" بسم الله " كلمة من وقفه الله لعرفانها لم يصبر عن ذكرها بلسانه ثم لا يفتر حتى يصل إلى المسمى بها بجنانه : في البداية بتأمل برهانه لمعرفة سلطانه، ثم لا يزال يزيده في إحسانه حتى ينتهي في شأنه بالتحقق مما هو كعيانه.
ﰡ
مَنْ أراد أنْ يصفوَ له تسبيحُه فَلْيَصَفِّ قلبَه من آثار نَفْسِه، ومَنْ أراد أن يَصْفُوَ له في الجنَّةِ عَيشُه فَلْيُصَفِّ من أوضارِ ذَنْبِهِ نَفْسَه.
جاء في التفاسير أنهم قالوا : لو عَلِمْنا ما فيه رضا الله لَفَعَلْنا ولو فيه كل جهد. . ثم لمَّا كان يومُ ُأحُد لم يثبتوا، فنزلت هذه الآية في العتاب.
وفي الجملة : خلفُ الوعدِ مع كلِّ أحَدٍ قبيحٌ، ومع الله أقبح.
ويقال إظهارُ التجلُّدِ من غير شهود مواضِع الفقر إلى الحقِّ في كلِّ نَفَسٍ يؤذِنُ بالبقاء عمَّا حصل بالدعوى. . والله يحب التبرِّي من الحوْلِ والقوة.
المحبةُ توجِبُ الإثارَ، وتقديم مُرَادِ حبيبك عَلَى مُرَادِ نَفْسِك، وتقديم محبوب حبيبك على محبوبِ نَفْسِك، فإذا كان الحقُّ تعالى يحبُّ من العبدِ أن يُقاتِلَ على الوجه الذي ذكره فَمَنْ لم يُؤثِرْ محبوبَ الله على محبوب نَفْسِه - أي على سلامته - انسلخ من محبته لربِّه، ومَنْ خلا من محبةِ الله وَقَعَ في الشِّق الآخر، في خسرانه.
لمَّا زاغوا بِتْركِ الحدِّ أزاغ اللَّهُ قلوبهم بنقض العهد.
ويقال : لمَّا زاغوا عن طريق الرُّشْدِ أزاغ الله قلوبَهم بالصدِّ والردِّ والبُعْدِ عن الوُدِّ.
ويقال : لما زاغوا بظواهرهم أزاغ الله سرائرَهم.
ويقال : لمَّا زاغوا عن خدمة الباب أزاغ اللَّهُ قلوبهم عن التشوُّق إلى البساط.
ويقال : لمَّا زاغوا عن العبادة أزاغ اللَّهُ قلوبَهم عن الإرادة.
بَشَّرَ كلُّ نبيٍّ قومَه بنَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، وأفرد الله - سبحانه- عيسى بالذِّكْرِ في هذا الموضع لأنه آخِرُ نبيٍّ قبل نبيِّنا صلى الله عليه وسلم : فبيَّن بذلك أن البشارة به عَمّتْ جميعَ الأنبياء واحداً بعد واحد حتى انتهت بعيسى عليه السلام.
فَمَنْ احتال لوَهنه، أو رامَ وهْيَه انعكس عليه كَيْدُه، وانتقض عليه تدبيرُه.
﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أن يُتِمَّ نُورَهُ ﴾ : كما قالوا :
ولله سِرٌّ في عُلاهُ وإنما | كلامُ العِدَى ضَرْبٌ من الهَذَيانِ |
لمَّا تقاعد قومُه عن نصرته، وانبرى أعداؤه لتكذيبه، وجحدوا ما شاهدوه من صِدْقِه قَيَّض الله له أنصاراً من أمته هم : نُزَّاعُ القبائل، والآحاد الأفاضل، والساداتُ الأماثل، وأفرادُ المناقب - فبذلوا في إعانته ونصرة دينه مُهَجَهم، ولم يُؤثِروا عليه شيئاً من كرائمهم، ووقوه بأرواحهم، وأمََدَّهم اللَّهُ سبحانه بتوفيقه كي ينصروا دينه، أولئك أقوامٌ عَجَنَ الله بماء السعادة طِينَتَهم، وخَلَقَ من نور التوحيد أرواحهم وأهَلَّهم يومَ القيامة للسيادة على أضرابهم.
ولقد أرسل الله نبيَّه لدينه مُوَضِّحاً، وبالحقِّ مُفْصِحاً، ولتوحيده مُعْلِناً، ولجهده في الدعاء إليه مستفرِغاً. . فأقْرَعَ بنُصْحِه قلوباً نُكْراً، وبصَّرَ بنور تبليغه عيوناً عُمْياً.
ثم بَيَّن الربحَ على تلك التجارة ما هو فقال :﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِها الأَنْهَارُ وَمََساكِنَ طَيِّبةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ ﴾ فبعد ما ذَكَرَ الجنَّةَ ونعيمَهَا قال :﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِبَّةً ﴾، وبماذا تطيب تلك المساكن ؟ لا تطيب إلاَّ برؤية الحقِّ سبحانه، ولذلك قالوا :
أجيرانَنَا ما أوحشَ الدارَ بعدكم | إذا غِبْتُمو عنها ونحن حضورُ |
نحن في أكمل السرورِ ولكنْ | ليس إلا بكم يتمُّ السرورُ |
عيبُ ما نحن فيه يا أهلَ ودَّي | أنكم غُيَّبٌ ونحن حضورُ |
﴿ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ : الرؤية والزلفة. ويقال الشهود. ويقال : الوجود أبدَ الأبَد.
﴿ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ﴾ : بأنهم لا يبقون عنك في هذا التواصل.