ﰡ
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ ﴾ علم تعالى في الأول ما هي. وإنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية تسعى وليقرر في نفسه البعد بين المقلوب عنه والمقلوب إليه وتنبيه على قدرته الباهرة وما استفهام مبتدأ وتلك خبره وبيمينك في موضع الحال كقوله: وهذا بعلي شيخاً والعامل إسم الإِشارة * وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون تلك إسماً موصولاً صلته بيمينك ولم يذكر ابن عطية غيره وليس ذلك مذهباً للبصريين وإنما ذهب إليه الكوفيون قالوا: يجوز أن يكون إسم الإِشارة موصولاً حيث يتقدر بالموصول كأنه قيل وما التي بيمينك وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفاً كأنه قيل وما التي استقرت بيمينك وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه لموسى عليه السلام استئناس عظيم وتشريف كريم.﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾ قرأ ابن إسحاق والجحدري عصي وهي لغة هذيل * قال الشاعر: يطوف بي غلب في معد ويضرب بالصلمة في قفينايريد في قفاي.﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ التوكؤ على الشىء التحامل عليه في المشي والوقوف ومنه الاتكاء توكأت واتكأت بمعنى واحد.﴿ وَأَهُشُّ ﴾ هش على الغنم يهش بضم الهاء خبط أوراق الشجر لتسقط وهش إلى الرجل يهش بالكسر قاله ثعلب إذا نش وأظهر الفرح به والأصل في هذه المادة الرخاوة يقال: رجل هش وقوم في الجواب مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها ثم ثنى بمصلحة رعيته في قوله: وأهش بها على غنمي. و ﴿ مَآرِبُ ﴾ ذكر المفسرون أنها كانت ذات شعبتين ومحجن فإِذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وإذا كان في البرية وكزها وعرض الزندين على شعبتها وألقى عليها الكساء واستظل وإذا قصر رشاؤه وصله بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه والمآرب الحاجات وعامل المآرب وان كانت جمعاً معاملة الواحدة المؤنثة فاتبعها صفتها في قوله: أخرى ولم يقل أخر رعياً للفواصل وهو جائز من غير الفواصل فكان أجوز وأحسن في الفواصل.﴿ قَالَ أَلْقِهَا ﴾ الظاهر أن القائل هو الله تعالى ومعنى ألقها أطرحها على الأرض.﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ التي للمفاجأة والحية ينطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم منها ولا ينافي بين تشبيهها بالجان في قوله:﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾[النمل: ١٠، القصص: ٣١] وبين كونها ثعباناً لأن تشبيهها بالجان هو أول حالها ثم تزيدت حتى صارت ثعباناً أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها مع عظم خلقها قيل كان له عرف كعرف الفرس وصارت شعبتا العصا لها فما وبين لحييها أربعون ذراعاً وعن ابن عباس انقلبت ثعباناً يتبلع الصخر والشجر المحجن عنقاً وعيناها يقدان فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف لا سيما هذا الأمر الذي يذهل العقول ومعنى تسعى تمشي وتنتقل بسرعة وحكمة انقلابها وقت مناجاته تأنيسه بهذا المعجز الهائل حتى يلقيها لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت إذ قد جرت له بذلك عادة وتدريبه في تلقي تكاليف النبوة ومشاق الرسالة ثم أمره تعالى بالاقدام على أخذها ونهاه عن أن يخاف منها والسيرة من السير وهي الهيئة كالركبة والجلبية يقال سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فتقلب إلى معنى المذهب والطريقة وقيل سير الأولين أي طريقة الأولين وانتصب:﴿ سِيَرتَهَا ﴾ على أنه بدل اشتمال من الضمير المنصوب في سنعيدها أي سنعيد سيرتها الأولى وهي كونها كانت عصا.﴿ وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ ﴾ الجناح حقيقة في الطائر ثم أطلق على العضد مجاز أو في الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم وإنما يترتب على الإِخراج والتقدير واضمم يدل إلى جناحك ينضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول وأبقى مقابله ومن الثاني وأبقى مقابله وهو اضمم لأنه معنى ادخل كما تبين في الآية الأخرى.﴿ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ ﴾ قيل خرجت بيضاء تضيء وتشف كأنها شمس وكان آدم اللون وانتصب بيضاء على الحال. و ﴿ سُوۤءٍ ﴾ الرداءة والقبح في كل شىء وقوله: من غير سوء متعلق ببيضاء لأنه لو قال بيضاء لأوهم ذلك من برص أو بهق وانتصب:﴿ آيَةً ﴾ على الحال * وقال الزمخشري: يجوز أن يكون منصوباً على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك يحذف لدلالة الكلام كذا قال: " انتهى " * أما تقديره فشائع وأما دونك فلا يسوغ لأنه اسم فعل من باب الإِغراء ولا يجوز حذفه لأنه حذف منه في الأصل العامل فيه وناب منابه فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب منه ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه. و ﴿ أُخْرَىٰ ﴾ أي غير الآية الأولى التي هي قلب العصا حية واللام في لنريك لام كي. و ﴿ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ صفة لقوله: آياتنا فوصف الجمع بما يوصف به المفرد ولو كان ذلك في الكلام لكان الوصف مطابقاً في الجمع للموصوف فكان يكون الكبر لكن حسن هذا كون الكبرى فاصلة * قال الزمخشري: لنرينك أي حد هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين بعض آياتنا الكبرى أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا أو لنرينك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك يعني أنه أجاز أن يكون مفعول لنريك الثاني الكبرى أو يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني ويكون الكبرى صفة لآياتنا على حد الأسماء الحسنى ومآرب أخرى مجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة وأجاز هذين الوجهين من الإِعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء والذي نختاره أن يكون من آياتنا في موضع المفعول الثاني والكبرى صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبرى لأن ما كان بعض الآيات الكبرى صدق عليه أنه آية الكبرى فإِذا جعلت الكبرى مفعولاً فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معاً لأنهما كانا يلزم التثنية في وصفهما وكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلاً منهما فيها معنى التفضيل ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإِعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد لنريك من آياتنا الكبرى لأنه جعل الكبرى مفعولاً ثانياً لنريك وجعل ذلك راجعاً إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلا تغير اللون وأما العصا ففيها تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مراراً فكانت أعظم من اليد ولما أراه الله تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى فرعون رسولاً من عنده تعالى وعلل حكمه الذهاب إليه بقوله: انه طغى وخص فرعون وإن كان مبعوثاً إليهم كلهم لأنه رأس الكفر ومدعي الإِلهية وقومه تباعه.﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ الآية سأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر * والعقدة استعارة للثقل الذي كان في لسانه خلقة وقيل كان من الجمرة التي أدخلها فاه في قصة حكيت في البحر قال الزمخشري: وفي تنكيره العقدة ولم يقل واحلل عقدة لساني أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهماً جيداً ولم يطلب الفصاحة الكاملة ومن لساني صفة للعقدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني " انتهى " يظهر أن من لساني متعلق باحلل لا في موضع الصفة لعقدة وكذا قال الحوفي وأجاز أبو البقاء الوجهين * والوزير المعين القائم بوزر الأمور أي بثقلها فوزير الملك يتحمل عنه أوزاره ومؤنه وقيل من الوزر وهو الملجأ يلتجىء إليه الإِنسان ويجوز أن يكون وزيراً مفعولاً أول والمفعول الثاني من أهلي ويجوز أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون مفعولاً أول ووزيراً مفعولاً ثانياً ويجوز في الوجه الأول أن يكون هارون بدلاً من وزيراً بدل معرفة من نكرة ولا يجوز أن يكون عطف بيان للتخالف لكون وزيراً نكرة وهارون معرفة قال الزمخشري: وإن جعل يعني أخي عطف بيان جاز وحسن " انتهى " يبعد فيه عطف البيان لأن الأكثر أن يكون الأول دونه في الشهرة والأمر هنا بالعكس وقرىء: أشدد بهمزة قطع جواباً لقوله: اجعل وقرىء: بوصل الهمزة وهو طلب من موسى عليه السلام لربه أن يشد أزره به * وأشركه على معنى الدعاء في شد الأزر فكان هارون أكبر من موسى عليه السلام بأربعة أعوام وجعل موسى ما رغب فيه وطلبه من نعم سبباً يلزم فيه العبادة والاجتهاد في أمر الله والتظافر على العبادة والتعاون فيها مثير للرغبة والتزيد من الخير.
﴿ وَمَا هَدَىٰ ﴾ أي ما هدى قومه إلى الدين أو ما اهتدى في نفسه لأن هدى قد يأتي بمعنى اهتدى.﴿ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ ﴾ الآية ذكرهم بأنواع نعمه وبدأ بإِزالة ما كانوا فيه من الضرر من الإِذلال والخراج والذبح وهي آكد أن تكون مقدمة على المنفعة الدنياوية لأن إزالة الضرر أعظم في النعمة من اتصال تلك المنفعة ثم أعقب ذلك بذكر المنفعة الدينية وهو قوله تعالى: ﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ ﴾ جانب الطور الأيمن إذ أنزل على نبيهم موسى عليه السلام كتاباً فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ثم بذكر المنفعة الدنياوية وهو قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ ﴾ قال الزمخشري: وقرىء: الأيمن بالجر على الجوار نحو جحر ضب خرب " انتهى " هذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه والصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن وإما لكونه على يمين من يستقبل الجبل والظاهر أن الخطاب لمن نجا مع موسى عليه السلام بعد إغراق فرعون وقومه فيحل منصوب بإِضمار أن بعد الفاء في جواب النهي فقد هوى أي سقط وهو كناية عن الهلاك.﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ﴾ الآية وما أعجلك سؤال عن سبب العجلة وأجاب بقوله:﴿ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ ﴾ لأن قوله: وما أعجلك تضمن تأخر قومه عنه فأجاب مشيراً إليهم لقربهم منه أنهم على أثره جائين للموعد وذلك على ما كان عهد إليهم أن يجيئوا للموعد ثم ذكر السبب الذي حمله على العجلة وهو ما تضمنه قوله: وعجلت إليك رب لترضى من طلبه رضا الله تعالى في السبق إلى ما وعده ربه ومعنى إليك أي إلى مكان وعدك ولترضى أي ليدوم رضاك ويستمر لأنه تعالى كان راضياً عنه.﴿ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ﴾ الآية أي اختبرناهم بما فعل السامري والسامري قيل اسمه موسى بن مظفر وقيل غير ذلك وتقدم في الاعراف كيفية اتخاذ العجل.﴿ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ وذلك بعدما استوفى الأربعين وانتصب غضبان أسفاً على الحال والأسف أشد الحزن ثم أخذ موسى عليه السلام يوبخهم على إضلالهم والوعد الحسن ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض.﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ ﴾ توقيف على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهو طول العهد حتى تبين لهم خلف في الموعد وقرىء:﴿ بِمَلْكِنَا ﴾ بفتح الميم وضمها وكسرها قال أبو علي الفارسي فمعنى الضم أنه لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري فليس المعنى أن لهم ملكاً وفتح الميم مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وقفنا له بل غلبتنا أنفسنا وكسر الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإِنسان ومعناها كمعنى التي قبلها والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل والمفعول مقدر أي بملكنا الصواب والأوزار الأثقال أطلق على ما كانوا استعادوا من القبط برسم التزين أوزاراً لثقلها أو بسبب أنهم أثموا في ذلك فسميت أوزاراً لما حصلت الأوزار التي هي الآثام بسببها والقوم هنا القبط.﴿ فَقَذَفْنَاهَا ﴾ أي الحلي في النار وكان أشار عليهم بذلك السامري فحفرت حفرة وسجرت فيها النار وقذف كل من كان معه شىء من ذلك الحلي في النار وقذف السامري ما معه ومعنى فكذلك أي مثل إلقائنا إياها ألقى السامري ما كان معه فأخرج لهم أي السامري.﴿ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ ﴾ تقدم الكلام على مثل هذا في الاعراف والضمير في فقالوا لبني إسرائيل: أي: ضلوا حين قال كبارهم لصغارهم: وهذه إشارة إلى العجل والظاهر أن الضمير في:﴿ فَنَسِيَ ﴾ عائد على السامري أي فنسي إيمانه وإسلامه قاله ابن عباس: ثم بين تعالى فساد اعتقادهم بأن الألوهية لا تصلح لمن سلبت عنه هذه الصفات فقال:﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ﴾ والرؤية هنا بمعنى العلم ولذلك جاء بعدها أن المخففة من الثقيلة كما جاء ألم يروا أنه لا يكلمهم.﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ ﴾ الآية أشفق هارون على نفسه وعليهم وبذل لهم لا مساس أي لا مماسة ولا إذاية. النصيحة وبين أن ما ذهبوا إليه من أمر العجل إنما هو فتنة إذ كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن أخيه موسى عليه السلام أخلفني في قومي ولا يمكنه أن يخالف أمر الله وأمر أخيه والضمير في به عائد على العجل زجرهم أولاً هارون عن الباطل وإزالة الشبهة بقوله: إنما فتنتم به ثم نبههم على معرفة ربهم وذكر صفة الرحمة تنبيهاً على أنهم متى تابوا قبلهم وتذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل ثم أمرهم باتباعه تنبيهاً على أنه نبي يجب أن يتبع ويطاع أمره ولما وعظهم هارون ونبههم على ما فيه رشدهم اتبعوا سبيل الغي وقالوا: لن نبرح على عبادته مقيمين ملازمين له وعينوا ذلك برجوع موسى عليه السلام وفي قولهم: ذلك دليل على عدم رجوعهم إلى الاستدلال وأخذ بتقليدهم السامري * أن لا تتبعني أن هي الناصبة للمضارع وينسبك مصدراً أي ما منعك من اتباعي.﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ استفهام إنكار وهو عليه السلام لم يعص كلام أخيه.﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ ﴾ تقدّم الكلام على ابن أم في الاعراف.﴿ لاَ تَأْخُذْ ﴾ وكان قد شرع في أخذ رأس أخيه كما تقدم في قوله: وأخذ برأس أخيه يجره إليه لأن في ذلك إهانة واستعذر هارون لأخيه بقوله:﴿ إِنِّي خَشِيتُ ﴾ والتفريق الذي خشيه هو التقاتل بينهم لتكون أنت المتدارك لأمرهم ولما فزع من عتابه لأخيه وجواب لأخيه له رجع إلى مخاطبة الذي أوقعهم في الضلال وهو السامري قال ابن عطية: ما خطبك كما تقول ما شأنك وما أمرك لكن لفظ الخطب يقتضي انتهاراً لأن الخطب مستعمل في المكاره فكأنه قال: ما نحسك وما شؤمك وما هذا الخطب الذي جاء من قبلك " انتهى " هذا ليس كما ذكر ألا ترى إلى قوله تعالى:﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾[الحجر: ٥٧] وهو قول إبراهيم لملائكة الله فليس هذا يقتضي انتهاراً ولا شيئاً مما ذكر وقرىء:﴿ فَقَبَضْتُ ﴾ بالضاد المعجمة فيهما أي أخذت بكفي مع الأصابع وقرىء: بالصاد فيهما وقال المفسرون الرسول هنا جبريل عليه السلام وتقديره من أثر حافر فرس الرسول والأثر التراب الذي تحت حافره وقال أبو مسلم الأصبهاني ليس في القرآن تصريح بما ذكره المفسرون وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى وأثره سنته ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل فلان يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه والتقدير أن موسى لما أقبل على السامري باللوم والمسئلة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في العجل.﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ﴾ أي عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول أي شيئاً من دينك فنبذتها أي طرحتها فعند ذلك أعلمه موسى بماله من العذاب في الدنيا والآخرة وإنما أراد لفظ الاخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له ما يقول الأمير في كذا أو بماذا يأمر الأمير وأما تسميته رسولاً مع جحده وكفره فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾[الحجر: ٦]، وإن لم يؤمنوا بالإِنزال قيل وما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق إلا أن فيه مخالفة المفسرين، قيل: ويبعد ما قالوه ان جبريل عليه السلام ليس معهوداً باسم رسول ولم يجر له فيما تقدم ذكر حين تكون اللام في الرسول السابق للذكر ولأن ما قالوه لا بد فيه من إضمار أي من أثر حافر فرس الرسول والاضمار خلاف الأصل ولأن اختصاص السامري برؤية جبريل ومعرفته من بين الناس يبعد جداً وكيف عرف أن أثر حافر فرسه يؤثر هذا الأثر الغريب العجيب من إحياء الجماد به وصيرورته لحماً ودماً وكيف عرف أن جبريل يتردد إلى نبي وقد عرف نبوته وصحت عنده فحاول الإِضلال وكيف اطلع كافر على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول لعل موسى اطلع على شىء آخر يشبه هذا فلأجله أتى بالمعجزات فيصير ذلك قادحاً فيما أتوا به من الخوارق.﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ أي ألقيتها على الحلي الذي تصور منه العجل.﴿ وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ أي كما حدث ووقع قربت لي نفسي وجعلته لي سولاً وأرباً حتى فعلته كان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلا في حد أو وحي فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يؤاكلوا ولا يناكحوا وجعل له أن يقول مدة حياته.
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ ﴾ الآية، لما تقدّم كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق كان من هذه الأنباء قصة آدم عليه السلام ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان وعهده نهيه عن قربان تلك الشجرة وأكله منها والظاهر أن النسيان هنا الترك أي ترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها والعزم التصميم والمضي.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ﴾ الآية وأبى جملة مستأنفة مبنية أن امتناعه من السجود إنما كان عن إباء منه وامتناع، الظاهر حذف متعلق أي وأنه يقدر هنا ما صرح به في الاية الأخرى أي أن يكون من الساجدين وهذا إشارة إلى إبليس وعدو يطلق على الواحد والمثنى والمجموع عرف تعالى آدم عداوة إبليس له ولزوجه ليحذراه فلم يغن الحذر من القدر.﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الظاهر أنه نهي لإِبليس عن إخراجهما والمعنى أنه لا تتعرضا لمخالفتكما إياي بالقربان والأكل فيخرجكم من الجنة فاقتصر بقوله فتشقى على شقاء آدم فقط لأن زوجته تابعة له ولأن لكلمة رأس آية.﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ ﴾ لما كان الشبع والري والكسوة والكن هي الأمور الضرورية للإِنسان اقتصر عليها لكونها كافية له وما أحسن المقابلة في هذه الأربعة فقابل الجوع بخلو الباطن والتعري بخلو الظاهر والظمأ بإِحراق الباطن والصخو بإِحراق الظاهر فقابل الخلو بالخلو والإِحراق بالإِحراق وأورد ذلك مورد النفي وقرىء: وإنك معطوفاً على أن لا تجوع وقرىء: وإنك على الاستئناف أو عطفاً على أن لك وتقدم الكلام في فوسوس وتعدى وسوس هنا بإِلى وفي الأعراف باللام فالتعدي إلى معناه أنهى الوسوسة إليه والتعدي بلام الجر قيل معناه لأجله ولما وسوس إليه ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما يلقى بقوله:﴿ هَلْ أَدُلُّكَ ﴾ على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح ويؤثر قبول من يخاطبه كقول موسى لفرعون: هل لك إلى تزكى وهو عرض فيه مناصحة وكان آدم صلى الله عليه وسلم قدر عنه الله في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله تعالى: ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ الآية ورغبة إبليس في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله: هل أدلك فجاءه إبليس من الجهة التي رغبه الله تعالى فيها وفي الأعراف ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الآية وهنا هل أدلك والجمع بينهما أن قوله هل أدلك يكون سابقاً على قوله: ما نهاكما لما رأى إصغاءه وميله إلى ما عرض عليه انتقل إلى الاخبار والحصر ومعنى عن شجرة الخلد أي الشجرة التي من أكل منها خلد وحصل له ملك لا يخلق.﴿ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ﴾ قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يجوز لأحدنا اليوم أن يخبر بذلك عن آدم صلى الله عليه وسلم إلا إذا تلاه في أثناء كلامه تعالى أو قول نبيه صلى الله عليه وسلم فأما أن نبتدىء ذلك من قبل أنفسنا فليس بجائز لنا في أبائنا الأدنين لنا المماثلين لنا فكيف بأبينا الأقدم الأعظم الأكرم البني المقدم الذي اجتباه الله تعالى تاب عليه وغفر له والضمير في اهبطا ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء وجعل هبوطهما عقوبتهما جميعاً حال منهما وبعضكم لبعض جملة حالية.﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإِلهية * وضنكاً مصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع والمعنى النكد الشاق من العيش والمنازل ومواطن الحرب وغيرها والظاهر أن قوله:﴿ أَعْمَىٰ ﴾ المراد به عمى البصر كما قال تعالى:﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً ﴾[الإسراء: ٩٧].
﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ ﴾ سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله فظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره:﴿ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول ومعنى تنسى تترك في العذاب.