تفسير سورة نوح

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة نوح من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ يغفر لكم ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجل مسمى ﴾ [ نوح : ٤ ].
خطاب لقوم نوح عليه السلام.
فإن قلتَ : إن كان المراد تأخيرهم عن الأجل، المقدّر أزلا فهو محال، لقوله تعالى :﴿ ولن يؤخّر الله نفسا إذا جاء أجلها ﴾ [ المنافقون : ١١ ] وتأخيرهم إلى مجيء أجلهم المقدّر، فهو كغيرهم سواء آمنوا أم لا ؟
قلتُ : معناه يؤخركم عن العذاب إلى منتهى آجالكم( ١ )، على تقدير الإيمان، فلا يعذّبكم في الدنيا، إن وقع منكم ذنب، كما عذّب غيركم من الأمم الكافرة فيها، أو يؤخر موتكم كأن قضى الله بتعميركم ألف سنة إن آمنوا، وبخمسمائة سنة إن لم يؤمنوا.
١ - معنى الآية: ﴿ويؤخركم إلى أجل مسمى﴾ أي يمدّ في أعماركم إن أطعتم ربكم، إلى وقت مقدَّر، ومقرّر في علمه تعالى، مع العيش السعيد، أو يمهلهم في الدنيا بدون عذاب إلى انتهاء آجالهم كما قاله المصنّف رحمه الله..
قوله تعالى :﴿ فقلت استغفروا ربّكم... ﴾ [ نوح : ١٠ ] أي من الشرك بالتوحيد.
قوله تعالى :﴿ قال نوح ربّ إنهم عصوني... ﴾ [ نوح : ٢١ ].
قاله هنا بلا واو، وقال بعدُ بواو( ١ )، لأن الأول استئناف، والثاني معطوف عليه.
١ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿وقال نوح ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً﴾..
قوله تعالى :﴿ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ﴾ [ نوح : ٢٤ ].
ختمه بقوله " ضلالا " موافقة لقوله قبلُ ﴿ وقد أضلّوا كثيرا ﴾ [ نوح : ٢٤ ] وختمه بعد بقوله " تبارا " أي هلاكا، موافقة لقوله قبل :﴿ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ﴾.
قوله تعالى :﴿ وقال نوح ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ﴾ [ نوح : ٢٦ ].
إن قلتَ : كيف دعا نوح على قومه بذلك، مع أنه أُرسل إليهم ليهديهم ويُرشدهم ؟
قلتُ : إنما دعا عليهم بذلك، بعد أن أعلمه الله تعالى أنهم لا يؤمنون( ١ ).
١ - وذلك في قوله: ﴿وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾..
قوله تعالى :﴿ ولا يلدوا إلا فاجرا كفّارا ﴾ [ نوح : ٢٧ ] من كلام نوح عليه السلام.
فإن قلتَ : كيف وصفهم بالفجور والكفر، حال ولادتهم، وكيف عرف أنهم لا يلدوا إلا فاجرا كفارا ؟   !
قلتُ : وصفهم بما يؤلون إليه، من الفجور والكفر، وعلم ذلك بإعلام الله إيّاه( ١ ).
١ - يمكن أن يقال: عرف ذلك بالاستقراء، فإنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فعرف طباعهم وجرّبهم، ورأى الأجداد والآباء والأحفاد ﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ فلذلك حكم بكفرهم وفجورهم، كما قيل: «هل تلد الحيّة إلا الحية» ؟ !.
Icon