وعن بيان سنة الله في ابتلاء العباد في هذه الحياة بالخير والشر، والغنى والفقر، وطبيعة الإنسان في حبه الشديد للمال.
وعن ذكر الآخرة وأهوالها وشدائدها، وأن الناس في ذلك اليوم بين سعداء وأشقياء، ومآل كل منهم. وتُختم السورة بالإشارة إلى ما يكون من ندم المفرّطين، وتمنيهم أن لو قدموا من الصالحات ما ينجيهم من هذا العذاب الأليم، وإلى ما يكون من إيناس النفس المطمئنة ودعوتها إلى الدخول مع المكرمين من عباد الله في جنات عدن.
ﰡ
يقسِم الله تعالى بالفجر.
والليالي العشر المباركة.
وبالزوجِ والفردِ من كل شيء.
قراءات :
قرأ عاصم : والوتر بفتح الواو، والباقون بكسرها.
وبالليلِ إذا يمضي بحركة الكون العجيبة ليهلكَ كل معاندٍ جبار.
إن في ذكر هذه الأشياء جميعاً قَسَماً عظيماً مقنعاً لذوي العقول، وحجّةً كافية على وجوده وقدرته.
وبعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذّب الكافرين، شرع يذكر بعض قصص الجبابرة من الأمم الغابرة : كيف أفسدوا وطغوا، فأوقع بهم أشدّ العذاب فقال :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ.... ﴾
ألم تعلم يا محمد كيف أنزل ربك عقابَه بعادٍ قوم هود.
أهلِ إرَمَ ذاتِ البناء الرفيع.
جابوا الصخر : قطعوه ونحتوه.
وثمودُ، قوم صالح، الذين قطعوا الصخرَ ونحتوه، وبنوا منه القصورَ والأبنيةَ العظيمة. وكانت مساكنهم في الحِجر شماليّ الحجاز، ولا تزال بقايا من آثارهم موجودة. كما قال تعالى :﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٤٩ ].
كذلك وَرَدَ ذِكر ثمود ونبيّهم صالح في عدد من السور.
اذكُر كيف أنزلَ ربك عقابَه بفرعون صاحب الأهرام والمباني العظيمة، ووصفُ الأهرامِ بالأوتاد في غاية الدقة.
إن جميع هؤلاء : قوم عاد وثمود وفرعون، قد طغَوا وبغَوا.
فأنزل الله تعالى عليهم ألوانا من البلاء والعذاب الشديد، وأهلكهم وأبادهم.
إنه لَيرقب عمل الناس، ويحصيه عليهم ويجازيهم به.
وبعد أن بيّن سبحانه أنه لا يفوته شيء من شأن عباده، وأنه سيحاسِبهم ويجازيهم، ذكَر هنا طبيعة الإنسان الذي يَبْطَر عند الرخاء ويقنط من رحمة ربه عند الضرّاء فقال :
﴿ فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ ﴾.
فأما الإنسان إذا ما اختبَره ربُّه فأنعم عليه ووسّع له في الرزق والجاه، فيقول مغترًّا بذلك : ربّي فضّلني لأني أستَحِقّ هذا كلَّه.
وأما إذا ما اختبره بضيقِ الرزق فيقول غافلاً عن الحِكمة في ذلك : لقد أهانني ربّي.
قراءات :
قرأ ابن عامر فقدّر بفتح الدال بالتشديد. والباقون بدون تشديد.
﴿ كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم ﴾،
ارتدِعوا أيها الغافلون، فلي الأمر كما تظنّون وتقولون. بل أنتم لا تُكرمون اليتيم.
قراءات :
قرأ أهل البصرة : لا يكرمون بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
ولا يحثُّ بعضُكم بعضاً على إطعام المسكين.
قراءات :
قرأ أهل البصرة : ولا يحضون بالياء وقرأ الباقون بالتاء. ولا تحاضّون بألف وحاء كما هو في المصحف.
أكلاً لمّا : شديداً.
إنّكم بعيدون عن عملِ الخير، ومن جَشَعِكم تأكلون المالَ الموروث أكلاً شديدا، لا تميّزون فيه بين الحلال والحرام.
قراءات :
قرأ أهل البصرة : ويأكلون التراث بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
كَما تحبُّون المالَ حُبا كثيرا يدفعكم إلى الحِرص على جَمْعِه والبُخل بإنفاقه.
قراءات :
قرأ أهل البصرة : ويحبون بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
ارتدِعوا عن تلك الأفعال، فأمامَكم أهوالٌ عظيمة يوم القيامة حين تُزلزَل الأرضُ ولا يبقى على وجهها بناء قائم، وتحطَّم معالمها. ( وهو أحد الانقلابات الكونية التي تقع يوم القيامة ).
ويأتي المَلِك العلاّم جلّ جلاله، والملائكةُ يَصْطَفّون صَفّا وراء صف.
وأنّى له الذكرى. لا فائدة له من التذكر فقد فات الأوان.
ثم يؤتى بجهنم دارِ العذاب. في ذلك اليوم يتذكر الإنسانُ ما فَرَّط فيه، لكنْ من أين له الذِكرى النافعة وقد فات الأوان !
قراءات :
قرأ الكسائي : لا يعذِّب بفتح الذال، وقرأ الباقون بالكسر.
ولا يقيِّدُ أحدٌ بالسلاسل والأغلال مثلَ تقييد الله تعالى للكافرين.
قراءات :
قرأ الكسائي : لا يوثق بفتح الثاء، وقرأ الباقون بالكسر.
وفي وسطِ هذا الهولِ المروّع، وهذا العذابِ والوثاق الذي يتجاوز كلَّ تصوُّرٍ، يأتي النداءُ من الملأ الأعلى للنفس المؤمنة :
﴿ يا أيتها النفس المطمئنة ﴾،
يا أيتها النفس المؤمنةُ المخلِصة الطاهرة، لا يلحقُك اليومَ خوفٌ ولا فزع.
فادخُلي في زُمرة عبادي.