تفسير سورة نوح

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة نوح من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٧١ ) سورة نوح مكية
وآياتها ثمان وعشرون
كلماتها : ٢٢١ ؛ حروفها : ٧٥٠.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( ١ ) ﴾
تؤكد الآية الكريمة أن الله تعالى بعث نوحا رسولا إلى قومه لينذر ويحذر بأس ربنا وبطشه الأليم قبل أن ينزل بهم ويحل عليهم، إذ كبر عليهم أن يوحدوا الله ويعبدوه، بينما زين لهم تأليه أصنام عكفوا على تقديسها، فناداهم نبيهم إلى الحق، ودعاهم إلى هجر الغواية والشرك، لئلا يكون لهم على الله حجة أن يقولوا ما جاءهم من بشير ولا نذير، ومن عدل مولانا سبحانه وفضله أن لا يعذب حيث يبعث رسولا.
﴿ قال يا قوم إني لكم نذير مبين ( ٢ ) ﴾
ناداهم مذكرا بأنه منهم، حريص عليهم، مؤكدا أنه لخيرهم وحسن عاقبتهم يخوفهم مآل شركهم، ويبين ويظهر ما أتاهم من هدى ربهم.
﴿ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( ٣ ) ﴾
﴿ أن ﴾ تفسيرية و﴿ اعبدوا الله ﴾ أفردوه بالتقديس والطاعة ولا تشركوا به شيئا ﴿ واتقوا ﴾ توقوا غضبه فاتركوا محارمه، واجتنبوا مآثمه ﴿ وأطيعون ﴾ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، فأني أبلغكم ما أرسلني به ربي وأنصح لكم.
﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ( ٤ ) ﴾
﴿ يغفر ﴾ مجزوم في جواب الأمر ( اعبدوا ) أي إذا فعلتم ما آمركم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم فإن الله تعالى يغفر لكم من خطاياكم، فيستر عليكم من ذنوبكم ويمحو ما طلبتم غفره وستره مما لا عدوان فيه على حقوق المخلوقين.
ويطل أعماركم إذا وحدتم وآمنتم وأطعتم ؛ وهو الأمد الأقصى الذي قدره الله تعالى بشرط الإيمان والطاعة وراء ما قدره عز وجل لهم على تقدير بقائهم على الكفر والعصيان.
وبادروا بالإيمان والتقوى قبل حلول النقمة فإنه إذا أمر سبحانه بكون ذلك لا يرد ولا يمانع، فإنه العظيم الذي قد قهر كل شيء، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات ؛ وأضيف الأجل إلى الله تعالى لأنه الذي أثبته.
﴿ لو كنتم تعلمون ﴾ لو كنتم من أهل العلم الذي يتدبرون الأمور وينظرون في عواقبها لسارعتم إلى ما أمرتكم به، لكنكم لستم من أهله فلذا لم تسارعوا، ولو كنتم ممن يتبصرون لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر.
﴿ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( ٥ ) ﴾
قال نوح متضرعا إلى مولاه : رب إني ناديت قومي إلى الهدى في سائر الأوقات، وتابعت نصحهم.
﴿ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( ٦ ) ﴾
فلم يستجيبوا لندائي بل ازدادوا فرارا من الحق وانحرافا عن الرشد.
﴿ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ( ٧ ) ﴾
وتمضي الآية الكريمة تبين شكوى نوح إلى ربه من عناد قومه المستكبرين عن الحق فيؤكد أنه كلما دعاهم إلى الإيمان ليفوزوا بالغفران سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة، وبالغوا في التغطي بالأثواب كراهة النظر إليه من فرط كراهيتهم للدعوة.
﴿ وأصروا ﴾ واستمروا على شركهم وكفرهم.
﴿ واستكبروا استكبارا ﴾ واستنكفوا عن اتباع الحق، وأنفوا وتأبوا الانقياد للهدى والرشاد، وقالوا :﴿ .. إن لنراك في ضلال مبين ﴾١ وقالوا :﴿ إن هو إلا رجل به جنة.. ﴾٢ ثم كان أن أكدوا له وعيدهم :﴿ قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ﴾٣.
١ - سورة الأعراف. من الآية ٦٠..
٢ - سورة المؤمنون. من الآية ٢٥..
٣ - سورة الشعراء. الآية ١١٦..
{ ثم إني دعوتهم جهارا ( ٨ ) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ( ٩ )
ويمضي نوح عليه السلام يشكوهم إلى ربهم- وهو أعلم بهم- فيؤكد أنه دعاهم مجاهرا وعلى ملأ، وأنه كان يدعوهم علانية، وأنه كان يسر إليهم القول ؛ فلان صلوات الله عليه لهم، وسلك سبل الحكمة إذ وعظهم، فمع أنه ملأ الأوقات فدعاهم ليلا ونهارا، أعذر إلى الله فيهم فصاح فيهم وناجاهم. وذكرهم فرادى ومجتمعين.
﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( ١٠ ) ﴾
قلت : سلوا ربكم محو ما سلف ومضى من ذنوبكم فإنه يغفر ويمحو ذنوب من طلب غفرانه وإن كثرت خطاياه، وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب يتب عليكم إنه تواب.
﴿ يرسل السماء عليكم مدرارا ( ١١ ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( ١٢ ) ﴾
رغبهم نبيهم في التوبة بذكر بركاتها في الدنيا حيث قست قلوبهم فهي لا ترقب آخرة.
يعدهم إذا هم آمنوا واستقاموا أن يرسل الله عليهم المطر ماء السماء سيالا- كثير الدرور-، متواصل النزول.
وأعطاكم ومنحكم الأموال الكثيرة، وذرية من الذكور، وأنبت لكم الزرع والحدائق ذات الثمار، وفجر خلالها الأنهار تجري بينها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ يرسل السماء عليكم مدرارا ( ١١ ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( ١٢ ) ﴾
رغبهم نبيهم في التوبة بذكر بركاتها في الدنيا حيث قست قلوبهم فهي لا ترقب آخرة.
يعدهم إذا هم آمنوا واستقاموا أن يرسل الله عليهم المطر ماء السماء سيالا- كثير الدرور-، متواصل النزول.
وأعطاكم ومنحكم الأموال الكثيرة، وذرية من الذكور، وأنبت لكم الزرع والحدائق ذات الثمار، وفجر خلالها الأنهار تجري بينها.

﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ( ١٣ ) وقد خلقكم أطوارا ( ١٤ ) ﴾
ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة ؟، وأي عذر لكم في ترك الخوف من الله القدير ؟
وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على جلاله واقتداره فانشأكم خلقا من بعد خلق، نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم يكمله الله ويصوره أحسن صورة ﴿ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ﴾١.
١ - سورة النازعات. الآية ٢٦..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ( ١٣ ) وقد خلقكم أطوارا ( ١٤ ) ﴾
ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة ؟، وأي عذر لكم في ترك الخوف من الله القدير ؟
وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على جلاله واقتداره فانشأكم خلقا من بعد خلق، نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم يكمله الله ويصوره أحسن صورة ﴿ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ﴾١.
١ - سورة النازعات. الآية ٢٦..

﴿ أو لم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ( ١٥ ) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( ١٦ ) ﴾
ألم تنظروا وتفكروا في دقة الصنع، وحسن الخلق، كيف سوى سبع سماوات متطابقة ؛ ونور الأرض بالقمر- وليس القمر إلا واحدا من كواكب منبثة في السماوات- وجعل الشمس مصدرا للضياء كالسراج والمصباح يستضيء الناس بضيائها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ أو لم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ( ١٥ ) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( ١٦ ) ﴾
ألم تنظروا وتفكروا في دقة الصنع، وحسن الخلق، كيف سوى سبع سماوات متطابقة ؛ ونور الأرض بالقمر- وليس القمر إلا واحدا من كواكب منبثة في السماوات- وجعل الشمس مصدرا للضياء كالسراج والمصباح يستضيء الناس بضيائها.

﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتا ( ١٧ ) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ( ١٨ ) ﴾.
حجة لله تعالى على عباده، وبرهان على حكمته سبحانه واقتداره.
والله- دون سواه- أنبت وأنشأ أبا البشر آدم عليه السلام وبدأ خلقه من التراب والماء، ومن الطين الصلصال الحمأ المسنون، ثم سواه ونفخ فيه من روحه.
و﴿ نباتا ﴾ اسم مصدر من : أنبت.
وكأن المعنى : ببديع صنع المولى- تبارك اسمه- كان أول طور لأبيكم قدر يسير من عناصر الكوكب الذي تسكنونه ثم أجرى الله تعالى فيه الحياة، قريبا مما ترون من تطور الزرع والنبات.
ونعيش على ظهر الأرض ما شاء الله لنا، فإذا حانت آجالنا. وقبضت أرواحنا، استودعنا باطن الأرض حتى يأتي ميعادنا.
فإذا جاء يوم الفصل تشققت الأرض، وجمع الله- القوي العزيز- الشعور المتفرقة، واللحوم المتمزقة والعظام النخرة البالية لمن في القبور، وأحياهم الذي أنشأهم أول مرة :﴿ .. كما بدأكم تعودون ﴾١.
وهكذا فمن الأرض بدأنا، وإلى حفرها وبطنها وقبورها مرقدنا، ومن أجداثها مخرجنا ﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾٢.
١ - سورة الأعراف. من الآية ٢٩.
.

٢ - سورة طه. الآية ٥٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتا ( ١٧ ) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ( ١٨ ) ﴾.
حجة لله تعالى على عباده، وبرهان على حكمته سبحانه واقتداره.
والله- دون سواه- أنبت وأنشأ أبا البشر آدم عليه السلام وبدأ خلقه من التراب والماء، ومن الطين الصلصال الحمأ المسنون، ثم سواه ونفخ فيه من روحه.
و﴿ نباتا ﴾ اسم مصدر من : أنبت.
وكأن المعنى : ببديع صنع المولى- تبارك اسمه- كان أول طور لأبيكم قدر يسير من عناصر الكوكب الذي تسكنونه ثم أجرى الله تعالى فيه الحياة، قريبا مما ترون من تطور الزرع والنبات.
ونعيش على ظهر الأرض ما شاء الله لنا، فإذا حانت آجالنا. وقبضت أرواحنا، استودعنا باطن الأرض حتى يأتي ميعادنا.
فإذا جاء يوم الفصل تشققت الأرض، وجمع الله- القوي العزيز- الشعور المتفرقة، واللحوم المتمزقة والعظام النخرة البالية لمن في القبور، وأحياهم الذي أنشأهم أول مرة :﴿.. كما بدأكم تعودون ﴾١.
وهكذا فمن الأرض بدأنا، وإلى حفرها وبطنها وقبورها مرقدنا، ومن أجداثها مخرجنا ﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾٢.
١ - سورة الأعراف. من الآية ٢٩.
.

٢ - سورة طه. الآية ٥٥..

﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا ( ١٩ ) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( ٢٠ ) ﴾
وفيما بين مبدئنا ولحدنا، ومحيانا ومماتنا، لنا في الأرض مستقر ومتاع.
ومن آيات ربنا أن بسط الأرض ومهدها، وأرساها بالجبال لتستقروا عليها، وأجرى فيها الأنهار ومرج البحار وقدر الأقوات.
﴿ لتسلكوا ﴾ لتسيروا في أي الطرق شئتم، وتتقلبوا في أرجائها ونواحيها.
﴿ فجاجا ﴾ واسعة.
كل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السماوات والأرض ؛ ونعمه عليهم فيها جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية، فهو الخالق الرازق، جعل السماء بناء، والأرض مهادا وأوسع على خلقه من رزقه، فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد، ولا يشرك به أحد، لأنه لا نظير له ولا عديل له ولا ند، ولا كفء ولا صاحبة ولا ولد، ولا وزير ولا مشير، بل هو العلي الكبير.
وهو كذلك برهان من ربنا إلى كل مكلف وحجة للخالق على الخلق لكيلا يتخذوا من دونه أولياء ﴿ .. فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾١. وهكذا أعجزت كلمات الله كل المشركين :﴿ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾٢.
١ سورة الشورى. من الآية ٩..
٢ - سورة الروم. الآية ٤٠..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا ( ١٩ ) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( ٢٠ ) ﴾
وفيما بين مبدئنا ولحدنا، ومحيانا ومماتنا، لنا في الأرض مستقر ومتاع.
ومن آيات ربنا أن بسط الأرض ومهدها، وأرساها بالجبال لتستقروا عليها، وأجرى فيها الأنهار ومرج البحار وقدر الأقوات.
﴿ لتسلكوا ﴾ لتسيروا في أي الطرق شئتم، وتتقلبوا في أرجائها ونواحيها.
﴿ فجاجا ﴾ واسعة.
كل هذا مما ينبههم به نوح عليه السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السماوات والأرض ؛ ونعمه عليهم فيها جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية، فهو الخالق الرازق، جعل السماء بناء، والأرض مهادا وأوسع على خلقه من رزقه، فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد، ولا يشرك به أحد، لأنه لا نظير له ولا عديل له ولا ند، ولا كفء ولا صاحبة ولا ولد، ولا وزير ولا مشير، بل هو العلي الكبير.
وهو كذلك برهان من ربنا إلى كل مكلف وحجة للخالق على الخلق لكيلا يتخذوا من دونه أولياء ﴿.. فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾١. وهكذا أعجزت كلمات الله كل المشركين :﴿ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾٢.
١ سورة الشورى. من الآية ٩..
٢ - سورة الروم. الآية ٤٠..

﴿ قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( ٢١ ) ﴾.
تخبرنا الآية الكريمة عن نوح عليه السلام أنه قال لربه – وهو العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء- إنه مع الدعوة المبينة الواضحة بالترغيب حينا وبالترهيب حينا وفي سائر الأوقات وفي الخلوات والجلوات، ومع ذلك داموا على عصيانه وتكذيبه، وخالفوه واتبعوا كبراءهم واستمروا على الانقياد للمستكبرين البطرين الذين غرتهم أموالهم، وأطغتهم أولادهم فلم تزدهم النعم إلا ضلالا في الدنيا وخسارا في الآخرة.
﴿ ومكروا مكرا كبّارا ( ٢٢ ) ﴾
كاد الذين استكبروا للذين استضعفوا فسولوا لهم أنهم على الحق كما يقولون لهم يوم القيامة :﴿ .. بل مكر الليل والنهار إذا تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا.. ﴾١.
وكان كيدهم كبيرا إذ فتنوا الضعفاء عن الهدى بعد إذ تبين لهم :﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ﴾٢.
١ - سورة سبأ. من الآية ٣٣..
٢ - سورة المؤمنون. الآية ٢٤..
﴿ وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ( ٢٣ ) ﴾.
قال كبراء قوم نوح لضعفائهم لا تتركوا عبادة آلهتكم : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر- وكانت أصناما عظموها واتخذوها أربابا- واحذروا أن تفارقوها إلى عبادة إله نوح.
﴿ وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ( ٢٤ ) ﴾
قوله تبارك اسمه :﴿ وقد أضلوا.. ﴾ ربما يعود على ما تضمنه القول الرباني الكريم :﴿ .. واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ﴾ يعني : هؤلاء الذين اتبعوا أضلوا بكيدهم وتحريضهم الضعفاء على مداومة عبادة أصنامهم- أضلوا خلقا كثيرا-
وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى :﴿ وقد أ ضلوا... ﴾ يعني الأصنام التي اتخذوها أَضلت خلقا كثيرا ضلوا بسببها- إذ قد روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد.. اه وإنما أسند الفعل إلى واو الجماعة فلم يضف إلى التاء [ أضلت ] ربما لأنه أجرى عليهم وصف ما يعقل الاعتقاد الكفار فيهم ذلك.
﴿ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ﴾ دعاء من نوح عليه السلام أن يعاجل الله هؤلاء الغاوين بالعذاب- وللقرآن الكريم استعمال في هذا المعنى :﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر. يوم يسحبون في النار على وجوههم... ﴾١ وقيل : إلا خسرانا.
١ - سورة القمر. الآية ٤٧ ومن الآية ٤٨..
﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ( ٢٥ ) ﴾.
﴿ ما ﴾ صلة مؤكدة، أو مصدرية، أو بمعنى المجاز.
من أجل خطيئاتهم- جمع خطيئة – وبسببها- دون أن يظلمهم الله- أغرقهم القوي العزيز فذاقوا وبال أمرهم، وأعقبهم حر النار، فلم يمنعهم من الله تعالى مانع، ولم يجرهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة مجير.
ويستشهد جمهور من العلماء بقوله سبحانه :﴿ فادخلوا ﴾ على ثبوت عذاب القبر، إذ قد عطف بالفاء المقتضية للترتيب باتصال أي : عقب إغراقهم- دون فاصل- أدخلوا نارا، وبين الإغراق وتخليدهم في جهنم بعد حسابهم زمن.
﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( ٢٦ ) ﴾
﴿ ديارا ﴾ أي ساكنا واحدا للديار.
دعوة نوح- عليه السلام- هذه معطوفة على دعوته التي بينتها الآية السابقة :﴿ .. ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ﴾ والآية بينهما كأنما هي معترضة لبيان سبب إهلاكهم وأنهم بخطيئاتهم حل بهم عذاب الغرق في الدنيا وأعدت لهم النار في الآخرة.
دعا عليهم النبي المرسل إليهم أن يستأصلهم الله جميعا فلا يبقى منهم كافرا.
﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( ٢٧ ) ﴾.
من طول ما لاقى نوح من عنت الكافرين وإصرارهم على فجورهم، وفتنتهم لمن أراد أن يؤمن من إخوانهم وأبنائهم، تضرع إلى ربه أن يريح المؤمنين من شرهم وبلائهم فإنهم يوصون أولادهم بالعكوف على أصنامهم والحذر من اتباع ما جاءهم به نوح من ربهم ؛ وإنما وصف الذرية التي تنبت منهم بإيقاع الفجور والكفر على معنى أنهم : سيفجرون ويكفرون.
ولا يدخل هذا في الاستعجال، ولا في استظهار الغيب وإنما لما كان يعلم نوح من عظيم جحودهم، كيف لا وقد أوحى الله تعالى إليه :﴿ .. إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ﴾١.
١ -سورة هود. من الآية ٣٦..
﴿ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ( ٢٨ ) ﴾.
﴿ تبارا ﴾ هلاكا، أوخسارا ودمارا.
دعا الله تعالى أن يغفر له ولأبويه وللمؤمنين ودعا على الباغين الظالمين أن يزيدهم الله هلاكا ودمارا، كما خص بالدعاء من زاره ودخل بيته، وفي هذا ما يحبب إلى أهل الإيمان الكرم والسخاء.
Icon