تفسير سورة الشرح

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
سورة الشرح
كما عدد الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بعض نعمه العظيمة عليه في السورة السابقة، ذكر له في هذه السورة نعما أخرى جليلة، حاثا له بذلك على شكره على ما أنعم ؛ ليستوجب بذلك المزيد منه، فقال :﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾

﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾ ألم نوسع صدرك بما أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإيمان والفضائل والعلوم والحكم. ونفسحه بتيسير تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك ! ؟ والشرح في الأصل : التوسعة. يقال : شرح الشيء، وسعه. وإذا تعلق بالقلب أو الصدر يراد منه بسطه بنور إلهي وسكينة من الله وروح منه. والاستفهام للتقرير ؛ أي قد شرحنا.
﴿ ووضعنا عنك... ﴾ خففنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء النبوة والرسالة ؛ حتى تقوم بها وتبلغ رسالة ربك. والوزر : الحمل الثقيل.
﴿ الذي أنقض ظهرك ﴾ أي أثقله وأوهنه حتى سمع له نقيص، وهو الصوت الخفي الذي يسمع من الرحل فوق البعير. يقال : أنقض الحمل ظهر البعير، إذا سمع له صرير من شدة الحمل. وسمعت نقيض الرحل : أي صريره ؛ والفعل كنصر. أو عصمناك من الذنوب، وطهرناك من الأدناس التي تنقض ظهرك لو وقعت. وعبر عن ذلك بالوضع مبالغة في انتفاء الذنوب عنه ؛ كما يقول القائل لمن لم يزره : رفعت عنك مشقة الزيارة ؛ مبالغة في انتفاء الزيارة منه له.
﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾ وهنا باسمك، وجعلناه مذكورا على لسان كل مؤمن في المشارق والمغارب، مقرونا باسمنا في كلمتي الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغير ذلك. وقد جعل الله طاعته طاعته، وصلى عليه في ملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه، وخاطبه بالألقاب وذكره في كتب الأولين.
﴿ فإن مع العسر يسرا ﴾ أي خولناك ما خولناك من الفضل والكرامة ؛ فلا تيأس من فضل الله تعالى، فإن بعد الشدة التي أنت فيها من مقاساة بلاء المشركين يسرا عظيما ؛ أي فرجا وسعة بإظهارك عليهم.
﴿ إن مع العسر يسرا ﴾ أي إن مع ذلك العسر يسرا آخر، ولن يغلب عسر يسرين !
﴿ فإذا فرغت فانصب ﴾ لما عدد الله نعمه السابقة، ووعده بالنعم الآتية : بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة، والنصب فيها. وألا يخلي وقتا من أوقاته منها ؛ فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى. والنصب : التعب والإعياء.
﴿ وإلى ربك فارغب ﴾ اجعل رغبتك – أي ضراعتك – ومسألتك إلى ربك، لا إلى غيره ؛ فهو وحده القادر على إجابتك وإسعافك. يقال : رغبت إلى فلان في كذا، سألته إياه.
والله أعلم.
Icon