تفسير سورة نوح

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة نوح من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورَةُ نُوحٍ مكية.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" أول نبي أرسل نوح عليه الصلاة والسلام " قيل : بعث من أرض الجزيرة وبعث على أربعين سنة " ح " أو ثلاثمائة وخمسين سنة. قيل : سمي نوحا لنوحه على نفسه في الدنيا.

١ - ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بنار الآخرة " ع " أو عذاب الدنيا بالطوفان فأنذرهم فلم ير مجيباً وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
٤ - ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ من صلة أو بمعنى يخرجكم من ذنوبكم أو يغفر لكم
365
منها ما استغفرتموه ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ﴾ إلى أجل موتكم فلا تهلكوا بالعذاب ﴿أَجَلَ اللَّهِ﴾ للبعث أو العذاب أو الموت ﴿لَوْ كُنتُمْ﴾ بمعنى إن كنتم أو لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجله إذا جاء لا يؤخر " ح ".
﴿قالَ ربِّ إنِّي دعوتُ قومِي ليلاً ونهاراً (٥) فلمْ يزدهمْ دعاءي إلاَّ فراراً (٦) وإنِي كُلَّمَا دعوتُهُمْ لتغفرَ لهمْ جعلواْ أصابعهمْ في ءاذانهمْ واستغشواْ ثيابَهُمْ وأصرُّواْ واستكبرواْ استكباراً (٧) ثمَّ إنِّي دعوتُهُمْ جهاراً (٨) ثمَّ إنِي أعلنتُ لهمْ وأسررتُ لهمْ إسراراً (٩) فقلتُ استغفرواْ ربَّكُمْ إنهُ كانَ غفاراً (١٠) يرسلِ السماء عليكُم مدراراً (١١) ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لكمْ جناتٍ ويجعل لكمْ أنهاراً (١٢) ما لكمْ لا ترجونَ للهِ وقاراً (١٣) وقدْ خلقكمْ أطواراً (١٤) ألمْ ترواْ كيفَ خلقَ اللهُ سبعَ سماواتٍ طباقاً (١٥) وَجَعَلَ القَمَرَ فيهنَّ نوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (١٦) واللهُ أنبتَكُم مِّنَ الأرضِ نباتاً (١٧) ثمَّ يعيدكمْ فيها ويخرجكمْ إخراجاً (١٨) واللهُ جَعَلَ لكُمُ الأرضَ بِسَاطاً (١٩) لتسلكواْ منْهَا سُبُلاً فِجَاجاً (٢٠) ﴾
366
٥ - ﴿دَعَوْتُ﴾ دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك أو دعوتهم أن يعبدوك ليلاً ونهاراً.
٦ - ﴿فِرَاراً﴾ بلغنا أن أحدهم كان يذهب بابنه إليه فيقول: احذر هذا لا يغرنك فإن أبي ذهب إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك.
٧ -[٢٠٧ / أ] / ﴿كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ﴾ إلى الإيمان ﴿لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾ ما تقدم من الشرك سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ليوئسوه من إجابة ما لم يسمعوه وكان حليماً صبوراً ﴿وَأَصَرُّواْ﴾ أقاموا على الكفر أو الإصرار تعمد الذنب " ح " أو سكتوا على
366
ذنوبهم فلم يستغفروا ﴿وَاسْتَكْبَرُواْ﴾ بترك التوبة " ع " أو بكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم نوحاً عليه الصلاة والسلام.
367
٨ - ﴿جِهَاراً﴾ مجاهرة يرى بعضهم بعضاً.
٩ - ﴿أَعْلَنتُ﴾ الدعاء صحت به ﴿وَأَسْرَرْتُ﴾ الدعاء عن بعضهم من بعض دعاهم في وقت سراُ وفي وقت جَهَر أو دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً مبالغة منه وتلطفاً.
١٠ - ﴿اسْتَغْفِرُواْ﴾ ترغيباً منه في التوبة.
١١ - ﴿مِّدْرَاراً﴾ غيثاً متتابعاً قيل أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم فلما علم حرصهم على الدنيا قال: هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيباً لهم في الإيمان.
١٣ - ﴿لا تَرْجُونَ﴾ لا تعرفون له عظمه ولا تخشون عقابه ولا ترجون ثوابه " ع " أو لا تعرفون حقه ولا تشكرون نعمه أو لا تؤدون طاعته أو الوقار: الثبات منه ﴿وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] أي لا تثبتون وحدانيته.
١٤ - ﴿أطْوَاراً﴾ طوراً نطفه وطوراً علقة وطوراً مضغة وطوراً عظماً ثم كسا العظام اللحم ثم أنشأه خلقاً آخر أنبت له الشعر وكمل له الصورة أو الأطوار اختلافهم طولاً وقصراً، وقوة وضعفاً وهماً وتصرفاً وغنى وفقراً.
١٥ - ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ على سبع أرضين بين كل سماء وأرض خلق وأمر " ح " أو سبع سماوات طباقاُ بعضهن فوق بعض كالقباب.
١٦ - ﴿الْقَمَرَ فِيهِنَّ﴾ معهن نوراً لأهل الأرض أو لأهل السماء والأرض. قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء ﴿سِرَاجاً﴾ مصباحاً يضيء لأهل الأرض أو لأهل الأرض والسماء.
١٧ - ﴿أَنبَتَكُم﴾ آدم خلقه من أديم الأرض كلها أو أنبتهم في الأرض
367
بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر
368
٢٠ - ﴿سُبُلاً فِجَاجاً﴾ طرقاً مختلفة " ع " أو واسعة أو أعلاماً.
﴿قالَ نوحٌ رَّبِّ إنهمْ عصونِي واتبعواْ من لمْ يزدهُ مالُهُ وولَدُهُ إلاَّ خساراً (٢١) ومَكَرواْ مكْراً كُبَّاراً (٢٢) وقالواْ لا تذرُنَّ ءالهتَكُمْ ولاَ تذرنَّ ودًّا ولاَ سُواعاً ولاَ يغوثَ ويعُوقَ ونَسْراً (٢٣) وَقَدْ أضلُّواْ كثيراً ولاَ تزِدِ الظالمينَ إلاَّ ضلالاً (٢٤) ﴾
٢١ - ﴿عَصَوْنِى﴾ لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: وكانوا يزرعون في الشهر مرتين ﴿ووَلده﴾ واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد " أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد ".
٢٢ - ﴿كُبَّاراً﴾ أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولداً أو قول الكبراء [٢٠٧ / ب] للأتباع ﴿لا تذرن آلهتكم﴾.
٢٣ - ﴿وَدّاً وَلا سُوَاعاً﴾ كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم. فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر. قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ولا وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح
368
حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل " ع " وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا: قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حِمْير.
369
٢٤ - ﴿وَقَدْ أَضَلُّواْ﴾ أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم ﴿ضَلالاً﴾ عذاباً ويحتمل فتنة بالمال والولد.
{ممَّا خطيئاتهمْ أغرقواْ فأدخلواْ ناراً فلمْ يجدواْ لهم من دونِ اللهِ أنصاراً (٢٥) وقالَ نوحٌ ربِّ لاَ تذرْ على الأرضِ منَ الكافرينَ ديَّاراً (٢٦) إنكَ إن تذرهمْ يضلواْ عبادَكَ ولاَ يلدواْ إلاَّ فاجراً كفَّاراً (٢٧) رَّبِّ اغفرْ لي ولوالديَّ ولمن دَخَلَ بيتيَ مؤمناً وللمؤمنينَ والمؤمناتِ
369
ولاَ تزدِ الظالمينَ إلاَّ تبارا (٢٨) }
370
٢٦ - ﴿دَيَّاراً﴾ أحداً أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له ﴿لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ﴾ الآية [هود: ٣٦] أو مر به رجل يحمل ولداً له صغيراً فقال: يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة والسلام ودعا عليهم.
٢٨ - ﴿وَلِوَالِدَىَّ﴾ أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين " ح " أو أباه وجَدَّه. ﴿دَخَلَ بَيْتِىَ﴾ دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي " ع " ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة ﴿تباراً﴾ هلاكاً أو خساراً.
370
سورة الجن
مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ أوحِيَ إلىَّ أنهُ استمعَ نفرٌ منَ الجنِّ فقالواْ إنَّا سمعنا قرءاناً عجباً (١) يهدي إلى الرشدِ فآمنَّا بهِ ولن نشركَ بربنا أحداً (٢) وأنَّهُ تعالى جدُّ ربنا ما اتخذَ صاحبةً ولاَ ولداً (٣) وأنهُ كانَ يقولُ سفيهنا على اللهِ شططاً (٤) وأنا ظننا أن لن تقولَ الإنسُ والجنُّ على اللهِ كذباً (٥) وأنهُ كانَ رجالٌ منَ الإنسِ يعوذونَ برجالٍ من الجنِّ فزادوهم رهقاً (٦) وأنهمْ ظنُّواْ كما ظننتُمْ أن لن يبعَثَ اللهُ أحداً (٧)
371
Icon