تفسير سورة النحل

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة النحل من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة النحل
قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
قال الشيح الشنقيطي: قوله تعالى (أتى أمر الله) أى قرب إتيان القيامة وعبر بصغية الماضى تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة. واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه جلا وعلا في مواضع أخر، كقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وقوله جلا وعلا (اقتربت الساعة وانشق القمر) وقوله (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) وقوله (وما يدريك لعل الساعة قريب) وقوله جلا وعلا (أزفت الآزقة ليس لها من دون الله كاشفة) إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى (فلا تستعجلوه) نهى الله جلا وعلا في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة، والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة، كقوله جلا وعلا (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لايشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها) وقوله (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه) الآية، وقوله (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) وقوله (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ينزل الملائكة بالروح) يقول: بالوحي.
قوله تعالى (يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ينزل الملائكة بالروح من أمره) يقول: ينزل بالرحمة والوحي من أمره (على من يشاء من عباده) فيصطفي منهم رسلاً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده، ويطاع أمره، ويجتنب سخطه.
قوله تعالى (خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون)
انظر سورة الحجر آية ٨٥ وتفسيرها.
قوله تعالى (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حريز ابن عثمان، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي، قال: بزق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كفه، ثم وضع أصبعه السبابة وقال: "يقول الله عز وجل: أنّى تعجُزني، ابن آدم! وقد خلقتك من مثل هذه، فإذا بلغت نفسك هذه (وأشار إلى حلقه) قلت: أتصدق. وأنى أوان الصدقة؟ ".
(السنن ٢/٩٠٣ ح ٢٧٠٧- ك الوصايا، ب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت).
قال البوصيري: إسناده صحيح رجاله ثقات.. (مصباح الزجاجة ٩/٩٧). وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٥٠٢) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح ٨٠٠٠، وانظر (السلسلة الصحيحة ح ١٠٩٩).
قال الشنقيطي: قوله تعالى (خلق الإنسان من نطفة). ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة؛ بدليل قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) أي، خلاط من ماء الرجل وماء المرأة... إذا عرفت معنى ذلك، فاعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب. أي وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب وهو ماء المرأة، وذلك في قوله جل وعلا (فلينظر الإنسان مما خلق. خلق من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب) لأن المراد بالصلب صلب الرجل وهو ظهره، والمراد بالترائب ترائب المرأة وهي موضع القلادة منها.
قوله تعالى (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (والأنعام خلقها لكم فيها دفء) يقول: الثياب.
قال الشنقيطي: قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الأنعام لبني آدم ينتفعون بها تفضلا منه عليهم. وقد قدمنا في (آل عمران) أن القرآن بين أن الأنعام هي الأزواج الثمانية التي هي الذكر والأنثى من الأبل، والبقر، والضأن، والمعز.
والمراد بالدفء على أظهر القولين: أنه اسم لما يدفأ به، كالملء اسم لما يملأ به، وهو الدفاء من اللباس المصنوع من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها....
ومنافع الأنعام التي بين الله جل وعلا امتنانه بها على خلقه في هذه الآية الكريمة، بينه لهم أيضاً في آيات كثيرة كقوله: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون. وعليها وعلى الفلك تحملون) وقوله: (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون. ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون. ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون).
قوله تعالى (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) وذلك أعجب ما يكون إذا راحت عظاما ضروعها، طوالا أسنمتها، وحين تسرحون إذا سرحت لرعيها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إلا بشق الأنفس) قال: مشقة عليكم.
قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لتركبوها وزينة) قال: جعلها لتركبوها وجعلها زينة.
قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وعلى الله قصد السبيل) يقول: البيان.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وعلى الله قصد السبيل) قال: طريق الحق على الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنها جائر) : أي من السبل، سبل الشيطان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (ومنها جائر) يقول: الأهواء المختلفة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (فيه تسيمون) قال: ترعون.
قوله تعالى (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
قال ابن كثير: أي يخرجها من الأرض بهذا الماء الواحد على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها وأشكالها، ولهذا قال: (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى (أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون).
قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)
قال الشنقيطي: قوله تعالى (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون). ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر لخلقه خمسة أشياء عظام، فيها من عظيم نعمته ما لا يعلمه إلا هو، وفيها الدلالات الواضحات لأهل العقول على أنه الواحد المستحق لأن يعبد وحده. والخمسة المذكورة هي: الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، وكرر في القرآن ذكر إنعامه بتسخير هذه الأشياء، وأنها من أعظم أدلة وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده، كقوله تعالى: (إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وإغشاؤه الليل والنهار: هو تسخيرهما، وقوله: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار..) الآية، وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) وقوله: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين..) الآية، وقوله (وبالنجم هم يهتدون).
قوله تعالى (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون)
قال الشنقيطي: قوله تعالى (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون). قوله: "وما" في محل نصب عطفا على قوله (وسخر لكم الليل والنهار) أي وسخر لكم ما ذرأ لكم في الأرض، أي ما خلق لكم فيها في حال كونه مختلفا ألوانه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ذرأ لكم في الأرض) يقول: وما خلق لكم مختلفا ألوانه من الدواب، ومن الشجر والثمار، نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله.
قوله تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)
قال الشنقيطي: قوله تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون). ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سخر البحر، أي الله لعباده حتى تمكنوا من ركوبه، والانتفاع بما فيه من الصيد والحلية، وبلوغ الأقطار التي تحول دونها البحار، للحصول على أرباح التجارات ونحو ذلك.
فتسخير البحر للركوب من أعظم آيات الله، كما بينه في مواضع أخر، كقوله (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) وقوله (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إلى غير ذلك من الآيات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتأكلوا منه لحما طريا) يعني: حيتان البحر.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وترى الفلك مواخر فيه) قال: تمخر السفينة الرياح، ولا تمخر الريح من السفن، إلا الفلك العظام.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، (وترى الفلك مواخر فيه) قال تجرى مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
قوله تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن، في قوله (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) قال: الجبال أن تميد بكم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (سبلا) أي: طرقا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) والعلامات: النجوم، وأن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد رأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ)
قال ابن كثير: ثم أخبر أن الأصنام التَي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، كما قال الخليل (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون) وهي هذه الأوثان التى تعبد من دون الله أموات لا أرواح فيها، ولا تملك لأهلها ضرا لا نفعا.
قوله تعالى (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه لا إله هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك (أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب) وقال تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) وقوله: (وهم مستكبرون) أي عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده كما قال: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة) لهذا لحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه.
قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)
انظر آية (٦٢) من السورة نفسها، وفيها معنى لا جرم أي: بلى.
قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء المكذبين (ماذا أنزل ربكم قالوا) معرضين عن الجواب (أساطير الأوّلين) أي لم ينزل شيئاً، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين، أي مأخوذ من كتب المتقدمين، كما قال تعالى: (وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أساطير الأولين) يقول: أحاديث الأولين.
قوله تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب. حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد وأبى الضحى، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير بن عبد الله. قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم الصوف. فرأى سُوء حالهم قد أصابتهم حاجة. فحثّ الناسَ على الصدقة.
فأبطأوا عنه. حتى رُؤي ذلك في وجهه. قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بِصُرةٍ من ورق. ثم جاء آخر. ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَن سن في الإسلام سُنة حسنة. فعُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سُنة سيئة، فعُمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر مَن عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار من أضلوا احتمالهم ذنوب أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئًا.
وانظر سورة العنكبوت آية (١٣) وتفسيرها.
قوله تعالى (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)
قال ابن كثير: هذا من باب المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره، كما قال نوح عليه السلام: (ومكروا مكراً كبارا) أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة، كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة (بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) الآية... وقوله (فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم، كقوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بيانهم من القواعد) إي والله، لأتاها أمر الله من أصلها (فخر عليهم السقف من فوقهم) والسقف: أعالى البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم (وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون).
قوله تعالى (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) يقول: تخالفوني.
قال ابن كثير: ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا (أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا؟ (هل ينصرونكم أو ينتصرون) فما له من قوة ولا ناصر) فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم
الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار (قال الذين أوتوا العلم) وهم السادة في الدنيا والآخرة، والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه.
وانظر سورة الكهف آية (٥٢).
قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمين أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة (فألقوا السلم) أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين (ما كنا نعمل من سوء) كما يقولون يوم المعاد (والله ربنا ما كنا مشركين) (يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم).
قوله تعالى (فادخلوا أبواب جهنم..) الآية.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا عدد أبوابها، ولكنه بين ذلك في سورة الحجر في قوله جل وعلا (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).
قوله تعالى (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم (ماذا أنزل ربكم) فيقولون (خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه.
قال ابن كثير: ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) الآية، كقوله تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) أي: من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من أحسن عمله في هذه الدار التي هي الدنيا كان له عند الله الجزاء الحسن في الآخرة وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولايرهق وجوههم قتر ولاذلة).
قوله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ)
قال ابن كثير: وقوله (جنات عدن) بدل من دار المتقين أي لهم في الآخرة جنات عدن، أي مقام يدخلونها (تجري من تحتها الأنهار) أي بين أشجارها وقصورها (لهم فيها ما يشاءون) كقوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون).
قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (الذين تتوفاهم الملاكة طيبين) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم.
وانظر سورة البقرة آية رقم (٢) وآية رقم (٢٥) لبيان الجنة والمتقين.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم.
وانظر سورة فصلت (٣٠-٣٢) وسورة إبراهيم آية (٣٧).
قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) قال: بالموت، وقال في آية أخرى (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) وهو ملك الموت، وله رسل، قال الله تعالى (أو يأتي أمر ربك) ذاكم يوم القيامة.
قوله تعالى (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون)
انظر تفسير سورة الأنعام الآية رقم (١٠) قول السدي وفيه (فحاق) وقع...
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)
انظر سورة الزخرف آية (٢٠).
قوله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
انظر سورة البقرة آية (٢٥٦).
قوله تعالى (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
قال ابن كثير: ثم أخبر الله تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إذا كان الله قد أراد إضلالهم كقوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) وقال نوح لقومه: (ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) وقال في هذه الآية الكريمة: (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) كما قال الله تعالى: (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) وقال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم).
قوله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت... )
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن أبي شيبة، عن أبي أحمد، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبُني وما ينبغي له. أما شتمه فقوله: إن لي ولدا. وأما تكذيبه فقوله: ليس يُعيدني كما بدأني).
(الصحيح ٦/٣١٣ ح ٣١٩٣- ك بدء الخلق، ب ما جاء في قوله تعالى (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده... )).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) تكذيبا بأمر الله أو بأمرنا، فإن الناس صاروا في البعث فريقين: مكذب ومصدق.
قوله تعالى (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ)
قال ابن كثير: ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجساد يوم التناد، فقال: (ليبين لهم) أي للناس (الذي يختلفون فيه) أي من كل شيء (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ليبين لهم الذي يختلفون فيه) قال: للناس عامة.
قوله تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة، فيكون كما يشاء، كقوله: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) وقال (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة).
وانظر سورة البقرة آية (١١٧).
قوله تعالى (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لنبوئنهم) لنرزقنهم في الدنيا رزقا حسنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الله (ولأجر الآخرة أكبر) أي والله لما يثيبهم الله عليه من جنته أكبر (لو كانوا يعلمون).
قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
انظر تفسير سورة الأنبياء آية (٧) قول قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالبينات والزبر) قال: الآيات.
والزبر: الكتب.
انظر سورة النساء آية (١٧٤).
قوله تعالى (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف بهم الأرض أو يأتيهم العذاب (من حيث لا يشعرون) أي من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم، كقوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أفأمن الذين مكروا السيئات) أي: الشرك.
قوله تعالى (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (أو يأخذهم في تقلبهم) يقول: في اختلافهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أو يأخذهم في تقلبهم) في أسفارهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أو يأخذهم على تخوف) على تنقص.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يتفيأ ظلاله) يقول: تتميل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يتفيأ ظلاله) قال: ظل كل شيء: سجوده.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وهم داخرون) أي صاغرون.
قوله تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)
انظر سورة الأعراف آية (٢٠٦)، وسورة الرعد آية (١٥).
قوله تعالى (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
بيان لقوله تعالى (وهم لا يستكبرون) في الآية السابقة.
قوله تعالى (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون)
قال الشنقيطي: نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلها آخر معه، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد، ثم أمرهم أن يرهبوه أي يخافوه وحده؛ لأنه هو الذي بيده الضر والنفع، لا نافع ولا ضار سواه. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين. ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين... وبين جل وعلا في مواضع أخر: إستحالة تعدد الآلهة عقلا، كقوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، وقوله: (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون. عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون... ).
قوله تعالى (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (واصبا) قال: دائماً، ألا ترى أنه يقول (ولهم عذاب واصب) : أي دائم.
قوله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)
قال ابن كثير: (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به، كقوله تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال (الضر) : السقم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فإليه تجأرون) قال: تضرعون دعاء.
قوله تعالى (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)
قال الشنقيطي: قوله تعالى: (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن بني آدم إذا مسهم الضر دعوا الله وحده مخلصين له الدين؛ فإذا كشف عنهم الضر، وأزال عنهم الشدة: إذا فريق منهم وهم الكفار يرجعون في أسرع وقت إلى ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي. وقد كرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن، كقوله في (يونس) :(حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين) -إلى قوله- (إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق)، وقوله (في الإسراء) :(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً).
قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم (وجعلوا للأوثان نصيبا مما رزقهم الله فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) أي جعلوا لآلهتهم نصيباً مع الله وفضلوها على جانبه، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويجعلون لما لايعلمون نصيباً مما رزقناهم) وهم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم نصيباً مما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم.
قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ)
قال ابن كثير: ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، وجعلوها بنات الله فعبدوها معه، فأخطأوا خطأ كبيراً في كل مقام من هذه المقامات الثلاث، فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا ولا ولد له، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، كما قال: (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى). وقوله ههنا: (ويجعلون لله البنات سبحانه) أي عن قولهم وإفكهم (ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون).
قوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن قهْزَاذ. حدثنا سلمة بن سليمان.
أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن ابن شهاب. حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم
عن عروة، عن عائشة. ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام وأبو بكر ابن إسحاق (واللفظ لهما). قالا: أخبرنا أبو اليمان. أخبرنا شعيب عن الزهري.
حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن عروة بن الزبير أخبره، أن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها. فسألتني فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة. فأعطيتها إياها. فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها. ولم تأكل منا شيئاً. ثم قامت فخرجت وابنتاها. فدخل عليّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثته حديثها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من ابتُلِيَ من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار".
(صحيح مسلم ٤/٢٠٢٧- ك البر والصلة، ب فضل الإحسان إلى البنات ح/٢٦٢٩)، وأخرجه البخاري في (الصحيح- الزكاة، ب اتقوا النار ولو بشق تمرة ح ١٤١٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمرى ما يدري أنه خير، لرب جارية خير لأهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه، ويئد ابنته.
قوله تعالى (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) الإخلاص والتوحيد.
قوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
انظر سورة الكهف (٥٨)، وسورة فاطر آية (٤٥).
قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويجعلون لله ما يكرهون) أبهم جل وعلا في هذه الآية الكريمة هذا الذي يجعلونه لله ويكرهونه؛ لأنه عبر عنه ب (ما) الموصولة،
وهي اسم مبهم، وصلة الموصول لن تبين من وصف هذا المبهم إلا أنهم يكرهونه.
ولكنه بين في مواضع أخر: أنه البنات والشركاء وجعل المال الذي خلق لغيره، قال في البنات: (ويجعلون لله البنات) ثم بين كراهيتهم لها في آيات كثيرة، كقوله: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) الآية. وقال في الشركاء: (وجعلوا لله شركاء) الآية، ونحوها من الآيات. وبين كراهيتهم للشركاء في رزقهم بقوله: (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيهم سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) أي إذا كان الواحد منكم لا يرضى أن يكون عبده المملوك شريكا له مثل نفسه في جميع ما عنده؛ فكيف تجعلون الأوثان شركاء لله في عبادته التى هي حقه على عباده! وبين جعلهم بعض ما خلق الله من الرزق للأوثان في قوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً) إلى قوله (ساء ما يحكمون)، وقوله (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) كما تقدم.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى) قال: قول قريش: لنا البنون، ولله البنات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا جرم) يقول: بلى.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنهم مفرطون) قال: منسيون في النار.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأنهم مفرطون) قال قد أفرطوا في النار أي معجلون.
قوله تعالى (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
انظر سورة البقرة آية (٢١٢) وانظر سورة الأنعام آية (٤٢-٤٣).
قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة النحل آية (٤٤ و٨٩).
قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
انظر سورة البقرة آية (١٦٤).
قوله تعالى (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ)
انظر سورة المؤمنون آية (٢١).
قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) قال: الرزق الحسن: ما أحل من ثمرتها، والسكر: ما حرم من ثمرتها.
(أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ح ١٤٩٦)، والحاكم (المستدرك ٢/٣٥٥) كلاهما من طريق عمرو ابن سفيان عن ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح ٨/٣٨٧).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (تتخذون منه سكرا) فحرم الله بعد ذلك، يعني بعد ما أنزل في سورة البقرة من ذكر الخمر، والميسر والأنصاب والأزلام، السكر مع تحريم الخمر لأنه منه، قال (ورزقا حسنا) فهو الحلال من الخل والنبيذ، وأشباه ذلك، فأقره الله، وجعله حلالا للمسلمين.
قوله تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)
قال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الرحمن بن الغَسيل عن عاصم بن عُمر ابن قتادة قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن كان في شيء من أدويتِكم -أو يكون في شيء من أدويتكم- خير ففي شرطةِ محجم، أو شربة عسل، أو لَدْغة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي".
(الصحيح ١٠/١٤٦- ك الطب، ب الدواء بالعسل ح/٥٦٨٣)، وأخرجه مسلم في (الصحيح - السلام، ب لكل داء دواء ٤/١٧٢٩ ح ٢٢٠٥)
قال البخاري: حدثنا عباس بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقِه عسلا". ثم أتاه الثانية فقال: "اسقه عسلا". ثم أتاه الثالثة فقال: "اسقه عسلا". ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: "صدق الله وكذب بطنُ أخيك، اسقه عسلا"، فسقاه، فبرأ".
(الصحيح ١٠/١٤٦- ك الطب، ب الدواء بالعسل ح/٥٦٨٤)، وأخرجه مسلم ٤/١٧٣٦-١٧٣٧ ح ٢٢١٧- ك السلام، ب التداوي بسقي العسل).
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (فاسلكى سبل ربك ذللا) قال: لا يتوعر عليها مكان سلكته.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قوله (فاسلكى سبل ربك ذللا) أي: مطيعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الأدواء، وقد كان ينهى عن تفريق النحل، وعن قتلها.
قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن تصرفه في عباده، وأنه هو الذي أنشأهم من العدم ثم بعد ذلك يتوفاهم، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم وهو الضعف في الخلقة، كما قال الله تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة) الآية.
قوله تعالى (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (٣٠) وتفسيرها.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ماملكت أيمانهم) قال: هذا الذي فضل في المال والولد، لا يشرك عبده في ماله وزوجته، يقول: قد رضيت بذلك لله، ولم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكا في ملكه وخلقه.
قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) أي: والله خلق آدم، ثم خلق زوجته منه ثم جعل لكم بنين وحفدة.
قال الطبري حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قالا جميعاً: ثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، قال الحفدة: الأختان.
وسنده حسن. وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وأبو أحمد هو الزبيري، وعبد الله هو ابن مسعود - رضي الله عنه -.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (بنين وحفدة) قال: أنصارا وأعوانا وخداما.
قوله تعالى (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)
قال ابن كثير: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهم الأنداد والأصنام (وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي يسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره. وفي الحديث الصحيح: "إن الله يقول للعبد يوم القيامة ممتنا عليه: ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ ".
وانظر (صحيح مسلم- ك الزهد والرقائق).
قوله تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون) قال: هذه الأوثان
التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضر ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا وقوله (فلا تضربوا لله الأمثال) فإنه أحد صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد (إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) يقول: والله أيها الناس يعلم خطأ ما تمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه.
قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) هذا مثل ضربه الله للكافر، رزقه مالا فلم يقدم فيه خيرا، ولم يعمل فيه بطاعة الله، وأخذ بالشكر، ومعرفة حق الله، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة قال الله تعالى ذكره (هل يستويان مثلا)، والله ما يستويان (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون).
قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (لا يقدر على شيء) قال: هو الوثن (هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل) قال: الله يأمر بالعدل.
وانظر سورة الفاتحة تفسير (الصراط المستقيم) : الإسلام.
قوله تعالى (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، كما قال: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) أي فيكون ما يريد كطرف العين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلا كلمح البصر أو هو أقرب) والساعة: كلمح البصر، أو أقرب. ا. هـ. والمراد بالساعة أي: أمر قيام الساعة.
قوله تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
انظر قوله تعالى (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) سورة الزمر آية (٦).
قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
قال ابن كثير: ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض، كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء، ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك، وسخر الهواء يحملها ويسير الطير كذلك، كما قال تعالى في سورة الملك: (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير) وقال ههنا: (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مسخرات في جو السماء) أي في كبد السماء.
قوله تعالى (والله جَعَلَ لَكمْ مّن بُيُوتكُمْ سَكَنا)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (من بيوتكم سكنا) قال: تسكنون فيها.
قوله تعالى (... وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
انظر آية (٥) من السورة نفسها.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (أثاثا) قال: متاعا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومتاعا إلى حين) قال: إلى الموت.
قوله تعالى (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) إي والله من الشجر ومن غيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجعل لكم من الجبال أكنانا)
يقول: غيرانا من الجبال يسكن فيها (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) يعني: ثياب القطن والكتان والصوف وقمصها.
قوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)
انظر سورة البقرة آية (١١٩) لبيان البلاغ أن عَليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون بشيراً ونذيراً.
قوله تعالى (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُون)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) قال: هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها، والسرابيل من الحديد والثياب، تعرف هذا كفار قريش، ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لآبائنا، فورثناها منهم.
قوله تعالى (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) وشاهدها نبيها، على أن قد بلغ رسالات ربه، قال الله تعالى (وجئنا بك شهيدا على هؤلاء).
قوله تعالى (ثم لا يؤذن للذين كفروا ولاهم يستعتبون)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله (لا يؤذن) ولكنه بين في المرسلات أن متعلق الإذن الاعتذار؛ أي لا يؤذن لهم في الاعتذار، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله، وذلك في قوله: (هذا يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون).
قوله تعالى (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم يُنظرون)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار إذا رأوا العذاب لا يخفف عنهم، ولا ينظرون أي لا يمهلون، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. وبين أنهم يرون النار، وأنها تراهم، وأنها تكاد تتقطع من شدة الغيظ عليهم؛ كقوله تعالى (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون)، وقوله (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا).
قوله تعالى (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المشركين يوم القيامة إذا رأوا معبوداتهم التي كانوا يشركونها بالله في عبادته قالوا لربهم ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك! وأن معبوداتهم تكذبهم في ذلك فيقولون لهم: كذبتم! ما كنتم إيانا تعبدون! وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة؛ كقوله: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقوله: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فألقوا إليهم القول) قال: حدثوهم.
قوله تعالى (وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) يقول: ذلوا واستسلموا يومئذ (وضل عنهم ما كانوا يفترون).
وانظر سورة البقرة آية (٢٠٨).
قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ)
قال ابن كثير: أي عذاباً على كفرهم وعذابا على صدهم الناس عن اتباع الحق كقوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أي ينهون الناس عن اتباعه ويبتعدون هم منه أيضاً (وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون).
قال الحاكم: حدثني علي بن عيسى ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله - رضي الله عنه - في قول الله عز وجل (زدناهم عذاباً فوق العذاب) قال: عقارب أنيابها كالنخل الطوال.
(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٣٥٥-٣٥٦- ك التفسير)، ووافقه الذهبي، وأخرجه الطبراني (٩١٠٤ و٩١٠٥) من طريق سفيان ويحيى بن عيسى عن الأعمش به، وأخرجه أيضاً (٩١٠٣) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود... وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٩١٠) رواه بالطبراني ورجاله رجال الصحيح وكذا في (٧/٤٨) قال نحوه، وأخرجه الطبري قال حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله (زدناهم عذابا فوق العذاب) قال. عقارب لها أنياب كالنخل. وسنده صحيح على شرط مسلم.
قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يوم القيامة يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم يشهد عليهم بما أجابوا به رسولهم، وأنه يأتي بنبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاهدا علينا. وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله:
(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض... ) الآية، وكقوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) وكقوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تبيانا لكل شيء) قال: ما أمر به، وما نهى عنه.
قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون)
قال الحاكم: أخبرنا الحسن بن حليم المروزي، أنبا أبو الموجه، أنبا عبدان، أنبا عبد الله، أنبا عيينة بن عبد الرحمن الغطفاني عن أبيه عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم.
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٣٥٦- ك التفسير) وأقره الذهبي، وأخرجه أبو داود (ح ٤٩٠٢- ك الأدب، ب النهي عن البغي)، والترمذي (ح ٢٥١١- ك صفة القيامة، ب ٥٧)، وابن ماجة (ح ٤٢١١- ك الزهد، ب البغي)، وابن حبان (الإحسان ح ٤٥٥ و٤٥٦)، والحاكم في (المستدرك ٢/٣٥٦)، (ن ٦/١٦٢ ل ٦٣٦) من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا -يعني الترمذي والحاكم- فإن رجال إسناده ثقات كلهم. وصحح إسناده أيضا محقق الإحسان.
انظر حديث الحاكم تحت الآية رقم (٢٣) من سورة يونس.
قال أحمد: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثنا عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بفناء بيته بمكة جالس، إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا تجلس"؟ قال: بلى. قال: فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستقبله، فبينما هو يحدثه، إذ شخص رسول الله ببصره إلى السماء، فنظر ساعة إلى السماء،
فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء كما شخص أول مرة، فأتبعه بصره حتى توارى في السماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة، قال: "وما رأيتني فعلت؟ " قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئاً يقال لك. قال: "وفطنت لذاك؟ " قال عثمان: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس"، قال: رسول الله؟ قال: "نعم". قال: فما قال لك؟ قال: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً.
(المسند ح ٢٩٢٢) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال ابن كثير: إسناد جيد متصل حسن قد بين فيه السماع المتصل (التفسير ٤/٥١٦) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لايضر، وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٧/٤٨)، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الحميد ابن بهرام به، وحسنه (السنن ح ٣٢١٥).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وقوله (والإحسان)، فإن الإحسان الذي أمر به تعالى ذكره مع العدل الذي وصفنا صفته: الصبر لله على طاعته فيما أمر ونهى، في الشدة والرخاء، والمكره والمنشط، وذلك هو أداء فرائضه، وقوله (إيتاء ذى القربى) يقول: الأرحام (وينهى عن الفحشاء) يقول: الزنا (والبغي) يقول: الكبر والظلم (يعظكم) يقول: يوصيكم (لعلكم تذكرون).
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنه، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن
200
صبرتم لهو خير للصابرين) وقوله: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وقال (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له)...
وقوله: (وإيتاء ذي القربى) أي يأمر بصلة الأرحام، كما قال: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً) وقوله: (وينهى عن الفحشاء والمنكر) فالفواحش المحرمات، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها، ولهذا قال في الموضع الآخر (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى) الآية، إنه ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه، إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها.
قوله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة، عن زكريا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعم. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حِلْف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة".
(الصحيح ٤/١٩٦١ ح ٢٥٣٠- ك فضائل الصحابة، ب مؤاخاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصحابه... ).
قال ابن كثير: ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه. ا. هـ.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم). أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عباده أن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا. وظاهر الآية أنه شامل لجميع العهود فيما بين العبد وربه. وفيما بينه وبين الناس. وكرر هذا في مواضع أخر؛ كقوله (في الأنعام) :(وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به..) الآية، وقوله (في الإسراء) :(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا). وقد
201
قدمنا هذا (في الأنعام). وبين في موضع آخر: أن من نقض العهد إنما يضر بذلك نفسه، وأن من أوفى به يؤتيه الله الأجر العظيم على ذلك؛ وذلك في قوله: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما). وبين في موضع آخر: أن نقض الميثاق يستوجب اللعن؛ وذلك في قوله: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم..) الآية.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى: (ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها) قال: تغليظها في الحلف.
قوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) فلو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أن تكون أمة هي أربى من أمة) يقول: أكثر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) يقول: خيانة وغدرا بينكم (أن تكون أمة هي أربى من أمة) أن يكون قوم أعز وأكثر من قوم.
قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
قال ابن كثير: يقول الله تعالى (ولو شاء الله لجعلكم) أيها الناس (أمة واحدة) كقوله تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) أي: لوفق بينكم ولما جعل اختلافاً ولا تباغض ولا شحناء.
قوله تعالى (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا فرّاس قال: سمعت الشعبي عن عبد الله بن عَمْرو عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتلُ النفس، واليمين الغموس".
(الصحيح ١١/٥٦٤- ك الأيمان والنذور، ب اليمين الغموس ح/٦٦٧٥).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (دخلا بينكم) قال: خيانة بينكم.
قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
انظر سورة آل عمران آية (٧٧).
قوله تعالى (ما عندكم ينفذ وما عن الله باق)
قال الشيح الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ماعنده من نعيم الجنة باق لا يفنى. ووأضح هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله (عطاء غير مجذوذ) وقوله: (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد).
قوله تعالى (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
قال الشيخ الشنقيطي: أقسم جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سيجزي الذين صبروا أجرهم -أي جزاء عملهم- بأحسن ما كانوا يعملون. وبين في موضع آخر: أنه جزاء بلا حساب؛ كما في قوله: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب (واللفظ لزهير).
قالا: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في
الدنيا ويُجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة. لم تكن له حسنة يُجزى بها".
(الصحيح ٤/٢١٦٢ ح ٢٨٠٨- ك صفات المنافقين، ب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء، عن سعيد بن أبي أيوب. حدثني شرحبيل (وهو ابن شريك) عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه".
(الصحيح ٢/٧٣٠ ح ١٠٥٤ - ك الزكاة، ب في الكفاف والقناعة).
قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ يعقوب بن يوسف القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا عَمْرو بن أبي قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (فلنحيينه حياة طيبة) قال: القنوع، قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو يقول: "اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٣٥٦- ك التفسير). وأقره الذهبي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فلنحيينه حياة طيبة) قال: السعادة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلحيينه حياة طيبة) فإن الله لايشاء عملا إلا في إخلاص، ويوجب من عمل ذلك في إيمان، قال الله تعالى (فلنحيينه حياة طيبة) وهي الجنة.
قوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
انظر الاستعاذة في مطلع التفسير.
قوله تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله، وأن سلطانه إنما هو على أتباعه
الذين يتولونه والذين هم به مشركون. وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين)، وقوله (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)، وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا)، وقوله (وماكان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك..) الآية، وقوله (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي).
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما سلطانه) قال: حجته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما سلطانه على الذين يتولونه) يقول: الذين يطيعونه ويعبدونه.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (والذين هم بربهم مشركون) قال: يعدلون بالله عز وجل.
قوله تعالى (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية) قال: رفعناها فأنزلنا غيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية) هو كقوله (ما ننسخ من آية أو ننسها).
قوله تعالى (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (قل نزله روح القدس من ربك بالحق)
الآية. أمر الله جل وعلا نبيه ﷺ في هذه الآية الكريمة: أن يقول إن هذا القرآن الذي زعموا أنه افتراء بسبب تبديل الله آية مكان آية - أنه نزله عليه روح القدس من ربه جل وعلا؛ فليس مفتريا له. وروح القدس: جبريل، ومعناه الروح المقدس؛ أي الطاهر من كل ما لا يليق. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) الآية، وقوله:
(وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)، وقوله (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يلقى إليك وحيه)، وقوله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر) قال: قول كفار قريش: إنما يعلم محمداً عبد لابن الحضرمى، وهو صاحب كتب بقول الله (لسان الذي يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين).
وأخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة بنحوه.
قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فأخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله، وله عذاب عظيم، فأما من أكره وتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم.
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: أتي علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من بدل دينه فاقتلوه".
(الصحيح ١٢/٢٧٩- ك استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، ب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم ح ٦٩٢٢).
قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا يحيى بن أبي بُكيْر، ثنا زائدة بن قدامة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زِرِّ بن حُبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر، وعمّار، وأمه سُمية، وصُهيب، وبلال، والمِقداد. فأما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم
المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس. فما منهم مِن أحد إلا وقد واتَاهم على ما أرادوا إلا بلالا، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحَد، أحَد.
(سنن ابن ماجة ١/٥٣- المقدمة، ب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ح ١٥٠)، وأخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وقال في (تاريخ الإسلام قسم السيرة ص ٢١٨) : حديث صحيح، وأخرجه ابن أبي عاصم مختصرا من طريق زائدة به، (المسند ١/٤٠٤ المستدرك ٣/٢٨٤، الأوائل ص ٨٧)، قال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات رواه ابن حبان في صحيحه... إلخ (مصباح الزجاجة ١/٦٤)، وقال الألباني. حسن (صحيح ابن ماجة ١/٣٠). وله شاهد من رواية مجامد مرسلاً عند ابن أبي شيبة في (المصنف (١٣/٤٧-٤٩)، وقال الحافظ في الإصابة (٤/٣٢٧) : وهو مرسل صحيح السند.
قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (١٠٧) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
انظر سورة البقرة آية (٧).
قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
انظر آية (٦٢) من السورة نفسها.
قوله تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
انظر سورة البقرة آية (٤٨) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (قرية كانت آمنة مطمئنة) قال: مكة.
قال ابن كثير: هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا لا يخاف، كما قال تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا)، وهكذا قال ههنا: (يأتيها رزقها رغدا)
أي هنيئا سهلا (من كل مكان فكفرت بأنعم الله) أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار).
وانظر سورة البقرة آية (٥٨).
قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد جاءهم رسول منهم) إي والله، يعرفون نسبه وأمره، (فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون)، فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل.
قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
انظر سورة البقرة آية (١٦٨).
قوله تعالى (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما حرم عليكم الميتة والدم) الآية، قال: وإن الإسلام دين يطهره الله من كل سوء، وجعل لك فيها يابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شيء من ذلك. قوله (فمن اضطر غير باغ ولاعاد) غير باغ في أكله ولا عاد أن يتعدى حلالا إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة.
وانظر سورة البقرة آية (١٧٣)، لبيان هذه المحرمات.
قوله تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تعالى (لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) في البحيرة والسائبة.
وانظر سورة المائدة (١٠٣) وتفسيرها، لبيان ما حرم المشركون من أنعام أحلها الله تعالى.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم). ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الذين يفترون عليه الكذب -أي يختلقونه عليه- كدعواهم أنه حرم هذا وهو لم يحرمه. ودعواهم له الشركاء والأولاد - لا يفلحون؛ لأنهم في الدنيا لا ينالون إلا متاعا قليلاً لا أهمية له، وفي الآخرة يعذبون العذاب العظيم، الشديد المؤلم.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في يونس: (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون)، وقوله: (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ)، وقوله: (قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير)، إلى غير ذلك من الآيات.
وانظر سورة يونس آية (٢٦)، لبيان المتاع: الذاهب.
قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) قال: ما قص الله تعالى في سورة الأنعام حيث يقول: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية.
وانظر سورة الأنعام آية (١٤٦) وتفسيرها، لبيان ما حرم الله تعالى على اليهود.
قال الشيخ الشنقيطي: وجملة المحرمات عليهم في هذه الآية الكريمة ظاهرة، وهو كل ذي ظفر: كالنعامة والبعير، والشحم الخالص من البقر والغنم (وهو الثروب) وشحم الكلى. أما الشحم الذي على الظهر، والذي في الحوايا وهي الأمعاء، والمختلط بعظم كلحم الذنب وغيره من الشحوم المختلطة بالعظام فهو حلال لهم؛ كما هو واضح من الآية الكريمة.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)
انظر سورة النساء آية (١٧)، وسورة الأنعام آية (٥٤).
قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق قال: قرأت عند ابن مسعود (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله) فقال: إن معاذا كان أمة قانتا لله، قال: فأعاد عليه، قال: فأعاد عليهم، ثم قال: أتدرون ما الأمة؟ الذي يُعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله؟.
(التفسير ح ١٥١٤)، وأخرجه الحاكم في (المستدرك ٢/٣٥٨) من طريق عبد الرزاق وأبي نعيم كلاهما عن الثوري به ن وأخرجه أيضا الطبري في تفسيره (١٤/١٩١)، والطبراني في (الكبير ١٠/٧٠-٧٣ ح ٩٩٤٣-٩٩٥٠) من طريق عن ابن مسعود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في (المجمع ٧/٤٩). رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (إن إبراهيم كان أمة) على حدة (قانتا لله) قال: مطيعا.
ينظر تفسير سورة البقرة آية (١٣٥) لفظ (حنيفا)، وسورة الفاتحة (الصراط المستقيم)
قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وآتيناه في الدنيا حسنة) قال: لسان صدق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وآتيناه في الدنيا حسنة) فليس من أهل دين إلا يتولاه وبرضاه.
قوله تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
قال ابن كثير: وقوله (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً) أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك ياخاتم الرسل وسيد الأنبياء (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) كقوله في الأنعام: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين).
قوله تعالى (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) اتبعوه وتركوا الجمعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) استحله بعضهم، وحرمه بعضهم.
وانظر عن أهل السبت سورة البقرة آية (٦٥).
أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة وحذيفة قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق.
(صحيح مسلم- ك الجمعة، ب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ح ٨٥٦)
قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (وجادلهم بالتي هي أحسن) أعرض عن أذاهم إياك.
قال ابن كثير، وقوله (وجادلهم بالتي هي أحسن) أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) الآية، فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
قوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)
قال البخاري: حدثنا إسحاق، أخبرنا حبان، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان أفلان، حتى سمى اليهودى فأومأت برأسها، فجيء باليهودي فاعترف، فأمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض رأسه بالحجارة. وقد قال همام: بحجرين.
(الصحيح ١٢/٢٢٢ ح ٦٨٨٤- ك الديات، ب إذا اقر بالقتل مرة قتل به)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٣/١٢٩٩ ح ١٦٧٢ ك القسامة، ب ثبوت القصاص في القتل بالحجر... ).
قال الحاكم: أخبرنا أبو زكريا العنبري، ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا إسحاق بن الفضل بن موسى، ثنا عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: حدثني أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة فمثلوا بهم وفيهم حمزة فقالت الأنصار: لئن أصبناهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله عز وجل (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفوا عن القوم غير أربعة.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك ٢/٣٥٨-٣٥٩- ك التفسير- سورة النحل) وأقره الذهبي، وأخرج الترمذي (ح ٣١٢٩/ك التفسير، ب ومن سورة النحل)، والنسائي في (التفسير ح ٢٩٩) من طريق الفضل بن موسى به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب. وقال الألباني: حسن صحيح الإسناد (صحيح الترمذي ٣/٦٧)، وقال محقق تفسير النسائي: إسناده حسن. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ٢/٢٣٩ ح ٤٨٧) من طريق: عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق به. قال محققه: إسناده حسن... ، وأخرجه الضياء في (المختارة ٣/٣٥٠-٣٥٢ ح ١١٤٣، ١١٤٤) من طريق: الحسين بن حريث، وهدية بن عبد الوهاب المروزي كلاهما عن الفضل بن موسى به. وحسن المحقق إسناديهما.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) لا تعتدوا.
وانظر سورة البقرة آية (١٩٤).
قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)
قال الشنقيطي: قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه مع عباده المتقين المحسنين. وقد تقدم إيضاح معنى التقوى والإحسان. وهذه المعية خاصة بعباده المؤمنين، وهي بالإعانة والنصر والتوفيق. وكرر هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله: (إنني معكما أسمع وأرى) وقوله: (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم)، وقوله: (لا تحزن إن الله معنا) وقوله: (قال كلا إن معى ربي سيهدين)، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما المعية لجميع الخلق فهي بالإحاطة التامة والعلم، ونفوذ القدرة، وكون الجميع في قبضته جل وعلا؛ فالكائنات في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل.
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
(الصحيح ٤/٢٠٥٩-٢٠٦٠- ك العلم، ب من سن سنة حسنة أو سيئة ح/١٠١٧)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ٨/٢٣٢- ك التفسير- سورة الحجر).