ﰡ
[الآيات]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المؤيد بالوحي والإلهام من عند العليم العلام القدوس السلام مقتضى نبوتك وتأيدك ان لا تخالف حكم الله ولا تبادر الى الخروج عما قضى لِمَ تُحَرِّمُ وتمنع عن نفسك من عندك بلا ورود نهى من قبل ربك ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ واباحه عليك بمقتضى حكمته وعدالته تَبْتَغِي وتطلب أنت بتحريم الحلال على نفسك باستبدادك بلا ورود وحى ونزول الهام مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وتترك رضاء الله بمخالفة حكمه فارتدع عن فعلك هذا واستغفر الله لزلتك وَاللَّهُ المطلع على نيتك وإخلاصك غَفُورٌ يعفو عنك ما صدر منك من تلقاء نفسك رَحِيمٌ يرحمك ويقبل توبتك. روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلا بأمته مارية في يوم حفصة فاطلعت حفصة على ذلك فعاتبته فقال صلّى الله عليه وسلّم قد حرمت مارية على نفسي لأجلك لا تقولي لواحدة من أزواجي واستكتميها عنهن هذا التحريم واعلمي ايضا ان الخلافة بعدي لأبي بكر وبعده لعمر ولا تفش لاحد قط فأخبرت حفصة عائشة بكلا الخبرين بكونهما صديقتين فأخبرت عائشة رسول الله بها فغضب صلّى الله عليه وسلّم وطلق حفصة طلاقا رجعيا وعزل عن نسائه تسعا وعشرين يوما لأجل هذه الواقعة فانزل الله تعالى يا ايها النبي لم تحرم الآية لما نهى سبحانه نبيه صلّى الله عليه وسلّم على وجه المبالغة والتأكيد أراد سبحانه ان يبين كفارة اليمين الواقعة بين المؤمنين في أمثال هذا فقال
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ المدبر الحكيم وشرع لَكُمْ على سبيل الوجوب تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ اى لتحليل ايمانكم وتكفيرها لتكون كفارة مكفرة عنها وَاللَّهُ المصلح لأحوالكم مَوْلاكُمْ ومتولى أموركم وَهُوَ الْعَلِيمُ بعموم مصالحكم ومفاسدكم الْحَكِيمُ في ضبطها وإصلاحها
وَاذكروا واعتبروا ايها المؤمنون وقت إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعنى حفصة حَدِيثاً وهو حديث تحريم مارية وحديث خلافة ابى بكر وعمر رضى الله عنهما بعده صلّى الله عليه وسلم فَلَمَّا نَبَّأَتْ وأخبرت حفصة بِهِ عائشة رضى الله عنهما وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ واطلع سبحانه نبيه صلّى الله عليه وسلم عَلَيْهِ اى على افشاء حفصة الحديث المعهود الذي اوصاها صلّى الله عليه وسلّم بالاسرار فغضب صلّى الله عليه وسلم على حفصة لذلك قد عَرَّفَ بَعْضَهُ اى ذكر صلّى الله عليه وسلّم بعض الحديث وهو حديث مارية وطلقها طلاقا رجعيا انتقاما عنها وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ وهو قصة الخلافة ولم يعرفها ولم يذكرها لها لئلا تقع الفتنة بين المسلمين ومع ذلك قد وقعت وبعد ما اطلع الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم على افشاء الحديث المعهود فَلَمَّا نَبَّأَها وخبر حفصة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بِهِ اى بإفشاء الحديث معاتبا لها قالَتْ حفصة ظنا منها انه قد صدر هذا من عائشة مَنْ أَنْبَأَكَ وأخبرك هذا الحديث يا رسول الله قالَ صلّى الله عليه وسلّم في جوابها نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ بالسرائر والخفايا الْخَبِيرُ بعموم ما يجرى في ضمائر عباده ونياتهم. ثم قال سبحانه من قبل نبيه صلّى الله عليه وسلّم على وجه الخطاب المنبئ عن العتاب
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ أنتما يا حفصة وعائشة عما صدر عنكما توبة صادرة عن محض الندم والإخلاص منبئة عن كمال الموافقة والمخالصة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد جبرتما بما كسرتما والا فَقَدْ صَغَتْ زاغت ومالت قُلُوبُكُما عن موافقة الرسول ومخالصته فجئتما بما يكرهه صلّى الله عليه وسلم بكراهتكما ما يحبه صلّى الله عليه وسلم وَإِنْ تَظاهَرا وتعاونا عَلَيْهِ اى على ما أنتما عليه من مخالفة الرسول فلن تضراه صلّى الله عليه وسلّم شيأ من الضرر وكيف يلحقه صلّى الله عليه وسلم
عَسى رَبُّهُ الذي رباه صلّى الله عليه وسلّم على الكرامة الاصلية والنجابة الجبلية إِنْ طَلَّقَكُنَّ جميعا أَنْ يُبْدِلَهُ بمقتضى قدرته وارادته أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ صورة وسيرة أخلاقا وأعمالا مُسْلِماتٍ في الاعتقاد مسلمات عن العيوب مُؤْمِناتٍ بوحدة الحق مصدقات لعموم ما نزل من عنده قانِتاتٍ راسخات على الطاعات مواظبات على عموم الخيرات خاضعات خاشعات لله في عموم الأوقات تائِباتٍ عن عموم المنكرات والمحظورات عابِداتٍ على وجه التذلل والخضوع وكمال الانكسار والخشوع سائِحاتٍ صائمات ممسكات عن مطلق المحارم او مهاجرات عن بقعة الإمكان نحو فضاء الوجوب شوقا ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً يعنى سواء كن ثيبات او أبكارا. ثم اوصى سبحانه لعموم المؤمنين بما يصلح لهم ويليق بحالهم فقال
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم حفظ انفسكم عن مطلق المهالك الدينية قُوا أَنْفُسَكُمْ واحفظوها عن ارتكاب عموم المعاصي والالتفات الى مطلق المنكرات والتوجه نحو المحظورات وَأَهْلِيكُمْ اى من في حفظكم وحضانتكم من أزواجكم وأولادكم عن الوقوع في المهالك والفتن وانواع الآثام الموجبة للخذلان والحرمان وبالجملة اتقوا واحذروا ناراً وأي نار نارا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ اى ما يتقد به النار أجسام الأنام والحجارة وذلك من شدة حرارتها وإحراقها بخلاف سائر النيران فان وقودها الحطب ومع ذلك يوكل عَلَيْها مَلائِكَةٌ يوقدونها وهم الزبانية صفتهم انهم غِلاظٌ في أقوالهم وهياكلهم لا يتأتى منهم الملاينة والملاطفة أصلا شِدادٌ في البطش وعموم التعذيب لا يَعْصُونَ اللَّهَ ولا يتجاوزون عن امره سبحانه في عموم ما أَمَرَهُمْ بل يمضونها على الوجه المأمور بلا فوت شيء منها بعذر او شفاعة او شفقة او مروءة بل وَهم يَفْعَلُونَ عموم ما يُؤْمَرُونَ على وجهه خوفا من غيرته سبحانه وغضبه وبعد ما نادى سبحانه عموم المؤمنين بما نادى نادى ايضا عموم الكافرين على مقتضى المقابلة فقال
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وكذبوا رسله المبعوثين إليكم ليرشدوكم الى سبيل الهداية والسلامة فانكرتموهم وجميع ما جاءوا به بلا تأمل وتوقف فعليكم انه لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ بان أعمالكم دون عذابكم وانقص منها بل إِنَّما تُجْزَوْنَ من العذاب على مقتضى ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والإنكار. ثم قال سبحانه
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق من شأن ايمانكم تطهير قلوبكم عن مطلق المعاصي والآثام المنافية لصرافة وحدة الذات ولا يتيسر لكم هذا الا بالتوجه والرجوع على وجه الندم والإخلاص تُوبُوا ايها المخلصون المبتلون بفتنة الذنوب إِلَى اللَّهِ الملك القدوس المنزه ساحة حضوره عن سمة الحدوث والإمكان مطلقا تَوْبَةً نَصُوحاً خالصة لوجه الله قالعة لعرق الالتفات الى غير الله وأنتم نادمون على الذنوب الصادرة عنكم فيما مضى مجتنبين عن التي ستأتى وتوبتكم هذه مخلية مصفية لنفوسكم عن مطلق الكدورات المتعلقة بالغير محلية لها بالتقوى عن مطلق الرذائل العائقة عن التوجه الخالص نحو المولى عَسى رَبُّكُمْ بعد ما تبتم ورجعتم نحوه بكمال التبتل والإخلاص أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويعفو عنكم زلاتكم ولم ينتقم منكم وَيُدْخِلَكُمْ تفضلا عليكم وإحسانا جَنَّاتٍ متنزهات العلم والعين والحق
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المبعوث لإعلاء كلمة التوحيد جاهِدِ الْكُفَّارَ الذين ستروا بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق وأنكروا وجودها عنادا ومكابرة وقاتلهم بلا مبالاة بشوكتهم وكثرة عددهم وعددهم وَالْمُنافِقِينَ ايضا مع انك مؤيد من لدنا بالحجج القاطعة والبينات الساطعة وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ بالأقوال والأفعال ولا تكن معهم بعد اليوم ملاينتك كما كانت معهم قبله بل اشدد وطأتك عليهم وشرد بهم فان الله معينك وناصرك وهم سيغلبون عن قريب في الدنيا وَفي الآخرة مَأْواهُمْ المعد لهم جَهَنَّمُ البعد والحرمان وسعير الطرد والخذلان وَبِئْسَ الْمَصِيرُ مصيرهم ومرجعهم جهنم وبالجملة قد
ضَرَبَ اللَّهُ العليم الحكيم مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ وشبه حال الكفرة الفجرة بحالهما في عدم نفع صحبتهم مع المؤمنين ومحبتهم لهم واختلاطهم بهم شيأ من عذاب الله إياهم إذ تانك المرأتان قد كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ كاملين مِنْ عِبادِنا وهما نوح ولوط عليهما السلام صالِحَيْنِ لقبولنا مصلحين لاعمالهما وأخلاقهما وعموم اطوارهما فَخانَتاهُما اى تانك المرأتان للكاملين المذكورين بالنفاق فَلَمْ يُغْنِيا ولم يدفعا عَنْهُما اى عن تينك المرأتين بشؤم نفاقهما وشقاقهما مِنْ عذاب اللَّهُ المنتقم الغيور شَيْئاً من الإغناء والدفع بل وَقِيلَ لهما في يوم القيامة على وجه الزجر والتعدي ادْخُلَا النَّارَ المعدة للكفار والعصاة مَعَ سائر الدَّاخِلِينَ فيها على سبيل التأبيد والخلود
وَضَرَبَ اللَّهُ المدبر الحكيم ايضا مَثَلًا آخر لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ وشبه حال المؤمنين في وصلة الكفرة بحال امرأة فرعون وعدم تضررها منه بل تأكد إيمانها بمصاحبة فرعون ومخالطته اذكر إِذْ قالَتْ امرأة فرعون بعد ما انكشفت بالوحدة الذاتية واسرارها مناجية الى ربها رَبِّ يا من رباني بأنواع الكرامة ووفقني على توحيدك ابْنِ لِي عِنْدَكَ يا ربي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وذلك لما آمنت رضى الله عنها حين غلب موسى صلوات الله وسلامه عليه على سحرة فرعون فآمنوا له بعد ما غلبوا فقتلهم فرعون وامر بزجرها حتى اوتدها بالأوتاد الاربعة في حر الشمس حتى ترجع عن الايمان والتوحيد ولم ترجع ثم امر اللعين ان يوضع فوقها صخرة عظيمة وقالت حينئذ مناجية مع ربها من كمال تحننها وانكشافها رب ابن لي عندك بيتا في الجنة وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ الخبيث وَعَمَلِهِ السيئ وَبالجملة نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الخارجين عن ربقة عبوديتك بايمانهم وانقيادهم بهذا اللعين الطاغي واعتقادهم بألوهيته وربوبيته فماتت قبل وضع الصخرة
وَضرب الله
خاتمة سورة التحريم
عليك ايها المحمدي المراقب لكمالات الحق النازلة من عالم الغيب الى الشهادة المتفرعة على الأسماء والصفات الذاتية الإلهية ان تترصد في عموم أوقاتك وحالاتك الى ما سيتجدد ويحدث من عالم الخفأ والكمون الى فضاء البروز والظهور ثم منه الى الغيب والبطون بمقتضى التجليات والنشئات الحبية الإلهية فلا بد لك ان تخلى همك وبالك عن مطلق الاشغال الشاغلة لك عن الالتفات والتوجه الى الله والتفرج على عجائب مصنوعاته وغرائب مخترعاته وإياك إياك ان تغفل عنه سبحانه ساعة فإنها تورثك حسرة طويلة وخسرانا عظيما ان كنت من جملة المستيقظين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب
[سورة الملك]
فاتحة سورة الملك
لا يخفى على من انكشف بوحدة الحق وكثرة شئوناته وتجلياته المترتبة على أسمائه وصفاته الفائتة للحصر والإحصار ان سعة مملكة الحق وملكه وملكوته انما هو بمقتضى رقائق أسمائه وصفاته الغير المتناهية المتجلية بها الظاهرة على مرآة العدم فيلوح منها هياكل الأشباح التي لا غاية لها ولا نهاية تحيطها بعضها مترتب على البعض وبعضها مقابل للبعض متصفا بالشهادة والجلاء وبعضها بالغيب والخفأ وبالجملة جميع ذرائر الكائنات مربوط بعضها ببعض برقائق المناسبات ودقائق الارتباطات الواقعة في عالم الأسماء والصفات لذلك اخبر سبحانه في كتابه عن عظمة ملكه وملكوته وعن كثرة