها الناس، ويشاهدونها، وقرأ قتادة: بفتح الميم والصاد، مفعلة من البصر؛ أي: محل إبصار، أجراها مجرى صفات الأمكنة، نحو: أرض مسبعة، ومكان مضبّة.
﴿وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ﴾ المقترحة ﴿إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ من نزول العذاب المستأصل على المقترحين، فإن لم يخافوا ذلك، نزل أو بغير المقترحة، كالمعجزات، وآثار القرآن، إلّا تخويفًا بعذاب الآخرة، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة كرامة لك. أو المعنى؛ أي: إنّ الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من الآيات، لعلهم يعتبرون ويذكرون، فيرجعوا.
ذكر المؤرخون أنّ الكوفة رجفت - زلزلت - في عهد ابن مسعود، فقال: أيها النّاس إنّ ربّكم يستعتبكم فأعتبوه، وروي أنّ المدينة زلزلت في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرات، فقال عمر: أحدثتم والله، لئن عادت لأفعلنّ ولأفعلنّ، وفي الحديث الصحيح: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ثم قال: «يا أمّة محمد، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمّته» يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم.. لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرًا»،
٦٠ - ثم قال سبحانه محرّضًا رسوله على إبلاغ رسالته، ومخبرًا له بأنه قد عصمه من الناس. ﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ﴾ أي: واذكر يا محمد إذ أوحينا إليك ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ﴾ أي: علمًا وقدرةً فهم في قبضته فامض لأمرك، ولا تخف أحدًا؛ أي: واذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربك هو القادر على عباده، وهم في قبضته، وتحت قهره، وغلبته، فلا يقدرون على أمر إلا بقضائه، وقدره، وقد عصمك من أعدائك، فلا يقدرون على إيصال الأذى إليك كما قال ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
وخلاصة ذلك: أن الله ناصرك ومؤيدك حتى تبلّغ رسالته وتظهر دينه قال الحسن: حال بينهم وبين أن يقتلوه، ويؤيّد هذا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)﴾.
﴿وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ﴾ المقترحة ﴿إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ من نزول العذاب المستأصل على المقترحين، فإن لم يخافوا ذلك، نزل أو بغير المقترحة، كالمعجزات، وآثار القرآن، إلّا تخويفًا بعذاب الآخرة، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة كرامة لك. أو المعنى؛ أي: إنّ الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من الآيات، لعلهم يعتبرون ويذكرون، فيرجعوا.
ذكر المؤرخون أنّ الكوفة رجفت - زلزلت - في عهد ابن مسعود، فقال: أيها النّاس إنّ ربّكم يستعتبكم فأعتبوه، وروي أنّ المدينة زلزلت في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرات، فقال عمر: أحدثتم والله، لئن عادت لأفعلنّ ولأفعلنّ، وفي الحديث الصحيح: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ثم قال: «يا أمّة محمد، والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمّته» يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم.. لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرًا»،
٦٠ - ثم قال سبحانه محرّضًا رسوله على إبلاغ رسالته، ومخبرًا له بأنه قد عصمه من الناس. ﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ﴾ أي: واذكر يا محمد إذ أوحينا إليك ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ﴾ أي: علمًا وقدرةً فهم في قبضته فامض لأمرك، ولا تخف أحدًا؛ أي: واذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربك هو القادر على عباده، وهم في قبضته، وتحت قهره، وغلبته، فلا يقدرون على أمر إلا بقضائه، وقدره، وقد عصمك من أعدائك، فلا يقدرون على إيصال الأذى إليك كما قال ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
وخلاصة ذلك: أن الله ناصرك ومؤيدك حتى تبلّغ رسالته وتظهر دينه قال الحسن: حال بينهم وبين أن يقتلوه، ويؤيّد هذا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)﴾.
155
﴿وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ﴾؛ أي: أريتها ليلة الإسراء ﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ أي إلّا امتحانًا، واختبارًا للناس، فأنكرها قوم وكذبوا بها، وكفر كثير ممن كان قد آمن به، وازداد المخلصون إيمانًا، والمراد بالرؤيا: ما عاينه عليه السلام ليلة المعراج من عجائب الأرض والسماء، والتعبير عن ذلك بالرؤيا: إمّا لأنه لا فرق بينه وبين الرؤيا كما في «الكواشي» الرؤيا تكون نومًا ويقظةً كالرؤية، أو لأنها وقعت بالليل، وتقضت بالسرعة، كأنها منامٌ، أو لأن الكفرة قالوا: لعلّها رؤيا، فتسميتها رؤيا على قول المكذبين، قال في «الحواشي السعدية»: قد يقال: تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاستعارة لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات. انتهى.
وقوله: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ معطوف على الرؤيا، والمراد بلعنها فيه: لعن طاعمها على الإسناد المجازي، أو إبعادها عن الرحمة، فإنّ تلك الشجرة التي هي الزقوم، تنبت في أصل الجحيم، في أبعد مكان من الرحمة؛ أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة؛ أي: الملعون آكلها المذكورة في القرآن، أو المذمومة، أو المؤذية؛ لأن العرب تقول لكل طعام ضار ملعون، إلا فتنة واختبارا للنّاس، فإنهم حين سمعوا ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾ اختلفوا: فقوم ازدادوا إيمانًا، وقوم ازدادوا كفرًا، كأبي جهل إذ قال: إنّ ابن أبي كبشة - يعني النبيّ - ﷺ - توعّدكم بنار تحرق الحجارة، ثمّ يزعم أنها تنبت شجرة، وتعلمون أنّ النار تحرق الشجر ولقد ضلوا في ذلك ضلالًا بعيدًا، حيث كابروا قضيّة عقولهم، فإنهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا يضرّها، ويشاهدون المناديل المتّخذة من وبر السمندل تلقى في النار، ولا تؤثر فيها، والسمندل: هي دويبة في بلاد الترك، يتخذ من وبره مناديل، فإذا اتسخت طرحت في النار، فيذهب وسخها، وتبقى هي سالمة لا تعمل فيها النّار، قال في «الكشاف»: وقد فات هؤلاء أنّ في الدنيا أشياء كثيرةٌ لا تحرقها النار.
والخلاصة: أنّ هؤلاء المشركين فتنوا بالرؤيا، وفتنوا بالشجرة ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾؛ أي: ونخوف كفّار مكّة بمخاوف الدنيا، والآخرة ﴿فَما يَزِيدُهُمْ﴾ التخويف {إِلَّا
وقوله: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ معطوف على الرؤيا، والمراد بلعنها فيه: لعن طاعمها على الإسناد المجازي، أو إبعادها عن الرحمة، فإنّ تلك الشجرة التي هي الزقوم، تنبت في أصل الجحيم، في أبعد مكان من الرحمة؛ أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة؛ أي: الملعون آكلها المذكورة في القرآن، أو المذمومة، أو المؤذية؛ لأن العرب تقول لكل طعام ضار ملعون، إلا فتنة واختبارا للنّاس، فإنهم حين سمعوا ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾ اختلفوا: فقوم ازدادوا إيمانًا، وقوم ازدادوا كفرًا، كأبي جهل إذ قال: إنّ ابن أبي كبشة - يعني النبيّ - ﷺ - توعّدكم بنار تحرق الحجارة، ثمّ يزعم أنها تنبت شجرة، وتعلمون أنّ النار تحرق الشجر ولقد ضلوا في ذلك ضلالًا بعيدًا، حيث كابروا قضيّة عقولهم، فإنهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا يضرّها، ويشاهدون المناديل المتّخذة من وبر السمندل تلقى في النار، ولا تؤثر فيها، والسمندل: هي دويبة في بلاد الترك، يتخذ من وبره مناديل، فإذا اتسخت طرحت في النار، فيذهب وسخها، وتبقى هي سالمة لا تعمل فيها النّار، قال في «الكشاف»: وقد فات هؤلاء أنّ في الدنيا أشياء كثيرةٌ لا تحرقها النار.
والخلاصة: أنّ هؤلاء المشركين فتنوا بالرؤيا، وفتنوا بالشجرة ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾؛ أي: ونخوف كفّار مكّة بمخاوف الدنيا، والآخرة ﴿فَما يَزِيدُهُمْ﴾ التخويف {إِلَّا
156
طُغْيانًا كَبِيرًا} وعتوًا متجاوزًا الحدّ؛ أي: إلا تماديًا في الطغيان والضلال، فلو أننا أنزلنا عليهم الآيات التي اقترحوها.. لم يزدادوا بها إلّا تمرّدًا، وعنادًا، واستكبارًا في الأرض، وفعل بهم ما فعل بأمثالهم من الأمم الغابرة، من عذاب الاستئصال، لكن قد سبقت كلمتنا بتأخير العذاب عنهم، إلى حلول الطامة الكبرى، والكلام مسوق لتسليته - ﷺ - على ما عسى أن يعتريه من عدم الإجابة، إلى إنزال الآيات المقترحة، لمخالفتها للحكمة من الحزن، لطعن الكفار، إذ ربّما يقولون: لو كنت رسولًا حقًا.. لأتيت بمثل هذه المعجزات التي أتى بها من قبلك من الأنبياء والمرسلين.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ عطفًا على الرؤيا، فهي مندرجة في الحصر؛ أي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك، والشّجرة الملعونة في القرآن إلّا فتنة للناس، وقرأ زيد بن علي برفع ﴿وَالشَّحَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ على الإبتداء، والخبر محذوف تقديره: كذلك؛ أي: فتنة وقرأ الأعمش ﴿ويُخَوّفُهم﴾ بياء الغيبة، والجمهور بنون العظمة.
٦١ - وذكر سبحانه وتعالى قَصَصَ آدم مع إبليس في سبع سور: البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف طه، ص، وقد تقدم الكلام فيها فيما سلف من تلك السور، وها نحن نفسرها في هذه السورة ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد لقومك قصّة ﴿إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ﴾، أي: قصّة وقت قولنا للملائكة ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ تحيّة، وتكريمًا لما له من الفضائل المستوجبة لذلك.
وفي الحقيقة (٢): كانت السجدة للحق تعالى، وكان آدم بمثابة الكعبة قبلةً للسجود، ﴿فَسَجَدُوا﴾؛ أي: سجدت الملائكة كلهم أجمعون من غير تباطؤ، أداء لحقه عليه السلام، وامتثالا لأمره تعالى، فدل ائتمارهم بأوامر الحق، والانتهاء عن نواهيه على السعادة الأزليّة، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ فإنه أبى واستكبر فدل استكباره
وقرأ الجمهور (١): ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ عطفًا على الرؤيا، فهي مندرجة في الحصر؛ أي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك، والشّجرة الملعونة في القرآن إلّا فتنة للناس، وقرأ زيد بن علي برفع ﴿وَالشَّحَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ على الإبتداء، والخبر محذوف تقديره: كذلك؛ أي: فتنة وقرأ الأعمش ﴿ويُخَوّفُهم﴾ بياء الغيبة، والجمهور بنون العظمة.
٦١ - وذكر سبحانه وتعالى قَصَصَ آدم مع إبليس في سبع سور: البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف طه، ص، وقد تقدم الكلام فيها فيما سلف من تلك السور، وها نحن نفسرها في هذه السورة ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد لقومك قصّة ﴿إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ﴾، أي: قصّة وقت قولنا للملائكة ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ تحيّة، وتكريمًا لما له من الفضائل المستوجبة لذلك.
وفي الحقيقة (٢): كانت السجدة للحق تعالى، وكان آدم بمثابة الكعبة قبلةً للسجود، ﴿فَسَجَدُوا﴾؛ أي: سجدت الملائكة كلهم أجمعون من غير تباطؤ، أداء لحقه عليه السلام، وامتثالا لأمره تعالى، فدل ائتمارهم بأوامر الحق، والانتهاء عن نواهيه على السعادة الأزليّة، ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ فإنه أبى واستكبر فدل استكباره
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
وإباؤه على الشقاوة الأزلية، إذ الأبد مِرآةُ الأزل، يظهر فيها صورةُ الحال سعادةً وشقاوةً.
قال في «بحر العلوم»: استثني (١) إبليس من الملائكة وهو جنّيّ؛ لأنه قد أمر بالسجود معهم، فغلّبوا عليه تغليب الرجال على المرأة، في قولك: خرجوا إلا فلانة، ثُمَّ استثني الواحد منهم استثناء متصلًا.
﴿قالَ﴾؛ أي: إبليس اعتراضًا، وعجبًا، وتكبرًا، وإنكارًا عندما وبَّخه الله تعالى بقوله: ﴿يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ ﴿أَأَسْجُدُ﴾، وأنا مخلوق من العنصر العالي، وهو النار ﴿لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾؛ أي: لمن خلقته من طين؛ أي: ما صح مني أن أسجد له واستحال ذلك مني، لأنَّ الاستفهام فيه إنكاري، فهو بمعنى النفي.
وحاصل المعنى: أي (٢) واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس، استكبر وأبى أن يسجد له افتخارًا عليه، واحتقارًا له، وقال: أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار، كما جاء في الآية الأخرى ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيّله أنه أفضل من آدم من قبل وأنّ الفروع ترجع إلى الأصول، وأنّ النّار - التي هي أصله - أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أنّ الطّين أنفع من النار، ولئن سلم غير هذا، فالأجسام كلّها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضل بعضها على بعض، بما يحدث فيها من الأعراض، فاستحقّ اللعن والطرد والبعد.
٦٢ - ﴿قالَ﴾؛ أي: إبليس أيضًا بعد الاستنظار لربه، جرأة وكفرا، والربّ يحلم وينظر ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾؛ أي: أخبرني يا إلهي ﴿هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾، أي: أخبرني عن هذا الذي فضّلته علي، لم فضلته علي، وقد خلقتني من نار، وخلقته من طين، وهل يوجد ما يدعو إلى تفضيله عليّ، وهذا كلام قاله على وجه التعجب والإنكار؛ أي:
قال في «بحر العلوم»: استثني (١) إبليس من الملائكة وهو جنّيّ؛ لأنه قد أمر بالسجود معهم، فغلّبوا عليه تغليب الرجال على المرأة، في قولك: خرجوا إلا فلانة، ثُمَّ استثني الواحد منهم استثناء متصلًا.
﴿قالَ﴾؛ أي: إبليس اعتراضًا، وعجبًا، وتكبرًا، وإنكارًا عندما وبَّخه الله تعالى بقوله: ﴿يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ ﴿أَأَسْجُدُ﴾، وأنا مخلوق من العنصر العالي، وهو النار ﴿لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾؛ أي: لمن خلقته من طين؛ أي: ما صح مني أن أسجد له واستحال ذلك مني، لأنَّ الاستفهام فيه إنكاري، فهو بمعنى النفي.
وحاصل المعنى: أي (٢) واذكر أيها الرسول لقومك عداوة إبليس، استكبر وأبى أن يسجد له افتخارًا عليه، واحتقارًا له، وقال: أأسجد لمن خلقته من الطين، وأنا مخلوق من النار، كما جاء في الآية الأخرى ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فكفر بنسبة ربه إلى الجور بتخيّله أنه أفضل من آدم من قبل وأنّ الفروع ترجع إلى الأصول، وأنّ النّار - التي هي أصله - أكرم من الطين الذي هو أصل آدم، وقد فاته أنّ الطّين أنفع من النار، ولئن سلم غير هذا، فالأجسام كلّها من جنس واحد، والله هو الذي أوجدها من العدم، ويفضل بعضها على بعض، بما يحدث فيها من الأعراض، فاستحقّ اللعن والطرد والبعد.
٦٢ - ﴿قالَ﴾؛ أي: إبليس أيضًا بعد الاستنظار لربه، جرأة وكفرا، والربّ يحلم وينظر ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾؛ أي: أخبرني يا إلهي ﴿هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾، أي: أخبرني عن هذا الذي فضّلته علي، لم فضلته علي، وقد خلقتني من نار، وخلقته من طين، وهل يوجد ما يدعو إلى تفضيله عليّ، وهذا كلام قاله على وجه التعجب والإنكار؛ أي:
(١) السمرقندي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
قال إبليس بعدما لعن وطرد وأبعد إظهارا للعداوة، وإقدامًا على الحسد: وعزتك وجلالك ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾؛ أي: لئن أنظرتني حيًّا إلى يوم القيامة ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ﴾؛ أي: لأستأصلنّ ولأغوينّ ﴿ذُرِّيَّتَهُ﴾ وأولاده، ولأستولين عليهم استيلاء قويًا بالإغواء والإضلال، أو لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ منهم لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، وهذا القليل هم الذين عناهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ وإنما (١) أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره، لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم، وأنه يجري منهم في مجاري الدم، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده، وتنفق لديهم وسوسته، إلا من عصم الله تعالى، ويؤيّد هذا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ فإنه يفيد، أنه قال ما قاله هنا اعتمادًا على الظن، وقيل: إنه استنبط ذلك من قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها﴾ وقيل: علم ذلك من طبع البشر؛ لما ركّب فيهم من الشهوات، أو ظنّ ذلك لأنه وسوس لآدم، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزما، كما روي عن الحسن.
وقرأ ابن كثير (٢)، ونافع وأبو عمرو ﴿وأخرتني﴾ بياءٍ في الوصل، ووقَفَ ابن كثير بالياء، وقرأ ابن عامرٍ، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في وصل ولا في وقفٍ، هذا كله في حرف هذه السورة، أَمَّا الذي في المنافقون في قوله: ﴿لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ فالياء ثابتة للكل لثبوتها في الرسم الكريم، اهـ «سمين».
٦٣ - ثمّ ذكر سبحانه أنه أجابه إلى النّظرة، وأخره إلى يوم الوقت المعلوم بقوله: ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى لإبليس اللعين: ﴿اذْهَبْ﴾ على طريقتك السوء بالإغواء والإضلال، أو امض لشأنك الذي اخترته، ولما سولته لك نفسك، وقد أخرتك، وهذا كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد.
وقرأ ابن كثير (٢)، ونافع وأبو عمرو ﴿وأخرتني﴾ بياءٍ في الوصل، ووقَفَ ابن كثير بالياء، وقرأ ابن عامرٍ، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في وصل ولا في وقفٍ، هذا كله في حرف هذه السورة، أَمَّا الذي في المنافقون في قوله: ﴿لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ فالياء ثابتة للكل لثبوتها في الرسم الكريم، اهـ «سمين».
٦٣ - ثمّ ذكر سبحانه أنه أجابه إلى النّظرة، وأخره إلى يوم الوقت المعلوم بقوله: ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى لإبليس اللعين: ﴿اذْهَبْ﴾ على طريقتك السوء بالإغواء والإضلال، أو امض لشأنك الذي اخترته، ولما سولته لك نفسك، وقد أخرتك، وهذا كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد.
(١) الشوكاني.
(٢) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.
وفي «بحر العلوم» (١): ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيءِ، بَلْ معناه: امض لما قصدته، أو طردت له، تخلية بينه وبين ما سولت له نفسه، أو هو على وجه الإهانة والتهديد، تقول لمن لا يقبل منك: اذهب وكن على ما اخترت لنفسك. ﴿فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ على الضلالة ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ﴾؛ أي: جزاؤك وجزاؤهم، فغلّب المخاطب رعاية لحق المتبوعية، ﴿جَزاءً مَوْفُورًا﴾ نصب على المصدرية بإضمار فعله؛ أي: تجزون جزاء مكملًا من وفر الشيء إذا كمل.
والمعنى: فمن أطاعك من ذرية آدم، وضلَّ عن الحق، فإن جزاءك على دعائك إياهم، وجزاءهم على اتباعهم لك وخلافهم أمري جزاءٌ موفور، لا ينقص لكم منه شيءٌ بما تستحقون من سيء الأعمال، وما دنّستم به أنفسكم من قبيح الأفعال،
٦٤ - ثم قال تعالى مهددًا له: ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾؛ أي: استزل واستخف وأزعج وحرك ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من ذرية آدم استزلاله وإزعاجه ﴿بِصَوْتِكَ﴾؛ أي: بوسوستك ودعائك إلى معصية الله تعالى، وقيل: أراد بصوتك الغناء، والمزامير، واللهو واللعب ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: وصح على من استطعت من ذرية آدم مصحوبًا ﴿بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾؛ أي: بأعوانك وأنصارك الركاب والمشاة.
فروى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال: كل راكب أو ماش في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وجنوده، وفي «الكواشي» (٢): جلب وأجلب واحدٌ بمعنى: الحث والصياح؛ أي: صح عليهم بأعوانك، وأنصارك من راكب وراجل من أهل الفساد، والخيل الخيّالة بتشديد الياء، وهي أصحاب الخيول، والرّجل بالسكون بمعنى الراجل، وهو من لم يكن له ظهر يركبه.
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إن خيلًا ورجلًا من الجن والإنس، فما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل يقاتل في معصية الله فهو من رجل إبليس.
والمعنى: فمن أطاعك من ذرية آدم، وضلَّ عن الحق، فإن جزاءك على دعائك إياهم، وجزاءهم على اتباعهم لك وخلافهم أمري جزاءٌ موفور، لا ينقص لكم منه شيءٌ بما تستحقون من سيء الأعمال، وما دنّستم به أنفسكم من قبيح الأفعال،
٦٤ - ثم قال تعالى مهددًا له: ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾؛ أي: استزل واستخف وأزعج وحرك ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من ذرية آدم استزلاله وإزعاجه ﴿بِصَوْتِكَ﴾؛ أي: بوسوستك ودعائك إلى معصية الله تعالى، وقيل: أراد بصوتك الغناء، والمزامير، واللهو واللعب ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: وصح على من استطعت من ذرية آدم مصحوبًا ﴿بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾؛ أي: بأعوانك وأنصارك الركاب والمشاة.
فروى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال: كل راكب أو ماش في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وجنوده، وفي «الكواشي» (٢): جلب وأجلب واحدٌ بمعنى: الحث والصياح؛ أي: صح عليهم بأعوانك، وأنصارك من راكب وراجل من أهل الفساد، والخيل الخيّالة بتشديد الياء، وهي أصحاب الخيول، والرّجل بالسكون بمعنى الراجل، وهو من لم يكن له ظهر يركبه.
قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إن خيلًا ورجلًا من الجن والإنس، فما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل يقاتل في معصية الله فهو من رجل إبليس.
(١) السمرقندي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
160
وقال الزجاج (١): أي اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك، فالإجلاب: الجمع و ﴿الباء﴾ في بخيلك زائدة، وقال أبو زيد: فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان، أو المراد كل راكب وراجل في معصية الله.
﴿وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ﴾ بحملهم على كسبها أو جمعها من الحرام، والتصرّف فيها على ما لا ينبغي من الربا، والإسراف، ومنع الزكاة وغير ذلك، وقال الحسن: مرهم أن يكسبوها من خبيثٍ، وينفقوها في حرام. ﴿وَ﴾ شاركهم في ﴿الْأَوْلادِ﴾ بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة، والوأد، والإشراك كتسميتهم بعبد اللات، وعبد العزى، وعبد مناة، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة، والحرف الذميمة، والأفعال القبيحة.
وقال الشوكاني: أمّا المشاركة في الأموال (٢): فهي كل تصرف فيها يخالف ميزان الشرع سواء كان أخذًا من غير حق، أو وضعًا في غير حق، كالغصب والسرقة، والربا، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام، وجعلها بحيرةً وسائبة، والمشاركة في الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي، وتحصيله بالزنا، وتسميتهم بعبد اللات، وعبد العزى، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر، وأفعال السوء، ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق، ووأد البنات، وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها، ومن ذلك مشاركة الشّيطان للمجامع إذا لم يسمّ. اهـ.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿ورَجْلِك﴾ بفتح الراء وسكون الجيم، وهو اسم جمع واحده راجلٍ كركبٍ، وراكب، وقرأ الحسن وأبو عمرو - في رواية - وحفص بكسر الجيم - قال صاحب - «اللّوامح»: بمعنى الرجال، وقرأ قتادة وعكرمة ﴿ورجالك﴾ وقرىء ﴿ورجَّل لك﴾ بضم الراء وتشديد الجيم ﴿وَعِدْهُمْ﴾ المواعيد الباطلة، والأماني الكاذبة، وأخبرهم الأخبار العاطلة الغارة لهم كشفاعة الآلهة،
﴿وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ﴾ بحملهم على كسبها أو جمعها من الحرام، والتصرّف فيها على ما لا ينبغي من الربا، والإسراف، ومنع الزكاة وغير ذلك، وقال الحسن: مرهم أن يكسبوها من خبيثٍ، وينفقوها في حرام. ﴿وَ﴾ شاركهم في ﴿الْأَوْلادِ﴾ بالحث على التوصل إليهم بالأسباب المحرمة، والوأد، والإشراك كتسميتهم بعبد اللات، وعبد العزى، وعبد مناة، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة، والحرف الذميمة، والأفعال القبيحة.
وقال الشوكاني: أمّا المشاركة في الأموال (٢): فهي كل تصرف فيها يخالف ميزان الشرع سواء كان أخذًا من غير حق، أو وضعًا في غير حق، كالغصب والسرقة، والربا، ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام، وجعلها بحيرةً وسائبة، والمشاركة في الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي، وتحصيله بالزنا، وتسميتهم بعبد اللات، وعبد العزى، والإساءة في تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر، وأفعال السوء، ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق، ووأد البنات، وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التي هم عليها، ومن ذلك مشاركة الشّيطان للمجامع إذا لم يسمّ. اهـ.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿ورَجْلِك﴾ بفتح الراء وسكون الجيم، وهو اسم جمع واحده راجلٍ كركبٍ، وراكب، وقرأ الحسن وأبو عمرو - في رواية - وحفص بكسر الجيم - قال صاحب - «اللّوامح»: بمعنى الرجال، وقرأ قتادة وعكرمة ﴿ورجالك﴾ وقرىء ﴿ورجَّل لك﴾ بضم الراء وتشديد الجيم ﴿وَعِدْهُمْ﴾ المواعيد الباطلة، والأماني الكاذبة، وأخبرهم الأخبار العاطلة الغارة لهم كشفاعة الآلهة،
(١) الشوكاني.
(٢) فتح القدير.
(٣) البحر المحيط.
(٢) فتح القدير.
(٣) البحر المحيط.
161
والاتكال على كرامة الآباء، وتأخير التوبة بتطويل الأمل، وإخبارهم أن لا جَنَّةَ ولا نارَ ونحو ذلك.
وخلاصة ذلك (١): أنه يُغويهم بأن لا ضرر من فعل هذه المعاصي، فإنه لا جنة ولا نار، ولا حياة بعد هذه الحياة، وإنها سبيل اللذَّة والسُّرور، ولا حياة للإنسان إلّا بها، فتفويتها غبنٌ وخسرانٌ وقال الشاعر:
وينفِّرهم من الطاعة بأن لا فائدة فيها، إذ لا رجعة بعد هذه الحياة، فهي عبثٌ محضٌ. فهذه بعض تلبيسات الشيطان، وهذه خدعة.
قال في «بحر العلوم» (٢): هذه الأوامر المذكورة كلّها واردة على طريق التهديد كقوله للعصاة: اعملوا ما شئتم، وقيل: على سبيل الخذلان والتخلية اهـ. ﴿وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا﴾؛ أي: إلا باطلًا؛ أي: وما يخبرهم من الأماني الكاذبة، إلّا خبرا باطلًا عاطلًا، لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله شيئًا إذا نزل بهم، فمواعيده خدعة. يزينها لهم، ويلبّسها ثوب الحق كما قال إبليس إذ حصحص الحقّ يوم يقضي ربّك بالحق: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.
٦٥ - وهذه الجملة (٣) اعتراض واقع بين الجمل التي خاطب الله بها الشيطان ﴿إِنَّ عِبادِي﴾ الذين أطاعوني، فاتّبعوا أمري، وعصوك ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على إغوائهم وإضلالهم ﴿سُلْطانٌ﴾ أي: تسلّطٌ وقدرةٌ، فلا تقدر أن تغويهم، وتحملهم على ذنب لا يغفر، فإني قد وفقتهم بالتوكّل عليّ فكفيتهم أمرك، والإضافة في قوله: عبادي للتشريف، وفيه تعريضٌ بأنّ من تبعه ليس منهم. ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾؛ أي: مالك أمرك ومغويك وخاذلك يا إبليس من جهة كونه: ﴿وَكِيلًا﴾ أي: حافظًا لهم، فهم يتوكلون عليه، ويستمدون منه العون في الخلاص من إغوائك
وخلاصة ذلك (١): أنه يُغويهم بأن لا ضرر من فعل هذه المعاصي، فإنه لا جنة ولا نار، ولا حياة بعد هذه الحياة، وإنها سبيل اللذَّة والسُّرور، ولا حياة للإنسان إلّا بها، فتفويتها غبنٌ وخسرانٌ وقال الشاعر:
خذوا بنصيبٍ من سرورٍ ولذّةٍ | فكلٌّ وإن طال المدى يتصَّرم |
قال في «بحر العلوم» (٢): هذه الأوامر المذكورة كلّها واردة على طريق التهديد كقوله للعصاة: اعملوا ما شئتم، وقيل: على سبيل الخذلان والتخلية اهـ. ﴿وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا﴾؛ أي: إلا باطلًا؛ أي: وما يخبرهم من الأماني الكاذبة، إلّا خبرا باطلًا عاطلًا، لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله شيئًا إذا نزل بهم، فمواعيده خدعة. يزينها لهم، ويلبّسها ثوب الحق كما قال إبليس إذ حصحص الحقّ يوم يقضي ربّك بالحق: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.
٦٥ - وهذه الجملة (٣) اعتراض واقع بين الجمل التي خاطب الله بها الشيطان ﴿إِنَّ عِبادِي﴾ الذين أطاعوني، فاتّبعوا أمري، وعصوك ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على إغوائهم وإضلالهم ﴿سُلْطانٌ﴾ أي: تسلّطٌ وقدرةٌ، فلا تقدر أن تغويهم، وتحملهم على ذنب لا يغفر، فإني قد وفقتهم بالتوكّل عليّ فكفيتهم أمرك، والإضافة في قوله: عبادي للتشريف، وفيه تعريضٌ بأنّ من تبعه ليس منهم. ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾؛ أي: مالك أمرك ومغويك وخاذلك يا إبليس من جهة كونه: ﴿وَكِيلًا﴾ أي: حافظًا لهم، فهم يتوكلون عليه، ويستمدون منه العون في الخلاص من إغوائك
(١) المراغي.
(٢) السمرقندي.
(٣) المراح.
(٢) السمرقندي.
(٣) المراح.
ووسوستك، وفي الآية إيماءٌ إلى أنّ الإنسان لا يمكنه أن يحترز (١) بنفسه عن مواقع الضلال؛ لأنه لو كان الإقدام على الحق والإحجام عن الباطل إنما يحصل للإنسان من نفسه.. لوجب أن يقال: وكفى بالإنسان نفسه في الاحتراز عن الشيطان، فلما لم يقل ذلك، بل قال: وكفى بربك وكيلًا.. علمنا أنّ الكلّ من الله تعالى، ولهذا قال المحققون: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوّة على طاعة الله إلّا بقوته. اه كرخي.
٦٦ - وقوله: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ تعليل (٢) لكفايته، وبيانٌ لقدرته على عصمة من توكل عليه في أموره، وهذا شروع في تذكير بعض النعم عليهم، حملًا لهم على الإيمان. اه شيخنا ﴿رَبُّكُمُ﴾ مبتدأ خبره ﴿الَّذِي﴾؛ أي: مالككم هو القادر الحكيم الذي ﴿يُزْجِي﴾ ويجري ويسوق بقدرته الكاملة ﴿لَكُمُ﴾؛ أي: لمنافعكم ﴿الْفُلْكَ﴾؛ أي: السفن فِي الْبَحْرِ قال في «القاموس»: البحر الماء الكثير، ﴿لِتَبْتَغُوا﴾؛ أي: لتطلبوا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾؛ أي: من رزق هو فضل من قبله؛ أي: لتبتغوا الرّبح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. اهـ بيضاوي. و ﴿مِنْ﴾ زائدة في المفعول ﴿إِنَّهُ كانَ﴾ أزلا وأبدا ﴿بِكُمْ رَحِيمًا﴾ حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه، وسهل عليكم ما يعسر من أسبابه، فالمراد: الرّحمة الدنيوية، والنعمة العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة.
والمعنى: أي إنّ ربكم أيها القوم، هو القادر الحكيم، الذي يجري لنفعكم السفن في البحر بالريح اللينة، أو بالآلات البخارية، أو الكهربائية لتسهيل نقل أقواتكم، وحجاجكم من إقليم إلى آخر من أقصى المعمورة إلى أدناها، والعكس بالعكس، ونقل أشخاصكم من قطر إلى قطر، ابتغاء للرزق أو للسياحة، ورؤية مظاهر الكون على اختلاف الأصقاع، مما يرشد على باهر القدرة، ووافر النعمة عليكم، إنه كان بكم رحيمًا، إذ سهل ما فيه الفوائد المرجوّة لكم في هذه الحياة،
٦٧ - ثم خاطب الكفار، بقوله: ﴿وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾؛ أي: الشدّة، وخوف
٦٦ - وقوله: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ تعليل (٢) لكفايته، وبيانٌ لقدرته على عصمة من توكل عليه في أموره، وهذا شروع في تذكير بعض النعم عليهم، حملًا لهم على الإيمان. اه شيخنا ﴿رَبُّكُمُ﴾ مبتدأ خبره ﴿الَّذِي﴾؛ أي: مالككم هو القادر الحكيم الذي ﴿يُزْجِي﴾ ويجري ويسوق بقدرته الكاملة ﴿لَكُمُ﴾؛ أي: لمنافعكم ﴿الْفُلْكَ﴾؛ أي: السفن فِي الْبَحْرِ قال في «القاموس»: البحر الماء الكثير، ﴿لِتَبْتَغُوا﴾؛ أي: لتطلبوا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾؛ أي: من رزق هو فضل من قبله؛ أي: لتبتغوا الرّبح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. اهـ بيضاوي. و ﴿مِنْ﴾ زائدة في المفعول ﴿إِنَّهُ كانَ﴾ أزلا وأبدا ﴿بِكُمْ رَحِيمًا﴾ حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه، وسهل عليكم ما يعسر من أسبابه، فالمراد: الرّحمة الدنيوية، والنعمة العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة.
والمعنى: أي إنّ ربكم أيها القوم، هو القادر الحكيم، الذي يجري لنفعكم السفن في البحر بالريح اللينة، أو بالآلات البخارية، أو الكهربائية لتسهيل نقل أقواتكم، وحجاجكم من إقليم إلى آخر من أقصى المعمورة إلى أدناها، والعكس بالعكس، ونقل أشخاصكم من قطر إلى قطر، ابتغاء للرزق أو للسياحة، ورؤية مظاهر الكون على اختلاف الأصقاع، مما يرشد على باهر القدرة، ووافر النعمة عليكم، إنه كان بكم رحيمًا، إذ سهل ما فيه الفوائد المرجوّة لكم في هذه الحياة،
٦٧ - ثم خاطب الكفار، بقوله: ﴿وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾؛ أي: الشدّة، وخوف
(١) الفتوحات.
(٢) زاده.
(٢) زاده.
الغرق ﴿فِي الْبَحْرِ ضَلَّ﴾، وذهب، وغاب عن أوهامكم وخواطركم ﴿مَنْ تَدْعُونَ﴾؛ أي: كلّ من تدعون، وتستغيثون به من حوادثكم، من الأصنام وغيرها. ﴿إِلَّا إِيَّاهُ﴾؛ أي: إلا الله تعالى، وحده، فإنّكم لا تذكرون سواه، ولا يخطر ببالكم غيره؛ لأنه القادر على إغاثتكم ونجاتكم.
وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل (١): ﴿ضل من يدعون﴾ بالياء، والمعنى؛ أي: وإذا نالتكم شدّة جهد في البحر، ذهب عن خواطركم كل من تدعونه، وترجون نفعه من صنم، أو جن، أو ملك، أو بشر، أو حجر، فلا تذكرون إلا الله، ولا يخطر على بالكم سواه، لكشف ما حل بكم.
وخلاصة ذلك: أنكم مسّكم الضر دعوتم الله منيبين إليه، مخلصين له الدين ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾؛ أي: أجاب دعاءكم، وأنجاكم من هول البحر وشدته، وأخرجكم ﴿إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾؛ أي: عن الإيمان والإخلاص، والطاعة، ورجعتم إلى عبادة الأوثان، وكفرتم النّعمة وهو قوله تعالى: ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾؛ أي: جنس الإنسان ﴿كَفُورًا﴾؛ أي: كثير الكفران للنعمة، ولم يقل (٢): وكنتم كفورا ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة، والمعنى: أي (٣) ومن عجيب أمركم أنكم حين دعوتموه، وأغاثكم، وأجاب دعاءكم، ونجّاكم من هول ما كنتم فيه في البحر، أعرضتم عن الإخلاص، ورجعتم إلى الإشراك به كفرا منكم بنعمته، ثمّ علل هذا الإعراض بقوله: ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا﴾؛ أي: وكانت سجية الإنسان وطبيعته أن ينسى النّعم ويجحدها إلا من عصمه الله تعالى.
وخلاصة ما سلف: أنكم حين الشدائد تجأرون طالبين رحمته، وحين الرخاء تعرضون عنه،
٦٨ - ثمّ حذر من كفران نعمته فقال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ﴾ و ﴿الهمزة﴾ فيه للاستفهام الإنكاري. و ﴿الفاء﴾ عاطفة على محذوف، والخطاب فيه للسابق ذكرهم، والتّقدير: أنجوتم فأمنتم أيها الناجون المعرضون
وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل (١): ﴿ضل من يدعون﴾ بالياء، والمعنى؛ أي: وإذا نالتكم شدّة جهد في البحر، ذهب عن خواطركم كل من تدعونه، وترجون نفعه من صنم، أو جن، أو ملك، أو بشر، أو حجر، فلا تذكرون إلا الله، ولا يخطر على بالكم سواه، لكشف ما حل بكم.
وخلاصة ذلك: أنكم مسّكم الضر دعوتم الله منيبين إليه، مخلصين له الدين ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾؛ أي: أجاب دعاءكم، وأنجاكم من هول البحر وشدته، وأخرجكم ﴿إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾؛ أي: عن الإيمان والإخلاص، والطاعة، ورجعتم إلى عبادة الأوثان، وكفرتم النّعمة وهو قوله تعالى: ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾؛ أي: جنس الإنسان ﴿كَفُورًا﴾؛ أي: كثير الكفران للنعمة، ولم يقل (٢): وكنتم كفورا ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة، والمعنى: أي (٣) ومن عجيب أمركم أنكم حين دعوتموه، وأغاثكم، وأجاب دعاءكم، ونجّاكم من هول ما كنتم فيه في البحر، أعرضتم عن الإخلاص، ورجعتم إلى الإشراك به كفرا منكم بنعمته، ثمّ علل هذا الإعراض بقوله: ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا﴾؛ أي: وكانت سجية الإنسان وطبيعته أن ينسى النّعم ويجحدها إلا من عصمه الله تعالى.
وخلاصة ما سلف: أنكم حين الشدائد تجأرون طالبين رحمته، وحين الرخاء تعرضون عنه،
٦٨ - ثمّ حذر من كفران نعمته فقال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ﴾ و ﴿الهمزة﴾ فيه للاستفهام الإنكاري. و ﴿الفاء﴾ عاطفة على محذوف، والخطاب فيه للسابق ذكرهم، والتّقدير: أنجوتم فأمنتم أيها الناجون المعرضون
(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
164
عن صنع الله الذي نجاكم من أن يخسف الله سبحانه وتعالى ويقلب جانب البر وناحيته الذي كنتم عليه حالة كون ذلك الجانب مصحوبا بكم، فيحصل بخسفه إهلاككم، و ﴿بِكُمْ﴾ حال من جانب البر، وهو مفعول به لخسف، والمعنى: إنّ الجهات كلّها له، وفي قدرته برًّا كان أو بحرًا، بل إن كان الغرق في البحر ففي جانب البر ما هو مثله، وهو الخسف لأنه يغيّب تحت الثرى كما أنّ الغرق يغيّب تحت الماء.. اهـ خازن.
قال الزمخشري (١): و ﴿الفاء﴾ للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم انتهى، وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أنّ ﴿الفاء﴾ و ﴿الواو﴾ في مثل هذا التركيب للعطف على محذوفٍ بين الهمزة وحرف العطف، وأنّ مذهب الجماعة أن لّا محذوف هناك، وأنّ الفاء والواو للعطف على ما قبلها، وأنه اعتني بهمزة الاستفهام، لكونها لها صدر الكلام، فقدمت، والنية التأخير، وأن التقدير: أفأمنتم، وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة. ﴿أَوْ﴾ أمنتم ﴿أن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ من فوقكم ﴿حاصِبًا﴾؛ أي: ريحًا ترمي الحصباء، وهي الحصى الصغار، يرجمكم بها فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر، وقيل: أي أو يمطر عليكم حصباء كما أرسلها على قوم لوط، وأصحاب الفيل، ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾؛ أي: حفظيا يحفظكم من ذلك، وناصرا يصرفه عنكم، فإنه لا رادّ لأمره الغالب.
والمعنى: أي أفحسبتم (٢) أنكم بخروجكم إلى البر أمنتم من انتقام الله وعذابه، فهو إن شاء.. خسف بكم جانب البر وغيّبه في أعماق الأرض، وأنتم عليها، وإن شاء.. أمطر عليكم حجارةً من السماء تقتلكم كما فعل بقوم لوط، ثمّ لا تجدون من تكلون إليه أموركم، فيحفظكم من ذلك أو يصرفه عنكم غيره جل وعلا.
وخلاصة ذلك: إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف، أصابكم من
قال الزمخشري (١): و ﴿الفاء﴾ للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم انتهى، وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أنّ ﴿الفاء﴾ و ﴿الواو﴾ في مثل هذا التركيب للعطف على محذوفٍ بين الهمزة وحرف العطف، وأنّ مذهب الجماعة أن لّا محذوف هناك، وأنّ الفاء والواو للعطف على ما قبلها، وأنه اعتني بهمزة الاستفهام، لكونها لها صدر الكلام، فقدمت، والنية التأخير، وأن التقدير: أفأمنتم، وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة. ﴿أَوْ﴾ أمنتم ﴿أن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ من فوقكم ﴿حاصِبًا﴾؛ أي: ريحًا ترمي الحصباء، وهي الحصى الصغار، يرجمكم بها فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر، وقيل: أي أو يمطر عليكم حصباء كما أرسلها على قوم لوط، وأصحاب الفيل، ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾؛ أي: حفظيا يحفظكم من ذلك، وناصرا يصرفه عنكم، فإنه لا رادّ لأمره الغالب.
والمعنى: أي أفحسبتم (٢) أنكم بخروجكم إلى البر أمنتم من انتقام الله وعذابه، فهو إن شاء.. خسف بكم جانب البر وغيّبه في أعماق الأرض، وأنتم عليها، وإن شاء.. أمطر عليكم حجارةً من السماء تقتلكم كما فعل بقوم لوط، ثمّ لا تجدون من تكلون إليه أموركم، فيحفظكم من ذلك أو يصرفه عنكم غيره جل وعلا.
وخلاصة ذلك: إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف، أصابكم من
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
165
فوقكم بريح يرسلها عليكم، فيها الحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر.
٦٩ - و ﴿أَمْ﴾ في قوله: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ﴾ منقطعة تقدر بـ ﴿بل﴾ وبهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أأمنتم ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في البحر بعد خروجكم إلى البر وسلامتكم ﴿تارَةً﴾؛ أي: مرة ﴿أُخْرى﴾ بخلق دواعٍ وأسباب تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه، فإسناد (١) الإعادة إليه تعالى مع أنّ العود إليه باختيارهم باعتبار خلق تلك الدواعي الملجئة، وفيه إيماء إلى كمال شدة هول ما لاقوه في التارة الأولى، بحيث لولا الإعادة لما عادوا، وأوثرت كلمة (في) على كلمة (إلى) المنبئة عن مجرد الانتهاء للدلالة على استقرارهم فيه.
﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ وأنتم في البحر ﴿قاصِفًا﴾، أي: شديدًا ﴿مِنَ الرِّيحِ﴾ كاسرًا لما مر عليه، والقاصف من الريح هي التي لا تمر بشيء إلا قصفته؛ أي: كسرته، وجعلته كالرميم، وذكّر قاصفا؛ لأنه ليس بإزائه ذكر فجرى مجرى حائض كما في «الكواشي» ﴿فَيُغْرِقَكُمْ﴾ سبحانه بعد كسر فلككم كما ينبىء عنه عنوان القصف ﴿بِما كَفَرْتُمْ﴾؛ أي: بسبب إشراككم وكفرانكم، لنعمة الإنجاء ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا﴾ ناصرًا ﴿لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ﴾؛ أي: بإغراقكم ﴿تَبِيعًا﴾؛ أي: ثائرًا، ولا طالبًا يطالبنا بثأر إغراقكم، أو بصرفه عنكم، والمعنى؛ أي: أم أمنتم أيها المعرضون عنّا بعدما اعترفتم بتوحيدنا في البحر، حتى خرجتم إلى البر، أن يعيدكم فيه مرّة أخرى فيرسل عليكم ريحا تقصف السّواري، وتغرق المراكب بسبب كفركم، وإعراضكم عن الله، ثمّ لا تجدوا لكم نصيرا يعينكم، ويأخذ بثأركم، وقال قتادة في تفسيرها: أي: لا نخاف أحدًا يتبعنا بشيء ممّا فعلنا، يريد أنكم لا تجدون ثائرا يطلبنا بما فعلنا انتصارا منا، أو دركا للثأر من جهتنا، وفي معنى الآية قوله: ﴿فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)﴾، وفي الآية وعيد أيما وعيد، فكأنه قيل: ننتقم منكم من غير أن يكون لكم نصيرٌ يدفع عنكم شديد بأسنا.
٦٩ - و ﴿أَمْ﴾ في قوله: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ﴾ منقطعة تقدر بـ ﴿بل﴾ وبهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أأمنتم ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في البحر بعد خروجكم إلى البر وسلامتكم ﴿تارَةً﴾؛ أي: مرة ﴿أُخْرى﴾ بخلق دواعٍ وأسباب تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه، فإسناد (١) الإعادة إليه تعالى مع أنّ العود إليه باختيارهم باعتبار خلق تلك الدواعي الملجئة، وفيه إيماء إلى كمال شدة هول ما لاقوه في التارة الأولى، بحيث لولا الإعادة لما عادوا، وأوثرت كلمة (في) على كلمة (إلى) المنبئة عن مجرد الانتهاء للدلالة على استقرارهم فيه.
﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ وأنتم في البحر ﴿قاصِفًا﴾، أي: شديدًا ﴿مِنَ الرِّيحِ﴾ كاسرًا لما مر عليه، والقاصف من الريح هي التي لا تمر بشيء إلا قصفته؛ أي: كسرته، وجعلته كالرميم، وذكّر قاصفا؛ لأنه ليس بإزائه ذكر فجرى مجرى حائض كما في «الكواشي» ﴿فَيُغْرِقَكُمْ﴾ سبحانه بعد كسر فلككم كما ينبىء عنه عنوان القصف ﴿بِما كَفَرْتُمْ﴾؛ أي: بسبب إشراككم وكفرانكم، لنعمة الإنجاء ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا﴾ ناصرًا ﴿لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ﴾؛ أي: بإغراقكم ﴿تَبِيعًا﴾؛ أي: ثائرًا، ولا طالبًا يطالبنا بثأر إغراقكم، أو بصرفه عنكم، والمعنى؛ أي: أم أمنتم أيها المعرضون عنّا بعدما اعترفتم بتوحيدنا في البحر، حتى خرجتم إلى البر، أن يعيدكم فيه مرّة أخرى فيرسل عليكم ريحا تقصف السّواري، وتغرق المراكب بسبب كفركم، وإعراضكم عن الله، ثمّ لا تجدوا لكم نصيرا يعينكم، ويأخذ بثأركم، وقال قتادة في تفسيرها: أي: لا نخاف أحدًا يتبعنا بشيء ممّا فعلنا، يريد أنكم لا تجدون ثائرا يطلبنا بما فعلنا انتصارا منا، أو دركا للثأر من جهتنا، وفي معنى الآية قوله: ﴿فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)﴾، وفي الآية وعيد أيما وعيد، فكأنه قيل: ننتقم منكم من غير أن يكون لكم نصيرٌ يدفع عنكم شديد بأسنا.
(١) روح البيان.
166
وقرأ ابن كثير (١)، وأبو عمرو، ﴿نخسف﴾ و ﴿أو نرسل﴾ و ﴿أن نعيدكم﴾ و ﴿فنرسل﴾ و ﴿فنغرقكم﴾ خمستها بالنون، وباقي القراء بياء الغيبة، وقرأ مجاهد، وأبو جعفر، فتغرقكم بتاء الغائبة مسندًا إلى الريح، وقرأ الحسن، وأبو رجاء، فيغرقكم بياء الغيبة وفتح الغين، وشدّ الراء عداه بالتضعيف، والمقرىء لأبي جعفر كذلك إلّا بتاء الغيبة، وقرأ حميد بالنون، وإسكان الغين وإدغام القاف في الكاف، ورويت عن أبي عمرو وابن محيصن، وقرأ الجمهور من الريح بالإفراد، وأبو جعفر من الرياح جمعًا، والله أعلم.
الإعراب
﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣)﴾.
﴿وَقُلْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو استئنافية ﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على ما سبق من الأوامر، ليستكمل التعاليم التي بها قوام أمورهم، أو مستأنفة ﴿لِعِبادِي﴾ جار ومجرور متعلق به، ﴿يَقُولُوا﴾ فعل مضارع بمعنى يذكروا.. مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذف النون، و ﴿الواو﴾ فاعل ﴿الَّتِي﴾ في محل النصب على المفعولية على كونها صفة للموصوف المحذوف، تقديره: يقولوا الكلمة التي هي أحسن، والمراد بالكلمة: الكلمة اللغوية، على حد قول ابن مالك: وكلمة بها كلام قد يؤم ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول، ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ ناصب واسمه ﴿يَنْزَغُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانَ﴾ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الشيطان ﴿لِلْإِنْسانِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوًّا﴾ ﴿عَدُوًّا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ ﴿مُبِينًا﴾ صفة لـ ﴿عَدُوًّا﴾، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾،
الإعراب
﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣)﴾.
﴿وَقُلْ﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو استئنافية ﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة معطوفة على ما سبق من الأوامر، ليستكمل التعاليم التي بها قوام أمورهم، أو مستأنفة ﴿لِعِبادِي﴾ جار ومجرور متعلق به، ﴿يَقُولُوا﴾ فعل مضارع بمعنى يذكروا.. مجزوم بالطلب السابق، وعلامة جزمه حذف النون، و ﴿الواو﴾ فاعل ﴿الَّتِي﴾ في محل النصب على المفعولية على كونها صفة للموصوف المحذوف، تقديره: يقولوا الكلمة التي هي أحسن، والمراد بالكلمة: الكلمة اللغوية، على حد قول ابن مالك: وكلمة بها كلام قد يؤم ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول، ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ ناصب واسمه ﴿يَنْزَغُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانَ﴾ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ظرف، ومضاف إليه متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الشيطان ﴿لِلْإِنْسانِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوًّا﴾ ﴿عَدُوًّا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ ﴿مُبِينًا﴾ صفة لـ ﴿عَدُوًّا﴾، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾،
(١) البحر المحيط.
167
وجملة ﴿إِنَّ﴾ مسوقة لتعليل قوله: ﴿يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ جازم وشرط مجزوم، وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿يَرْحَمْكُمْ﴾ فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الشرطية مستأنفة ﴿أَوْ﴾ حرف عطف وتفصيل ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ جازم وفعل مجزوم وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، والجملة الشرطية معطوفة على الشرطية الأولى ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿أَرْسَلْناكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة الشرط ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿وَكِيلًا﴾ ﴿وَكِيلًا﴾ حال من الكاف في ﴿أَرْسَلْناكَ﴾ أي: وما أرسلناك إليهم حالة كونك موكولًا إليه أمرهم فتحاول هدايتهم.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ ﴿بِمَنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿فِي السَّماواتِ﴾ جار ومجرور صلة ﴿من﴾ الموصولة ﴿وَالْأَرْضِ﴾ معطوف على ﴿السَّماواتِ﴾ ﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب لقسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَضَّلْنا﴾ ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنا﴾.
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦)﴾.
﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿ادْعُوا الَّذِينَ...﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ادْعُوا الَّذِينَ﴾ فعل
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة ﴿بِكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ جازم وشرط مجزوم، وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿يَرْحَمْكُمْ﴾ فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، وفاعله ضمير يعود على الرب، والجملة الشرطية مستأنفة ﴿أَوْ﴾ حرف عطف وتفصيل ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ جازم وفعل مجزوم وفاعله ضمير يعود على الرب ﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ فعل ومفعول مجزوم على كونه جواب الشرط، والجملة الشرطية معطوفة على الشرطية الأولى ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿أَرْسَلْناكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة الشرط ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿وَكِيلًا﴾ ﴿وَكِيلًا﴾ حال من الكاف في ﴿أَرْسَلْناكَ﴾ أي: وما أرسلناك إليهم حالة كونك موكولًا إليه أمرهم فتحاول هدايتهم.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ ﴿بِمَنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾ ﴿فِي السَّماواتِ﴾ جار ومجرور صلة ﴿من﴾ الموصولة ﴿وَالْأَرْضِ﴾ معطوف على ﴿السَّماواتِ﴾ ﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية و ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب لقسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿فَضَّلْنا﴾ ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَضَّلْنا﴾.
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦)﴾.
﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿ادْعُوا الَّذِينَ...﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ادْعُوا الَّذِينَ﴾ فعل
168
وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾ ﴿زَعَمْتُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعولا ﴿زعم﴾ محذوفان للعلم بهما، تقديره؛ زعمتموهم آلهةً، وجملة زعم صلة الموصول ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ جار ومجرور حال من الموصول، لأن في الكلام تقديمًا، وتأخيرًا، تقديره: قل ادعوا الذين من دونه، زعمتم أنهم شركاء لله، فلا يرد السؤال، كيف قال من دونه مع أنّ المشركين، ما زعموا غير الله إلها دون الله، بل مع الله على وجه الشركة اهـ كرخي. ﴿فَلا﴾ ﴿الفاء﴾ استئنافية ﴿لا﴾ نافية ﴿يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ﴾ فعل وفاعل ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿كَشْفَ﴾، والجملة الفعلية مستأنفة، ﴿وَلا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة لا نافية ﴿تَحْوِيلًا﴾ معطوف على ﴿كَشْفَ الضُّرِّ﴾.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا (٥٧)﴾.
﴿أُولئِكَ﴾ مبتدأ واقع على الذين زعموهم آلهة من العقلاء ﴿الَّذِينَ﴾ بدل من ﴿أُولئِكَ﴾، أو عطف بيان عليه ﴿يَدْعُونَ﴾ فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يدعونهم ﴿يَبْتَغُونَ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلى رَبِّهِمُ﴾ متعلق بـ ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، ويجوز لك أن تعرب الذين هو الخبر، وجملة ﴿يَبْتَغُونَ﴾ حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾. ﴿أَيُّهُمْ﴾ أي: اسم موصول في محل الرفع بدل من فاعل ﴿يَبْتَغُونَ﴾ و ﴿الهاء﴾ مضاف إليه ﴿أَقْرَبُ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو أقرب والجملة صلة الموصول، ويجوز أن تعرب ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ على الابتداء، والخبر على جعل أيّ استفهامية، والجملة الاسمية في محل النصب على إسقاط الخافض على إضمار فعل التعليق، تقديره: ينظرون في أيهم أقرب، وجملة الفعل المعلق حال من فاعل ﴿يَبْتَغُونَ﴾. ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ﴿وَيَخافُونَ عَذابَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يَرْجُونَ﴾. ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ﴾ ناصب واسمه، ومضاف إليه ﴿كانَ مَحْذُورًا﴾ فعل ناقص وخبره واسمه ضمير يعود على العذاب، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل جملة الخوف.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا (٥٧)﴾.
﴿أُولئِكَ﴾ مبتدأ واقع على الذين زعموهم آلهة من العقلاء ﴿الَّذِينَ﴾ بدل من ﴿أُولئِكَ﴾، أو عطف بيان عليه ﴿يَدْعُونَ﴾ فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يدعونهم ﴿يَبْتَغُونَ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلى رَبِّهِمُ﴾ متعلق بـ ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، ويجوز لك أن تعرب الذين هو الخبر، وجملة ﴿يَبْتَغُونَ﴾ حال من فاعل ﴿يَدْعُونَ﴾. ﴿أَيُّهُمْ﴾ أي: اسم موصول في محل الرفع بدل من فاعل ﴿يَبْتَغُونَ﴾ و ﴿الهاء﴾ مضاف إليه ﴿أَقْرَبُ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو أقرب والجملة صلة الموصول، ويجوز أن تعرب ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ على الابتداء، والخبر على جعل أيّ استفهامية، والجملة الاسمية في محل النصب على إسقاط الخافض على إضمار فعل التعليق، تقديره: ينظرون في أيهم أقرب، وجملة الفعل المعلق حال من فاعل ﴿يَبْتَغُونَ﴾. ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ﴿وَيَخافُونَ عَذابَهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يَرْجُونَ﴾. ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ﴾ ناصب واسمه، ومضاف إليه ﴿كانَ مَحْذُورًا﴾ فعل ناقص وخبره واسمه ضمير يعود على العذاب، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل جملة الخوف.
169
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذابًا شَدِيدًا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا (٥٨)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿مِنْ﴾ زائدة ﴿قَرْيَةٍ﴾ مبتدأ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿نَحْنُ مُهْلِكُوها﴾ مبتدأ، وخبر ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ متعلق بـ ﴿مُهْلِكُوها﴾، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مستأنفة ﴿أَوْ مُعَذِّبُوها﴾ معطوف على ﴿مُهْلِكُوها﴾ ﴿عَذابًا﴾ مفعول مطلق لـ ﴿مُعَذِّبُوها﴾ ﴿شَدِيدًا﴾ صفة ﴿عَذابًا﴾. ﴿كانَ ذلِكَ﴾ فعل ناقص واسمه ﴿فِي الْكِتابِ﴾ متعلق بـ ﴿مَسْطُورًا﴾ ﴿مَسْطُورًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة.
﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿مَنَعَنا﴾ فعل ومفعول أول ﴿أَنْ نُرْسِلَ﴾ ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول الإرسال محذوف، تقديره: نرسل رسولًا ﴿بِالْآياتِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿نُرْسِلَ﴾ أو حال من المفعول المحذوف، تقديره: أن نرسل رسولًا حالة كونه ملتبسا بالآيات، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ (منع) تقديره؛ وما منعنا إرسال رسول بالآيات ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿أَنْ كَذَّبَ﴾ ناصب ومنصوب ﴿بِهَا﴾ متعلق به ﴿الْأَوَّلُونَ﴾ فاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، لـ ﴿منع﴾ تقديره: وما منعنا إرسال رسول بالآيات إلا تكذيب الأولين بها، وجملة ﴿منع﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ أو مستأنفة. ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ فعل وفاعل ومفعولان، والجملة مستأنفة ﴿مُبْصِرَةً﴾ حال من ﴿النَّاقَةَ﴾. ﴿فَظَلَمُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿ظلموا﴾ فعل وفاعل ﴿بِهَا﴾ متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آتَيْنا﴾. وَما ﴿الواو﴾ حالية ﴿ما﴾ نافية ﴿نُرْسِلَ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِالْآياتِ﴾ متعلق بـ ﴿نُرْسِلَ﴾ أو حال من المفعول المحذوف كما مر نظيره آنفًا ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿تَخْوِيفًا﴾ مفعول لأجله منصوب بـ ﴿نُرْسِلَ﴾؛ أو حال من فاعل ﴿نُرْسِلَ﴾ أي حالة كوننا مخوفين بها، أو من ﴿الآيات﴾ أي: مخوفًا بها.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿مِنْ﴾ زائدة ﴿قَرْيَةٍ﴾ مبتدأ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿نَحْنُ مُهْلِكُوها﴾ مبتدأ، وخبر ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ متعلق بـ ﴿مُهْلِكُوها﴾، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مستأنفة ﴿أَوْ مُعَذِّبُوها﴾ معطوف على ﴿مُهْلِكُوها﴾ ﴿عَذابًا﴾ مفعول مطلق لـ ﴿مُعَذِّبُوها﴾ ﴿شَدِيدًا﴾ صفة ﴿عَذابًا﴾. ﴿كانَ ذلِكَ﴾ فعل ناقص واسمه ﴿فِي الْكِتابِ﴾ متعلق بـ ﴿مَسْطُورًا﴾ ﴿مَسْطُورًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة.
﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة أو استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿مَنَعَنا﴾ فعل ومفعول أول ﴿أَنْ نُرْسِلَ﴾ ناصب وفعل، وفاعله ضمير يعود على الله، ومفعول الإرسال محذوف، تقديره: نرسل رسولًا ﴿بِالْآياتِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿نُرْسِلَ﴾ أو حال من المفعول المحذوف، تقديره: أن نرسل رسولًا حالة كونه ملتبسا بالآيات، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعولًا ثانيًا لـ (منع) تقديره؛ وما منعنا إرسال رسول بالآيات ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿أَنْ كَذَّبَ﴾ ناصب ومنصوب ﴿بِهَا﴾ متعلق به ﴿الْأَوَّلُونَ﴾ فاعل، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية، لـ ﴿منع﴾ تقديره: وما منعنا إرسال رسول بالآيات إلا تكذيب الأولين بها، وجملة ﴿منع﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ أو مستأنفة. ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ فعل وفاعل ومفعولان، والجملة مستأنفة ﴿مُبْصِرَةً﴾ حال من ﴿النَّاقَةَ﴾. ﴿فَظَلَمُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿ظلموا﴾ فعل وفاعل ﴿بِهَا﴾ متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿آتَيْنا﴾. وَما ﴿الواو﴾ حالية ﴿ما﴾ نافية ﴿نُرْسِلَ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِالْآياتِ﴾ متعلق بـ ﴿نُرْسِلَ﴾ أو حال من المفعول المحذوف كما مر نظيره آنفًا ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿تَخْوِيفًا﴾ مفعول لأجله منصوب بـ ﴿نُرْسِلَ﴾؛ أو حال من فاعل ﴿نُرْسِلَ﴾ أي حالة كوننا مخوفين بها، أو من ﴿الآيات﴾ أي: مخوفًا بها.
170
﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى متعلق بمحذوف تقديره: واذكر لقومك قصة إذ قلنا لك ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ ناصب واسمه ﴿أَحَاطَ﴾ فعل ماض ﴿بِالنَّاسِ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿أَحاطَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْنا﴾ ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿جَعَلْنَا الرُّؤْيَا﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة مستأنفة ﴿الَّتِي﴾ اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿أَرَيْناكَ﴾ ﴿أَرَيْناكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره أريناكها، وهو العائد على الموصول، وجملة ﴿أَرَيْناكَ﴾ صلة الموصول ﴿إِلَّا﴾ أداء استثناء مفرغ ﴿فِتْنَةً﴾ مفعول ثان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾.
﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾.
﴿وَالشَّجَرَةَ﴾ معطوف على ﴿الرُّؤْيَا﴾. ﴿الْمَلْعُونَةَ﴾ صفة لـ ﴿الشَّجَرَةَ﴾. ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ جار ومجرور حال من ﴿الشَّجَرَةَ﴾؛ أي: حالة كونها مذكورة في القرآن، ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿نُخَوِّفُهُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿يَزِيدُهُمْ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على التخويف ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿طُغْيانًا﴾ مفعول ثان ﴿كَبِيرًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على جملة ﴿نخوف﴾.
﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١)﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر قصّة إذ قلنا للملائكة ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾ ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اسْجُدُوا﴾ فعل وفاعل ﴿لِآدَمَ﴾ متعلق به، والجملة في محل
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى متعلق بمحذوف تقديره: واذكر لقومك قصة إذ قلنا لك ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل ﴿لَكَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ ناصب واسمه ﴿أَحَاطَ﴾ فعل ماض ﴿بِالنَّاسِ﴾ متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿أَحاطَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْنا﴾ ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿جَعَلْنَا الرُّؤْيَا﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والجملة مستأنفة ﴿الَّتِي﴾ اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿أَرَيْناكَ﴾ ﴿أَرَيْناكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره أريناكها، وهو العائد على الموصول، وجملة ﴿أَرَيْناكَ﴾ صلة الموصول ﴿إِلَّا﴾ أداء استثناء مفرغ ﴿فِتْنَةً﴾ مفعول ثان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾.
﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا﴾.
﴿وَالشَّجَرَةَ﴾ معطوف على ﴿الرُّؤْيَا﴾. ﴿الْمَلْعُونَةَ﴾ صفة لـ ﴿الشَّجَرَةَ﴾. ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ جار ومجرور حال من ﴿الشَّجَرَةَ﴾؛ أي: حالة كونها مذكورة في القرآن، ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿نُخَوِّفُهُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿فَمَا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿ما﴾ نافية ﴿يَزِيدُهُمْ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على التخويف ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿طُغْيانًا﴾ مفعول ثان ﴿كَبِيرًا﴾ صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على جملة ﴿نخوف﴾.
﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١)﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر قصّة إذ قلنا للملائكة ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾ ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اسْجُدُوا﴾ فعل وفاعل ﴿لِآدَمَ﴾ متعلق به، والجملة في محل
171
النصب مقول ﴿قُلْنا﴾ ﴿فَسَجَدُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿سجدوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿قُلْنا﴾ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿إِبْلِيسَ﴾ منصوب على الاستثناء ﴿قالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾ والجملة في محل النصب حال من ﴿إِبْلِيسَ﴾ ﴿أَأَسْجُدُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري، ﴿أَسْجُدُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾ والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿لِمَنْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَسْجُدُ﴾ ﴿خَلَقْتَ﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: لمن خلقته ﴿طِينًا﴾ حال من من الموصولة، والعامل فيه ﴿أَسْجُدُ﴾ أو من العائد المحذوف، والعامل ﴿خَلَقْتَ﴾ أو منصوب بنزع الخافض أي: من طين أو مفعول منه، منصوب بـ ﴿خَلَقْتَ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ﴾؛ أي: من قومه؛ لأن قومه مفعول به كما ذكرنا في مبحثه.
﴿قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾، والجملة مستأنفة ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ إلى قوله: ﴿قالَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿أرايت﴾ فعل وفاعل، و ﴿الكاف﴾ حرف دال على الخطاب لتأكيد الخطاب المفهوم من ﴿التاء﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿هذَا﴾ في محل النصب مفعول أول لـ ﴿رأيت﴾ ﴿الَّذِي﴾ صفة لاسم الإشارة، أو بدل منه ﴿كَرَّمْتَ﴾ فعل وفاعل ﴿عَلَيَّ﴾ متعلق به، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: كرمته عليّ والمفعول الثاني لـ ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ محذوف لدلالة الصلة عليه، ولا بد من كونه جملة استفهامية، والتقدير: أخبرني عن هذا الذي كرمته علي، بأن أمرتني بالسجود له، لم كرمته علي؛ أي: تقديره أرأيتك هذا الذي كرمته علي لم كرمته علي، ولم يجبه الله تعالى عن هذا السؤال، استصغارًا لأمره، واحتقارًا لشأنه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، ثمَّ ابتدأ بالقسم فقال: ﴿لَئِنْ﴾ ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿إن﴾ حرف شرط ﴿أَخَّرْتَنِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول ونون وقاية في محل الجزم
﴿قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾، والجملة مستأنفة ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ إلى قوله: ﴿قالَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿أرايت﴾ فعل وفاعل، و ﴿الكاف﴾ حرف دال على الخطاب لتأكيد الخطاب المفهوم من ﴿التاء﴾، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿هذَا﴾ في محل النصب مفعول أول لـ ﴿رأيت﴾ ﴿الَّذِي﴾ صفة لاسم الإشارة، أو بدل منه ﴿كَرَّمْتَ﴾ فعل وفاعل ﴿عَلَيَّ﴾ متعلق به، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: كرمته عليّ والمفعول الثاني لـ ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾ محذوف لدلالة الصلة عليه، ولا بد من كونه جملة استفهامية، والتقدير: أخبرني عن هذا الذي كرمته علي، بأن أمرتني بالسجود له، لم كرمته علي؛ أي: تقديره أرأيتك هذا الذي كرمته علي لم كرمته علي، ولم يجبه الله تعالى عن هذا السؤال، استصغارًا لأمره، واحتقارًا لشأنه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، ثمَّ ابتدأ بالقسم فقال: ﴿لَئِنْ﴾ ﴿اللام﴾ موطئة للقسم ﴿إن﴾ حرف شرط ﴿أَخَّرْتَنِ﴾ فعل وفاعل، ومفعول ونون وقاية في محل الجزم
172
بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَخَّرْتَنِ﴾ ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ﴾ ﴿اللام﴾ موطئة للقسم مؤكدة للأولى ﴿أحتنكن﴾ فعل مضارع في محل الرفع، لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا يعود على إبليس ﴿ذُرِّيَّتَهُ﴾ مفعول به ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿قَلِيلًا﴾ مستثنى من الذرية منصوب بإلا على الاستثناء، والجملة الفعلية: جواب القسم لا محلّ لها من الإعراب، وجملة القسم في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، تقديره: إن أخرتني أحتنك ذريته إلّا قليلا وجملة الشرط معترضة بين القسم وجوابه في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُورًا (٦٣)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿اذْهَبْ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اذْهَبْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿فَمَنْ﴾ ﴿الفاء﴾ استئنافية ﴿من﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما ﴿تَبِعَكَ﴾ فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿مِنْهُمْ﴾ جار ومجرور حال من ضمير الفاعل في ﴿تَبِعَكَ﴾ ﴿فَإِنَّ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية ﴿إن جهنم جزاؤكم﴾ ناصب واسمه وخبره، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة ﴿جَزاءً﴾ منصوب على المفعولية المطلقة بالمصدر المذكور قبله، أو بفعل محذوف تقديره: تجزون جزاء ﴿مَوْفُورًا﴾ صفة لـ ﴿جَزاءً﴾.
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا (٦٤)﴾.
﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿اذْهَبْ﴾ ﴿مَنِ﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول
﴿قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُورًا (٦٣)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿اذْهَبْ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اذْهَبْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿فَمَنْ﴾ ﴿الفاء﴾ استئنافية ﴿من﴾ اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما ﴿تَبِعَكَ﴾ فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾ ﴿مِنْهُمْ﴾ جار ومجرور حال من ضمير الفاعل في ﴿تَبِعَكَ﴾ ﴿فَإِنَّ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية ﴿إن جهنم جزاؤكم﴾ ناصب واسمه وخبره، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة ﴿جَزاءً﴾ منصوب على المفعولية المطلقة بالمصدر المذكور قبله، أو بفعل محذوف تقديره: تجزون جزاء ﴿مَوْفُورًا﴾ صفة لـ ﴿جَزاءً﴾.
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُورًا (٦٤)﴾.
﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ فعل أمر وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿اذْهَبْ﴾ ﴿مَنِ﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول
173
به ﴿اسْتَطَعْتَ﴾ فعل وفاعل، ومفعوله، محذوف تقديره: من استطعت استفزازه، والجملة صلة ﴿مَنِ﴾ الموصولة، والعائد الضمير المحذوف ﴿مِنْهُمْ﴾ جار ومجرور حال من ﴿مَنِ﴾ الموصولة، أو من العائد المحذوف ﴿بِصَوْتِكَ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿اسْتَفْزِزْ﴾ ﴿وَأَجْلِبْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة معطوفة على جملة ﴿اذْهَبْ﴾ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿أَجْلِبْ﴾ ﴿بِخَيْلِكَ﴾ جار ومجرور حال من فاعل ﴿أَجْلِبْ﴾؛ أي: حالة كونك مصحوبًا بخيلك، ﴿وَرَجِلِكَ﴾ معطوف على خيلك، ﴿وَشارِكْهُمْ﴾ فعل ومفعول معطوف على ﴿اذْهَبْ﴾ وفاعله ضمير يعود على إبليس فِي ﴿الْأَمْوالِ﴾ متعلق بـ ﴿شارِكْهُمْ﴾، ﴿وَالْأَوْلادِ﴾ معطوف على الأموال، ﴿وَعِدْهُمْ﴾ فعل ومفعول معطوف على ﴿اذْهَبْ﴾ وفاعله ضمير يعود على إبليس، ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ حالية، أو اعتراضية ﴿ما﴾ نافية ﴿يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ﴾ فعل ومفعول وفاعل ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿غُرُورًا﴾ منصوب على المفعولية المطلقة لأنه صفة لمصدر محذوف تقديره: إلا وعدا غرورا؛ أي: باطلا، والجملة المنفية في محل النصب حال من فاعل، ﴿عِدْهُمْ﴾، وفي الكلام التفات أو جملة معترضة لا محلَّ لها من الإعراب لاعتراضها بين الجمل التي خاطب الله بها إبليس. اهـ كرخي.
﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)﴾.
﴿إِنَّ عِبادِي﴾ ناصب واسمه ﴿لَيْسَ﴾ فعل ماض ناقص ﴿لَكَ﴾ خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿سُلْطانٌ﴾ ﴿سُلْطانٌ﴾ اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر؛ أي: ليس سلطان عليهم كائنًا لك، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مسوقة لتعليل ما قبلها على كونها مقول ﴿قالَ﴾ ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾ فعل وفاعل و ﴿الباء﴾ زائدة في فاعل ﴿كَفى﴾ ﴿وَكِيلًا﴾ منصوب على التمييز لنسبة ﴿كَفى﴾ إلى فاعله، وجملة ﴿كَفى﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦)﴾.
﴿رَبُّكُمُ الَّذِي﴾ مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل كفايته،
﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)﴾.
﴿إِنَّ عِبادِي﴾ ناصب واسمه ﴿لَيْسَ﴾ فعل ماض ناقص ﴿لَكَ﴾ خبر ﴿لَيْسَ﴾ مقدم ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿سُلْطانٌ﴾ ﴿سُلْطانٌ﴾ اسم ﴿لَيْسَ﴾ مؤخر؛ أي: ليس سلطان عليهم كائنًا لك، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مسوقة لتعليل ما قبلها على كونها مقول ﴿قالَ﴾ ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ﴾ فعل وفاعل و ﴿الباء﴾ زائدة في فاعل ﴿كَفى﴾ ﴿وَكِيلًا﴾ منصوب على التمييز لنسبة ﴿كَفى﴾ إلى فاعله، وجملة ﴿كَفى﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦)﴾.
﴿رَبُّكُمُ الَّذِي﴾ مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل كفايته،
174
وبيان قدرته على عصمة من توكل عليه في أموره. اهـ زاده. ﴿يُزْجِي﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الموصول ﴿لَكُمُ﴾ متعلق به ﴿الْفُلْكَ﴾ مفعول به ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ حال من الفلك، والجملة الفعلية صلة الموصول ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل ﴿تبتغوا﴾ فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لابتغائكم من فضله الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُزْجِي﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿كانَ﴾ فعل ماض ناقص واسمه ضمير يعود على الرب ﴿بِكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿رَحِيمًا﴾ ﴿رَحِيمًا﴾ خبر ﴿كانَ﴾ وجملة ﴿كانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها فهي تعليل ثان لقوله: ﴿يُزْجِي﴾.
﴿وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا (٦٧)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ فعل ومفعول، وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ جار ومجرور حال من كاف المخاطبين تقديره: حالة كونكم في البحر ﴿ضَلَّ﴾ فعل ماض ﴿مَنْ﴾ اسم موصول في محل الرفع فاعل ضل، وجملة ﴿تَدْعُونَ﴾ صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من تدعونه ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿إِيَّاهُ﴾ في محل النصب على الاستثناء من ﴿مَنْ﴾ الموصولة، وجملة ﴿ضَلَّ﴾ جواب ﴿إِذا﴾ لا محلّ لها من الإعراب، وجملة إذا معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة على محذوف تقديره: ولما دعوتموه تعالى نجاكم إلى البر ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم ﴿نَجَّاكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية فعلُ شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب ﴿إِلَى الْبَرِّ﴾ جار ومجرور حال من ضمير المخاطبين؛ أي: حَالَة كونكم، واصلين إلى البر، أو متعلق بـ ﴿نَجَّاكُمْ﴾ ﴿أَعْرَضْتُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿لما﴾ لا
﴿وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا (٦٧)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾ عاطفة ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ فعل ومفعول، وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿فِي الْبَحْرِ﴾ جار ومجرور حال من كاف المخاطبين تقديره: حالة كونكم في البحر ﴿ضَلَّ﴾ فعل ماض ﴿مَنْ﴾ اسم موصول في محل الرفع فاعل ضل، وجملة ﴿تَدْعُونَ﴾ صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من تدعونه ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿إِيَّاهُ﴾ في محل النصب على الاستثناء من ﴿مَنْ﴾ الموصولة، وجملة ﴿ضَلَّ﴾ جواب ﴿إِذا﴾ لا محلّ لها من الإعراب، وجملة إذا معطوفة على جملة قوله: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة على محذوف تقديره: ولما دعوتموه تعالى نجاكم إلى البر ﴿لما﴾ حرف شرط غير جازم ﴿نَجَّاكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية فعلُ شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب ﴿إِلَى الْبَرِّ﴾ جار ومجرور حال من ضمير المخاطبين؛ أي: حَالَة كونكم، واصلين إلى البر، أو متعلق بـ ﴿نَجَّاكُمْ﴾ ﴿أَعْرَضْتُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿لما﴾ لا
175
محلّ لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، ﴿وَكانَ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ﴿كانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا﴾ فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل قوله: ﴿أَعْرَضْتُمْ﴾.
﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)﴾.
﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿أمنتم﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والتقدير: أنجوتم فأمنتم، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ﴿أَنْ يَخْسِفَ﴾ ناصب وفعل منصوب وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِكُمْ﴾ جار ومجرور حال من ﴿جانِبَ الْبَرِّ﴾ ﴿جانِبَ الْبَرِّ﴾ مفعول به: والتقدير أن يخسف جانب البر حالة كونه مصحوبًا بكم، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية، في تأويل مصدر مجرور، بحرف جر محذوف، تقديره: أفأمنتم من خسف الله تعالى جانب البرّ ﴿بِكُمْ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أمنتم﴾ ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾ معطوف على ﴿يَخْسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق به ﴿حَاصِبًا﴾ مفعول به ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف ﴿لا﴾ نافية ﴿تَجِدُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿يُرْسِلَ﴾ ﴿لَكُمْ﴾ حال من ﴿وَكِيلًا﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها ﴿وَكِيلًا﴾ مفعول به لـ ﴿وجد﴾ فهو من وجدان الضالة يتعدى لمفعول واحد.
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)﴾.
﴿أَمْ﴾ منقطعة بمعنى بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري ﴿أَمِنْتُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ أو مستأنفة، ويجوز أن تكون ﴿أَمْ﴾ متصلة؛ أي: أي الأمرين كائن ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يعيد﴾ ﴿تارَةً﴾ منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ ﴿يعيد﴾ أيضًا ﴿أُخْرى﴾ صفة لـ ﴿تارَةً﴾، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: أم أمنتم إعادتَه إيَّاكم فيه مرةً
﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)﴾.
﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿أمنتم﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على تلك الجملة المحذوفة، والتقدير: أنجوتم فأمنتم، والجملة المحذوفة جملة إنشائية مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ﴿أَنْ يَخْسِفَ﴾ ناصب وفعل منصوب وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِكُمْ﴾ جار ومجرور حال من ﴿جانِبَ الْبَرِّ﴾ ﴿جانِبَ الْبَرِّ﴾ مفعول به: والتقدير أن يخسف جانب البر حالة كونه مصحوبًا بكم، والجملة الفعلية مع ﴿أَنْ﴾ المصدرية، في تأويل مصدر مجرور، بحرف جر محذوف، تقديره: أفأمنتم من خسف الله تعالى جانب البرّ ﴿بِكُمْ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أمنتم﴾ ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾ معطوف على ﴿يَخْسِفَ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق به ﴿حَاصِبًا﴾ مفعول به ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف ﴿لا﴾ نافية ﴿تَجِدُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿يُرْسِلَ﴾ ﴿لَكُمْ﴾ حال من ﴿وَكِيلًا﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها ﴿وَكِيلًا﴾ مفعول به لـ ﴿وجد﴾ فهو من وجدان الضالة يتعدى لمفعول واحد.
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)﴾.
﴿أَمْ﴾ منقطعة بمعنى بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري ﴿أَمِنْتُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ أو مستأنفة، ويجوز أن تكون ﴿أَمْ﴾ متصلة؛ أي: أي الأمرين كائن ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿يعيد﴾ ﴿تارَةً﴾ منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ ﴿يعيد﴾ أيضًا ﴿أُخْرى﴾ صفة لـ ﴿تارَةً﴾، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، والتقدير: أم أمنتم إعادتَه إيَّاكم فيه مرةً
176
أخرى ﴿فَيُرْسِلَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿يرسل﴾ معطوف على ﴿يعيد﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق به ﴿قاصِفًا﴾ مفعول به ﴿مِنَ الرِّيحِ﴾ جار ومجرور، صفة لـ ﴿قاصِفًا﴾ ﴿فَيُغْرِقَكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿يغرقكم﴾ فعل ومفعول معطوف على ﴿يرسل﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِمَا﴾ ﴿الباء﴾ حرف جر وسبب ﴿ما﴾ مصدرية ﴿كَفَرْتُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿الباء﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يغرق﴾؛ أي: فيغرقكم بسبب كفركم، ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف ﴿لا﴾ نافية، ﴿تَجِدُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿يغرقكم﴾ ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور حال من ﴿تَبِيعًا﴾ لأنه كان في الأصل صفة لـ ﴿تَبِيعًا﴾ فقدّم عليه على حد قول أبي الطيب المتنبي:
فقوله: لها متعلق بمحذوف حال من سُبلًا لأنه صفة نكرة، قدمت عليها، ولا يجوز تعلقه بوجدت، لأن وجد لا يتعدى باللام، وإنما يتعدَّى بنفسه، و ﴿عَلَيْنا﴾ متعلق بمحذوف حال من ﴿تَبِيعًا﴾ أيضًا، و ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿تَبِيعًا﴾ ﴿تَبِيعًا﴾ مفعول لـ ﴿تَجِدُوا﴾، ويجوز أن يتضمن ﴿تَبِيعًا﴾ بمعنى ﴿نَاصِرًا﴾ فيكون ﴿عَلَيْنَا﴾ متعلق به؛ أي: ناصرًا علينا، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ يقال: نزغ بينهم من باب نفع، إذا أفسد، وأغرى، ووسوس أي يفسد ويهيج الشر والمراء بينهم فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد، وازدياد الفساد، وفي «القاموس»: ونزغه كمنعه طعن فيه، واغتابه ﴿وَكِيلًا﴾، والوكيل: هو المفوض إليه الأمر. ﴿زَبُورًا﴾ والزبور: اسم الكتاب الذي أنزل على داود عليه السلام، وتعريف الزبور تارةً، وتنكيره أخرى إمّا لأنه في الأصل فعول بمعنى المفعول، كالحلوب أو مصدر بمعناه كالقبور، وإما لأن المراد إيتاء داود زبورا من الزبر فيه ذكره - ﷺ - اهـ.
﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ الزعم بتثليث الزاي: القول المشكوك في صدقه: وقد يستعمل بمعنى الكذب، حتى قال ابن عباس: كل موضع في كتاب الله ورد فيه
لَوْلا مفارقةُ الأَحْبَاب مَا وَجَدَتْ | لَهَا المَنَايَا إلَى أَرْوَاحِنَا سُبُلَا |
التصريف ومفردات اللغة
﴿يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ يقال: نزغ بينهم من باب نفع، إذا أفسد، وأغرى، ووسوس أي يفسد ويهيج الشر والمراء بينهم فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد، وازدياد الفساد، وفي «القاموس»: ونزغه كمنعه طعن فيه، واغتابه ﴿وَكِيلًا﴾، والوكيل: هو المفوض إليه الأمر. ﴿زَبُورًا﴾ والزبور: اسم الكتاب الذي أنزل على داود عليه السلام، وتعريف الزبور تارةً، وتنكيره أخرى إمّا لأنه في الأصل فعول بمعنى المفعول، كالحلوب أو مصدر بمعناه كالقبور، وإما لأن المراد إيتاء داود زبورا من الزبر فيه ذكره - ﷺ - اهـ.
﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ الزعم بتثليث الزاي: القول المشكوك في صدقه: وقد يستعمل بمعنى الكذب، حتى قال ابن عباس: كل موضع في كتاب الله ورد فيه
177
«زعم» فهو كذب ﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾؛ أي: لا يستطيعون ﴿كَشْفَ الضُّرِّ﴾ ﴿وَلا تَحْوِيلًا﴾؛ أي: إزالته عنكم، أو تحويله، ونقله عنكم إلى غيركم ﴿الْوَسِيلَةَ﴾ القرب إليه تعالى بالطاعة والعبادة ﴿مَحْذُورًا﴾، أي يحذره، ويحترس منه كل أحد ﴿فِي الْكِتابِ﴾؛ أي: في اللوح المحفوظ ﴿مَسْطُورًا﴾؛ أي: مكتوبًا اسم مفعول من سطر - من باب نصر - سطرًا بالسكون، وسطرًا بالتحريك، وجمع السطر بالسكون أسطر كفلس، وأفلس وجمع السطر بالتحريك: أسطارٌ كسبب، وأسباب ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ﴾؛ والآيات هي ما اقترحته قريش من جعل الصَّفا ذهبًا. ﴿مُبْصِرَةً﴾؛ أي: ذات بصيرة، لمن يتأملها، ويتفكر فيها ﴿فَظَلَمُوا بِها﴾؛ أي: فكفروا بها، وجحدوا ﴿أَحاطَ بِالنَّاسِ﴾، أي: أحاطت بهم قدرته فلا يستطيعون إيصال الأذى إليك إلا بإذننا ﴿الرُّؤْيَا﴾ والرؤيا هي ما عاينه - ﷺ - ليلة أسري به من العجائب. ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾، أي: المؤذية، وهي شجرة الزقوم، وللعلماء في معنى الملعونة ثلاثة أقوال:
أحدها: المذمومة. قاله ابن عباس.
والثاني: الملعون آكلها، ذكره الزجَّاج، وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن آكلها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون، وأما قوله: ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ فمعناه التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورةٌ في قوله: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾.
والثالث: أن معنى الملعونة المبعدة عن منازل أهل الفضل. ذكره ابن الأنباري.
وفي هذه الشّجرة أيضًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّها شجرة الزقوم، رواه عكرمة.
والقول الثاني: أنَّ الشَّجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر يعني الكشوثي، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. قال الجوهري: الكشوث نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر:
أحدها: المذمومة. قاله ابن عباس.
والثاني: الملعون آكلها، ذكره الزجَّاج، وقال: إن لم يكن في القرآن ذكر لعنها، ففيه لعن آكلها، قال: والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون، وأما قوله: ﴿فِي الْقُرْآنِ﴾ فمعناه التي ذكرت في القرآن، وهي مذكورةٌ في قوله: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾.
والثالث: أن معنى الملعونة المبعدة عن منازل أهل الفضل. ذكره ابن الأنباري.
وفي هذه الشّجرة أيضًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّها شجرة الزقوم، رواه عكرمة.
والقول الثاني: أنَّ الشَّجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر يعني الكشوثي، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. قال الجوهري: الكشوث نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر: