تفسير سورة سورة التحريم من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
"يا ابن الخطاب! ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا"؟ قلت: بلى، قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب فقلت: يا رسول الله! ما يشق عليك من شأن النساء، فإنْ كنت طلقتهن.. فإن الله معك، وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلما تكلمت، وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، ونزلت الآية؛ آية التخيير: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾، ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾. وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول الله - ﷺ - فقلت: يا رسول الله، أطلقتهن؟ قال: "لا" قلت: يا رسول الله! إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلق رسول الله - ﷺ - نساءه، أفانزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: "نعم إن شئت" فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرًا، ثم نزل رسول الله - ﷺ - ونزلت، فنزلت أتثبت بالجذع، ونزل رسول الله - ﷺ - كأنما يمشي على الأرض ما يَسِمُه بيده، فقلت: يا رسول الله! إنما كنتَ في الغرفة تسعة وعشرين، قال: "إن الشهر يكون تسعًا وعشرين"، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - ﷺ - نساءه ونزلت هذه الآية ﴿أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. فكنتُ أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ آية التخيير.
وقد تقدم في سورة البقرة قول عمر: وافقت ربي في ثلاث، وذكر منها: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ الكريم محمد - ﷺ - ﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ على نفسك ﴿مَا أَحَلَّ اللَّهُ﴾ سبحانه ﴿لَكَ﴾؛ أي: لأي شيء تمتنع من الانتفاع بما أحل الله لك؛ أي: لم تمتنع من شرب العسل الذي أحل الله لك، أو من وقاع مارية القبطية التي أهداها المقوقس ملك مصر. حال كونك ﴿تَبْتَغِي﴾ وتطلب وتقصد بذلك الامتناع ﴿مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾؛ أي: إرضاءهن عنك وتبشيرهن. وهذا عتاب من الله سبحانه لرسوله - ﷺ - على فعله ذلك؛ لأنه لم يكن عن باعث مرضي، بل كان طلبًا لمرضات الأزواج.
وقد تقدم في سورة البقرة قول عمر: وافقت ربي في ثلاث، وذكر منها: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ الكريم محمد - ﷺ - ﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ على نفسك ﴿مَا أَحَلَّ اللَّهُ﴾ سبحانه ﴿لَكَ﴾؛ أي: لأي شيء تمتنع من الانتفاع بما أحل الله لك؛ أي: لم تمتنع من شرب العسل الذي أحل الله لك، أو من وقاع مارية القبطية التي أهداها المقوقس ملك مصر. حال كونك ﴿تَبْتَغِي﴾ وتطلب وتقصد بذلك الامتناع ﴿مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾؛ أي: إرضاءهن عنك وتبشيرهن. وهذا عتاب من الله سبحانه لرسوله - ﷺ - على فعله ذلك؛ لأنه لم يكن عن باعث مرضي، بل كان طلبًا لمرضات الأزواج.
458
وفي هذا (١) تنبيه إلى أن ما صدر منه - ﷺ - لم يكن مما ينبغي لمقامه الشريف أن يفعله. وفي ندائه - ﷺ - بـ ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ في مفتتح العتاب حسن تلطف، وتنويه بشانه - ﷺ - على نحو ما جاء في قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾. ومعنى ﴿تُحَرِّمُ﴾: تمتنع، وليس التحريم المشروع بوحي من الله، وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض أزواجه. وأصل ﴿لِمَ﴾ لما، والاستفهام لإنكار التحريم. وجملة ﴿تَبْتَغِي﴾ في محل نصب حال من فاعل ﴿تُحَرِّمُ﴾؛ أي: مبتغيًا به مرضاة أزواجك، أو مفسرة لقوله: ﴿تُحَرِّمُ﴾ أو مستأنفة.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: والله غفور لذنوب التائبين من عباده وقد غفر لك امتناعك عما أحله لك رحيم بهم أن يعاقبهم على ما تابوا منه من الذنوب، وإنما عاتبه على الامتناع من الحلال، وهو مباح سواء كان مع اليمين أو بدونه، تعظيمًا لقدره الشريف وإجلالًا لمنصبه أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريًا على ما ألف من لطف الله به، وإيماء إلى أن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي يعد كالذنب وإن لم يكن في نفسه كذلك.
واختلفوا (٢) فيما إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام، أو: الحلال عليّ حرام، ولا يستثني زوجته.
فقال جماعة - منهم الشعبي، ومسروق، وربيعة، وأبو سلمة، وأصبغ -: هو كتحريم الماء والطعام، وقال تعالى: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ والزوجة من الطيبات ومما أحله الله تعالى.
وقال أبو بكر، وعمر، وزيد، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وابن المسيب، وعطاء، وسليمان بن يسار، وطاووس، وابن جبير، وقتادة، والحسن، والأوزاعي، وأبو ثور، وجماعة: هو يمين يكفرها.
وقال ابن مسعود، وابن عباس أيضًا في إحدى روايتيه وللشافعي في أحد قوليه: فيه تكفير يمين، وليس بيمين.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: والله غفور لذنوب التائبين من عباده وقد غفر لك امتناعك عما أحله لك رحيم بهم أن يعاقبهم على ما تابوا منه من الذنوب، وإنما عاتبه على الامتناع من الحلال، وهو مباح سواء كان مع اليمين أو بدونه، تعظيمًا لقدره الشريف وإجلالًا لمنصبه أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريًا على ما ألف من لطف الله به، وإيماء إلى أن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي يعد كالذنب وإن لم يكن في نفسه كذلك.
واختلفوا (٢) فيما إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام، أو: الحلال عليّ حرام، ولا يستثني زوجته.
فقال جماعة - منهم الشعبي، ومسروق، وربيعة، وأبو سلمة، وأصبغ -: هو كتحريم الماء والطعام، وقال تعالى: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ والزوجة من الطيبات ومما أحله الله تعالى.
وقال أبو بكر، وعمر، وزيد، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وابن المسيب، وعطاء، وسليمان بن يسار، وطاووس، وابن جبير، وقتادة، والحسن، والأوزاعي، وأبو ثور، وجماعة: هو يمين يكفرها.
وقال ابن مسعود، وابن عباس أيضًا في إحدى روايتيه وللشافعي في أحد قوليه: فيه تكفير يمين، وليس بيمين.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
459
وقال أبو حنيفة والكوفيون: هذا ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد طلاقها.. فهو لا شيء.
وإنما جَمْعُ (١) ﴿الأزواج﴾ مع أن من أرضاها النبي - ﷺ - في هذه القصة عائشة وحفصة رضي الله عنهما، إما لأن إرضاءهما في الأمر المذكور إرضاء لكلهن؛ لأن النساء في طبقة واحدة في مثل تلك المغيرة؛ لأنهن جبلن عليها، أو لأن الجمع قد يطلق على الاثنين، أو للتحذير عن إرضاء من تطلب منه - ﷺ - ما لا يحسن وتلح عليه، أيتهن كانت؛ لأنه - ﷺ - كان حييًا كريمًا.
والجملة حال من ضمير ﴿تُحَرِّمُ﴾، كما مر، والمعنى: حال كونك مبتغيًا وطالبًا لرضى أزواجك، والحال أنهن أحق بابتغاء رضاك منك، فإنما فضيلتهن بك. فالإنكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة، فمجموع الابتغاء والتحريم منك، نظيره قوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾. وفيه إشارة إلى فضل مارية والعسل. وفي الحديث: "أول نعمة ترفع من الأرض العسل"، وقد بين ذلك في سورة النحل.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾؛ أي: مبالغ في الغفران، قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت من الرضى؛ لأن الامتناع من الانتفاع بإحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول إحسانه. ﴿رَحِيمٌ﴾ قد رحمك ولم يؤاخذك به، وإنما عاتبك محافظة على عصمتك. وقال في "كشف الأسرار": هذا أشد ماعوتب به رسول الله - ﷺ - في
القرآن.
٢ - ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ﴾؛ أي: قد شرع الله سبحانه وتعالى، وبين ﴿لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾؛ أي: تحليل أيمانكم وتكفيرها بالإطعام، أو الكسوة، أو العتق، أو الصوم على ما مر تفصيله في سورة المائدة. والفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين؛ لأن ﴿فَرَضَ﴾ بمعنى أوجب إنما يتعدى بعلى. والتحلة: مصدر حلّل المضعف العين، أصله: تحللة، ككرّم تكرمة، وفرق تفرقة، والمراد: تحليل اليمين وفكها، كأن اليمين عقد والكفارة حلّ. يقال: حلّل اليمين تحليلًا: كفّرها؛ أي: فعل ما يوجبه الحنث.
والمعنى: قد بيّن الله لكم ما تنحل به عقدة اليمين من الكفارة في سورة
وإنما جَمْعُ (١) ﴿الأزواج﴾ مع أن من أرضاها النبي - ﷺ - في هذه القصة عائشة وحفصة رضي الله عنهما، إما لأن إرضاءهما في الأمر المذكور إرضاء لكلهن؛ لأن النساء في طبقة واحدة في مثل تلك المغيرة؛ لأنهن جبلن عليها، أو لأن الجمع قد يطلق على الاثنين، أو للتحذير عن إرضاء من تطلب منه - ﷺ - ما لا يحسن وتلح عليه، أيتهن كانت؛ لأنه - ﷺ - كان حييًا كريمًا.
والجملة حال من ضمير ﴿تُحَرِّمُ﴾، كما مر، والمعنى: حال كونك مبتغيًا وطالبًا لرضى أزواجك، والحال أنهن أحق بابتغاء رضاك منك، فإنما فضيلتهن بك. فالإنكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة، فمجموع الابتغاء والتحريم منك، نظيره قوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾. وفيه إشارة إلى فضل مارية والعسل. وفي الحديث: "أول نعمة ترفع من الأرض العسل"، وقد بين ذلك في سورة النحل.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾؛ أي: مبالغ في الغفران، قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت من الرضى؛ لأن الامتناع من الانتفاع بإحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول إحسانه. ﴿رَحِيمٌ﴾ قد رحمك ولم يؤاخذك به، وإنما عاتبك محافظة على عصمتك. وقال في "كشف الأسرار": هذا أشد ماعوتب به رسول الله - ﷺ - في
القرآن.
٢ - ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ﴾؛ أي: قد شرع الله سبحانه وتعالى، وبين ﴿لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾؛ أي: تحليل أيمانكم وتكفيرها بالإطعام، أو الكسوة، أو العتق، أو الصوم على ما مر تفصيله في سورة المائدة. والفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين؛ لأن ﴿فَرَضَ﴾ بمعنى أوجب إنما يتعدى بعلى. والتحلة: مصدر حلّل المضعف العين، أصله: تحللة، ككرّم تكرمة، وفرق تفرقة، والمراد: تحليل اليمين وفكها، كأن اليمين عقد والكفارة حلّ. يقال: حلّل اليمين تحليلًا: كفّرها؛ أي: فعل ما يوجبه الحنث.
والمعنى: قد بيّن الله لكم ما تنحل به عقدة اليمين من الكفارة في سورة
(١) روح البيان.
المائدة، فكفروها إذا حنثتم وخالفتم ما حلفتم عليه بفعله أو تركه.
قال بعضهم (١): لَمْ يثبتْ عن رسول الله - ﷺ - أنه قال لِما أحله الله: هو حرام علي، وأنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه، وهو قوله: والله لا أقربها بعد اليوم، فقيل له: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾؛ أي: لم تمتنع منه بسبب اليمين. يعني: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. وظاهر قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أنه كانت منه يمين.
فإن قلت: هل كفر رسول الله لذلك؟
قلت: عن الحسن البصري أنه لم يكفر؛ لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل: أنه أعتق رقبة في تحريم مارية وعاودها؛ لأنه لا ينافي كونه مغفورًا أن يكفر، فهو والأمة سواء في الأحكام ظاهرًا. وقرىء (٢): ﴿قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم﴾، والمعنى: قد شرع الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة عنها، فعليك أن تكفر عن يمينك. وقد روي: أنه - ﷺ - كفر عن يمينه فأعتق رقبة، عبدًا أو أمة.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾ أيها المؤمنون؛ أي: متولي أموركم بنصركم على أعدائكم، ومسهل لكم سبيل الفلاح في دنياكم وآخرتكم، ومنير لكم طوق الهداية إلى ما فيه سعادتكم في معاشكم ومعادكم. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما يصلحكم، فيشرعه لكم. ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبير أموركم، فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا وفق ما تقتضيه المصلحة.
٣ - ثم ساق ما هو كالدليل على علمه، فقال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾ والإسرار (٣): ضد الإعلان، والسر: هو الحديث المكتم في النفس، ويقال: أسررت إلى فلان حديثًا: أفضيت به إليه في خفية. فالإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه السر، وإن كان يقتضي إخفاءه من غيره. فإذًا قولهم: أسررت إلى فلان، يقتضي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء.
و ﴿النَّبِيُّ﴾: هو رسول الله، فإن اللام للعهد. و ﴿إذ﴾: ظرف متعلق بمحذوف؛ أي: اذكر الحادث وقت الإسرار، والأكثر المشهور أنه مفعول به؛ أي:
قال بعضهم (١): لَمْ يثبتْ عن رسول الله - ﷺ - أنه قال لِما أحله الله: هو حرام علي، وأنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه، وهو قوله: والله لا أقربها بعد اليوم، فقيل له: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾؛ أي: لم تمتنع منه بسبب اليمين. يعني: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. وظاهر قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أنه كانت منه يمين.
فإن قلت: هل كفر رسول الله لذلك؟
قلت: عن الحسن البصري أنه لم يكفر؛ لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل: أنه أعتق رقبة في تحريم مارية وعاودها؛ لأنه لا ينافي كونه مغفورًا أن يكفر، فهو والأمة سواء في الأحكام ظاهرًا. وقرىء (٢): ﴿قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم﴾، والمعنى: قد شرع الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة عنها، فعليك أن تكفر عن يمينك. وقد روي: أنه - ﷺ - كفر عن يمينه فأعتق رقبة، عبدًا أو أمة.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾ أيها المؤمنون؛ أي: متولي أموركم بنصركم على أعدائكم، ومسهل لكم سبيل الفلاح في دنياكم وآخرتكم، ومنير لكم طوق الهداية إلى ما فيه سعادتكم في معاشكم ومعادكم. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما يصلحكم، فيشرعه لكم. ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبير أموركم، فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا وفق ما تقتضيه المصلحة.
٣ - ثم ساق ما هو كالدليل على علمه، فقال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾ والإسرار (٣): ضد الإعلان، والسر: هو الحديث المكتم في النفس، ويقال: أسررت إلى فلان حديثًا: أفضيت به إليه في خفية. فالإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه السر، وإن كان يقتضي إخفاءه من غيره. فإذًا قولهم: أسررت إلى فلان، يقتضي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء.
و ﴿النَّبِيُّ﴾: هو رسول الله، فإن اللام للعهد. و ﴿إذ﴾: ظرف متعلق بمحذوف؛ أي: اذكر الحادث وقت الإسرار، والأكثر المشهور أنه مفعول به؛ أي:
(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.
461
واذكر يا محمد وقت إسرار النبي وإخفاءه حديثًا إلى بعض أزواجه على وجه التأنيب والعتاب. أو: واذكروا أيها المؤمنون. فالخطاب إن كان له - ﷺ -.. فالإظهار في مقام الإضمار، بأن قيل: وإذ أسررت، للتعظيم بإيراد وصف ينبىء عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه، وإن كان لغيره عمومًا على الاشتراك، أو خصوصًا على الانفراد.. فذكره بوصف النبي للإشعار بصدقه في دعوة النبوة.
﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ وهي حفصة رضي الله عنها. تزوجها النبي - ﷺ - في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة قبل أحد بشهرين، وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين، وقريش تبني البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة يومئذ، وحمل سريرها، وحمله أبو هريرة أيضًا، وقد بلغت ثلاثًا وستين سنة، وأبو حفص أبوها عمر رضي الله عنه كناه رسول الله - ﷺ - به، والحفص ولد الأسد. ﴿حَدِيثًا﴾ قال الراغب: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له: حديث. والمراد: حديث تحريم مارية، أو العسل، أو أمر الخلافة. قال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي. قال سعدي المفتي فيه: أن تحريم العسل ليس مما أسر إلى حفصة، بل كان ذلك عند عائشة، وسودة وصفية رضي الله تعالى عنهن. ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾؛ أي: أخبرت حفصة صاحبتها التي هي عائشة ﴿بِهِ﴾، أي: بالحديث الذي أسره إليها رسول الله - ﷺ - وأفشته إليها.
وقرأ الجمهور: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾. وقرأ طلحة: ﴿أنبات﴾، ﴿وَأَظْهَرَهُ﴾ - ﷺ - ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على إفشاء حفصة ذلك الحديث إلى عائشة؛ أي: أطلع الله سبحانه نبيه على إفشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل، فالضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ راجع إلى الحديث، بتقدير المضاف المذكور، وضمن ﴿أظهر﴾ معنى أطلع، فعداه بـ ﴿على﴾ إلى المفعول الثاني، من ظهر فلان السطح، إذا علاه، وحقيقته: صار على ظهره، وأظهره على السطح؛ أي: رفعه عليه، فاستعير للاطلاع على الشيء، وهو من باب الإفعال.
﴿عَرَّفَ﴾ النبي - ﷺ - حفصة. وقرأ الجمهور (١): ﴿عَرَّفَ﴾ بتشديد الراء من
﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ وهي حفصة رضي الله عنها. تزوجها النبي - ﷺ - في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة قبل أحد بشهرين، وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين، وقريش تبني البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة يومئذ، وحمل سريرها، وحمله أبو هريرة أيضًا، وقد بلغت ثلاثًا وستين سنة، وأبو حفص أبوها عمر رضي الله عنه كناه رسول الله - ﷺ - به، والحفص ولد الأسد. ﴿حَدِيثًا﴾ قال الراغب: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له: حديث. والمراد: حديث تحريم مارية، أو العسل، أو أمر الخلافة. قال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي. قال سعدي المفتي فيه: أن تحريم العسل ليس مما أسر إلى حفصة، بل كان ذلك عند عائشة، وسودة وصفية رضي الله تعالى عنهن. ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾؛ أي: أخبرت حفصة صاحبتها التي هي عائشة ﴿بِهِ﴾، أي: بالحديث الذي أسره إليها رسول الله - ﷺ - وأفشته إليها.
وقرأ الجمهور: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾. وقرأ طلحة: ﴿أنبات﴾، ﴿وَأَظْهَرَهُ﴾ - ﷺ - ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على إفشاء حفصة ذلك الحديث إلى عائشة؛ أي: أطلع الله سبحانه نبيه على إفشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل، فالضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ راجع إلى الحديث، بتقدير المضاف المذكور، وضمن ﴿أظهر﴾ معنى أطلع، فعداه بـ ﴿على﴾ إلى المفعول الثاني، من ظهر فلان السطح، إذا علاه، وحقيقته: صار على ظهره، وأظهره على السطح؛ أي: رفعه عليه، فاستعير للاطلاع على الشيء، وهو من باب الإفعال.
﴿عَرَّفَ﴾ النبي - ﷺ - حفصة. وقرأ الجمهور (١): ﴿عَرَّفَ﴾ بتشديد الراء من
(١) البحر المحيط.
462
التعريف يعني أعلمها به وأنبأها عليه، وقرأ السلمي، والحسن، وقتادة، وطلحة، والكسائي، وأبو عمرو في رواية هارون عنه بتخفيف الراء؛ أي: جازى بالعتب واللوم، كما تقول لمن يؤذيك: لأعرفن لك ذلك؛ أي: لأجازينك. وقيل: إنه طلق حفصة وأمر بمراجعتها، وقيل: عاتبها ولم يطلقها، وقرأ ابن المسيب، وعكرمة ﴿عَرَاف﴾ بألف بعد الراء، وهي إشباع، قال ابن خالويه: يقال: إنها لغة يمانية، ومثالها قوله:
يريد من العقرب.
أي: عرف النبي - ﷺ - حفصة ﴿بَعْضَهُ﴾؛ أي: بعض الحديث الذي أفشته إلى صاحبتها على طريق العتاب؛ بأن قال لها: ألم أك أمرتك أن تكتمي سري، ولا تبديه لأحد وهو حديث الإمامة. روي: أنه عليه السلام لما عاتبها.. قالت: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي.. فرحًا بالكرامة التي خص الله بها أباها، وبعض الشيء جزء منه. واختار أبو عبيد (١)، وأبو حاتم القراءة الأولى؛ لقوله: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: لم يعرفها إياه، ولو كان مخففًا لقال في ضده: وأنكر. ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: عن تعريف بعض تكرمًا وحياء وحسن عشرة، وهو حديث مارية، وقال بعضهم: عرف تحريم الأمة وأعرض عن تعريف أمر الخلافة، كراهة أن يُنشر ذلك في الناس، وتكرمًا منه وحلمًا. وفيه حث على ترك الاستقصاء فيما جرى من ترك الأدب، فإنه صفة الكرام. قال الحسن: ما استقصى كريم قط. وقال بعضهم: ما زال التغافل من فعل الكرام.
ومعنى الآية (٢): أي واذكر يا محمد حين أسر النبي - ﷺ - إلى حفصة أنه كان يشرب عسلًا عند زينب بنت جحش، وقال: "لن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا"، فلما أخبرت عائشة بما استكتمها من السر، وأطلعه الله على ما دار بين حفصة وعائشة بما كان قد. طلب من حفصة أن تكتمه، أخبر حفصة ببعض الحديث الذي أفشته، وهو قوله لها: كنت شربت عسلًا عند زينب بنت جحش فلن
اعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْعَقْرَابِ | الشَّائِلَاتِ عُقَدَ الأَذْنَابِ |
أي: عرف النبي - ﷺ - حفصة ﴿بَعْضَهُ﴾؛ أي: بعض الحديث الذي أفشته إلى صاحبتها على طريق العتاب؛ بأن قال لها: ألم أك أمرتك أن تكتمي سري، ولا تبديه لأحد وهو حديث الإمامة. روي: أنه عليه السلام لما عاتبها.. قالت: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي.. فرحًا بالكرامة التي خص الله بها أباها، وبعض الشيء جزء منه. واختار أبو عبيد (١)، وأبو حاتم القراءة الأولى؛ لقوله: ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: لم يعرفها إياه، ولو كان مخففًا لقال في ضده: وأنكر. ﴿وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: عن تعريف بعض تكرمًا وحياء وحسن عشرة، وهو حديث مارية، وقال بعضهم: عرف تحريم الأمة وأعرض عن تعريف أمر الخلافة، كراهة أن يُنشر ذلك في الناس، وتكرمًا منه وحلمًا. وفيه حث على ترك الاستقصاء فيما جرى من ترك الأدب، فإنه صفة الكرام. قال الحسن: ما استقصى كريم قط. وقال بعضهم: ما زال التغافل من فعل الكرام.
ومعنى الآية (٢): أي واذكر يا محمد حين أسر النبي - ﷺ - إلى حفصة أنه كان يشرب عسلًا عند زينب بنت جحش، وقال: "لن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا"، فلما أخبرت عائشة بما استكتمها من السر، وأطلعه الله على ما دار بين حفصة وعائشة بما كان قد. طلب من حفصة أن تكتمه، أخبر حفصة ببعض الحديث الذي أفشته، وهو قوله لها: كنت شربت عسلًا عند زينب بنت جحش فلن
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
463
أعود، وأعرض عن بعض الحديث وهو قوله: "وقد حلفت" فلم يخبرها به، تكرمًا منه؛ لما فيه من مزيد خجلتها، ولأنه - ﷺ - ما كان يود أن يشاع عنه اهتمامه بمرضاة أزواجه إلى حدّ امتناعه عن تناول ما أحل الله له.
﴿فَلَمَّا﴾ (١) أفشت حفصة الحديث لعائشة، واكتتمتها إياه ﴿نَبَّأَهَا﴾ الرسول ﴿بِهِ﴾؛ أي: أخبر النبي - ﷺ -. حفصة بالحديث الذي أفشته، بما أظهره الله عليه من أنها أفشت سره.. ظنت حفصة أن عائشة فضحتها فـ ﴿قَالَتْ﴾ حفصة له - ﷺ -: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾؛ أي: من أخبرك هذا الخبر عني؟ على سبيل التثبت. وفيه تعجب واستبعاد من إخبار عائشة بذلك؛ لأنها أوصتها بالكتم. ولم يقل: من نبأك؛ ليوافق ما قبله للتفنن. ﴿قَالَ﴾ النبي - ﷺ - ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ بفتح ياء المتكلم؛ أي: أخبرني الله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بظواهر الأشياء ﴿الْخَبِيرُ﴾ ببواطنها، الذي لا تخفى عليه خافية، فسكتت وسلمت. ونبأ أيضًا من قبيل التفنن، يقال: إِنَّ أنبأ ونبأ يتعديان إلى مفعولين: إلى الأول بنفسهما، وإلى الثاني بالباء، وقد يحذف الأول للعلم به، وقد يحذف الجار ويتعدى الفعل إلى الثاني بنفسه أيضًا، فقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ على الاستعمال الأول، وقوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ على الاستعمال الثاني، وقوله: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ﴾ على الاستعمال الثالث.
وقوله: ﴿الْعَلِيمُ﴾ هو والعالم والعلام من أسمائه سبحانه، ومن أدب من علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحي منه، ويكف عن معاصيه، ولا يغتر بجميل ستره، ويخشى بغتات قهره ومفاجأة مكره، والخبير بمعنى العلم.
والمعنى (٢): أي فلما أخبر النبي - ﷺ - حفصة بما دار بينها وبين عائشة من الحديث.. قالت: من أنباك هذا؟ ظنًا منها أن عائشة قد فضحتها بإخبارها رسول الله - ﷺ -، قال: أخبرني ربي العلم بالسر والنجوى، الخبير بما في الأرض والسماء، لا يخفى عليه شيء فيهما.
وفي الآية إيماء إلى أمور اجتماعية هامة:
﴿فَلَمَّا﴾ (١) أفشت حفصة الحديث لعائشة، واكتتمتها إياه ﴿نَبَّأَهَا﴾ الرسول ﴿بِهِ﴾؛ أي: أخبر النبي - ﷺ -. حفصة بالحديث الذي أفشته، بما أظهره الله عليه من أنها أفشت سره.. ظنت حفصة أن عائشة فضحتها فـ ﴿قَالَتْ﴾ حفصة له - ﷺ -: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾؛ أي: من أخبرك هذا الخبر عني؟ على سبيل التثبت. وفيه تعجب واستبعاد من إخبار عائشة بذلك؛ لأنها أوصتها بالكتم. ولم يقل: من نبأك؛ ليوافق ما قبله للتفنن. ﴿قَالَ﴾ النبي - ﷺ - ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ بفتح ياء المتكلم؛ أي: أخبرني الله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بظواهر الأشياء ﴿الْخَبِيرُ﴾ ببواطنها، الذي لا تخفى عليه خافية، فسكتت وسلمت. ونبأ أيضًا من قبيل التفنن، يقال: إِنَّ أنبأ ونبأ يتعديان إلى مفعولين: إلى الأول بنفسهما، وإلى الثاني بالباء، وقد يحذف الأول للعلم به، وقد يحذف الجار ويتعدى الفعل إلى الثاني بنفسه أيضًا، فقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ على الاستعمال الأول، وقوله: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾ على الاستعمال الثاني، وقوله: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ﴾ على الاستعمال الثالث.
وقوله: ﴿الْعَلِيمُ﴾ هو والعالم والعلام من أسمائه سبحانه، ومن أدب من علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحي منه، ويكف عن معاصيه، ولا يغتر بجميل ستره، ويخشى بغتات قهره ومفاجأة مكره، والخبير بمعنى العلم.
والمعنى (٢): أي فلما أخبر النبي - ﷺ - حفصة بما دار بينها وبين عائشة من الحديث.. قالت: من أنباك هذا؟ ظنًا منها أن عائشة قد فضحتها بإخبارها رسول الله - ﷺ -، قال: أخبرني ربي العلم بالسر والنجوى، الخبير بما في الأرض والسماء، لا يخفى عليه شيء فيهما.
وفي الآية إيماء إلى أمور اجتماعية هامة:
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
464
١ - أنه لا مانع من الإباحة بالأسرار إلى من تركن إليه من زوجة أو صديق.
٢ - أنه يجب على من استكتم الحديث أن يكتمه.
٣ - أنه يحسن التطلف مع الزوجات في العتب والإعراض عن الاستقصاء في الذنب.
٤ - ثم وجه الخطاب إلى حفصة وعائشة مبالغة في العتب، فقال: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه. خطاب لحفصة وعائشة رضي الله عنهما، فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الخطاب، لكن العتاب يكون للأولياء كما أن العقاب يكون للأعداء، كما قيل:
ففيه إرادة الخير لحفصة وعائشة بإرشادهما إلى ما هو أوضح لهما، وجواب الشرط محذوف. و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ لتعليل (١) الجواب المحذوف، كما في قولك: اعبد ربك؛ فالعبادة حق، وإلا فالجزاء يجب أن يكون مرتبًا على الشرط مسببًا عنه، وصغو قلوبهما كان سابقًا على الشرط وكذا الكلام في ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا...﴾ إلخ.
والمعنى: إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التربة؛ لأنه قد صغت قلوبكما ومالت وعدلت عما يجب عليكما من مخالصة رسول الله - ﷺ - وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه، حيث حصل منكما إفشاء سر الرسول - ﷺ - يقال: صغا عن الحق، يصغو صغوًا، إذا مال وعدل عنه. أو المعنى: فقد صغت ومالت قلوبكما إلى ما يجب للرسول - ﷺ - من إجلال وتعظيم. وجمع القلوب فرارًا من كراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة لو قال: قلباكما؛ لأن العرب تكره ذلك، والجمع (٢) في مثل هذا أكثر استعمالًا من المثنى والتثنية دون الجمع، كما قال الشاعر:
وكان هذا هو القياس؛ لأن الأصل: أن يعبر عن المثنى بالمثنى، لكن كرهوا
٢ - أنه يجب على من استكتم الحديث أن يكتمه.
٣ - أنه يحسن التطلف مع الزوجات في العتب والإعراض عن الاستقصاء في الذنب.
٤ - ثم وجه الخطاب إلى حفصة وعائشة مبالغة في العتب، فقال: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه. خطاب لحفصة وعائشة رضي الله عنهما، فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الخطاب، لكن العتاب يكون للأولياء كما أن العقاب يكون للأعداء، كما قيل:
إِذَا ذَهَبَ الْعِتَابُ فَلَيْسَ وُدٌّ | وَيَبْقَى الْوُدُّ مَا بَقِيَ الْعِتَابُ |
والمعنى: إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التربة؛ لأنه قد صغت قلوبكما ومالت وعدلت عما يجب عليكما من مخالصة رسول الله - ﷺ - وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه، حيث حصل منكما إفشاء سر الرسول - ﷺ - يقال: صغا عن الحق، يصغو صغوًا، إذا مال وعدل عنه. أو المعنى: فقد صغت ومالت قلوبكما إلى ما يجب للرسول - ﷺ - من إجلال وتعظيم. وجمع القلوب فرارًا من كراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة لو قال: قلباكما؛ لأن العرب تكره ذلك، والجمع (٢) في مثل هذا أكثر استعمالًا من المثنى والتثنية دون الجمع، كما قال الشاعر:
فَتَخَالَسَا نَفْسَيْهِمَا بِنَوَافِذٍ | كَنَوَافِذِ الْعَبطِ الَّتِي لَا تُرْفَعُ |
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
465
اجتماع تثنيتين، فعدلوا إلى الجمع؛ لأن التنثية جمع في المعنى، والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر، كقوله:
حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِيْ
يريد: بطني. وغلط ابن مالك فقال في "التسهيل": ونختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية.
﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ قرأ الجمهور (١): ﴿تَظَاهَرَا﴾ بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، أصله: تتظاهرا. وقرأ عكرمة: ﴿تتظاهرا﴾ على الأصل. وقرأ أبو رجاء، والحسن، وطلحة، وعاصم، ونافع في رواية عنهما ﴿تظّهّرا﴾ بشد الظاء والهاء بدون ألف. وهو تفاعل، من الظَهْر؛ لأنه أقوى الأعضاء؛ أي: فإن تتعاونا على النبي - ﷺ - بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره. وكانت كل منكما ظهرًا لصاحبتها فيه، وجواب الشرط محذوف، كما أشرنا إليه سابقًا، تقديره: فلن يعدم هو؛ أي: النبي - ﷺ - من يظاهره. و ﴿الفاء﴾: في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ لتعليل ذلك الجواب المحذوف، والتقدير: وإن تظاهرا وتعاونا على إفشاء سره - ﷺ - وإظهار ما يكرهه.. فلن يعدم - ﷺ - من يظاهره ويعاونه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ناصره ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه. ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ومن صلح من المؤمنين، أتباعه وأعوانه ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ مع تكاثر عددهم وامتلاء السماوات من جموعهم ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أي: بعد نصرة الله، وناموسه الأعظم، وصالح المؤمنين. وفيه تعظيم لنصرتهم؛ لأنها من الخوارق كما وقعت في بدر، ولا يلزم منه أفضلية الملائكة على البشر. ﴿ظَهِيرٌ﴾؛ أي: فوج مظاهر له معين، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على مَنْ هؤلاء ظهراءه وأعوانه؟ وقوله: ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، جيء به لتقوية الحكم لا للحصر، وإلا لانحصرت الولاية له - ﷺ - في الله تعالى، فلا يصح عطف ما بعده عليه. ﴿وَجِبْرِيلُ﴾: عطف على موضع اسم إن بعد استكمالها خبرها، وكذا قوله: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. إليه مال السجاوندي؛ إذ وضع علامة الوقف على المؤمنين.
حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِيْ
يريد: بطني. وغلط ابن مالك فقال في "التسهيل": ونختار لفظ الإفراد على لفظ التثنية.
﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ قرأ الجمهور (١): ﴿تَظَاهَرَا﴾ بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، أصله: تتظاهرا. وقرأ عكرمة: ﴿تتظاهرا﴾ على الأصل. وقرأ أبو رجاء، والحسن، وطلحة، وعاصم، ونافع في رواية عنهما ﴿تظّهّرا﴾ بشد الظاء والهاء بدون ألف. وهو تفاعل، من الظَهْر؛ لأنه أقوى الأعضاء؛ أي: فإن تتعاونا على النبي - ﷺ - بما يسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره. وكانت كل منكما ظهرًا لصاحبتها فيه، وجواب الشرط محذوف، كما أشرنا إليه سابقًا، تقديره: فلن يعدم هو؛ أي: النبي - ﷺ - من يظاهره. و ﴿الفاء﴾: في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ لتعليل ذلك الجواب المحذوف، والتقدير: وإن تظاهرا وتعاونا على إفشاء سره - ﷺ - وإظهار ما يكرهه.. فلن يعدم - ﷺ - من يظاهره ويعاونه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ناصره ﴿وَجِبْرِيلُ﴾ رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه. ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ومن صلح من المؤمنين، أتباعه وأعوانه ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ مع تكاثر عددهم وامتلاء السماوات من جموعهم ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾؛ أي: بعد نصرة الله، وناموسه الأعظم، وصالح المؤمنين. وفيه تعظيم لنصرتهم؛ لأنها من الخوارق كما وقعت في بدر، ولا يلزم منه أفضلية الملائكة على البشر. ﴿ظَهِيرٌ﴾؛ أي: فوج مظاهر له معين، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على مَنْ هؤلاء ظهراءه وأعوانه؟ وقوله: ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، جيء به لتقوية الحكم لا للحصر، وإلا لانحصرت الولاية له - ﷺ - في الله تعالى، فلا يصح عطف ما بعده عليه. ﴿وَجِبْرِيلُ﴾: عطف على موضع اسم إن بعد استكمالها خبرها، وكذا قوله: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. إليه مال السجاوندي؛ إذ وضع علامة الوقف على المؤمنين.
(١) الشوكاني والبحر المحيط.
466
والظاهر (١): أن ﴿صالح﴾ مفرد، ولذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع، ومنهم من جوز كونه بالواو والنون، وحدفت النون بالإضافة وسقطت واو الجمع في التلفقظ لالتقاء الساكنين، وسقطت في الكتابة أيضًا حملًا للكتابة على اللفظ، نحو ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾، ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ﴾، و ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ إلى غير ذلك. وعلى تقدير عطف ﴿جبريل﴾ وما بعده على اسم إن يكونان داخلين في الولاية لرسول الله - ﷺ -، ويكون ﴿جبريل﴾ أيضًا ظهيرًا له بدخوله في عموم الملائكة. ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله: ﴿مَوْلَاهُ﴾، ويكون ﴿جبريل﴾ مبتدأ، وما بعده. عطفًا عليه، و ﴿ظَهِيرٌ﴾ خبر للجميع، فتختص الولاية بالله. وقد تقرر في علم النحو: أن فعيل كظهير وجريح وخبير، يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع.
قيل: المراد بصالح المؤمنين: أبو بكر وعمر، وقيل: علي بن أبي طالب، وقيل: الأنبياء. وقال السهيلي: لفظ الآية عام، فالأولى حملها على العموم.
قال بعضهم: لعل ذكر غير الله مع أن الإخبار بكونه تعالى مولاه كاف في تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبي - ﷺ - عند الله وعند الناس وعند الملائكة أجمعين.
ويقول الفقير - أمده الله القدير - هذا ما قالوا، والظاهر: أن الله مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان أقوى في نصرته - ﷺ - من المخلوقات؛ لكون المقام مقام التظاهر، لكون عائشة وحفصة متظاهرتين. وزاد في الظهير لكون المقام مقام التهديد أيضًا، وقدم ﴿جبريل﴾ على الصلحاء لكونه أول نصير له - ﷺ - من المخلوقات وسفيرًا بينه وبين ربه سبحانه. وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم في باب النصرة؛ لأن نصرة الملائكة نصرة بالفعل القالبي، ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة، وهي أشد، وما يفيده البعدية من أفضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء، فمن حيث الظاهر؛ إذ هم أقدر على الأفعال الشاقة من البشر، فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية.
ومعنى الآية: أي إن تتوبا من ذنبكما، وتقلعا عن مخالفة رسوله - ﷺ -،
قيل: المراد بصالح المؤمنين: أبو بكر وعمر، وقيل: علي بن أبي طالب، وقيل: الأنبياء. وقال السهيلي: لفظ الآية عام، فالأولى حملها على العموم.
قال بعضهم: لعل ذكر غير الله مع أن الإخبار بكونه تعالى مولاه كاف في تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبي - ﷺ - عند الله وعند الناس وعند الملائكة أجمعين.
ويقول الفقير - أمده الله القدير - هذا ما قالوا، والظاهر: أن الله مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان أقوى في نصرته - ﷺ - من المخلوقات؛ لكون المقام مقام التظاهر، لكون عائشة وحفصة متظاهرتين. وزاد في الظهير لكون المقام مقام التهديد أيضًا، وقدم ﴿جبريل﴾ على الصلحاء لكونه أول نصير له - ﷺ - من المخلوقات وسفيرًا بينه وبين ربه سبحانه. وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم في باب النصرة؛ لأن نصرة الملائكة نصرة بالفعل القالبي، ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة، وهي أشد، وما يفيده البعدية من أفضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء، فمن حيث الظاهر؛ إذ هم أقدر على الأفعال الشاقة من البشر، فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية.
ومعنى الآية: أي إن تتوبا من ذنبكما، وتقلعا عن مخالفة رسوله - ﷺ -،
(١) روح البيان.
467
فتحبا ما أحبه وتكرها ما كرهه.. فقد مالت قلوبكما إلى الحق والخير، وأديتما ما يجب عليكما نحوه - ﷺ - من إجلال وتكريم لمنصبه الشريف. ثم ذكر سبحانه أنه حافظه وحارسه، فلا يضره أذى مخلوق، فقال: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ...﴾ إلخ؛ أي: وإن تتعاونا على العمل بما يؤذيه ويسؤوه، من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره.. فلن يضره ذلك شيئًا؛ فإن الله ناصره في أمر دِينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه، وجبريل والمؤمنون الصالحون والملائكة مظاهرون له ومعينون.
وقد أعظم (١) الله سبحانه شأن نصرة نبيه على هاتين الضعيفتين للإشارة إلى عظم مكر النساء، وللمبالغة في قطع أطماعهما، في أنه ربما شفع لهما مكانتهما عند رسول الله - ﷺ - وعند المؤمنين لأمومتهما لهم، وكرامة له - ﷺ -، ورعاية لأبويهما، ولتوهين أمر تظاهرهما، ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره في أمر النبوة، وقهر أعداء الدين؛ إذ قد جرت العادة بأن الشؤون المنزلية تشغل بال الرجال، وتضيع زمنًا في تفكيرهم فيها، وقد كانوا أحق بالتفكير فيما هو أجدى نفعًا وأجل فائدة.
٥ - ثم شرع سبحانه في تخويفهما، بأن ذكر لهما أنه - ﷺ - يحتمل أن يطلقكما، ثم إنه إن طلقكما لا يعود ضرر ذلك إلا إليكما؛ لأنه يبدله أزواجًا خيرًا منكما، فقال: ﴿عَسَى رَبُّهُ﴾؛ أي: حقق رب محمد - ﷺ - ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ وهذا شرط معترض بين اسم ﴿عَسَى﴾ وخبرها، وجوابه محذوف تقديره: إن طلقكن.. يبدله أزواجًا خيرًا منكن، أو متقدم على ﴿عَسَى﴾؛ أي: إن طلقكن.. فعسى أن يبدله. ﴿أَنْ يُبْدِلَهُ﴾؛ أي: أن يعطي الله سبحانه محمدًا - ﷺ - بدلكن ﴿أَزْوَاجًا﴾ مفعول ثان ليبدله وقوله: ﴿خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ صفة للأزواج، وكذا ما بعده من قوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾. وفيه تغليب المخاطب على الغائبات، فالتقدير: إن طلقكما وغيركما، أو تعميم الخطاب لكل الأزواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما، وذلك يوجب التوبة.
فإن قلت: كيف أثبت الخيرية لهن بالصفات المذكورة بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى
وقد أعظم (١) الله سبحانه شأن نصرة نبيه على هاتين الضعيفتين للإشارة إلى عظم مكر النساء، وللمبالغة في قطع أطماعهما، في أنه ربما شفع لهما مكانتهما عند رسول الله - ﷺ - وعند المؤمنين لأمومتهما لهم، وكرامة له - ﷺ -، ورعاية لأبويهما، ولتوهين أمر تظاهرهما، ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره في أمر النبوة، وقهر أعداء الدين؛ إذ قد جرت العادة بأن الشؤون المنزلية تشغل بال الرجال، وتضيع زمنًا في تفكيرهم فيها، وقد كانوا أحق بالتفكير فيما هو أجدى نفعًا وأجل فائدة.
٥ - ثم شرع سبحانه في تخويفهما، بأن ذكر لهما أنه - ﷺ - يحتمل أن يطلقكما، ثم إنه إن طلقكما لا يعود ضرر ذلك إلا إليكما؛ لأنه يبدله أزواجًا خيرًا منكما، فقال: ﴿عَسَى رَبُّهُ﴾؛ أي: حقق رب محمد - ﷺ - ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ وهذا شرط معترض بين اسم ﴿عَسَى﴾ وخبرها، وجوابه محذوف تقديره: إن طلقكن.. يبدله أزواجًا خيرًا منكن، أو متقدم على ﴿عَسَى﴾؛ أي: إن طلقكن.. فعسى أن يبدله. ﴿أَنْ يُبْدِلَهُ﴾؛ أي: أن يعطي الله سبحانه محمدًا - ﷺ - بدلكن ﴿أَزْوَاجًا﴾ مفعول ثان ليبدله وقوله: ﴿خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ صفة للأزواج، وكذا ما بعده من قوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾. وفيه تغليب المخاطب على الغائبات، فالتقدير: إن طلقكما وغيركما، أو تعميم الخطاب لكل الأزواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما، وذلك يوجب التوبة.
فإن قلت: كيف أثبت الخيرية لهن بالصفات المذكورة بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى
(١) المراغي.
468
آخره مع اتصاف أزواجه - ﷺ - بها أيضًا؟
قلت: المراد خيرًا منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه مع اتصافهن بهذه الصفات.
وليس (١) في الآية ما يدل على أنه - ﷺ - لم يطلق حفصة، وعلى أن النساء خيرًا منهن، فإن تعليق الطلاق للكل لا ينافي تطليق واحدة، وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه. يعني: أن هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة في نفسها، وكان الله عالمًا بأنه - ﷺ - لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن.. أبدله خيرًا منهن، تخويفًا لهن، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾، فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب محمد - ﷺ -.
قيل: كل ﴿عَسَى﴾ في القرآن واجب إلا هذا. وقيل: هو أيضًا واجب، ولكن الله علقه بشرط، وهو: التطليق، ولم يطلقهن. وفي "فتح الرحمن": ﴿عَسَى﴾ تكون للوجوب في ألفاظ القرآن إلا في موضعين:
أحدهما: في سورة محمد ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾؛ أي: علمتم أو تمنيتم.
والثاني: هنا، ليس بواجب؛ لأن الطلاق معلق بالشرط، فلما لم يوجد الشرط.. لم يوجد الإبدال، انتهى.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿طَلَّقَكُنَّ﴾ بفتح القاف، وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بإدغامها في الكاف.
ثم وصف سبحانه الأزواج بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾؛ أي: مقرات باللسان ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾؛ أي: مخلصات بالجَنان.. فليس من قبيل التكرار - أو منقادات انقيادًا ظاهريًا بالجوارح مصدقات بالقلوب، أو قائمات بفرائض الإسلام، مصدقات بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبا لقدر خيره وشره. ﴿قَانِتَاتٍ﴾؛ أي: مطيعات؛ أي: مواظبات على الطاعة، أو مصليات ﴿تَائِبَاتٍ﴾ من الذنوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾؛ أي: متعبدات، أو متذللات لأمر الرسول - ﷺ - ﴿سَائِحَاتٍ﴾؛ أي:
قلت: المراد خيرًا منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه مع اتصافهن بهذه الصفات.
وليس (١) في الآية ما يدل على أنه - ﷺ - لم يطلق حفصة، وعلى أن النساء خيرًا منهن، فإن تعليق الطلاق للكل لا ينافي تطليق واحدة، وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه. يعني: أن هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة في نفسها، وكان الله عالمًا بأنه - ﷺ - لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن.. أبدله خيرًا منهن، تخويفًا لهن، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾، فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب محمد - ﷺ -.
قيل: كل ﴿عَسَى﴾ في القرآن واجب إلا هذا. وقيل: هو أيضًا واجب، ولكن الله علقه بشرط، وهو: التطليق، ولم يطلقهن. وفي "فتح الرحمن": ﴿عَسَى﴾ تكون للوجوب في ألفاظ القرآن إلا في موضعين:
أحدهما: في سورة محمد ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾؛ أي: علمتم أو تمنيتم.
والثاني: هنا، ليس بواجب؛ لأن الطلاق معلق بالشرط، فلما لم يوجد الشرط.. لم يوجد الإبدال، انتهى.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿طَلَّقَكُنَّ﴾ بفتح القاف، وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بإدغامها في الكاف.
ثم وصف سبحانه الأزواج بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾؛ أي: مقرات باللسان ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾؛ أي: مخلصات بالجَنان.. فليس من قبيل التكرار - أو منقادات انقيادًا ظاهريًا بالجوارح مصدقات بالقلوب، أو قائمات بفرائض الإسلام، مصدقات بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبا لقدر خيره وشره. ﴿قَانِتَاتٍ﴾؛ أي: مطيعات؛ أي: مواظبات على الطاعة، أو مصليات ﴿تَائِبَاتٍ﴾ من الذنوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾؛ أي: متعبدات، أو متذللات لأمر الرسول - ﷺ - ﴿سَائِحَاتٍ﴾؛ أي:
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
469
صائمات. سمى الصائم سائحًا؛ لأنه يسيح في النهار بلا زاد، فلا يزال ممسكًا إلى أن يجد ما يطعمه، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره.
وقال بعضهم (١): الصوم ضربان:
صوم حقيقي، وهو: ترك المطعم والمشرب والمنكح.
وصوم حكمي، وهو: حفظ الجوارح من المعاصي، كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذي يصوم هذا الصوم دون الأول. انتهى. أو مهاجرات من مكة إلى المدينة، إذ في الهجرة مزيد شرف ليس في غيرها، ما قال ابن زيد: ليس في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، والسياحة في الأصل: الجولان في الأرض.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿سَائِحَاتٍ﴾، وعمرو بن فائد ﴿سَيِّحات﴾. وهذه الصفات السابقة تجتمع، وأما الثيوبة والبكارة فلا يجتمعان في ذات واحدة لتنافيهما، فلذلك عطف أحدهما على الآخر في قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾. ولو لم يعطف.. لاختل المعنى، فكأنه قيل: أزواجًا خيرًا منكن متصفات بهذه الصفات المذكورة المحمودة، كائنات بعضها ثيبات، تعريضًا لغير عائشة، وبعضها أبكارًا تعريضًا لها، فإنه - ﷺ - تزوجها وحدها بكرًا، وهو الوجه في إيراد ﴿الواو﴾ الواصلة دون ﴿أو﴾ الفاصلة؛ لأنها توهم أن الكل ثيبات أو كلها أبكار. الثيب تمدح من جهة أنها أكثر تجربة وعقلًا وأسرع حبلًا غالبًا، والبكر تمدح من جهة أنها أطهر وأطيب وأكثر ملاعبة ومداعبة غالبًا. وسميت الشيب ثيبًا؛ لأنها ثابت؛ أي: رجعت إلى بيت أبويها، وسميت العذراء بكرًا؛ لأنها على أول حالتها التي خلقت بها.
قال السيوطي - رحمه الله تعالى - (٣): ذكر بعض أهل العلم أن في هذا إشارة إلى مريم البتول، وهي البكر، وإلى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وأن الله سيزوجه عليه السلام إياهما في الجنة، كما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال أبو الليث: تكون وليمة في الجنة، وسيجتمع عليها أهل الجنة، فيزوج الله هاتين المرأتين؛ يعني: آسية ومريم، من محمد - ﷺ - كما رواه معاذ بن جبل عن النبي - ﷺ -. وبدأ بالثيب قبل البكر؛ لأن زمن آسية قبل زمن مريم، ولأن أزواج
وقال بعضهم (١): الصوم ضربان:
صوم حقيقي، وهو: ترك المطعم والمشرب والمنكح.
وصوم حكمي، وهو: حفظ الجوارح من المعاصي، كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذي يصوم هذا الصوم دون الأول. انتهى. أو مهاجرات من مكة إلى المدينة، إذ في الهجرة مزيد شرف ليس في غيرها، ما قال ابن زيد: ليس في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، والسياحة في الأصل: الجولان في الأرض.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿سَائِحَاتٍ﴾، وعمرو بن فائد ﴿سَيِّحات﴾. وهذه الصفات السابقة تجتمع، وأما الثيوبة والبكارة فلا يجتمعان في ذات واحدة لتنافيهما، فلذلك عطف أحدهما على الآخر في قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾. ولو لم يعطف.. لاختل المعنى، فكأنه قيل: أزواجًا خيرًا منكن متصفات بهذه الصفات المذكورة المحمودة، كائنات بعضها ثيبات، تعريضًا لغير عائشة، وبعضها أبكارًا تعريضًا لها، فإنه - ﷺ - تزوجها وحدها بكرًا، وهو الوجه في إيراد ﴿الواو﴾ الواصلة دون ﴿أو﴾ الفاصلة؛ لأنها توهم أن الكل ثيبات أو كلها أبكار. الثيب تمدح من جهة أنها أكثر تجربة وعقلًا وأسرع حبلًا غالبًا، والبكر تمدح من جهة أنها أطهر وأطيب وأكثر ملاعبة ومداعبة غالبًا. وسميت الشيب ثيبًا؛ لأنها ثابت؛ أي: رجعت إلى بيت أبويها، وسميت العذراء بكرًا؛ لأنها على أول حالتها التي خلقت بها.
قال السيوطي - رحمه الله تعالى - (٣): ذكر بعض أهل العلم أن في هذا إشارة إلى مريم البتول، وهي البكر، وإلى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وأن الله سيزوجه عليه السلام إياهما في الجنة، كما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال أبو الليث: تكون وليمة في الجنة، وسيجتمع عليها أهل الجنة، فيزوج الله هاتين المرأتين؛ يعني: آسية ومريم، من محمد - ﷺ - كما رواه معاذ بن جبل عن النبي - ﷺ -. وبدأ بالثيب قبل البكر؛ لأن زمن آسية قبل زمن مريم، ولأن أزواج
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
470
النبي - ﷺ - كلهن ثيب إلا واحدة، وأفضلهن خديجة، وهي ثيب. فتكون هذه القبلية من قبلية الفضل والزمان أيضًا؛ لأنه تزوج الشيب منهن قبل البكر.
ثم إن المراد من الإبدال أن يكون في الدنيا، كما أفاده قوله تعالى: ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾؛ لأن نساء الجنة يكن أبكارًا، سواء كن في الدنيا ثيبات أو أبكارًا.
ومعنى الآية (١): أي عسى الله أن يعطيه - ﷺ - بدلكن أزواجًا خيرًا منكن إسلامًا وإيمانًا، ومواظبة على العبادة، وإقلاعًا عن الذنوب، وخضوعًا لأوامر الرسول، بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارًا، إن هو قد طلقكن.
والخلاصة: احذرن أيتها الأزواج من إيذاء رسول الله - ﷺ - والتألب عليه والعمل على ما يسؤوه؛ فإنه ربما أحرج صدره فطلقكن، فأبدله الله من هو خير منكن في الدين والصلاح والتقوى وفي الشؤون الزوجية، فأعطاه بعضهن أبكارًا وبعضهن ثيبات.
ولا شيء أشد على المرأة من الطلاق، ولا سيما إذا استبدل خير منها بها.
ثم اعلم (٢): أن في الآيات المتقدمة فوائد:
منها: أن تحريم الحلال غير مرضي، كما أن ابتغاء رضي الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن.
ومنها: أن إفشاء السر ليس في المروءة، خصوصًا إفشاء أسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى، وكل سرّ جاوز الاثنين.. شاع؛ أي: المسر والمسر إليه، أو الشفتين.
ومنها: أن من الواجب على أهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوخ واشتداد القساوة.
ومنها: أن البكارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها، وإن كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس، لكن الإيمان والإسلام والقنوت والتوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند الله، وشرف الحسب أفضل من شرف النسب، والعلم المديني
ثم إن المراد من الإبدال أن يكون في الدنيا، كما أفاده قوله تعالى: ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾؛ لأن نساء الجنة يكن أبكارًا، سواء كن في الدنيا ثيبات أو أبكارًا.
ومعنى الآية (١): أي عسى الله أن يعطيه - ﷺ - بدلكن أزواجًا خيرًا منكن إسلامًا وإيمانًا، ومواظبة على العبادة، وإقلاعًا عن الذنوب، وخضوعًا لأوامر الرسول، بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارًا، إن هو قد طلقكن.
والخلاصة: احذرن أيتها الأزواج من إيذاء رسول الله - ﷺ - والتألب عليه والعمل على ما يسؤوه؛ فإنه ربما أحرج صدره فطلقكن، فأبدله الله من هو خير منكن في الدين والصلاح والتقوى وفي الشؤون الزوجية، فأعطاه بعضهن أبكارًا وبعضهن ثيبات.
ولا شيء أشد على المرأة من الطلاق، ولا سيما إذا استبدل خير منها بها.
ثم اعلم (٢): أن في الآيات المتقدمة فوائد:
منها: أن تحريم الحلال غير مرضي، كما أن ابتغاء رضي الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن.
ومنها: أن إفشاء السر ليس في المروءة، خصوصًا إفشاء أسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى، وكل سرّ جاوز الاثنين.. شاع؛ أي: المسر والمسر إليه، أو الشفتين.
ومنها: أن من الواجب على أهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوخ واشتداد القساوة.
ومنها: أن البكارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها، وإن كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس، لكن الإيمان والإسلام والقنوت والتوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند الله، وشرف الحسب أفضل من شرف النسب، والعلم المديني
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
471
والأدب الشرعي هما الحسب المحسوب من الفضائل. فعلى العاقل: أن يتحلى بالورع، وهو: الاجتناب عن الشبهات، والتقوى وهو: الاجتناب عن المحرمات، ويتزين بزين المكارم والأخلاق الحسنة، والأوصاف الشريفة المستحسنة.
٦ - ولما وعظ سبحانه أزواج النبي - ﷺ - موعظة خاصة.. أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: احفظوا أنفسكم، وبعِّدوها من النار بترك المعاصي، وفعل الطاعات أمر من الوقاية، بمعنى الحفظ والحماية كما سيأتي. والأنفس: جمع نفس، والمراد بالنفس هنا: ذات الإنسان، لا النفس الأمارة، ﴿و﴾ قوا ﴿أَهْلِيكُمْ﴾ بالنصح والتأديب؛ لأن رب المنزل راع، وكل راع مسؤول عن رعيته. ومعنى وقايتهم: حملهم على طاعة الله وإلزامهم أداء ما فرض عليهم.
وقرىء (١): ﴿وأهلوكم﴾ بالواو عطفًا على الضمير في ﴿قُوا﴾، وحسن العطف للفصل بالمفعول، و ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ واقع بعده في التقدير؛ أي: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم، ولما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه فجعلت ضميرهما معًا على لفظ المخاطب. وأصله: أهلين، جمع أهل، حذفت النون للإضافة، وقد يجمع على أهالي على غير قياس، وهو كل من في عيال الرجل ونفقته، من المرأة والولد، والعبد والأمة، ويفسر بالأصحاب.
﴿نَارًا﴾ عظيمة هائلة ﴿وَقُودُهَا﴾؛ أي (٢): ما توقد به تلك النار يعني: حطبها. فالوقود - بالفتح -: اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره والوقود - بالضم - مصدر بمعنى الاتقاد. وقرىء به على تقدير مضاف؛ أي: أسباب وقودها، أو بالحمل على المبالغة. ﴿النَّاسُ﴾؛ أي: كفار الإنس والجن، وإنما لم يذكر الجن أيضًا لأن المقصود تحذير الإنس، ولأن كفار الجن تابع لكفار الإنس؛ لأن التكذيب إنما صدر أولًا من الإنس. ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾؛ أي: تتقد بالحجارة أيضًا اتقاد غيرها بالحطب. ففيه بيان لغاية إحراقها وشدة قوتها، فإن اتقاد النار بالحجارة مكان الحطب من الشجر يكون من زيادة حرها. لذلك قال النبي - ﷺ -: "ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم".
٦ - ولما وعظ سبحانه أزواج النبي - ﷺ - موعظة خاصة.. أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: احفظوا أنفسكم، وبعِّدوها من النار بترك المعاصي، وفعل الطاعات أمر من الوقاية، بمعنى الحفظ والحماية كما سيأتي. والأنفس: جمع نفس، والمراد بالنفس هنا: ذات الإنسان، لا النفس الأمارة، ﴿و﴾ قوا ﴿أَهْلِيكُمْ﴾ بالنصح والتأديب؛ لأن رب المنزل راع، وكل راع مسؤول عن رعيته. ومعنى وقايتهم: حملهم على طاعة الله وإلزامهم أداء ما فرض عليهم.
وقرىء (١): ﴿وأهلوكم﴾ بالواو عطفًا على الضمير في ﴿قُوا﴾، وحسن العطف للفصل بالمفعول، و ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ واقع بعده في التقدير؛ أي: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم، ولما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه فجعلت ضميرهما معًا على لفظ المخاطب. وأصله: أهلين، جمع أهل، حذفت النون للإضافة، وقد يجمع على أهالي على غير قياس، وهو كل من في عيال الرجل ونفقته، من المرأة والولد، والعبد والأمة، ويفسر بالأصحاب.
﴿نَارًا﴾ عظيمة هائلة ﴿وَقُودُهَا﴾؛ أي (٢): ما توقد به تلك النار يعني: حطبها. فالوقود - بالفتح -: اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره والوقود - بالضم - مصدر بمعنى الاتقاد. وقرىء به على تقدير مضاف؛ أي: أسباب وقودها، أو بالحمل على المبالغة. ﴿النَّاسُ﴾؛ أي: كفار الإنس والجن، وإنما لم يذكر الجن أيضًا لأن المقصود تحذير الإنس، ولأن كفار الجن تابع لكفار الإنس؛ لأن التكذيب إنما صدر أولًا من الإنس. ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾؛ أي: تتقد بالحجارة أيضًا اتقاد غيرها بالحطب. ففيه بيان لغاية إحراقها وشدة قوتها، فإن اتقاد النار بالحجارة مكان الحطب من الشجر يكون من زيادة حرها. لذلك قال النبي - ﷺ -: "ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم".
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
472
وعن ابن عباس: هي حجارة الكبريت، وهي أشد الأشياء حرًا إذا أوقد عليها، ولها سرعة الاتقاد ونتن الرائحة وكثرة الدخان وشدة الالتصاق بالأبدان، فيكون العذاب أشد. وقيل: وقودها الناس إذا صاروا إليها، والحجارة قبل أن يصيروا إليها. وقرن الناس بالحجارة لأنهم نحتوها، واتخذوها أربابًا من دون الله، قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.
والمعنى (١): يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله! ليعلم بعضكم بعضًا ما تتقون به النار وتدفعونها عنكم، إنه طاعة الله تعالى وامتثال أوامره، ولتعلموا أهليكم من العمل بطاعته ما يقون به أنفسهم منها، واحملوهم على ذلك بالنصح والأدب. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدِّين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب. ونحو الآية: قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، وقوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. روي: أن عمر - رضي الله عنه - قال حين نزلت هذه الآية: نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال النبي - ﷺ -: "تنهونهن عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهم وبين النار". وأخرج ابن المنذر، والحاكم في جماعة آخرين عن علي رضي الله عنه: أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.
وفي الآية إيماء إلى أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من فرائض الدين وتعليمها لؤلاء. وجاء في الحديث: "رحم الله رجلًا قال: يا أهلاه! صلاتَكم، صيامَكم، زكاتَكم، مسكينَكم، يتيمَكم، جيرانَكم؛ لعل الله يجمعكم معهم في الجنة.
﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على تلك النار العظيمة ﴿مَلَائِكَةٌ﴾ تلي أمرها وتعذيب أهلها، وهم: الزبانية التسعة عشر وأعوانهم، فليس (٢) المراد بـ ﴿على﴾ الاستعلاء الحسي، بل الولاية والقيام، والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الأمور. ﴿غِلَاظٌ﴾؛ أي: غلاظ القلوب. جمع غليظ، بمعنى خشن خال قلبه من الشفقة والرحمة. ﴿شِدَادٌ﴾؛ أي: شداد القوى. جمع شديد، بمعنى القوي؛ لأنهم أقوياء لا يعجزون عن الانتقام من أعداء الله على ما أمروا به. وقيل: غلاظ الأقوال، شداد الأفعال،
والمعنى (١): يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله! ليعلم بعضكم بعضًا ما تتقون به النار وتدفعونها عنكم، إنه طاعة الله تعالى وامتثال أوامره، ولتعلموا أهليكم من العمل بطاعته ما يقون به أنفسهم منها، واحملوهم على ذلك بالنصح والأدب. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدِّين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب. ونحو الآية: قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، وقوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. روي: أن عمر - رضي الله عنه - قال حين نزلت هذه الآية: نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال النبي - ﷺ -: "تنهونهن عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهم وبين النار". وأخرج ابن المنذر، والحاكم في جماعة آخرين عن علي رضي الله عنه: أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.
وفي الآية إيماء إلى أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من فرائض الدين وتعليمها لؤلاء. وجاء في الحديث: "رحم الله رجلًا قال: يا أهلاه! صلاتَكم، صيامَكم، زكاتَكم، مسكينَكم، يتيمَكم، جيرانَكم؛ لعل الله يجمعكم معهم في الجنة.
﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على تلك النار العظيمة ﴿مَلَائِكَةٌ﴾ تلي أمرها وتعذيب أهلها، وهم: الزبانية التسعة عشر وأعوانهم، فليس (٢) المراد بـ ﴿على﴾ الاستعلاء الحسي، بل الولاية والقيام، والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الأمور. ﴿غِلَاظٌ﴾؛ أي: غلاظ القلوب. جمع غليظ، بمعنى خشن خال قلبه من الشفقة والرحمة. ﴿شِدَادٌ﴾؛ أي: شداد القوى. جمع شديد، بمعنى القوي؛ لأنهم أقوياء لا يعجزون عن الانتقام من أعداء الله على ما أمروا به. وقيل: غلاظ الأقوال، شداد الأفعال،
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
473
أقوياء على الأفعال الشديدة، يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم. وقيل: غلاظ على أهل النار، شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم؛ لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه، وحبب إليهم تعذيب خلقه لا لذة لهم إلا فيه، فمقتضى جبلَّتهم تعذيب الخلق بلا مرحمة كما أن مقتضى جبلة الحيوان الأكل والشرب، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، أو كما بين المشرق والمغرب، يضرب أحدهم بمقمعة ضربة واحدة، فيهوون في النار سبعين ألفًا من أهل النار.
وقيل: الغلاظ: ضخام الأجسام، والشداد: الأقوياء.
﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾ سبحانه ﴿مَا أَمَرَهُمْ﴾؛ أي (١): لا يعصون أمره في عقوبة الكفار وغيرها، على أنه بدل اشتمال من ﴿اللَّهَ﴾، و ﴿مَا﴾ مصدرية؛ أو: لا يعصونه فيما أمرهم به، على نزع الخافض، و ﴿مَا﴾ موصولة؛ أي: لا يمتنعون من قبول الأمر كأعوان ملوك الدنيا يمتنعون بالرشوة، بل يلتزمونه ويعزمون على إتيانه. فليست هذه الجملة مع التي بعدها في معنى واحد. ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار من غير تثاقل وتوان، وتأخير وزيادة ونقصان. وقال القاضي: لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى، ويستمرون على فعل ما يؤمرون به في المستقبل. وقال الزمخشري. فإن قلت (٢): أليست الجملتان في معنى واحد؟
قلت: لا، فإن معنى الأولى: أنهم يتقبلون أوامره، يلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها، ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه، انتهى.
وقال بعضهم (٣): لعل التعبير في الأمر أولًا بالماضي مع نفي العصيان بالمستقبل؛ لما أن العصيان وعدمه يكونان بعد الأمر، وثانيًا بالمستقبل؛ لما أن أمرهم بعذاب الأشقياء يكون مرة بعد مرة. قال بعض الكبار: في هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية، وذلك لأنهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون بالذات، بخلاف البشر والملائكة الأرضية الذين لا يصعدون إلى
وقيل: الغلاظ: ضخام الأجسام، والشداد: الأقوياء.
﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾ سبحانه ﴿مَا أَمَرَهُمْ﴾؛ أي (١): لا يعصون أمره في عقوبة الكفار وغيرها، على أنه بدل اشتمال من ﴿اللَّهَ﴾، و ﴿مَا﴾ مصدرية؛ أو: لا يعصونه فيما أمرهم به، على نزع الخافض، و ﴿مَا﴾ موصولة؛ أي: لا يمتنعون من قبول الأمر كأعوان ملوك الدنيا يمتنعون بالرشوة، بل يلتزمونه ويعزمون على إتيانه. فليست هذه الجملة مع التي بعدها في معنى واحد. ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ أي: يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار من غير تثاقل وتوان، وتأخير وزيادة ونقصان. وقال القاضي: لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى، ويستمرون على فعل ما يؤمرون به في المستقبل. وقال الزمخشري. فإن قلت (٢): أليست الجملتان في معنى واحد؟
قلت: لا، فإن معنى الأولى: أنهم يتقبلون أوامره، يلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها، ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به من تعذيب الكفار، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه، انتهى.
وقال بعضهم (٣): لعل التعبير في الأمر أولًا بالماضي مع نفي العصيان بالمستقبل؛ لما أن العصيان وعدمه يكونان بعد الأمر، وثانيًا بالمستقبل؛ لما أن أمرهم بعذاب الأشقياء يكون مرة بعد مرة. قال بعض الكبار: في هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية، وذلك لأنهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون بالذات، بخلاف البشر والملائكة الأرضية الذين لا يصعدون إلى
(١) روح البيان.
(٢) الكشاف.
(٣) روح البيان.
(٢) الكشاف.
(٣) روح البيان.
474
السماء، فإن من الملائكة من لا يصعد من الأرض إلى السماء أبدًا، كما أن منهم من لا ينزل من السماء إلى الأرض أبدًا.
والحاصل: أن الجملة الأولى قد أفادت نفي العناد والاستكبار عنهم، فهي كقوله: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾، وأفادت الثانية نفي الكسل عنهم، فهي كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾.
وخلاصة ذلك: يمتثلون الأمر ولا يمتنعون عن تنفيذه، بل يؤدونه من غير تثاقل ولا توانٍ.
٧ - وبعد أن ذكر شدة العذاب في النار واشتداد الملائكة في الانتقام من أعداء الله الكافرين.. بين أنه يقال للكافرين: لا فائدة في الاعتذار؛ لأنه توبة، والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾؛ أي: تقول الملائكة للذين كفروا عند إدخالهم النار حسبما أمروا به: لا تعتذروا في هذا اليوم عن كفركم ومعاصيكم، فقد فات الأوان ولا يجدي رجاء ولا اعتذار، فلات ساعة مندم:
قال الراغب: العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه. وذلك ثلاثة أضرب: أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا - فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبًا - أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك، وهذا الثالث هو التوبة، فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة، واعتذرت إليه: أتيت بعذر، وعذرته: قبلت عذره.
ثم بيَّن السبب في عدم فائدة الندم، فقال: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ﴾ اليوم ﴿مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي بعدما نهيتم عنها أشد النهي، وأمرتم بالإيمان والطاعة، فلا عذر لكم قطعًا؛ أي: حقيقة. وفي بعض التفاسير: لا تعتذروا اليوم؛ لما أنه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم. وهذا النهي لهم إن كان قبل وقوع الاعتذار منهم.. فهو لا يوافق ظاهر قوله تعالى: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾، وإن كان بعده.. فيؤول هذا القول ويقال: لا يؤذن لهم أن يتموا اعتذارهم ولا يسمع إليه.
والمعنى: أي لا تعتذروا لأنكم، إنما تثابون اليوم، وتعطون جزاء أعمالكم
والحاصل: أن الجملة الأولى قد أفادت نفي العناد والاستكبار عنهم، فهي كقوله: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾، وأفادت الثانية نفي الكسل عنهم، فهي كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾.
وخلاصة ذلك: يمتثلون الأمر ولا يمتنعون عن تنفيذه، بل يؤدونه من غير تثاقل ولا توانٍ.
٧ - وبعد أن ذكر شدة العذاب في النار واشتداد الملائكة في الانتقام من أعداء الله الكافرين.. بين أنه يقال للكافرين: لا فائدة في الاعتذار؛ لأنه توبة، والتوبة غير مقبولة بعد الدخول في النار، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾؛ أي: تقول الملائكة للذين كفروا عند إدخالهم النار حسبما أمروا به: لا تعتذروا في هذا اليوم عن كفركم ومعاصيكم، فقد فات الأوان ولا يجدي رجاء ولا اعتذار، فلات ساعة مندم:
نَدِمَ الْبُغَاةُ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ | وَالْبَغْي مَرْتَعُ مُبْتَغِيْهِ وَخِيمُ |
ثم بيَّن السبب في عدم فائدة الندم، فقال: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ﴾ اليوم ﴿مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي بعدما نهيتم عنها أشد النهي، وأمرتم بالإيمان والطاعة، فلا عذر لكم قطعًا؛ أي: حقيقة. وفي بعض التفاسير: لا تعتذروا اليوم؛ لما أنه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم. وهذا النهي لهم إن كان قبل وقوع الاعتذار منهم.. فهو لا يوافق ظاهر قوله تعالى: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾، وإن كان بعده.. فيؤول هذا القول ويقال: لا يؤذن لهم أن يتموا اعتذارهم ولا يسمع إليه.
والمعنى: أي لا تعتذروا لأنكم، إنما تثابون اليوم، وتعطون جزاء أعمالكم
التي عملتموها في الدنيا، فلا تطلبوا المعاذير منها.
والخلاصة: أن هذه الدار دار جزاء لا دار عمل، وأنتم قد دسيتم أنفسكم في الدنيا بالكفر والمعاصي بعد أن نهيتم عنها، فاجنوا ثمر ما غرستم واشربوا من الكأس التي قد ملأتم.
٨ - وبعد أن ذكر أن التوبة في هذا اليوم لا تجدي نفعًا.. نبه عباده المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة النصوح، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿تُوبُوا﴾ وارجعوا من فعل المعاصي ﴿إِلَى﴾ طاعة ﴿اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ أي: رجوعًا خالصًا من جميع الشوائب المفسدة للتوبة من قولهم: عسل ناصح؛ أي: خالص من السمع، أو من النصاحة وهي الخياطة؛ أي: قد أحكمها وأوثقها ما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه. والنصح: تحري قول أو فعل فيه صلاح صاحبه، والنصوح فعول، من أبنية المبالغة، كقولهم: رجل صبور وشكور؛ أي: توبة بالغة في النصح لصاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو وصف التائبين، وهو: أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة، فيأتوا بها على طريقتها وشروطها، وذلك بأن يتوبوا من القبائح لقبحها، نادمين عليها، مغتمين أشو الاغتمام لارتكابها، عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلا أن يعود اللبن في الضرع، وكذا لو حزوا بالسيف وأحرقوا بالنار، موطنين أنفسهم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلًا.
وقرأ زيد بن علي (١): ﴿توبًا﴾ بغير تاء. وقرأ الجمهور: ﴿نَّصُوحًا﴾ بفتح النون وصفًا لتوبة. وقرأ الحسن، والأعرج، وعيسى، وأبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع بضمها، وهو مصدر وصف به، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز؛ إذ النصح صفة للتائب، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة فيأتي بها على طيقها، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها. ويجوز أن يكون بالضم، جمع ناصح. قال المبرد: أراد توبة ذا نصح.
والخلاصة: أن هذه الدار دار جزاء لا دار عمل، وأنتم قد دسيتم أنفسكم في الدنيا بالكفر والمعاصي بعد أن نهيتم عنها، فاجنوا ثمر ما غرستم واشربوا من الكأس التي قد ملأتم.
٨ - وبعد أن ذكر أن التوبة في هذا اليوم لا تجدي نفعًا.. نبه عباده المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة النصوح، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿تُوبُوا﴾ وارجعوا من فعل المعاصي ﴿إِلَى﴾ طاعة ﴿اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ أي: رجوعًا خالصًا من جميع الشوائب المفسدة للتوبة من قولهم: عسل ناصح؛ أي: خالص من السمع، أو من النصاحة وهي الخياطة؛ أي: قد أحكمها وأوثقها ما يحكم الخياط الثوب بخياطته وتوثيقه. والنصح: تحري قول أو فعل فيه صلاح صاحبه، والنصوح فعول، من أبنية المبالغة، كقولهم: رجل صبور وشكور؛ أي: توبة بالغة في النصح لصاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه، وصفت بذلك على الإسناد المجازي، وهو وصف التائبين، وهو: أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة، فيأتوا بها على طريقتها وشروطها، وذلك بأن يتوبوا من القبائح لقبحها، نادمين عليها، مغتمين أشو الاغتمام لارتكابها، عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلا أن يعود اللبن في الضرع، وكذا لو حزوا بالسيف وأحرقوا بالنار، موطنين أنفسهم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلًا.
وقرأ زيد بن علي (١): ﴿توبًا﴾ بغير تاء. وقرأ الجمهور: ﴿نَّصُوحًا﴾ بفتح النون وصفًا لتوبة. وقرأ الحسن، والأعرج، وعيسى، وأبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع بضمها، وهو مصدر وصف به، ووصفها بالنصح على سبيل المجاز؛ إذ النصح صفة للتائب، وهو أن ينصح نفسه بالتوبة فيأتي بها على طيقها، وهي خلوصها من جميع الشوائب المفسدة لها. ويجوز أن يكون بالضم، جمع ناصح. قال المبرد: أراد توبة ذا نصح.
(١) البحر المحيط.
476
فصل في التوبة (١)
وقال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب على الفور، ولا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي.. فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدًا. فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة.. كانت نصوحًا
وإن فقد شرط منها.. لم تصح توبته. فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي.. فشروطها أربعة: هذه الثلاثة المتقدمة.
والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت المعصية مالًا ونحوه.. رده إلى صاحبه، وإن كان حدّ قذف أو نحوه.. مكنه من نفسه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة.. أستحله منها. ويجب أن يتوب العبد من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها.. صحت توبته من ذلك الذنب، وبقي عليه ما لم يتب منه. وهذا مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.
وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مئة مرة" أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "والله! إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" أخرجه البخاري.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة... " الحديث متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: "إن الله
(١) الخازن.
477
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ - قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
والمعنى: أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله سبحانه وإلى ما يرضيه عنكم، رجوعًا لا تعودون فيه أبدًا.
﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾؛ أي: حقق ربكم ﴿أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾؛ أي: أن يستر ويمحو عنه سيئات أعمالكم التي اسلفت منكم، بل يبدلها حسنات. ﴿و﴾ أن ﴿يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ﴾؛ أي: بساتين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة المعهودة. وجمَع جنات إما لكثرة المخاطبين؛ لأن لكل منهم جنة، أو لتعددها لكل منهم من الأنواع. قال في "الإرشاد": ورود (١) صيغة الإطماع والترجية للجري على سنن الكبراء، فإن الملوك يجيبون بلعل وعسى، ويقع ذلك موقع القطع وللإشعار بأنه تفضل، والتوبة غير موجبة له، وأن العبد ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء، وإن بالغ في إقامة وظائف العبادة.
يقول الفقير: التكفير إشارة إلى الخلاص من الجحيم؛ لأن السيئات هي سبب العذاب، فإذا زال السبب.. زال المسبب، وإدخال الجنات إشارة إلى التقريب؛ لأن الجنان موضع القرب والكرامة، وجريان الأنهار إشارة إلى الحياة الأبدية؛ لأن الماء أصل الحياة وعنصرها، فلا بد للإنسان في مقابلة هذه الأنهار من ماء العلم ولبن الفطرة وعسل الإلهام وخمر الحال، فكما أن الحياة المعنوية في الدنيا إنما تحصل بهذه الأسباب.. فكذا الحياة الصورية في الآخرة إنما تحصل بصورها.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ بالنصب عطفًا على ﴿أَنْ يُكَفِّرَ﴾. وقرىء بالجزم، وقال الزمخشري: عطفًا على محل ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ﴾ كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم، انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفًا
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ - قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
والمعنى: أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله سبحانه وإلى ما يرضيه عنكم، رجوعًا لا تعودون فيه أبدًا.
﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾؛ أي: حقق ربكم ﴿أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾؛ أي: أن يستر ويمحو عنه سيئات أعمالكم التي اسلفت منكم، بل يبدلها حسنات. ﴿و﴾ أن ﴿يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ﴾؛ أي: بساتين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة المعهودة. وجمَع جنات إما لكثرة المخاطبين؛ لأن لكل منهم جنة، أو لتعددها لكل منهم من الأنواع. قال في "الإرشاد": ورود (١) صيغة الإطماع والترجية للجري على سنن الكبراء، فإن الملوك يجيبون بلعل وعسى، ويقع ذلك موقع القطع وللإشعار بأنه تفضل، والتوبة غير موجبة له، وأن العبد ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء، وإن بالغ في إقامة وظائف العبادة.
يقول الفقير: التكفير إشارة إلى الخلاص من الجحيم؛ لأن السيئات هي سبب العذاب، فإذا زال السبب.. زال المسبب، وإدخال الجنات إشارة إلى التقريب؛ لأن الجنان موضع القرب والكرامة، وجريان الأنهار إشارة إلى الحياة الأبدية؛ لأن الماء أصل الحياة وعنصرها، فلا بد للإنسان في مقابلة هذه الأنهار من ماء العلم ولبن الفطرة وعسل الإلهام وخمر الحال، فكما أن الحياة المعنوية في الدنيا إنما تحصل بهذه الأسباب.. فكذا الحياة الصورية في الآخرة إنما تحصل بصورها.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾ بالنصب عطفًا على ﴿أَنْ يُكَفِّرَ﴾. وقرىء بالجزم، وقال الزمخشري: عطفًا على محل ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ﴾ كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم، انتهى. والأولى أن يكون حذف الحركة تخفيفًا
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
478
وتشبيهًا لما هو من كلمتين بالكلمة الواحدة.
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ﴾ ولا يذله، ظرف ليدخلكم؛ أي: يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي، وهو يوم القيامة. ولا يخزي: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق والنبي هو: محمد - ﷺ -. قال بعض أهل التفسير (١): ﴿يُخْزِي﴾: إما في الخزي، وهو الفضاحة، فيكون تعريضًا للكفرة الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. أو من الخزاية، بمعنى الحياء والخجل، وهو الأنسب هنا بالنظر إلى شأن الرسول خصوصًا إذا تم الكلام في النبي وإن أريد المعنى الأول.. حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أن خزي الأمة لا يخلو عن إنشاء خزي ما في الرسول على ما يشعر به قوله - ﷺ - في دعائه: "اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء" بعض الإشعار حيث لم يقل: لا تخزني، كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)﴾ ليكون دعاؤه عامًا لأمته من قوة رحمته، وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته. قيل: الخزي كناية عن العذاب لملازمة بينهما. والأولى العموم لكل خزي يكون بسبب من الأسباب، من الحساب والميزان والعقاب وغيرها.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ معطوف على النبي، و ﴿مَعَهُ﴾ صلة لا يخزي؛ أي: لا يخزي الله معه الذين آمنوا؛ أي: يعمهم بأن لا يخزيهم، أو حال من الموصول، بمعنى كائنين معه. أو متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾؛ أي: صاحبوه في الإيمان، وهو الموافق لقوله تعالى: ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾.
والمعنى: أي ولا يخزي الذين اتبعوه في الإيمان، كما قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ وذلك (٢) الخزي بسوء الحساب، والتعيير والعتاب وذل الحجاب، ورد الجواب، فيحاسبهم حسابًا يسيرًا، بل ويرفع الحساب عن بعضهم، ويلاطفهم، ويكشف لهم جماله، ويعطي مأمولهم من الشفاعة لأقاربهم وإخوانهم ونحولهم. والكلام تم عند قوله: ﴿مَعَهُ﴾، وفيه تعريض بمن أخزاهم الله تعالى من أهل الكفر والفسوق كما سبق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم. قيل:
وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ﴾ ولا يذله، ظرف ليدخلكم؛ أي: يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي، وهو يوم القيامة. ولا يخزي: تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق والنبي هو: محمد - ﷺ -. قال بعض أهل التفسير (١): ﴿يُخْزِي﴾: إما في الخزي، وهو الفضاحة، فيكون تعريضًا للكفرة الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾. أو من الخزاية، بمعنى الحياء والخجل، وهو الأنسب هنا بالنظر إلى شأن الرسول خصوصًا إذا تم الكلام في النبي وإن أريد المعنى الأول.. حينئذ يجوز أن يكون باعتبار أن خزي الأمة لا يخلو عن إنشاء خزي ما في الرسول على ما يشعر به قوله - ﷺ - في دعائه: "اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء" بعض الإشعار حيث لم يقل: لا تخزني، كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)﴾ ليكون دعاؤه عامًا لأمته من قوة رحمته، وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته. قيل: الخزي كناية عن العذاب لملازمة بينهما. والأولى العموم لكل خزي يكون بسبب من الأسباب، من الحساب والميزان والعقاب وغيرها.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ معطوف على النبي، و ﴿مَعَهُ﴾ صلة لا يخزي؛ أي: لا يخزي الله معه الذين آمنوا؛ أي: يعمهم بأن لا يخزيهم، أو حال من الموصول، بمعنى كائنين معه. أو متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾؛ أي: صاحبوه في الإيمان، وهو الموافق لقوله تعالى: ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾.
والمعنى: أي ولا يخزي الذين اتبعوه في الإيمان، كما قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ وذلك (٢) الخزي بسوء الحساب، والتعيير والعتاب وذل الحجاب، ورد الجواب، فيحاسبهم حسابًا يسيرًا، بل ويرفع الحساب عن بعضهم، ويلاطفهم، ويكشف لهم جماله، ويعطي مأمولهم من الشفاعة لأقاربهم وإخوانهم ونحولهم. والكلام تم عند قوله: ﴿مَعَهُ﴾، وفيه تعريض بمن أخزاهم الله تعالى من أهل الكفر والفسوق كما سبق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم. قيل:
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
479
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ مبتدأ، خبره ما بعده من قوله ﴿نُورُهُمْ﴾ إلخ، أو خبره ﴿مَعَهُ﴾. والمراد بالإيمان هو الكامل حينئذٍ، حتى لا يلزم أن لا يدخل عصاة المؤمنين النار.
﴿نُورُهُمْ﴾ مبتدأ على الوجه الأول، وهو الأولى وخبره ﴿يَسْعَى﴾ ويضيء ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: قدامهم. والجملة الاسمية حال، أو مستأنفة لبيان حالهم؛ أي: نور إيمانهم وطاعتهم يضيء ويمشي بين أيديم. والسعي: المشي السريع القوي، وفيه إشارة إلى كمال اللمعان. والأيدي: جمع يد، يراد بها قدام الشيء. فالجمع إما بإطلاقه على التثنية أو بكثرة أيدي العباد ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ جمع يمين، مقابل الشمال؛ أي: عن أيمانهم وشمائلهم على وجه الإضمار. يعني: جهة أيمانهم وشمائلهم، أو عن جميع جهاتهم. وإنما (١) اكتفى بذكرهما لأنهمام أشرف الجهات. وقال بعضهم: تخصيص الأيدي والأيمان لأن أرباب السعادة يؤتون صحائف أعمالهم منهما، كما أن أهل الشقاوة يؤتون من شمائلهم ووراء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائدًا على الصراط إلى دخول الجنة وزينة لهم فيها.
وقرأ سهل بن شعيب، وأبو حيوة (٢): ﴿وبإيمانهم﴾ بكسر الهمزة.
والمعنى: أي نورهم يسعى بين أيديهم حين يمشون وبإيمانهم حين الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم. وفيه نور وخير لهم.
ثم بيّن ما يطلبونه من ربهم، فقال: ﴿يَقُولُونَ﴾؛ أي: يقول المؤمنون - وهو الظاهر -، أو الرسول لأمته، والمؤمنون لأنفسهم، إذا طفىء نور المنافقين إشفاقًا على نورهم؛ أي: يشفقون على العادة البشرية على نورهم أن ينطفىء ويتفكرون فيما مضى منهم من الذنوب، فيقولون: ﴿رَبَّنَا﴾؛ أي: متولي أمورنا ﴿أَتْمِمْ لَنَا﴾؛ أي: أدم لنا ﴿نُورَنَا﴾ ولا تطفئه عنا كنور المنافقين، فيكون المراد بالإتمام: الإدامة إلى أن يصلوا إلى دار السلام. وجملة القول في محل النصب على الحال أيضًا. ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ ذنوبنا، ﴿إِنَّكَ﴾ يا رب ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من الإتمام والمغفرة وغيرهما. وقيل: يدعون تقربًا إلى الله تعالى مع تمام نورهم، كقوله: {وَاسْتَغْفِرْ
﴿نُورُهُمْ﴾ مبتدأ على الوجه الأول، وهو الأولى وخبره ﴿يَسْعَى﴾ ويضيء ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: قدامهم. والجملة الاسمية حال، أو مستأنفة لبيان حالهم؛ أي: نور إيمانهم وطاعتهم يضيء ويمشي بين أيديم. والسعي: المشي السريع القوي، وفيه إشارة إلى كمال اللمعان. والأيدي: جمع يد، يراد بها قدام الشيء. فالجمع إما بإطلاقه على التثنية أو بكثرة أيدي العباد ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ جمع يمين، مقابل الشمال؛ أي: عن أيمانهم وشمائلهم على وجه الإضمار. يعني: جهة أيمانهم وشمائلهم، أو عن جميع جهاتهم. وإنما (١) اكتفى بذكرهما لأنهمام أشرف الجهات. وقال بعضهم: تخصيص الأيدي والأيمان لأن أرباب السعادة يؤتون صحائف أعمالهم منهما، كما أن أهل الشقاوة يؤتون من شمائلهم ووراء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائدًا على الصراط إلى دخول الجنة وزينة لهم فيها.
وقرأ سهل بن شعيب، وأبو حيوة (٢): ﴿وبإيمانهم﴾ بكسر الهمزة.
والمعنى: أي نورهم يسعى بين أيديهم حين يمشون وبإيمانهم حين الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم. وفيه نور وخير لهم.
ثم بيّن ما يطلبونه من ربهم، فقال: ﴿يَقُولُونَ﴾؛ أي: يقول المؤمنون - وهو الظاهر -، أو الرسول لأمته، والمؤمنون لأنفسهم، إذا طفىء نور المنافقين إشفاقًا على نورهم؛ أي: يشفقون على العادة البشرية على نورهم أن ينطفىء ويتفكرون فيما مضى منهم من الذنوب، فيقولون: ﴿رَبَّنَا﴾؛ أي: متولي أمورنا ﴿أَتْمِمْ لَنَا﴾؛ أي: أدم لنا ﴿نُورَنَا﴾ ولا تطفئه عنا كنور المنافقين، فيكون المراد بالإتمام: الإدامة إلى أن يصلوا إلى دار السلام. وجملة القول في محل النصب على الحال أيضًا. ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ ذنوبنا، ﴿إِنَّكَ﴾ يا رب ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من الإتمام والمغفرة وغيرهما. وقيل: يدعون تقربًا إلى الله تعالى مع تمام نورهم، كقوله: {وَاسْتَغْفِرْ
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
480
لِذَنْبِكَ} وهو مغفور له.
قال في "الكشاف": كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب؟
قلت: لما كانت حالهم كحال المتقربين يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة.. سماه تقربًا. وقيل: يتفاوت نورهم بحمسب أعمالهم، فيسألون إتمامه تفضلًا، فيكون قوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ من باب: بنو فلان قتلوا زيدًا.
والمعنى (١): أي يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم فلا يطفئه، حتى يجوزوا الصراط حين يقول لهم المنافقون والمنافقات: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾، وقد تقدم نحو هذا في سورة الحديد. ويطلبون أيضًا منه أن يستر عليهم ذنوبهم، لا يفضحهم بعقوبتهم عليها حين الحساب. ثم ذكروا ما يطمعهم في إجابة الدعاء، فقالوا: إنك على إتمام نورنا، وغفران ذنوبنا، وكل ما نرجو منك ونطمع، قدير يا ربنا، فاللهم: أجب دعاءنا ولا تخيب رجاءنا.
وقد روي: أن أدناهم منزلة من يكون نوره بقدر ما يبصر موطىء قدمه؛ لأن النور على قدر العمل. وروي: أن السابقين إلى الجنة يقرون على الصراط مثل البرق، ويمر بعضهم كالريح، وبعضهم يحبو حبوًا أو يزحف زحفًا، وهم الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾.
٩ - ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ الكريم ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ المجاهرين للكفر بالسيف والسنان، ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾؛ أي: المبطنين للكفر، بالحجة واللسان، أو بالوعيد والتهديد، أو بإلقائهم بوجه قهر، أو بإفشاء سرهم. قيل: النفاق مستتر في القلب، ولم يكن للنبي - ﷺ - سبيل إلى ما في القلوب من النفاق والإخلاص إلا بعد إعلام من قبل الله، فأمر عليه السلام بمجاهدة من علمه منافقًا لإعلام الله إياه باللسان دون السيف لحرمة تلفظه بالشهادتين، وأن يجري عليه أحكام المسلمين ما دام ذلك إلى أن يموت.
﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: واشدد على الفريقين، واستعمل الخشونة فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة. قال الحسن: أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود. وفيه (٢) إشارة إلى أن الغلظة على
قال في "الكشاف": كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب؟
قلت: لما كانت حالهم كحال المتقربين يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة.. سماه تقربًا. وقيل: يتفاوت نورهم بحمسب أعمالهم، فيسألون إتمامه تفضلًا، فيكون قوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ من باب: بنو فلان قتلوا زيدًا.
والمعنى (١): أي يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم فلا يطفئه، حتى يجوزوا الصراط حين يقول لهم المنافقون والمنافقات: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾، وقد تقدم نحو هذا في سورة الحديد. ويطلبون أيضًا منه أن يستر عليهم ذنوبهم، لا يفضحهم بعقوبتهم عليها حين الحساب. ثم ذكروا ما يطمعهم في إجابة الدعاء، فقالوا: إنك على إتمام نورنا، وغفران ذنوبنا، وكل ما نرجو منك ونطمع، قدير يا ربنا، فاللهم: أجب دعاءنا ولا تخيب رجاءنا.
وقد روي: أن أدناهم منزلة من يكون نوره بقدر ما يبصر موطىء قدمه؛ لأن النور على قدر العمل. وروي: أن السابقين إلى الجنة يقرون على الصراط مثل البرق، ويمر بعضهم كالريح، وبعضهم يحبو حبوًا أو يزحف زحفًا، وهم الذين يقولون: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾.
٩ - ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ الكريم ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ المجاهرين للكفر بالسيف والسنان، ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾؛ أي: المبطنين للكفر، بالحجة واللسان، أو بالوعيد والتهديد، أو بإلقائهم بوجه قهر، أو بإفشاء سرهم. قيل: النفاق مستتر في القلب، ولم يكن للنبي - ﷺ - سبيل إلى ما في القلوب من النفاق والإخلاص إلا بعد إعلام من قبل الله، فأمر عليه السلام بمجاهدة من علمه منافقًا لإعلام الله إياه باللسان دون السيف لحرمة تلفظه بالشهادتين، وأن يجري عليه أحكام المسلمين ما دام ذلك إلى أن يموت.
﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: واشدد على الفريقين، واستعمل الخشونة فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة. قال الحسن: أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود. وفيه (٢) إشارة إلى أن الغلظة على
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
أعداء الله من حسن الخلق، فإن أشفق الخلق إذا كان مأمورًا بالغلظة عليهم، فما
ظنك بغير؟ فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب. كما قال تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾؛ أي: مقرهم ومنزلهم في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ ومصيرهم إليها، سيرون فيها عذابًا غليظًا. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: المرجع الذي يرجعون إليه. والمخصوص بالذم جهنم وفيه تصريح بما علم التزامًا مبالغة.
يقول الفقير: إذا كان الأعداء الظاهرون يحتاجون إلى الغلظة والشدة.. فما ظنك بأعدى الأعداء، وهي النفس الأمارة بالسوء، ففي الغلظة عليها نجاة، وفي اللين هلاك، وفي المثل: العصا لمن عصا.
والمعنى (١): أي جاهد الكفار بالسيف، وقاتلهم قتالًا لا هوادة فيه، وجاهد المنافقين بالإنذار والوعيد وبيان سوء المنقلب وعنفهم بفضيحة عاجلة تبين قبح طواياهم وخبث نفوسهم كما حدث منه - ﷺ - في المسجد الجامع لبعض المنافقين على ملأ من الناس، فقال: اخرج يا فلان، اخرج يا فلان، وأخرج منهم عددًا كثيرًا، ثم بيّن سوء عاقبتهم، فقال: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: وسيكون مسكنهم جهنم وبئس المثوى والمقيل.
١٠ - ﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: شبهًا. وهو المفعول الثاني لضرب؛ لأنه بمعنى: جعل، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ متعلق بـ ﴿مَثَلًا﴾، وقوله: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾؛ أي: حالهما. مفعوله الأول أخِّر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال هؤلاء الكفرة.
وضرب المثل (٢) في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة؛ أي: ضرب الله سبحانه وجعل حال امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا وشبهًا لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - ﷺ - بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة. وامرأة نوح هي: واعلة بالعين المهملة، أو والعة. وامرأة لوط هي: واهلة بالهاء. ﴿كَانَتَا﴾؛ أي: كانت المرأتان ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير
ظنك بغير؟ فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب. كما قال تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾؛ أي: مقرهم ومنزلهم في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ ومصيرهم إليها، سيرون فيها عذابًا غليظًا. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: المرجع الذي يرجعون إليه. والمخصوص بالذم جهنم وفيه تصريح بما علم التزامًا مبالغة.
يقول الفقير: إذا كان الأعداء الظاهرون يحتاجون إلى الغلظة والشدة.. فما ظنك بأعدى الأعداء، وهي النفس الأمارة بالسوء، ففي الغلظة عليها نجاة، وفي اللين هلاك، وفي المثل: العصا لمن عصا.
والمعنى (١): أي جاهد الكفار بالسيف، وقاتلهم قتالًا لا هوادة فيه، وجاهد المنافقين بالإنذار والوعيد وبيان سوء المنقلب وعنفهم بفضيحة عاجلة تبين قبح طواياهم وخبث نفوسهم كما حدث منه - ﷺ - في المسجد الجامع لبعض المنافقين على ملأ من الناس، فقال: اخرج يا فلان، اخرج يا فلان، وأخرج منهم عددًا كثيرًا، ثم بيّن سوء عاقبتهم، فقال: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: وسيكون مسكنهم جهنم وبئس المثوى والمقيل.
١٠ - ﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: شبهًا. وهو المفعول الثاني لضرب؛ لأنه بمعنى: جعل، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ متعلق بـ ﴿مَثَلًا﴾، وقوله: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾؛ أي: حالهما. مفعوله الأول أخِّر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال هؤلاء الكفرة.
وضرب المثل (٢) في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة؛ أي: ضرب الله سبحانه وجعل حال امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا وشبهًا لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - ﷺ - بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة. وامرأة نوح هي: واعلة بالعين المهملة، أو والعة. وامرأة لوط هي: واهلة بالهاء. ﴿كَانَتَا﴾؛ أي: كانت المرأتان ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
482
والصلاح. والمراد بكونهما تحتهما: كونهما في حكمهما وتصرفهما بعلاقة النكاح والزواج. و ﴿صَالِحَيْنِ﴾ صفة عبدين؛ أي: كانتا تحت نكاح نبيّين، وفي عصمة رسولين عظيمي الشأن، متمكنين من تحصيل خيري الدنيا والآخرة وحيازة سعادتهما. وإظهار العبدين المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالإضافة التشريفية إلى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح. وإلا.. فيكفي أن يقال: تحتهما. وفيه بيان شرف العبودية والصلاح.
﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ بيان لما صدر عنهما من الخيانة العظيمة مع تحقق ما ينفيها من صحبة النبي. والخيانة ضد الأمانة، فهي إنما تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة؛ أي: فوقعت منهما الخيانة لهما بالكفر والنفاق، والنسبة إلى الجنون، والدلالة على الأضياف ليتعرضوا لهم بالفجور لا بالبغاء، فإنه ما بغت امرأة نبيّ قط. فالبغاء للزوجة أشد في إيراث الأنفة لأهل العار والناموس من الكفر، وإن كان الكفر أشد منه في أن يكون جرمًا يؤاخذ به العبد يوم القيامة، وهذا تصوير لحالهما المحاكية لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - ﷺ - كما مرّ.
﴿فَلَمْ يُغْنِيَا...﴾ إلخ بيان لما أدى إليه خيانتهما؛ أي: فلم يغن النبيَّان ﴿عَنْهُمَا﴾؛ أي: عن تينك المرأتين بحق الزواج ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: من عذابه تعالى ﴿شَيْئًا﴾ من الإغناء؛ أي: لم يدفعا العذاب عنهما. ﴿وَقِيلَ﴾ لهما عند موتهما أو يوم القيامة. وصيغة الماضي للتحقيق؛ أي: قالت الملائكة الموكلون بالعذاب لهما: ﴿ادْخُلَا﴾ أي: أيها المرأتان ﴿النَّارَ﴾؛ أي: نار جهنم ﴿مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾؛ أي: مع سائر الداخلين لها من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين أولياء الله. ذكرن (١) بلفظ جمع المذكر السالم؛ لأنهن لا ينفردن بالدخول، فإذا اجتمعا.. فالغلبة للذكور.
وقطعت هذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له في الطريقة والسيرة، وإن كان بينه وبينه لحمة نسب أو صلة صهر.
وفي هذا المثل (٢): تعريض بأمي المؤمنين عائشة وحفصة وما فرط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده حين تظاهرتا على رسول الله - ﷺ -، وما
﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ بيان لما صدر عنهما من الخيانة العظيمة مع تحقق ما ينفيها من صحبة النبي. والخيانة ضد الأمانة، فهي إنما تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة؛ أي: فوقعت منهما الخيانة لهما بالكفر والنفاق، والنسبة إلى الجنون، والدلالة على الأضياف ليتعرضوا لهم بالفجور لا بالبغاء، فإنه ما بغت امرأة نبيّ قط. فالبغاء للزوجة أشد في إيراث الأنفة لأهل العار والناموس من الكفر، وإن كان الكفر أشد منه في أن يكون جرمًا يؤاخذ به العبد يوم القيامة، وهذا تصوير لحالهما المحاكية لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - ﷺ - كما مرّ.
﴿فَلَمْ يُغْنِيَا...﴾ إلخ بيان لما أدى إليه خيانتهما؛ أي: فلم يغن النبيَّان ﴿عَنْهُمَا﴾؛ أي: عن تينك المرأتين بحق الزواج ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: من عذابه تعالى ﴿شَيْئًا﴾ من الإغناء؛ أي: لم يدفعا العذاب عنهما. ﴿وَقِيلَ﴾ لهما عند موتهما أو يوم القيامة. وصيغة الماضي للتحقيق؛ أي: قالت الملائكة الموكلون بالعذاب لهما: ﴿ادْخُلَا﴾ أي: أيها المرأتان ﴿النَّارَ﴾؛ أي: نار جهنم ﴿مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾؛ أي: مع سائر الداخلين لها من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين أولياء الله. ذكرن (١) بلفظ جمع المذكر السالم؛ لأنهن لا ينفردن بالدخول، فإذا اجتمعا.. فالغلبة للذكور.
وقطعت هذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له في الطريقة والسيرة، وإن كان بينه وبينه لحمة نسب أو صلة صهر.
وفي هذا المثل (٢): تعريض بأمي المؤمنين عائشة وحفصة وما فرط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده حين تظاهرتا على رسول الله - ﷺ -، وما
(١) روح البيان.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
483
أحسن قول من قال (١): إن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله - ﷺ - يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله، وخاتم رسله.. فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا، وقد عصمهما الله تعالى عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة.
ومعنى الآية (٢): أي ضرب الله مثلًا يبين به حال الكافرين الذين لم ينتفعوا بعظات المؤمنين الصادقين من النبيين والمرسلين؛ لظلمة قلوبهم وسوء استعدادهم وفساد فطرتهم، امرأة نوح وامرأة لوط؛ إذ كانتا في عصة نبيّين يمكنهما أن ينتفعا بهديهما ويحصلا ما فيه سعادتهما في معاشهما ومعادهما، لكنهما أبتا ذلك وعملتا ما يدل على الخيانة والكفر، فاتهمت الأولى زوجها بالجنون، وكانت الثانية ترشد قوم لوط إلى ضيوفه لمآرب خبيثة، فلم يدفع عنما قربهما من ذينك العبدين الصالحين شيئًا، وحاق بهما سوء ما عملتا، وسيحل بهما عقاب الله، وسيدخلان النار في زمرة داخليها، جزاء وفاقًا لما اجترحتا من السيئات وما دستا به أنفسهما من كبير الآثام وعظيم المعاصي.
١١ - وبعد أن ضرب مثلًا يبين به أن وصلة الكافرين بالمؤمنين لا تفيدهم شيئًا.. أرشد إلى عكس هذا، فأفاد أن اتصال المؤمنين بالكافرين لا يضرهم شيئًا، فقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان، قدمه للاهتمام به. ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: جعل الله حالها مثلًا لحال المؤمنين، ترغيبًا لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة، وأن وصلة الكفار وصولتهم لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله سبحانه في أعلى غرف الجنان. والمراد بها: آسية بنت مزاحم. يقال: رجل آسي وامرأة آسية، من الأسى. وهو الحزن. قال بعضهم: الحزن حلية الأدباء، ومن لم يذق طعام الحزن.. لم يذق لذة العبادة على أنواعها. أو من الأسو، وهو: المداوة، والآسي - بالمد -: الطبيب.
﴿إِذْ قَالَتْ﴾: ظرف للمثل المذكور؛ أي: ضرب الله مثلًا للمؤمنين حالها إذ
ومعنى الآية (٢): أي ضرب الله مثلًا يبين به حال الكافرين الذين لم ينتفعوا بعظات المؤمنين الصادقين من النبيين والمرسلين؛ لظلمة قلوبهم وسوء استعدادهم وفساد فطرتهم، امرأة نوح وامرأة لوط؛ إذ كانتا في عصة نبيّين يمكنهما أن ينتفعا بهديهما ويحصلا ما فيه سعادتهما في معاشهما ومعادهما، لكنهما أبتا ذلك وعملتا ما يدل على الخيانة والكفر، فاتهمت الأولى زوجها بالجنون، وكانت الثانية ترشد قوم لوط إلى ضيوفه لمآرب خبيثة، فلم يدفع عنما قربهما من ذينك العبدين الصالحين شيئًا، وحاق بهما سوء ما عملتا، وسيحل بهما عقاب الله، وسيدخلان النار في زمرة داخليها، جزاء وفاقًا لما اجترحتا من السيئات وما دستا به أنفسهما من كبير الآثام وعظيم المعاصي.
١١ - وبعد أن ضرب مثلًا يبين به أن وصلة الكافرين بالمؤمنين لا تفيدهم شيئًا.. أرشد إلى عكس هذا، فأفاد أن اتصال المؤمنين بالكافرين لا يضرهم شيئًا، فقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان، قدمه للاهتمام به. ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: جعل الله حالها مثلًا لحال المؤمنين، ترغيبًا لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة، وأن وصلة الكفار وصولتهم لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله سبحانه في أعلى غرف الجنان. والمراد بها: آسية بنت مزاحم. يقال: رجل آسي وامرأة آسية، من الأسى. وهو الحزن. قال بعضهم: الحزن حلية الأدباء، ومن لم يذق طعام الحزن.. لم يذق لذة العبادة على أنواعها. أو من الأسو، وهو: المداوة، والآسي - بالمد -: الطبيب.
﴿إِذْ قَالَتْ﴾: ظرف للمثل المذكور؛ أي: ضرب الله مثلًا للمؤمنين حالها إذ
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
484
قالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي﴾ (١) على أيدي الملائكة، أو بيد قدرتك، فإنه روي: أن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة، وغرس شجرة طوبى بيده. ﴿عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾؛ أي: قريبًا من رحمتك، على أن الظرف حال من ضمير المتكلم، أو ابن لي في أعلى درجات المقربين، فيكون ﴿عند﴾ ظرفًا للفعل، و ﴿فِي الْجَنَّةِ﴾ صفة لـ ﴿بَيْتًا﴾. وفي "عين المعاني": ﴿عِنْدَكَ﴾؛ أي: من عندك بلا استحقاق مني بل كرامة منك. وروي: أنها لما قالت ذلك.. رفعت الحجب حتى رأت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع روحها. ﴿وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ الجاهل ﴿وَعَمَلِهِ﴾ الباطل؛ أي: من نفسه الخبيثة وسوء جوارها، ومن عمله السيء الذي هو كفره ومعاصيه. ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: من القبط التابعين له في الظلم. روي: أنه لما غلب موسى عليه السلام السحرة.. آمنت امرأة فرعون، وقيل: هي عمّة موسى آمنت به، فلما تبين لفرعون إسلامها طلب منها أن ترجع عن إيمانها، فأبت، فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وربطها، وألقاها في الشمس وأراها الله بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، فضحكت، فعند ذلك قالوا: هي مجنونة، تضحك وهي في العذاب!
وأخرج ابن أبي شيبة (٢)، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشعب" عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها.. أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة: إن فرعون وَتَدَ لامرأته أربعة أوتاد، وأضجعها على ظهرها، وجعل على صدرها رحى، واستقبل بها عين الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء ﴿قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، ففرج الله لها عن بيتها في الجنة، فرأته. وقيل: اشتاقت إلى الجنة وملت من صحبة فرعون، فسألت ذلك. وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسالة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين.
وأخرج ابن أبي شيبة (٢)، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشعب" عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها.. أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة: إن فرعون وَتَدَ لامرأته أربعة أوتاد، وأضجعها على ظهرها، وجعل على صدرها رحى، واستقبل بها عين الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء ﴿قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، ففرج الله لها عن بيتها في الجنة، فرأته. وقيل: اشتاقت إلى الجنة وملت من صحبة فرعون، فسألت ذلك. وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسالة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين.
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
485
وذكر (١) المفسرون أنواعًا مضطربة في تعذيبها، وليس في القرآن نص بأنها عذبت، والله أعلم. وقال بعض الظرفاء، وقد سئل أين في القرآن مثل قولهم: الجار قبل الدار؟ قال: قوله تعالى: ﴿ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾، فـ ﴿عِنْدَكَ﴾ هو المجاورة، و ﴿بَيْتًا﴾ في الجنة هو الدار، وقد تقدم ﴿عِنْدَكَ﴾ على قوله: ﴿بَيْتًا﴾.
ومعنى الآية (٢): أي وجعل الله حال امرأة فرعون مثلًا يبين به أن وصلة المؤمنين بالكافرين لا تضرهم شيئًا إذا كانت النفوس خالصة من الأكدار؛ فقد كانت تحت أعدى أعداء الله في الدنيا، وطلبت النجاة منه ومن عمله، وقالت في دعائها: رب اجعلني قريبًا من رحمتك، وابن لي بيتًا في الجنة، وخلصني من أعمال فرعون الخبيثة، وأنقذني من قومه الظالمين. وفي هذا دليل على أنها كانت مؤمنة مصدقة بالبعث، ومن سنن الله أن: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
١٢ - وقوله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ معطوف على امرأة فرعون. وجمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها نسلية للأرامل وتطييبًا لأنفسهن. وسميت مريم في القرآن باسمها في سبعة مواضع، ولم يسم غيرها من النساء؛ لأنها أقامت نفسها في الطاعة كالرجل الكامل. ومريم بمعنى العابدة. وقد سمى الله أيضًا زيدًا في القرآن كما سبق في سورة الأحزاب. وقرأ الجمهور: ﴿ابْنَتَ﴾ بفتح التاء، وأيوب السختياني: ﴿ابنه﴾ بسكون الهاء وصلًا، إجراء مجرى الوقف.
والمعنى (٣): وضرب الله سبحانه مثلًا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليهما السلام، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارًا. ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ﴾ وحفظت ﴿فَرْجَهَا﴾ عن مساس الرجال مطلقًا، حرامًا وحلالًا على آكد الحفظ. والاحصان: العفاف. والفرج: ما بين الرِّجْلَين، وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه. قال بعضهم: صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون؛ لأنه كان عنّينًا - وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن، أو يصل إلى الثيب دون البكر - فالتعبير عن آسية بالثيب كما مرّ في ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ لكونها في صورة الثيب من حيث إن لها بعلًا.
ومعنى الآية (٢): أي وجعل الله حال امرأة فرعون مثلًا يبين به أن وصلة المؤمنين بالكافرين لا تضرهم شيئًا إذا كانت النفوس خالصة من الأكدار؛ فقد كانت تحت أعدى أعداء الله في الدنيا، وطلبت النجاة منه ومن عمله، وقالت في دعائها: رب اجعلني قريبًا من رحمتك، وابن لي بيتًا في الجنة، وخلصني من أعمال فرعون الخبيثة، وأنقذني من قومه الظالمين. وفي هذا دليل على أنها كانت مؤمنة مصدقة بالبعث، ومن سنن الله أن: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
١٢ - وقوله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ معطوف على امرأة فرعون. وجمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها نسلية للأرامل وتطييبًا لأنفسهن. وسميت مريم في القرآن باسمها في سبعة مواضع، ولم يسم غيرها من النساء؛ لأنها أقامت نفسها في الطاعة كالرجل الكامل. ومريم بمعنى العابدة. وقد سمى الله أيضًا زيدًا في القرآن كما سبق في سورة الأحزاب. وقرأ الجمهور: ﴿ابْنَتَ﴾ بفتح التاء، وأيوب السختياني: ﴿ابنه﴾ بسكون الهاء وصلًا، إجراء مجرى الوقف.
والمعنى (٣): وضرب الله سبحانه مثلًا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليهما السلام، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارًا. ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ﴾ وحفظت ﴿فَرْجَهَا﴾ عن مساس الرجال مطلقًا، حرامًا وحلالًا على آكد الحفظ. والاحصان: العفاف. والفرج: ما بين الرِّجْلَين، وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه. قال بعضهم: صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون؛ لأنه كان عنّينًا - وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن، أو يصل إلى الثيب دون البكر - فالتعبير عن آسية بالثيب كما مرّ في ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ لكونها في صورة الثيب من حيث إن لها بعلًا.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
486
وقال السهيلي: إحصان الفرج معناه: طهارة الثوب، يريد فرج القميص؛ أي: لم يعلق بثوبها ريبة؛ أي: إنها طاهرة الأثواب، فكنى بإحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة. وفروج القميص أربعة: الكمان، والأعلى، والأسفل، فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا؛ لأن القرآن أنزه معنى وأوجز لفظًا وألطف إشارة وأحسن عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل، انتهى. قال في "الكشاف": ومن بدع التفاسير: أن الفرج هو حبيب الدرع ومعنى أحصنته: منعته.
﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾: ﴿الفاء﴾: للسببية. والنفخ: نفخ الريح في الشيء؛ أي: فنفخنا بسبب ذلك في فرجها، على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب. وقال السجاوندي في "عين المعاني": أي فيما انفرج من جيبها، وكذا قال أبو القاسم في "الأسئلة": ولم يقل: فيها؛ لأن المراد بالكناية حبيب درعها، وهو إلى التذكير أقرب، فيكون قوله: ﴿فِيهِ﴾ من باب الاستخدام؛ لأن الظاهر: أن المراد بلفظ الفرج العضو، وأريد بضميره معنى آخر للفرج، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾. وكذا يكون إسناد النفخ إلى الضمير مجازيًا؛ أي: نفخ جبريل بأمرنا، وهو إنما نفخ في حبيب درعها. ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾؛ أي (١): من روح خلقناه بلا توسط أصل. وأضاف الروح إلى ذاته تعالى، تفخيمًا لها ولعيسى، كقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾، وفي سورة الأنبياء ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾؛ أي: في مريم؛ أي: أحيينا عيسى في جوفها من الروح الذي هو من أمرنا. وقال بعضهم: أحيينا في فرجها، وأوجدنا في بطنها ولدًا من الروح الذي هو بأمرنا وحده، بلا سببية أصل وتوسل نسل على العادة العامة، أو من جهة روحنا جبريل؛ لأنه نفخ من حبيب درعها، فوصل النفخ إلى جوفها. أو ففعلنا النفخ فيه. وقرىء: ﴿فيها﴾ على وفاق ما في سورة الأنبياء؛ أي: في مريم، والمآل واحد، انتهى.
يقول الفقير: يلوح لي هاهنا سر خفي، وهو: أن النفخ وإن كان في الجيب إلا أن عيسى لما كان متولدًا من الماءين: الماء المتحقق، وهو ماء مريم، والماء المتوهم، وهو ما حصل بالنفخ.. كان النفخ في الجيب بمنزلة صب الماء في الفرج، فالروح المنفوخ في الجيب كالماء المصبوب في الفرج، والماء المصبوب،
﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾: ﴿الفاء﴾: للسببية. والنفخ: نفخ الريح في الشيء؛ أي: فنفخنا بسبب ذلك في فرجها، على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب. وقال السجاوندي في "عين المعاني": أي فيما انفرج من جيبها، وكذا قال أبو القاسم في "الأسئلة": ولم يقل: فيها؛ لأن المراد بالكناية حبيب درعها، وهو إلى التذكير أقرب، فيكون قوله: ﴿فِيهِ﴾ من باب الاستخدام؛ لأن الظاهر: أن المراد بلفظ الفرج العضو، وأريد بضميره معنى آخر للفرج، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾. وكذا يكون إسناد النفخ إلى الضمير مجازيًا؛ أي: نفخ جبريل بأمرنا، وهو إنما نفخ في حبيب درعها. ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾؛ أي (١): من روح خلقناه بلا توسط أصل. وأضاف الروح إلى ذاته تعالى، تفخيمًا لها ولعيسى، كقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾، وفي سورة الأنبياء ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾؛ أي: في مريم؛ أي: أحيينا عيسى في جوفها من الروح الذي هو من أمرنا. وقال بعضهم: أحيينا في فرجها، وأوجدنا في بطنها ولدًا من الروح الذي هو بأمرنا وحده، بلا سببية أصل وتوسل نسل على العادة العامة، أو من جهة روحنا جبريل؛ لأنه نفخ من حبيب درعها، فوصل النفخ إلى جوفها. أو ففعلنا النفخ فيه. وقرىء: ﴿فيها﴾ على وفاق ما في سورة الأنبياء؛ أي: في مريم، والمآل واحد، انتهى.
يقول الفقير: يلوح لي هاهنا سر خفي، وهو: أن النفخ وإن كان في الجيب إلا أن عيسى لما كان متولدًا من الماءين: الماء المتحقق، وهو ماء مريم، والماء المتوهم، وهو ما حصل بالنفخ.. كان النفخ في الجيب بمنزلة صب الماء في الفرج، فالروح المنفوخ في الجيب كالماء المصبوب في الفرج، والماء المصبوب،
(١) روح البيان.
487
وإن لم يكن الروح عينه إلا أنه في حكم الروح؛ لأنه يخلق منه الروح، ولذا قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ أي: في الفرج، سواء قلت: إنه فرج القميص أو العضو، فاعرف، ولا يقبله إلا الألباء الربانيون.
وقرأ الجهور (١): ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ أي: في الفرج. وقرأ عبد الله: ﴿فيها﴾ كما في سورة الأنبياء؛ أي: في الجملة.
﴿وَصَدَّقَتْ﴾ معطوف على ﴿أَحْصَنَتْ﴾، ﴿بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾؛ أي: بالصحف المنزلة على الأنبياء عليهم السلام. وفي "كشف الأسرار": يعني بالشرائع التي شرعها الله تعالى لعباده بكلماته المنزلة. ويقال: صدقت بالبشارات التي بشر بها جبريل، وهي: قول جبريل لها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. وقال مقاتل: يعني بالكللمات: عيسى. ﴿وَكُتُبِهِ﴾؛ أي: بجميع كتبه المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الإلهية، متقدمة أو متأخرة. ﴿وَكَانَتْ﴾ مريم ﴿مِنَ﴾ ﴿الْقَانِتِينَ﴾؛ أي: من عداد المواظبين على الطاعة. فـ ﴿مِنْ﴾ للتبعيض. وفي "عين المعاني": من المطيعين المعتكفين في المسجد الأقصى. وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، أو كانت من القانتين؛ أي: من نسلهم، يريد رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة؛ لأنها من أعقاب هارون أخِ موسى عليه السلام. فـ ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. وقال: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ولم يقل: من القانتات؛ لتغليب الذكور على الإناث، وللإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَصَدَّقَتْ﴾ بتشديد الدال. وقرأ يعقوب وأبو مجلز، وقتادة، وعصمة عن عاصم بتخفيفها؛ أي: كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر الله له من الكرامات.
وقرأ الجمهور: ﴿بِكَلِمَاتِ﴾ جمعًا، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس وغهره، وسماها كلمات لقصرها ويكون المراد: بكتبه الكتب الأربعة، ويحتمل أن تكون الكلمات ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن،
وقرأ الجهور (١): ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ أي: في الفرج. وقرأ عبد الله: ﴿فيها﴾ كما في سورة الأنبياء؛ أي: في الجملة.
﴿وَصَدَّقَتْ﴾ معطوف على ﴿أَحْصَنَتْ﴾، ﴿بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾؛ أي: بالصحف المنزلة على الأنبياء عليهم السلام. وفي "كشف الأسرار": يعني بالشرائع التي شرعها الله تعالى لعباده بكلماته المنزلة. ويقال: صدقت بالبشارات التي بشر بها جبريل، وهي: قول جبريل لها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. وقال مقاتل: يعني بالكللمات: عيسى. ﴿وَكُتُبِهِ﴾؛ أي: بجميع كتبه المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الإلهية، متقدمة أو متأخرة. ﴿وَكَانَتْ﴾ مريم ﴿مِنَ﴾ ﴿الْقَانِتِينَ﴾؛ أي: من عداد المواظبين على الطاعة. فـ ﴿مِنْ﴾ للتبعيض. وفي "عين المعاني": من المطيعين المعتكفين في المسجد الأقصى. وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، أو كانت من القانتين؛ أي: من نسلهم، يريد رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة؛ لأنها من أعقاب هارون أخِ موسى عليه السلام. فـ ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. وقال: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ولم يقل: من القانتات؛ لتغليب الذكور على الإناث، وللإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَصَدَّقَتْ﴾ بتشديد الدال. وقرأ يعقوب وأبو مجلز، وقتادة، وعصمة عن عاصم بتخفيفها؛ أي: كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر الله له من الكرامات.
وقرأ الجمهور: ﴿بِكَلِمَاتِ﴾ جمعًا، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس وغهره، وسماها كلمات لقصرها ويكون المراد: بكتبه الكتب الأربعة، ويحتمل أن تكون الكلمات ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن،
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
488
ومجاهد، والجحدري: ﴿بكلمة﴾ على التوحيد، فاحتمل أن يكون اسم جنس، واحتمل أن تكون كناية عن عيسى؛ لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم.
وقرأ أبو عمرو وحفص: ﴿وكتبه﴾ جمعًا، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة: ﴿وكتابه﴾ على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل، لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء: ﴿وكتبه﴾ بسكون التاء. قال ابن عطية مرادًا به الإنجيل والتوراة. وقال صاحب "اللوامح": وقرأ أبو رجاء: ﴿وكَتْبه﴾ بفتح الكاف وهو مصدر أقيم مقام الاسم. وقال سهل: ﴿وَكَتْبه﴾ أجمع من كتابه؛ لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام والكتاب هو الإنجيل فقط.
ومعنى الآية (١): أي وضرب الله مثلًا للذين آمنوا حال مريم - وما أوتيت من كرامة الدنيا وكرامة الآخرة، فاصطفاها ربها مع أن أكثر قومها كانوا كفارًا من قبل - أنها منعت حبيب درعها جبريل عليه السلام، وقالت له: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾. فأثبتت بذلك عفتها وكمال طهارتها، فنفخ جبريل فيه، فحملت بنبي الله وكلمته عيسى صلوات الله عليه، وصدقت بشرائع الله وكتبه التي أنزلها على أنبيائه وكانت في عداد القانتين العابدين المخبتين لربهم المطيعين له.
روى أحمد في "مسنده": "سيدة نساء أهل الجنة: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم عائشة". وفي "الصحيح": "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة كفضل الثريد على سائر الطعام"، وإنما فضل الثريد لأنه مع اللحم غذاء جامع بين اللذة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ وسرعة المرور على المريء، فضربه مثلًا ليؤذن بأنها رضي الله عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة الكلام، وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، والتحبب للبعل، وبحسبك أنها عقلت من النبي - ﷺ - ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثله الرجال.
وقرأ أبو عمرو وحفص: ﴿وكتبه﴾ جمعًا، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة: ﴿وكتابه﴾ على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل، لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء: ﴿وكتبه﴾ بسكون التاء. قال ابن عطية مرادًا به الإنجيل والتوراة. وقال صاحب "اللوامح": وقرأ أبو رجاء: ﴿وكَتْبه﴾ بفتح الكاف وهو مصدر أقيم مقام الاسم. وقال سهل: ﴿وَكَتْبه﴾ أجمع من كتابه؛ لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام والكتاب هو الإنجيل فقط.
ومعنى الآية (١): أي وضرب الله مثلًا للذين آمنوا حال مريم - وما أوتيت من كرامة الدنيا وكرامة الآخرة، فاصطفاها ربها مع أن أكثر قومها كانوا كفارًا من قبل - أنها منعت حبيب درعها جبريل عليه السلام، وقالت له: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾. فأثبتت بذلك عفتها وكمال طهارتها، فنفخ جبريل فيه، فحملت بنبي الله وكلمته عيسى صلوات الله عليه، وصدقت بشرائع الله وكتبه التي أنزلها على أنبيائه وكانت في عداد القانتين العابدين المخبتين لربهم المطيعين له.
روى أحمد في "مسنده": "سيدة نساء أهل الجنة: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم عائشة". وفي "الصحيح": "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة كفضل الثريد على سائر الطعام"، وإنما فضل الثريد لأنه مع اللحم غذاء جامع بين اللذة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ وسرعة المرور على المريء، فضربه مثلًا ليؤذن بأنها رضي الله عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة الكلام، وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، والتحبب للبعل، وبحسبك أنها عقلت من النبي - ﷺ - ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثله الرجال.
(١) المراغي.
489
الإعراب
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: ﴿يا﴾ حرف نداء، ﴿أي﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿ها﴾: حرف تنبيه زائد تعويضًا عما فات؛ أي: من الإضافة. ﴿النَّبِيُّ﴾: بدل من ﴿أي﴾ أو عطف بيان له، أو نعت له، وجملة النداء مستأنفة. ﴿لِمَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر، ﴿مَا﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الجر باللام مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين (ما) الموصولة، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَرِّمُ﴾، ﴿تُحَرِّمُ﴾: فعل مضارم، وفاعل مستتر يعود على ﴿النَّبِيُّ﴾، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، ﴿أَحَلَّ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: ما أحله لك، ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿أَحَلَّ﴾، ﴿تَبْتَغِي﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، ﴿مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تُحَرِّمُ﴾، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿رَحِيمٌ﴾: خبر ثان، والجملة مستأنفة. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق، ﴿فَرَضَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لكم﴾: متعلق بـ ﴿فَرَضَ﴾، ﴿تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾: مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على ﴿فَرَضَ﴾، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر ثان، والجملة معطوفة على ما قبلها.
﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣)﴾.
﴿وَإِذْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد قصة..... ، والجملة المحذوفة مستأنفة: ﴿أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾، ﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أسر﴾، ﴿حَدِيثًا﴾: مفعول به. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم، ﴿نَبَّأَتْ﴾: فعل ماض، و ﴿التاء﴾: علامة تأنيث الفاعل، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى بعض أزواجه،
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: ﴿يا﴾ حرف نداء، ﴿أي﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿ها﴾: حرف تنبيه زائد تعويضًا عما فات؛ أي: من الإضافة. ﴿النَّبِيُّ﴾: بدل من ﴿أي﴾ أو عطف بيان له، أو نعت له، وجملة النداء مستأنفة. ﴿لِمَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر، ﴿مَا﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الجر باللام مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين (ما) الموصولة، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿تُحَرِّمُ﴾، ﴿تُحَرِّمُ﴾: فعل مضارم، وفاعل مستتر يعود على ﴿النَّبِيُّ﴾، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، ﴿أَحَلَّ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: ما أحله لك، ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور، متعلق بـ ﴿أَحَلَّ﴾، ﴿تَبْتَغِي﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر، ﴿مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تُحَرِّمُ﴾، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿رَحِيمٌ﴾: خبر ثان، والجملة مستأنفة. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق، ﴿فَرَضَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿لكم﴾: متعلق بـ ﴿فَرَضَ﴾، ﴿تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾: مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على ﴿فَرَضَ﴾، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾: مبتدأ وخبر، ﴿الْحَكِيمُ﴾: خبر ثان، والجملة معطوفة على ما قبلها.
﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣)﴾.
﴿وَإِذْ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد قصة..... ، والجملة المحذوفة مستأنفة: ﴿أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ ﴿إذ﴾، ﴿إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أسر﴾، ﴿حَدِيثًا﴾: مفعول به. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم، ﴿نَبَّأَتْ﴾: فعل ماض، و ﴿التاء﴾: علامة تأنيث الفاعل، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى بعض أزواجه،
490
والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾، لا محل لها من الإعراب. والأصل في نبأ وأنبأ، وأخبر وخبر وحدث أن تتعدى إلى مفعول واحد بأنفسها وإلى ثان بحرف جر، ويجوز حذفه كما هنا؛ لأنه محذوف هنا، تقديره: غيرها، ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نبأ﴾ على أنه مفعول ثان. وقوله: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾؛ أي: بهذا، و ﴿نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ﴾؛ أي: به فإذا ضمنت معنى أعلم.. تعدت إلى ثلاثة مفاعيل، كما هو مقرر في محله. ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل معطوف على ﴿نَبَّأَتْ﴾، ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿أظهر﴾، ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على النبي، ومفعول به، والجملة جواب ﴿لما﴾ الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على جملة ﴿إذ أسر﴾. ﴿وَأَعْرَضَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر معطوف على ﴿عَرَّفَ﴾، ﴿عَنْ بَعْضٍ﴾ متعلق بـ ﴿أعرض﴾. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿لما﴾ حرف شرط، ﴿نَبَّأَهَا﴾: فعل، وفاعل مستتر ومفعول به فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب، ﴿بهِ﴾ متعلق بـ ﴿نبأ﴾ على أنه مفعول ثان. ﴿قَالَتْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر جواب ﴿لما﴾ لا محل لها من الإعراب. وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على جملة ﴿لما﴾ الأولى. ﴿من﴾: اسم استفهام للاستفهام الاستخباري في محل الرفع، مبتدأ، ﴿أَنْبَأَكَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول أول، و ﴿هَذَا﴾: مفعول ثان لـ ﴿أنبأ﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لـ ﴿مَنْ﴾ الاستفهامية، والجملة الاستفهامية في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾. ﴿قَالَ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على النبي، والجملة مستأنفة، ﴿نَبَّأَنِيَ﴾: فعل ماض، ونون وقاية، ومفعول به أول، والثاني محذوف، تقديره: نبأني به، ﴿الْعَلِيمُ﴾: فاعل، ﴿الْخَبِيرُ﴾: صفته، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قَالَ﴾.
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤)﴾.
﴿إِنْ﴾: حرف شرط جازم، ﴿تَتُوبَا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾: الشرطية على أنه فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف فاعل ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: متعلق به، وجواب الشرط محذوف، تقديره: يتب عليكما. وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿فَقَدْ﴾: ﴿الفاء﴾: تعليلية، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿صَغَتْ﴾: فعل ماض مبني بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤)﴾.
﴿إِنْ﴾: حرف شرط جازم، ﴿تَتُوبَا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إن﴾: الشرطية على أنه فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والألف فاعل ﴿إِلَى اللَّهِ﴾: متعلق به، وجواب الشرط محذوف، تقديره: يتب عليكما. وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية مستأنفة. ﴿فَقَدْ﴾: ﴿الفاء﴾: تعليلية، ﴿قد﴾: حرف تحقيق، ﴿صَغَتْ﴾: فعل ماض مبني بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من
491
التقاء الساكنين منع من ظهورها التعذر، و ﴿التاء﴾: علامة تأنيث الفاعل، ﴿قُلُوبُكُمَا﴾: فاعل، والجملة الفعلية جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب. ﴿وأن﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿إنْ﴾: حرف شرط، ﴿تَظَاهَرَا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، وعلامة جزمه حذف النون، ﴿عَلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿تَظَاهَرَا﴾، وجواب الشرط محذوف، تقديره: يجد ناصرًا. وجملة ﴿إنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إنْ﴾ الأولى. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾: ﴿الفاء﴾: تعليلية، ﴿إن الله﴾: ناصب واسمه، ﴿هُوَ﴾: ضمير فصل، ﴿مَوْلَاهُ﴾: خبر ﴿إن﴾، والوقف تام هنا، وجملة ﴿إنَّ﴾ تعليلية لا محل لها من الإعراب. ﴿وَجِبْرِيلُ﴾: مبتدأ، ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾: معطوف عليه. ﴿وَصَالِحُ﴾: اسم جنس لا جمع، ولذلك جاء من غير واو بعد الحاء، وجوزوا أن يكون جمعًا بالواو والنون، وحذفت النون للإضافة، وكتبت دون واو اعتبارًا بلفظه؛ لأن الواو ساقطة لالتقاء الساكنين، ولا داعي لهذا التكلف. ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾: معطوف على ﴿جبريل﴾ أيضًا، ﴿ظَهِيرٌ﴾: خبر عن الجميع؛ لأن فعيلًا يستوي فيه الواحد والجمع كما مر. والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿إِنّ﴾ على كونها تعليلية، ويجوز أن تعطف ﴿جِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على محل ﴿إِنّ﴾ واسمها، فالخبر عن الجميع، ﴿مَوْلَاهُ﴾ ﴿وَالْمَلَائِكَةُ﴾ حينئذٍ مبتدأ، ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿ظَهِيرٌ﴾، و ﴿ظَهِيرٌ﴾: خبر عن الملائكة، والجملة معطوفة على جملة ﴿إِنّ﴾ أيضًا.
﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥)﴾.
﴿عَسَى﴾: فعل ماض من أفعال الرجاء، ﴿رَبُّهُ﴾: اسمها، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿طَلَّقَكُنَّ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، ومفعول به في محل الجزم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إن طلقكن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، وحملة ﴿إن﴾ الشرطية معترضة بين ﴿عَسَى﴾ وخبرها، لا محل لها من الإعراب. ﴿أنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿يُبْدِلَهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به أول، ﴿أَزْوَاجًا﴾: مفعول به ثان، ﴿خَيْرًا﴾: صفة لـ ﴿أَزْوَاجًا﴾، ﴿مِنْكُنَّ﴾: متعلق بـ ﴿خَيْرًا﴾، والجملة الفعلية مع ﴿أن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على أنه خبر ﴿عَسَى﴾، ولكنه على تأويل اسم الفاعل ليصح الإخبار،
﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥)﴾.
﴿عَسَى﴾: فعل ماض من أفعال الرجاء، ﴿رَبُّهُ﴾: اسمها، ﴿إن﴾: حرف شرط، ﴿طَلَّقَكُنَّ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، ومفعول به في محل الجزم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية، على كونه فعل شرط لها، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إن طلقكن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، وحملة ﴿إن﴾ الشرطية معترضة بين ﴿عَسَى﴾ وخبرها، لا محل لها من الإعراب. ﴿أنْ﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿يُبْدِلَهُ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به أول، ﴿أَزْوَاجًا﴾: مفعول به ثان، ﴿خَيْرًا﴾: صفة لـ ﴿أَزْوَاجًا﴾، ﴿مِنْكُنَّ﴾: متعلق بـ ﴿خَيْرًا﴾، والجملة الفعلية مع ﴿أن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على أنه خبر ﴿عَسَى﴾، ولكنه على تأويل اسم الفاعل ليصح الإخبار،
492
تقديره: عسى ربه مبدلًا إياه أزواجًا خيرًا منكن، وجملة ﴿عَسَى﴾ مستأنفة. وفصل بين عسى وخبرها بالشرط اهتمامًا بالأمر وتخويفًا لهن. ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾: نعت ثان لـ ﴿أَزْوَاجًا﴾، ويجوز نصبه على أنه حال من الضمير المستتر في ﴿خَيْرًا﴾، ونصبه بعضهم على الاختصاص، ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾: صفة ثالثة، ﴿قَانِتَاتٍ﴾: رابعة، ﴿تَائِبَاتٍ﴾: خامسة، ﴿عَابِدَاتٍ﴾: سادسة، ﴿سَائِحَاتٍ﴾: سابعة، ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾: ثامنة، ﴿وَأَبْكَارًا﴾: معطوف على ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾. ووسطت الواو بين ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ ﴿وَأَبْكَارًا﴾ لتنافي الوصفين فيه دون سائر الصفات، وليست هي واو الثمانية، كما توهمه بعضهم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿أيها﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول، ﴿قُوا﴾: فعل أمر، من الوقاية، فوزنه: عوا، كما سيأتي، مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل، ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾: مفعول به أول، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾: معطوف على ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، ﴿نَارًا﴾: مفعول ثان، ﴿وَقُودُهَا﴾: مبتدأ، ﴿النَّاسُ﴾: خبره، ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾: معطوف عليه، والجملة صفة لـ ﴿نَارًا﴾، ﴿عَلَيْهَا﴾: خبر مقدم، ﴿مَلَائِكَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ثانية لـ ﴿نَارًا﴾، ﴿غِلَاظٌ﴾: صفة أولى لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، و ﴿شِدَادٌ﴾: صفة ثانية لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صفة ثالثة لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، ﴿مَاَ﴾ مصدرية، ﴿أَمَرَهُمْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من الجلالة، كأنه قيل: لا يعصون أمره. وأجاز أبو حيان نصبه على نزع الخافض؛ أي: فيما أمرهم. ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾: فعل، وفاعل مرفوع بثبوت النون، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿يفعلون﴾ في محل الرفع صفة رابعة لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، وجملة ﴿يُؤْمَرُونَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: يؤمرون به.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿أيها﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول، ﴿قُوا﴾: فعل أمر، من الوقاية، فوزنه: عوا، كما سيأتي، مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل، ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾: مفعول به أول، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾: معطوف على ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، ﴿نَارًا﴾: مفعول ثان، ﴿وَقُودُهَا﴾: مبتدأ، ﴿النَّاسُ﴾: خبره، ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾: معطوف عليه، والجملة صفة لـ ﴿نَارًا﴾، ﴿عَلَيْهَا﴾: خبر مقدم، ﴿مَلَائِكَةٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ثانية لـ ﴿نَارًا﴾، ﴿غِلَاظٌ﴾: صفة أولى لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، و ﴿شِدَادٌ﴾: صفة ثانية لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة صفة ثالثة لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، ﴿مَاَ﴾ مصدرية، ﴿أَمَرَهُمْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة صلة لـ ﴿مَا﴾ المصدرية، ﴿مَا﴾ مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من الجلالة، كأنه قيل: لا يعصون أمره. وأجاز أبو حيان نصبه على نزع الخافض؛ أي: فيما أمرهم. ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾: فعل، وفاعل مرفوع بثبوت النون، ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة ﴿يفعلون﴾ في محل الرفع صفة رابعة لـ ﴿مَلَائِكَةٌ﴾، وجملة ﴿يُؤْمَرُونَ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: يؤمرون به.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧)﴾.
493
﴿يَاأَيُّهَا﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول، ﴿لَا﴾: ناهية جازمة، ﴿تَعْتَذِرُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، و ﴿الْيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿تَعْتَذِرُوا﴾، والجملة جواب النداء. ﴿إِنَّمَا﴾: أداة حصر، ﴿تُجْزَوْنَ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع بالنون، و ﴿الواو﴾: نائب فاعل له، و ﴿مَا﴾: مفعول به ثان، والجملة الفعلية جملة تعليلية مسوقة لتعليل النهي، لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿كُنْتُمْ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾: خبر كان الناقصة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿تُوبُوا﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل. والجملة جواب النداء، ﴿تَوْبَةً﴾: مفعول مطلق، ﴿نَصُوحًا﴾: نعت لـ ﴿تَوْبَةً﴾، ﴿عَسَى﴾: فعل ناقص من أفعال الرجاء، ﴿رَبُّكُمْ﴾: اسمها، ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿يُكَفِّرَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر منصوب بـ ﴿أن﴾ المصدرية، ﴿عنكم﴾: متعلق به، ﴿سَيئاتِكم﴾: مفعول به والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على أنه خبر ﴿عَسَى﴾ ولكنه مع التأويل بمشتق تقديره. عسى ربكم مكفرًا عنكم سيئاتكم، ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على ﴿يُكَفِّرَ﴾، ﴿جَنَّاتٍ﴾: مفعول به ثان على السعة، ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: متعلق به، ﴿الْأَنْهَارُ﴾: فاعل، والجملة صفة لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾، ﴿يَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿يدخلكم﴾ أو بفعل محذوف، تقديره: اذكر، ﴿لَا﴾ نافية، ﴿يُخْزِي اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، ﴿النَّبِيَّ﴾: مفعول به، والجملة في محل الجرّ مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿الذين﴾: معطوف على ﴿النَّبِيَّ﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول، ﴿مَعَهُ﴾: حال من فاعل ﴿آمَنُوا﴾، أو متعلق به.
﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿نُورُهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَسْعَى﴾: خبره والجملة الاسمية مستأنفة أو حالية.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿تُوبُوا﴾: فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الواو﴾: فاعل. والجملة جواب النداء، ﴿تَوْبَةً﴾: مفعول مطلق، ﴿نَصُوحًا﴾: نعت لـ ﴿تَوْبَةً﴾، ﴿عَسَى﴾: فعل ناقص من أفعال الرجاء، ﴿رَبُّكُمْ﴾: اسمها، ﴿أَن﴾: حرف نصب ومصدر، ﴿يُكَفِّرَ﴾: فعل مضارع، وفاعل مستتر منصوب بـ ﴿أن﴾ المصدرية، ﴿عنكم﴾: متعلق به، ﴿سَيئاتِكم﴾: مفعول به والجملة الفعلية مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر منصوب على أنه خبر ﴿عَسَى﴾ ولكنه مع التأويل بمشتق تقديره. عسى ربكم مكفرًا عنكم سيئاتكم، ﴿وَيُدْخِلَكُمْ﴾: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على ﴿يُكَفِّرَ﴾، ﴿جَنَّاتٍ﴾: مفعول به ثان على السعة، ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع، ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: متعلق به، ﴿الْأَنْهَارُ﴾: فاعل، والجملة صفة لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾، ﴿يَوْمَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿يدخلكم﴾ أو بفعل محذوف، تقديره: اذكر، ﴿لَا﴾ نافية، ﴿يُخْزِي اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، ﴿النَّبِيَّ﴾: مفعول به، والجملة في محل الجرّ مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿الذين﴾: معطوف على ﴿النَّبِيَّ﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول، ﴿مَعَهُ﴾: حال من فاعل ﴿آمَنُوا﴾، أو متعلق به.
﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
﴿نُورُهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَسْعَى﴾: خبره والجملة الاسمية مستأنفة أو حالية.
494
ويجوز أن تكون الواو استئنافية، ﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى﴾: خبره، ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿يَسْعَى﴾، ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾: معطوف على ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾، متعلق بما تعلق به، ﴿يَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة خبر ثان عن الموصول أو حال منه، ﴿رَبَّنَا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾، ﴿أَتْمِمْ﴾: فعل دعاء، وفاعل مستتر، ﴿لَنَّا﴾ متعلق به، ﴿نُورَنَا﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ على كونها جواب النداء، ﴿وَاغْفِرْ لَنَّا﴾: معطوف على ﴿أَتْمِمْ لَنَّا﴾. ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ متعلق بـ ﴿قَدِيرٌ﴾، و ﴿قَدِيرٌ﴾: خبر ﴿إنَّ﴾، وجملة إن في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُونَ﴾ على كونها معللة للدعاء.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿النَّبِيُّ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، والجملة مستأنفة، ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾: معطوف على ﴿الْكُفَّارَ﴾، ﴿وَاغْلُظْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على ﴿النَّبِيُّ﴾، معطوف على ﴿جَاهِدِ﴾، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿اغلظ﴾، ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾: ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿مأواهم﴾: مبتدأ، ﴿جَهَنَّمُ﴾: خبر، والجملة مستأنفة، ﴿وَبِئْسَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿بئس﴾: فعل ماض جامد لإنشاء الذم، ﴿الْمَصِيرُ﴾: فاعل، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هي، وهو مبتدأ مؤخر، وجملة ﴿بئس﴾ خبره مقدم عليه، والتقدير: هي؛ أي: جهنم مقول فيها: بئس المصير، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)﴾.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، ﴿مَثَلًا﴾: مفعول ثان مقدم، ﴿لِلَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿مَثَلًا﴾، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول، ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ﴾: مفعول به أول، ﴿وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾: معطوف على امرأة نوح، والجملة مستأنفة مسوقة لإيراد حالة
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)﴾.
﴿يَا أَيُّهَا﴾: منادى نكرة مقصودة، ﴿النَّبِيُّ﴾: صفة لـ ﴿أي﴾، والجملة مستأنفة، ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾: معطوف على ﴿الْكُفَّارَ﴾، ﴿وَاغْلُظْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على ﴿النَّبِيُّ﴾، معطوف على ﴿جَاهِدِ﴾، ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق بـ ﴿اغلظ﴾، ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾: ﴿الواو﴾ استئنافية. ﴿مأواهم﴾: مبتدأ، ﴿جَهَنَّمُ﴾: خبر، والجملة مستأنفة، ﴿وَبِئْسَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿بئس﴾: فعل ماض جامد لإنشاء الذم، ﴿الْمَصِيرُ﴾: فاعل، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هي، وهو مبتدأ مؤخر، وجملة ﴿بئس﴾ خبره مقدم عليه، والتقدير: هي؛ أي: جهنم مقول فيها: بئس المصير، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)﴾.
﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾: فعل، وفاعل، ﴿مَثَلًا﴾: مفعول ثان مقدم، ﴿لِلَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿مَثَلًا﴾، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول، ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ﴾: مفعول به أول، ﴿وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾: معطوف على امرأة نوح، والجملة مستأنفة مسوقة لإيراد حالة
495
غريبة، ﴿كَانَتَا﴾: فعل ناقص، و ﴿التاء﴾: علامة تأنيث اسمها، والألف اسم كان، ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ﴾: ظرف متعلق بمحذوف خبر كان، ﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿عَبْدَيْنِ﴾، وجملة كانتا جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب سيقت لتفسير ضرب المثل. ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على ﴿كَانَتَا﴾، ﴿فَلَمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿لم﴾: حرف جزم، ﴿يُغْنِيَا﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لم﴾ وعلامة جزمه حذف النون، والألف فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿خانتاهما﴾، ﴿عَنْهُمَا﴾: متعلق بـ ﴿يُغْنِيَا﴾، ﴿مِنَ اللَهِ﴾: حال من شيئًا؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، ﴿شَيْئًا﴾: مفعول مطلق، أو مفعول به، ﴿وَقِيلَ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿قيل﴾: فعل ماض، ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾: نائب محكي لـ ﴿قيل﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا﴾. وإن شئت قلت: ﴿ادْخُلَا﴾ فعل أمر مبني على حذف النون، و ﴿الألف﴾: فاعل، ﴿النَّارَ﴾: مفعول به على السعة، ﴿مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿دَخَلَا﴾، والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ ﴿قيل﴾.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)﴾.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾: فعل وفاعل ومفعول ثان، ﴿لِلَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿مَثَلًا﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾: مفعول أول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ﴿إذ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿مَثَلًا﴾. ولعل الأولى أن يقال: إنه متعلق بمحذوف بدل من مثلًا، أو نعت له، وجملة ﴿قَالَتْ﴾: في محل الجرّ بإضافة الظرف إليه، ﴿رَبِّ ابْنِ لِي﴾: إلى قوله: ﴿وَمَرْيَمَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتْ﴾، ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، حذفت منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾، ﴿ابْنِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿لِي﴾: متعلق بـ ﴿ابْنِ﴾، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قَالَتْ﴾، ﴿عِنْدَكَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير المتكلم، أو من ﴿بَيْتًا﴾ لتقدمه عليه، ﴿فِي الْجَنَّةِ﴾: عطف بيان أو بدل من قوله: ﴿عِنْدَكَ﴾، أو متعلق بـ ﴿ابْنِ﴾، ﴿وَنَجِّنِي﴾: فعل دعاء وفاعل مستتر ونون وقاية، ومفعول به معطوف على ﴿ابْنِ﴾. ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ متعلق بـ ﴿نجني﴾، ﴿وَعَمَلِهِ﴾: معطوف على ﴿فِرْعَونَ﴾، ﴿وَنَجِنِى﴾: معطوف على ﴿نجني﴾ الأول، ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)﴾.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾: فعل وفاعل ومفعول ثان، ﴿لِلَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿مَثَلًا﴾، وجملة ﴿آمَنُوا﴾: صلة الموصول، ﴿امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾: مفعول أول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ﴿إذ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿مَثَلًا﴾. ولعل الأولى أن يقال: إنه متعلق بمحذوف بدل من مثلًا، أو نعت له، وجملة ﴿قَالَتْ﴾: في محل الجرّ بإضافة الظرف إليه، ﴿رَبِّ ابْنِ لِي﴾: إلى قوله: ﴿وَمَرْيَمَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قَالَتْ﴾، ﴿رَبِّ﴾: منادى مضاف، حذفت منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قَالَتْ﴾، ﴿ابْنِ﴾: فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، ﴿لِي﴾: متعلق بـ ﴿ابْنِ﴾، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قَالَتْ﴾، ﴿عِنْدَكَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف حال من ضمير المتكلم، أو من ﴿بَيْتًا﴾ لتقدمه عليه، ﴿فِي الْجَنَّةِ﴾: عطف بيان أو بدل من قوله: ﴿عِنْدَكَ﴾، أو متعلق بـ ﴿ابْنِ﴾، ﴿وَنَجِّنِي﴾: فعل دعاء وفاعل مستتر ونون وقاية، ومفعول به معطوف على ﴿ابْنِ﴾. ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ متعلق بـ ﴿نجني﴾، ﴿وَعَمَلِهِ﴾: معطوف على ﴿فِرْعَونَ﴾، ﴿وَنَجِنِى﴾: معطوف على ﴿نجني﴾ الأول، ﴿مِنَ الْقَوْمِ﴾:
496
متعلق بـ ﴿نجني﴾، ﴿الظَّالِمِينَ﴾: نعت للقوم.
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)﴾.
﴿وَمَرْيَمَ﴾: معطوف على ﴿امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾، ﴿ابْنَتَ﴾: بدل، أو نعت لـ ﴿مريم﴾، ﴿عِمْرَانَ﴾: مضاف إليه مجرور بالفتحة لزيادة الألف والنون، ﴿الَّتِي﴾: صفة ثانية لـ ﴿مريم﴾، ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿فَنَفَخْنَا﴾: فعل، وفاعل، معطوف على ﴿أَحْصَنَتْ﴾، ﴿فِيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿نفخنا﴾، ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾: صفة لمفعول محذوف؛ أي: روحًا كائنًا من روحنا. ﴿وَصَدَقَتْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على ﴿مريم﴾، معطوف على مقدر مناسب للسياق؛ أي: فحملت بعيسى. ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿صدقت﴾، ﴿وَكُتُبِهِ﴾: معطوف على ﴿كلمات﴾، ﴿وَكَانَتْ﴾: فعل ناقص، واسمها ضمير مستتر يعود على مريم، ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾: خبرها، والجملة معطوفة على ﴿صدقت﴾، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ أصل ﴿لِمَ﴾ لما، مركبة من (لام) الجر و (ما) الاستفهامية. ﴿مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ أصل أحل: أحلل، بوزن أفعل، نقلت حركة اللام الأولى إلى الحاء فسكنت فأدغمت في الثانية. ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾: الابتغاء: الطلب. والمرضاة: مصدر كالرضا، وفيه إعلال بالقلب، أصله: مرضية بوزن مفعلة، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وأصل الياء واو، من الرضوان، أعل بالقلب حملًا له في الإعلال على اسم الفاعل، والماضي: رضي، أصله: رضو، قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة. والأزواج: جمع زوج، فإنه يطلق على المرأة أيضًا، بل هو الفصيح كما قال في "المفردات": وزوجة لغة رديئة. ﴿تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾: مصدر لحلل الرباعي، فأصله: تحللة، بوزن تفعلة، كتكرمة من كرم، وتفرقة من فرق، فأدغمت، ولكنه غير مقيس، فإن قياس مصدره التفعيل إذا كان صحيحًا غير مهموز، فأما معتل اللام، كزكى، ومهموز اللام كنبأ.. فمصدرهما تفعلة، كتزكية وتنبئة، على أنه قد جاء التفعيل في المعتل كاملًا، نحو قوله:
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)﴾.
﴿وَمَرْيَمَ﴾: معطوف على ﴿امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾، ﴿ابْنَتَ﴾: بدل، أو نعت لـ ﴿مريم﴾، ﴿عِمْرَانَ﴾: مضاف إليه مجرور بالفتحة لزيادة الألف والنون، ﴿الَّتِي﴾: صفة ثانية لـ ﴿مريم﴾، ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة صلة الموصول، ﴿فَنَفَخْنَا﴾: فعل، وفاعل، معطوف على ﴿أَحْصَنَتْ﴾، ﴿فِيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿نفخنا﴾، ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾: صفة لمفعول محذوف؛ أي: روحًا كائنًا من روحنا. ﴿وَصَدَقَتْ﴾: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على ﴿مريم﴾، معطوف على مقدر مناسب للسياق؛ أي: فحملت بعيسى. ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾: جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿صدقت﴾، ﴿وَكُتُبِهِ﴾: معطوف على ﴿كلمات﴾، ﴿وَكَانَتْ﴾: فعل ناقص، واسمها ضمير مستتر يعود على مريم، ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾: خبرها، والجملة معطوفة على ﴿صدقت﴾، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لِمَ تُحَرِّمُ﴾ أصل ﴿لِمَ﴾ لما، مركبة من (لام) الجر و (ما) الاستفهامية. ﴿مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ أصل أحل: أحلل، بوزن أفعل، نقلت حركة اللام الأولى إلى الحاء فسكنت فأدغمت في الثانية. ﴿تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾: الابتغاء: الطلب. والمرضاة: مصدر كالرضا، وفيه إعلال بالقلب، أصله: مرضية بوزن مفعلة، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وأصل الياء واو، من الرضوان، أعل بالقلب حملًا له في الإعلال على اسم الفاعل، والماضي: رضي، أصله: رضو، قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة. والأزواج: جمع زوج، فإنه يطلق على المرأة أيضًا، بل هو الفصيح كما قال في "المفردات": وزوجة لغة رديئة. ﴿تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾: مصدر لحلل الرباعي، فأصله: تحللة، بوزن تفعلة، كتكرمة من كرم، وتفرقة من فرق، فأدغمت، ولكنه غير مقيس، فإن قياس مصدره التفعيل إذا كان صحيحًا غير مهموز، فأما معتل اللام، كزكى، ومهموز اللام كنبأ.. فمصدرهما تفعلة، كتزكية وتنبئة، على أنه قد جاء التفعيل في المعتل كاملًا، نحو قوله:
497
بَاتَتْ تُنَزي دَلْوَهَا تَنْزِّيَا | كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيًّا |
وتحلة القسم يستعمل على وجهين:
أحدهما: تحليله بالكفارة كما في الآية.
ثانيهما: بمعنى الشيء القليل، وهذا هو الأكثر، كما جاء في الحديث: "لن يلج النار إلا تحلة القسم"؛ أي: إلا زمنًا يسيرًا.
قوله تعالى: ﴿أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾ أصله: أسرر، بوزن أفعل، نقلت حركة الراء الأولى إلى السين، فسكنت فأدغمت في الثانية. والإسرار: خلاف الإعلان، ويستعمل في الأعيان والمعاني والسر هو: الحديث المكتتم في النفس، وأسررت إلى فلان حديثًا: أفضيت به في الخفية، فالإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه بالسر وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره، فإذًا قولهم: أسررت إلى فلان، يقتضي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء. و ﴿النَّبِيُّ﴾: هو رسول الله - ﷺ -، فاللام للعهد. ﴿وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾؛ أي: وليكم وناصركم. ﴿حَدِيثًا﴾ قال الراغب: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له: حديث: ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ﴾ ضمن أظهر معنى أطلع، من ظهر فلان السطح إذا علاه، وحقيقته: صار على ظهره، وأظهره على السطح؛ أي: رفعه عليه، فاستعير للإطلاع على الشيء، وهو من باب الإفعال. قال الراغب: ظهر الشيء، أصله: أن يحصل شيء على ظهر الأرض، فلا يخفى، وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى، ثم صار مستعملًا في كل بارز للبصر والبصيرة. ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ وبعض الشيء: جزء منه.
﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ أصله: تتوبان، حذفت نون الرفع للجازم، ثم نقلت حركة
498
الواو إلى التاء؛ لأن الأصل: تتوبان، لوزن تفعلان، فسكنت الواو إثر ضمة فصارت حرف مد، فوزنه تفعلان. ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ أصله صغي، بوزن فعل، قلبت الياء ألفا لتحركها بعد فتح، فلما اتصلت بالفعل تاء التأنيث الساكنة.. حذفت الألف لالتقاء الساكنين، يقال: صغا يصغو صغوا، إذا مال، وأصغى إليه: مال بسمعه. قال الشاعر:
﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ أصله: تتظاهران - بتاءين - وحذفت منه نون الرفع للجازم وإحدى التاءين للتخفيف، ماضيه: تظاهر، من باب تفاعل من الظهر؛ لأنه أقوى الأعضاء. ﴿ظَهِيرٌ﴾؛ أي: ظهراء معاونون وأنصار مساعدون. ﴿عَسَى رَبُّهُ﴾ أصله عسي بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح. ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾؛ أي: خاضعات لله منقادات له بالطاعة. ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾؛ أي: مصدقات بتوحيد الله مخلصات له. ﴿قَانِتَاتٍ﴾؛ أي: مواظبات على القنوت والعبادة. ﴿تَائِبَاتٍ﴾؛ أي: مقلعات عن الذنوب، وفيه إعلال بالإبدال، أصله: تاوبات، من تاب يتوب أبدلت الواو في الجمع والمفرد همزة حملًا للوصف في الإعلال على فعله حيث أعل بقلب الواو ألفًا في الفعل لأن أصل تاب توب، كقال أصله: قول ﴿عَابِدَاتٍ﴾ أي: متعبدات متذللات لأمر الرسول - ﷺ -. ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أي: صائمات، وسمي الصائم بذلك من حيث أن السائح لا زاد معه ولا يزال ممسكا حتى يجد الطعام، كالصائم، ثم لا يزال كذلك حتى يجيء وقت الإفطار. وفيه إعلال بالإبدال، أصله: سايحات، أبدلت الياء همزة في الجمع أيضًا حملًا للوصف في الإعلال على فعله: سيح، حيث قلبت الياء ألفًا، والسياحة في اللغة: الجولان في الأرض. ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ جمع ثيب، والثيب الرجل الداخل بامرأة. والمرأة المدخول بها، يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيجمع المذكر على ثيبين، والمؤنث على ثيبات، من ثاب إذا رجع، سميت به المرأة لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام بها، وإلى غيره إن فارقها، أو إلى حالتها الأولى، وهي: أنه لا زوج لها، فهي لا تخلو عن الثوب، أي: الرجوع، وقس عليها الرجل.
وأصل ثيب: ثيوب كسيّد وميّت، أصلهما سيود وميوت، ووزن ثيبات فيعلات، أدغمت ياء فيعل في عين الكلمة كما هو رأي صاحب "القاموس"
تُصْغِي الْقُلُوبُ إِلَى أَغَرَّ مُبَارَكٍ | مِنْ آلِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبْ |
وأصل ثيب: ثيوب كسيّد وميّت، أصلهما سيود وميوت، ووزن ثيبات فيعلات، أدغمت ياء فيعل في عين الكلمة كما هو رأي صاحب "القاموس"
499
و"اللسان".
وقيل: ثيوبات، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء، وهذا رأي الجوهري، والراغب الأصفهاني.
﴿وَأَبْكَارًا﴾؛ أما: عذارى، وسميت العذراء بالبكر لأنها على أول حالتها التي طلعت عليها. قال الراكب: سميت التي لم تفتض بكرًا اعتبارًا بالثيب؛ لتقدمها عليها فيما يراد له النساء، ففي البكر معنى الأولية والتقدم، ولذا يقال: البكرة لأول النهار، والباكورة للفاكهة التي تدرك أولًا. ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال الراغب: الصلاح: ضد الفساد الذي هو خروج الشيء عن الاعتدال والانتفاع، قل أو كثر، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة.
﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: أمر من الوقاية، بمعنى الحفظ والحماية والصيانة. أصله: أوقيوا، كاضربوا؛ لأنه أمر من وقى يقي وقاية، وهذا الفعل لفيف مفروق، ماضيه: وقى، ومضارعه: يقي، مع أن القياس أن يكون المضارع يوقي بوزن يفعل - بكسر العين - لكن فاء الفعل الواو حذفت من المضارع لوقوعها بين عدوتيها، ، الياء المفتوحة والكسرة، ولما بني منه أمر مسند إلى واو الجماعة.. حذف منه حرف المضارعة وحذفت الواو، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت للتخفيف؛ لأن اللفظ صار بعد حذف نون الرفع عند بناء الأمر من الأفعال الخمسة، صار: قيوا، فلما حذفت حركة الياء.. سكنت، فالتقت ساكنة مع واو الجماعة، فحذفت لذلك، فصار وزنه: عوا، وهكذا شأن كل لفيف مفروق بني منه الأمر لم يبق من أصله إلا العين فقط؛ لأن الفاء تحذف قياسًا إذا كانت واوًا، واللام: حرف علة تحذف لبناء الأمر على حذف حرف العلة من المعتل، أو لالتقاء الساكنين كما هنا.
﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ أصله: أهلين، جمع أهل، حذفت النون للإضافة، وقد يجمع على أهالي - على غير قياس -: وهو كل من في عيال الرجل، ونفقته، من المرأة والولد، والأخ والأخت، والعم وابنه، والخادم، ويفسر بالأصحاب أيضًا. ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ الوقود - بفتح الواو -: اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره، وبالضم: مصدر بمعنى الاتقاد.
وقيل: ثيوبات، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء، وهذا رأي الجوهري، والراغب الأصفهاني.
﴿وَأَبْكَارًا﴾؛ أما: عذارى، وسميت العذراء بالبكر لأنها على أول حالتها التي طلعت عليها. قال الراكب: سميت التي لم تفتض بكرًا اعتبارًا بالثيب؛ لتقدمها عليها فيما يراد له النساء، ففي البكر معنى الأولية والتقدم، ولذا يقال: البكرة لأول النهار، والباكورة للفاكهة التي تدرك أولًا. ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، قال الراغب: الصلاح: ضد الفساد الذي هو خروج الشيء عن الاعتدال والانتفاع، قل أو كثر، وهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة.
﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾: أمر من الوقاية، بمعنى الحفظ والحماية والصيانة. أصله: أوقيوا، كاضربوا؛ لأنه أمر من وقى يقي وقاية، وهذا الفعل لفيف مفروق، ماضيه: وقى، ومضارعه: يقي، مع أن القياس أن يكون المضارع يوقي بوزن يفعل - بكسر العين - لكن فاء الفعل الواو حذفت من المضارع لوقوعها بين عدوتيها، ، الياء المفتوحة والكسرة، ولما بني منه أمر مسند إلى واو الجماعة.. حذف منه حرف المضارعة وحذفت الواو، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت للتخفيف؛ لأن اللفظ صار بعد حذف نون الرفع عند بناء الأمر من الأفعال الخمسة، صار: قيوا، فلما حذفت حركة الياء.. سكنت، فالتقت ساكنة مع واو الجماعة، فحذفت لذلك، فصار وزنه: عوا، وهكذا شأن كل لفيف مفروق بني منه الأمر لم يبق من أصله إلا العين فقط؛ لأن الفاء تحذف قياسًا إذا كانت واوًا، واللام: حرف علة تحذف لبناء الأمر على حذف حرف العلة من المعتل، أو لالتقاء الساكنين كما هنا.
﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ أصله: أهلين، جمع أهل، حذفت النون للإضافة، وقد يجمع على أهالي - على غير قياس -: وهو كل من في عيال الرجل، ونفقته، من المرأة والولد، والأخ والأخت، والعم وابنه، والخادم، ويفسر بالأصحاب أيضًا. ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ الوقود - بفتح الواو -: اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره، وبالضم: مصدر بمعنى الاتقاد.
500
﴿غِلَاظٌ﴾: جمع غليظ، بمعنى خشن خال قلبه عن الشفقة والرحمة. ﴿شِدَادٌ﴾ جمع شديد، ككرام جمع كريم، وهو القوي الجسم. ﴿لَا يَعْصُونَ﴾ أصله: يعصيون، بوزن يفعلون، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان، فحذفت الياء وضمت الصاد لمناسبة الواو. ﴿لَا تَعْتَذِرُوا﴾ يقال: اعتذرت إلى فلان من جرمي، ويعدى بـ ﴿من﴾. والمعتذر قد يكون محقًا وغير محق. قال الراغب: العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه. ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ﴾ أصله: تجزيون، بوزن تفعلون، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة. ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ والتوبة: أبلغ وجوه الاعتذار، بأن يقول: فعلت وأسات وقد أقلت، وفي الشرع: ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة كما مر. ﴿نَصُوحًا﴾ والنصوح: فعول، من أبنية المبالغة، كقولهم: رجل صبور وشكور؛ أي: مبالغة في النصح، وصفت التوبة بذلك على الإسناد المجازي، والنصح: تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه. ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى﴾ والسعي: المشي القوي السريع. ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾: جمع يد، يراد بها قدام الشيء. ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ جمع يمين، مقابل الشمال. ﴿كَانَتَا﴾: أصل كان: كون، بوزن فعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، والتحق بها هنا تاء التأنيث الساكنة، ولكنها حركت بالفتح لالتقائها ساكنة مع ألف الاثنين وكان تحريكها؛ أي: التاء بالفتح ليناسب الألف، وكذلك القول في قوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ أصله: خون، قلبت الواو ألفًا، ثم لحقت الفعل تاء التأنيث الساكنة وحركت لمناسبة ألف الاثنين الساكنة، واختير لها الفتح لمناسبة الألف. ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ الإحصان: العفاف، والفَرْجُ: ما بين الرِّجْلَين، وكنى به عن السوأة، وكثر حتى صار كالصريح فيه. ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾ والنفخ: نفخ الريح في الشيء.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين ﴿حرم﴾ و ﴿أَحَلَّ﴾ في قوله: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ﴾.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في ﴿لِمَ﴾.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين ﴿حرم﴾ و ﴿أَحَلَّ﴾ في قوله: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ﴾.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في ﴿لِمَ﴾.
501
ومنها: الطباق بين ﴿عَرَّفَ﴾ و ﴿أعرض﴾ عرض، وبين ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ و ﴿وَأَبْكَارًا﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ﴾؛ لأن الإظهار: رفع الشيء على نحو السطح، فاستعير للاطلاع على الشيء.
ومنها: التفنن في قوله أولًا: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾، ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا﴾، ثم قوله ثانيًا: ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ﴾، ثم قوله ثالثًا: ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ زيادة في اللوم والعتاب.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾؛ لأن جواب الشرط محذوف، تقديره: إن تتوبا فقد وجد منكما ما يوجب التوبة.
ومنها: جمع القلوب فيه، فرارًا من كراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة لو قال: فقد صغى قلباكما، لكراهة العرب اجتماع ذلك.
ومنها: تغليب المخاطب على الغائبات أو تعميم الخطاب لكل الأزواج في قوله: ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾، إذ التقدير: إن طلقكما وغيركما، أو كون كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما.
ومنها: توسيط العاطف بين ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ و ﴿أَبْكَارًا﴾ دون غيرهما، إشعارًا بتنافيهما وعدم اجتماعهما في ذات واحدة، كما مرّ.
ومنها: التعريض لغير عائشة بقوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ ولها بقوله: ﴿أبكارًا﴾.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص في قوله: ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ﴾. فقد خص جبريل بالذكر أولًا تشريفًا له، ثم ذكره ثانيًا مع العموم اعتناء بشان الرسول - ﷺ -.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ حيث ذكر المسبب وأراد السبب؛ أي: لازموا على الطاعة لتقوا أنفسكم وأهليكم من عذاب الله تعالى.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ﴾؛ لأن الإظهار: رفع الشيء على نحو السطح، فاستعير للاطلاع على الشيء.
ومنها: التفنن في قوله أولًا: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾، ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا﴾، ثم قوله ثانيًا: ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ﴾، ثم قوله ثالثًا: ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ زيادة في اللوم والعتاب.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾؛ لأن جواب الشرط محذوف، تقديره: إن تتوبا فقد وجد منكما ما يوجب التوبة.
ومنها: جمع القلوب فيه، فرارًا من كراهة اجتماع تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة لو قال: فقد صغى قلباكما، لكراهة العرب اجتماع ذلك.
ومنها: تغليب المخاطب على الغائبات أو تعميم الخطاب لكل الأزواج في قوله: ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾، إذ التقدير: إن طلقكما وغيركما، أو كون كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما.
ومنها: توسيط العاطف بين ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ و ﴿أَبْكَارًا﴾ دون غيرهما، إشعارًا بتنافيهما وعدم اجتماعهما في ذات واحدة، كما مرّ.
ومنها: التعريض لغير عائشة بقوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ ولها بقوله: ﴿أبكارًا﴾.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص في قوله: ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ﴾. فقد خص جبريل بالذكر أولًا تشريفًا له، ثم ذكره ثانيًا مع العموم اعتناء بشان الرسول - ﷺ -.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ حيث ذكر المسبب وأراد السبب؛ أي: لازموا على الطاعة لتقوا أنفسكم وأهليكم من عذاب الله تعالى.
502
ومنها: السلب والإيجاب في قوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وهو بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى. أو أمر بشيء من جهة ونهي عنه من غير تلك الجهة، وهذا المعنى في الآية ظاهر، فقد سلب عزّ وجل عن هؤلاء الموصوفين العصيان وأوجب لهم الطاعة.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾، حيث أسند النصح إلى التوبة مجازًا للمبالغة، وإنما النصح من التائب.
ومنها: المقابلة بين مصير أهل الطغيان ومصير أهل الإيمان في ضرب المثل في قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وقوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ومنها: إيراد صيغة الماضي في قوله: ﴿وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ إفادة لتحقق وقوعه.
ومنها: تغليب الذكور على الإناث في قوله: ﴿مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾؛ لأنهن لا ينفردن بالدخول.
ومنها: التصريح بما علم التزامًا في قوله: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ بعد قوله: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ مبالغة في ذمهم.
ومنها: إظهار العبدين في قوله: ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا﴾ المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالإضافة التشريفية إلى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح، وإلا.. فيكفي أن يقول: تحتهما، وفيه بيان شرف العبودية والصلاح.
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ بعد قوله: ﴿وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾ مبالغة في الدعاء.
ومنها: الاستخدام في قوله: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ لأن المراد بلفظ الفرج، العضو، وأريد بضميره معنى آخر، وهو: الجيب، وهو من المحسنات البديعية. وفيه أيضًا الإسناد المجازي، حيث أسند النفخ إلى الضمير مع أن النافخ هو جبريل عليه السلام.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿تَوْبَةً نَصُوحًا﴾، حيث أسند النصح إلى التوبة مجازًا للمبالغة، وإنما النصح من التائب.
ومنها: المقابلة بين مصير أهل الطغيان ومصير أهل الإيمان في ضرب المثل في قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وقوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ومنها: إيراد صيغة الماضي في قوله: ﴿وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ إفادة لتحقق وقوعه.
ومنها: تغليب الذكور على الإناث في قوله: ﴿مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾؛ لأنهن لا ينفردن بالدخول.
ومنها: التصريح بما علم التزامًا في قوله: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ بعد قوله: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ مبالغة في ذمهم.
ومنها: إظهار العبدين في قوله: ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا﴾ المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالإضافة التشريفية إلى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح، وإلا.. فيكفي أن يقول: تحتهما، وفيه بيان شرف العبودية والصلاح.
ومنها: الإطناب في قوله: ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ بعد قوله: ﴿وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾ مبالغة في الدعاء.
ومنها: الاستخدام في قوله: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ لأن المراد بلفظ الفرج، العضو، وأريد بضميره معنى آخر، وهو: الجيب، وهو من المحسنات البديعية. وفيه أيضًا الإسناد المجازي، حيث أسند النفخ إلى الضمير مع أن النافخ هو جبريل عليه السلام.
503
ومنها: الإضافة في قوله: ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾ تفخيمًا لها ولعيسى عليهما السلام - كقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾.
ومنها: تغليب الذكور في قوله: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ إشعارًا بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: تغليب الذكور في قوله: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ إشعارًا بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
504
خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة
اشتملت هذه السورة على شيئين:
١ - أخبار نساء النبي - ﷺ - وحلفه - ﷺ - أن لا يشربن العسل إرضاء لبعضن، وإطلاع الله له على ما أفشين من سرّ أمرهن بكتمه.
٢ - ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام.
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين (١).
* * *
اشتملت هذه السورة على شيئين:
١ - أخبار نساء النبي - ﷺ - وحلفه - ﷺ - أن لا يشربن العسل إرضاء لبعضن، وإطلاع الله له على ما أفشين من سرّ أمرهن بكتمه.
٢ - ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام.
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين (١).
* * *
(١) وكان الفراغ من تسويد هذا الجزء في (المسفلة) بحارة الرشد من (مكة المكرّمة) جوار الحرم الشريف، في اليوم الخامس عشر وقت الضحوة من يوم الجمعة المبارك، من شهر الله المحرم، من شهور سنة ألف وأربع مئة وست عشرة ١٥/ ١/ ١٤١٦ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
إلى هنا تمّ المجلدُ التاسعُ والعشرونَ. ويليه المجلد الثلاثون أوله سورة الملك.
إلى هنا تمّ المجلدُ التاسعُ والعشرونَ. ويليه المجلد الثلاثون أوله سورة الملك.
505
شعرٌ
آخرُ
آخرُ
آخرُ
أَلَا أَيُّهَا الْمَأَمُولُ فِي كُلِّ حَاجَةٍ | إِلَيْكَ شَكَوْتُ الضُّرَّ، فَارْحَمْ شِكَايَتِي |
أَلَا يَا رَجَائِي أَنْتَ كَاشِفُ كُرْبَتِي | فَهَبْ لِي ذُنُوبِيْ كُلَّهَا وَاقْضِ حَاجَتِيْ |
فَزَادِي قَلِيْلٌ مَا أَرَاهُ مُبَلِّغِي | عَلَى الزَّادِ أَبْكِيْ أَمْ لِبُعْدِ مَسَافَتِي |
أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ رَدِيْئَةٍ | وَمَا فِي الْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي |
يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ | وَتَطْلُبُ الرِّبْحَ بِمَا فِيْهِ خُسْرَانُ |
عَلَيْكَ بِالنَّفْسِ فَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا | فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ |
سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا | إِلَّا مَا أَلْهَمَتْنَا إِلْهَامَا |