تفسير سورة الزلزلة

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة الزلزلة
مدنية، تسع آيات، خمس وثلاثون كلمة، مائة وتسعة وأربعون حرفا
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) أي إذا تحركت الأرض حركة شديدة فانكسر ما عليها من الشجر والجبال والبنيان، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) أي أحمالها من الأموال، أو الأموات، ثم إن كان المراد من هذه الزلزلة الزلزلة الأولى فالمعنى: أخرجت الأرض الكنوز في زمن بعد عيسى، أو عند النفخة الأولى، فيمتلئ ظهر الأرض ذهبا ولا يلتفت أحد إليه، فكأن الذهب يصيح ويقول: إما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي، وإن كان المراد منها الزلزلة الثانية عند النفخة الثانية، فالمعنى: أخرجت الأرض الموتى أحياء كالخروج من الأم وقت الولادة، أو لفظتهم ميتين كما دفنوا، ثم يحييهم الله تعالى، وذلك على الخلاف بين العلماء، وَقالَ الْإِنْسانُ أي الكافر بطريق التعجب والمؤمن بطريق الاستعظام ما لَها (٣) أي أي شيء ثبت للأرض تزلزلت بهذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ كان ما ذكر، وهو بدل من إذا تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) جواب إذا.
وقرأ ابن مسعود «تنبئ أخبارها»، وقرأ سعيد بن جبير «تنبي» بسكون النون بأن يجعل الله الأرض عاقلا ناطقا، ويعرفها جميع ما عمل أهلها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) و «الباء» إما سببية متعلق ب «تحدّث» أي تحدث الأرض أخبارها بسبب أمره تعالى إياها بالتحديث بأخبارها، وإما تعدية ل «تحدّث» فتكون هذه الجملة بدلا من «أخبارها» فالمعنى: تحدث الأرض بأخبارها بأن ربك أذن لها في الكلام يَوْمَئِذٍ منصوب ب «يصدر» أي يوم إذ يقع ما ذكر يَصْدُرُ النَّاسُ من قبورهم إلى موقف الحساب أَشْتاتاً أي فرقا فرقا فريق يذهب إلى الموقف راكبا مع الثياب الحسنة أبيض الوجه والمنادي بين يديه ينادي هذا ولي الله، وفريق يذهب إليه حافيا عاريا مع السلاسل والأغلال أسود الوجه والمنادي ينادي بين يديه هذا عدو الله. لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) بضم الياء أي ليريهم الله تعالى أعمالهم مكتوبة في الصحائف وهي توضع بين أيديهم والمرئي هو الكتاب، وقرئ «ليروا» بفتح الياء، وهو مروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي وزن نملة صغيرة خَيْراً يَرَهُ (٧) قال أحمد بن
655
كعب القرظي: فمن يعمل مثقال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا حتى يلقى الآخرة، وليس له فيها شيء، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه، وماله، وأهله، وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله تعالى شر، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ أي ميزان أصغر النمل شَرًّا يَرَهُ (٨) قال ابن عباس: ليس من مؤمن، ولا كافر عمل خيرا، أو شرا إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن فيغفر الله سيئاته، ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته ويعذب بسيئاته، وقوله تعالى: خَيْراً وشَرًّا منصوبان على التمييز من «مثقال» أو على البدل من «مثقال»، و «يره» جواب الشرط مجزوم بحذف الألف، وقرأ ابن عباس، والحسين بن علي، وزيد بن علي، وكذا عاصم في رواية «يره» مبنيا للمفعول، وقرأ عكرمة «يراه» بالألف.
656
Icon