تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن
المعروف بـتفسير الثعلبي
.
لمؤلفه
الثعلبي
.
المتوفي سنة 427 هـ
روي أنَّها أربعة عشر ألف حرف، وخمس مائة وخمسة وعشرون حرفاً، وثلاثة الآف وأربعمائة وثمانين كلمة، ومائتا آية.
فضلها :
روي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :( من قرأ السورة التي يُذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى اللّه عليه وملائكتهُ حتى تغيب الشمس ).
زرّ بن حُبيش عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :( من قرأ سورة آل عمران أُعطي بكلَّ آية منها أماناً على جسر جهنَّم ).
رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة، قال : قال عبد اللّه بن مسعود :( من قرأ آل عمران فهو غني ).
يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال : سمعتُ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم يقول :( تعلَّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاءً حتى يدخلاه الجنَّة ).
إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحُرين عن أبي عبد اللّه الشامَّي، قال :( من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط ).
فضلها :
روي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :( من قرأ السورة التي يُذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى اللّه عليه وملائكتهُ حتى تغيب الشمس ).
زرّ بن حُبيش عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :( من قرأ سورة آل عمران أُعطي بكلَّ آية منها أماناً على جسر جهنَّم ).
رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة، قال : قال عبد اللّه بن مسعود :( من قرأ آل عمران فهو غني ).
يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال : سمعتُ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم يقول :( تعلَّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاءً حتى يدخلاه الجنَّة ).
إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحُرين عن أبي عبد اللّه الشامَّي، قال :( من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط ).
ﰡ
ﭑ
ﰀ
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ
ﰁ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ
ﰂ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﰃ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﰄ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﰅ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰆ
الجزء الثالث
سوره آل عمران
روي أنّها أربعة عشر ألف حرف، وخمس مائة وخمسة وعشرون حرفا، وثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانين كلمة، ومائتا آية.
فضلها:
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس» [١] «١».
زرّ بن حبيش عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكلّ آية منها أمانا على جسر جهنّم» [٢] «٢».
رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة، قال: قال عبد الله بن مسعود: «من قرأ آل عمران فهو غني».
يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تعلّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاء حتى يدخلاه الجنّة» [٣] «٣».
إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحرين عن أبي عبد الله الشاميّ، قال: «من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط» [٤] «٤».
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)
سوره آل عمران
روي أنّها أربعة عشر ألف حرف، وخمس مائة وخمسة وعشرون حرفا، وثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانين كلمة، ومائتا آية.
فضلها:
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس» [١] «١».
زرّ بن حبيش عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكلّ آية منها أمانا على جسر جهنّم» [٢] «٢».
رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة، قال: قال عبد الله بن مسعود: «من قرأ آل عمران فهو غني».
يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تعلّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاء حتى يدخلاه الجنّة» [٣] «٣».
إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحرين عن أبي عبد الله الشاميّ، قال: «من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط» [٤] «٤».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)
(١) مجمع الزوائد: ٢/ ١٦٨.
(٢) تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٣٢.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٣٦١، مجمع الزوائد: ٧/ ١٥٩ مع اختلاف في الحديث.
(٤) ميزان الاعتدال: ٢/ ٤٢٤، وفيه: جناحين منظومين بالدرّ والياقوت.
(٢) تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٣٢.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٣٦١، مجمع الزوائد: ٧/ ١٥٩ مع اختلاف في الحديث.
(٤) ميزان الاعتدال: ٢/ ٤٢٤، وفيه: جناحين منظومين بالدرّ والياقوت.
5
أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر الزبير، ومحمد بن مروان عن الكلبي، وعبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس، قالوا: نزلت هذه في وفد نجران، وكانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم العاقب، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدّرون عن رأيه، واسمه عبد المسيح. والسيّد [عالمهم] وصاحب رحلهم واسمه [الأيهم ويقال: شرحبيل] «١» وأبو حارثة بن علقمة الذي يعتبر حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان قد شرف فيهم ودرّس كهنتهم من حسن عمله في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه [وموّلوه وبنو له] الكنائس لعلمه واجتهاده.
فقدموا على رسول الله المدينة ودخلوا مسجده- حين صلى العصر- عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحديد، في جمال رجال بلحرث «٢» بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما رأينا وفدا مثلهم! وقد حانت صلاتهم فقاموا وصلّوا في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّوا الى المشرق.
فكلّم السيد والعاقب رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أسلمنا. قالا:
قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام [ادّعاء كما] «٣» لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير.
قالا: إن لم يكن ولد لله فمن [أبيه] «٤» وخاصموه جميعا في عيسى عليه السلام، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: [إنّه لا يكون ولد إلّا وشبه أباه. قالوا: بلى، قال: ألستم] تعلمون أن ربّنا حي لا يموت وإنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا:
لا. قال: ألستم تعلمون إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ؟ قالوا: بلى.
فقدموا على رسول الله المدينة ودخلوا مسجده- حين صلى العصر- عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحديد، في جمال رجال بلحرث «٢» بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ما رأينا وفدا مثلهم! وقد حانت صلاتهم فقاموا وصلّوا في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّوا الى المشرق.
فكلّم السيد والعاقب رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أسلمنا. قالا:
قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام [ادّعاء كما] «٣» لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير.
قالا: إن لم يكن ولد لله فمن [أبيه] «٤» وخاصموه جميعا في عيسى عليه السلام، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: [إنّه لا يكون ولد إلّا وشبه أباه. قالوا: بلى، قال: ألستم] تعلمون أن ربّنا حي لا يموت وإنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا:
لا. قال: ألستم تعلمون إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ؟ قالوا: بلى.
(١) تاريخ المدينة لابن شبه: ٢/ ٥٨١.
(٢) للتخفيف وهو بالأصل: بني الحرث. [.....]
(٣) في المخطوط: (دعاءكما).
(٤) هكذا في الأصل.
(٢) للتخفيف وهو بالأصل: بني الحرث. [.....]
(٣) في المخطوط: (دعاءكما).
(٤) هكذا في الأصل.
6
قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إلّا ما علّم؟
قالوا: لا.
قال: فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟
قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون إنّ عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة حملها، ثم غذي كما يغذى الصبي، وكان يطعم ويشرب ويحدث، قالوا: بلى. قال:
فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا.
فأنزل الله تعالى فيهم صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها.
فقال عزّ من قائل: الم
قرأ ابن جعفر بن زبير القعقاع المدني ال م مفصولا، ومثلها جميع حروف التهجّي المفتح بها السور.
وقرأ ابن جعفر الرواسي والأعشى والهرحمي: الم اللَّهُ مقطوعا والباقون موصولا مفتوح الميم. فمن فتح الميم ووصل فله وجهان:
قال البصريون: لالتقاء الساكنين حركت إلى أخف الحركات.
وقال الكوفيون: كانت ساكنة لأن حروف الهجاء مبنية على الوقف فلمّا تلقاها ألف الوصل وأدرجت الألف فقلبت حركتها وهي الفتحة الى الميم.
ومن قطع فله وجهان:
أحدهما: نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء، كقول الشاعر:
والثاني: أن يكون أجراه على لغة من يقطع ألف الوصل.
كقول الشاعر:
ومن فصل وقطع فللتفخيم والتعظيم تعالى اللَّهُ ابتداء وما بعده خبر، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نعت له، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ قرأ إبراهيم بن أبي عبلة: نَزَلَ بتخفيف (الزاي)، الْكِتابُ: برفع الباء، وقرأ الباقون: بتشديد الزاي ونصب الباء على التكثير لأنّ القرآن كان ينزل نجوما شيئا بعد شيء والتنزيل يكون مرّة بعد مرّة، وقال: (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) لأنهما نزلتا
قالوا: لا.
قال: فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟
قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون إنّ عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة حملها، ثم غذي كما يغذى الصبي، وكان يطعم ويشرب ويحدث، قالوا: بلى. قال:
فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا.
فأنزل الله تعالى فيهم صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها.
فقال عزّ من قائل: الم
قرأ ابن جعفر بن زبير القعقاع المدني ال م مفصولا، ومثلها جميع حروف التهجّي المفتح بها السور.
وقرأ ابن جعفر الرواسي والأعشى والهرحمي: الم اللَّهُ مقطوعا والباقون موصولا مفتوح الميم. فمن فتح الميم ووصل فله وجهان:
قال البصريون: لالتقاء الساكنين حركت إلى أخف الحركات.
وقال الكوفيون: كانت ساكنة لأن حروف الهجاء مبنية على الوقف فلمّا تلقاها ألف الوصل وأدرجت الألف فقلبت حركتها وهي الفتحة الى الميم.
ومن قطع فله وجهان:
أحدهما: نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء، كقول الشاعر:
| لتسمعنّ وشيكا في ديارهم | الله أكبر يا ثارات عثمانا «١» |
كقول الشاعر:
| إذا جاوز الاثنين سرّ | فإنه بنت وتكثير الوشاة قمين «٢» |
(١) البداية والنهاية: ٧/ ٢١٩ وتاج العروس: ٣/ ٧٠.
(٢) الصحاح: ١/ ٢٩٤.
(٢) الصحاح: ١/ ٢٩٤.
7
دفعة نَزَّلَ عَلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ القرآن بِالْحَقِّ: بالعدل، والصدق، مُصَدِّقاً: موافقا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لما قبله من الكتب في التوحيد، والنبوّات، والأخبار، وبعض الشرائع.
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ قال البصريون: أصلها ووريه دوجله وحرقله فحوّلت الواو الاولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة، وقال الكوفيون: هي تفعله والعلة فيه ما ذكرنا مثل (توصية)، و (توفية) فقلبت الياء ألفا كما يفعل طيئ، فيقول للجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة، وأصلها من قولهم: «وري الزند» إذا أخرجت ناره وأولته أنا، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ «١»، وقال: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً «٢» فتسمى تورية لأنه نور وضياء دلّ عليه قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ «٣» قاله الفراء، وأكثر العلماء، وقال [المؤرج:] هي من التورية وهي كتمان الشيء والتعريض لغيره.
ومن الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا أراد شيئا وري بغيره» [٥].
وكان أكثر التورية معارض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح، وقيل: هي بالعبرانية «نوروثو» ومعناه: الشريعة.
والإنجيل أفضل من [النجل] وهو الخروج، ومنه سمّي الولد «نجلا» لخروجه.
قال الأعشى:
فسمي بذلك لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا.
ويقال: هو من المتنجل، وهو سعة الجن، يقال: قطعته نجلا أي: واسعة فسمي بذلك لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم نورا وضياء، وقيل: هو بالسريانية «انقليون» ومعناه:
الشريعة:
وقرأ الحسن الْأَنْجِيلَ بفتح الهمزة، يصححه الباقون بالكسر مثل: الإكليل.
مِنْ قَبْلُ رفع على الغاية والغاية هاهنا قطع الكتاب عنه كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وقال زهير:
وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ قال البصريون: أصلها ووريه دوجله وحرقله فحوّلت الواو الاولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة، وقال الكوفيون: هي تفعله والعلة فيه ما ذكرنا مثل (توصية)، و (توفية) فقلبت الياء ألفا كما يفعل طيئ، فيقول للجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة، وأصلها من قولهم: «وري الزند» إذا أخرجت ناره وأولته أنا، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ «١»، وقال: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً «٢» فتسمى تورية لأنه نور وضياء دلّ عليه قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ «٣» قاله الفراء، وأكثر العلماء، وقال [المؤرج:] هي من التورية وهي كتمان الشيء والتعريض لغيره.
ومن الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا أراد شيئا وري بغيره» [٥].
وكان أكثر التورية معارض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح، وقيل: هي بالعبرانية «نوروثو» ومعناه: الشريعة.
والإنجيل أفضل من [النجل] وهو الخروج، ومنه سمّي الولد «نجلا» لخروجه.
قال الأعشى:
| أنجب أزمان والداه به | إذ نجّلاه فنعم ما نجلا «٤» |
ويقال: هو من المتنجل، وهو سعة الجن، يقال: قطعته نجلا أي: واسعة فسمي بذلك لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم نورا وضياء، وقيل: هو بالسريانية «انقليون» ومعناه:
الشريعة:
وقرأ الحسن الْأَنْجِيلَ بفتح الهمزة، يصححه الباقون بالكسر مثل: الإكليل.
مِنْ قَبْلُ رفع على الغاية والغاية هاهنا قطع الكتاب عنه كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وقال زهير:
| وما كان من خير أتوه | فإنّما توارثه آباء آبائهم قبل «٥» |
(١) سورة الواقعة: ٧١.
(٢) سورة العاديات: ٢.
(٣) سورة الأنبياء: ٤٨.
(٤) الصحاح: ١/ ٢٢٢.
(٥) تفسير القرطبي: ٣/ ١٧٣.
(٢) سورة العاديات: ٢.
(٣) سورة الأنبياء: ٤٨.
(٤) الصحاح: ١/ ٢٢٢.
(٥) تفسير القرطبي: ٣/ ١٧٣.
8
هُدىً لِلنَّاسِ هاد لمن تبعه، ولم ينته لأنّه مصدر وهو في محل النصب على الحال والقطع.
وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ الفرق بين الحق والباطل، قال السدي: في الآية تقديم وتأخير تقديرها:
وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للمتقين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ذكرا وأنثى، قصيرا وطويلا، أسودا وأبيضا، حسنا وقبيحا، سعيدا وشقيا.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ متقنات مبينات مفصلات.
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله الذي يعمل عليه في الأحكام ويجمع الحلال والحرام ويفرّغ لأهل الإسلام، وهنّ آيات التوراة والإنجيل والقرآن، وفي كل كتاب يرضى به أهل كل دين، ولا يختلف فيه أهل كل بلد.
والعرب تسمي كلّ شيء فاضل جامع يكون مرجعا لقوم، كما قيل للّوح المحفوظ: أم الكتاب، والفاتحة: أمّ القرآن، ولمكّة: أمّ القرى وللدماغ: أمّ الرأس، وللوالدة: أم، وللراية:
أم، وللرجل الذي يقوم بأمر العيال: أم، وللبقرة والناقة أو الشاة التي يعيش بها أهل الدار: أم، وكان عيسى (عليه السلام) يقول للماء: «هذا أبي»، وللخبز: «هذه أمّي» لأنّ قوام الأبدان بهما.
وإنّما قال أُمُّ الْكِتابِ ولم يقل أمّهات الكتب لأنّ الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة، وكلام الله واحد.
وقيل: معناه كلمة واحدة ف هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ كما قال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً «١» أي كل واحد منهما آية.
وَأُخَرُ: جمع أخرى ولم يصرف لأنّه معدول عن أواخر، مثل عمر، وزفر وهو قاله الكسائي.
وقيل: ترك أخراه لأنّه نعت مثل جمع، وكسع لم يصرفا لأنّهما نعتان.
وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ الفرق بين الحق والباطل، قال السدي: في الآية تقديم وتأخير تقديرها:
وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للمتقين.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ذكرا وأنثى، قصيرا وطويلا، أسودا وأبيضا، حسنا وقبيحا، سعيدا وشقيا.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ متقنات مبينات مفصلات.
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله الذي يعمل عليه في الأحكام ويجمع الحلال والحرام ويفرّغ لأهل الإسلام، وهنّ آيات التوراة والإنجيل والقرآن، وفي كل كتاب يرضى به أهل كل دين، ولا يختلف فيه أهل كل بلد.
والعرب تسمي كلّ شيء فاضل جامع يكون مرجعا لقوم، كما قيل للّوح المحفوظ: أم الكتاب، والفاتحة: أمّ القرآن، ولمكّة: أمّ القرى وللدماغ: أمّ الرأس، وللوالدة: أم، وللراية:
أم، وللرجل الذي يقوم بأمر العيال: أم، وللبقرة والناقة أو الشاة التي يعيش بها أهل الدار: أم، وكان عيسى (عليه السلام) يقول للماء: «هذا أبي»، وللخبز: «هذه أمّي» لأنّ قوام الأبدان بهما.
وإنّما قال أُمُّ الْكِتابِ ولم يقل أمّهات الكتب لأنّ الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة، وكلام الله واحد.
وقيل: معناه كلمة واحدة ف هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ كما قال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً «١» أي كل واحد منهما آية.
وَأُخَرُ: جمع أخرى ولم يصرف لأنّه معدول عن أواخر، مثل عمر، وزفر وهو قاله الكسائي.
وقيل: ترك أخراه لأنّه نعت مثل جمع، وكسع لم يصرفا لأنّهما نعتان.
(١) سورة المؤمنون: ٥٠.
9
وقيل: لأنّه مبني على واحدة في ترك الصرف وواحدة اخرى غير مصروف.
مُتَشابِهاتٌ: تشبه بعضها بعضا، واختلف العلماء في المحكم والمتشابه كليهما فقال قتادة والربيع والضحاك والسدي: «المحكم: الناسخ الذي يعمل له».
«والمتشابه: المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به، هي رواية عطية عن ابن عباس».
روى علي ابن أبي طلحة عنه قال: «محكمات القرآن ناسخة، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمر به ويعمل به».
والمتشابهات: منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله واقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به.
زهير بن معاوية عن أبي إسحاق قال: قال ابن عباس: قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قال: هي الثلاث الآيات في سورة الأنعام قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ «١» إلى آخر الآيات الثلاث، نظيرها في سورة بني إسرائيل وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «٢» الآيات.
وقال مجاهد، وعكرمة: «المحكم: ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه [يصدّق] بعضها بعضا».
قد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد.
والمتشابه: ما أحتمل من التأويل أوجها.
وقال ابن زبير: من المحكم ما ذكر الله تعالى في كتابه من قصص الأنبياء (عليهم السلام)، وفصلت وتنته لمحمد صلى الله عليه وسلّم وأمّته، كما ذكر قصة نوح في أربع وعشرين آية منها، وقصة هود في عشر آيات، وقصّة صالح في ثمان آيات، وقصة إبراهيم في ثمان آيات، وقصة لوط في ثمان آيات، وقصة شعيب في عشر آيات، وقصة موسى في آيات كثيرة.
وذكر [آيات] حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أربع وعشرين آية.
والمتشابه: هو ما أختلف به الألفاظ من قصصهم عند التكرير، كما قال في موضع من قصة نوح: قُلْنَا احْمِلْ «٣» وقال وفي موضع آخر: فَاسْلُكْ «٤».
مُتَشابِهاتٌ: تشبه بعضها بعضا، واختلف العلماء في المحكم والمتشابه كليهما فقال قتادة والربيع والضحاك والسدي: «المحكم: الناسخ الذي يعمل له».
«والمتشابه: المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به، هي رواية عطية عن ابن عباس».
روى علي ابن أبي طلحة عنه قال: «محكمات القرآن ناسخة، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمر به ويعمل به».
والمتشابهات: منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله واقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به.
زهير بن معاوية عن أبي إسحاق قال: قال ابن عباس: قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قال: هي الثلاث الآيات في سورة الأنعام قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ «١» إلى آخر الآيات الثلاث، نظيرها في سورة بني إسرائيل وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «٢» الآيات.
وقال مجاهد، وعكرمة: «المحكم: ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه [يصدّق] بعضها بعضا».
قد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد.
والمتشابه: ما أحتمل من التأويل أوجها.
وقال ابن زبير: من المحكم ما ذكر الله تعالى في كتابه من قصص الأنبياء (عليهم السلام)، وفصلت وتنته لمحمد صلى الله عليه وسلّم وأمّته، كما ذكر قصة نوح في أربع وعشرين آية منها، وقصة هود في عشر آيات، وقصّة صالح في ثمان آيات، وقصة إبراهيم في ثمان آيات، وقصة لوط في ثمان آيات، وقصة شعيب في عشر آيات، وقصة موسى في آيات كثيرة.
وذكر [آيات] حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أربع وعشرين آية.
والمتشابه: هو ما أختلف به الألفاظ من قصصهم عند التكرير، كما قال في موضع من قصة نوح: قُلْنَا احْمِلْ «٣» وقال وفي موضع آخر: فَاسْلُكْ «٤».
(١) سورة الأنعام: ١٥١.
(٢) سورة الإسراء: ٢٣.
(٣) سورة هود: ٤٠.
(٤) سورة المؤمنون: ٢٧. [.....]
(٢) سورة الإسراء: ٢٣.
(٣) سورة هود: ٤٠.
(٤) سورة المؤمنون: ٢٧. [.....]
10
وقال في ذكر عصا موسى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى «١»، وقال في موضع آخر: ثُعْبانٌ مُبِينٌ «٢» ونحوها.
وإن بعضهم قال: «المحكم: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه».
«والمتشابه: ما ليس لأحد الى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه» وذلك نحو الخبر عن وقت خروج الدجّال، ونزول عيسى، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدّنيا، ومحوها.
وقال أبو فاختة: «المحكمات التي هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فواتح السور منها يستخرج القرآن الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ «٣» منها استخرجت البقرة، والم اللَّهُ «٤» استخرجت آل عمران.
وقال ابن كيسان: «المحكمات حجتها واضحة، ودلائلها لائحة، لا حاجة بمن سمعها الى طلب معانيها في المتشابه الذي شك علمه، بالنظر فيه يعرف العوّام تفصيل الحق فيه من الباطل».
وقال بعضهم: «المحكم ما أجمع على تأويله، والمتشابه ما ليس معناه واضح».
وقال أبو عثمان: المحكم فاتحة الكتاب.
وقال الشعبي: رأيت في بعض التفاسير «٥» أنّ المتشابه هو [ما خفي لفظه والمحكم ما كان لفظه واضح وعلى هذا القرآن كلّه] «٦» محكم من وجه على معنى [بشدّة] [.....] «٧»، قال الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ «٨».
والمتشابه من وجه فهو إنّه يشبه بعضه بعضا في الحسن ويصدق بعضه بعضا.
وقال ابن عبّاس في رواية شاذان: المتشابه حروف التهجّي في أوائل السّور، وذلك
بأنّ حكام اليهود هم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف ونظراءهما أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له حيي:
وإن بعضهم قال: «المحكم: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه».
«والمتشابه: ما ليس لأحد الى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه» وذلك نحو الخبر عن وقت خروج الدجّال، ونزول عيسى، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدّنيا، ومحوها.
وقال أبو فاختة: «المحكمات التي هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فواتح السور منها يستخرج القرآن الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ «٣» منها استخرجت البقرة، والم اللَّهُ «٤» استخرجت آل عمران.
وقال ابن كيسان: «المحكمات حجتها واضحة، ودلائلها لائحة، لا حاجة بمن سمعها الى طلب معانيها في المتشابه الذي شك علمه، بالنظر فيه يعرف العوّام تفصيل الحق فيه من الباطل».
وقال بعضهم: «المحكم ما أجمع على تأويله، والمتشابه ما ليس معناه واضح».
وقال أبو عثمان: المحكم فاتحة الكتاب.
وقال الشعبي: رأيت في بعض التفاسير «٥» أنّ المتشابه هو [ما خفي لفظه والمحكم ما كان لفظه واضح وعلى هذا القرآن كلّه] «٦» محكم من وجه على معنى [بشدّة] [.....] «٧»، قال الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ «٨».
والمتشابه من وجه فهو إنّه يشبه بعضه بعضا في الحسن ويصدق بعضه بعضا.
وقال ابن عبّاس في رواية شاذان: المتشابه حروف التهجّي في أوائل السّور، وذلك
بأنّ حكام اليهود هم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف ونظراءهما أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له حيي:
(١) سورة طه: ٢٠.
(٢) سورة الأعراف: ١٠٧.
(٣) سورة البقرة: ١. ٢.
(٤) سورة آل عمران: ١. ٢.
(٥) راجع تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٤٢، عن تفسير الماوردي، وتفسير القرطبي: ٤/ ١٠.
(٦) زيادة منّا لتقويم المعنى.
(٧) كلمة غير مقروءة.
(٨) سورة هود: ١.
(٢) سورة الأعراف: ١٠٧.
(٣) سورة البقرة: ١. ٢.
(٤) سورة آل عمران: ١. ٢.
(٥) راجع تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٤٢، عن تفسير الماوردي، وتفسير القرطبي: ٤/ ١٠.
(٦) زيادة منّا لتقويم المعنى.
(٧) كلمة غير مقروءة.
(٨) سورة هود: ١.
11
بلغنا أنّه أنزل عليك (الم) أأنزلت عليك؟ قال: نعم، فإن كان ذلك حقّا فإنّي أعلم من هلك بأمّتك وهو إحدى وسبعون سنة فهل أنزلت عليك غيرها؟ قال: نعم والى المص «١»، قال: هذه أكبر من تلك هي إحدى وستون ومائة سنة فربما غيرها؟ قال: نعم الر «٢» قال: هذه أكثر من مائة وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليلة؟ ونحن ممّن لا يؤمن بهذا
، فأنزل تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي ميل عن الحق، وقيل: شك.
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: اختلفوا في معنى هذه الآية،
فقال الربيع: هم وفد نجران خاصموا النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: ألست تعلم أنّه كلمة الله وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قال: بلى، قالوا: فحسبنا ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: هم اليهود [أجهل] هذه الأمّة باستخراجه بحساب الجمل. وقال ابن جري:
هم المنافقون.
[قال] الحسن: هم الخوارج.
وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ قال: إن لم يكونوا آخرون فالسبابيّة ولا أدري من هم.
وقال بعضهم: هم جميع المحدثة.
وروي حمّاد بن سلمة وأبو الوليد يزيد بن أبي ميثم وأبوه جميعا عن عبد الله بن أبي مليكة الفتح عن عائشة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الّذين يسألون عمّا تَشابَهَ مِنْهُ ويجادلون فيه الّذين عنى الله عزّ وجلّ فاحذروهم ولا تخالطوهم [٦] «٣».
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ: طلب الشرك قاله الربيع، والسدي، وابن الزبير، ومجاهد: ابتغاء الشبهات واللبس ليضلّوا بها جهّالهم.
وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ: تفسيره وعلمه دليله قوله تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً «٤».
وقيل: ابتغاء عاقبته، وطلب مدة أجل محمّد، وأمته من حساب الجمل، دليله قوله تعالى
، فأنزل تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي ميل عن الحق، وقيل: شك.
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: اختلفوا في معنى هذه الآية،
فقال الربيع: هم وفد نجران خاصموا النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: ألست تعلم أنّه كلمة الله وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قال: بلى، قالوا: فحسبنا ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: هم اليهود [أجهل] هذه الأمّة باستخراجه بحساب الجمل. وقال ابن جري:
هم المنافقون.
[قال] الحسن: هم الخوارج.
وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ قال: إن لم يكونوا آخرون فالسبابيّة ولا أدري من هم.
وقال بعضهم: هم جميع المحدثة.
وروي حمّاد بن سلمة وأبو الوليد يزيد بن أبي ميثم وأبوه جميعا عن عبد الله بن أبي مليكة الفتح عن عائشة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الّذين يسألون عمّا تَشابَهَ مِنْهُ ويجادلون فيه الّذين عنى الله عزّ وجلّ فاحذروهم ولا تخالطوهم [٦] «٣».
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ: طلب الشرك قاله الربيع، والسدي، وابن الزبير، ومجاهد: ابتغاء الشبهات واللبس ليضلّوا بها جهّالهم.
وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ: تفسيره وعلمه دليله قوله تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً «٤».
وقيل: ابتغاء عاقبته، وطلب مدة أجل محمّد، وأمته من حساب الجمل، دليله قوله تعالى
(١) سورة الأعراف: ١.
(٢) سورة يونس: ١.
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ٩ بتفاوت، وتفسير الدرّ المنثور: ٢/ ٥، من طرق كلّها متفاوتة.
(٤) سورة الكهف: ٧٨.
(٢) سورة يونس: ١.
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ٩ بتفاوت، وتفسير الدرّ المنثور: ٢/ ٥، من طرق كلّها متفاوتة.
(٤) سورة الكهف: ٧٨.
12
ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا «١» أي عاقبته، وأصله من قول العرب: تأول الفتى إذا انتهى.
قال: الأعشى:
على أنّها كانت تأوّل حبها... تأوّل ربعي السقاب فأصحبا «٢»
يقول: هذا السجي لها فانقرت لها وابتغتها، قال الله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واختلف العلماء في نظم هذه الآية وحكمها.
فقال قوم: الواو في قوله الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو العطف، يعني أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم يقولون: آمَنَّا بِهِ.
وهو قول مجاهد والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، واختيار القتيبي قالوا: معناها يعلمونه ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فيكون قوله: يَقُولُونَ، حالا والمعنى: الراسخون في العلم قائلين آمنّا به.
قال ابن المفرغ الحميري:
أضربت حبك من امامه... من بعد أيام برامه
الريح تبكي شجوها... والبرق يلمع في الغمامة «٣»
أراد والبرق لا معا في غمامه وتبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الريح في البكاء لم يكن لذكر البرق ولمعانه معنى.
ودليل هذا التأويل قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «٤». ثم قال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ «٥» الآية.
ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ «٦» : أي والذين تبؤوا الدار، ثم قال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثم أخبر عنهم أنّهم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا «٧» الآية.
ولا شك في أنّ قوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ عطف على قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
قال: الأعشى:
على أنّها كانت تأوّل حبها... تأوّل ربعي السقاب فأصحبا «٢»
يقول: هذا السجي لها فانقرت لها وابتغتها، قال الله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واختلف العلماء في نظم هذه الآية وحكمها.
فقال قوم: الواو في قوله الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو العطف، يعني أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم يقولون: آمَنَّا بِهِ.
وهو قول مجاهد والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، واختيار القتيبي قالوا: معناها يعلمونه ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فيكون قوله: يَقُولُونَ، حالا والمعنى: الراسخون في العلم قائلين آمنّا به.
قال ابن المفرغ الحميري:
أضربت حبك من امامه... من بعد أيام برامه
الريح تبكي شجوها... والبرق يلمع في الغمامة «٣»
أراد والبرق لا معا في غمامه وتبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الريح في البكاء لم يكن لذكر البرق ولمعانه معنى.
ودليل هذا التأويل قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «٤». ثم قال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ «٥» الآية.
ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ «٦» : أي والذين تبؤوا الدار، ثم قال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثم أخبر عنهم أنّهم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا «٧» الآية.
ولا شك في أنّ قوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ عطف على قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
(١) سورة النساء: ٥٩.
(٢) الربعي: نتاج الربيع، وأصحب الرجل: إذا بلغ ابنه، والبيت في تفسير الطبري: ٣/ ٢٥٠. [.....]
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ١٧، واحكام القرآن للجصّاص: ٢/ ٧.
(٤) سورة البقرة: ١٧٧.
(٥) سورة الحشر: ٨.
(٦) سورة الحشر: ٩.
(٧) سورة الحشر: ١٠.
(٢) الربعي: نتاج الربيع، وأصحب الرجل: إذا بلغ ابنه، والبيت في تفسير الطبري: ٣/ ٢٥٠. [.....]
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ١٧، واحكام القرآن للجصّاص: ٢/ ٧.
(٤) سورة البقرة: ١٧٧.
(٥) سورة الحشر: ٨.
(٦) سورة الحشر: ٩.
(٧) سورة الحشر: ١٠.
13
، وانّهم يشاركون للفقراء المهاجرين والأنصار في الفيء ويَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا من جملة الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ. فمعنى الآية وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وهم مع استحقاقهم الفيء يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا «١» أي قائلين على الحال. فكذلك هاهنا في يَقُولُونَ رَبَّنا أي ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ.
ومما يؤيد هذا القول أنّ الله تعالى لم ينزل كتابه إلّا لينتفع له مبارك، ويدل عليه على المعنى الذي اراده فقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ «٢»، وقال: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ «٣».
والمبين الظاهر، وقال: بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ «٤». فوصف جميعه بالتفصيل والتبيين وقال:
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «٥».
ولا يجوز أن تبيّن ما لا يعلم، وإذا جاز أن يعرفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع قوله لا يعلمه إلّا الله، جاز أن يعرفه الربانيون من أصحابه.
وقال: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ «٦» ولا تؤمر باتّباع ما لا يعلم ولأنّه لو لم يكن للراسخين في العلم هذا لم يكن لهم على المعلمين والجهال فضل لأنهم ايضا يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا: ولأنّا لم نر من المفسرين على هذه الغاية [قوما] يوفقوا عن شيء من تفسير القرآن وقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلّا الله، بل أعزوه كله وفسروه حتى حروف التهجي وغيرها.
وكان ابن عباس يقول: في هذه الآية: أنا من الراسخين في العلم.
وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممّن يعلم تأويله.
وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلم ولا أعلم أربعة: غِسْلِينٍ، وحَناناً، والأوّاه، والترقيم. وهذا إنّما قال ابن عباس في وقت ثم علمها بعد ذلك وفسّرها.
وقال آخرون: الواو في قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو الاستئناف وتم الكلام، وانقطع عند قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. ثم ابتدأ وقال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌ
ومما يؤيد هذا القول أنّ الله تعالى لم ينزل كتابه إلّا لينتفع له مبارك، ويدل عليه على المعنى الذي اراده فقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ «٢»، وقال: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ «٣».
والمبين الظاهر، وقال: بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ «٤». فوصف جميعه بالتفصيل والتبيين وقال:
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «٥».
ولا يجوز أن تبيّن ما لا يعلم، وإذا جاز أن يعرفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع قوله لا يعلمه إلّا الله، جاز أن يعرفه الربانيون من أصحابه.
وقال: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ «٦» ولا تؤمر باتّباع ما لا يعلم ولأنّه لو لم يكن للراسخين في العلم هذا لم يكن لهم على المعلمين والجهال فضل لأنهم ايضا يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا: ولأنّا لم نر من المفسرين على هذه الغاية [قوما] يوفقوا عن شيء من تفسير القرآن وقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلّا الله، بل أعزوه كله وفسروه حتى حروف التهجي وغيرها.
وكان ابن عباس يقول: في هذه الآية: أنا من الراسخين في العلم.
وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممّن يعلم تأويله.
وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلم ولا أعلم أربعة: غِسْلِينٍ، وحَناناً، والأوّاه، والترقيم. وهذا إنّما قال ابن عباس في وقت ثم علمها بعد ذلك وفسّرها.
وقال آخرون: الواو في قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو الاستئناف وتم الكلام، وانقطع عند قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. ثم ابتدأ وقال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌ
(١) سورة الحشر: ١٠.
(٢) سورة ص: ٢٩.
(٣) سورة الشعراء: ١٩٥.
(٤) سورة الأعراف: ٥٢.
(٥) سورة النحل: ٤٤.
(٦) سورة الأعراف: ٣.
(٢) سورة ص: ٢٩.
(٣) سورة الشعراء: ١٩٥.
(٤) سورة الأعراف: ٥٢.
(٥) سورة النحل: ٤٤.
(٦) سورة الأعراف: ٣.
14
مِنْ عِنْدِ رَبِّنا... وَالرَّاسِخُونَ أبتداء وخبره في يَقُولُونَ، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير، ورواية طاوس عن ابن عباس، واختيار الكسائي والفراء والمفضّل بن سلمة ومحمد بن جرير قالوا: إنّ الراسخين لا يعلمون تأويله، ولكنهم يؤمنون به. والآية راجعة على هذا التأويل الى العلم بما في أجل هذه الأمة ووقت قيام الساعة، وفناء الدنيا، ووقت طلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، وعلم الروح ونحوها مما استأثر الله لعلمه ولم يطلع عليه أحد من خلقه.
وقال بعضهم: [اعلم أنّ المتشابه من الكتاب قد] «١» أستأثر الله بعلمه دوننا، ونفسّره نحن، ولم نتعبد بذلك. بل ألزمنا العمل بأوامره واجتناب نواهيه، ومما يصدّق هذا القول قراءة عبد «٢» الله أنّ تأويله لا يعلم إلّا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به.
وفي حرف [] «٣» الراسخون في العلم آمنّا به.
ودليله أيضا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، إنّه قرأ هذه الآية ثم قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن الى أن قالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا «٤».
وقال أبو نهيك الأسدي: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعة وهذا القول أقيس العربيّة وأشبه مظاهر الآية والقصة والله أعلم.
والرَّاسِخُونَ: الداخلون في العلم الذين أتقنوا علمهم، واستنبطوه فلا يدخلهم في معرفتهم شك، وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته وأوجب فيه يقال: (رسخ الإيمان في القلب فلان) فهو يرسخ رسخا ورسوخا وكذلك في كل شيء ورسخ رصخ، وهذا كما يقال: مسلوخ ومصلوخ قال الشاعر:
وقال بعض المفسّرين من العلماء: الراسخون علما: مؤمني أهل الكتاب، مثل عبد الله بن سلام و [ابن صوريا وكعب].
[قيل:] الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هم بعض الدارسين علم التوراة.
وروي عن أنس بن مالك [وأبي الدرداء وأبي أمامة] : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل من
وقال بعضهم: [اعلم أنّ المتشابه من الكتاب قد] «١» أستأثر الله بعلمه دوننا، ونفسّره نحن، ولم نتعبد بذلك. بل ألزمنا العمل بأوامره واجتناب نواهيه، ومما يصدّق هذا القول قراءة عبد «٢» الله أنّ تأويله لا يعلم إلّا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به.
وفي حرف [] «٣» الراسخون في العلم آمنّا به.
ودليله أيضا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، إنّه قرأ هذه الآية ثم قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن الى أن قالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا «٤».
وقال أبو نهيك الأسدي: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعة وهذا القول أقيس العربيّة وأشبه مظاهر الآية والقصة والله أعلم.
والرَّاسِخُونَ: الداخلون في العلم الذين أتقنوا علمهم، واستنبطوه فلا يدخلهم في معرفتهم شك، وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته وأوجب فيه يقال: (رسخ الإيمان في القلب فلان) فهو يرسخ رسخا ورسوخا وكذلك في كل شيء ورسخ رصخ، وهذا كما يقال: مسلوخ ومصلوخ قال الشاعر:
| لقد رسخت في القلب منك مودة | للنبي أبت آياتها أن تغيرا «٥» |
[قيل:] الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هم بعض الدارسين علم التوراة.
وروي عن أنس بن مالك [وأبي الدرداء وأبي أمامة] : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل من
(١) عن تفسير القرطبي: ٤/ ١٨.
(٢) في معاني القرآن للنحاس أنّها قراءة ابن عباس (١/ ٣٥١).
(٣) كلمة غير مقروءة في المخطوط. [.....]
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٢٤٩.
(٥) تفسير القرطبي: ٤/ ١٩ وفيه: الصدر، بدل القلب.
(٢) في معاني القرآن للنحاس أنّها قراءة ابن عباس (١/ ٣٥١).
(٣) كلمة غير مقروءة في المخطوط. [.....]
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٢٤٩.
(٥) تفسير القرطبي: ٤/ ١٩ وفيه: الصدر، بدل القلب.
15
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ
ﰇ
ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ
ﰈ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰉ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ﰊ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰋ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﰌ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰍ
الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟ فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه واستقام قلبه، وعف بطنه وفرجه، فذلك الراسخ في العلم» [٧] «١».
وقال وهيب: سمعت مالك بن أنس يسأل عن تفسير قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من هم؟ قال: العالم العامل بما علم تبع له.
وقال نافع بن يزيد: كما أن يقال الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ المؤمنون بالله، المتذللون في طلب مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا [يحقّرون] من دونهم «٢».
وقال بعضهم: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: من وجد في عمله أربعة أشياء:
التقوى بينه وبين الله تعالى، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه «٣».
وقال ابن عباس ومجاهد والسدي بقولهم: (آمَنَّا بِهِ) سمّاهم الله تعالى: الراسخين في العلم فرسوخهم في العلم قولهم: آمَنَّا بِهِ أي بالمتشابه كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، ما علمناه وما لم نعلمه.
قال المبرد: زعم بعض الناس أن (عِنْدِ) هاهنا صلة ومعناه كل من ربّنا. وَما يَذَّكَّرُ:
يتعظ بما في القرآن.
إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ: ذووا العقول ولبّ كل شيء خالصه [فلذلك قيل للعقل لب].
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨ الى ١٤]
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢)
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا: أي ويقول الراسخون كقوله في آخر السورة: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
وقال وهيب: سمعت مالك بن أنس يسأل عن تفسير قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من هم؟ قال: العالم العامل بما علم تبع له.
وقال نافع بن يزيد: كما أن يقال الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ المؤمنون بالله، المتذللون في طلب مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا [يحقّرون] من دونهم «٢».
وقال بعضهم: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: من وجد في عمله أربعة أشياء:
التقوى بينه وبين الله تعالى، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه «٣».
وقال ابن عباس ومجاهد والسدي بقولهم: (آمَنَّا بِهِ) سمّاهم الله تعالى: الراسخين في العلم فرسوخهم في العلم قولهم: آمَنَّا بِهِ أي بالمتشابه كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، ما علمناه وما لم نعلمه.
قال المبرد: زعم بعض الناس أن (عِنْدِ) هاهنا صلة ومعناه كل من ربّنا. وَما يَذَّكَّرُ:
يتعظ بما في القرآن.
إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ: ذووا العقول ولبّ كل شيء خالصه [فلذلك قيل للعقل لب].
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨ الى ١٤]
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢)
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا: أي ويقول الراسخون كقوله في آخر السورة: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
(١) المعجم الكبير: ٨/ ١٥٢، وتفسير الطبري: ٣/ ٢٥١.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٦.
(٣) فغني المحتاج: ٣/ ٦٠.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٦.
(٣) فغني المحتاج: ٣/ ٦٠.
16
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا «١» أي ويقولون ربنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا لا تملها عن الحق والهدى، كما ازغت قلوب اليهود والنصارى، والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ.
يقال: زاغ- يزيغ- ازاغة إذا مال.
وزاغ- تزيغ- زيغا- وزيوغا- وزيغانا إذا حال.
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا: وفقنا لدينك، والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك.
وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً: وآتنا من لدنك رحمة وتوفيقا وتثبيتا للذي نحن عليه من الهدى والإيمان.
وقال الضحاك: تجاوزا ومغفرة الصّدق [.....] «٢» على شرط السنة.
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: تعطي. وفي الآية ردّ على القدرية.
وروي عن أسماء بنت يزيد: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه: «اللهم [يا] مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» [٨] «٣».
قالت: فقلت: يا رسول الله وإنّ القلوب لتقلب؟. قال: نعم ما خلق الله من بني آدم من بشر إلّا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ فإن شاء أزاغه، وإن شاء أقامه على الحق، فنسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنّه هو الوهاب «٤».
قالت: قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟
قال: بلى قولي: «اللهم ربّ محمّد النبي، اغفر لي ذنبي، واذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتني» [٩] «٥».
وعن أبي موسى الأشعري قال: وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض «٦».
خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ قلب ابن آدم مثل العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات «٧».
يقال: زاغ- يزيغ- ازاغة إذا مال.
وزاغ- تزيغ- زيغا- وزيوغا- وزيغانا إذا حال.
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا: وفقنا لدينك، والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك.
وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً: وآتنا من لدنك رحمة وتوفيقا وتثبيتا للذي نحن عليه من الهدى والإيمان.
وقال الضحاك: تجاوزا ومغفرة الصّدق [.....] «٢» على شرط السنة.
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ: تعطي. وفي الآية ردّ على القدرية.
وروي عن أسماء بنت يزيد: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه: «اللهم [يا] مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» [٨] «٣».
قالت: فقلت: يا رسول الله وإنّ القلوب لتقلب؟. قال: نعم ما خلق الله من بني آدم من بشر إلّا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عزّ وجلّ فإن شاء أزاغه، وإن شاء أقامه على الحق، فنسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنّه هو الوهاب «٤».
قالت: قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟
قال: بلى قولي: «اللهم ربّ محمّد النبي، اغفر لي ذنبي، واذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتني» [٩] «٥».
وعن أبي موسى الأشعري قال: وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض «٦».
خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ قلب ابن آدم مثل العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات «٧».
(١) سورة آل عمران: ١٩١.
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) مسند أحمد: ٦/ ٣٠٢.
(٤) إلى هنا الحديث في تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٦.
(٥) مسند أحمد: ٦/ ٣٠٢.
(٦) الدرّ المنثور: ٢/ ٨.
(٧) المصدر السابق.
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) مسند أحمد: ٦/ ٣٠٢.
(٤) إلى هنا الحديث في تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٦.
(٥) مسند أحمد: ٦/ ٣٠٢.
(٦) الدرّ المنثور: ٢/ ٨.
(٧) المصدر السابق.
17
رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ: [بالبعث ليوم القيامة] «١» وقيل: اللام بمعنى في أيّ يوم.
لا رَيْبَ فِيهِ: لا شك فيه وهو يوم القيامة [... ] «٢» عند ما قرأ الآية [... ] «٣» ولذلك انصرف عن الخطر الى الخبر.
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وهو مفعال من الوعد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ قرأ السلمي (يغني) بالياء المتقدمة من الفعل ودخول [الحائل] بين الاسم والفعل.
وقرأ الحسن (لن يغني) بالياء وسكون الياء الأخيرة «٤» كقول الشاعر:
وكان حقّه أن يقول: كافيا، فأرسل الياء، وأنشد الفرّاء في مثله:
القرق والقرقة لغتان في القاع «٥».
ومعنى قوله (لن يغني) : أي لن ينفع، ولن يدفع وإنما سمى المال غنى لأنه ينفع الناس ويدفع عنهم الفقر والنوائب.
عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً.
قال الكسائي وقال أبو عبيدة: معناه عند الله شيئا، من بمعنى الحال.
أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ نظم الآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ: عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون، وكفّار الأمم الخالية عاقبناهم ف لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ.
وأما معنى كَدَأْبِ: فقال [ابن عباس] وعكرمة ومجاهد والضّحاك وأبو روق والسدّي وابن زيد: كمثل آل فرعون [مع موسى] يقول كعب اليهود: لكفر آل فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
ربيع والكسائي وأبو عبيدة: كسنّة آل فرعون. الأخفش: كأمر آل فرعون.
قال امرؤ القيس:
لا رَيْبَ فِيهِ: لا شك فيه وهو يوم القيامة [... ] «٢» عند ما قرأ الآية [... ] «٣» ولذلك انصرف عن الخطر الى الخبر.
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وهو مفعال من الوعد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ قرأ السلمي (يغني) بالياء المتقدمة من الفعل ودخول [الحائل] بين الاسم والفعل.
وقرأ الحسن (لن يغني) بالياء وسكون الياء الأخيرة «٤» كقول الشاعر:
| كفى باليأس من أسماء كافي | وليس لسقمها إذا طال شافي |
| كأن أيديهنّ بالقاع القرق | أيدي جوار يعاطين الورق |
ومعنى قوله (لن يغني) : أي لن ينفع، ولن يدفع وإنما سمى المال غنى لأنه ينفع الناس ويدفع عنهم الفقر والنوائب.
عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً.
قال الكسائي وقال أبو عبيدة: معناه عند الله شيئا، من بمعنى الحال.
أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ نظم الآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ: عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون، وكفّار الأمم الخالية عاقبناهم ف لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ.
وأما معنى كَدَأْبِ: فقال [ابن عباس] وعكرمة ومجاهد والضّحاك وأبو روق والسدّي وابن زيد: كمثل آل فرعون [مع موسى] يقول كعب اليهود: لكفر آل فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
ربيع والكسائي وأبو عبيدة: كسنّة آل فرعون. الأخفش: كأمر آل فرعون.
قال امرؤ القيس:
(١) عن تفسير الثعالبي: ٢/ ١٣.
(٢) كلمتان غير مقروءتان. [.....]
(٣) كلمتان غير مقروءتان.
(٤) فتح القدير: ١/ ٣٢٠، وتفسير القرطبي: ٤/ ٢١.
(٥) عن تفسير القرطبي: ٤/ ٢٢.
(٢) كلمتان غير مقروءتان. [.....]
(٣) كلمتان غير مقروءتان.
(٤) فتح القدير: ١/ ٣٢٠، وتفسير القرطبي: ٤/ ٢١.
(٥) عن تفسير القرطبي: ٤/ ٢٢.
18
| كدأبك من أم الحويرث قبلها | وجارتها أم الرباب بمأسل «١» |
وأدأب السير أدآبا، فإنّما يرجع معناه الى النّساب والحاك والعادة.
قال الشاعر «٢» :
لأرتحلن بالفجر ثمّ لادئبنّ
قال سيبويه: موضع الكاف رفع لأن الكاف للتشبيه تقوم مقام الاسم، وتقديره: دأبهم كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كدأب الأمم الماضية كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ:
فعاقبهم.
بِذُنُوبِهِمْ: نظيره قوله فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ «٣».
وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ: قرأ إسحاق وثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخلق بالياء فيهما، الباقون بالتاء، فمن قرأهما بالياء فعلى الأخبار عنهم أنّهم يحشرون ويقلبون، ومن قرأهما بالتاء فعلى الخطاب أي قلّ لهم إنكم ستغلبون وتحشرون وكلا الوجهين [صحيح] لأنه لم يوح إليهم، وإذا كان المخاطب بالشيء غير حاضر وكانت مخاطبته [في] الكلام بالتاء على الخطاب، وبالياء على الأخبار والأعلام كما تقول: (قل لغير الله ليضربن ولتضربن).
واختلف المفسرون في المعنى لهذه الآية من هم؟ فقال مقاتل: هم مشركو مكّة، ومعنى الآية قيل لكفّار مكّة: سَتُغْلَبُونَ يوم بدر وَتُحْشَرُونَ في الهجرة،
فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للكافرين يوم بدر: «إنّ الله غالبكم وحاشركم الى جهنّم» [١٠].
دليل التأويل قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ «٤».
وقال بعضهم: المراد بهذه الآية اليهود.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّ يهود أهل المدينة قالوا لمّا هزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمّي الذي بشّرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته
(١) فتح القدير: ١/ ٣٢١.
(٢) وهو زهير راجع تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٤٤ والمعنى: إلّا أن يمنعني ولادة طفل.
(٣) سورة العنكبوت: ٤٠.
(٤) سورة القمر: ٤٥. ٤٦.
(٢) وهو زهير راجع تفسير مجمع البيان: ٢/ ٢٤٤ والمعنى: إلّا أن يمنعني ولادة طفل.
(٣) سورة العنكبوت: ٤٠.
(٤) سورة القمر: ٤٥. ٤٦.
19
وصفته، وأنّه لا تردّ له راية، وأرادوا تصديقه واتّباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى الى وقفة أخرى به، فلمّا كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شكّوا وقالوا: لا والله ما هو به فغلب عليهم الشقاء ولم يسلموا، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد الى مدة لم تنقض فنقضوا ذلك العهد من أجله.
وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا الى أهل مكّة، أبي سفيان وأصحابه، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتكون كلمتنا واحدة، ثم رجعوا الى المدينة، فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله لمّا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا ببدر، وقدم الى المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم قد عرفتم إنّي نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» [١١] «١».
فقالوا: يا محمّد لا يغرنّك أن لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة، لك والله لو قاتلناك لعرف منا البأس، فأنزل الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا «٢» : يعني اليهود سَتُغْلَبُونَ وتهزمون وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ في الآخرة، وهذه رواية عكرمة، وسعيد بن جبير عن أبن عباس.
قال: أهل اللغة اشتقاق جهنّم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر.
وَبِئْسَ الْمِهادُ يعني النار قَدْ كانَ ولم يقل كانت لأنّ (آيَةٌ) تأنيثها غير حقيقي، وقيل: ردّها الى البيان أي: قد كان لكم بيان فذهب الى المعنى وترك اللفظ كقول امرؤ القيس:
برهرهة رأدة رخصة... كخرعوبة البانة المنقطر «٣»
ولم يقل المنفطرة لأنّه ذهب الى القضيب، وقال الفراء: ذكّره لأنّه فرق بينهما بالصفة فلما حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث ذكّر الفعل وأنّثه:
إنّ امرؤا غرّه منكره واحدة بعدي... وبعدك في الدنيا لمغرور
وكل ما جاء في القرآن من هذا النحو، فهذا وجهه، فمعنى الآية قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ: أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول لكم سَتُغْلَبُونَ.
وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا الى أهل مكّة، أبي سفيان وأصحابه، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتكون كلمتنا واحدة، ثم رجعوا الى المدينة، فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وقال محمد بن إسحاق عن رجاله لمّا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا ببدر، وقدم الى المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال: «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم قد عرفتم إنّي نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» [١١] «١».
فقالوا: يا محمّد لا يغرنّك أن لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة، لك والله لو قاتلناك لعرف منا البأس، فأنزل الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا «٢» : يعني اليهود سَتُغْلَبُونَ وتهزمون وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ في الآخرة، وهذه رواية عكرمة، وسعيد بن جبير عن أبن عباس.
قال: أهل اللغة اشتقاق جهنّم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر.
وَبِئْسَ الْمِهادُ يعني النار قَدْ كانَ ولم يقل كانت لأنّ (آيَةٌ) تأنيثها غير حقيقي، وقيل: ردّها الى البيان أي: قد كان لكم بيان فذهب الى المعنى وترك اللفظ كقول امرؤ القيس:
برهرهة رأدة رخصة... كخرعوبة البانة المنقطر «٣»
ولم يقل المنفطرة لأنّه ذهب الى القضيب، وقال الفراء: ذكّره لأنّه فرق بينهما بالصفة فلما حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث ذكّر الفعل وأنّثه:
إنّ امرؤا غرّه منكره واحدة بعدي... وبعدك في الدنيا لمغرور
وكل ما جاء في القرآن من هذا النحو، فهذا وجهه، فمعنى الآية قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ: أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول لكم سَتُغْلَبُونَ.
(١) أسباب نزول الآيات: ٦٢.
(٢) سورة آل عمران: ١٢.
(٣) الصحاح: ١/ ١١٩.
(٢) سورة آل عمران: ١٢.
(٣) الصحاح: ١/ ١١٩.
20
فِي فِئَتَيْنِ: فرقتين وجماعتين وأصلها في الحرب من بعضهم بقي الى بعض.
الْتَقَتا يوم بدر.
فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: طاعة لله وهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه،
وقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، على عدّة أصحاب طالوت الّذين جازوا معه النهر وما جاز معه إلّا مؤمن، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار.
وكان صاحب راية النبي صلّى الله عليه وسلّم والمبارزين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكانت الإبل في جيش النبي صلّى الله عليه وسلّم سبعين بعيرا والخيل فرسين: فرس للمقداد بن عمر الكندي، وفرس لمرثد بن أبي فهد العنزي «١»، وكان معهم من السلاح: ستة أدرع وثمانية سيوف وجميع من أستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلا من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وَأُخْرى وفرقة أخرى كافِرَةٌ: وهم مشركو مكّة ورأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا مقاتلا وكانت خيلهم مائة فرس، وكان حرب بدر مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان سبب ذلك أعين بن سفين، واختلف القرّاء في هذه الآية، قرأها منهم فِئَةٌ بالرفع على معنى منهما فئة أو إحداهما فئة.
وقرأ الزهري بالخفض على البدل من الفئتين.
وقرأ ابن السميقع: فما!، على المدح.
وقرأ مجاهد: يقاتل بالياء ردّه الى القوم وجهان على لفظه، وقرأ الباقون بالتاء.
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ قرأ أبو رجاء وأبو الحرث والحسن، وأبو جعفر، وشيبة ونافع ويعقوب وأيوب بالتاء واختاره أبو حاتم، الباقون بالياء، والباقون ممن قرأ بالتاء بمعناه ترون يا معشر اليهود والكفار أهل مكّة مثلي المسلمين.
ومن قرأ بالياء فاختلف في وجهه فجعل بعضهم الخطاب للمسلمين، ثم له تأويلان أحده:
ما يرى المسلمون المشركين مثلهم في العدد، ثم ظهر العدد القليل على العدد الكثير بخمس أمثال فتلك الآية فإن قيل كذا جاز أن يقول مثليهم وهم قد كانوا ثلاثة أمثالهم، فالجواب أن يقول: هذا مثل وعندك عبد محتاج إليه وإلى مثله، احتاج إلى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة، ويقول: معي ألف وأحتاج الى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة آلاف، فإذا نويت أن يكون الألف داخلا في المثل كان المثل والاثنان ثلاثة.
الْتَقَتا يوم بدر.
فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: طاعة لله وهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه،
وقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، على عدّة أصحاب طالوت الّذين جازوا معه النهر وما جاز معه إلّا مؤمن، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار.
وكان صاحب راية النبي صلّى الله عليه وسلّم والمبارزين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكانت الإبل في جيش النبي صلّى الله عليه وسلّم سبعين بعيرا والخيل فرسين: فرس للمقداد بن عمر الكندي، وفرس لمرثد بن أبي فهد العنزي «١»، وكان معهم من السلاح: ستة أدرع وثمانية سيوف وجميع من أستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلا من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وَأُخْرى وفرقة أخرى كافِرَةٌ: وهم مشركو مكّة ورأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا مقاتلا وكانت خيلهم مائة فرس، وكان حرب بدر مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان سبب ذلك أعين بن سفين، واختلف القرّاء في هذه الآية، قرأها منهم فِئَةٌ بالرفع على معنى منهما فئة أو إحداهما فئة.
وقرأ الزهري بالخفض على البدل من الفئتين.
وقرأ ابن السميقع: فما!، على المدح.
وقرأ مجاهد: يقاتل بالياء ردّه الى القوم وجهان على لفظه، وقرأ الباقون بالتاء.
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ قرأ أبو رجاء وأبو الحرث والحسن، وأبو جعفر، وشيبة ونافع ويعقوب وأيوب بالتاء واختاره أبو حاتم، الباقون بالياء، والباقون ممن قرأ بالتاء بمعناه ترون يا معشر اليهود والكفار أهل مكّة مثلي المسلمين.
ومن قرأ بالياء فاختلف في وجهه فجعل بعضهم الخطاب للمسلمين، ثم له تأويلان أحده:
ما يرى المسلمون المشركين مثلهم في العدد، ثم ظهر العدد القليل على العدد الكثير بخمس أمثال فتلك الآية فإن قيل كذا جاز أن يقول مثليهم وهم قد كانوا ثلاثة أمثالهم، فالجواب أن يقول: هذا مثل وعندك عبد محتاج إليه وإلى مثله، احتاج إلى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة، ويقول: معي ألف وأحتاج الى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة آلاف، فإذا نويت أن يكون الألف داخلا في المثل كان المثل والاثنان ثلاثة.
(١) لعلّه: ابن أبي مرثد.
21
قاله الفرّاء: التأويل الآخر أن معناه يرى المسلمون المشركين مثلي عدد أنفسهم قللهم الله في أعينهم حتى رأتها ستمائة وستة وعشرون، وكانوا ثلاثة أمثالهم تسعمائة وخمسين، ثم قلّلهم في أعينهم في حالة أخرى حتى رأتها مثل عدد أنفسهم.
قال ابن مسعود: في هذه الآية نظرنا الى المشركين فرأيناهم يضاعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا ولا واحدا، ثم قللهم الله في أعينهم حتى رأتهم عددا يسيرا أقل عددا من أنفسهم.
وقال ابن مسعود أيضا: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل الى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفا، وقال بعضهم:
الروية راجحة الى المشركين يعني: يرى المشركون المؤمنين مثليهم قلّلهم الله في أعينهم قبل القتال يعني في أعين المشركين ليجترؤوا عليهم ولا ينصرفوا، فلمّا أخذوا في القتال كثّرهم في أعينهم ليجبنوا وقلّلهم في أعين المؤمنين ليجتروا فذلك قوله: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا «١» الآية.
محمّد أبي الفرات عن سعيد ابن أبي آوس في قوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ قال:
كان المشركون يرون المسلمين مثليهم فلمّا أسروهم سألهم المشركون كم كنتم؟ قالوا: ثلاثمائة وبضعة عشرة، قالوا: ما كنّا نراكم إلّا تضاعفون علينا، قال: وذلك ممّا نصر به المسلمون.
وقرأ السلمي يُرَوْنَهُمْ بضم الياء على ما لم يسمي فاعله وإن شئت على معنى الظن.
رَأْيَ الْعَيْنِ أي في رأي العين نصب ونزع حرف الصفة وإن شئت على المصدر أي ترونهم رأي العين، أي: في نظر العين يقال: رأيت الشيء رأيا ورؤية ورؤيا ثلاث مصادر إلّا أنّ الرؤيا أكثر ما يستعمل في المنام ليفهم في رأى العين بمعنى النظر إذا ذكر.
وقال الأعشى:
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ: يقوي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ: التي ذكرت لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ: لذوي العقول، وقيل: لمن أبصر الجمعين.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ: جمع شهوة وهي نزوع عن النفس إليه، وإنّما حرّكت الهاء في الجمع ليكون فرقا بين جمع الاسم وبين جمع النعت لأنّ النعت لا تحرك نحو: ضخمة،
قال ابن مسعود: في هذه الآية نظرنا الى المشركين فرأيناهم يضاعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا ولا واحدا، ثم قللهم الله في أعينهم حتى رأتهم عددا يسيرا أقل عددا من أنفسهم.
وقال ابن مسعود أيضا: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل الى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفا، وقال بعضهم:
الروية راجحة الى المشركين يعني: يرى المشركون المؤمنين مثليهم قلّلهم الله في أعينهم قبل القتال يعني في أعين المشركين ليجترؤوا عليهم ولا ينصرفوا، فلمّا أخذوا في القتال كثّرهم في أعينهم ليجبنوا وقلّلهم في أعين المؤمنين ليجتروا فذلك قوله: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا «١» الآية.
محمّد أبي الفرات عن سعيد ابن أبي آوس في قوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ قال:
كان المشركون يرون المسلمين مثليهم فلمّا أسروهم سألهم المشركون كم كنتم؟ قالوا: ثلاثمائة وبضعة عشرة، قالوا: ما كنّا نراكم إلّا تضاعفون علينا، قال: وذلك ممّا نصر به المسلمون.
وقرأ السلمي يُرَوْنَهُمْ بضم الياء على ما لم يسمي فاعله وإن شئت على معنى الظن.
رَأْيَ الْعَيْنِ أي في رأي العين نصب ونزع حرف الصفة وإن شئت على المصدر أي ترونهم رأي العين، أي: في نظر العين يقال: رأيت الشيء رأيا ورؤية ورؤيا ثلاث مصادر إلّا أنّ الرؤيا أكثر ما يستعمل في المنام ليفهم في رأى العين بمعنى النظر إذا ذكر.
وقال الأعشى:
| فلما رأى لا قوم من ساعة | من الرأي ما أبصروه وما أكتمن |
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ: جمع شهوة وهي نزوع عن النفس إليه، وإنّما حرّكت الهاء في الجمع ليكون فرقا بين جمع الاسم وبين جمع النعت لأنّ النعت لا تحرك نحو: ضخمة،
(١) سورة الأنفال: ٤٤.
22
ضخمات، وحبلة حبلات، والاسم يحرك مثل: تمرة وتمرات، هو نفقة الجيل ونفقات، فإذا كان ثاني الاسم تاء أو واوا، فأكثر العرب على تسكينها [استثقالا] لتحريك الياء والواو كقولك:
بيضة وبيضات، جوزة وجوزات.
وعن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النّار بالشهوات» [١٢] «١».
مِنَ النِّساءِ: بدأ بهنّ لأنهنّ حبائل الشيطان وأقرب الى الافتان.
وَالْبَنِينَ:
عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للأشعث بن قيس: هل لك من ابنة حمزة من ولد؟ قال: نعم لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني حيلة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن قلت ذلك إنّهم لثمرة القلوب وقرّة الأعين وإنّهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة «٢».
وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ: المال الكثير بعضه على بعض.
ابن كيسان: المال العظيم، أبو عبيدة: تقول العرب هو أن لا يحدّ.
وقال الباقون: فلا محدود، ثم اختلفوا فيه،
فروى أبو صالح عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «القنطار: إثنا عشر ألف أوقية» [١٣] «٣».
وعن يزيد الرقاشي قال: دخلت أنا وثابت وناس معنا الى أنس بن مالك فقلنا له: يا أبا حمزة ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في قيام الليل؟ قال أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ في ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية أعطي قيام ليلة كاملة، ومن قرأ مائتي آية ومعه القرآن فقد أدّى حقّه، ومن قرأ خمسمائة آية الى أن يبلغ ألف آية كان كمن تصدّق بقنطار قبل أن يصبح، قيل: وما القنطار؟ قال: ألف دينار.
سالم بن أبي الجعد عن معاذ بن جبل قال: القنطار ألف ومائتا أوقيّة، وهو قول ابن عمر ومثله
روي زر بن حبيش عن أبي بن كعب: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية» [١٤] «٤».
وروى عطية عن ابن عباس وعبد الله بن عمر عن الحكم عن الضحاك: «إنّ القنطار ألف ومائتا مثقال».
بيضة وبيضات، جوزة وجوزات.
وعن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النّار بالشهوات» [١٢] «١».
مِنَ النِّساءِ: بدأ بهنّ لأنهنّ حبائل الشيطان وأقرب الى الافتان.
وَالْبَنِينَ:
عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للأشعث بن قيس: هل لك من ابنة حمزة من ولد؟ قال: نعم لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني حيلة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن قلت ذلك إنّهم لثمرة القلوب وقرّة الأعين وإنّهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة «٢».
وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ: المال الكثير بعضه على بعض.
ابن كيسان: المال العظيم، أبو عبيدة: تقول العرب هو أن لا يحدّ.
وقال الباقون: فلا محدود، ثم اختلفوا فيه،
فروى أبو صالح عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «القنطار: إثنا عشر ألف أوقية» [١٣] «٣».
وعن يزيد الرقاشي قال: دخلت أنا وثابت وناس معنا الى أنس بن مالك فقلنا له: يا أبا حمزة ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في قيام الليل؟ قال أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ في ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية أعطي قيام ليلة كاملة، ومن قرأ مائتي آية ومعه القرآن فقد أدّى حقّه، ومن قرأ خمسمائة آية الى أن يبلغ ألف آية كان كمن تصدّق بقنطار قبل أن يصبح، قيل: وما القنطار؟ قال: ألف دينار.
سالم بن أبي الجعد عن معاذ بن جبل قال: القنطار ألف ومائتا أوقيّة، وهو قول ابن عمر ومثله
روي زر بن حبيش عن أبي بن كعب: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية» [١٤] «٤».
وروى عطية عن ابن عباس وعبد الله بن عمر عن الحكم عن الضحاك: «إنّ القنطار ألف ومائتا مثقال».
(١) مسند أحمد: ٣/ ١٥٣.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠. [.....]
(٣) مسند أحمد: ٢/ ٣٦٣.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠. [.....]
(٣) مسند أحمد: ٢/ ٣٦٣.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠.
23
ومثله روى يونس عن الحسن عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرسلا.
روي حمزة عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «القنطار ألف دينار» [١٥] «١».
سعيد بن جبير عن عكرمة: هو مائة ألف ومائة من، ومائة [رطل] ومائة مثقال ومائة درهم، ولقد جاء الإسلام يوم جاء [وبمكة] «٢» مائة رجل.
[وعن سفيان عن] إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال: القنطار: مائة رطل «٣».
فقال الحكم: القنطار ما بين السماء والأرض من مال.
أبو نظرة: مسك ثور ذهبا أو فضّة.
سعيد بن المسيّب وقتادة: ثمانون ألفا.
ليث عن مجاهد القنطار: سبعون ألفا.
شريك: أربعون ألف مثقال.
الحسن: القنطار دية أحدكم.
ومثله روى الوالبي عن ابن عباس وجويبر عن الضحّاك قال: إثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار دية أحدكم.
وعن أبي حمزة الثمالي قال: القنطار بلسان أفريقيا والأندلس ثمانية آلاف جروال من ذهب أو فضة.
وروى الثمالي عن السدي قال: أربعة آلاف مثقال.
قال الثعلبي: ورأيت في بعض الكتب أنّ القناطير [مأخوذة من عقد الشيء وإحكامه] وأصلها من الإحكام يقال: قنطرت الشيء إذا أحكمته، ومنه سمّيت القنطرة المقنطرة «٤».
قال الضحاك: الْمُقَنْطَرَةِ: المحصّنة المحكمة.
قتادة: هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض كأنّها المدفونة يقال: قنطر إذا كثر.
السدي: المخزونة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير.
قال الفراء: المضعّفة كأن القنطار ثلاثة والْمُقَنْطَرَةِ تسعة.
روي حمزة عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «القنطار ألف دينار» [١٥] «١».
سعيد بن جبير عن عكرمة: هو مائة ألف ومائة من، ومائة [رطل] ومائة مثقال ومائة درهم، ولقد جاء الإسلام يوم جاء [وبمكة] «٢» مائة رجل.
[وعن سفيان عن] إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال: القنطار: مائة رطل «٣».
فقال الحكم: القنطار ما بين السماء والأرض من مال.
أبو نظرة: مسك ثور ذهبا أو فضّة.
سعيد بن المسيّب وقتادة: ثمانون ألفا.
ليث عن مجاهد القنطار: سبعون ألفا.
شريك: أربعون ألف مثقال.
الحسن: القنطار دية أحدكم.
ومثله روى الوالبي عن ابن عباس وجويبر عن الضحّاك قال: إثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار دية أحدكم.
وعن أبي حمزة الثمالي قال: القنطار بلسان أفريقيا والأندلس ثمانية آلاف جروال من ذهب أو فضة.
وروى الثمالي عن السدي قال: أربعة آلاف مثقال.
قال الثعلبي: ورأيت في بعض الكتب أنّ القناطير [مأخوذة من عقد الشيء وإحكامه] وأصلها من الإحكام يقال: قنطرت الشيء إذا أحكمته، ومنه سمّيت القنطرة المقنطرة «٤».
قال الضحاك: الْمُقَنْطَرَةِ: المحصّنة المحكمة.
قتادة: هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض كأنّها المدفونة يقال: قنطر إذا كثر.
السدي: المخزونة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير.
قال الفراء: المضعّفة كأن القنطار ثلاثة والْمُقَنْطَرَةِ تسعة.
(١) الدرّ المنثور: ٢/ ١٠.
(٢) كذا في المخطوط ولعلّه: والقناطر.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٢٧٣.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠، ونسبه للزجاج.
(٢) كذا في المخطوط ولعلّه: والقناطر.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٢٧٣.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٣٠، ونسبه للزجاج.
24
أبو عبيدة: هو مفعللة من القنطار مثل قولك ألف مؤلّف.
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: قيل سمّي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، والفضّة لأنّه تنفض أي تفرق.
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ: الخيل جمع هو لا واحد له من لفظه. واحده «فرس» كالقوم والنساء والرهط والجيش ونحوها. واختلف العلماء في معنى «الْمُسَوَّمَةِ» فقال مجاهد، وسعيد بن جبير، والربيع: هي الراعية.
ومثله روى عطيّة عن ابن عباس والحسن: هي المرعيّة يقال: سامت الخيل يسوم سوما، فهي سائمة، وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة، وسوّمتها تسويما فهي مسوّمة. قال الله:
فِيهِ تُسِيمُونَ «١».
وفيه قول الأخطل:
يعني: ابن الإبل.
حبيب بن أبي ثابت، وابن أبي نجيع عن مجاهد: المطهّمة الحسان ليث عنها المصوّرة، وعن عكرمة: تسويمها حسنها «٣».
السدّي: هي الرايعة، وكلها بمعنى واحد.
أبو عبيدة، والحسن، والأخفش، والقتيبيّ: المعلّمة. ومثله روى الوالبي عن ابن عباس.
قتادة: شيباتها وألوانها، المؤرّج المكويّة، المبرد: المعرفة في البلدان.
ابن كيسان: اليحلق وكلها قد قسارية وأصلها من السومة، والمسيما وهي العلامة. يقال:
سومت الخيل تسويما إذا علمتها. قال الله تعالى: بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ «٤».
قال النابغة في صفة الخيل:
وقال الأعشى:
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: قيل سمّي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، والفضّة لأنّه تنفض أي تفرق.
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ: الخيل جمع هو لا واحد له من لفظه. واحده «فرس» كالقوم والنساء والرهط والجيش ونحوها. واختلف العلماء في معنى «الْمُسَوَّمَةِ» فقال مجاهد، وسعيد بن جبير، والربيع: هي الراعية.
ومثله روى عطيّة عن ابن عباس والحسن: هي المرعيّة يقال: سامت الخيل يسوم سوما، فهي سائمة، وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة، وسوّمتها تسويما فهي مسوّمة. قال الله:
فِيهِ تُسِيمُونَ «١».
وفيه قول الأخطل:
| مثل ابن بزعة أو كآخر مثله | أولى لك ابن مسيمة الآجال «٢» |
حبيب بن أبي ثابت، وابن أبي نجيع عن مجاهد: المطهّمة الحسان ليث عنها المصوّرة، وعن عكرمة: تسويمها حسنها «٣».
السدّي: هي الرايعة، وكلها بمعنى واحد.
أبو عبيدة، والحسن، والأخفش، والقتيبيّ: المعلّمة. ومثله روى الوالبي عن ابن عباس.
قتادة: شيباتها وألوانها، المؤرّج المكويّة، المبرد: المعرفة في البلدان.
ابن كيسان: اليحلق وكلها قد قسارية وأصلها من السومة، والمسيما وهي العلامة. يقال:
سومت الخيل تسويما إذا علمتها. قال الله تعالى: بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ «٤».
قال النابغة في صفة الخيل:
| بسمر كالقداح مسوّمات | عليها معشر اشبها جنّ «٥» |
| وفرسان الحفاظ بكل ثغر | يقودون المسوّمة العرابا |
(١) سورة النمل: ١٠.
(٢) الأغاني: ٨/ ٣١٩، (دار الكتب المصرية) وفيه: كابن البزيعة.
(٣) فتح القدير: ١/ ٣٢٤.
(٤) سورة آل عمران: ١٢٥.
(٥) جامع البيان للطبري: ٣/ ٢٧٧.
(٢) الأغاني: ٨/ ٣١٩، (دار الكتب المصرية) وفيه: كابن البزيعة.
(٣) فتح القدير: ١/ ٣٢٤.
(٤) سورة آل عمران: ١٢٥.
(٥) جامع البيان للطبري: ٣/ ٢٧٧.
25
وقال ابن زيد وأبان بن ثعلب: المسومة: المعدّة للحرب والجهاد.
قال لبيد:
قال الثعلبي: ورأيت في بعض التفاسير: أنّها الهماليخ.
«صفة خلقها»
روى الحسن بن علي عن أبيه علي (عليه السّلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لما أراد أن يخلق الخلق قال للريح الجنوب: إنّي خالق منك خلقا. فأجعله عزّا لأوليائي، ومذلة على أعدائي، وجمالا لأهل طاعتي، فقال الريح: أخلق. فقبض منها قبضة فخلق فيها فرسا.
فقال له: خلقتك عربيا وجعلت الخير معقودا بناصيتك، والغنائم مجموعة على ظهرك، عطفت عليك صاحبك، وجعلتك تطير بلا جناح، وأنت للطلب وأنت للهرب، وسأجعل على ظهرك رجالا يسبّحوني ويحمدونني، ويهلّلوني ويكبّروني، تسبّحين إذا سبّحوا، وتهلّلين إذا هلّلوا، وتكبّرين إذا كبّروا».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من تسبيحة، وتحميدة وتمجيدة، وتكبيرة يكبّرها صاحبها وتسعه إلّا وتجيبه بمثلها» [١٦] «١».
ثم قال: «لما سمعت الملائكة صفة الفرس عاتبوا خالقها قالت: ربّ نحن ملائكتك نسبّحك، ونحمدك فماذا لنا؟ فخلق الله لها خيلا بلقاء أعناقها كأعناق البخت، قال: فلما أرسل الفرس الى الأرض فاستوت قدماه على الأرض صهل، فقيل: بوركت من دابّة أذلّ بصهيله المشركين، أذل به أعناقهم، أملأ منه آذانهم، وأرعب به قلوبهم.
فلما عرض الله على آدم من كل شيء قال: أختر من خلقي ما شئت، فاختار الفرس. فقال له: اخترت عزّك وعزّ ولدك خالدا ما خلدوا وباقيا ما بقوا. [يلقح فينتج منه أولادك أبد الآبدين] بركتي عليك وعليه ما خلقت خلقا أحبّ الي منك ومنه» [١٧] «٢».
فضلها:
روى أبو صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة» [١٨] «٣».
قال لبيد:
| ولعمري لقد بلي كليب | كلّ قرن مسوّم القتال |
فصل في الخيل
«صفة خلقها»
روى الحسن بن علي عن أبيه علي (عليه السّلام) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لما أراد أن يخلق الخلق قال للريح الجنوب: إنّي خالق منك خلقا. فأجعله عزّا لأوليائي، ومذلة على أعدائي، وجمالا لأهل طاعتي، فقال الريح: أخلق. فقبض منها قبضة فخلق فيها فرسا.
فقال له: خلقتك عربيا وجعلت الخير معقودا بناصيتك، والغنائم مجموعة على ظهرك، عطفت عليك صاحبك، وجعلتك تطير بلا جناح، وأنت للطلب وأنت للهرب، وسأجعل على ظهرك رجالا يسبّحوني ويحمدونني، ويهلّلوني ويكبّروني، تسبّحين إذا سبّحوا، وتهلّلين إذا هلّلوا، وتكبّرين إذا كبّروا».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من تسبيحة، وتحميدة وتمجيدة، وتكبيرة يكبّرها صاحبها وتسعه إلّا وتجيبه بمثلها» [١٦] «١».
ثم قال: «لما سمعت الملائكة صفة الفرس عاتبوا خالقها قالت: ربّ نحن ملائكتك نسبّحك، ونحمدك فماذا لنا؟ فخلق الله لها خيلا بلقاء أعناقها كأعناق البخت، قال: فلما أرسل الفرس الى الأرض فاستوت قدماه على الأرض صهل، فقيل: بوركت من دابّة أذلّ بصهيله المشركين، أذل به أعناقهم، أملأ منه آذانهم، وأرعب به قلوبهم.
فلما عرض الله على آدم من كل شيء قال: أختر من خلقي ما شئت، فاختار الفرس. فقال له: اخترت عزّك وعزّ ولدك خالدا ما خلدوا وباقيا ما بقوا. [يلقح فينتج منه أولادك أبد الآبدين] بركتي عليك وعليه ما خلقت خلقا أحبّ الي منك ومنه» [١٧] «٢».
فضلها:
روى أبو صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة» [١٨] «٣».
(١) الدر المنثور: ٣/ ١٩٥.
(٢) كنز العمّال: ٤/ ٤٦٥، ح ١١٣٨٢، والدرّ المنثور: ٣/ ١٩٥، و: ٤/ ١١١.
(٣) مسند أحمد: ٢/ ٤٩. [.....]
(٢) كنز العمّال: ٤/ ٤٦٥، ح ١١٣٨٢، والدرّ المنثور: ٣/ ١٩٥، و: ٤/ ١١١.
(٣) مسند أحمد: ٢/ ٤٩. [.....]
26
وعن سعيد بن عروبة عن قتادة عن آنس قال: لم يكن شيء أحبّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد النساء من الخيل.
وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليس من فرس عربي إلّا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحبّ ماله وأهله إليه، أو من أحب ماله وأهله إليه» [١٩] «١».
شأنها:
عن أبي وهب الحسيني، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلّم «وارتبطوا الخيل، وامسحوا نواصيها وأكفالها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كميت أغرّ «٢» محجّل أو أشقر محجل، أو أدهم أغرّ محجّل» [٢٠] «٣».
وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال: كان النبي يكره الشكال «٤» من الخيل
، قال أبو عبد الرحمن: الشكال من الخيل أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو يكون ثلاث قوائم مطلقة، ورجل محجلة، وليس تكون الشكال إلا في الرجل «٥».
وروى سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار» [٢١] «٦».
وجوهها:
زيد بن أسلم عن أبي صالح التمار عن أبي هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة:
لرجل أجر، ولرجل ستر. ولرجل وزر، فأما الذي هو له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة، كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرّفن كانت أن آثارها وأرواثها حسنات له. ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقيها منه كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر. ورجل ربطها تقنّنا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها وظهرها فهي لذلك ستر. ورجل ربطها فخرا ورياء ونوى لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر» [٢٢] «٧».
وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليس من فرس عربي إلّا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحبّ ماله وأهله إليه، أو من أحب ماله وأهله إليه» [١٩] «١».
شأنها:
عن أبي وهب الحسيني، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلّم «وارتبطوا الخيل، وامسحوا نواصيها وأكفالها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كميت أغرّ «٢» محجّل أو أشقر محجل، أو أدهم أغرّ محجّل» [٢٠] «٣».
وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال: كان النبي يكره الشكال «٤» من الخيل
، قال أبو عبد الرحمن: الشكال من الخيل أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو يكون ثلاث قوائم مطلقة، ورجل محجلة، وليس تكون الشكال إلا في الرجل «٥».
وروى سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار» [٢١] «٦».
وجوهها:
زيد بن أسلم عن أبي صالح التمار عن أبي هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة:
لرجل أجر، ولرجل ستر. ولرجل وزر، فأما الذي هو له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة، كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرّفن كانت أن آثارها وأرواثها حسنات له. ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقيها منه كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر. ورجل ربطها تقنّنا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها وظهرها فهي لذلك ستر. ورجل ربطها فخرا ورياء ونوى لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر» [٢٢] «٧».
(١) مسند أحمد: ٥/ ١٧٠.
(٢) الأغر: هو ما له غرّة في جبهته بيضاء فوق الدرهم.
(٣) سنن النسائي: ٦/ ٢١٨.
(٤) الشكال: بياض في اليدين أو فقط في اليمنى والرجل اليمنى، وقيل: عكسه في اليسرى.
(٥) نيل الأوطار للشوكاني: ٨/ ٢٥٤.
(٦) مسند أحمد: ٢/ ١٣٦.
(٧) السنن الكبرى: ١٠/ ١٥.
(٢) الأغر: هو ما له غرّة في جبهته بيضاء فوق الدرهم.
(٣) سنن النسائي: ٦/ ٢١٨.
(٤) الشكال: بياض في اليدين أو فقط في اليمنى والرجل اليمنى، وقيل: عكسه في اليسرى.
(٥) نيل الأوطار للشوكاني: ٨/ ٢٥٤.
(٦) مسند أحمد: ٢/ ١٣٦.
(٧) السنن الكبرى: ١٠/ ١٥.
27
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﰎ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﰏ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰐ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰑ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﰒ
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﰓ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰔ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰕ
وعن خباب بن الإرث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل ثلاثة فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان فأمّا فرس الرحمن فما اتخذ في سبيل الله، وقتل عليه أعداء الله، وأما فرس الإنسان فما استبطن ويحمل عليه، واما فرس الشيطان فما روهب ورهن عليه وقومر عليه» [٢٣] «١».
وَالْأَنْعامِ: جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، جمع لا واحد له من لفظه.
وَالْحَرْثِ: يعني الزرع.
ذلِكَ: الذي ذكرت.
مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: لا عتاد المعاد والعقبى.
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ: أي المرجع مفعل من أب، يؤوب أوبا مثل المتاب.
زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن الأرقم وهو يقول لعمر (رضي الله عنه) : يا أمير المؤمنين إنّ عندنا حلية من حلية جلود وآنية من ذهب وفضّة فما رأيك فيها. فقال عمر: إذا رأيتني فارغا فائتني، فقال: يا أمير المؤمنين إنّك اليوم فارغ. قال: فما نطلق معه، فجيء بالمال. فقال: أبسطه قطعا، فبسط ثم جيء بذلك المال وصبّ عليه ثم قال: «اللهم إنّك ذكرت هذه المال فقلت: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «٢» ثم قلت لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ «٣» اللهم إنا لا نستطيع أن لا نفرح بما آتينا، اللهم أنفقه في حق، وأعوذ بك منه، قال: فأتى بابن له يحمله، يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبه هب لي خاتما.
قال: اذهب الى أمك تسقيك سويقا، فلم يعطه شيئا.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥ الى ٢٢]
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)
وَالْأَنْعامِ: جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، جمع لا واحد له من لفظه.
وَالْحَرْثِ: يعني الزرع.
ذلِكَ: الذي ذكرت.
مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: لا عتاد المعاد والعقبى.
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ: أي المرجع مفعل من أب، يؤوب أوبا مثل المتاب.
زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن الأرقم وهو يقول لعمر (رضي الله عنه) : يا أمير المؤمنين إنّ عندنا حلية من حلية جلود وآنية من ذهب وفضّة فما رأيك فيها. فقال عمر: إذا رأيتني فارغا فائتني، فقال: يا أمير المؤمنين إنّك اليوم فارغ. قال: فما نطلق معه، فجيء بالمال. فقال: أبسطه قطعا، فبسط ثم جيء بذلك المال وصبّ عليه ثم قال: «اللهم إنّك ذكرت هذه المال فقلت: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ «٢» ثم قلت لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ «٣» اللهم إنا لا نستطيع أن لا نفرح بما آتينا، اللهم أنفقه في حق، وأعوذ بك منه، قال: فأتى بابن له يحمله، يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبه هب لي خاتما.
قال: اذهب الى أمك تسقيك سويقا، فلم يعطه شيئا.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٥ الى ٢٢]
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)
(١) مجمع الزوائد: ٥/ ٢٦٠.
(٢) سورة آل عمران: ١٤.
(٣) سورة الحديد: ٢٣.
(٢) سورة آل عمران: ١٤.
(٣) سورة الحديد: ٢٣.
28
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ: أخبركم.
بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ: الذي ذكرت تم الكلام هاهنا. ثم ابتدأ فقال: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ: تقع خبر حرف الصلة.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ: قرأ العامة بكسر الراء. وروى أبو بكر عن عاصم: بضم الراء من الرضوان في جميع القرآن وهو لغة قيس وغيلان، وهما لغتان كالعدوان والعدوان والطغيان والطغيان.
زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يقول الله عزّ وجل لأهل الجنة: «يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك والخير في يديك. فيقول:
هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك».
فيقول: «ألا أعطكم أفضل من ذلك» فيقولون: وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ قال: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا» [٢٤] «١».
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن شئت جعلته محل (الَّذِينَ) على الجر ردا على قوله لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «٢». وإن شئت رفعته على الابتداء كقوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ «٣». ثم قال في صفتهم مبتدئا: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ.
رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا صدّقنا.
فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا: أسترها علينا وتجاوزها عنا.
وَقِنا عَذابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ: في أداء الأمر، وعن ارتكاب الزنى وعلى الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ. وان شئت نصبتها وأخواتها على المدح، وإن شئت خفضتها على النعت.
وَالصَّادِقِينَ: في إيمانهم، قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية وَالْقانِتِينَ: المطيعين المصلين.
بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ: الذي ذكرت تم الكلام هاهنا. ثم ابتدأ فقال: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ: تقع خبر حرف الصلة.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ: قرأ العامة بكسر الراء. وروى أبو بكر عن عاصم: بضم الراء من الرضوان في جميع القرآن وهو لغة قيس وغيلان، وهما لغتان كالعدوان والعدوان والطغيان والطغيان.
زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يقول الله عزّ وجل لأهل الجنة: «يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك والخير في يديك. فيقول:
هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك».
فيقول: «ألا أعطكم أفضل من ذلك» فيقولون: وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ قال: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا» [٢٤] «١».
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إن شئت جعلته محل (الَّذِينَ) على الجر ردا على قوله لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «٢». وإن شئت رفعته على الابتداء كقوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ «٣». ثم قال في صفتهم مبتدئا: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ.
رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا صدّقنا.
فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا: أسترها علينا وتجاوزها عنا.
وَقِنا عَذابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ: في أداء الأمر، وعن ارتكاب الزنى وعلى الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ. وان شئت نصبتها وأخواتها على المدح، وإن شئت خفضتها على النعت.
وَالصَّادِقِينَ: في إيمانهم، قال قتادة: هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية وَالْقانِتِينَ: المطيعين المصلين.
(١) صحيح البخاري: ٨/ ٢٠٥، صحيح مسلم: ٨/ ١٤٤.
(٢) سورة آل عمران: ١٥.
(٣) سورة التوبة: ١١١.
(٢) سورة آل عمران: ١٥.
(٣) سورة التوبة: ١١١.
29
وَالْمُنْفِقِينَ: أموالهم في طاعة الله.
وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملكا ينادي: اللهم اعط منفقا خلفا، واعط ممسكا تلفا» [٢٥] «١».
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ: قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، والكلبي والواقدي: يعني المصلين بالأسحار. نظير قوله وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «٢» أي يصلّون.
وقال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي الزهري قال: قلت لزيد بن اسلم: من الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ؟ قال: هم الذين يشهدون الصبح «٣».
وكذلك قال ابن كيسان: يعني صلاة الصّبح في المسجد.
وقال الحسن: صلّوا الصلاة الى السحر ثم استغفروا.
قال نافع: كان ابن عمي يحيي الليل، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة، وإذا قلت: نعم، فيستغفر الله ويدعوا حتى الصبح «٤».
وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر يتهجّد في المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود (رضي الله عنه).
وروى صالح وحماد بن سلمة عن ثابت وأبان وجعفر بن زيد عن أنس بن مالك قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله عزّ وجل يقول: «إني لأهمّ بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت الى عمّار بيوتي والى المتهجدين والى المتحابين فيّ، والى الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ صرفت عنهم» [٢٦] «٥».
محمد بن زاذان عن أم سعد قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة أصوات يحبهم الله عزّ وجلّ صوت الديك، وصوت الذي يقرأ القرآن، وصوت الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» [٢٧] «٦».
حمّاد بن سلمة عن سعيد الجريري قال: بلغنا أنّ داود نبي الله سأل جبرائيل (عليه السلام) : أي الليل أفضل؟ فقال: ما أدري إلا أنّ العرش يهتز من السحر «٧».
وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملكا ينادي: اللهم اعط منفقا خلفا، واعط ممسكا تلفا» [٢٥] «١».
وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ: قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، والكلبي والواقدي: يعني المصلين بالأسحار. نظير قوله وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «٢» أي يصلّون.
وقال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي الزهري قال: قلت لزيد بن اسلم: من الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ؟ قال: هم الذين يشهدون الصبح «٣».
وكذلك قال ابن كيسان: يعني صلاة الصّبح في المسجد.
وقال الحسن: صلّوا الصلاة الى السحر ثم استغفروا.
قال نافع: كان ابن عمي يحيي الليل، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة، وإذا قلت: نعم، فيستغفر الله ويدعوا حتى الصبح «٤».
وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلا في السحر يتهجّد في المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي. فنظرت فإذا هو ابن مسعود (رضي الله عنه).
وروى صالح وحماد بن سلمة عن ثابت وأبان وجعفر بن زيد عن أنس بن مالك قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله عزّ وجل يقول: «إني لأهمّ بأهل الأرض عذابا فإذا نظرت الى عمّار بيوتي والى المتهجدين والى المتحابين فيّ، والى الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ صرفت عنهم» [٢٦] «٥».
محمد بن زاذان عن أم سعد قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة أصوات يحبهم الله عزّ وجلّ صوت الديك، وصوت الذي يقرأ القرآن، وصوت الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» [٢٧] «٦».
حمّاد بن سلمة عن سعيد الجريري قال: بلغنا أنّ داود نبي الله سأل جبرائيل (عليه السلام) : أي الليل أفضل؟ فقال: ما أدري إلا أنّ العرش يهتز من السحر «٧».
(١) صحيح مسلم: ٣/ ٨٤، والمستدرك: ٤/ ٥٥٩، بتفاوت يسير. [.....]
(٢) سورة الذاريات: ١٨.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٢٨٤، وفيه: يرويه يعقوب عن زيد مباشرة.
(٤) مجمع الزوائد: ٩/ ٣٤٧.
(٥) كنز العمّال: ٧/ ٥٧٩، ح ٢٠٣٤٣.
(٦) كنز العمّال: ١٢/ ٣٣٥، ح ٣٥٢٨٥.
(٧) المصنّف لابن أبي شيبة: ٨/ ١١٥، وتاريخ بغداد: ٤/ ٥٤.
(٢) سورة الذاريات: ١٨.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٢٨٤، وفيه: يرويه يعقوب عن زيد مباشرة.
(٤) مجمع الزوائد: ٩/ ٣٤٧.
(٥) كنز العمّال: ٧/ ٥٧٩، ح ٢٠٣٤٣.
(٦) كنز العمّال: ١٢/ ٣٣٥، ح ٣٥٢٨٥.
(٧) المصنّف لابن أبي شيبة: ٨/ ١١٥، وتاريخ بغداد: ٤/ ٥٤.
30
وقال سفيان الثوري: إنّ لله ريحا يقال لها: الصبّحية تهب وقت الأسحار تحمل الأذكار والاستغفار الى الملك الجبّار.
قال سفيان انّه إذا كان من أوّل الليل، نادى مناد: ألا ليقم العابدون، فيقومون فيصلّون ما شاء الله، ثم ينادي منادي في شطر الليل: ليقم القانتون، فيقومون كذلك يصلّون الى السحر.
فإذا كان نادى مناد: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون فيستغفرون، ويقوم آخرون يصلّون فيلحقون بهم. فإذا طلع الفجر نادى مناد: اللهم ليقم الغافلون فيقومون، من فراشهم كأنهم نشروا من قبورهم.
وقال لقمان لابنه: «يا بني لا يكون الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش وكنت اختلف إليه. فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر الى البصرة قام من الليل يتهجد فمر بهذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية. ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قالها مرارا. قلت: لقد سمع. فما شيئا فصلّيت معه وودعته، ثم قلت: آية سمّعتك نردّدها فما بلغك فيها؟ قال: والله لا أحدث بها الى سنة. فلبثت على بابه ذلك اليوم، وأقمت سنة، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد مضت السنة، فقال: حدثنا أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله: عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى بالعهد. أدخلوا عبدي الجنة» [٢٨] «١».
خالد بن زيد عن يزيد الرقاسي عن أنس بن مالك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قرأ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية.. عند منامه خلق الله عزّ وجلّ له سبعين ألف ملك يستغفرون له الى يوم القيامة» [٢٩] «٢».
وعن الزبير بن العوام قال: قلت: لأدنونّ هذه [العشية] من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي عشية عرفه حتى أسمع ما يقول، فحبست ناقتي من ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وناقة رجل كان الى جنبه.
فسمعته يقول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية. فما زال يردّدها حتى دفع.
يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: كان حول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما. فلما نزلت شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية، خرّوا سجّدا.
قال سفيان انّه إذا كان من أوّل الليل، نادى مناد: ألا ليقم العابدون، فيقومون فيصلّون ما شاء الله، ثم ينادي منادي في شطر الليل: ليقم القانتون، فيقومون كذلك يصلّون الى السحر.
فإذا كان نادى مناد: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون فيستغفرون، ويقوم آخرون يصلّون فيلحقون بهم. فإذا طلع الفجر نادى مناد: اللهم ليقم الغافلون فيقومون، من فراشهم كأنهم نشروا من قبورهم.
وقال لقمان لابنه: «يا بني لا يكون الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش وكنت اختلف إليه. فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر الى البصرة قام من الليل يتهجد فمر بهذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية. ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قالها مرارا. قلت: لقد سمع. فما شيئا فصلّيت معه وودعته، ثم قلت: آية سمّعتك نردّدها فما بلغك فيها؟ قال: والله لا أحدث بها الى سنة. فلبثت على بابه ذلك اليوم، وأقمت سنة، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد مضت السنة، فقال: حدثنا أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله: عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى بالعهد. أدخلوا عبدي الجنة» [٢٨] «١».
خالد بن زيد عن يزيد الرقاسي عن أنس بن مالك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من قرأ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية.. عند منامه خلق الله عزّ وجلّ له سبعين ألف ملك يستغفرون له الى يوم القيامة» [٢٩] «٢».
وعن الزبير بن العوام قال: قلت: لأدنونّ هذه [العشية] من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي عشية عرفه حتى أسمع ما يقول، فحبست ناقتي من ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وناقة رجل كان الى جنبه.
فسمعته يقول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية. فما زال يردّدها حتى دفع.
يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: كان حول الكعبة ثلاث مائة وستون صنما. فلما نزلت شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية، خرّوا سجّدا.
(١) مجمع الزوائد: ٦/ ٣٢٦.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٤٢.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٤٢.
31
قال الكلبي: قدم حبران من أهل الشام على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة صفة مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي يخرج آخر الزمان! فلما دخلا على النبي صلّى الله عليه وسلّم عرفاه بالصفة والنعت. فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم. قالا: وأنت أحمد؟ قال: إنا محمد وأحمد قالا: إنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنّا بك وصدّقناك. فقال: بلى. قالا:
أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟ فأنزل الله هذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية.. فأسلم الرجلان.
واختلف القرّاء في هذه الآية. فقرأ أبو نهيك وأبو الشعثاء: شَهِدَ اللَّهُ بالرفع والمدّ على معنى: هم شهداء يعني: الذين مرّ ذكرهم.
وروى المهلّب عن محارب بن دثار: شَهِدَ اللَّهَ منصوبة على الحال والمدح.
وقرأ الآخرون: شَهِدَ اللَّهُ على الفعل أي بيّن لأن الشهادة تبيين.
وقال مجاهد: حكم الله، الفرّاء وأبو عبيدة: قضى الله، المفضّل: لعلم الله.
ابن كيسان: شَهِدَ اللَّهُ بتدبيره العجيب، وصنعه المتقن، وأموره المحكمة من خلقه أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وهذا كقول القائل:
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد... وفي كل شيء له آية تدل على أنّه واحد «١»
وقيل لبعض الأعراب: ما الدليل على أنّ للعالم صانعا؟
فقال: إنّ البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، وهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلّان على الصانع الخبير.
قال ابن عباس: «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، وشهد بنفسه لنفسه قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا برّ ولا بحر، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» [٣٠].
وقرأ ابن مسعود: (أنّ لا آله إلا هو... )
وقرأ ابن عباس: شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: بكسر الألف جعله خبرا مستأنفا معترضا في الكلام على توهم الفاء، كأنه قال: فإنّه لا إله إلّا هو، قاله أبو عبيدة والمفضّل، وقال بعضهم: كسره لأن الشهادة قول وما بعد القول يكون مكسورا على الحكاية فتقديره قال الله:
أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
وَالْمَلائِكَةُ: قال المفضّل: معنى شهادة الله للإخبار والإعلام، ومعنى شهادة ملائكة
أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟ فأنزل الله هذه الآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الآية.. فأسلم الرجلان.
واختلف القرّاء في هذه الآية. فقرأ أبو نهيك وأبو الشعثاء: شَهِدَ اللَّهُ بالرفع والمدّ على معنى: هم شهداء يعني: الذين مرّ ذكرهم.
وروى المهلّب عن محارب بن دثار: شَهِدَ اللَّهَ منصوبة على الحال والمدح.
وقرأ الآخرون: شَهِدَ اللَّهُ على الفعل أي بيّن لأن الشهادة تبيين.
وقال مجاهد: حكم الله، الفرّاء وأبو عبيدة: قضى الله، المفضّل: لعلم الله.
ابن كيسان: شَهِدَ اللَّهُ بتدبيره العجيب، وصنعه المتقن، وأموره المحكمة من خلقه أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وهذا كقول القائل:
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد... وفي كل شيء له آية تدل على أنّه واحد «١»
وقيل لبعض الأعراب: ما الدليل على أنّ للعالم صانعا؟
فقال: إنّ البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، وهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة أما يدلّان على الصانع الخبير.
قال ابن عباس: «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، وشهد بنفسه لنفسه قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا برّ ولا بحر، فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» [٣٠].
وقرأ ابن مسعود: (أنّ لا آله إلا هو... )
وقرأ ابن عباس: شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: بكسر الألف جعله خبرا مستأنفا معترضا في الكلام على توهم الفاء، كأنه قال: فإنّه لا إله إلّا هو، قاله أبو عبيدة والمفضّل، وقال بعضهم: كسره لأن الشهادة قول وما بعد القول يكون مكسورا على الحكاية فتقديره قال الله:
أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
وَالْمَلائِكَةُ: قال المفضّل: معنى شهادة الله للإخبار والإعلام، ومعنى شهادة ملائكة
(١) تفسير الثعالبي: ٢/ ١٤٩.
32
الله والمؤمنين الإقرار كقوله: الُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
«١» أي أقررنا فنسق شهادة الملائكة، وَأُولُوا الْعِلْمِ على شهادة الله تعالى.
والشهادتان مختلفتان معنى لا لفظا كقوله عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ «٢» والصلاة من الله «الرحمة» ومن الملائكة «الاستغفار والدعاء»، وَأُولُوا الْعِلْمِ: يعني الأنبياء (عليهم السلام).
وقال ابن كيسان: يعني المهاجرين والأنصار.
مقاتل: مؤمني أهل الكتاب، عبد الله بن سلام: وأصحابه: نظيره قوله: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «٣»، وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «٤».
وقال السدي والكلبي: يعني علماء المؤمنين كلهم. فقرّب الله تعالى شهادة العلماء بشهادته لأن العلم صفة الله العليا ونعته العظمى. والعلماء أعلام الإسلام والسابقون الى دار السلام وسرج الأمكنة وحجج الأزمنة.
وروى صفوان عن سليم عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ساعة من عالم متّكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما» [٣١] «٥».
المسيب بن شريك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه لله حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وتذكره لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل الجنة والنار، والأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، والميراث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء، والقرب عند الغرباء، يرفع الله به أقواما ويجعلهم في الخير قادة يقتدى بهم، ويبيّن آثارهم، ويرموا أعمالهم، وينهى الى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتهم تستغفر لهم، وكل رطب ويابس يستغفر لهم حتى حيتان البحر وسباع الأرض وأنعامها والسماء ونجومها، ألا فإن العلم خير أنقاب عن الصمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأحرار، ومجالس الملوك، والفكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام، به يعرف الحلال والحرام، وبه توصّل الأرحام، إمام العمل والعقل تابعه، يلهم السعد أو يحرم إذا شقي» [٣٢] «٦».
«١» أي أقررنا فنسق شهادة الملائكة، وَأُولُوا الْعِلْمِ على شهادة الله تعالى.
والشهادتان مختلفتان معنى لا لفظا كقوله عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ «٢» والصلاة من الله «الرحمة» ومن الملائكة «الاستغفار والدعاء»، وَأُولُوا الْعِلْمِ: يعني الأنبياء (عليهم السلام).
وقال ابن كيسان: يعني المهاجرين والأنصار.
مقاتل: مؤمني أهل الكتاب، عبد الله بن سلام: وأصحابه: نظيره قوله: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «٣»، وقوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «٤».
وقال السدي والكلبي: يعني علماء المؤمنين كلهم. فقرّب الله تعالى شهادة العلماء بشهادته لأن العلم صفة الله العليا ونعته العظمى. والعلماء أعلام الإسلام والسابقون الى دار السلام وسرج الأمكنة وحجج الأزمنة.
وروى صفوان عن سليم عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ساعة من عالم متّكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما» [٣١] «٥».
المسيب بن شريك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه لله حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وتذكره لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل الجنة والنار، والأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، والميراث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء، والقرب عند الغرباء، يرفع الله به أقواما ويجعلهم في الخير قادة يقتدى بهم، ويبيّن آثارهم، ويرموا أعمالهم، وينهى الى رأيهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتهم تستغفر لهم، وكل رطب ويابس يستغفر لهم حتى حيتان البحر وسباع الأرض وأنعامها والسماء ونجومها، ألا فإن العلم خير أنقاب عن الصمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأحرار، ومجالس الملوك، والفكر فيه يعدل بالصيام ومدارسته بالقيام، به يعرف الحلال والحرام، وبه توصّل الأرحام، إمام العمل والعقل تابعه، يلهم السعد أو يحرم إذا شقي» [٣٢] «٦».
(١) سورة الأنعام: ١٣٠.
(٢) سورة الأحزاب: ٥٦.
(٣) سورة الإسراء: ١٠٧.
(٤) سورة الرعد: ٤٣.
(٥) الجامع الصغير: ٢/ ٣٩، ح ٤٦٢٢. [.....]
(٦) تفسير الثعالبي: ٢/ ١٢.
(٢) سورة الأحزاب: ٥٦.
(٣) سورة الإسراء: ١٠٧.
(٤) سورة الرعد: ٤٣.
(٥) الجامع الصغير: ٢/ ٣٩، ح ٤٦٢٢. [.....]
(٦) تفسير الثعالبي: ٢/ ١٢.
33
قائِماً بِالْقِسْطِ: أي بالعدل ونظام الآية «شهد الله قائما بالقسط». وهو نصب على الحال.
وقال الفرّاء: هو نصب على القطع كأن أصله القائم، وكذلك هو في (عبد الله) فلما قطعت الألف واللام نصب لقوله تعالى: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً «١».
وقال أهل المعاني في قوله: قائِماً بِالْقِسْطِ: أي مدبّر، رازق، مجازي بالأعمال كما يقال: فلان قائم بأمري: أي مدبّر له متعهد لأسبابه، وقائم بحق فلان: أي بحاله.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: كرّر لأنّ الأولى حلت محل الدعوى، والشهادة الثانية حلت في محل الحكم.
وقال جعفر الصّادق: الأولى [وصف وتوحيد] والثانية رسم وتعليم يعني قولوا: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٢».
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ: يعني [بالدين الطاعة والملّة] لقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «٣».
وفتح الكسائي ومحمد بن عيسى الاصفهاني ألف (إنّ) ردا على (أنّ) الأولى في قوله:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ يعني: شهد الله أنّه، وشهد أن الدين عند الله الإسلام، وكسر الباقون على الابتداء. والإسلام [من السلم: الإيمان و] الطاعة يقال: أسلم أي: دخل في السلم. وذلك كقولهم: أستى وأربع وأمحط واخبت: أي دخل فيها.
سفيان: قال قتادة: في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قال: [شهادة] أن لا إله إلا الله. والإقرار بأنّها من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله ودلّ عليه أولياءه ولا يقبل غيره ولا جزى إلّا به.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ الآية، قال الربيع: إنّ موسى (عليه السلام) لما حضرته الوفاة دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل، واستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليها، واستخلف يوشع بن نون.
فلمّا مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أوقعوا بينهم الدماء، ووقع الشر والإختلاف وذلك مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني: بيان ما في التوراة بَغْياً بَيْنَهُمْ: أن طلبها للملك والرئاسة والتحاسد والمناقشة فسلط الله عليهم الجبابرة.
وقال الفرّاء: هو نصب على القطع كأن أصله القائم، وكذلك هو في (عبد الله) فلما قطعت الألف واللام نصب لقوله تعالى: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً «١».
وقال أهل المعاني في قوله: قائِماً بِالْقِسْطِ: أي مدبّر، رازق، مجازي بالأعمال كما يقال: فلان قائم بأمري: أي مدبّر له متعهد لأسبابه، وقائم بحق فلان: أي بحاله.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: كرّر لأنّ الأولى حلت محل الدعوى، والشهادة الثانية حلت في محل الحكم.
وقال جعفر الصّادق: الأولى [وصف وتوحيد] والثانية رسم وتعليم يعني قولوا: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٢».
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ: يعني [بالدين الطاعة والملّة] لقوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «٣».
وفتح الكسائي ومحمد بن عيسى الاصفهاني ألف (إنّ) ردا على (أنّ) الأولى في قوله:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ يعني: شهد الله أنّه، وشهد أن الدين عند الله الإسلام، وكسر الباقون على الابتداء. والإسلام [من السلم: الإيمان و] الطاعة يقال: أسلم أي: دخل في السلم. وذلك كقولهم: أستى وأربع وأمحط واخبت: أي دخل فيها.
سفيان: قال قتادة: في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قال: [شهادة] أن لا إله إلا الله. والإقرار بأنّها من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله ودلّ عليه أولياءه ولا يقبل غيره ولا جزى إلّا به.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ الآية، قال الربيع: إنّ موسى (عليه السلام) لما حضرته الوفاة دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل، واستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليها، واستخلف يوشع بن نون.
فلمّا مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم، وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أوقعوا بينهم الدماء، ووقع الشر والإختلاف وذلك مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ يعني: بيان ما في التوراة بَغْياً بَيْنَهُمْ: أن طلبها للملك والرئاسة والتحاسد والمناقشة فسلط الله عليهم الجبابرة.
(١) سورة النحل: ٥٢.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٤٣.
(٣) سورة المائدة: ٣.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٤٣.
(٣) سورة المائدة: ٣.
34
وقال بعضهم: أراد وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ، يعني: بيان نعته وصفته في كتبهم.
وقال محمد بن جعفر عن الزبير: نزلت هذه الآية في نصارى نجران ومعناها: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هو الإنجيل في أمر عيسى (عليه السلام)، وفرّقوا القول فيه إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ، بأن الله واحد، وأنّ عيسى عبده ورسوله بَغْياً بَيْنَهُمْ: أي للمعاداة والمخالفة.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ: لا يحتاج الى عقد وقبض يد.
وقال الكلبي: نزلت في يهوديين تركوا اسم الإسلام وتسمّوا باليهودية والنصرانية، قال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ قال: دين الله هو الإسلام بغيا منهم فلمّا وجدا نظيره قوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ «١» فقالت اليهود والنصارى: لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنّ اليهودية والنصرانية سبّ هو الشرك، والدين هو الإسلام ونحن عليه.
فَإِنْ حَاجُّوكَ: خاصموك يا محمد في الدين، فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ: أي انقدت [لأمر الله] لِلَّهِ: وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي، إنّما خص الوجه لأنّه أكرم جوارح الإنسان، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه التي هي دون وجهه.
وقال الفرّاء: معناه أخلصت عملي لله.
يقال: أسلمت الشيء لفلان وسلمته له، أي دفعته إليه [......] «٢» ومن هذا يقال:
أسلمت الغلام إلى [....] «٣» وفي صناعة كذا. أي أخلصت لها.
والوجه: العمل كقوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ: أي قصده وعمله. وقوله: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى «٤».
وَمَنِ اتَّبَعَنِ: «من» في محل الرفع عطفا على التاء في قوله: أَسْلَمْتُ أي: ومن اتبعني أسلم كما أسلمت.
وأثبت بعضهم «٥» ياء قوله: اتبعني على الأصل، وحذفه الآخرون على لفظ ينافي المصحف [إذا وقعت فيه بغير ياء]. وأنشد:
وقال محمد بن جعفر عن الزبير: نزلت هذه الآية في نصارى نجران ومعناها: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هو الإنجيل في أمر عيسى (عليه السلام)، وفرّقوا القول فيه إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ، بأن الله واحد، وأنّ عيسى عبده ورسوله بَغْياً بَيْنَهُمْ: أي للمعاداة والمخالفة.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ: لا يحتاج الى عقد وقبض يد.
وقال الكلبي: نزلت في يهوديين تركوا اسم الإسلام وتسمّوا باليهودية والنصرانية، قال الله تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ قال: دين الله هو الإسلام بغيا منهم فلمّا وجدا نظيره قوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ «١» فقالت اليهود والنصارى: لسنا على ما سميتنا به يا محمد إنّ اليهودية والنصرانية سبّ هو الشرك، والدين هو الإسلام ونحن عليه.
فَإِنْ حَاجُّوكَ: خاصموك يا محمد في الدين، فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ: أي انقدت [لأمر الله] لِلَّهِ: وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي، إنّما خص الوجه لأنّه أكرم جوارح الإنسان، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه التي هي دون وجهه.
وقال الفرّاء: معناه أخلصت عملي لله.
يقال: أسلمت الشيء لفلان وسلمته له، أي دفعته إليه [......] «٢» ومن هذا يقال:
أسلمت الغلام إلى [....] «٣» وفي صناعة كذا. أي أخلصت لها.
والوجه: العمل كقوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ: أي قصده وعمله. وقوله: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى «٤».
وَمَنِ اتَّبَعَنِ: «من» في محل الرفع عطفا على التاء في قوله: أَسْلَمْتُ أي: ومن اتبعني أسلم كما أسلمت.
وأثبت بعضهم «٥» ياء قوله: اتبعني على الأصل، وحذفه الآخرون على لفظ ينافي المصحف [إذا وقعت فيه بغير ياء]. وأنشد:
(١) سورة البيّنة: ٤.
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) سورة الليل: ٢٠.
(٥) وهم نافع وأبو عمرو ويعقوب راجع تفسير القرطبي: ٤/ ٤٥.
(٢) كلمة غير مقروءة.
(٣) كلمة غير مقروءة.
(٤) سورة الليل: ٢٠.
(٥) وهم نافع وأبو عمرو ويعقوب راجع تفسير القرطبي: ٤/ ٤٥.
35
| كفاك كفّ ما تليق درهما | جودا وأخرى تعط بالسيف دما «١» |
| ليس تخفى يسارتي قدر يوم | ولقد يخف شيمتي إعساري «٢» |
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ: أي نهوا، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا:
فقرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية، فقال أهل الكتاب: أسلمنا. فقال للنصارى: أتشهدون أنّ عيسى كلمة من الله وعبده ورسوله، فقالوا: معاذ الله.
وقال لليهود: إنّ عزير هو عبد الله ورسوله، قالوا: معاذ الله فذلك قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ. بتبليغ الرسالة، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ: عالم بمن يؤمن بالله ومن لا يؤمن بالله وبأهل الثواب وبأهل العقاب.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ: يجحدون، بِآياتِ اللَّهِ: بحجّة وأعلامه، وقيل: هي القرآن، وقيل: هم اليهود والنصارى وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ قرأ الحسن ويُقَتِّلُونَ بالتشديد فهما على تكثر.
وقرأ حمزة: (وتقاتلون الّذين يأمرون) اعتبارا بقراءة مسعود (وقاتلوا الذين يأمرون به)، ووجه هذه القراءة يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقد «قاتلوا الذين يأمرون» لأنه غير جائز عطف الماضي على المستقبل وفي حرف. أي: ويقتلون النبيين بغير حق والذين يأمرون بالقسط، قال مقاتل: أراد به ملوك بني إسرائيل.
وقال معقل بن أبي سكين، وابن جريح: كان الوحي يأتي الى أنبياء بني إسرائيل، ولم يكن يأتيهم كتاب فيذكّرون قومهم فيقتلون. فيقوم رجال فمن اتّبعهم وصدقهم فيذّكرون قومهم فيقتلون أيضا. فهم الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ.
وعن قبيصة بن دويب الخزاعي عن أبي عبيدة الجرّاح قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال: «رجل قتل نبيا، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف»، ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ إلى قوله: وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا في أول النهار ساعة واحدة، فقام مائة وإثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قبلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر
(١) فتح القدير: ٥/ ٤٣٣.
(٢) جامع البيان للطبري: ٣٠/ ٢١٧.
(٢) جامع البيان للطبري: ٣٠/ ٢١٧.
36
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﰖ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﰗ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﰘ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰙ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﰚ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ
ﰛ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ
ﰜ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﰝ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﰞ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﰟ
فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم، فهم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فأنزل الآية فيهم» [٣٣].
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس القوم قوم يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وبئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان» [٣٤] «١».
فَبَشِّرْهُمْ.. أخبرهم بعذاب أليم، وإنما أدخل الفاء [في خبرها] «٢» لأنه قوله: (الَّذِينَ) موضع الجزاء [ «وإنّ» لا تبطل معنى الجزاء لأنّها بمزلة الابتداء عكس: ليت] «٣».
وقيل: أدخل الفاء على الغاء أن وتقديره: «الذين يكفرون ويقتلون فبشّرهم بعذاب أليم رجيح.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ: ذهبت وبطلت.
وقرأ أبو واقد والجرّاح: «حَبَطَتْ» بفتح التاء مستقبلة «تحبط» بكسر الباء وأصله من «الحبط» وهو أن ترعى الماشية [بلا دليل ورديع] «٤» فتنتفخ من ذلك بطونها، وربّما ماتت منه، ثم جعل كل شيء يهلك حبطا.
ومنه
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا إذ يلم» [٣٥] «٥».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٣ الى ٣٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ: أي نصيبا وحظا من الكتاب. يعني: اليهود يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ.
واختلفوا في هذا الكتاب الذي أخبر الله تعالى إنّهم يدعون إليه فيعرضون عنه. فقال قوم:
هو القرآن.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله، فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنّهم على غير دين الهدى فأعرضوا عنه.
وقال قتادة: هم أعداء الله اليهود. دعوا الى حكم القرآن واتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم فأعرضوا، وهم يجدونه مكتوبا في كتبهم.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس القوم قوم يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وبئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم بالتقية والكتمان» [٣٤] «١».
فَبَشِّرْهُمْ.. أخبرهم بعذاب أليم، وإنما أدخل الفاء [في خبرها] «٢» لأنه قوله: (الَّذِينَ) موضع الجزاء [ «وإنّ» لا تبطل معنى الجزاء لأنّها بمزلة الابتداء عكس: ليت] «٣».
وقيل: أدخل الفاء على الغاء أن وتقديره: «الذين يكفرون ويقتلون فبشّرهم بعذاب أليم رجيح.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ: ذهبت وبطلت.
وقرأ أبو واقد والجرّاح: «حَبَطَتْ» بفتح التاء مستقبلة «تحبط» بكسر الباء وأصله من «الحبط» وهو أن ترعى الماشية [بلا دليل ورديع] «٤» فتنتفخ من ذلك بطونها، وربّما ماتت منه، ثم جعل كل شيء يهلك حبطا.
ومنه
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا إذ يلم» [٣٥] «٥».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٣ الى ٣٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥) قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ: أي نصيبا وحظا من الكتاب. يعني: اليهود يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ.
واختلفوا في هذا الكتاب الذي أخبر الله تعالى إنّهم يدعون إليه فيعرضون عنه. فقال قوم:
هو القرآن.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله، فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنّهم على غير دين الهدى فأعرضوا عنه.
وقال قتادة: هم أعداء الله اليهود. دعوا الى حكم القرآن واتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم فأعرضوا، وهم يجدونه مكتوبا في كتبهم.
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٤٦.
(٢) زيادة منّا للإيضاح.
(٣) زيادة منّا للإيضاح، والمخطوط لا يقرأ. [.....]
(٤) هكذا الظاهر، وفي تفسير القرطبي (٣/ ٤٦) الحبط: هو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ فتنتفخ أجوافها وربّما تموت من ذلك.
(٥) صحيح ابن حبّان: ٨/ ٢٣، كنز العمّال: ٣/ ٢٠٤.
(٢) زيادة منّا للإيضاح.
(٣) زيادة منّا للإيضاح، والمخطوط لا يقرأ. [.....]
(٤) هكذا الظاهر، وفي تفسير القرطبي (٣/ ٤٦) الحبط: هو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ فتنتفخ أجوافها وربّما تموت من ذلك.
(٥) صحيح ابن حبّان: ٨/ ٢٣، كنز العمّال: ٣/ ٢٠٤.
37
السّديّ: دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم اليهود إلى الإسلام، فقال له النعمان بن أبي أوفى: هلمّ يا محمّد نخاصمك إلى الأحبار، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بل الى كتاب الله. فقال: بل الى الأحبار.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الآخرون: هي التوراة.
روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت المقدس على جماعة من اليهود، فدعاهم الى الله عزّ وجلّ.
فقال له نعيم بن عمر وابن الحارث بن فهد: على أيّ دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملّة إبراهيم. قالا: إنّ إبراهيم كان يهوديا. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأسلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّ رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا، وكانا في شرف منهم، وكان في كتابهم الرجم. فكرهوا رجمهما لحالهما وشرفهما، ورجوا أن يكون عند رسول الله رحمة في أمرهما، فرفعوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحكم عليهما بالرجم، فقال له النعمان ابن أبي أوفى ونخري بن عمر: جرت علينا يا محمد. ليس عليهما الرجم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينكم التوراة فإن فيها الرجم. قالوا: قد أنصفتنا. قال فمن أعلمكم؟
فقالوا: رجل أعمى يسكن فدك، يقال له ابن صوريا، فأرسلوا إليه، فقدم المدينة وكان جبرائيل (عليه السلام) قد وصفه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله: لأنت ابن صوريا؟ قال:
نعم. قال: أنت أعلم اليهود؟ قال كذلك يزعمون، قال: فدعا رسول الله بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب. فقال له: أقرأ. فلما أتى آية الرجم وضع كفه عليه وقرأ ما بعدها. فقال ابن سلام: يا رسول الله قد جاوزها ووضع كفه عليها، وقام ابن سلام الى ابن صوريا فرفع كفه عنها، ثم قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اليهوديان المحصنان إذا زنيا، وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها» [٣٦] «١». فأمر رسول الله باليهوديين فرجما، فغضب اليهود لذلك غضبا شديدا، وانصرفوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الآخرون: هي التوراة.
روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس، قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت المقدس على جماعة من اليهود، فدعاهم الى الله عزّ وجلّ.
فقال له نعيم بن عمر وابن الحارث بن فهد: على أيّ دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملّة إبراهيم. قالا: إنّ إبراهيم كان يهوديا. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأسلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم، فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّ رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا، وكانا في شرف منهم، وكان في كتابهم الرجم. فكرهوا رجمهما لحالهما وشرفهما، ورجوا أن يكون عند رسول الله رحمة في أمرهما، فرفعوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحكم عليهما بالرجم، فقال له النعمان ابن أبي أوفى ونخري بن عمر: جرت علينا يا محمد. ليس عليهما الرجم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينكم التوراة فإن فيها الرجم. قالوا: قد أنصفتنا. قال فمن أعلمكم؟
فقالوا: رجل أعمى يسكن فدك، يقال له ابن صوريا، فأرسلوا إليه، فقدم المدينة وكان جبرائيل (عليه السلام) قد وصفه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله: لأنت ابن صوريا؟ قال:
نعم. قال: أنت أعلم اليهود؟ قال كذلك يزعمون، قال: فدعا رسول الله بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب. فقال له: أقرأ. فلما أتى آية الرجم وضع كفه عليه وقرأ ما بعدها. فقال ابن سلام: يا رسول الله قد جاوزها ووضع كفه عليها، وقام ابن سلام الى ابن صوريا فرفع كفه عنها، ثم قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اليهوديان المحصنان إذا زنيا، وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها» [٣٦] «١». فأمر رسول الله باليهوديين فرجما، فغضب اليهود لذلك غضبا شديدا، وانصرفوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(١) فتح الباري: ١٢/ ١٥٠، يلاحظ لم يذكر كلمة: اليهوديان، في الحديث.
38
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ حظا من التوراة.
يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ، فقد علمهم أنّها في التوراة.
وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ: أي فكيف يصنعون لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ: وهو يوم القيامة.
وَوُفِّيَتْ: ذكرت.
كُلُّ نَفْسٍ: برّ أو فاجر.
ما كَسَبَتْ: أي جزاء ما عملت من خير أو شر.
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ: لا ينقصون من حسناتهم ولا يزداد على سيئاتهم.
روى الضحاك عن ابن عباس، قال: «أوّل راية ترفع لأهل الموقف ذلك اليوم من رايات الكفار راية اليهود، فيقمعهم الله على رؤوس الاشهاد ثم يأمر بهم الى النار».
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ،
قد روى الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وروى جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما أراد الله أن ينزّل فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وشَهِدَ اللَّهُ، وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ...
إلى بِغَيْرِ حِسابٍ تعلقن بالعرش، وليس بينهن وبين الله حجاب، وقلن: يا رب تهبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن متعلقات بالطيور والعرش. فقال تعالى: وعزّتي وجلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كل صلاة مكتوبة إلّا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه، وإلّا نظرت له بعيني في كل يوم سبعين مرة، وإلّا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلّا أعذته من كل عدو ونصرته عليه، ولا يمنعه دخول الجنة إلّا الشرك».
يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ، فقد علمهم أنّها في التوراة.
وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ: أي فكيف يصنعون لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ: وهو يوم القيامة.
وَوُفِّيَتْ: ذكرت.
كُلُّ نَفْسٍ: برّ أو فاجر.
ما كَسَبَتْ: أي جزاء ما عملت من خير أو شر.
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ: لا ينقصون من حسناتهم ولا يزداد على سيئاتهم.
روى الضحاك عن ابن عباس، قال: «أوّل راية ترفع لأهل الموقف ذلك اليوم من رايات الكفار راية اليهود، فيقمعهم الله على رؤوس الاشهاد ثم يأمر بهم الى النار».
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ،
قد روى الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وروى جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما أراد الله أن ينزّل فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وشَهِدَ اللَّهُ، وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ...
إلى بِغَيْرِ حِسابٍ تعلقن بالعرش، وليس بينهن وبين الله حجاب، وقلن: يا رب تهبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن متعلقات بالطيور والعرش. فقال تعالى: وعزّتي وجلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كل صلاة مكتوبة إلّا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه، وإلّا نظرت له بعيني في كل يوم سبعين مرة، وإلّا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلّا أعذته من كل عدو ونصرته عليه، ولا يمنعه دخول الجنة إلّا الشرك».
39
وقال معاذ بن جبل: أحتبست عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لم أصلّ معه الجمعة. فقال: يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة؟ قلت: يا رسول الله كان ليوحنا اليهودي عليّ أوقية [من تبر]، وكان على بابي يرصدني، فأشفقت أن يحبسني دونك. فقال: «أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك؟». قلت: نعم يا رسول الله. قال: قل اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ.. إلى قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ، وقل: «يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها تعطي منها ما تشاء وتمنع منها ما تشاء، أقض عني ديني. فإن كان عليك ملئ الأرض ذهبا قضاه الله عنك» [٣٧] «١».
قال قتادة: ذكر لنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس، وأنس بن مالك: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم. قالت: المنافقين واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس، هم أعزّ وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق في عام الأحزاب. ثمّ قطع أربعين ذراعا بين كلّ عشرة، قال: فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منّا. وقال الأنصار:
سلمان منّا.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سلمان منّا أهل البيت» [٣٨].
قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى بلغنا الصدى أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقّت علينا. فقلنا يا سلمان: آت إلى رسول الله وأخبره خبر هذه الصخرة. فإمّا أن نعدل عنها فإنّ المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمر، فإنّا لا نحب أن نجاوز خطة.
قال: فرقى سلمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ضارب عليه قبّة تركية. فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق، وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك فإنّا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله مع سلمان الخندق وبقينا نحن التسعة على شفة الخندق. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها صلّى الله عليه وسلّم فكسرها،
قال قتادة: ذكر لنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس، وأنس بن مالك: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم. قالت: المنافقين واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس، هم أعزّ وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، قال: خطّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق في عام الأحزاب. ثمّ قطع أربعين ذراعا بين كلّ عشرة، قال: فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منّا. وقال الأنصار:
سلمان منّا.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سلمان منّا أهل البيت» [٣٨].
قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحفرنا حتى بلغنا الصدى أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقّت علينا. فقلنا يا سلمان: آت إلى رسول الله وأخبره خبر هذه الصخرة. فإمّا أن نعدل عنها فإنّ المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمر، فإنّا لا نحب أن نجاوز خطة.
قال: فرقى سلمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ضارب عليه قبّة تركية. فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق، وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك فإنّا لا نحب أن نجاوز خطك، قال: فهبط رسول الله مع سلمان الخندق وبقينا نحن التسعة على شفة الخندق. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح، وكبّر المسلمون، ثم ضربها صلّى الله عليه وسلّم فكسرها،
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٥٢، ومسند الشاميين: ٣/ ٣٢٠، ح ٢٣٩٨.
40
وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبير فتح، وكبّر المسلمون معه. فأخذ بيد سلمان ورقى. فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط! فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله [بأبينا أنت وأمّنا وقد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج، فرأيناك تكبّر فنكبّر ولا نرى شيئا غير ذلك] «١» قال: ضربت ضربتي الأولى، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل (عليه السلام) أنّ أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور بصرى من أرض الروم كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل (عليه السلام) أنّ أمتي ظاهرة عليها. [ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أنّ أمتي ظاهرة عليها] «٢» فأبشروا. فاستبشر المسلمون، وقالوا:
الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا النصر بعد الحصر. [فطبقت الأحزاب فقال: المسلمون:
هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ «٣» الآية].
وقال المنافقون: ألا تعجبون يمنّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنّه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنّها تفتح لكم وأنتم إنّما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، قال: فأنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً «٤» وأنزل الله في هذه القصة قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «٥».
واختلف النحاة في وجه دخول الميم في هذا الاسم وأصله (الله) وفي نصبه.
وقال بعضهم: إنّما أدخل الميم في آخره بدلا من حرف النداء المحذوف من أوله لأنّ أصله (يا الله) فحذفت حرف النداء وأدخلت الميم خلفا منه.
كما قالوا: فم، ودم، وزرقم محذوف وستهم، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف «٦».
واحتجوا بأنّ نحوها من الأسماء والنعوت إذا حذف منها حرف أبدل مكانه ميم، ولمّا كان المحذوف من هذا الاسم حرفين كان البدل ميمين، فأدغمت إحداها في الأخرى فجاء التشديد
الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا النصر بعد الحصر. [فطبقت الأحزاب فقال: المسلمون:
هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ «٣» الآية].
وقال المنافقون: ألا تعجبون يمنّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنّه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنّها تفتح لكم وأنتم إنّما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، قال: فأنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً «٤» وأنزل الله في هذه القصة قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «٥».
واختلف النحاة في وجه دخول الميم في هذا الاسم وأصله (الله) وفي نصبه.
وقال بعضهم: إنّما أدخل الميم في آخره بدلا من حرف النداء المحذوف من أوله لأنّ أصله (يا الله) فحذفت حرف النداء وأدخلت الميم خلفا منه.
كما قالوا: فم، ودم، وزرقم محذوف وستهم، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف «٦».
واحتجوا بأنّ نحوها من الأسماء والنعوت إذا حذف منها حرف أبدل مكانه ميم، ولمّا كان المحذوف من هذا الاسم حرفين كان البدل ميمين، فأدغمت إحداها في الأخرى فجاء التشديد
(١) عن تفسير الطبري: ٢١/ ١٦٣.
(٢) غير موجود في تفسير الطبري.
(٣) سورة الأحزاب: ٢٢.
(٤) سورة الأحزاب: ١٢.
(٥) تفسير الطبري: ٢١/ ١٦٣.
(٦) في المخطوط بياض صوّبناه من تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٩.
(٢) غير موجود في تفسير الطبري.
(٣) سورة الأحزاب: ٢٢.
(٤) سورة الأحزاب: ١٢.
(٥) تفسير الطبري: ٢١/ ١٦٣.
(٦) في المخطوط بياض صوّبناه من تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٩.
41
لذلك، وفي سائر أخواتها مخففة لأنّ المحذوف حرف واحد ثم نصب لحق التضعيف.
وأنكر الآخرون هذه القول وقالوا: سمعنا العرب يدخل الميم فيه مع ياء النداء وأنشد الفرّاء:
قالوا: ونرى أنّما أصله الله في الدعاء. بمعنى (يا الله) ضم إليها أمّ وحذف حرف النداء.
يراد يا الله آتنا الخير أي: أقصدنا به ثمّ ضرب في الكلام حتى اختلطت به. فحذفت الهمزة استخفافا كقولهم: هلمّ إلينا كان أصله هل لم إلينا، أي أقصد أو أسرع. ثم كثرت هذه اللفظة حتى قالوا: لاهم بمعنى اللهم، وربما خفضوا ميمها أيضا، والله أعلم.
وقال أبو رجاء العطاردي: هذه الميم في قوله: (اللهم) : تجمع سبعين اسما من أسمائه عزّ وجلّ مالك الملك. قال الله تعالى في بعض الكتب: أنا الله مالك الملوك ومالك الملك، قلوب الملوك ونواصيها بيدي، فإذا العباد أطاعوني جعلت عليهم رحمة، وإذا العباد عصوني جعلت عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك، ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم.
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، قال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني ملك النبوة، الكلبي: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: محمد وأصحابه، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: أبي جهل وصناديد قريش.
وقال معتصم: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: العرب. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: الروم والعجم وسائر الأمم.
السدّي: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: آتى الله الأنبياء وأمر العباد بطاعتهم. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: نزع من الجبّارين وأمر العباد بخلافهم.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: آدم وولده، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ إبليس وجنده.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: داود. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: جالوت.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: صخرا. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: سليمان (عليه السلام) كان يطعم الخبز الجواري ويأكل خبز الشعير، وكان يلبس المرقعة ولم ينظر أربعين سنة إلى السماء تخشّيا لله.
وكان يدخل المسجد فيرتاد فقيرا يقعد بجنبه، ويقول: مسكين جالس مسكينا وَتَنْزِعُ
وأنكر الآخرون هذه القول وقالوا: سمعنا العرب يدخل الميم فيه مع ياء النداء وأنشد الفرّاء:
| وما عليك أن تقولي كلما | سبّحت أو هللت يا اللهمّ ما |
| اردد علينا شيخنا مسلما | فإنّنا من خيره لن نعدما «١» |
يراد يا الله آتنا الخير أي: أقصدنا به ثمّ ضرب في الكلام حتى اختلطت به. فحذفت الهمزة استخفافا كقولهم: هلمّ إلينا كان أصله هل لم إلينا، أي أقصد أو أسرع. ثم كثرت هذه اللفظة حتى قالوا: لاهم بمعنى اللهم، وربما خفضوا ميمها أيضا، والله أعلم.
وقال أبو رجاء العطاردي: هذه الميم في قوله: (اللهم) : تجمع سبعين اسما من أسمائه عزّ وجلّ مالك الملك. قال الله تعالى في بعض الكتب: أنا الله مالك الملوك ومالك الملك، قلوب الملوك ونواصيها بيدي، فإذا العباد أطاعوني جعلت عليهم رحمة، وإذا العباد عصوني جعلت عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك، ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم.
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، قال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني ملك النبوة، الكلبي: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: محمد وأصحابه، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: أبي جهل وصناديد قريش.
وقال معتصم: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: العرب. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: الروم والعجم وسائر الأمم.
السدّي: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: آتى الله الأنبياء وأمر العباد بطاعتهم. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: نزع من الجبّارين وأمر العباد بخلافهم.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: آدم وولده، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ إبليس وجنده.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: داود. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: جالوت.
وقيل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: صخرا. وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: سليمان (عليه السلام) كان يطعم الخبز الجواري ويأكل خبز الشعير، وكان يلبس المرقعة ولم ينظر أربعين سنة إلى السماء تخشّيا لله.
وكان يدخل المسجد فيرتاد فقيرا يقعد بجنبه، ويقول: مسكين جالس مسكينا وَتَنْزِعُ
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٥٣.
42
الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: ملك النفس حتى يغلبه هواه ويتخذه إلها. كما قال الله عزّ وجل أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ «١».
وقال الشاعر:
ملكت نفسي فذاك ملك... ما مثله للأنام ملك
فصرت حرا بملك نفسي... فما لخلق عليّ ملك.
آخر:
من ملك النفس فحر [ضاهي] «٢»... والعبد من يملكه هواه
وقيل: هو ملك العافية. قال الله تعالى: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً «٣»
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم آمنا في سربه. معافى في بدنه، وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [٣٩] «٤».
وقيل: هو القناعة.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ملوك أمتي القانع يوما بيوم، فمن أوتي ذلك فلم يقبله بقبوله ولم يصبر عليه شاكرا قصر عمله، وقل عقله» [٤٠].
وعن ابن المبارك قال: دخلت على سفيان الثوري بمكة، فوجدته مريضا شارب دواء، وبه غم شديد فسلمت عليه، وقلت: ما لك يا عبد الله؟ فقال: أنا مريض شارب دواء وبي غم شديد، فقلت: أعندك بصلة؟ قال: نعم، فقلت: آتيني بها فأتاني بها، فكسرتها ثم قلت: شمّها فشمّها فعطس عند ذلك فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فسكن ما به، فقال لي: يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب. أو قال: عالم وطبيب، فقلت له: مجرّب يا أبا عبد الله. قال: فلمّا رأيته سكن ما به وطابت نفسه. قلت: إني أريد أن أسألك حديثا. فقال: سل ما شئت.
فقلت: أخبرني ما الناس؟ قال: الفقهاء. قلت: فما الملوك؟ قال: الزّهاد. قلت: فما الأشراف؟ قال: الأتقياء. قلت: فما الغوغاء؟ قال: الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له: أخبرني رحمك الله: ما السفلة؟ قال: الظلمة. ثم ودّعته وخرجت من عنده.
قال: يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنه موجود رخيص قبل أن يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» [٤١] «٥».
وقال الشاعر:
ملكت نفسي فذاك ملك... ما مثله للأنام ملك
فصرت حرا بملك نفسي... فما لخلق عليّ ملك.
آخر:
من ملك النفس فحر [ضاهي] «٢»... والعبد من يملكه هواه
وقيل: هو ملك العافية. قال الله تعالى: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً «٣»
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم آمنا في سربه. معافى في بدنه، وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [٣٩] «٤».
وقيل: هو القناعة.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ملوك أمتي القانع يوما بيوم، فمن أوتي ذلك فلم يقبله بقبوله ولم يصبر عليه شاكرا قصر عمله، وقل عقله» [٤٠].
وعن ابن المبارك قال: دخلت على سفيان الثوري بمكة، فوجدته مريضا شارب دواء، وبه غم شديد فسلمت عليه، وقلت: ما لك يا عبد الله؟ فقال: أنا مريض شارب دواء وبي غم شديد، فقلت: أعندك بصلة؟ قال: نعم، فقلت: آتيني بها فأتاني بها، فكسرتها ثم قلت: شمّها فشمّها فعطس عند ذلك فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فسكن ما به، فقال لي: يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب. أو قال: عالم وطبيب، فقلت له: مجرّب يا أبا عبد الله. قال: فلمّا رأيته سكن ما به وطابت نفسه. قلت: إني أريد أن أسألك حديثا. فقال: سل ما شئت.
فقلت: أخبرني ما الناس؟ قال: الفقهاء. قلت: فما الملوك؟ قال: الزّهاد. قلت: فما الأشراف؟ قال: الأتقياء. قلت: فما الغوغاء؟ قال: الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له: أخبرني رحمك الله: ما السفلة؟ قال: الظلمة. ثم ودّعته وخرجت من عنده.
قال: يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنه موجود رخيص قبل أن يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم» [٤١] «٥».
(١) سورة الجاثية: ٢٣.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) سورة المائدة: ٢٠. [.....]
(٤) سنن الترمذي: ٤/ ٥.
(٥) مسند أحمد: ٣/ ١٥٦.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) سورة المائدة: ٢٠. [.....]
(٤) سنن الترمذي: ٤/ ٥.
(٥) مسند أحمد: ٣/ ١٥٦.
43
وقال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني ملك المعرفة، كما آتى السحرة: وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، كما نزع من إبليس وبلعام.
الحسين بن الفضل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني ملك الجنة كما آتى المؤمنين قال الله تعالى: وَمُلْكاً كَبِيراً «١»، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: كما نزع من الكفار وأهل النّار.
أبو عثمان: أراد (بالملك) : توفيق للإيمان والطاعة.
وحكى الأستاذ أبو سعيد الواعظ: إنّه سمع بعض زهّاد اليمن يقول: هو قيام الليل.
الشبلي: الاستغناء بالمكون عن الكونين.
الواسطي: افتخر الملوك بالملك. فأخبرهم الله تعالى أنّ الملك [زائل] «٢» عندهم لقوله تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ.
قالت الحكماء في هذه الآية: هذا إخبار عن كمال القدرة. وأنّ القادر على الكمال هو القادر على الشيء وضده، فأخبر أنّه قادر على أن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: قال عطا: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: المهاجرين والأنصار، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: فارس والروم.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: محمدا وأصحابه حين دخلوا مكة وعشرة آلاف ظاهرين عليها، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: أبا جهل وأصحابه حين حزّوا رؤوسهم وألقوا في القليب.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالإيمان والمعرفة. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالخذلان والحرمان.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالتمليك والتسليط. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بسلب الملك وتسليط عدوه عليه.
الورّاق: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بقهر النفس ومخالفة الهوى. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: باتباع الهوى.
الكياني: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بقهره الشيطان. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بقهر الشيطان لنا.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالقناعة والرضا. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالخزي والطمع.
قال الثعلبي (رحمه الله) : وسمعت السلمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت محمد بن الفضل يقول: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت بنان الحمّال يقول: الحرّ عبد ما طمع. والعبد حر ما قنع.
الحسين بن الفضل: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ: يعني ملك الجنة كما آتى المؤمنين قال الله تعالى: وَمُلْكاً كَبِيراً «١»، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ: كما نزع من الكفار وأهل النّار.
أبو عثمان: أراد (بالملك) : توفيق للإيمان والطاعة.
وحكى الأستاذ أبو سعيد الواعظ: إنّه سمع بعض زهّاد اليمن يقول: هو قيام الليل.
الشبلي: الاستغناء بالمكون عن الكونين.
الواسطي: افتخر الملوك بالملك. فأخبرهم الله تعالى أنّ الملك [زائل] «٢» عندهم لقوله تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ.
قالت الحكماء في هذه الآية: هذا إخبار عن كمال القدرة. وأنّ القادر على الكمال هو القادر على الشيء وضده، فأخبر أنّه قادر على أن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: قال عطا: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: المهاجرين والأنصار، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: فارس والروم.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: محمدا وأصحابه حين دخلوا مكة وعشرة آلاف ظاهرين عليها، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: أبا جهل وأصحابه حين حزّوا رؤوسهم وألقوا في القليب.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالإيمان والمعرفة. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالخذلان والحرمان.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالتمليك والتسليط. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بسلب الملك وتسليط عدوه عليه.
الورّاق: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بقهر النفس ومخالفة الهوى. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: باتباع الهوى.
الكياني: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بقهره الشيطان. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بقهر الشيطان لنا.
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالقناعة والرضا. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالخزي والطمع.
قال الثعلبي (رحمه الله) : وسمعت السلمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت محمد بن الفضل يقول: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت بنان الحمّال يقول: الحرّ عبد ما طمع. والعبد حر ما قنع.
(١) سورة الإنسان: ٢٠.
(٢) كلمة غير مقروءة والظاهر ما أثبتناه.
(٢) كلمة غير مقروءة والظاهر ما أثبتناه.
44
وقال وهب: خرج الغنى والعز يجولان فلقيا القناعة فاستقرا «١».
وقال عيسى (عليه السلام) لأصحابه: لأنتم أغنى من الملوك.
قالوا: كيف يا روح الله ولسنا نملك شيئا؟ قال: أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونها، وعندهم أشياء ولا تكفيهم.
وللشافعي (رضي الله عنه) :
وقال الآخر:
وقيل: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: بالإخلاص، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالرياء.
وقال الحسن بن الفضل: وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالجنة والرؤيا. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالنار والحجاب.
بِيَدِكَ الْخَيْرُ: يعني الخير والشر، فأكتفي بذكر الخير فإنّه الأفضل والأغلب كقوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٥» : أي الحر والبرد إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ: [أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر] حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة [وهو أطول ما يكون]، والليل تسع ساعات، [وهو أقصر ما يكون] «٦».
وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ: حتى يكون الليل خمس [عشر] «٧» ساعة، والنهار تسع ساعات فما نقص عن هذا زيد في الآخر نظير قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ «٨».
وقال عيسى (عليه السلام) لأصحابه: لأنتم أغنى من الملوك.
قالوا: كيف يا روح الله ولسنا نملك شيئا؟ قال: أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونها، وعندهم أشياء ولا تكفيهم.
وللشافعي (رضي الله عنه) :
| ألّا يا نفس أن ترضي بقوت | فأنت عزيزة أبدا غنية |
| دعي عنك المطامع والاماني | فكم أمنية جلبت منيّة «٢» |
| أفادتني القناعة كل عز | وهل عزّ «٣» أعزّ من القناعة |
| فصيّرها لنفسك رأس مال | وصيّرها مع التقوى بضاعة «٤» |
وقال الحسن بن الفضل: وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالجنة والرؤيا. وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: بالنار والحجاب.
بِيَدِكَ الْخَيْرُ: يعني الخير والشر، فأكتفي بذكر الخير فإنّه الأفضل والأغلب كقوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «٥» : أي الحر والبرد إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ: [أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر] حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة [وهو أطول ما يكون]، والليل تسع ساعات، [وهو أقصر ما يكون] «٦».
وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ: حتى يكون الليل خمس [عشر] «٧» ساعة، والنهار تسع ساعات فما نقص عن هذا زيد في الآخر نظير قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ «٨».
(١) تاريخ دمشق: ١١/ ٢٧٨، وفيه: الغنى والشعر.
(٢) روضة الواعظين للفتال النيشابوري: ٤٥٧.
(٣) في المصدر: وأين غنى.
(٤) كشف الخفاء: ٢/ ١٠٢.
(٥) سورة النحل: ٨١.
(٦) ما بين معكوفين زيادة عن تفسير القرطبي: ٤/ ٥٦.
(٧) تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٣
(٨) سورة الزمر: ٥.
(٢) روضة الواعظين للفتال النيشابوري: ٤٥٧.
(٣) في المصدر: وأين غنى.
(٤) كشف الخفاء: ٢/ ١٠٢.
(٥) سورة النحل: ٨١.
(٦) ما بين معكوفين زيادة عن تفسير القرطبي: ٤/ ٥٦.
(٧) تفسير الطبري: ٣/ ٣٠٣
(٨) سورة الزمر: ٥.
45
قال سعيد بن جبير: يوم وليلة ويوم وليلة عند خلق السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة، ثم قرأ: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قال ابن مسعود وابن جبير ومجاهد وقتادة والضحّاك وإبراهيم والسدّي وإسماعيل بن أبي خالد وعبد الرحمن بن زيد: يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة، ويخرج النطفة من الحيوان.
عكرمة والكلبي: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير.
أبو مالك: يخرج النخلة من النواة، ويخرج النواة من النخلة، ويخرج السنبلة من الحبة والحبّة من السنبلة.
الحسن: يخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن، والمؤمن عبد حي الفؤاد، والكافر عبد ميت الفؤاد يدل عليه قوله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.. «١».
معمر عن الزهري: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على بعض نسائه، فإذا بامرأة حسنة الهيئة، فقال:
من هذه؟ قالت: إحدى خالاتك، فقال: إن خالاتي بهذه البلاد [كثير] أي خالاتي هذه؟ قالت:
هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، فقال: «سبحان الله الذي يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» [٤٢].
وكانت امرأة صالحة. وكان مات أبوها كافرا «٢».
الفرّاء: يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب.
وقال أهل الإشارة: يخرج الحكمة من قلب الفاجر حتى لا تستقر فيه، والسّقطة من لسان العارف.
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس: كان الحجّاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد ظفروا «٣» بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن جهيمة لأولئك النفر:
اجتنبوا هؤلاء اليهود، واحذروا لزومهم ومخاطبتهم وملازمتهم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال المقاتلان: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره، كانوا يظهرون المودّة لكفار مكة فنهاهم الله عزّ وجل عن ذلك.
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قال ابن مسعود وابن جبير ومجاهد وقتادة والضحّاك وإبراهيم والسدّي وإسماعيل بن أبي خالد وعبد الرحمن بن زيد: يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة، ويخرج النطفة من الحيوان.
عكرمة والكلبي: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير.
أبو مالك: يخرج النخلة من النواة، ويخرج النواة من النخلة، ويخرج السنبلة من الحبة والحبّة من السنبلة.
الحسن: يخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن، والمؤمن عبد حي الفؤاد، والكافر عبد ميت الفؤاد يدل عليه قوله: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.. «١».
معمر عن الزهري: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على بعض نسائه، فإذا بامرأة حسنة الهيئة، فقال:
من هذه؟ قالت: إحدى خالاتك، فقال: إن خالاتي بهذه البلاد [كثير] أي خالاتي هذه؟ قالت:
هذه خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، فقال: «سبحان الله الذي يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» [٤٢].
وكانت امرأة صالحة. وكان مات أبوها كافرا «٢».
الفرّاء: يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب.
وقال أهل الإشارة: يخرج الحكمة من قلب الفاجر حتى لا تستقر فيه، والسّقطة من لسان العارف.
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس: كان الحجّاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد ظفروا «٣» بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن جهيمة لأولئك النفر:
اجتنبوا هؤلاء اليهود، واحذروا لزومهم ومخاطبتهم وملازمتهم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال المقاتلان: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره، كانوا يظهرون المودّة لكفار مكة فنهاهم الله عزّ وجل عن ذلك.
(١) سورة الأنعام: ١٢٢.
(٢) مجمع الزوائد: ٩/ ٢٦٤، جامع البيان للطبري: ٣/ ٣٠٦. [.....]
(٣) في المصدر: كظنوا.
(٢) مجمع الزوائد: ٩/ ٢٦٤، جامع البيان للطبري: ٣/ ٣٠٦. [.....]
(٣) في المصدر: كظنوا.
46
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وروى يوسف بن داود الضبي عن بعضهم، قال: لا يتخذوا المؤمنين بالرفع خبرا عنهم وفيه معنى النهي كقوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ «١».
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري، وكان بدريا تقيا، وكان له حلفاء من اليهود، فلمّا خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب، قال عبادة: يا نبي الله إنّ معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهرتهم على العدوّ، فأنزل الله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الآية «٢».
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: أي موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم، وإظهارهم على عدّة المسلمين، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ: وفيه اختصار، أي ليس من دين الله في شيء.
وقال الحسن والسدّي: ليس من الولاية في شيء، فقد بريء الله منه، ثم استثنى فقال:
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً: يعني: إلّا أن تخافوا منهم مخافة.
وقرأ أبو العالية عن الحسن، والضحاك وأبو رجاء وجابر بن زيد وحميد بن مجاهد: تقية على وزن نقية، [وخالفهما] أبو حاتم قال: لأنهم كتبوها بالياء مثل حصاة ونواة إلّا بالألف.
قرأ حمزة والكسائي وخلف: «تقية» بالاحتجاج فكان الياء.
وقرأ الباقون «تُقاةً» بالتضميم. وأختاره أبو عبيدة.
وقرأ الأخفش: «تقاءة» مثل تكأة ويؤده ونحوها، وهي مصدر [أتقى] ومثال تقيه تقاة وتقية وتقي وتقوى «٣»، وإذا قلت: أتقنت كان مصدره الاتقاء، وإنّما قال: «تَتَّقُوا» من الأتقياء، ثم قال: «تُقاةً» «٤» ولم يقل اتّقاء لأن العرب إذا كان بالكلمتين واحدا واختلف ألفاظها أخرجوا مصدر أحد اللفظين مصدر اللفظ الآخر فيقولون: التقيت فلانا لقاء حسنا.
وقال القطامي في وصف غيث:
قد لجّ بجانب الجبلين... «٥»..... ركام يحفر الترب احتفارا
وروى يوسف بن داود الضبي عن بعضهم، قال: لا يتخذوا المؤمنين بالرفع خبرا عنهم وفيه معنى النهي كقوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ «١».
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري، وكان بدريا تقيا، وكان له حلفاء من اليهود، فلمّا خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب، قال عبادة: يا نبي الله إنّ معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهرتهم على العدوّ، فأنزل الله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الآية «٢».
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: أي موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم، وإظهارهم على عدّة المسلمين، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ: وفيه اختصار، أي ليس من دين الله في شيء.
وقال الحسن والسدّي: ليس من الولاية في شيء، فقد بريء الله منه، ثم استثنى فقال:
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً: يعني: إلّا أن تخافوا منهم مخافة.
وقرأ أبو العالية عن الحسن، والضحاك وأبو رجاء وجابر بن زيد وحميد بن مجاهد: تقية على وزن نقية، [وخالفهما] أبو حاتم قال: لأنهم كتبوها بالياء مثل حصاة ونواة إلّا بالألف.
قرأ حمزة والكسائي وخلف: «تقية» بالاحتجاج فكان الياء.
وقرأ الباقون «تُقاةً» بالتضميم. وأختاره أبو عبيدة.
وقرأ الأخفش: «تقاءة» مثل تكأة ويؤده ونحوها، وهي مصدر [أتقى] ومثال تقيه تقاة وتقية وتقي وتقوى «٣»، وإذا قلت: أتقنت كان مصدره الاتقاء، وإنّما قال: «تَتَّقُوا» من الأتقياء، ثم قال: «تُقاةً» «٤» ولم يقل اتّقاء لأن العرب إذا كان بالكلمتين واحدا واختلف ألفاظها أخرجوا مصدر أحد اللفظين مصدر اللفظ الآخر فيقولون: التقيت فلانا لقاء حسنا.
وقال القطامي في وصف غيث:
قد لجّ بجانب الجبلين... «٥»..... ركام يحفر الترب احتفارا
(١) سورة البقرة: ٢.
(٢) سورة المصدر السابق.
(٣) راجع مجمع البيان: ٢/ ٢٧٣.
(٤) أقول: وأصلها: وفاة فأبدلت الواو المضمومة تاء استثقالا لها.
(٥) كلمة غير مقروءة.
(٢) سورة المصدر السابق.
(٣) راجع مجمع البيان: ٢/ ٢٧٣.
(٤) أقول: وأصلها: وفاة فأبدلت الواو المضمومة تاء استثقالا لها.
(٥) كلمة غير مقروءة.
47
ولم يقل حفرا قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً «١». وقال: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا «٢».
وأما معنى الآية فقال المفسرون: نهى الله عزّ وجلّ المؤمنين عن ملاطفة الكافرين وموالاتهم ومداهنتهم ومبايعتهم إلّا أن يكون الكفّار ظاهرين غالبين، أو يكون المؤمن في قوم كفّار ليس فيهم غيره، ويخافهم ويداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يسفك دما حراما، أو مالا حراما، أو يظهر الكافرين على عورة المؤمنين، فالمتّقي لا يكون إلّا مع خوف القتل وسلامة النية كفعل عمار بن ياسر.
عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب، قال: ورد رجل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فقال: ما أراني إلّا قد هلكت، قال: مالك؟ قال: قد عذّبني قريش. فقلت: ما قالوا؟ قال: كيف كان قلبك؟ قال: مطمئن، قال: فإن عادوا لك فعد لهم مثل ذلك، قالها ثلاث مرات.
المسيب بن عبيدة عن إبراهيم، قال: قال ابن مسعود: خالطوا النّاس ونائلوهم وصافحوهم بما يشتهون، ودينكم لا يكون به ريبة.
وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد «٣» : أنا كنت أحبّ إلى أبيك منك، وأنت أحبّ إليّ من أبي «٤» ولذا أوصيك بخصلتين: خالص المؤمن وخالق «٥» الكافر فإنّ الكافر يرضى منك بالخلق الحسن، ويحق عليك أن تخالص المؤمن «٦».
وروي عن جعفر بن محمد الصادق أنّه قال: التقية واجبة، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستر بالسارية منه لئلا يراني
. وقال: الرياء مع المؤمن شرك ومع المنافق في داره عبادة.
وأنكر قوم التقيّة اليوم:
فقال معاذ بن جبل عن مجاهد: كانت التقيّة في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، فأمّا اليوم فقد أعزّ الله عزّ وجل الإسلام، فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتّقوا من عدوهم.
وأما معنى الآية فقال المفسرون: نهى الله عزّ وجلّ المؤمنين عن ملاطفة الكافرين وموالاتهم ومداهنتهم ومبايعتهم إلّا أن يكون الكفّار ظاهرين غالبين، أو يكون المؤمن في قوم كفّار ليس فيهم غيره، ويخافهم ويداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يسفك دما حراما، أو مالا حراما، أو يظهر الكافرين على عورة المؤمنين، فالمتّقي لا يكون إلّا مع خوف القتل وسلامة النية كفعل عمار بن ياسر.
عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب، قال: ورد رجل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فقال: ما أراني إلّا قد هلكت، قال: مالك؟ قال: قد عذّبني قريش. فقلت: ما قالوا؟ قال: كيف كان قلبك؟ قال: مطمئن، قال: فإن عادوا لك فعد لهم مثل ذلك، قالها ثلاث مرات.
المسيب بن عبيدة عن إبراهيم، قال: قال ابن مسعود: خالطوا النّاس ونائلوهم وصافحوهم بما يشتهون، ودينكم لا يكون به ريبة.
وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد «٣» : أنا كنت أحبّ إلى أبيك منك، وأنت أحبّ إليّ من أبي «٤» ولذا أوصيك بخصلتين: خالص المؤمن وخالق «٥» الكافر فإنّ الكافر يرضى منك بالخلق الحسن، ويحق عليك أن تخالص المؤمن «٦».
وروي عن جعفر بن محمد الصادق أنّه قال: التقية واجبة، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستر بالسارية منه لئلا يراني
. وقال: الرياء مع المؤمن شرك ومع المنافق في داره عبادة.
وأنكر قوم التقيّة اليوم:
فقال معاذ بن جبل عن مجاهد: كانت التقيّة في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، فأمّا اليوم فقد أعزّ الله عزّ وجل الإسلام، فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتّقوا من عدوهم.
(١) سورة نوح: ١٧.
(٢) سورة المزمّل: ٨.
(٣) في المصدر: لابن يزيد.
(٤) في تاريخ دمشق: ابني.
(٥) في تاريخ دمشق (٢٤/ ٩٨) خالف.
(٦) مسند ابن راهويه: ٣/ ١٠١٧.
(٢) سورة المزمّل: ٨.
(٣) في المصدر: لابن يزيد.
(٤) في تاريخ دمشق: ابني.
(٥) في تاريخ دمشق (٢٤/ ٩٨) خالف.
(٦) مسند ابن راهويه: ٣/ ١٠١٧.
48
وقال يحيى البكاء: قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجّاج: إنّ الحسن كان يقول لكم:
التقيّة باللسان والقلب مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. قال سعيد: ليس في الإسلام تقيّة إنّما التقيّة في أهل الحرب.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ: أي يخوّفكم الله على موالاة الكفار وارتكاب المنهي ومخالفة المأمور من نفسه.
قال المفسرون: من عذاب نفسه وعقوبته وبطشه.
وقال أهل المعاني: معناه ويحذّركم الله إيّاه لأن الشيء والنفس والذات والإسم عبارة عن الوجود، ونفس الشيء هو الشيء بعينه كقوله: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «١» : أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال الأعشى:
أراد إذا البخيل تجهم سؤاله.
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ: قلوبكم من مودة الكفّار. أَوْ تُبْدُوهُ: من موالاتهم قولا وفعلا، يَعْلَمْهُ اللَّهُ: وقال الكلبي: أي ستروا ما في قلوبكم لرسول الله من التكذيب، ويظهرون بحربه. وقال: يَعْلَمْهُ اللَّهُ ويحفظ عليكم حتى يحاربكم به ويعاقبكم عليه، ثم قال: وَيَعْلَمُ: رفع على الاستئناف كقولهم: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ «٣» بالرفع.
وقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ «٤»، ثم قال: وَيُحِقُّ الْحَقَّ: وكيف يخفى عليه موالاتكم الكافرين وميلكم إليهم، مودّة بالقلب: أي معونة بالقلب والفعل.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ: نصب يوما، نزع حرف الصفة أي في يوم. وقيل: نصب بإضمار فعل، أي: اذكروا واتقوا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً: موفرا لم يبخس منه شيء. قراءة العامة بنصب الضاد على المفعول قد صدّهم قوله:
التقيّة باللسان والقلب مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. قال سعيد: ليس في الإسلام تقيّة إنّما التقيّة في أهل الحرب.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ: أي يخوّفكم الله على موالاة الكفار وارتكاب المنهي ومخالفة المأمور من نفسه.
قال المفسرون: من عذاب نفسه وعقوبته وبطشه.
وقال أهل المعاني: معناه ويحذّركم الله إيّاه لأن الشيء والنفس والذات والإسم عبارة عن الوجود، ونفس الشيء هو الشيء بعينه كقوله: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «١» : أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال الأعشى:
| يوما بأجود نائلا منه إذا | نفس البخيل تجهمت سؤالها «٢» |
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ: قلوبكم من مودة الكفّار. أَوْ تُبْدُوهُ: من موالاتهم قولا وفعلا، يَعْلَمْهُ اللَّهُ: وقال الكلبي: أي ستروا ما في قلوبكم لرسول الله من التكذيب، ويظهرون بحربه. وقال: يَعْلَمْهُ اللَّهُ ويحفظ عليكم حتى يحاربكم به ويعاقبكم عليه، ثم قال: وَيَعْلَمُ: رفع على الاستئناف كقولهم: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ «٣» بالرفع.
وقوله: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ «٤»، ثم قال: وَيُحِقُّ الْحَقَّ: وكيف يخفى عليه موالاتكم الكافرين وميلكم إليهم، مودّة بالقلب: أي معونة بالقلب والفعل.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ: نصب يوما، نزع حرف الصفة أي في يوم. وقيل: نصب بإضمار فعل، أي: اذكروا واتقوا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً: موفرا لم يبخس منه شيء. قراءة العامة بنصب الضاد على المفعول قد صدّهم قوله:
(١) سورة النساء: ٦٦.
(٢) حقائق التأويل للشريف الرضي: ٧٩. [.....]
(٣) سورة التوبة: ١٤. ١٥.
(٤) سورة الشورى: ٢٤.
(٢) حقائق التأويل للشريف الرضي: ٧٩. [.....]
(٣) سورة التوبة: ١٤. ١٥.
(٤) سورة الشورى: ٢٤.
49
وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً «١» : وقرأ عبيد عن عمير مُحْضِراً بكسر الضاد يريد أن عمله يحضره الجنّة يسرع به من الحضور أو الحضر.
وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ: جعل بعضهم خبرا في موضع النصب، وأعمل فيها الوجود وجعل عملت صلة لها، أي: ويجد عملها، وجعله بعضه خبرا مستأنفا، وحينئذ يجوز في تَوَدُّ الرفع، والجزم، دليل هذا التأويل: قراءة عبد الله وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ. لَوْ أَنَّ بَيْنَها:
بين النفس وَبَيْنَهُ: يعني بين السوء أَمَداً بَعِيداً: والأمد: الأجل والغاية الّتي ينتهي إليها.
قال الله: أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً «٢»، وقال: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ «٣».
قال النابغة:
قال السدي: أَمَداً بَعِيداً أي: مكان بعيد.
مقاتل: كما بين المشرق والمغرب.
قال الحسن: ليس أحدهم أن لا يلقى عمله أبدا ولا يودّ لو أن يعلمه.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ: أي بالمؤمنين منهم.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الآية،
قال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّهم يحبّون الله، فقالوا: يا محمّد إنّا نحب ربّنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وجعل اتّباع نبيه علما لحبّه تعالى.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلّقوا عليها بعض النعام وجعلوا في آذانها السيوف وهم يسجدون لها. فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام. فقالت له قريش: يا محمّد إنّا نعبدها حبّا لله، لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، فقال الله تعالى: قُلْ يا محمّد إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وتعبدون الأصنام ليقرّبوكم إليه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وأنا رسوله إليكم وحجّته عليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّ اليهود لمّا قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، أنزل الله هذه الآية، فلمّا نزلت عرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ: جعل بعضهم خبرا في موضع النصب، وأعمل فيها الوجود وجعل عملت صلة لها، أي: ويجد عملها، وجعله بعضه خبرا مستأنفا، وحينئذ يجوز في تَوَدُّ الرفع، والجزم، دليل هذا التأويل: قراءة عبد الله وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ. لَوْ أَنَّ بَيْنَها:
بين النفس وَبَيْنَهُ: يعني بين السوء أَمَداً بَعِيداً: والأمد: الأجل والغاية الّتي ينتهي إليها.
قال الله: أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً «٢»، وقال: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ «٣».
قال النابغة:
| ألا لمثلك أو من أنت سابقة | بسبق الجواد إذا ستويا على الأمد |
مقاتل: كما بين المشرق والمغرب.
قال الحسن: ليس أحدهم أن لا يلقى عمله أبدا ولا يودّ لو أن يعلمه.
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ: أي بالمؤمنين منهم.
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الآية،
قال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّهم يحبّون الله، فقالوا: يا محمّد إنّا نحب ربّنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وجعل اتّباع نبيه علما لحبّه تعالى.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلّى الله عليه وسلّم على قريش وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم وعلّقوا عليها بعض النعام وجعلوا في آذانها السيوف وهم يسجدون لها. فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل، ولقد كانا على الإسلام. فقالت له قريش: يا محمّد إنّا نعبدها حبّا لله، لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، فقال الله تعالى: قُلْ يا محمّد إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وتعبدون الأصنام ليقرّبوكم إليه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وأنا رسوله إليكم وحجّته عليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إنّ اليهود لمّا قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، أنزل الله هذه الآية، فلمّا نزلت عرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.
(١) سورة الكهف: ٤٩.
(٢) سورة الجن: ٢٥.
(٣) سورة الحديد: ١٦.
(٢) سورة الجن: ٢٥.
(٣) سورة الحديد: ١٦.
50
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﰠ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﰡ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰢ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﰣ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰥ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﰦ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﰧ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﰨ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ
ﰩ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰪ
روى محمد بن إسحاق عن محمّد بن جعفر عن الزبير: قال: نزلت في نصارى أهل نجران وذلك أنّهم قالوا: إنّا نعظم المسيح ونعبده حبّا لله سبحانه وتعظيما له، فقال الله: قُلْ يا محمّد:
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وكان عظيم قولكم في عيسى حبّا لله سبحانه وتعالى وتعظيما له فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، أي: اتّبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله، وحب المؤمنين لله إتباعهم أمره وقصدهم طاعته ورضاه، وحبّه عزّ وجلّ للمؤمنين [منّة] عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم وذلك قوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قال الثعلبي: أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو أحمد محمد بن ابراهيم الصريمي قال: أنشدنا علي بن محمد قال: أنشدني الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك:
عروه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشرك أخفّ من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحبّ على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل وهل الدين إلّا الحبّ في الله والبغض في الله قال الله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «٢» [٤٣].
فلما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي [لأصحابه: إنّ محمّدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبّه] كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم «٣»، فنزل: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا: أعرضوا عن طاعتهما. فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ: لا يرضى فعلهم ولا شيء لهم ولا يغفر لهم.
وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أطاعني فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى الإمام فقد عصاني» [٤٤] «٤».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٣ الى ٤٣]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وكان عظيم قولكم في عيسى حبّا لله سبحانه وتعالى وتعظيما له فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، أي: اتّبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله، وحب المؤمنين لله إتباعهم أمره وقصدهم طاعته ورضاه، وحبّه عزّ وجلّ للمؤمنين [منّة] عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم وذلك قوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قال الثعلبي: أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو أحمد محمد بن ابراهيم الصريمي قال: أنشدنا علي بن محمد قال: أنشدني الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك:
| تعصي الإله وأنت تظهر حبّه | هذا لعمري في الفعال قبيح |
| لو كان حبّك صادقا لأطعته | إنّ المحب لمن يحبّ مطيع «١» |
فلما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي [لأصحابه: إنّ محمّدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبّه] كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم «٣»، فنزل: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا: أعرضوا عن طاعتهما. فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ: لا يرضى فعلهم ولا شيء لهم ولا يغفر لهم.
وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أطاعني فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى الإمام فقد عصاني» [٤٤] «٤».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٣ الى ٤٣]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
(١) تهذيب الكمال: ٦/ ٣٦٠، وتاريخ دمشق: ٣٢/ ٤٦٩.
(٢) الجامع الصغير للسيوطي: ٢/ ٨٥، ح ٤٩٣٥.
(٣) زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٣١٩.
(٤) المصنّف للكوفي: ٧/ ٥٦٦.
(٢) الجامع الصغير للسيوطي: ٢/ ٨٥، ح ٤٩٣٥.
(٣) زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٣١٩.
(٤) المصنّف للكوفي: ٧/ ٥٦٦.
51
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ: قال ابن عباس: قالت اليهود:
نحن أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ونحن على دينهم ومنهاجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية:
يعني: إنّ الله اصطفى هؤلاء الّذين قالوا بالإسلام، وأنتم على غير دين الإسلام، واصطفى [افتعل] من الصفوة وهو الخالص من كل شيء، يعني: اختاروا واستخلصوا آدم أبو البشر ونوحا شيخ المرسلين، وآل إبراهيم وآل عمران.
قال بعضهم: أراد بآل إبراهيم وآل عمران: إبراهيم وعمران نفسهما، كقوله عزّ وجلّ:
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ «١» : يعني موسى وهارون (عليهم السلام).
قال الشاعر:
يعني: أبا بكر.
قال الباقون: آلَ إِبْراهِيمَ: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وإنّ محمّدا (عليه السلام) من آل إبراهيم وآل عمران.
وقال مقاتل: هو عمران بن يصهر بن فاهاث «٣» بن لاوي بن يعقوب وآله موسى وهارون.
قال الحسن ووهب بن منبه: هو عمران بن أشهم بن أمون من ولد سليمان بن داود وآله مريم وعيسى.
نحن أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ونحن على دينهم ومنهاجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية:
يعني: إنّ الله اصطفى هؤلاء الّذين قالوا بالإسلام، وأنتم على غير دين الإسلام، واصطفى [افتعل] من الصفوة وهو الخالص من كل شيء، يعني: اختاروا واستخلصوا آدم أبو البشر ونوحا شيخ المرسلين، وآل إبراهيم وآل عمران.
قال بعضهم: أراد بآل إبراهيم وآل عمران: إبراهيم وعمران نفسهما، كقوله عزّ وجلّ:
وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ «١» : يعني موسى وهارون (عليهم السلام).
قال الشاعر:
| ولا تبك ميتا بعد ميّت أحبّه | علي وعبّاس وآل أبي بكر «٢» |
قال الباقون: آلَ إِبْراهِيمَ: إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وإنّ محمّدا (عليه السلام) من آل إبراهيم وآل عمران.
وقال مقاتل: هو عمران بن يصهر بن فاهاث «٣» بن لاوي بن يعقوب وآله موسى وهارون.
قال الحسن ووهب بن منبه: هو عمران بن أشهم بن أمون من ولد سليمان بن داود وآله مريم وعيسى.
(١) سورة البقرة: ٢٤٨.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٣.
(٣) وروي: قاهث، راجع تفسير الطبري: ١/ ٤٠٠.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٣.
(٣) وروي: قاهث، راجع تفسير الطبري: ١/ ٤٠٠.
52
وقيل: هو عمران بن ماتان «١»، وامرأته حنّة «٢»، وخصّه من الأنبياء لأنّ الأنبياء والرسل بقضّهم وقضيضهم من نسلهم. عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً: نصب على حال قاله الأحفش.
الفرّاء على [القطع] لأنّ الذريّة نكرة وآل إبراهيم وآل عمران معرفة «٣».
الزجّاج: نصب على البدل. وقيل: على النكرة أي اصطفى ذريّة بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ:
وقيل: على الحال أي بعضها من ولد بعض. وقال أبو روق: بعضها على دين بعض «٤».
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: قال الحروي: لمّا مات الحسن البصري وكان مماته عشية الجمعة، فلمّا صلّى النّاس الجمعة حملوه، فلم [تترك الصلاة] في المسجد الجامع بالبصرة منذ كان الإسلام إلّا يوم ممات الحسن، فإن الناس اتّبعوا جنازته فلم يبق أحد يصلّي في المسجد صلاة العصر.
قال الجزائري: سمعت مناديا ينادي: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ، واصطفى الحسن البصري على أهل زمانه.
الأعمش عن أبي وائل، قال: قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ، فقال ابن عباس ومقاتل: هو عمران بن مايان وليس هو بعمران أبو موسى وبينهما ألف وثلاثمائة سنة، وكان بنو مايان «٥» رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم.
وقال ابن إسحاق «٦» : هو عمران بن أشهم بن آمون بن ميثا بن حوقتا بن إحرين بن يونام بن عواريا بن إمضيا بن ياوس بن جربهوا بن يارم بن صف شاط بن لمساين بن يعمر بن سليمان بن داود (عليه السلام).
إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً: أي جعلت الذي في بطني محرّرا نذرا منّي لك، والنذر: ما أوجبه الإنسان على نفسه بشريطة كان ذلك أو بغير شريطة.
الفرّاء على [القطع] لأنّ الذريّة نكرة وآل إبراهيم وآل عمران معرفة «٣».
الزجّاج: نصب على البدل. وقيل: على النكرة أي اصطفى ذريّة بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ:
وقيل: على الحال أي بعضها من ولد بعض. وقال أبو روق: بعضها على دين بعض «٤».
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: قال الحروي: لمّا مات الحسن البصري وكان مماته عشية الجمعة، فلمّا صلّى النّاس الجمعة حملوه، فلم [تترك الصلاة] في المسجد الجامع بالبصرة منذ كان الإسلام إلّا يوم ممات الحسن، فإن الناس اتّبعوا جنازته فلم يبق أحد يصلّي في المسجد صلاة العصر.
قال الجزائري: سمعت مناديا ينادي: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ، واصطفى الحسن البصري على أهل زمانه.
الأعمش عن أبي وائل، قال: قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ، فقال ابن عباس ومقاتل: هو عمران بن مايان وليس هو بعمران أبو موسى وبينهما ألف وثلاثمائة سنة، وكان بنو مايان «٥» رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم.
وقال ابن إسحاق «٦» : هو عمران بن أشهم بن آمون بن ميثا بن حوقتا بن إحرين بن يونام بن عواريا بن إمضيا بن ياوس بن جربهوا بن يارم بن صف شاط بن لمساين بن يعمر بن سليمان بن داود (عليه السلام).
إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً: أي جعلت الذي في بطني محرّرا نذرا منّي لك، والنذر: ما أوجبه الإنسان على نفسه بشريطة كان ذلك أو بغير شريطة.
(١) في القرطبي ٤/ ٦٣ نسبه للسهيلي.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٣، والقول للسهيلي. [.....]
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٨.
(٤) مجمع البيان: ٥/ ٨٤.
(٥) وروي: ماتان. ماثان.
(٦) في تاريخ الطبري (١/ ٤١٨) : عمران بن ياشهم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن إحزيق بن يوثام بن عزريا ابن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهشافاظ بن أسا بن أبيا بن رجعم بن سليمان.
وفي تاريخ دمشق: مريم بن عمران بن هاثان بن المعاذر بن اليود بن اجبن بن صادوق بن عيازور بن الياقيم بن أيبود بن زربائيل بن شالتان بن يوحينا بن لرشتيا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أجاز بن يوثام بن عزريا بن بورام بن يوسافاط بن أسا بن إيبا بن رضيعم بن سليمان، أقول: الاختلاف في الأغلب من اختلاف قراءة المخطوطات.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٣، والقول للسهيلي. [.....]
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٣١٨.
(٤) مجمع البيان: ٥/ ٨٤.
(٥) وروي: ماتان. ماثان.
(٦) في تاريخ الطبري (١/ ٤١٨) : عمران بن ياشهم بن أمون بن منشا بن حزقيا بن إحزيق بن يوثام بن عزريا ابن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم بن يهشافاظ بن أسا بن أبيا بن رجعم بن سليمان.
وفي تاريخ دمشق: مريم بن عمران بن هاثان بن المعاذر بن اليود بن اجبن بن صادوق بن عيازور بن الياقيم بن أيبود بن زربائيل بن شالتان بن يوحينا بن لرشتيا بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أجاز بن يوثام بن عزريا بن بورام بن يوسافاط بن أسا بن إيبا بن رضيعم بن سليمان، أقول: الاختلاف في الأغلب من اختلاف قراءة المخطوطات.
53
قال الله فقولي: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً «١» : أي أوجبت.
وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» [٤٥].
قال الأعشى:
ومن هذا قولهم: نذر فلان دم فلان: أي أوجبت على نفسه قتله.
وقال جميل:
مُحَرَّراً: أي عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة حبيسا عليها مفرغا لعبادة الله ولخدمة الكنيسة، لا يشغله شيء من الدنيا وكلّما أخلص فهو محرّر، يقال: حرّرت العبد إذا أعتقته، وحرّرت الكتاب إذا أخلصته وأصلحته فلم يبق فيه ما يحتاج إلى إصلاحه، ورجل حرّ إذا كان خالصا لنفسه ليس لأحد عليه متعلق، والطين الحر الذي خلص من الرمل والحصاة والعيوب.
ومُحَرَّراً: نصب على الحال.
وقال الكلبي وابن إسحاق وغيرهما: فإن الحر رجل إذا حرّر وجعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم، ثم يخيّر فإن رغب أن يقيم فيها أقام، وإن أحبّ أن يذهب ذهب حيث شاء، فإن أراد أن يخرج بعد التخير لم يكن له ذلك، ولم يكن أحد من [الأنبياء] والعلماء إلّا ومن نسل محرّرا ببيت المقدس، ولم يكن محرّرا إلّا الغلمان، وكانت الجارية لا تكلف ذلك ولا تصلح له لمّا يمسها من الحيض والأذى، فحرّرت أمّ مريم ما في بطنها.
وكان القصة في ذلك أنّ زكريّا وعمران تزوجا أختين، وكانت إيشاع «٣» بنت فاقود أم يحيى عند زكريّا وحنّة بنت فاقود أم مريم عند عمران، وقد كان أمسك على حنّة الولد حتى أيست وعجزت، وكانوا أهل بيت من الله بمكان، فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت لذلك شهوتها للولد، ودعت الله أن يهب لها ولدا وقالت: اللهم لك عليّ إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه نذرا وشكرا، فحملت بمريم فحرّرت ما في بطنها ولا تعلم ما هو، فقال لها زوجها: ويحك ما صنعت! أرأيت إن كان ما في
وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» [٤٥].
قال الأعشى:
| غشيت لليلي بليل خدورا | وطالبتها ونذرت النذورا «٢» |
وقال جميل:
| فليت رجالا فيك قد نذروا دمي | وحموا لقائي يابثين لقوني |
ومُحَرَّراً: نصب على الحال.
وقال الكلبي وابن إسحاق وغيرهما: فإن الحر رجل إذا حرّر وجعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم، ثم يخيّر فإن رغب أن يقيم فيها أقام، وإن أحبّ أن يذهب ذهب حيث شاء، فإن أراد أن يخرج بعد التخير لم يكن له ذلك، ولم يكن أحد من [الأنبياء] والعلماء إلّا ومن نسل محرّرا ببيت المقدس، ولم يكن محرّرا إلّا الغلمان، وكانت الجارية لا تكلف ذلك ولا تصلح له لمّا يمسها من الحيض والأذى، فحرّرت أمّ مريم ما في بطنها.
وكان القصة في ذلك أنّ زكريّا وعمران تزوجا أختين، وكانت إيشاع «٣» بنت فاقود أم يحيى عند زكريّا وحنّة بنت فاقود أم مريم عند عمران، وقد كان أمسك على حنّة الولد حتى أيست وعجزت، وكانوا أهل بيت من الله بمكان، فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت لذلك شهوتها للولد، ودعت الله أن يهب لها ولدا وقالت: اللهم لك عليّ إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه نذرا وشكرا، فحملت بمريم فحرّرت ما في بطنها ولا تعلم ما هو، فقال لها زوجها: ويحك ما صنعت! أرأيت إن كان ما في
(١) سورة مريم: ٢٦.
(٢) تاريخ دمشق: ٢٠/ ١٤٠ ط دار الفكر، وديوان الأعشى: ٨٨ ط بيروت.
(٣) لسان العرب: ١٢/ ١٥١.
(٢) تاريخ دمشق: ٢٠/ ١٤٠ ط دار الفكر، وديوان الأعشى: ٨٨ ط بيروت.
(٣) لسان العرب: ١٢/ ١٥١.
54
بطنك أنثى [والأنثى عورة] لا تصلح لذلك فوقعا جميعا في همّ من ذلك، فهلك عمران وحنّة حامل بمريم.
فَلَمَّا وَضَعَتْها: أي ولدتها وإذا هي جارية، فالهاء في قوله: وَضَعَتْها راجعة إلى النذيرة أي مريم من حنّة، لذلك أنّث.
قالَتْ: عذرا وكانت ترجوا أن تكون غلاما ولذلك حررت.
رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى: اعتذار إلى الله عزّ وجلّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ: [ما ظنّت] «١» عن السدي، وقرأ [العامّة بتسكين التاء] وقرأ علي وأبو ميثم النجفي وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: وُضَعَتْ بضمّ التاء جعلوها من كلام أمّ مريم «٢».
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى: في خدمة الكنيسة والعبّاد الذين فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس والأذى.
وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ: وهي بلغتهم: [الخادمة والعبادة، وكانت أجمل النساء في وقتها وأفضلها] «٣».
روى أبو زرعة عن أبي هريرة إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «حسبك من نساء العالمين أربع:
مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد» [٤٦] «٤».
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ: آمنها وأجيرها بك. وَذُرِّيَّتَها: وأولادها.
مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ: الطريد اللعين المرمي بالشهب.
ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولود إلّا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إيّاه إلّا مريم وابنها» [٤٧] ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم:
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «٥».
سعيد عن قتادة قال: «كل أدمي طعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم وأمه جعل بينهما حجاب فأصاب الطعن الحجاب ولم ينفذ إليها منه شيء» [٤٨].
فَلَمَّا وَضَعَتْها: أي ولدتها وإذا هي جارية، فالهاء في قوله: وَضَعَتْها راجعة إلى النذيرة أي مريم من حنّة، لذلك أنّث.
قالَتْ: عذرا وكانت ترجوا أن تكون غلاما ولذلك حررت.
رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى: اعتذار إلى الله عزّ وجلّ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ: [ما ظنّت] «١» عن السدي، وقرأ [العامّة بتسكين التاء] وقرأ علي وأبو ميثم النجفي وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: وُضَعَتْ بضمّ التاء جعلوها من كلام أمّ مريم «٢».
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى: في خدمة الكنيسة والعبّاد الذين فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس والأذى.
وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ: وهي بلغتهم: [الخادمة والعبادة، وكانت أجمل النساء في وقتها وأفضلها] «٣».
روى أبو زرعة عن أبي هريرة إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «حسبك من نساء العالمين أربع:
مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد» [٤٦] «٤».
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ: آمنها وأجيرها بك. وَذُرِّيَّتَها: وأولادها.
مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ: الطريد اللعين المرمي بالشهب.
ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولود إلّا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إيّاه إلّا مريم وابنها» [٤٧] ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم:
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ «٥».
سعيد عن قتادة قال: «كل أدمي طعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى ابن مريم وأمه جعل بينهما حجاب فأصاب الطعن الحجاب ولم ينفذ إليها منه شيء» [٤٨].
(١) راجع زاد المسير: ١/ ٣٢٢.
(٢) راجع مجمع البيان: ٢/ ٢٨٠، وفتح القدير: ١/ ٣٣٤، وفيه زيادة: وقرأ ابن عباس بكسر التاء.
(٣) قصص الأنبياء للثعلبي: ٣٧١. ٣٧٤.
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٣٢٦، وتفسير الدرّ المنثور: ٢/ ١٩، مورد الآية.
(٥) مسند أحمد: ٢/ ٢٧٥، وأخرجاه في الصحيحين.
(٢) راجع مجمع البيان: ٢/ ٢٨٠، وفتح القدير: ١/ ٣٣٤، وفيه زيادة: وقرأ ابن عباس بكسر التاء.
(٣) قصص الأنبياء للثعلبي: ٣٧١. ٣٧٤.
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ٣٢٦، وتفسير الدرّ المنثور: ٢/ ١٩، مورد الآية.
(٥) مسند أحمد: ٢/ ٢٧٥، وأخرجاه في الصحيحين.
55
قال: وذكر لنا أنّهما كانا لا يصيبان من الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم.
وقال وهب بن منبه: «لمّا ولد عيسى (عليه السلام) أتى الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام منكّسة، فقال: هذا لحادث حدث، وقال: مكانكم، فطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئا، ثم جاء البحار فلم يجد شيئا، ثمّ طار أيضا فوجد عيسى قد ولد، وإذا الملائكة قد حفّت حوله فلم يصل إليه إبليس فرجع إليهم، فقال: إنّ نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلّا أنا بحضرتها إلّا هذه، فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة «١».
فَتَقَبَّلَها: أي تقبل الله من حنّة مريم ورضيها مكان المحرر، يقال: قبل ولأن الشيء إذا رضيه يقبله قبولا بالفتح مصدر، مثل الزارع والزروع والقبول، ولم يأت غير هذه الثلاثة، والقياس الضم مثل الدخول والخروج، قاله أبو عمرو الكسائي والأئمّة، وقال بعضهم: معنى التقبّل: التكفّل في التربية والقيام بشأنها.
وقال الحسن: قبوله إيّاها أنه ما عذّبها ساعة من نهار ولا ليل «٢».
رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ: ولم يقل بتقبّل وهذا النوع يقال له: المصدر على غير المصدر.
قال الفرّاء: مثل قولك تكلمت كلاما.
قال الفطامي: وخير الأمر ما استقلّت فيه وليس بأن يتبعه اتباعا.
وقال آخر: وإن مشيتم تعاودنا عوادا، ولم يقل: تعاودوا.
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: ولم يقل: إنباتا.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ يقول: سلك بها طريق السعداء وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: يعني سوّى خلقها من غير زيادة ولا نقصان. وكانت تنبت في اليوم كمثل ما ينبت المولود في عام واحد.
ابن جريج: أَنْبَتَها ربها في غذائه ورزقه نَباتاً حَسَناً حتى تمت امرأة بالغة تامة.
وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا: قال المفسرون: أخذتها أمّ مريم حين ولدتها، فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد، فوضعتها عند الأحبار أولاد هارون وهم يومئذ يكونون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فتنافس فيها الأحبار لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فقال لهم زكريا: أنا أحقكم بها [لأن] عندي خالتها.
وقال وهب بن منبه: «لمّا ولد عيسى (عليه السلام) أتى الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام منكّسة، فقال: هذا لحادث حدث، وقال: مكانكم، فطار حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئا، ثم جاء البحار فلم يجد شيئا، ثمّ طار أيضا فوجد عيسى قد ولد، وإذا الملائكة قد حفّت حوله فلم يصل إليه إبليس فرجع إليهم، فقال: إنّ نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلّا أنا بحضرتها إلّا هذه، فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة «١».
فَتَقَبَّلَها: أي تقبل الله من حنّة مريم ورضيها مكان المحرر، يقال: قبل ولأن الشيء إذا رضيه يقبله قبولا بالفتح مصدر، مثل الزارع والزروع والقبول، ولم يأت غير هذه الثلاثة، والقياس الضم مثل الدخول والخروج، قاله أبو عمرو الكسائي والأئمّة، وقال بعضهم: معنى التقبّل: التكفّل في التربية والقيام بشأنها.
وقال الحسن: قبوله إيّاها أنه ما عذّبها ساعة من نهار ولا ليل «٢».
رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ: ولم يقل بتقبّل وهذا النوع يقال له: المصدر على غير المصدر.
قال الفرّاء: مثل قولك تكلمت كلاما.
قال الفطامي: وخير الأمر ما استقلّت فيه وليس بأن يتبعه اتباعا.
وقال آخر: وإن مشيتم تعاودنا عوادا، ولم يقل: تعاودوا.
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: ولم يقل: إنباتا.
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ يقول: سلك بها طريق السعداء وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: يعني سوّى خلقها من غير زيادة ولا نقصان. وكانت تنبت في اليوم كمثل ما ينبت المولود في عام واحد.
ابن جريج: أَنْبَتَها ربها في غذائه ورزقه نَباتاً حَسَناً حتى تمت امرأة بالغة تامة.
وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا: قال المفسرون: أخذتها أمّ مريم حين ولدتها، فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد، فوضعتها عند الأحبار أولاد هارون وهم يومئذ يكونون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فتنافس فيها الأحبار لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فقال لهم زكريا: أنا أحقكم بها [لأن] عندي خالتها.
(١) قصص الأنبياء: ٣٧٢.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٩. [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٦٩. [.....]
56
فقال له الأحبار: لا تفعل ذلك فإنّها لو تركت وحقّ الناس بها لتركت لأمها التي ولدتها، ولكنّا نقرع عليها فتكون عند من خرج سهمه، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين «١» رجلا إلى نهر جاري.
قال السدي: هو نهر الأردن، فألقوا أقلامهم في الماء، فارتفع قلم زكريا فوق الماء وانحدرت أقلامهم [ورسبت] في النهر، قاله ابن إسحاق وجماعة.
وقال السدي وجماعة: بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جريان «٢» الماء [فذهب بها الماء]، فسهمهم وقرعهم زكريا، وكان رأس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ضمّها إلى نفسه وقام بأمرها.
قال ابن إسحاق: فلمّا كفّلها زكريا ضمّها إلى خالتها أم يحيى واسترضع لها، حتى إذا نشأت وبلغت مبالغ النساء بنى لها محرابا: أي غرفة في المسجد، وجعل بابه إلى وسطها، لا يرقى إليها إلّا بسلّم مثل باب الكعبة، فلا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كلّ يوم.
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً: يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف غضّا طريّا. قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا فإنّها كانت إذا رزقها الله شيئا وسألت عنه قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.
«٣»
[أخبرنا عبد الله بن حامد بإسناده عن جابر بن عبد الله: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام أيّاما لم يطعم طعاما، حتى شقّ ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئا، فأتى فاطمة رضي الله عنها فقال: «يا بنيّة هل عندك شيء آكل فإنّي جائع؟» فقالت: لا والله بأبي أنت وأمّي، فلمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطّت عليه وقالت: لأوثرنّ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة من طعام، فبعثت حسنا وحسينا إلى جدّهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك، قال: «فهلمّي به»، فأتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّها من بركة الله، فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيّه،
قال السدي: هو نهر الأردن، فألقوا أقلامهم في الماء، فارتفع قلم زكريا فوق الماء وانحدرت أقلامهم [ورسبت] في النهر، قاله ابن إسحاق وجماعة.
وقال السدي وجماعة: بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جريان «٢» الماء [فذهب بها الماء]، فسهمهم وقرعهم زكريا، وكان رأس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ضمّها إلى نفسه وقام بأمرها.
قال ابن إسحاق: فلمّا كفّلها زكريا ضمّها إلى خالتها أم يحيى واسترضع لها، حتى إذا نشأت وبلغت مبالغ النساء بنى لها محرابا: أي غرفة في المسجد، وجعل بابه إلى وسطها، لا يرقى إليها إلّا بسلّم مثل باب الكعبة، فلا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كلّ يوم.
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً: يعني وجد زكريا عندها فاكهة في غير أوانها، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف غضّا طريّا. قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا فإنّها كانت إذا رزقها الله شيئا وسألت عنه قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.
«٣»
[أخبرنا عبد الله بن حامد بإسناده عن جابر بن عبد الله: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام أيّاما لم يطعم طعاما، حتى شقّ ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه، فلم يصب في بيت أحد منهنّ شيئا، فأتى فاطمة رضي الله عنها فقال: «يا بنيّة هل عندك شيء آكل فإنّي جائع؟» فقالت: لا والله بأبي أنت وأمّي، فلمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عندها، بعثت إليها جارة لها برغيفين وبضعة لحم، فأخذته منها ووضعته في جفنة وغطّت عليه وقالت: لأوثرنّ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة من طعام، فبعثت حسنا وحسينا إلى جدّهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرجع إليها، فقالت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك، قال: «فهلمّي به»، فأتي به فكشف عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّها من بركة الله، فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيّه،
(١) في القصص للثعلبي: عشر.
(٢) في التفاسير: جرية.
(٣) السقط مستدرك من المؤلّف نفسه في كتابه قصص الأنبياء: ٣٧٢. ٣٧٣.
(٢) في التفاسير: جرية.
(٣) السقط مستدرك من المؤلّف نفسه في كتابه قصص الأنبياء: ٣٧٢. ٣٧٣.
57
فقال (عليه السلام) :«من أين لك هذا يا بنيّة؟» قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، فحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيّدة نساء بني إسرائيل، فإنّها كانت يرزقها الله رزقا حسنا فسئلت عنه قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ] «١».
فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي رضي الله عنه، ثم أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا.
قالت فاطمة: وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني فجعل الله فيها بركة وخيرا [٤٩] «٢».
قال أهل التفسير: فلما رأى زكريا ذلك قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب ولا فعل أحد لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي غلاما على الكبر، فطمع في الولد وذلك إن أهل بيته كانوا قد انقرضوا، وكان زكريا قد شاخ وأيس من الولد.
قال الله تعالى: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ: أي فعند ذلك. و «هنا» إشارة إلى الغاية كما أن «هذه» إشارة إلى الحاضر.
والكاف: اسم المخاطب وكسرت اللام لالتقاء الساكنين.
قال المفضل بن سلمة: أكثر ما يقال هنالك في الزمان وهناك في المكان وقد جعل هذا مكان هذا.
دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ: فدخل المحراب وغلق الأبواب وناجى ربه. قالَ رَبِّ: أي يا رب فحذف حرف النداء من أوله والياء من آخره، استغني بكسر الباء عن الياء. هَبْ لِي:
أعطني، مِنْ لَدُنْكَ: من عندك. وفي لدن أربع لغات «٣» : لدن بفتح اللام وضم الدال وجزم النون وهو أفصحها، ولد بفتح اللام وضم الدال وحذف النون، ولدن بفتح اللام وسكون الدال وفتح النون، ولدن بضم اللام وجزم الدال وفتح النون.
قال الفرّاء: وهي يخصّص بها على الإضافة، وترفع على مذهب مذ «٤»، وأنشد قول أبي سفيان بن حرب على الوجهين:
فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي رضي الله عنه، ثم أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا.
قالت فاطمة: وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني فجعل الله فيها بركة وخيرا [٤٩] «٢».
قال أهل التفسير: فلما رأى زكريا ذلك قال: إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب ولا فعل أحد لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي غلاما على الكبر، فطمع في الولد وذلك إن أهل بيته كانوا قد انقرضوا، وكان زكريا قد شاخ وأيس من الولد.
قال الله تعالى: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ: أي فعند ذلك. و «هنا» إشارة إلى الغاية كما أن «هذه» إشارة إلى الحاضر.
والكاف: اسم المخاطب وكسرت اللام لالتقاء الساكنين.
قال المفضل بن سلمة: أكثر ما يقال هنالك في الزمان وهناك في المكان وقد جعل هذا مكان هذا.
دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ: فدخل المحراب وغلق الأبواب وناجى ربه. قالَ رَبِّ: أي يا رب فحذف حرف النداء من أوله والياء من آخره، استغني بكسر الباء عن الياء. هَبْ لِي:
أعطني، مِنْ لَدُنْكَ: من عندك. وفي لدن أربع لغات «٣» : لدن بفتح اللام وضم الدال وجزم النون وهو أفصحها، ولد بفتح اللام وضم الدال وحذف النون، ولدن بفتح اللام وسكون الدال وفتح النون، ولدن بضم اللام وجزم الدال وفتح النون.
قال الفرّاء: وهي يخصّص بها على الإضافة، وترفع على مذهب مذ «٤»، وأنشد قول أبي سفيان بن حرب على الوجهين:
(١) في المخطوط سقط وكلام مطموس استدركناه عن المصنّف في قصص الأنبياء: ٣٧٤. ٣٧٣ باب في ذكر مولد مريم (عليها السلام).
(٢) بطوله في قصص الأنبياء للثعلبي: ٣٧٣. ٣٧٤، وتفسير ابن كثير مسندا: ١/ ٣٦٨، والدرّ المنثور: ٢/ ٢٠، وسبل الهدى والرشاد: للشامي: ٩/ ٤٨٣، و ١١/ ٤٧. والبداية والنهاية لابن كثير: ٦/ ١٢٢.
(٣) راجع لسان العرب: ١٣/ ٣٨٥.
(٤) راجع تاج العروس: ٩/ ٣٣٢. ٣٣٣.
(٢) بطوله في قصص الأنبياء للثعلبي: ٣٧٣. ٣٧٤، وتفسير ابن كثير مسندا: ١/ ٣٦٨، والدرّ المنثور: ٢/ ٢٠، وسبل الهدى والرشاد: للشامي: ٩/ ٤٨٣، و ١١/ ٤٧. والبداية والنهاية لابن كثير: ٦/ ١٢٢.
(٣) راجع لسان العرب: ١٣/ ٣٨٥.
(٤) راجع تاج العروس: ٩/ ٣٣٢. ٣٣٣.
58
| ما زال مهري مزجر الكلب منهم | لدن غدوة حتى دنت لغروب «١» |
كما قال الشاعر:
| أبوك خليفة ولدته أخرى | وأنت خليفة ذاك الكمال «٣» |
| فما تزدري من حية جبلية سكات | إذا ما غض ليس بأدردا «٤» |
إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ: أي سامعه وقيل مجيبه، لقوله تعالى: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ: أي فأجيبون. وقولهم: سمع الله لمن حمده: أي أجابه.
وأنشد:
| دعوت الله حتى خفت ألا | يكون الله يسمع ما أقول «٥» |
قتادة عن أنس بن مالك قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: «أيما رجل مات وترك ذرية طيبة أجرى الله عليه مثل أجر عملهم لا ينقص من أجورهم شيئا» [٥٠] «٦».
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ: قرأ يحيى وثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخلف: فناداه بالياء، وأبو عمارة وأبو عبيدة، وقرأ الباقون: بالتّاء واختاره أبو حاتم: فإذا تقدم الفعل فأنت فيه بالخيار إن شئت أنّثت وإن شئت ذكّرت، إلّا أنّ من قرأ بالتاء فلأجل تأنيث الملائكة للفظ والجمع مع إن الذكور إذا تقدم فعلهم وهو جماعة كان التأنيث فيه أحسن وأفصح كقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا «٧»، ومن ذكّر خلها.
(١) البداية والنهاية: ٤/ ٢٤.
(٢) سورة مريم: ٥.
(٣) الصحاح: ٤/ ١٣٥٦.
(٤) الصحاح: ١/ ٢٥٣.
(٥) الفائق في غريب الحديث: ٢/ ١٥٨.
(٦) تفسير القرطبي: ٤/ ٧٢.
(٧) سورة الحجرات: ١٤. [.....]
(٢) سورة مريم: ٥.
(٣) الصحاح: ٤/ ١٣٥٦.
(٤) الصحاح: ١/ ٢٥٣.
(٥) الفائق في غريب الحديث: ٢/ ١٥٨.
(٦) تفسير القرطبي: ٤/ ٧٢.
(٧) سورة الحجرات: ١٤. [.....]
59
روى القاسم بن سلام عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يذكّر الملائكة في القرآن، قال أبو عبيدة: إنما يرى [أن] الله اختار ذلك خلافا على المشركين في قولهم:
الملائكة بنات الله فأراد بالتذكير هاهنا إكذابهم.
وروى الشعبي أن ابن مسعود قال: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء وذكّروا القرآن «١».
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: إذا كان الحرف في القرآن تاء وياء فأجعلوها ياء. وأراد بالملائكة هاهنا: جبريل وحده وذلك أنّ زكريا الحبر الكبير الذي تعهد بالقربان، وبفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول، فبينا هو قائم في المسجد عند المذبح يصلي والناس ينتظرونه أن يأذن لهم في الدخول، إذ هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه وهو جبريل: يا زكريا أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى فذلك قوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ:
يعني جبريل وحده نظيره قوله في هذه السورة وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ «٢» : يعني جبريل وحده، وقوله في النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ»
: يعني جبريل ما يروح بالوحي لأنّ الرسول إلى جميع الأنبياء جبريل (عليه السلام)، يأت عليه قوله ابن مسعود، فناداه جبريل وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ: وهذا جائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، وخرج على بغال البريد، وإنما على بغل واحد، وسمعت هذا الخبر من الناس، وإنما سمع من واحد نظير قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ «٤» : يعني نعيم بن مسعود. إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «٥» : يعني أبا سفيان ونحوها كثرة.
وقال المفضل بن سلمة: إذا كان القائل رئيسا فيجوز الإخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه، فلمّا كان جبريل رئيس الملائكة وكل ما يبعث إلّا ومعه جمع منهم فهي على هذا.
وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ: يعني في المسجد، نظيره قوله: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ «٦» : أي المسجد، وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ «٧» : أي المسجد، وهو مفعال من الحرب، قيل: سمي بهذا لأنّه تحارب فيه الشيطان، كما قيل: مضمار للميدان الذي تضمر فيه الخيل، وأمال ابن عامر المحراب في جميع القرآن، وفخّمه الآخرون.
الملائكة بنات الله فأراد بالتذكير هاهنا إكذابهم.
وروى الشعبي أن ابن مسعود قال: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء وذكّروا القرآن «١».
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: إذا كان الحرف في القرآن تاء وياء فأجعلوها ياء. وأراد بالملائكة هاهنا: جبريل وحده وذلك أنّ زكريا الحبر الكبير الذي تعهد بالقربان، وبفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول، فبينا هو قائم في المسجد عند المذبح يصلي والناس ينتظرونه أن يأذن لهم في الدخول، إذ هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه وهو جبريل: يا زكريا أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى فذلك قوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ:
يعني جبريل وحده نظيره قوله في هذه السورة وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ «٢» : يعني جبريل وحده، وقوله في النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ»
: يعني جبريل ما يروح بالوحي لأنّ الرسول إلى جميع الأنبياء جبريل (عليه السلام)، يأت عليه قوله ابن مسعود، فناداه جبريل وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ: وهذا جائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، وخرج على بغال البريد، وإنما على بغل واحد، وسمعت هذا الخبر من الناس، وإنما سمع من واحد نظير قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ «٤» : يعني نعيم بن مسعود. إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ «٥» : يعني أبا سفيان ونحوها كثرة.
وقال المفضل بن سلمة: إذا كان القائل رئيسا فيجوز الإخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه، فلمّا كان جبريل رئيس الملائكة وكل ما يبعث إلّا ومعه جمع منهم فهي على هذا.
وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ: يعني في المسجد، نظيره قوله: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ «٦» : أي المسجد، وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ «٧» : أي المسجد، وهو مفعال من الحرب، قيل: سمي بهذا لأنّه تحارب فيه الشيطان، كما قيل: مضمار للميدان الذي تضمر فيه الخيل، وأمال ابن عامر المحراب في جميع القرآن، وفخّمه الآخرون.
(١) المصنّف لابن أبي شيبة: ٧/ ٢٠٢، وفيه: فإنّ القرآن ذكّر فذكّروه، ورواه الشعبي عن علقمة عن عبد الله.
(٢) سورة آل عمران: ٤٢.
(٣) سورة النحل: ٢.
(٤) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٥) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٦) سورة مريم: ١١.
(٧) سورة ص: ٢١.
(٢) سورة آل عمران: ٤٢.
(٣) سورة النحل: ٢.
(٤) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٥) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٦) سورة مريم: ١١.
(٧) سورة ص: ٢١.
60
أَنَّ اللَّهَ قرأ ابن عامر وعيسى بن عمرو والأعمش وحمزة: بكسر الألف على إضمار القول تقديره: فنادته الملائكة فقالت: إن الله لأن النداء قول.
وقرأ الباقون: بالفتح بإيقاع النداء عليه كأنه قال: فنادته الملائكة أن الله يبشرك.
وقرأ عبد الله: وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ يا زكريا إن الله يبشرك: اختلف الفرّاء في مستقبل هذا الفعل وجملها في القرآن عشرة: موضعين هاهنا وفي التوبة يُبَشِّرُهُمْ «١» ومريم وفي الحجر إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ «٢»، وفَبِمَ تُبَشِّرُونَ «٣» وفي سبحان والكهف وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ «٤»، وفي مريم موضعين: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ولِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، وفي حم عسق: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ «٥» فهذه عشرة مواضع اتّفقوا على واحد منها إنها مشددة، وهو قوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ واختلفوا في التسعة الباقية فقرأها: حمزة كلها بفتح الباء وجزم الياء وضم الشين وتخفيفها.
وقرأ يحيى بن رئاب والكسائي خمسة منها مخففة، موضعين هاهنا وفي سبحان والكهف وعسق.
وخفّف ابن كثير وأبو عمرو منها حرفا واحدا وهو قوله: في حم، عسق... ذلِكَ النبي الَّذِي يَبْشُرُ اللَّهُ عِبادَهُ.
وقرأها كلها حميد بن قيس: بضم الياء وجزم الباء وكسر الشين وتخفيفها.
الباقون: بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين وتشديده، فمن خفّف الشين وضم الباء وهو من أبشر يبشر، قال الشاعر:
يا أمّ عمرو أبشري بالبشرى... موت ذريع وجراد عظلي «٦»
ومن قرأ بتخفيف الشين مع فتح الباء فهو من بشر يبشر، وهو لغة أهل تهامة وقراءة ابن مسعود. قال الشاعر:
نشرت عوالي إذا رأيت حيفة... ماسك من الحجّاج تعلى كتابها
وقرأ الباقون: بالفتح بإيقاع النداء عليه كأنه قال: فنادته الملائكة أن الله يبشرك.
وقرأ عبد الله: وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ يا زكريا إن الله يبشرك: اختلف الفرّاء في مستقبل هذا الفعل وجملها في القرآن عشرة: موضعين هاهنا وفي التوبة يُبَشِّرُهُمْ «١» ومريم وفي الحجر إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ «٢»، وفَبِمَ تُبَشِّرُونَ «٣» وفي سبحان والكهف وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ «٤»، وفي مريم موضعين: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ولِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، وفي حم عسق: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ «٥» فهذه عشرة مواضع اتّفقوا على واحد منها إنها مشددة، وهو قوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ واختلفوا في التسعة الباقية فقرأها: حمزة كلها بفتح الباء وجزم الياء وضم الشين وتخفيفها.
وقرأ يحيى بن رئاب والكسائي خمسة منها مخففة، موضعين هاهنا وفي سبحان والكهف وعسق.
وخفّف ابن كثير وأبو عمرو منها حرفا واحدا وهو قوله: في حم، عسق... ذلِكَ النبي الَّذِي يَبْشُرُ اللَّهُ عِبادَهُ.
وقرأها كلها حميد بن قيس: بضم الياء وجزم الباء وكسر الشين وتخفيفها.
الباقون: بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين وتشديده، فمن خفّف الشين وضم الباء وهو من أبشر يبشر، قال الشاعر:
يا أمّ عمرو أبشري بالبشرى... موت ذريع وجراد عظلي «٦»
ومن قرأ بتخفيف الشين مع فتح الباء فهو من بشر يبشر، وهو لغة أهل تهامة وقراءة ابن مسعود. قال الشاعر:
نشرت عوالي إذا رأيت حيفة... ماسك من الحجّاج تعلى كتابها
(١) سورة التوبة: ٢١.
(٢) سورة الحجر: ٥٣.
(٣) سورة الحجر: ٥٤.
(٤) سورة البقرة: ٢٢٣، والتوبة: ١١٢.
(٥) سورة الشورى: ٢١. ٢٣.
(٦) الجراد العظلى: الذي لا يبرح، ومراده بأمّ عمرو: أمّ عامر كناية عن الضبع راجع تفسير القرطبي: ٤/ ٧٥، والبيت أيضا في كتاب العين: ٢/ ٨٥.
(٢) سورة الحجر: ٥٣.
(٣) سورة الحجر: ٥٤.
(٤) سورة البقرة: ٢٢٣، والتوبة: ١١٢.
(٥) سورة الشورى: ٢١. ٢٣.
(٦) الجراد العظلى: الذي لا يبرح، ومراده بأمّ عمرو: أمّ عامر كناية عن الضبع راجع تفسير القرطبي: ٤/ ٧٥، والبيت أيضا في كتاب العين: ٢/ ٨٥.
61
وقال الفرّاء:
روي عبد الرحمن بن أبي حماد عن معاذ الكوفي، قال: من قرأ يُبَشِّرُهُمْ مثقلة فإنّه من البشارة ومن قرأ يبشرهم مخفّفة بنصب الياء فإنّه من السرور، يسرّهم «٣»، وتصديق هذه القراءة ما
روى ابن زيد بن أسلم عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لرجل: إن الله يبشرك بغلام فولدت امرأته غلاما.
ومن قرأ بالتشديد من بشر يبشر بشيرا وهو أعرب اللغات وأفصحهم. قال جرير:
ودليل التشديد: إنّ كلّ ما في القرآن من هذا الباب من فعل واجب أو أمر فهو بالتثقيل لقوله: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ «٥»، وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ «٦»، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ «٧».
بِيَحْيى: هو اسم لا يجري لمعرفته، والمزايد في أوله مثل: يزيد ويعمر ويشكر وأماله قوم لأجل الياء وفخّمه الآخرون، وجمعه «يحيون» مثل موسون وعسون، واختلفوا فيه لم سمي «يحيى».
قال ابن عباس: لأن الله أحيا به عقر أمه. قتادة: لأن الله أحيا قلبه بالإيمان. بعضهم:
لأن الله أحيا قلبه بالنبوة.
الحسن بن الفضل: لأن الله أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية.
ما روى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من أحد إلّا ويلقى الله عز وجل قد همّ بخطيئة قد عملها إلّا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعملها.
قال الثعلبي: [سمعت] الأستاذ أبا القاسم بن حبيب يقول: سمي بذلك لأنه أستشهد والشهداء أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
| وإذا رأيت الباهشين «١» إلى العلى | غبرا أكفهم بقاع ممحل |
| فأعنهم وأبشر بما بشروا به | وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل «٢» |
روى ابن زيد بن أسلم عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لرجل: إن الله يبشرك بغلام فولدت امرأته غلاما.
ومن قرأ بالتشديد من بشر يبشر بشيرا وهو أعرب اللغات وأفصحهم. قال جرير:
| يا بشر حق لوجهك التبشير | هلا غضبت لنا وأنت أمير «٤» |
بِيَحْيى: هو اسم لا يجري لمعرفته، والمزايد في أوله مثل: يزيد ويعمر ويشكر وأماله قوم لأجل الياء وفخّمه الآخرون، وجمعه «يحيون» مثل موسون وعسون، واختلفوا فيه لم سمي «يحيى».
قال ابن عباس: لأن الله أحيا به عقر أمه. قتادة: لأن الله أحيا قلبه بالإيمان. بعضهم:
لأن الله أحيا قلبه بالنبوة.
الحسن بن الفضل: لأن الله أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية.
ما روى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من أحد إلّا ويلقى الله عز وجل قد همّ بخطيئة قد عملها إلّا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعملها.
قال الثعلبي: [سمعت] الأستاذ أبا القاسم بن حبيب يقول: سمي بذلك لأنه أستشهد والشهداء أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
(١) من بهش إليه إذا نظر إلى الشيء فأعجبه. [.....]
(٢) لسان العرب: ٤/ ٦٢.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٣٤٢.
(٤) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٣٢٨.
(٥) سورة المزمّل: ١٧. ١٨.
(٦) سورة الصافّات: ١١٢.
(٧) سورة الحجر: ٥٥.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٦٢.
(٣) تفسير الطبري: ٣/ ٣٤٢.
(٤) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٣٢٨.
(٥) سورة المزمّل: ١٧. ١٨.
(٦) سورة الصافّات: ١١٢.
(٧) سورة الحجر: ٥٥.
62
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من هوان الدنيا على الله إن يحيى بن زكريا قتلته امرأة» [٥١] «١».
قال الثعلبي: وسمعت أبا منصور [الجمشاذي] يقول: عن عمر بن عبيد الله المقدسي:
أوحى الله إلى إبراهيم الخليل: أن قل ليسارة وكذلك كان اسمها: أني مخرج منكما عبدا لا يموت بمعصيتي اسمه حيي فهبي له من اسمك حرفا، فوهبت له أول حرف من اسمها فصار يحيى وصارت امرأة إبراهيم سارة.
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ: نصب على الحال مِنَ اللَّهِ: يعني عيسى (عليه السلام) سمي كلمة لأن الله قال له: كُنْ من غير أب فكان، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه كان بها، ويحيى أول من آمن بعيسى فصدّقه، وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر، وكانا ابني خالة، ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى (عليهما السلام).
وقال أبو عبيدة وعبد العزيز بن يحيى: بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وآياته، يقول: أنشدني كلمة فلان:
أي قصيدته.
وَسَيِّداً: من فيعمل نحو ساد يسود أصله يسود، وهو الرئيس الذي يتّبع وينتهى إلى قوله.
قال المفضل: أراد سيدا في الدين.
شريك عن أبي روق عن الضحاك قال: السيد الحسن الخلق.
وروى شريك بإسناده أيضا عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: السيد هو الذي يطيع ربه عز وجل.
سعيد بن المسيب: السيد الفقيه العالم. قتادة: سيد في العلم والصوم، سعيد بن جبير:
الحليم، الضحّاك: التقي، عكرمة: الذي لا يغضب، مجاهد: الكريم على الله، ابن زيد:
الشريف الكبير، سفيان الثوري: الذي لا يحسد.
روى يوسف بن الحسين الرازي عن ذي النون المصري قال: الحسود لا يسود.
قال الخليل بن أحمد: مطاعا.
الزجّاج: هو الذي ينوي وبكل شيء من الخير أقرانه.
أحمد بن عاصم: السيد القانع بما قسم له.
أبو بكر الورّاق: الراضي بقضاء الله تعالى.
قال الثعلبي: وسمعت أبا منصور [الجمشاذي] يقول: عن عمر بن عبيد الله المقدسي:
أوحى الله إلى إبراهيم الخليل: أن قل ليسارة وكذلك كان اسمها: أني مخرج منكما عبدا لا يموت بمعصيتي اسمه حيي فهبي له من اسمك حرفا، فوهبت له أول حرف من اسمها فصار يحيى وصارت امرأة إبراهيم سارة.
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ: نصب على الحال مِنَ اللَّهِ: يعني عيسى (عليه السلام) سمي كلمة لأن الله قال له: كُنْ من غير أب فكان، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه كان بها، ويحيى أول من آمن بعيسى فصدّقه، وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر، وكانا ابني خالة، ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى (عليهما السلام).
وقال أبو عبيدة وعبد العزيز بن يحيى: بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وآياته، يقول: أنشدني كلمة فلان:
أي قصيدته.
وَسَيِّداً: من فيعمل نحو ساد يسود أصله يسود، وهو الرئيس الذي يتّبع وينتهى إلى قوله.
قال المفضل: أراد سيدا في الدين.
شريك عن أبي روق عن الضحاك قال: السيد الحسن الخلق.
وروى شريك بإسناده أيضا عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: السيد هو الذي يطيع ربه عز وجل.
سعيد بن المسيب: السيد الفقيه العالم. قتادة: سيد في العلم والصوم، سعيد بن جبير:
الحليم، الضحّاك: التقي، عكرمة: الذي لا يغضب، مجاهد: الكريم على الله، ابن زيد:
الشريف الكبير، سفيان الثوري: الذي لا يحسد.
روى يوسف بن الحسين الرازي عن ذي النون المصري قال: الحسود لا يسود.
قال الخليل بن أحمد: مطاعا.
الزجّاج: هو الذي ينوي وبكل شيء من الخير أقرانه.
أحمد بن عاصم: السيد القانع بما قسم له.
أبو بكر الورّاق: الراضي بقضاء الله تعالى.
(١) الجامع الصغير: ١/ ٣٨٣، ح ٢٥٠٢.
63
محمد بن علي الترمذي: المتوكل على الله.
أبو زيد البسطامي: هو الذي قد عظمت همته ونبل قدره، لم يحدث نفسه بدار الدنيا، وقيل: هو السخي.
روى ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سيدكم يا بني سلمة؟
قالوا: جد بن قيس غير أنّه بخيل جبان. قال: وأيّ داء أدوى من البخل، بل سيدكم عمرو بن جموح «١».
روى عبد الله بن عباس: إنه كان قاعدا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه بضعة عشر رجلا عليهم ثياب السفر، فسلموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى القوم، ثم قالوا: من السيد منكم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فعرفوا أنه رسول الله، فقالوا: فما في أمتك سيد، قال: بلى رجل أعطى مالا حلالا ورزق سماحة، وأدنى الفقراء وقلت شكايته «٢».
وروى أن أسد بن عبد الله قال لرجل من بني شيبان: بلغني أن السودد فيكم رخيص.
فقال: أما نحن فلا نسود إلّا من يعطينا رحله، ويفرش لنا عرضه، ويعطينا ماله. فقال: والله إن السودد فيكم لغال.
وَحَصُوراً: أصله من الحصر وهو الحبس، يقال: حصرت الرجل عن حاجته إذا حبسته، وحصرت من كذا أحصر إذا امتنع منه، وحصر فلان في قرأته إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها، ومنه إحصار العدو. قال الله تعالى: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «٣» : أي محبسا. ويقال للرجل الذي يكتم السر ويحبسه ولا يظره حصر.
قال جرير:
فالحصور في قول ابن مسعود وابن عباس وابن جبير وقتادة وعطاء وأبي الشعثاء والحسن والسدي وابن زيد: الذي لا يأتي النساء ولا يقربهنّ، فهو على هذا القول: مفعول بمعنى فاعل يعني: أنه يحصر نفسه عن الشهوات.
وقال سعيد بن المسيب والضحّاك: هو العنّين الذي لا ماء له، ودليل هذا التأويل ما
روى أبو صالح عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلّا يحيى بن زكريا فإنه كان سَيِّداً وَحَصُوراً» [٥٢].
أبو زيد البسطامي: هو الذي قد عظمت همته ونبل قدره، لم يحدث نفسه بدار الدنيا، وقيل: هو السخي.
روى ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سيدكم يا بني سلمة؟
قالوا: جد بن قيس غير أنّه بخيل جبان. قال: وأيّ داء أدوى من البخل، بل سيدكم عمرو بن جموح «١».
روى عبد الله بن عباس: إنه كان قاعدا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه بضعة عشر رجلا عليهم ثياب السفر، فسلموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى القوم، ثم قالوا: من السيد منكم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فعرفوا أنه رسول الله، فقالوا: فما في أمتك سيد، قال: بلى رجل أعطى مالا حلالا ورزق سماحة، وأدنى الفقراء وقلت شكايته «٢».
وروى أن أسد بن عبد الله قال لرجل من بني شيبان: بلغني أن السودد فيكم رخيص.
فقال: أما نحن فلا نسود إلّا من يعطينا رحله، ويفرش لنا عرضه، ويعطينا ماله. فقال: والله إن السودد فيكم لغال.
وَحَصُوراً: أصله من الحصر وهو الحبس، يقال: حصرت الرجل عن حاجته إذا حبسته، وحصرت من كذا أحصر إذا امتنع منه، وحصر فلان في قرأته إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها، ومنه إحصار العدو. قال الله تعالى: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «٣» : أي محبسا. ويقال للرجل الذي يكتم السر ويحبسه ولا يظره حصر.
قال جرير:
| ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا | حصرا بسرك يا أميم ضنينا «٤» |
وقال سعيد بن المسيب والضحّاك: هو العنّين الذي لا ماء له، ودليل هذا التأويل ما
روى أبو صالح عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلّا يحيى بن زكريا فإنه كان سَيِّداً وَحَصُوراً» [٥٢].
(١) أحكام القرآن: ٢/ ١٥ بتفاوت.
(٢) الدرّ المنثور: ٦/ ١٩٧.
(٣) سورة الإسراء: ٨.
(٤) الصحاح: ٢/ ٦٣١.
(٢) الدرّ المنثور: ٦/ ١٩٧.
(٣) سورة الإسراء: ٨.
(٤) الصحاح: ٢/ ٦٣١.
64
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ: ثم أهوى النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: «كان ذكره مثل هذه القذاة» [٥٣] «١».
وقال المبرد: الحصور الذي لا يدخل في اللعب والعبث والأباطيل، وأصله من قول العرب الذي لا يدخل في الميسر حصور. قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني... لا بالحصور ولا فيها بسوار «٢»
فلما نادت الملائكة زكريا بالبشارة قالَ رَبِّ: يا سيدي قاله لجبرائيل (عليه السلام)، وهذا هو قول الكلبي وأكثر المفسرين.
وقال الحسن بن الفضل: إنّما قال زكريا لله يا رب لا لجبرائيل.
أَنَّى يَكُونُ: من أين يكون، لِي غُلامٌ: ابن. وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ: قال أبو حمزة والفرّاء والمورّخ بن المفضّل: هذا من المقلوب: أي قد بلغت الكبر كما يقال: بلغني الجهد:
أي إني في جهد، ويقول هذا القول لا يقطعني أي لا يبلغ [بي] ما أريد [أن] يقطعه، وأنشد المفضل:
كانت فريضة ما زعمت... كما كانت الزناء فريضة الرجم «٣»
وقيل معناه: وقد نالني الكبر وأدركني وأخذ مني وأضعفني.
قال الكلبي: كان يوم بشر بالولد ابن اثنين وتسعين سنة، وقيل: ابن تسع وتسعون سنة «٤»، فذلك قوله: وَامْرَأَتِي عاقِرٌ: أي عقيم لا تلد، يقال: رجل عاقر وامرأة عاقر، وقد عقر بضم القاف، يعقر عقرا وعقارة، وقيل: تكلم حتى أعقر بكسر القاف يعقر عقرا إذا أبقى فلم يقدر على الكلام.
وقال عامر بن الطفيل:
ولبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا... جبانا فما عذري لدى كل محضر «٥»
وإنما حذف الهاء لاختصاص الإناث بهذه، وقال به تارة الخليل «٦».
وقال المبرد: الحصور الذي لا يدخل في اللعب والعبث والأباطيل، وأصله من قول العرب الذي لا يدخل في الميسر حصور. قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني... لا بالحصور ولا فيها بسوار «٢»
فلما نادت الملائكة زكريا بالبشارة قالَ رَبِّ: يا سيدي قاله لجبرائيل (عليه السلام)، وهذا هو قول الكلبي وأكثر المفسرين.
وقال الحسن بن الفضل: إنّما قال زكريا لله يا رب لا لجبرائيل.
أَنَّى يَكُونُ: من أين يكون، لِي غُلامٌ: ابن. وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ: قال أبو حمزة والفرّاء والمورّخ بن المفضّل: هذا من المقلوب: أي قد بلغت الكبر كما يقال: بلغني الجهد:
أي إني في جهد، ويقول هذا القول لا يقطعني أي لا يبلغ [بي] ما أريد [أن] يقطعه، وأنشد المفضل:
كانت فريضة ما زعمت... كما كانت الزناء فريضة الرجم «٣»
وقيل معناه: وقد نالني الكبر وأدركني وأخذ مني وأضعفني.
قال الكلبي: كان يوم بشر بالولد ابن اثنين وتسعين سنة، وقيل: ابن تسع وتسعون سنة «٤»، فذلك قوله: وَامْرَأَتِي عاقِرٌ: أي عقيم لا تلد، يقال: رجل عاقر وامرأة عاقر، وقد عقر بضم القاف، يعقر عقرا وعقارة، وقيل: تكلم حتى أعقر بكسر القاف يعقر عقرا إذا أبقى فلم يقدر على الكلام.
وقال عامر بن الطفيل:
ولبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا... جبانا فما عذري لدى كل محضر «٥»
وإنما حذف الهاء لاختصاص الإناث بهذه، وقال به تارة الخليل «٦».
(١) كنز العمّال: ١١/ ٥٢٠، ح ٣٢٤٢٨، مجمع الزوائد: ٨/ ٢٠٩.
(٢) لسان العرب: ٤/ ١٩٤.
(٣) تفسير الطبري: ٢/ ١١١، وزاد المسير: ٥/ ٢٤، ولسان العرب: ١٤/ ٣٥٩، والبيت للجعدي وفيه:
ما تقول كما. [.....]
(٤) وقيل: ثمان وتسعون راجع تفسير البغوي: ١/ ٢٩٩، وقيل غير ذلك راجع زاد المسير: ١/ ٣٢٨.
(٥) فتح الباري: ٦/ ٣٣٧.
(٦) عبارة غير مقروءة والظاهر ما ذكرناه.
(٢) لسان العرب: ٤/ ١٩٤.
(٣) تفسير الطبري: ٢/ ١١١، وزاد المسير: ٥/ ٢٤، ولسان العرب: ١٤/ ٣٥٩، والبيت للجعدي وفيه:
ما تقول كما. [.....]
(٤) وقيل: ثمان وتسعون راجع تفسير البغوي: ١/ ٢٩٩، وقيل غير ذلك راجع زاد المسير: ١/ ٣٢٨.
(٥) فتح الباري: ٦/ ٣٣٧.
(٦) عبارة غير مقروءة والظاهر ما ذكرناه.
65
وقال سيبويه: للنسبة أي ذات عقر، كما يقال:
وقال عبيد: عاقر مثل ذات رحم، أو خانم مثل من [ينحب].
قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ: فإن قيل: لم تنكر زكريا ذلك وسأل الآية بعد ما بشرته به الملائكة أكان ذلك [شكّ في صدقهم] أم أنّ [ذلك منه استنكارا لقدرة ربّه] «٢» ؟ وهذا لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان فكيف الأنبياء (عليهم السلام) ؟
قيل: إن الجواب عنه ما روى عكرمة والسدي: إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان، فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعته ليس من الله، إنما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله لأوحاه إليك خفيا، كما (ناداك) خفيا وكما يوحى إليك في سائر الأمور، فقال ذلك دفعا للوسوسة.
والجواب الثاني: إنه لم يشك في الولد وإنما شك في كيفيته والوجه الذي يكون منه الولد فقال: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ: أي فكيف يكون لي ولد؟ أتجعلني وامرأتي شابين؟ أم ترزقنا ولدا على كبرنا؟ أم ترزقني من امرأتي أو غيرها من النساء؟ قال ذلك مستفهما لا منكرا، وهذا قول الحسن وابن كيسان.
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً: علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكرا لك.
قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ: تكف عن الكلام.
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً: تقبل بكلمتك على عبادتي وطاعتي لا أنه حبيس لسانه عن الكلام، ولكنه نهي عنه يدل عليه قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.
قال بعض أهل المعاني وقال أكثر المفسرين: عقد لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مساءلة الملائكة إياه، فلم يصدر على الكلام ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً: إشارة.
قال الفرّاء: ويكون الرمز باللسان من غير أن يبين، وهو الصوت الخفي شبه الهمس.
وقرأ الأعمش: رَمَزاً: بفتح الميم وهو الصلاة كالطلب به.
وقال عطا: أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلّا رمزا.
وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: يعني جبرئيل وحده.
| امرأة مرضع أي ذات ولد رضيع وكل [ | ] «١» امرأتي عنى عاقر، وشخص عاقر. |
قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ: فإن قيل: لم تنكر زكريا ذلك وسأل الآية بعد ما بشرته به الملائكة أكان ذلك [شكّ في صدقهم] أم أنّ [ذلك منه استنكارا لقدرة ربّه] «٢» ؟ وهذا لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان فكيف الأنبياء (عليهم السلام) ؟
قيل: إن الجواب عنه ما روى عكرمة والسدي: إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان، فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعته ليس من الله، إنما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله لأوحاه إليك خفيا، كما (ناداك) خفيا وكما يوحى إليك في سائر الأمور، فقال ذلك دفعا للوسوسة.
والجواب الثاني: إنه لم يشك في الولد وإنما شك في كيفيته والوجه الذي يكون منه الولد فقال: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ: أي فكيف يكون لي ولد؟ أتجعلني وامرأتي شابين؟ أم ترزقنا ولدا على كبرنا؟ أم ترزقني من امرأتي أو غيرها من النساء؟ قال ذلك مستفهما لا منكرا، وهذا قول الحسن وابن كيسان.
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً: علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكرا لك.
قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ: تكف عن الكلام.
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً: تقبل بكلمتك على عبادتي وطاعتي لا أنه حبيس لسانه عن الكلام، ولكنه نهي عنه يدل عليه قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.
قال بعض أهل المعاني وقال أكثر المفسرين: عقد لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مساءلة الملائكة إياه، فلم يصدر على الكلام ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً: إشارة.
قال الفرّاء: ويكون الرمز باللسان من غير أن يبين، وهو الصوت الخفي شبه الهمس.
وقرأ الأعمش: رَمَزاً: بفتح الميم وهو الصلاة كالطلب به.
وقال عطا: أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلّا رمزا.
وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: يعني جبرئيل وحده.
(١) سقط في أصل المخطوط.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٥٠.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٥٠.
66
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﰫ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﰬ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﰭ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﰮ
ﭳﭴﭵﭶﭷ
ﰯ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﰰ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰱ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﰲ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰳ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ
ﰴ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰵ
يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ: بولادة عيسى من غير أب.
وَطَهَّرَكِ: من [مسيس] الرجل «١». وقال السدي: كانت مريم لا تحيض.
وَاصْطَفاكِ: بالتحرير في المسجد، عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ: عالمي زمانها ولا يحرر غيرها.
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي: أطيعي وأطيلي الصلاة، لِرَبِّكِ: كلمت به الملائكة شفاها.
قال [الأوزاعي] : لمّا قالت لها الملائكة ذلك، قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالتا دما وقيحا «٢».
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٤ الى ٥٤]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)
وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)
ذلِكَ: الذي ذكرت من حديث زكريا ومن حديث ويحيى ومريم وعيسى، مِنْ أَنْباءِ:
أخبار، الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ: ردّ الكناية إلى ذلك فلذلك ذكر. وَما كُنْتَ: يا محمد، لَدَيْهِمْ: عندهم، إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ سهامهم وقداحهم للاقتراع في الماء واحدها: قلم، وقيل: [أقلامهم التي كانوا يكتبون بها] «٣» التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء.
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ: [....] «٤».
وَطَهَّرَكِ: من [مسيس] الرجل «١». وقال السدي: كانت مريم لا تحيض.
وَاصْطَفاكِ: بالتحرير في المسجد، عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ: عالمي زمانها ولا يحرر غيرها.
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي: أطيعي وأطيلي الصلاة، لِرَبِّكِ: كلمت به الملائكة شفاها.
قال [الأوزاعي] : لمّا قالت لها الملائكة ذلك، قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالتا دما وقيحا «٢».
وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٤ الى ٥٤]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨)
وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤)
ذلِكَ: الذي ذكرت من حديث زكريا ومن حديث ويحيى ومريم وعيسى، مِنْ أَنْباءِ:
أخبار، الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ: ردّ الكناية إلى ذلك فلذلك ذكر. وَما كُنْتَ: يا محمد، لَدَيْهِمْ: عندهم، إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ سهامهم وقداحهم للاقتراع في الماء واحدها: قلم، وقيل: [أقلامهم التي كانوا يكتبون بها] «٣» التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء.
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ: [....] «٤».
(١) تفسير الجلالين: ٧٢.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ٨٤.
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ٨٦.
(٤) كلام غير مقروء.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ٨٤.
(٣) تفسير القرطبي: ٤/ ٨٦.
(٤) كلام غير مقروء.
67
وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ: في كفالتها.
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ وقرأ أبو السماك «١» وهب بن يزيد العدوي: (بِكِلِمَةٍ) مكسورة الكاف مجزومة اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ.
اسْمُهُ: رد كناية إلى عيسى وكذلك ذكر. وقيل: رده إلى الكلام لأن الكلمة والكلام واحد.
الْمَسِيحُ: قال بعضهم: هو فعيل بمعنى المفعول يعني: أنه مسح من الأقذار وطهر.
وقيل: مسح بالبركة.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن «٢».
وقيل: لأنه مسح القدمين لا أخمص له.
وقيل: مسحه جبرئيل بجناحه من الشيطان حتى لم يكن للشيطان فيه سبيل في وقت ولادته.
وقال بعضهم: هو بمعنى الفاعل مثل عليم وعالم، وسمي ذلك لأنه كان يمسح المرضى فيبرءون بإذن الله.
قال الكلبي: سمي بذلك لأنه كان يمسح عين الأعمى فيبصره.
وقيل: سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض يخوضها ولا يقيم في مكان، وعلى هذا القول الميم فيه زائدة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: المسيح الملك.
وقال أبو تميم النخعي: المسيح الصديق، فإما هو المسّيح بكسر الميم وتشديد السين، وقال غيره: هذا قول لا وجه له بل الدجال مسيح أيضا فعيل بمعنى مفعول لأنه ممسوح إحدى العينين كأنها عين طافية، ويكون بمعنى [السائح] «٣» لأنه يسيح في الأرض فيطوف الأرض كلها إلّا مكة والمدينة وبيت المقدس.
قال الشاعر:
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ وقرأ أبو السماك «١» وهب بن يزيد العدوي: (بِكِلِمَةٍ) مكسورة الكاف مجزومة اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ.
اسْمُهُ: رد كناية إلى عيسى وكذلك ذكر. وقيل: رده إلى الكلام لأن الكلمة والكلام واحد.
الْمَسِيحُ: قال بعضهم: هو فعيل بمعنى المفعول يعني: أنه مسح من الأقذار وطهر.
وقيل: مسح بالبركة.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن «٢».
وقيل: لأنه مسح القدمين لا أخمص له.
وقيل: مسحه جبرئيل بجناحه من الشيطان حتى لم يكن للشيطان فيه سبيل في وقت ولادته.
وقال بعضهم: هو بمعنى الفاعل مثل عليم وعالم، وسمي ذلك لأنه كان يمسح المرضى فيبرءون بإذن الله.
قال الكلبي: سمي بذلك لأنه كان يمسح عين الأعمى فيبصره.
وقيل: سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض يخوضها ولا يقيم في مكان، وعلى هذا القول الميم فيه زائدة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: المسيح الملك.
وقال أبو تميم النخعي: المسيح الصديق، فإما هو المسّيح بكسر الميم وتشديد السين، وقال غيره: هذا قول لا وجه له بل الدجال مسيح أيضا فعيل بمعنى مفعول لأنه ممسوح إحدى العينين كأنها عين طافية، ويكون بمعنى [السائح] «٣» لأنه يسيح في الأرض فيطوف الأرض كلها إلّا مكة والمدينة وبيت المقدس.
قال الشاعر:
(١) في بعض المصادر دون اسمه: أبو السمال واسمه قعنب، راجع تاج العروس: ٧/ ٣٨١، ولسان العرب:
١١/ ٣٤٧، وإكمال الكمال: ٤/ ٣٥٤.
(٢) زاد المسير: ١/ ٣٣١، وهو قول أبو سليمان الدمشقي.
(٣) في المخطوط: الساحل، ولم نجده في التفاسير.
١١/ ٣٤٧، وإكمال الكمال: ٤/ ٣٥٤.
(٢) زاد المسير: ١/ ٣٣١، وهو قول أبو سليمان الدمشقي.
(٣) في المخطوط: الساحل، ولم نجده في التفاسير.
68
إنّ المسيح يقتل المسيحا «١»
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً: نصب على الحال، أي شريفا [ذا جاه وقدر] «٢».
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ إلى ثواب الله وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صغيرا قبل [أوان] «٣» الكلام.
روى ابن أبي [نجيح] عن مجاهد قال: قالت مريم (عليها السلام) : كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدّثني وحدثته. فإذا شغلني عنه إنسان سبّح في بطني وأنا أسمع «٤».
وَكَهْلًا: قال مقاتل: يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء.
وقال الحسن بن الفضل: (كَهْلًا) بعد نزوله من السماء.
وقال ابن كيسان: أخبرهما أنّه يبقى حتّى يكتهل.
وقيل: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ: صبيّا وَكَهْلًا نبيّا [ولم يتكلّم في المهد من الأنبياء] «٥» إلّا عيسى (عليه السلام)، فكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة.
وقال مجاهد: وَكَهْلًا أي عظيما والعرب تمدح بالكهولة لأنّها أعظم؟ على في احتناك السنّ، واستحكام العقل، وجودة الرأي والتجربة.
وَمِنَ الصَّالِحِينَ أي فهو من العباد الصالحين.
قالَتْ رَبِّ يا سيّدي بقولها لجبرئيل أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يعني رجل.
قالَ كَذلِكِ اللَّهُ: كما تقولين يا مريم ولكن الله يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً:
[... ] «٦».
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ: كما يريد.
قال بعض أهل المعاني: ذكر القول هاهنا بيان وزيادة إلى ذكره ليتعارف النّاس به سرعة كون الشيء فيما بينهم.
وقال آخرون: هذا وقع على الموجود في علمه وإرادته وتحت قدرته وإن كان معدوما في ذاته.
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً: نصب على الحال، أي شريفا [ذا جاه وقدر] «٢».
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ إلى ثواب الله وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صغيرا قبل [أوان] «٣» الكلام.
روى ابن أبي [نجيح] عن مجاهد قال: قالت مريم (عليها السلام) : كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدّثني وحدثته. فإذا شغلني عنه إنسان سبّح في بطني وأنا أسمع «٤».
وَكَهْلًا: قال مقاتل: يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء.
وقال الحسن بن الفضل: (كَهْلًا) بعد نزوله من السماء.
وقال ابن كيسان: أخبرهما أنّه يبقى حتّى يكتهل.
وقيل: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ: صبيّا وَكَهْلًا نبيّا [ولم يتكلّم في المهد من الأنبياء] «٥» إلّا عيسى (عليه السلام)، فكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة.
وقال مجاهد: وَكَهْلًا أي عظيما والعرب تمدح بالكهولة لأنّها أعظم؟ على في احتناك السنّ، واستحكام العقل، وجودة الرأي والتجربة.
وَمِنَ الصَّالِحِينَ أي فهو من العباد الصالحين.
قالَتْ رَبِّ يا سيّدي بقولها لجبرئيل أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يعني رجل.
قالَ كَذلِكِ اللَّهُ: كما تقولين يا مريم ولكن الله يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً:
[... ] «٦».
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ: كما يريد.
قال بعض أهل المعاني: ذكر القول هاهنا بيان وزيادة إلى ذكره ليتعارف النّاس به سرعة كون الشيء فيما بينهم.
وقال آخرون: هذا وقع على الموجود في علمه وإرادته وتحت قدرته وإن كان معدوما في ذاته.
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٨٩.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٠، نسبه للأخفش. [.....]
(٣) كذا الظاهر.
(٤) المصنف لابن أبي شيبة: ٧/ ٤٦٠ ما ذكره في فضل عيسى.
(٥) زيادة يقتضيها السياق وعبارة المخطوط مشوشة.
(٦) سقط في أصل المخطوط.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٠، نسبه للأخفش. [.....]
(٣) كذا الظاهر.
(٤) المصنف لابن أبي شيبة: ٧/ ٤٦٠ ما ذكره في فضل عيسى.
(٥) زيادة يقتضيها السياق وعبارة المخطوط مشوشة.
(٦) سقط في أصل المخطوط.
69
ونصب بعض القرّاء النون في قوله فَيَكُونُ على جواب الأمر بالفاء، ورفع الباقون على إضمار (هو) أي فهو يكون. وقيل: على تكرير الكلام تقديره: فإنّما يقول له كن فيكون.
وَيُعَلِّمُهُ: قرأ أهل المدينة ومجاهد وحميد والحسن وعاصم: بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ: قد جرى ذكره عزّ وجلّ.
وقال المبرد: ردّوه على قوله إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ... وَيُعَلِّمُهُ وقرأ الباقون بالنون على التعظيم، واحتجّ أبو عمرو في ذلك لقوله ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ...
الْكِتابَ: أي الكتابة والخط والعلم.
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَرَسُولًا: أي ونجعله رسولا.
إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ: فترك ذكره لأن الكلام عليه، كقول الشاعر:
ورأيت بعلك «١» في الوغى... متقلدا سيفا ورمحا «٢»
أي وحاملا رمحا.
وأنشد الفرّاء لرجل من عبد القيس:
علفتها تبنا وماء باردا... حتى شتت همالة عيناها «٣»
يعني سقيتها ماء باردا.
قال الأخفش: وإن شئت جعلت الواو في قوله (وَرَسُولًا) مضخمة والرسول حالا للهاء، تقديره: ويعلّمه الكتاب رسولا «٤»، وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف وآخرهم عيسى (عليه السلام) «٥».
روى محمد بن إسكندر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل».
[٥٤] «٦» فلمّا بعث قال لهم:
[... ] «٧».
وَيُعَلِّمُهُ: قرأ أهل المدينة ومجاهد وحميد والحسن وعاصم: بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله تعالى كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ: قد جرى ذكره عزّ وجلّ.
وقال المبرد: ردّوه على قوله إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ... وَيُعَلِّمُهُ وقرأ الباقون بالنون على التعظيم، واحتجّ أبو عمرو في ذلك لقوله ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ...
الْكِتابَ: أي الكتابة والخط والعلم.
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَرَسُولًا: أي ونجعله رسولا.
إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ: فترك ذكره لأن الكلام عليه، كقول الشاعر:
ورأيت بعلك «١» في الوغى... متقلدا سيفا ورمحا «٢»
أي وحاملا رمحا.
وأنشد الفرّاء لرجل من عبد القيس:
علفتها تبنا وماء باردا... حتى شتت همالة عيناها «٣»
يعني سقيتها ماء باردا.
قال الأخفش: وإن شئت جعلت الواو في قوله (وَرَسُولًا) مضخمة والرسول حالا للهاء، تقديره: ويعلّمه الكتاب رسولا «٤»، وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف وآخرهم عيسى (عليه السلام) «٥».
روى محمد بن إسكندر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل».
[٥٤] «٦» فلمّا بعث قال لهم:
[... ] «٧».
(١) في المصدر: زوجك.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٧٤.
(٣) لسان العرب: ٢/ ٢٨٧.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٣.
(٥) وهو حديث أبي ذر الطويل، راجع تفسير القرطبي.
(٦) البداية والنهاية: ٢/ ١٨٢ بتفاوت.
(٧) سقط في أصل المخطوط.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٧٤.
(٣) لسان العرب: ٢/ ٢٨٧.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٣.
(٥) وهو حديث أبي ذر الطويل، راجع تفسير القرطبي.
(٦) البداية والنهاية: ٢/ ١٨٢ بتفاوت.
(٧) سقط في أصل المخطوط.
70
قال الكسائي: وإنمّا فتح لأنّه أوقع الرسالة عليه وقيل: بأنّي أو لأنّي.
قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ: والآية مِنْ رَبِّكُمْ: يصدّق قولي ويحقق رسالتي.
قال الخليل والفرّاء: أصلها بآيّة بتشديد الياء فثقل عليهم التشديد فأبدلوا لانفتاح ما قبل التشديد وتقديرها فعله.
وقال الكسائي: هي في الأصل أبيه مثل فاطمة فحذفت أحدى الياءين فلمّا قال ذلك عيسى لبني إسرائيل. قالوا: وما هي؟ قال: إنّي، قول نافع بكسر الألف على الاستئناف وإضمار القول.
وقرأ الباقون بالفتح على معنى بأنّي.
أَخْلُقُ: أي أصور وأقدّر.
لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ: قرأ الزهري وأبو جعفر: كهيّة بتشديد الياء. والآخرون بالهمزة. والهيئة الصورة المهيّأة، وهي من قولهم هيأت الشيء إذا قصرته وأصلحته. وقرأ أبو جعفر (الطائر) بالألف، والباقون بغير ألف.
فَأَنْفُخُ فِيهِ: أي في الطين.
فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ: قرأه العامة على الجمع لأنّه خلق طيرا كثيرا.
وقرأ أهل المدينة: (طائرا) على الواحد ذهبوا إلى نوع واحد من الطير، لأنه لم يخلق غير الخفّاش، وإنمّا خصّ الخفّاش لأنه أكمل الطير خلقا، ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وهي تحيض وتطير.
وقال وهب: كان يطير ما دام النّاس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميّتا ليتميّز فعل الخلق من خلق الله، وليعلموا أنّ الكمال لله تعالى.
وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ: أي أشفيهما وأصححهما فقال: أبرأ الله المريض من أبرأ- وبرىء- هو يبرأ- وبريء- مبرأ- برأوا فيهما جميعا. واختلفوا في الأكمه:
فقال عكرمة والأعمش، ومجاهد والضحّاك: [هو الذي] يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
ابن عباس وقتادة: هو الذي ولد أعمى ولم يبصر ضوء قط، الحسن والسّدي: هو [الأعمى، وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه هو الذي يولد أعمى وهو الذي يعمى وان كان بصيرا] «١» هو المعروف من كلام العرب يقال: كمهت عينه تكمه كمها وكمهتها أنا إذا أعميتها.
قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ: والآية مِنْ رَبِّكُمْ: يصدّق قولي ويحقق رسالتي.
قال الخليل والفرّاء: أصلها بآيّة بتشديد الياء فثقل عليهم التشديد فأبدلوا لانفتاح ما قبل التشديد وتقديرها فعله.
وقال الكسائي: هي في الأصل أبيه مثل فاطمة فحذفت أحدى الياءين فلمّا قال ذلك عيسى لبني إسرائيل. قالوا: وما هي؟ قال: إنّي، قول نافع بكسر الألف على الاستئناف وإضمار القول.
وقرأ الباقون بالفتح على معنى بأنّي.
أَخْلُقُ: أي أصور وأقدّر.
لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ: قرأ الزهري وأبو جعفر: كهيّة بتشديد الياء. والآخرون بالهمزة. والهيئة الصورة المهيّأة، وهي من قولهم هيأت الشيء إذا قصرته وأصلحته. وقرأ أبو جعفر (الطائر) بالألف، والباقون بغير ألف.
فَأَنْفُخُ فِيهِ: أي في الطين.
فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ: قرأه العامة على الجمع لأنّه خلق طيرا كثيرا.
وقرأ أهل المدينة: (طائرا) على الواحد ذهبوا إلى نوع واحد من الطير، لأنه لم يخلق غير الخفّاش، وإنمّا خصّ الخفّاش لأنه أكمل الطير خلقا، ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وهي تحيض وتطير.
وقال وهب: كان يطير ما دام النّاس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميّتا ليتميّز فعل الخلق من خلق الله، وليعلموا أنّ الكمال لله تعالى.
وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ: أي أشفيهما وأصححهما فقال: أبرأ الله المريض من أبرأ- وبرىء- هو يبرأ- وبريء- مبرأ- برأوا فيهما جميعا. واختلفوا في الأكمه:
فقال عكرمة والأعمش، ومجاهد والضحّاك: [هو الذي] يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
ابن عباس وقتادة: هو الذي ولد أعمى ولم يبصر ضوء قط، الحسن والسّدي: هو [الأعمى، وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه هو الذي يولد أعمى وهو الذي يعمى وان كان بصيرا] «١» هو المعروف من كلام العرب يقال: كمهت عينه تكمه كمها وكمهتها أنا إذا أعميتها.
(١) زيادة عن زاد المسير: ١/ ٣٣٤.
71
قال سويد بن أبي كاهل:
كمهت عيناه حتى ابيضّتا... فهو يلحى نفسه لمّا نزع «١»
قال رؤبة:
وكيد مطال وخصم [مبده] «٢»
هدجن فإن تكلم [... ] «٣» الأكمه هرّجت بالسّبع وقد صحت به، والأبرص الذي به وضح.
وإنمّا خصّ هذين لأنهما عميان وكان [الغالب] على زمن عيسى الطبّ فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك داعيا لا دواء له.
وقال وهب: ثم اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق أتاه عيسى يمشي إليه. إنّما كان يداويهم بالدّعاء على شرط الإيمان.
وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ: قيل: أحيا أربعة أنفس: عازر «٤» وكان صدّيقا فأرسل أخته إلى عيسى أنّ أخاك عازر يموت فأته وكان بينه وبين داره ثلاثة أيّام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيّام، فقال لأخته: انطلقي بنا إلى قبره، فانطلقت معهم إلى قبره وهو في صخرة مطبقة. فقال عيسى: اللهم ربّ السموات السّبع والأرضين السّبع، إنّك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك وأخبرهم أنّي أحيي الموتى بإذنك فأحيي عازر. قال: فقام عازر وودكه تقطر، فخرج من قبره وبقي وولد له.
وابن العجوز مرّ به ميّتا على عيسى (عليه السلام) على سرير يحمل فدعا الله عيسى (عليه السلام) فجلس على سريره ونزّل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له.
والبنت العاقر «٥» قيل له: أتحييها وقد ماتت أمس؟ فدعا الله فعاشت فبقيت وولد لها.
وسام بن نوح دعا عيسى (عليه السلام) باسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه. فقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا ولكني دعوتك باسم الله الأعظم. قال: ولم يكونوا
كمهت عيناه حتى ابيضّتا... فهو يلحى نفسه لمّا نزع «١»
قال رؤبة:
وكيد مطال وخصم [مبده] «٢»
هدجن فإن تكلم [... ] «٣» الأكمه هرّجت بالسّبع وقد صحت به، والأبرص الذي به وضح.
وإنمّا خصّ هذين لأنهما عميان وكان [الغالب] على زمن عيسى الطبّ فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك داعيا لا دواء له.
وقال وهب: ثم اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق أتاه عيسى يمشي إليه. إنّما كان يداويهم بالدّعاء على شرط الإيمان.
وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ: قيل: أحيا أربعة أنفس: عازر «٤» وكان صدّيقا فأرسل أخته إلى عيسى أنّ أخاك عازر يموت فأته وكان بينه وبين داره ثلاثة أيّام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيّام، فقال لأخته: انطلقي بنا إلى قبره، فانطلقت معهم إلى قبره وهو في صخرة مطبقة. فقال عيسى: اللهم ربّ السموات السّبع والأرضين السّبع، إنّك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك وأخبرهم أنّي أحيي الموتى بإذنك فأحيي عازر. قال: فقام عازر وودكه تقطر، فخرج من قبره وبقي وولد له.
وابن العجوز مرّ به ميّتا على عيسى (عليه السلام) على سرير يحمل فدعا الله عيسى (عليه السلام) فجلس على سريره ونزّل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له.
والبنت العاقر «٥» قيل له: أتحييها وقد ماتت أمس؟ فدعا الله فعاشت فبقيت وولد لها.
وسام بن نوح دعا عيسى (عليه السلام) باسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه. فقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا ولكني دعوتك باسم الله الأعظم. قال: ولم يكونوا
(١) لسان العرب: ١٣/ ٥٣٦.
(٢) لسان العرب: ١٣/ ٤٧٦. [.....]
(٣) سقط في أصل المخطوط.
(٤) في تفسير القرطبي: ٤/ ٩٥: العاذر.
(٥) عند القرطبي: بنت العاشر.
(٢) لسان العرب: ١٣/ ٤٧٦. [.....]
(٣) سقط في أصل المخطوط.
(٤) في تفسير القرطبي: ٤/ ٩٥: العاذر.
(٥) عند القرطبي: بنت العاشر.
72
يشيبون في ذلك الزّمان. وكان سام قد عاش خمسمائة سنة وهو شاب، ثم قال: مت. فقال:
بشرط أن يعيذني الله من سكرات الموت. فدعا الله عزّ وجلّ ففعل.
قال الكلبي: كان عيسى (عليه السلام) يحيي الأموات ب: يا حىّ يا قيّوم.
وَأُنَبِّئُكُمْ: أخبركم، بِما تَأْكُلُونَ: ممّا أعاينه، وَما تَدَّخِرُونَ: وما ترزمونه، فِي بُيُوتِكُمْ: حتى تأكلوه، وهو يفعلون من دخرت وقرأ مجاهد وأيوب السختياني: تذخرون، بالذال المعجمة وسكونها وفتح الخاء من ذخر يذخر ذخرا.
قال الكلبي: فلما أبرأ عيسى الأكمه والأبرص وأحيى الموتى قالوا: هذا سحر، ولكن أخبرنا بما نأكل وما ندّخر وكان يخبر الرجل بما أكل من غدائه وبما يأكل في عشائه.
وقال السدي: كان عيسى (عليه السلام) إذا كان في الكتّاب يحدّث الغلمان بما يصنع أبوهم، ويقول للغلام انطلق، فقد أكل أهلك كذا وكذا، ورفعوا لك كذا وكذا، وهم يأكلون كذا وكذا. فينطلق الصبي إلى أهله، ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون له من أخبرك بهذا؟ فيقول: عيسى، فحبسوا صبيانهم عنه، وقالوا: لا تلعبوا مع هذا الساحر، فحبسوهم في بيت، فجاء عيسى يطلبهم. قالوا: ليسوا عندنا. فقال: فما في هذا البيت؟ قالوا: خنازير. قال عيسى: كذلك يكونون. ففتحوا عليهم، فإذا هم خنازير «١»، ففجئنا لذلك في بأس [... ] «٢» بنو إسرائيل، فلمّا خافت عليه أمه حملته على حميّر لها، وخرجت به هاربة إلى مصر.
وقال قتادة: إنّما هذا في المائدة وكان خوانا ينزل عليهم إنّما كانوا كالمنّ والسلوى، وأمر القوم أن لا يخونوا لا يخبئوا لغد، وحذّرهم البلاء إن فعلوا ذلك [... ] «٣» وخونوا. فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وما ادخروا منه. فمسخهم الله خنازير.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لكم.
لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقاً عطفها على قوله: وَرَسُولًا.
لِما بَيْنَ يَدَيَّ: لما قبلي.
مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ: من اللحوم والشحوم. وقالوا أيضا:
يعني كل الذي حرّم عليهم من الأطبّاء، و (بعض) يكون بمعنى «كل» ويكون كقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها... أو يرتبط بعض النفوس حمامها «٤»
بشرط أن يعيذني الله من سكرات الموت. فدعا الله عزّ وجلّ ففعل.
قال الكلبي: كان عيسى (عليه السلام) يحيي الأموات ب: يا حىّ يا قيّوم.
وَأُنَبِّئُكُمْ: أخبركم، بِما تَأْكُلُونَ: ممّا أعاينه، وَما تَدَّخِرُونَ: وما ترزمونه، فِي بُيُوتِكُمْ: حتى تأكلوه، وهو يفعلون من دخرت وقرأ مجاهد وأيوب السختياني: تذخرون، بالذال المعجمة وسكونها وفتح الخاء من ذخر يذخر ذخرا.
قال الكلبي: فلما أبرأ عيسى الأكمه والأبرص وأحيى الموتى قالوا: هذا سحر، ولكن أخبرنا بما نأكل وما ندّخر وكان يخبر الرجل بما أكل من غدائه وبما يأكل في عشائه.
وقال السدي: كان عيسى (عليه السلام) إذا كان في الكتّاب يحدّث الغلمان بما يصنع أبوهم، ويقول للغلام انطلق، فقد أكل أهلك كذا وكذا، ورفعوا لك كذا وكذا، وهم يأكلون كذا وكذا. فينطلق الصبي إلى أهله، ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون له من أخبرك بهذا؟ فيقول: عيسى، فحبسوا صبيانهم عنه، وقالوا: لا تلعبوا مع هذا الساحر، فحبسوهم في بيت، فجاء عيسى يطلبهم. قالوا: ليسوا عندنا. فقال: فما في هذا البيت؟ قالوا: خنازير. قال عيسى: كذلك يكونون. ففتحوا عليهم، فإذا هم خنازير «١»، ففجئنا لذلك في بأس [... ] «٢» بنو إسرائيل، فلمّا خافت عليه أمه حملته على حميّر لها، وخرجت به هاربة إلى مصر.
وقال قتادة: إنّما هذا في المائدة وكان خوانا ينزل عليهم إنّما كانوا كالمنّ والسلوى، وأمر القوم أن لا يخونوا لا يخبئوا لغد، وحذّرهم البلاء إن فعلوا ذلك [... ] «٣» وخونوا. فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وما ادخروا منه. فمسخهم الله خنازير.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لكم.
لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقاً عطفها على قوله: وَرَسُولًا.
لِما بَيْنَ يَدَيَّ: لما قبلي.
مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ: من اللحوم والشحوم. وقالوا أيضا:
يعني كل الذي حرّم عليهم من الأطبّاء، و (بعض) يكون بمعنى «كل» ويكون كقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها... أو يرتبط بعض النفوس حمامها «٤»
(١) إلى هنا في تفسير الطبري: ٣/ ٣٨١.
(٢) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٣) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٦.
(٢) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٣) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٦.
73
أي كل النفوس.
وقال آخر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا... حنانيك بعض الشر أهون من بعض «١»
يريد بعض الشر أهون من كله.
وقرأ إبراهيم النخعي: حرم مثل كرّم أي [صار حراما].
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ: يعني ما ذكرنا من الآفات، وأما تعدّها لأنّها جنس واحد في [الدلالة].
على رسالته.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى: [... ].
وقال أبو عبيد: عرف.
مقاتل: رأى. نظر.
قرأه ضحّاك: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ. وقوله: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا.
مِنْهُمُ الْكُفْرَ: وأرادوا قتله استنصر عليهم وقال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ: قال السدي: كان بسبب ذكر أنّ عيسى (عليه السلام) لمّا [بعثه الله] إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة نفته بنو إسرائيل وأخرجوه، فخرج هو وأمّه يسيحون في الأرض، فنزل في قرية [على رجل فضافهم] «٢» وأحسن إليهم، وكان كبير المدينة جبّار معتد. فجاء ذلك الرجل يوما مهتما حزينا، فدخل منزله، ومريم عند امرأته فقالت: ما شأن زوجك أراه كئيبا؟ قالت: لا تسأليني. قالت:
أخبريني لعلّ الله يفرّج كربته. قالت: إنّ لنا ملكا [يجعل على كل رجل يوما يطعمه هو وجنوده ويسقيهم من الخمر]. فإن لم يفعل عاقبه، واليوم نوبتنا وليس لذلك [عندنا سعة]. قالت: فقولي له لا تهتم، فإنّي آمر ابني فيدعو له، فيكفى ذلك. فقالت مريم لعيسى في ذلك. فقال عيسى: إن فعلت ذلك كان في ذلك شر، قالت: لا تبال، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا.
قال عيسى: فقولي له إذا اقترب ذلك فأملأ قدورك وخوابيك، ففعل ذلك. فدعا الله عيسى فحوّل القدر لحما ومرقا وخبزا وما في الخوابي خمرا لم ير النّاس مثله قط. فلمّا جاء الملك أكل فلمّا شرب الخمر قال: من أين هذا الخمر؟ قال: من أرض كذا. قال الملك: فإنّ خمري
وقال آخر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا... حنانيك بعض الشر أهون من بعض «١»
يريد بعض الشر أهون من كله.
وقرأ إبراهيم النخعي: حرم مثل كرّم أي [صار حراما].
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ: يعني ما ذكرنا من الآفات، وأما تعدّها لأنّها جنس واحد في [الدلالة].
على رسالته.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى: [... ].
وقال أبو عبيد: عرف.
مقاتل: رأى. نظر.
قرأه ضحّاك: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ. وقوله: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا.
مِنْهُمُ الْكُفْرَ: وأرادوا قتله استنصر عليهم وقال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ: قال السدي: كان بسبب ذكر أنّ عيسى (عليه السلام) لمّا [بعثه الله] إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة نفته بنو إسرائيل وأخرجوه، فخرج هو وأمّه يسيحون في الأرض، فنزل في قرية [على رجل فضافهم] «٢» وأحسن إليهم، وكان كبير المدينة جبّار معتد. فجاء ذلك الرجل يوما مهتما حزينا، فدخل منزله، ومريم عند امرأته فقالت: ما شأن زوجك أراه كئيبا؟ قالت: لا تسأليني. قالت:
أخبريني لعلّ الله يفرّج كربته. قالت: إنّ لنا ملكا [يجعل على كل رجل يوما يطعمه هو وجنوده ويسقيهم من الخمر]. فإن لم يفعل عاقبه، واليوم نوبتنا وليس لذلك [عندنا سعة]. قالت: فقولي له لا تهتم، فإنّي آمر ابني فيدعو له، فيكفى ذلك. فقالت مريم لعيسى في ذلك. فقال عيسى: إن فعلت ذلك كان في ذلك شر، قالت: لا تبال، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا.
قال عيسى: فقولي له إذا اقترب ذلك فأملأ قدورك وخوابيك، ففعل ذلك. فدعا الله عيسى فحوّل القدر لحما ومرقا وخبزا وما في الخوابي خمرا لم ير النّاس مثله قط. فلمّا جاء الملك أكل فلمّا شرب الخمر قال: من أين هذا الخمر؟ قال: من أرض كذا. قال الملك: فإنّ خمري
(١) تفسير القرطبي: ٤/ ٩٦.
(٢) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٢) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
74
أوتى بها من هذه الأرض وليست مثل هذه. قال: هي من أرض أخرى، فاختلط على الملك فشدد عليه. قال: أنا أخبرك، عندي غلام لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إيّاه. وإنّه دعا الله تعالى [فجعل الماء خمرا] وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيّام. وكان أحبّ الخلق إليه. فقال: إنّ رجلا دعا الله حتى جعل الماء خمرا ليستجابنّ له حتى يحيي ابني، فدعا عيسى فكلّمه في ذلك. فقال عيسى: لا تفعل، فإنه إن عاش كان شرا، فقال الملك: لا أبالي، أليس أراه، فلا أبالي ما كان.
فقال عيسى: فإن أحييته تتركوني وأمّي نذهب حيث نشاء. قال: نعم. فدعا الله فعاش الغلام. فلمّا رآه أهل مملكته قد عاش بادروا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه. فيأكلنا كما أكلنا أبوه فاقتتلوا.
وذهب عيسى وأمّه فمرّا بالحواريين وهم يصطادون السمك. فقال عيسى: ما تصنعون؟
قالوا: نصطاد السمك. قال: أفلا [تمشون] حتى نصطاد النّاس؟ قالوا: كيف ذلك. قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم عبد الله ورسوله. فآمنوا به وانطلقوا معه. فهم الحواريون وذلك قوله فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ «١».
قال السدي وابن جريج والكسائي: مع الله، تقول العرب: الذّود إلى الذّود إبل.
وقال النابغة.
أي مع الناس.
وقال آخر «٣» :
أي مع جؤجؤ.
نظيره قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «٦» : أي مع أموالكم.
وقال الحسن وأبو عبيدة [من أنصاري في السبيل إلى الله] «٧»، تعني في: أي من أعواني في الله؟: أي في ذات الله وسبيله.
فقال عيسى: فإن أحييته تتركوني وأمّي نذهب حيث نشاء. قال: نعم. فدعا الله فعاش الغلام. فلمّا رآه أهل مملكته قد عاش بادروا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه. فيأكلنا كما أكلنا أبوه فاقتتلوا.
وذهب عيسى وأمّه فمرّا بالحواريين وهم يصطادون السمك. فقال عيسى: ما تصنعون؟
قالوا: نصطاد السمك. قال: أفلا [تمشون] حتى نصطاد النّاس؟ قالوا: كيف ذلك. قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم عبد الله ورسوله. فآمنوا به وانطلقوا معه. فهم الحواريون وذلك قوله فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ «١».
قال السدي وابن جريج والكسائي: مع الله، تقول العرب: الذّود إلى الذّود إبل.
وقال النابغة.
| فلا تتركوني بالوعيد كأنني | إلى النّاس مطليّ به القار أجرب «٢» |
وقال آخر «٣» :
| ولوح ذراعين في بدن «٤» | إلى جؤجؤ رهل المنكب «٥» |
نظيره قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ «٦» : أي مع أموالكم.
وقال الحسن وأبو عبيدة [من أنصاري في السبيل إلى الله] «٧»، تعني في: أي من أعواني في الله؟: أي في ذات الله وسبيله.
(١) تفسير الطبري: ٣/ ٣٨٨ وما بين معقودين منه، والحديث طويل.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ٤٣٥ وفيه تتركني بدل تتركوني.
(٣) في المصدر: البيت للجعدي.
(٤) في المصدر: بركة.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ١٦٧. [.....]
(٦) سورة النساء: ٢.
(٧) زيادة عن تفسير القرطبي: ٤/ ٩٧.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ٤٣٥ وفيه تتركني بدل تتركوني.
(٣) في المصدر: البيت للجعدي.
(٤) في المصدر: بركة.
(٥) لسان العرب: ١٥/ ١٦٧. [.....]
(٦) سورة النساء: ٢.
(٧) زيادة عن تفسير القرطبي: ٤/ ٩٧.
75
وقال طرفة:
أي في ذروة.
وقال أبو ذؤيب:
قالَ الْحَوارِيُّونَ: اختلفوا فيهم:
فقال السدّي: كانوا ملّاحين يصطادون السمك.
وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا صيّادين سمّوا حواريين لبياض ثيابهم.
وقال أبو أرطأة: كانوا قصّارين سمّوا بذلك لأنّهم كانوا يحوّرون الثياب أي يبيّضونها.
وقال عطاء: سلّمت مريم عيسى إلى أعمال سري، وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قوما قصارين وصبّاغين، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه. فاجتمع عنده ثياب، وعرض له سفر. فقال لعيسى: إنّك قد تعلّمت هذه الحرفة، وأنا خارج في سفر إلى عشرة أيّام، وهذه ثياب مختلفة الألوان، وقد أعلمت على كل صنف منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغا منها وقت قدومي. فخرج وطبخ عيسى (عليه السلام) جبّا واحدا على لون واحد أدخله جميع الثياب. وقال لها: كوني بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحواري والثياب كلها في جبّ واحد فقال: ما فعلت؟ قال: قد فرغت منها. قال: أين هي؟ قال: في الجب. قال:
كلّها؟ قال: نعم.
قال: كيف تكون كلها أحمر في جبّ واحد؟ فقد أفسدت تلك الثياب. قال: قم فانظر.
فأخرج عيسى ثوبا أحمر وثوبا أصفر وثوبا أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها.
فجعل الحواري يتعجب ويعلم أنّ ذلك من الله، وقال للنّاس: تعالوا وانظروا إلى ما صنع. فآمن به وأصحابه فهم الحواريون.
وروى يوسف الفريابي عن مصعب قال: الحواريون إثنا عشر رجلا اتّبعوا عيسى بن مريم،
| وإن ملتقى «١» الحيّ الجميع تلاقني | إلى ذروة البيت الكريم المضمّد «٢» «٣» |
وقال أبو ذؤيب:
| بأري التي تأري اليعاسيب «٤» أصبحت | إلى شاهق دون السماء ذؤابها درجها «٥» |
فقال السدّي: كانوا ملّاحين يصطادون السمك.
وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا صيّادين سمّوا حواريين لبياض ثيابهم.
وقال أبو أرطأة: كانوا قصّارين سمّوا بذلك لأنّهم كانوا يحوّرون الثياب أي يبيّضونها.
وقال عطاء: سلّمت مريم عيسى إلى أعمال سري، وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قوما قصارين وصبّاغين، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه. فاجتمع عنده ثياب، وعرض له سفر. فقال لعيسى: إنّك قد تعلّمت هذه الحرفة، وأنا خارج في سفر إلى عشرة أيّام، وهذه ثياب مختلفة الألوان، وقد أعلمت على كل صنف منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغا منها وقت قدومي. فخرج وطبخ عيسى (عليه السلام) جبّا واحدا على لون واحد أدخله جميع الثياب. وقال لها: كوني بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحواري والثياب كلها في جبّ واحد فقال: ما فعلت؟ قال: قد فرغت منها. قال: أين هي؟ قال: في الجب. قال:
كلّها؟ قال: نعم.
قال: كيف تكون كلها أحمر في جبّ واحد؟ فقد أفسدت تلك الثياب. قال: قم فانظر.
فأخرج عيسى ثوبا أحمر وثوبا أصفر وثوبا أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها.
فجعل الحواري يتعجب ويعلم أنّ ذلك من الله، وقال للنّاس: تعالوا وانظروا إلى ما صنع. فآمن به وأصحابه فهم الحواريون.
وروى يوسف الفريابي عن مصعب قال: الحواريون إثنا عشر رجلا اتّبعوا عيسى بن مريم،
(١) في المصدر: يلتقي.
(٢) في المصدر: المصمد.
(٣) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٨٣.
(٤) اليعسوب: أمير النحل.
(٥) لسان العرب: ١/ ٣٧٩.
(٢) في المصدر: المصمد.
(٣) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٨٣.
(٤) اليعسوب: أمير النحل.
(٥) لسان العرب: ١/ ٣٧٩.
76
وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين فيأكلوهما، وإذا عطشوا قالوا: يا روح الله قد عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض فيخرجون منه ماء فيشربون. قالوا: يا روح الله من أفضل منّا إذا شئنا أطعمنا وإذا شئنا سقينا وآمنّا بك فاتّبعناك؟ قال: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه. قال: فصاروا يغسلون الثياب بالكراء.
وقال الضحّاك: سمّوا حواريين لصفاء قلوبهم.
وقال عبد الله بن المبارك: سمّوا حواريين لأنّهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها. قال الله تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ «١».
وأصل الحور عند العرب شدة البياض. يقال: رجل أحور وامرأة حوراء، شديد بياض نفلة العينين. ويقال للدقيق الأبيض: الحواري، وكل شيء بيّضته فقد حوّرته. ويقال للبيضاء من النساء حواريّة.
قال ابن [حلّزة] «٢» :
وقال الفرزدق:
وقال ابن عون: صنع ملك من الملوك طعاما. فدعا النّاس إليه، وكان عيسى على قصعة، فكانت القصعة لا تنقص. فقال له الملك: من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم. قال: إنّي آتك ملكي هذا واتبعك، فانطلق واتبعه ومن معه فهم الحواريون.
وقال الكلبي وأبو روق: الحواريون أصفياء عيسى وكانوا إثنا عشر رجلا.
الحسن: الحواريون الأنصار والحواري الناصر.
النضر بن شميل: الحواريون: خاصة الرجل. عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال:
الحواري: الوزير.
وقال الضحّاك: سمّوا حواريين لصفاء قلوبهم.
وقال عبد الله بن المبارك: سمّوا حواريين لأنّهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وحسنها. قال الله تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ «١».
وأصل الحور عند العرب شدة البياض. يقال: رجل أحور وامرأة حوراء، شديد بياض نفلة العينين. ويقال للدقيق الأبيض: الحواري، وكل شيء بيّضته فقد حوّرته. ويقال للبيضاء من النساء حواريّة.
قال ابن [حلّزة] «٢» :
| فقل للحواريات يبكين غيرنا | ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح «٣» |
| فقلت أنّ الحواريات تغطية «٤» | إذا زيّن «٥» من تحت الجلابيب «٦» |
وقال الكلبي وأبو روق: الحواريون أصفياء عيسى وكانوا إثنا عشر رجلا.
الحسن: الحواريون الأنصار والحواري الناصر.
النضر بن شميل: الحواريون: خاصة الرجل. عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال:
الحواري: الوزير.
(١) سورة الفتح: ٢٩.
(٢) في المصدر: أبو جلدة.
(٣) الصحاح: ٢/ ٦٤٠.
(٤) في المصدر: معطبة.
(٥) في المصدر: تفتلن.
(٦) لسان العرب: ٤/ ٢١٩.
(٢) في المصدر: أبو جلدة.
(٣) الصحاح: ٢/ ٦٤٠.
(٤) في المصدر: معطبة.
(٥) في المصدر: تفتلن.
(٦) لسان العرب: ٤/ ٢١٩.
77
وعن روح بن القاسم قال: سألت قتادة عن الحواريين فقال: هم الذين تصلح لهم الخلافة.
والحواري في كلام العرب الضامن خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه. يدل عليه ما
روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ حواري وحواريي الزبير بن العوّام» [٥٥] «١».
وروى أبو سفيان بن معمر قال: قال قتادة: إنّ الحواريّين كلهم من قريش. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعباس وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عروة وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. قال: الحواريون وأسماؤهم في سورة المائدة.
نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ: أعوان دين الله ورسوله.
آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ: من كتابك.
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عيسى.
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ الذين شهدوا لأنبيائك بالصّدق.
قال عطاء: مع النبيّ لأنّ كل نبيّ شاهد أمّته [....] «٢» مع محمّد وأمّته «٣».
وَمَكَرُوا: يعني كبار بني إسرائيل الذين أحسّ عيسى منهم الكفر ودبّروا في قتل عيسى.
والمكر ألطف التدبير. وذلك أنّ عيسى بعد إخراج قومه إيّاه وأمّه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهمّوا بقتله وتواطأوا على القتل. فذلك مكرهم به.
وقال أهل المعاني: المكر. السعي في الفساد في ستر ومداجاة، وأصله من قول العرب:
مكر الليل.
وَمَكَرَ اللَّهُ: قال الفرّاء: المكر من المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة، وهو من الله استدراجه العباد. قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «٤» قال ابن عباس: معناه كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة.
والحواري في كلام العرب الضامن خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه. يدل عليه ما
روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ حواري وحواريي الزبير بن العوّام» [٥٥] «١».
وروى أبو سفيان بن معمر قال: قال قتادة: إنّ الحواريّين كلهم من قريش. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعباس وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عروة وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. قال: الحواريون وأسماؤهم في سورة المائدة.
نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ: أعوان دين الله ورسوله.
آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ: من كتابك.
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عيسى.
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ الذين شهدوا لأنبيائك بالصّدق.
قال عطاء: مع النبيّ لأنّ كل نبيّ شاهد أمّته [....] «٢» مع محمّد وأمّته «٣».
وَمَكَرُوا: يعني كبار بني إسرائيل الذين أحسّ عيسى منهم الكفر ودبّروا في قتل عيسى.
والمكر ألطف التدبير. وذلك أنّ عيسى بعد إخراج قومه إيّاه وأمّه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهمّوا بقتله وتواطأوا على القتل. فذلك مكرهم به.
وقال أهل المعاني: المكر. السعي في الفساد في ستر ومداجاة، وأصله من قول العرب:
مكر الليل.
وَمَكَرَ اللَّهُ: قال الفرّاء: المكر من المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة، وهو من الله استدراجه العباد. قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «٤» قال ابن عباس: معناه كلّما أحدثوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة.
(١) كنز العمال: ١١/ ٣٣١ ح ٣١٦٥٦. [.....]
(٢) كلمة سقط في أصل المخطوط.
(٣) راجع زاد المسير: ١/ ٣٣٦ مورد الآية.
(٤) سورة الأعراف: ١٨٢.
(٢) كلمة سقط في أصل المخطوط.
(٣) راجع زاد المسير: ١/ ٣٣٦ مورد الآية.
(٤) سورة الأعراف: ١٨٢.
78
قال الزجاج: مكر الله مجازاتهم على مكرهم فسمّى باسم الابتداء كقوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «١»، وقوله: وَهُوَ خادِعُهُمْ
«٢».
وقال عمرو بن كلثوم:
قال الثعلبي: سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله البغدادي يقول: سأل رجل جنيدا «٤» كيف رضي المكر لنفسه، وقد عاب به غيره؟ فقال: لا أدري ما يقول ولكن لسيد بني [.....] «٥» الطبرانية:
فقال الرجل: أسألك عن آية من كتاب الله وتجيبني بشعر الطبرانية فقال: ويحك قد أجبتك إن كنت تعقل.
إن تخليته إيّاهم مع المكر به. مكر منه بهم، ومكر الله تعالى خاص بهم في هذه الآية إلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل وصلب ورفع عيسى إلى السماء.
قال ابن عباس: إنّ ملك بني إسرائيل أراد قتل عيسى، وقصده أعوانه. فدخل خوخة فيها كوّة، فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء. فقال الملك: لرجل منهم خبيث أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى فخرج إلى النّاس فخبرّهم أنّه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه وظنّوا أنّه عيسى.
وقال وهب: طرقوا عيسى في بعض الليل فأسروه ونصبوا خشبة ليصلبوه فلمّا أرادوا صلبه أظلمت الأرض وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبينه وصلبوا مكانه رجلا يقال له يهودا وهو الذي دلّهم عليه. وذلك أنّ عيسى جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم، ثم قال: ليكفرنّ أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة. فخرجوا وتفرّقوا، وكانت اليهود تطلبه. فأتى
«٢».
وقال عمرو بن كلثوم:
| ألا لا يجهلن أحد علينا | فنجهل فوق جهل الجاهلينا «٣» |
| فديتك قد جعلت على هواكا | فنفسي لا تنازعني سواكا |
| أحبك لا ببعضي بل بكلي | وإن لم يبق حبك لي حراكا |
| ويقبح [من] سواك الفعل عندي | وتفعله فيحسن منك ذاكا «٦» |
إن تخليته إيّاهم مع المكر به. مكر منه بهم، ومكر الله تعالى خاص بهم في هذه الآية إلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى حتى قتل وصلب ورفع عيسى إلى السماء.
قال ابن عباس: إنّ ملك بني إسرائيل أراد قتل عيسى، وقصده أعوانه. فدخل خوخة فيها كوّة، فرفعه جبرئيل من الكوّة إلى السماء. فقال الملك: لرجل منهم خبيث أدخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى فخرج إلى النّاس فخبرّهم أنّه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه وظنّوا أنّه عيسى.
وقال وهب: طرقوا عيسى في بعض الليل فأسروه ونصبوا خشبة ليصلبوه فلمّا أرادوا صلبه أظلمت الأرض وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبينه وصلبوا مكانه رجلا يقال له يهودا وهو الذي دلّهم عليه. وذلك أنّ عيسى جمع الحواريين تلك الليلة وأوصاهم، ثم قال: ليكفرنّ أحدكم قبل أن يصيح الديك ويبيعني بدراهم يسيرة. فخرجوا وتفرّقوا، وكانت اليهود تطلبه. فأتى
(١) سورة البقرة: ١٥.
(٢) سورة النساء: ١٤٢.
(٣) لسان العرب: ٣/ ١٧٧.
(٤) نسبه في إفحام المخاصم (٣٩) لسمنون.
(٥) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٦) إفحام المخاصم لشيث بن إبراهيم: ٣٩.
(٢) سورة النساء: ١٤٢.
(٣) لسان العرب: ٣/ ١٧٧.
(٤) نسبه في إفحام المخاصم (٣٩) لسمنون.
(٥) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٦) إفحام المخاصم لشيث بن إبراهيم: ٣٩.
79
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰶ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﰷ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﰸ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﰹ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰺ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﰻ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﰼ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰽ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﰾ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﰿ
أحد الحواريين إلى الجنود فقال لهم: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له مائتين درهما فأخذها ودلّهم عليه فألقى الله عليه شبه عيسى لمّا دخل البيت. فرفع عيسى، وأخذ الذي دلّهم عليه فقال: أنا الذي دللتكم عليه، فلم يلتفتوا إلى قوله وقتلوه وصلبوه، وهم يظنّون أنّه عيسى. فلمّا صلب شبه عيسى جاءت أم عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأ لها ابنة من الجنون. تبكيان عند المصلوب فجاءهما عيسى فقال لهما: علام تبكيان؟ فقالتا: عليك. فقال:
إنّ الله قد رفعني ولم يصبني إلّا خير وأنّ هذا الصّبي شبّه لهم. فلما كان بعد سبعة أيّام. قال الله عزّ وجلّ لعيسى: اهبط على مريم في المحراب موضع لأمّه في خبائها فإنّها لم يبك عليك أحد بكاها، ولم يحزن عليك أحد حزنها.
ثم لتجمع لك الحواريين حيث هم في الأرض. دعاه الله تعالى فأهبط الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورا فجمعت له الحواريين حيث هم في الأرض دعاه الله تعالى ثم رفعه إليه.
وتلك الليلة هي الليلة التي يدخن فيها النّصارى، فلمّا أصبح الحواريون حدّث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أي أفضل المعاقبين. قال أهل التواريخ: حملت مريم بعيسى ولها ثلاثة عشر سنة ودارت بعيسى بيت اللحم من أرض أورشليم لمضي خمسة وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل. ولإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الكلدانيين وأوحى الله عز وجلّ لأمّه على رأس ثلاثين سنة، ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين، وعاشت أمّه مريم بعد رفعه ستّ سنين.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٥ الى ٦٤]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ اختلفوا في معنى التوفّي هاهنا:
إنّ الله قد رفعني ولم يصبني إلّا خير وأنّ هذا الصّبي شبّه لهم. فلما كان بعد سبعة أيّام. قال الله عزّ وجلّ لعيسى: اهبط على مريم في المحراب موضع لأمّه في خبائها فإنّها لم يبك عليك أحد بكاها، ولم يحزن عليك أحد حزنها.
ثم لتجمع لك الحواريين حيث هم في الأرض. دعاه الله تعالى فأهبط الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورا فجمعت له الحواريين حيث هم في الأرض دعاه الله تعالى ثم رفعه إليه.
وتلك الليلة هي الليلة التي يدخن فيها النّصارى، فلمّا أصبح الحواريون حدّث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى إليهم فذلك قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أي أفضل المعاقبين. قال أهل التواريخ: حملت مريم بعيسى ولها ثلاثة عشر سنة ودارت بعيسى بيت اللحم من أرض أورشليم لمضي خمسة وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل. ولإحدى وخمسين سنة مضت من ملك الكلدانيين وأوحى الله عز وجلّ لأمّه على رأس ثلاثين سنة، ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين، وعاشت أمّه مريم بعد رفعه ستّ سنين.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٥ الى ٦٤]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ اختلفوا في معنى التوفّي هاهنا:
80
فقال كعب والحسن والكلبي ومطر الوراق «١» ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: معناه: إنّي قابضك.
وَرافِعُكَ: من الدّنيا.
إِلَيَّ: من غير موت، يدلّ عليه قوله فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أي قبضتني إلى السماء وأنا حيّ لأنّ قومه إنّما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته. وعلى هذا القول للتوفّي تأويلان:
أحدهما: إنّي رافِعُكَ إِلَيَّ وافيا لن ينالوا منك. من قولهم: توفّيت كذا واستوفيته أي أخذته تامّا.
والآخر: إنّي مسلّمك، من قولهم: توفيت منه كذا أي سلّمته. وقال الربيع بن أنس:
معناه أنّي منيمك ورافعك إليّ من قومك، يدل عليه قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ «٢» : أي ينيمكم لأنّ النوم أخو الموت، وقوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها «٣».
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنّي مميتكم، يدلّ عليه: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ «٤»، وقوله وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ «٥» وله على هذا القول تأويلان:
أحدهما: ما قال وهب: توفّى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه.
والآخر: ما قاله الضحّاك وجماعة من أهل المعاني: إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا، معناه إنّي رافعك إليّ...
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: ومتوفّيك بعد إنزالك من السماء كقوله عز وجلّ: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى «٦».
وقال الشاعر:
أي عليك السلام ورحمة الله.
وَرافِعُكَ: من الدّنيا.
إِلَيَّ: من غير موت، يدلّ عليه قوله فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي أي قبضتني إلى السماء وأنا حيّ لأنّ قومه إنّما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته. وعلى هذا القول للتوفّي تأويلان:
أحدهما: إنّي رافِعُكَ إِلَيَّ وافيا لن ينالوا منك. من قولهم: توفّيت كذا واستوفيته أي أخذته تامّا.
والآخر: إنّي مسلّمك، من قولهم: توفيت منه كذا أي سلّمته. وقال الربيع بن أنس:
معناه أنّي منيمك ورافعك إليّ من قومك، يدل عليه قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ «٢» : أي ينيمكم لأنّ النوم أخو الموت، وقوله اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها «٣».
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنّي مميتكم، يدلّ عليه: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ «٤»، وقوله وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ «٥» وله على هذا القول تأويلان:
أحدهما: ما قال وهب: توفّى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه.
والآخر: ما قاله الضحّاك وجماعة من أهل المعاني: إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا، معناه إنّي رافعك إليّ...
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: ومتوفّيك بعد إنزالك من السماء كقوله عز وجلّ: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى «٦».
وقال الشاعر:
| ألا يا نخلة من ذات عرق | عليك ورحمة الله السّلام «٧» |
(١) وهو أبو بكر الوراق.
(٢) سورة الأنعام: ٦٠.
(٣) سورة الزمر: ٤٢.
(٤) سورة السجدة: ١١.
(٥) سورة يونس: ٤٦. [.....]
(٦) سورة طه: ١٢٩.
(٧) معاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٠٠، تفسير القرطبي: ٤/ ١٠٠.
(٢) سورة الأنعام: ٦٠.
(٣) سورة الزمر: ٤٢.
(٤) سورة السجدة: ١١.
(٥) سورة يونس: ٤٦. [.....]
(٦) سورة طه: ١٢٩.
(٧) معاني القرآن للنحاس: ١/ ٤٠٠، تفسير القرطبي: ٤/ ١٠٠.
81
وقال آخر:
أي جمعت نخوة ونميمة وعيبا.
وروى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الأنبياء إخوة لعلّات شتّى ودينهم واحد، وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم لأنّه لم يكن بيني وبينه نبيّ، وإنّه عامل على أمّتي وخليفتي عليهم، إذا رأيتموه فاعرفوه فإنّه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره ممطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصّرتين يدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، وليسلكنّ الروحاء حاجّا أو معتمرا أو كلتيهما جميعا، ويقاتل النّاس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملك كلها ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذّاب الدجّال، ويقع في الأرض الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الأغنام، ويلعب الصبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضا، ويلبث في الأرض أربعين سنة» [٥٦] «١».
وفي رواية كعب: «أربعا وعشرين سنة، ثم يتزوج ويولد، ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه في حجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم» [٥٧] «٢».
وقيل للحسن بن الفضل: هل تجد نزول عيسى (عليه السلام) في القرآن. فقال: نعم.
قوله: وَكَهْلًا، وهو لم يكتهل في الدنيا، وإنّما معناه وَكَهْلًا بعد نزوله من السماء.
وعن محمد بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر حدّثه عن الآية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في أوسطها» «٣» [٥٨].
وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي: معناه إِنِّي مُتَوَفِّيكَ عن شهواتك وحطوط نفسك، ولقد أحسن فيما قال لأنّ عيسى لمّا رفع إلى السّماء صار حاله كحال الملائكة.
وَرافِعُكَ إِلَيَّ: قال البشالي والشيباني: كان عيسى على [....] «٤» فهبّت ريح فهرول عيسى (عليه السلام) فرفعه الله عزّ وجلّ في هرولته، وعليه مدرعة من الشعر.
قال ابن عباس: ما لبس موسى إلا الصوف وما لبس عيسى إلا الشعر حتى رفع.
| جمعت وعيبا نخوة ونميمة | ثلاث خصال لسن من ترعوي |
وروى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الأنبياء إخوة لعلّات شتّى ودينهم واحد، وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم لأنّه لم يكن بيني وبينه نبيّ، وإنّه عامل على أمّتي وخليفتي عليهم، إذا رأيتموه فاعرفوه فإنّه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره ممطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصّرتين يدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، وليسلكنّ الروحاء حاجّا أو معتمرا أو كلتيهما جميعا، ويقاتل النّاس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملك كلها ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذّاب الدجّال، ويقع في الأرض الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الأغنام، ويلعب الصبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضا، ويلبث في الأرض أربعين سنة» [٥٦] «١».
وفي رواية كعب: «أربعا وعشرين سنة، ثم يتزوج ويولد، ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه في حجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم» [٥٧] «٢».
وقيل للحسن بن الفضل: هل تجد نزول عيسى (عليه السلام) في القرآن. فقال: نعم.
قوله: وَكَهْلًا، وهو لم يكتهل في الدنيا، وإنّما معناه وَكَهْلًا بعد نزوله من السماء.
وعن محمد بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر حدّثه عن الآية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في أوسطها» «٣» [٥٨].
وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي: معناه إِنِّي مُتَوَفِّيكَ عن شهواتك وحطوط نفسك، ولقد أحسن فيما قال لأنّ عيسى لمّا رفع إلى السّماء صار حاله كحال الملائكة.
وَرافِعُكَ إِلَيَّ: قال البشالي والشيباني: كان عيسى على [....] «٤» فهبّت ريح فهرول عيسى (عليه السلام) فرفعه الله عزّ وجلّ في هرولته، وعليه مدرعة من الشعر.
قال ابن عباس: ما لبس موسى إلا الصوف وما لبس عيسى إلا الشعر حتى رفع.
(١) تفسير الطبري: ٣/ ٣٩٦، الدر المنثور: ٢/ ٢٤٢ بتفاوت.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٩٦ بتفاوت.
(٣) كنز العمال: ١٤/ ٢٦٩ ح ٣٨٦٨٢.
(٤) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٣٩٦ بتفاوت.
(٣) كنز العمال: ١٤/ ٢٦٩ ح ٣٨٦٨٢.
(٤) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
82
وقال ابن عمر: رأينا النبي صلّى الله عليه وسلّم يتبسم في الطواف فقيل له في ذلك. فقال: استقبلني عيسى في الطواف ومعه ملكان.
وقيل: معناه رافِعُكَ بالدرجة في الجنّة ومقرّبك إلى الإكرام وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
أي مخرجك من بينهم ومنجيك منهم.
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ: قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي: هم أهل الإسلام الذين اتّبعوا دينه وسنّته من أمّة محمّد فو الله ما اتّبعه من دعاه ربا فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا: ظاهرين مجاهرين بالعزة والمنعة والدليل والحجة.
الضحّاك ومحمد بن أبان: يعني الحواريّين فوق الذين كفروا، وقيل: هم الرّوم.
وقال ابن زيد: وجاعل النّصارى فوق اليهود. فليس بلد فيه أحد من النّصارى إلا وهم فوق اليهود، واليهود مستذلّون مقهورون، وعلى هذين القولين يكون معنى الاتّباع الادّعاء والمحبة لا اتّباع الدّين والملّة.
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة.
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ: من الدين وأمر عيسى (عليه السلام).
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا: بالقتل والسّبي والذّلّة والجزية وَالْآخِرَةِ: بالنار.
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ: قرأ الحسن وحفص ويونس:
بالياء، والباقون بالنون.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. ذلِكَ: أي هذا الذي ذكرته.
نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هو القرآن.
وقيل: هو اللوح المحفوظ، وهو معلّق بالعرش في درّة بيضاء، والحكيم: هو الحكم من الباطل.
قال مقاتل: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الآية: وذلك
أنّ وفد نجران قالوا: يا رسول الله مالك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنّه عبد؟ قال: أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله؟ فأنزل الله عز وجلّ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ في كونه خلقا من غير أب
وقيل: معناه رافِعُكَ بالدرجة في الجنّة ومقرّبك إلى الإكرام وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا:
أي مخرجك من بينهم ومنجيك منهم.
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ: قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي: هم أهل الإسلام الذين اتّبعوا دينه وسنّته من أمّة محمّد فو الله ما اتّبعه من دعاه ربا فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا: ظاهرين مجاهرين بالعزة والمنعة والدليل والحجة.
الضحّاك ومحمد بن أبان: يعني الحواريّين فوق الذين كفروا، وقيل: هم الرّوم.
وقال ابن زيد: وجاعل النّصارى فوق اليهود. فليس بلد فيه أحد من النّصارى إلا وهم فوق اليهود، واليهود مستذلّون مقهورون، وعلى هذين القولين يكون معنى الاتّباع الادّعاء والمحبة لا اتّباع الدّين والملّة.
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ في الآخرة.
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ: من الدين وأمر عيسى (عليه السلام).
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا: بالقتل والسّبي والذّلّة والجزية وَالْآخِرَةِ: بالنار.
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ: قرأ الحسن وحفص ويونس:
بالياء، والباقون بالنون.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. ذلِكَ: أي هذا الذي ذكرته.
نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هو القرآن.
وقيل: هو اللوح المحفوظ، وهو معلّق بالعرش في درّة بيضاء، والحكيم: هو الحكم من الباطل.
قال مقاتل: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الآية: وذلك
أنّ وفد نجران قالوا: يا رسول الله مالك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنّه عبد؟ قال: أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله؟ فأنزل الله عز وجلّ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ في كونه خلقا من غير أب
83
كَمَثَلِ آدَمَ في كونه خلقا من غير أب ولا أم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ
: تم الكلام.
ثُمَّ قالَ لَهُ: يعني لعيسى.
كُنْ فَيَكُونُ: يعني فكان.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ:
قال الفرّاء: رفع لخبر ابتداء مضمر يعني هو الحق أي هذا الحق. وقال أبو عبيدة: هو استئناف بعد انقضاء الكلام وخبره في قوله: مِنْ رَبِّكَ، وقيل بإضمار فعل أي حال الحق، وإن شئت رفعته بالضمّة ونويت تقديما وتأخيرا تقديره من ربّك الحق كقولهم: منك يدك، وإن كان مثلا.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد أمّته لأنّه لم يكن ينهاه في أمر عيسى.
فَمَنْ حَاجَّكَ: خاصمك وجادلك بأمر يا محمد.
فِيهِ: في عيسى.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: بأنه عبد الله ورسوله.
فَقُلْ تَعالَوْا: قرأ الحسن وأبو واقد الليثي وأبو السمّاك العدوي: تَعالُوا بضم اللام، وقرأ الباقون بفتحها والأصل فيه تعاليوا لأنّه تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضّمة على الياء فسكنت ثم حذفت وبقيت [اللام على محلّها وهي عين الفعل] «١» ضم فإنّه نقل حركة الياء المحذوفة التي هي لام الفعل إلى اللام.
قال الفرّاء: معنى تعال كأنّه يقول ارتفع.
نَدْعُ: جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم فيه سقوط الواو.
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ: وقيل: أراد نفوسهم، وقيل: أراد الأزواج.
ثُمَّ نَبْتَهِلْ: نتضرّع في الدّعاء. قاله ابن عباس.
مقاتل: نخلص في الدعاء.
الكلبي: نجهد ونبالغ في الدّعاء. الكسائي وأبو عبيدة: نلتعن بقول: لعن الله الكاذب منّا، يقال: عليه بهلة الله، وبهلته: أي لعنته.
قال لبيد: في قدوم سادة من قولهم نظر الدهر إليهم فابتهل.
: تم الكلام.
ثُمَّ قالَ لَهُ: يعني لعيسى.
كُنْ فَيَكُونُ: يعني فكان.
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ:
قال الفرّاء: رفع لخبر ابتداء مضمر يعني هو الحق أي هذا الحق. وقال أبو عبيدة: هو استئناف بعد انقضاء الكلام وخبره في قوله: مِنْ رَبِّكَ، وقيل بإضمار فعل أي حال الحق، وإن شئت رفعته بالضمّة ونويت تقديما وتأخيرا تقديره من ربّك الحق كقولهم: منك يدك، وإن كان مثلا.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد أمّته لأنّه لم يكن ينهاه في أمر عيسى.
فَمَنْ حَاجَّكَ: خاصمك وجادلك بأمر يا محمد.
فِيهِ: في عيسى.
مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: بأنه عبد الله ورسوله.
فَقُلْ تَعالَوْا: قرأ الحسن وأبو واقد الليثي وأبو السمّاك العدوي: تَعالُوا بضم اللام، وقرأ الباقون بفتحها والأصل فيه تعاليوا لأنّه تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضّمة على الياء فسكنت ثم حذفت وبقيت [اللام على محلّها وهي عين الفعل] «١» ضم فإنّه نقل حركة الياء المحذوفة التي هي لام الفعل إلى اللام.
قال الفرّاء: معنى تعال كأنّه يقول ارتفع.
نَدْعُ: جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم فيه سقوط الواو.
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ: وقيل: أراد نفوسهم، وقيل: أراد الأزواج.
ثُمَّ نَبْتَهِلْ: نتضرّع في الدّعاء. قاله ابن عباس.
مقاتل: نخلص في الدعاء.
الكلبي: نجهد ونبالغ في الدّعاء. الكسائي وأبو عبيدة: نلتعن بقول: لعن الله الكاذب منّا، يقال: عليه بهلة الله، وبهلته: أي لعنته.
قال لبيد: في قدوم سادة من قولهم نظر الدهر إليهم فابتهل.
(١) سقط في أصل المخطوط.
84
فَنَجْعَلْ: عطف على قوله: نبتهل.
لَعْنَتَ اللَّهِ: مصدر. عَلَى الْكاذِبِينَ: منّا ومنكم في أمر عيسى،
فلمّا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غدا. فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال:
والله يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلّا البقاء لدينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد غدا رسول الله محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي (رضي الله عنه) خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإنّي أنابذكم بالحرب. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفا في صفر وألفا في رجب. فصالحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك. وقال: والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا «١».
قال الله تعالى:
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ إلى فَإِنْ تَوَلَّوْا: أعرضوا عن الإيمان.
فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ: الّذين يعبدون غير الله ويدعون النّاس إلى عبادة غيره.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية.
قال المفسرون: قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانيا وهم على دينه وأولى النّاس به. وقالت اليهود: بل كان يهوديا وأنّهم على دينه وأولى النّاس به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفا وأنا على دينه فأتبعوا دينه الإسلام. فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا. وقالت النصارى: والله يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير.
لَعْنَتَ اللَّهِ: مصدر. عَلَى الْكاذِبِينَ: منّا ومنكم في أمر عيسى،
فلمّا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غدا. فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال:
والله يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلّا البقاء لدينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد غدا رسول الله محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي (رضي الله عنه) خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإنّي أنابذكم بالحرب. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفا في صفر وألفا في رجب. فصالحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك. وقال: والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا «١».
قال الله تعالى:
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ إلى فَإِنْ تَوَلَّوْا: أعرضوا عن الإيمان.
فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ: الّذين يعبدون غير الله ويدعون النّاس إلى عبادة غيره.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية.
قال المفسرون: قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانيا وهم على دينه وأولى النّاس به. وقالت اليهود: بل كان يهوديا وأنّهم على دينه وأولى النّاس به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفا وأنا على دينه فأتبعوا دينه الإسلام. فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا. وقالت النصارى: والله يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير.
(١) الدر المنثور: ٢/ ٣٩، والفصول المهمة: ٢٣- ٢٥.
85
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﱀ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱁ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﱂ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﱃ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﱄ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﱅ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﱆ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﱇ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﱈ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱉ
فأنزل الله تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ عدل بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ
وكذلك كان يقولها ابن مسعود قال: دعا فلان إلى السّواء أي إلى النصف، وسواء كل شيء وسطه. قال الله فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ «١»، وإنّما قيل للنصف سواء لأن أعدل الأمور وأفضلها أوسطها.
وسواء نعت للكلمة إلا أنّه مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث. فإذا فتحت السين مدّت، وإذا كسرت أو ضمّت قصرت. كقوله عزّ وجلّ: مَكاناً سُوىً «٢» : أي مستو به ثم فسّر الكلمة فقال: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ: محل (أن) رفع على إضمار هي «٣».
قال الزجاج: محلّه رفع [بمعنى أنه لا نعبد] «٤»، وقيل: محله نصب بنزع حرف الصفة معناه: بأن لا نعبد إلا الله.
وقيل: محله خفض بدلا من الكلمة أي تعالوا أن لا نعبد إلّا الله.
وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ: كما فعلت اليهود والنصارى. قال الله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال عكرمة: هو سجود بعضهم لبعض.
وقيل معناه: لا تطع في المعاصي أحدا، وفي الخبر من أطاع مخلوقا في معصية الله فكأنّما سجد سجدة لغيره.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: أنتم لهم اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ: مخلصون بالتوحيد،
وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية إلى قيصر وملوك الروم، «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم...
سلام عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
«أمّا بعد.... فإنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فلن تملكوا إلا أربع سنين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، يا أهل الكتاب تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية» [٥٩] «٥».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٥ الى ٧٤]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩)
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)
وكذلك كان يقولها ابن مسعود قال: دعا فلان إلى السّواء أي إلى النصف، وسواء كل شيء وسطه. قال الله فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ «١»، وإنّما قيل للنصف سواء لأن أعدل الأمور وأفضلها أوسطها.
وسواء نعت للكلمة إلا أنّه مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث. فإذا فتحت السين مدّت، وإذا كسرت أو ضمّت قصرت. كقوله عزّ وجلّ: مَكاناً سُوىً «٢» : أي مستو به ثم فسّر الكلمة فقال: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ: محل (أن) رفع على إضمار هي «٣».
قال الزجاج: محلّه رفع [بمعنى أنه لا نعبد] «٤»، وقيل: محله نصب بنزع حرف الصفة معناه: بأن لا نعبد إلا الله.
وقيل: محله خفض بدلا من الكلمة أي تعالوا أن لا نعبد إلّا الله.
وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ: كما فعلت اليهود والنصارى. قال الله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال عكرمة: هو سجود بعضهم لبعض.
وقيل معناه: لا تطع في المعاصي أحدا، وفي الخبر من أطاع مخلوقا في معصية الله فكأنّما سجد سجدة لغيره.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: أنتم لهم اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ: مخلصون بالتوحيد،
وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية إلى قيصر وملوك الروم، «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم...
سلام عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
«أمّا بعد.... فإنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فلن تملكوا إلا أربع سنين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، يا أهل الكتاب تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية» [٥٩] «٥».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٥ الى ٧٤]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٥) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٦٦) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨) وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩)
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)
(١) سورة الصافات: ٥٥.
(٢) سورة طه: ٥٨.
(٣) التقدير: هي أن لا نعبد إلّا الله، وقيل موضع «أن» خفض على البدل من «كلمة».
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ١٠٦.
(٥) مسند أحمد: ١/ ٢٦٣، صحيح البخاري: ١/ ٦، كنز العمال: ٤/ ٣٨٤ ح ١٠٠٣٥.
(٢) سورة طه: ٥٨.
(٣) التقدير: هي أن لا نعبد إلّا الله، وقيل موضع «أن» خفض على البدل من «كلمة».
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ١٠٦.
(٥) مسند أحمد: ١/ ٢٦٣، صحيح البخاري: ١/ ٦، كنز العمال: ٤/ ٣٨٤ ح ١٠٠٣٥.
86
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ: وتزعمون أنه كان على دينكم اليهودية والنصرانية، وقد حدثت اليهودية بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل.
وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ: بعد مهلك إبراهيم بزمان طويل، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة.
أَفَلا تَعْقِلُونَ: بعرض حجّتكم وبطلان قولكم.
ها أَنْتُمْ: قرأه أهل المدينة بغير همز ولا مدّ إلا بقدر خروج الألف الساكنة، وقرأ أهل مكّة مهموزا مقصورا على وزن هعنتم، وقرأ أهل الكوفة بالمدّ والهمز، وقرأ الباقون بالمدّ دون الهمز.
واختلفوا في أصله فقال بعضهم: أصله أنتم والهاء تنبيها. وقال الأخفش: أصله أأنتم فقلبت الهمزة الأولى هاء كقولهم: هرقت وأرقت.
هؤُلاءِ: مبني على الكسر، وأصله أولاء فدخلت عليه هاء التنبيه، وفيه لغتان: القصر والمد، ومن العرب من يعضها.
أنشد أبو حازم «١» :
وهؤلاء ها هاهنا في موضع النداء يعني يا هؤلاء.
حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: يعني في أمر محمد، لأنهم كانوا يعلمونه مما يجدون من نعته في كتابهم فحاجّوا به بالباطل.
فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: من حديث إبراهيم فليس في كتابكم أنّه كان يهوديا أو نصرانيا.
وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ: بعد مهلك إبراهيم بزمان طويل، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة.
أَفَلا تَعْقِلُونَ: بعرض حجّتكم وبطلان قولكم.
ها أَنْتُمْ: قرأه أهل المدينة بغير همز ولا مدّ إلا بقدر خروج الألف الساكنة، وقرأ أهل مكّة مهموزا مقصورا على وزن هعنتم، وقرأ أهل الكوفة بالمدّ والهمز، وقرأ الباقون بالمدّ دون الهمز.
واختلفوا في أصله فقال بعضهم: أصله أنتم والهاء تنبيها. وقال الأخفش: أصله أأنتم فقلبت الهمزة الأولى هاء كقولهم: هرقت وأرقت.
هؤُلاءِ: مبني على الكسر، وأصله أولاء فدخلت عليه هاء التنبيه، وفيه لغتان: القصر والمد، ومن العرب من يعضها.
أنشد أبو حازم «١» :
| لعمرك أنا والأحاليف هؤلا | لفي محنة أطفالها لم تفطم «٢» |
حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: يعني في أمر محمد، لأنهم كانوا يعلمونه مما يجدون من نعته في كتابهم فحاجّوا به بالباطل.
فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: من حديث إبراهيم فليس في كتابكم أنّه كان يهوديا أو نصرانيا.
(١) في المصدر: حاتم. [.....]
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ١٠٨ وفيه: أظفارها لم تقلم.
(٢) تفسير الطبري: ٤/ ١٠٨ وفيه: أظفارها لم تقلم.
87
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ: نزّه إبراهيم (عليه السلام) وبرّأه من ادعائهم فقال:
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً: فالحنيف الّذي يوحّد ويحج ويضحّي ويختن ويستقبل القبلة وهو أسهل الأديان وأحبّها إلى الله وأهله أكرم الخلق على الله.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ:
قال ابن عباس: قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنّه كان يهوديا وما بك إلّا الحسد لنا، فأنزل الله هذه الآية «١».
روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رفعه. دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: لما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان اجتمعت قريش في دار الندوة، وقالوا: إنّ لنا في الّذين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأرا بمن قتل منكم ببدر. فاجمعوا مالا وهدوه إلى النجاشي لعلّه يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم.
فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط بالهدايا، الأدم وغيره. فركبا البحر وأتيا الحبشة فلمّا دخلا على النجاشي سجدا له، وسلّما عليه وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبّون، وإنّهم بعثونا إليك لنحذّرك هؤلاء القوم الّذين قدموا عليك لأنّهم قوم رجل كذّاب خرج فينا فزعم أنّه رسول الله، ولم يبايعه أحد منّا إلا السفهاء وإنّا كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر. وألجأناهم إلى شعب أرضنا لا يدخل إليهم أحد. ولا يخرج منهم أحد. قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليه الأمر. بعث إليك ابن عم له ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا: وآية ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها النّاس رغبة عن دينك وسنّتك.
قال: فدعاهم النّجاشي فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزب الله. فقال النّجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه. ففعل جعفر. فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه. فقال: ألا تسمع كيف يدخلون بحزب الله وما أجابهم النجاشي. فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له.
فقال عمرو: ألا ترى إنّهم يستكبرون أن يسجدوا لك. فقال لهم النّجاشي: ما منعكم ألّا تسجدوا لي وتحيّوني بالتحيّة التي يحيّيني بها من أتى من الآفاق. قالوا: نسجد لله الّذي خلقك
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً: فالحنيف الّذي يوحّد ويحج ويضحّي ويختن ويستقبل القبلة وهو أسهل الأديان وأحبّها إلى الله وأهله أكرم الخلق على الله.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ:
قال ابن عباس: قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنّه كان يهوديا وما بك إلّا الحسد لنا، فأنزل الله هذه الآية «١».
روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رفعه. دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: لما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان اجتمعت قريش في دار الندوة، وقالوا: إنّ لنا في الّذين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأرا بمن قتل منكم ببدر. فاجمعوا مالا وهدوه إلى النجاشي لعلّه يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم.
فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط بالهدايا، الأدم وغيره. فركبا البحر وأتيا الحبشة فلمّا دخلا على النجاشي سجدا له، وسلّما عليه وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبّون، وإنّهم بعثونا إليك لنحذّرك هؤلاء القوم الّذين قدموا عليك لأنّهم قوم رجل كذّاب خرج فينا فزعم أنّه رسول الله، ولم يبايعه أحد منّا إلا السفهاء وإنّا كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر. وألجأناهم إلى شعب أرضنا لا يدخل إليهم أحد. ولا يخرج منهم أحد. قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليه الأمر. بعث إليك ابن عم له ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا: وآية ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها النّاس رغبة عن دينك وسنّتك.
قال: فدعاهم النّجاشي فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزب الله. فقال النّجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه. ففعل جعفر. فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه. فقال: ألا تسمع كيف يدخلون بحزب الله وما أجابهم النجاشي. فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له.
فقال عمرو: ألا ترى إنّهم يستكبرون أن يسجدوا لك. فقال لهم النّجاشي: ما منعكم ألّا تسجدوا لي وتحيّوني بالتحيّة التي يحيّيني بها من أتى من الآفاق. قالوا: نسجد لله الّذي خلقك
(١) أسباب النزول للواحدي: ٦٨.
88
وملكك- قال- وإنما كان للملك التحية لنا ونحن الأوثان. فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا. وهو السلام تحية أهل الجنّة. فعرف النّجاشي أن ذلك حق فيما جاء في التوراة والإنجيل. قال: أيّكم الهاتف: يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر: أنا.
قال: تكلّم. قال: إنّك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحبّ أن أجيب عن أصحابي فمن هذين الرّجلين أن يتكلّم أحدهما وينصت الآخر. فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر: تكلّم.
فقال جعفر للنجاشي: سل هذين الرجلين. أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم يا عمرو أم أحرار؟ قال: لا، بل أحرار كرام.
فقال النجاشي: نجّوا من العبودية، ثم قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دما بغير حق؟ فاقتصّ منّا.
فقال عمرو: لا ولا قطرة. فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال النّاس بغير حق فعلينا إيفاؤها.
فقال النّجاشي: قل يا عمرو. وإن كان قنطارا. فعليّ قضاؤه قال: لا ولا قيراط. قال النّجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كنّا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا، وتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. ولزمناه نحن فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا.
فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الّذي اتبعتموه؟ قال جعفر: أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره. كنّا نكفر بالله ونعبد الحجارة. وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له. فقال النجاشي:
يا جعفر تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك. فأمر النجاشي فضرب بالناقوس. فاجتمع إليه كل قسّيس وراهب. فلمّا اجتمعوا عنده قال النّجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى.
هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّا مرسلا؟ فقالوا: اللهم نعم. قد بشرّنا به عيسى (عليه السلام) فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: هيه: أي هات ماذا يقول لكم هذا الرّجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ فقالوا: يقرأ علينا كتاب الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصلة الرحم، ويأمر للوالدين واليتيم، ويأمر بأن نعبد الله وحده لا شريك له. فقال: اقرأ عليّ شيئا ممّا يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والرّوم. فغاضت أعين النّجاشي وأصحابه من الدمع. وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطّيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يغضب النّجاشي.
فقال: إنّهم يشتمون عيسى وأمّه. فقال النّجاشي: ما تقولون في هذا؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم فلمّا أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النّجاشي نفسه من سواكه قدر ما يقذي العين وقال: ما زاد المسيح على ما يقولون.
ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبّكم أو
قال: تكلّم. قال: إنّك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحبّ أن أجيب عن أصحابي فمن هذين الرّجلين أن يتكلّم أحدهما وينصت الآخر. فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر: تكلّم.
فقال جعفر للنجاشي: سل هذين الرجلين. أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم يا عمرو أم أحرار؟ قال: لا، بل أحرار كرام.
فقال النجاشي: نجّوا من العبودية، ثم قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دما بغير حق؟ فاقتصّ منّا.
فقال عمرو: لا ولا قطرة. فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال النّاس بغير حق فعلينا إيفاؤها.
فقال النّجاشي: قل يا عمرو. وإن كان قنطارا. فعليّ قضاؤه قال: لا ولا قيراط. قال النّجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كنّا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا، وتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. ولزمناه نحن فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا.
فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الّذي اتبعتموه؟ قال جعفر: أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره. كنّا نكفر بالله ونعبد الحجارة. وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له. فقال النجاشي:
يا جعفر تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك. فأمر النجاشي فضرب بالناقوس. فاجتمع إليه كل قسّيس وراهب. فلمّا اجتمعوا عنده قال النّجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى.
هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّا مرسلا؟ فقالوا: اللهم نعم. قد بشرّنا به عيسى (عليه السلام) فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: هيه: أي هات ماذا يقول لكم هذا الرّجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ فقالوا: يقرأ علينا كتاب الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصلة الرحم، ويأمر للوالدين واليتيم، ويأمر بأن نعبد الله وحده لا شريك له. فقال: اقرأ عليّ شيئا ممّا يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والرّوم. فغاضت أعين النّجاشي وأصحابه من الدمع. وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطّيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يغضب النّجاشي.
فقال: إنّهم يشتمون عيسى وأمّه. فقال النّجاشي: ما تقولون في هذا؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم فلمّا أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النّجاشي نفسه من سواكه قدر ما يقذي العين وقال: ما زاد المسيح على ما يقولون.
ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبّكم أو
89
آذاكم غرّم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم (عليه السلام) قال عمرو للنّجاشي: ومن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرّهط وصاحبهم الّذي جاءوا من عنده ومن اتبعه، ولكنّكم أنتم المشركون.
ثم ردّ النّجاشي على عمرو وأصحابه المال الّذي حملوه، وقال: إنّما هديّتكم رشوة إلي.
فاقبضوها، ولكنّ الله ملّكني ولم يأخذ مني رشوة. قال جعفر: فانصرفنا فكنّا في خير دار، وأكرم بلد وأنزل الله ذلك اليوم في خصومتهم على رسوله وهو في المدينة «١» إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ: على مثله.
وَهذَا النَّبِيُّ: يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.
روى مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ ولاء من النبيّين وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي ثم قرأ الآية إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ... » [٦٠].
وَدَّتْ: تمنّت.
طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.... الآية: نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمّار ابن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم، قد مضت هذه القصة في سورة البقرة.
وَدَّتْ: تمنّت. طائِفَةٌ: جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود.
لَوْ يُضِلُّونَكُمْ: يزلّونكم عن دينكم ويردّوكم إلى الكفر. وقال ابن جرير: يهلكونكم كقول الأخطل يهجو جرير بن عطية:
كنت القذى في موج أكدر مزبد... قذف الآتي به فضّل ضلالا «٢»
أي هلك هلاكا.
وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ: يعني اليهود والنّصارى. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: يعني القرآن وبيان نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: إنّ نعته مذكور في التوراة والإنجيل.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ: تخلطون الْحَقَّ بِالْباطِلِ: الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة.
وقال ابن زيد: التوراة الّتي أنزل الله على موسى بالباطل الّذي غيّرتموه، وحرّفتموه، وضيّعتموه، وكتبتموه بأيديكم.
ثم ردّ النّجاشي على عمرو وأصحابه المال الّذي حملوه، وقال: إنّما هديّتكم رشوة إلي.
فاقبضوها، ولكنّ الله ملّكني ولم يأخذ مني رشوة. قال جعفر: فانصرفنا فكنّا في خير دار، وأكرم بلد وأنزل الله ذلك اليوم في خصومتهم على رسوله وهو في المدينة «١» إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ: على مثله.
وَهذَا النَّبِيُّ: يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.
روى مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ ولاء من النبيّين وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي ثم قرأ الآية إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ... » [٦٠].
وَدَّتْ: تمنّت.
طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.... الآية: نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمّار ابن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم، قد مضت هذه القصة في سورة البقرة.
وَدَّتْ: تمنّت. طائِفَةٌ: جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود.
لَوْ يُضِلُّونَكُمْ: يزلّونكم عن دينكم ويردّوكم إلى الكفر. وقال ابن جرير: يهلكونكم كقول الأخطل يهجو جرير بن عطية:
كنت القذى في موج أكدر مزبد... قذف الآتي به فضّل ضلالا «٢»
أي هلك هلاكا.
وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ.
يا أَهْلَ الْكِتابِ: يعني اليهود والنّصارى. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: يعني القرآن وبيان نعت محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: إنّ نعته مذكور في التوراة والإنجيل.
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ: تخلطون الْحَقَّ بِالْباطِلِ: الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة.
وقال ابن زيد: التوراة الّتي أنزل الله على موسى بالباطل الّذي غيّرتموه، وحرّفتموه، وضيّعتموه، وكتبتموه بأيديكم.
(١) أسباب النزول للواحدي: ٧١.
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٦٨.
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٦٨.
90
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنّ محمدا رسول الله ودينه حقّ.
وقرأ أبو مجلز: تلبّسون بالتشديد. وقرأ حسن بن عمير: تلبسوا وتكتموا بغير نون ولا وجه له.
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا: الآية.
قال الحسن والسّدي: تواطأ إثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عربية، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا آخر النهار وقولوا: إنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم، وقالوا: إنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقالوا: إنّهم أهل.
وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: هذا في تبيان القبلة لما صرفت إلى الكعبة. فشقّ ذلك على اليهود لمخالفتهم. فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالّذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلّوا إليها أول النّهار ثمّ اكفروا آخر النّهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصّخرة لعلّهم يقولون أهل الكتاب هم أعلم منّا فيرجعون إلى قبلتنا، فحذّر الله نبيّه مكر هؤلاء وأطلعه على سرّهم. فأنزل: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ: أوّله وسمّي الوجه وجها لأنّه أحسنه، وأول ما يواجه به الناظر فيرى، ويقال لأول الشيب وجهه.
قال الربيع بن زياد:
وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ: يشكّون. يَرْجِعُونَ: عن دينهم. وَلا تُؤْمِنُوا: ولا تصدّقوا.
إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: هذا من كلام اليهود أيضا بعضهم لبعض ولا تؤمنوا ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم أي وافق ملّتكم وصلّى إلى قبلتكم واللام في قوله لِمَنْ: صلة. يعني ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم اليهوديّة كقول الله تعالى قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ «٢» قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ الآية: اختلف القرّاء والعلماء فيه، فقرأت العامّة: أن يؤتى بالفتح من الألف وقصرها ووجه هذه القراءة إنّ هذا الكلام معترض بين
وقرأ أبو مجلز: تلبّسون بالتشديد. وقرأ حسن بن عمير: تلبسوا وتكتموا بغير نون ولا وجه له.
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا: الآية.
قال الحسن والسّدي: تواطأ إثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عربية، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا آخر النهار وقولوا: إنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم، وقالوا: إنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقالوا: إنّهم أهل.
وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: هذا في تبيان القبلة لما صرفت إلى الكعبة. فشقّ ذلك على اليهود لمخالفتهم. فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالّذي أنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلّوا إليها أول النّهار ثمّ اكفروا آخر النّهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصّخرة لعلّهم يقولون أهل الكتاب هم أعلم منّا فيرجعون إلى قبلتنا، فحذّر الله نبيّه مكر هؤلاء وأطلعه على سرّهم. فأنزل: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ: أوّله وسمّي الوجه وجها لأنّه أحسنه، وأول ما يواجه به الناظر فيرى، ويقال لأول الشيب وجهه.
قال الربيع بن زياد:
| من كان مسرورا بمقتل مالك | فليأت نسوتنا بوجه نهار «١» |
إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: هذا من كلام اليهود أيضا بعضهم لبعض ولا تؤمنوا ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم أي وافق ملّتكم وصلّى إلى قبلتكم واللام في قوله لِمَنْ: صلة. يعني ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم اليهوديّة كقول الله تعالى قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ «٢» قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ الآية: اختلف القرّاء والعلماء فيه، فقرأت العامّة: أن يؤتى بالفتح من الألف وقصرها ووجه هذه القراءة إنّ هذا الكلام معترض بين
(١) لسان العرب: ١٣/ ٥٥٦.
(٢) سورة النمل: ٧٢.
(٢) سورة النمل: ٧٢.
91
كلامين وهو خبر عن الله تعالى أنّ البيان وما يدلّ قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ متصل بالكلام الأوّل إخبارا عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ
، ولا تؤمنوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من العلم والحكمة والحجّة في المنّ والسلوى، وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات. ولا تؤمنوا أن يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لأنّكم أصحّ دينا منه، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش.
وقال ابن جريج وابن زيّاب: قالت اليهود لسفلتهم: لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كراهية أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وأيّ فضل يكون لكم عليهم حيث علموا ما علمتم وحينئذ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ: يقولون عرفتم أنّ ديننا حقّ فلا تصدّقوهم لئلّا يعلموا مثل ما علّمتم ولا يحاجّوكم عند ربكم، ويجوز أن يكون على هذا القول لا مضمرا كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «١» يكون تقديره وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ لئلّا يؤتى أحد من العلم مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وألا يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ.
وقرأ الحسن والأعمش: إن يؤتى بكسر الألف ووجه هذه القراءة إنّ هذا كلّه من قول الله بلا اعتراض وأن يكون كلام اليهود تاما عند قوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ومعنى الآية: قُلْ يا محمد إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ما يؤتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا أمّة محمد أَوْ يُحاجُّوكُمْ، يعني إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم وقوله: عِنْدَ رَبِّكُمْ أي عند فضل ربّكم لكم ذلك ويكون (أنّ) على هذا القول بمعنى الجحد والنفي.
وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومقاتل والكلبي. وقال الفرّاء: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى حتّى كما يقال: تعلّق به أو يعطيك حقّك أي حتى يعطيك حقّك.
وقال امرؤ القيس:
أي حتى نموت.
والمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ما أعطى أحدا مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدّين والحجّة حتّى يحاجّوكم عند ربّكم.
وقرأ ابن كثير: أن يؤتى بالمدّ وحينئذ يكون في الكلام إختيار تقديرها: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونهم ولا تؤمنون بهم وهذا قول قتادة والربيع.
، ولا تؤمنوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من العلم والحكمة والحجّة في المنّ والسلوى، وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات. ولا تؤمنوا أن يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لأنّكم أصحّ دينا منه، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش.
وقال ابن جريج وابن زيّاب: قالت اليهود لسفلتهم: لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كراهية أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وأيّ فضل يكون لكم عليهم حيث علموا ما علمتم وحينئذ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ: يقولون عرفتم أنّ ديننا حقّ فلا تصدّقوهم لئلّا يعلموا مثل ما علّمتم ولا يحاجّوكم عند ربكم، ويجوز أن يكون على هذا القول لا مضمرا كقوله تعالى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «١» يكون تقديره وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ لئلّا يؤتى أحد من العلم مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ وألا يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ.
وقرأ الحسن والأعمش: إن يؤتى بكسر الألف ووجه هذه القراءة إنّ هذا كلّه من قول الله بلا اعتراض وأن يكون كلام اليهود تاما عند قوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ومعنى الآية: قُلْ يا محمد إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى ما يؤتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا أمّة محمد أَوْ يُحاجُّوكُمْ، يعني إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم وقوله: عِنْدَ رَبِّكُمْ أي عند فضل ربّكم لكم ذلك ويكون (أنّ) على هذا القول بمعنى الجحد والنفي.
وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومقاتل والكلبي. وقال الفرّاء: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى حتّى كما يقال: تعلّق به أو يعطيك حقّك أي حتى يعطيك حقّك.
وقال امرؤ القيس:
| فقلت له لا تبك عينك «٢» إنّما | نحاول ملكا أو نموت فنعذرا «٣» |
والمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ما أعطى أحدا مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدّين والحجّة حتّى يحاجّوكم عند ربّكم.
وقرأ ابن كثير: أن يؤتى بالمدّ وحينئذ يكون في الكلام إختيار تقديرها: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونهم ولا تؤمنون بهم وهذا قول قتادة والربيع.
(١) سورة النساء: ١٧٦.
(٢) في المصدر: عيناك.
(٣) كتاب العين: ٨/ ٤٣٨.
(٢) في المصدر: عيناك.
(٣) كتاب العين: ٨/ ٤٣٨.
92
وإلّا هذا من قول الله عز وجلّ: قُلْ لهم يا محمد إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ لما أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيّا مثل نبيّكم حسدتموه وكفرتم به.
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ الآية.
قال أبو حاتم: إنّ معناه الآن فحذف لام الجزاء استخفافا وأبدلت مدّه كقراءة من قرأ:
أَنْ كانَ ذا مالٍ أي الآن كان.
وقوله: أَوْ يُحاجُّوكُمْ على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ويكون أو بمعنى أن لأنّها حرفا شك وجزاء ويوضع أحدهما موضع الآخر وتقدير الآية: وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربّكم فقل يا محمد: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ ونحن عليه.
ويحتمل أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ويكون نظم الآية: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر المؤمنين [فلا تشكّو عند تلبيس اليهود] «١» ف قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ.
وإن حاجّوكم ف قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ.
فهذه وجوه الآيات باختلاف القرآن. ويحتمل أن يكون تمام الخبر عن اليهود عند قوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيكون قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ إلى آخر الآية من كلام الله عزّ وجلّ. وذلك إنّ الله تعالى مثبّت لقلوب المؤمنين ومشحذ لبصائرهم لئلّا يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم أي: ولا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ولا تصدّقوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من الدين والفضل، ولا تصدّقوا أن يُحاجُّوكُمْ في دينكم عِنْدَ رَبِّكُمْ فيقدرون على ذلك ف إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ: فتكون الآية كلّها خطاب الله عز وجلّ للمؤمنين عند تلبيس اليهود عليهم لئلّا يزلّوا ولا يرتابوا والله أعلم. يدل عليه قول الضحّاك قال: إنّ اليهود قالوا: إنّا نحاجّ عند ربنا من خالفنا في ديننا فبيّن الله تعالى أنّهم هم المدحضون أي المغلوبون، وإنّ المؤمنين هم الغالبون.
وقال أهل الإشارة في هذه الآية: لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإنّ من لا يوافقكم لا يرافقكم.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ: بنبوّته ودينه ونعمته.
مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ: وقال أبو حيّان: إجمال القول يبقى مع رجاء الرّاجي وخوف الخائف.
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ الآية.
قال أبو حاتم: إنّ معناه الآن فحذف لام الجزاء استخفافا وأبدلت مدّه كقراءة من قرأ:
أَنْ كانَ ذا مالٍ أي الآن كان.
وقوله: أَوْ يُحاجُّوكُمْ على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ويكون أو بمعنى أن لأنّها حرفا شك وجزاء ويوضع أحدهما موضع الآخر وتقدير الآية: وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربّكم فقل يا محمد: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ ونحن عليه.
ويحتمل أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ويكون نظم الآية: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ يا معشر المؤمنين [فلا تشكّو عند تلبيس اليهود] «١» ف قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ.
وإن حاجّوكم ف قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ.
فهذه وجوه الآيات باختلاف القرآن. ويحتمل أن يكون تمام الخبر عن اليهود عند قوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيكون قوله وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ إلى آخر الآية من كلام الله عزّ وجلّ. وذلك إنّ الله تعالى مثبّت لقلوب المؤمنين ومشحذ لبصائرهم لئلّا يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم أي: ولا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ولا تصدّقوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من الدين والفضل، ولا تصدّقوا أن يُحاجُّوكُمْ في دينكم عِنْدَ رَبِّكُمْ فيقدرون على ذلك ف إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ: فتكون الآية كلّها خطاب الله عز وجلّ للمؤمنين عند تلبيس اليهود عليهم لئلّا يزلّوا ولا يرتابوا والله أعلم. يدل عليه قول الضحّاك قال: إنّ اليهود قالوا: إنّا نحاجّ عند ربنا من خالفنا في ديننا فبيّن الله تعالى أنّهم هم المدحضون أي المغلوبون، وإنّ المؤمنين هم الغالبون.
وقال أهل الإشارة في هذه الآية: لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإنّ من لا يوافقكم لا يرافقكم.
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ: بنبوّته ودينه ونعمته.
مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ: وقال أبو حيّان: إجمال القول يبقى مع رجاء الرّاجي وخوف الخائف.
(١) زيادة لتقويم النص.
93
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﱊ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﱋ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﱌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﱍ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﱎ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱏ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﱐ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ
ﱑ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱒ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﱓ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﱔ
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٥ الى ٨٥]
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨) ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤)
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ: الآية: قال أكثر المفسّرين: نزلت هذه الآية في اليهود كلّهم، أخبر الله تعالى إنّ فيهم أمانة وخيانة. والقنطار عبارة عن المال الكثير، والدينار عبارة عن المال القليل.
فإن قيل: فأيّ فائدة في هذه الأخبار وقد علمنا أنّ النّاس كلّهم لم يزالوا كذلك منهم الأمين ومنهم الخائن.
قلنا: تحذير من الله تعالى للمؤمنين أن يأتمونهم على أموالهم أو يغترّوا بهم لاستحلالهم أموال المؤمنين.
وهذا كما
روي في الخبر: أتراعون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه كي يحذره النّاس.
وقال بعضهم: الأمانة راجعة إلى من أسلم منهم، والخيانة راجعة إلى من لم يسلم منهم.
وقال مقاتل: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ: عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من الذّهب فأدّاه إليه فمدحه الله.
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ: في مخاض بن عازورا وذلك أنّ رجلا من قريش استودعه دينارا فخانه.
94
وفي بعض التفاسير: إنّ الّذي يؤدّي الأمانة في هذه الآية هم النصارى، والذين لا يؤدّونه هم اليهود.
وفي قوله تَأْمَنْهُ: قراءتان.
قرأ الأشهب العقيلي: تيمنه بكسر التاء وهي لغة بكر وتميم، وفي حرف ابن مسعود ما لك لا تيمنّا.
وقراءة العامّة تَأْمَنْهُ بالألف. والدينار أصله دنّار فعوّض من إحدى النّونين ياء طلبا للخفّة لكثرة استعماله، يدلّ عليه أنّك تجمعه دنانير.
وفي قوله يُؤَدِّهِ وأخواته خمس قراءات.
فقرأها كلّها أبو عمرو والأعمش وعاصم وحمزة: ساكنة الهاء.
وقرأ أبو جعفر ويعقوب: مختلسة مكسورة. وقرأ سلام: مضمومة مختلسة. وقرأ الزهري:
مضمومة مشبعة.
وقرأ الآخرون: مكسورة مشبعة فمن سكّن الهاء فإنّ كثيرا من النحاة خطّئوه، لأن الجزم ليس في الهاء إذا تحرك ما قبلها والهاء اسم المكنّى والأسماء لا تجزم.
قال الفرّاء: هذا مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرّك ما قبلها فيقول: ضربته ضربا شديدا، كما يسكّنون ميم أنتم وقمتم وأصلها الرفع.
وأنشد:
وقال بعضهم: إنّما جاز إسكان الهاء في هذه المواضع لأنّها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهب، ومن اختلس فإنّه اكتفى بالضمّة عن الواو وبالكسر عن الياء وأنشد الفرّاء:
وأنشد سيبويه:
ومن أشبع الهاء فعلى الأصل لما كان الحرف ضعيفا قوي بالواو في الضم وبالياء في الكسر.
وفي قوله تَأْمَنْهُ: قراءتان.
قرأ الأشهب العقيلي: تيمنه بكسر التاء وهي لغة بكر وتميم، وفي حرف ابن مسعود ما لك لا تيمنّا.
وقراءة العامّة تَأْمَنْهُ بالألف. والدينار أصله دنّار فعوّض من إحدى النّونين ياء طلبا للخفّة لكثرة استعماله، يدلّ عليه أنّك تجمعه دنانير.
وفي قوله يُؤَدِّهِ وأخواته خمس قراءات.
فقرأها كلّها أبو عمرو والأعمش وعاصم وحمزة: ساكنة الهاء.
وقرأ أبو جعفر ويعقوب: مختلسة مكسورة. وقرأ سلام: مضمومة مختلسة. وقرأ الزهري:
مضمومة مشبعة.
وقرأ الآخرون: مكسورة مشبعة فمن سكّن الهاء فإنّ كثيرا من النحاة خطّئوه، لأن الجزم ليس في الهاء إذا تحرك ما قبلها والهاء اسم المكنّى والأسماء لا تجزم.
قال الفرّاء: هذا مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرّك ما قبلها فيقول: ضربته ضربا شديدا، كما يسكّنون ميم أنتم وقمتم وأصلها الرفع.
وأنشد:
| لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع | مال إلى أرطأة حقف «١» فاضطجع «٢» |
| أنا ابن كلاب وابن أوس | فمن يكن قناعه مغطيّا فإنّي لمجتلى «٣» |
| فإن يكن غثّا أو سمينا فإنّه | سيجعل عينيه لنفسه مغمضا |
(١) الارطاة: واحد الارط وهو شجر من شجر الرمل. والحقف: (بالكسر) ما اعوج من الرمل.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٣٠٤.
(٣) الصحاح: ٦/ ٢٤٤٧.
(٢) لسان العرب: ٥/ ٣٠٤.
(٣) الصحاح: ٦/ ٢٤٤٧.
95
قال سيبويه: يجيء بعد هاء المذكّر واو كما يجيء بعد هاء المؤنّث ألف. ومن ضمّ الهاء فعلى الأصل لأنّ أصل الهاء الضمّة مثل هو، وهما وهم، ومن كسر فقال لأنّ قبله ياء وإن كان محذوفا فلأنّ ما قبلها مكسور.
إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً: قرأ يحيى وثابت والأعمش وطلحة بكسر الدّال، والباقون بالضّم.
من ضمّ فهو من دام. يدوم، ومن لغة العالية. ومن كسر فله وجهان، قال بعضهم: هو أيضا من دام يدوم إلا أنّه على وزن فعل. يفعل، يقول دمت تدوم مثل مت. تموت، قاله الأخفش. وليس في الأفعال الثلاثيّة فعل- يفعل بكسر العين في الماضي وضمّها في الغابر من الصحيح الآخر فإنّ فضل. يفضل، ونعم. ينعم، ومن المعتلّ متّ. أموت ودمت. أدوم وهما لغة تميم.
قال أكثر العلماء: من كرام- يدام- فعل- يفعل مثل خاف- يخاف، وهاب يهاب.
قائِماً: قال ابن عبّاس: ملحا.
مجاهد: مواظبا. سعيد بن جبير: مرابطا. قتادة: قائما تقتضيه. السّدي: قائما على رأسه.
العتيبي: مواظبا بالاقتضاء وأصله إنّ المطالب للشيء يقوم فيه والتّارك له يقعد عنه، ودلالة قوله: أُمَّةٌ قائِمَةٌ أي: عاملة بأمر الله غير تاركة.
أبو روق: يعترف بما دفعت إليه ما دمت قائما على رأسه، فإن سألته إيّاه في الوقت حينما تدفعه إليه يردّه عليك وإن أنظرته وأخّرته أنكر وذهب به وذلك الاستحلال والخيانة.
بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ: أي في حال العرب. نظيره هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ «١»... سَبِيلٌ: إثم وحرج. دليله قوله: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «٢» وذلك إنّ اليهود قالوا لا حرج علينا في حبس أموال العرب قد أحلّها الله لنا لأنّهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلّون ظلم من خالفهم في دينهم يقولون لم يجعل الله لهم في كتابنا حرمة.
الكلبي: قالت اليهود إنّ الأموال كلّها كانت لنا فما كانت في أيدي العرب منها فهو لنا وإنّما ظلمونا وغصبونا ظلما فلا سبيل علينا في أخذنا إيّاه منهم.
إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً: قرأ يحيى وثابت والأعمش وطلحة بكسر الدّال، والباقون بالضّم.
من ضمّ فهو من دام. يدوم، ومن لغة العالية. ومن كسر فله وجهان، قال بعضهم: هو أيضا من دام يدوم إلا أنّه على وزن فعل. يفعل، يقول دمت تدوم مثل مت. تموت، قاله الأخفش. وليس في الأفعال الثلاثيّة فعل- يفعل بكسر العين في الماضي وضمّها في الغابر من الصحيح الآخر فإنّ فضل. يفضل، ونعم. ينعم، ومن المعتلّ متّ. أموت ودمت. أدوم وهما لغة تميم.
قال أكثر العلماء: من كرام- يدام- فعل- يفعل مثل خاف- يخاف، وهاب يهاب.
قائِماً: قال ابن عبّاس: ملحا.
مجاهد: مواظبا. سعيد بن جبير: مرابطا. قتادة: قائما تقتضيه. السّدي: قائما على رأسه.
العتيبي: مواظبا بالاقتضاء وأصله إنّ المطالب للشيء يقوم فيه والتّارك له يقعد عنه، ودلالة قوله: أُمَّةٌ قائِمَةٌ أي: عاملة بأمر الله غير تاركة.
أبو روق: يعترف بما دفعت إليه ما دمت قائما على رأسه، فإن سألته إيّاه في الوقت حينما تدفعه إليه يردّه عليك وإن أنظرته وأخّرته أنكر وذهب به وذلك الاستحلال والخيانة.
بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ: أي في حال العرب. نظيره هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ «١»... سَبِيلٌ: إثم وحرج. دليله قوله: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «٢» وذلك إنّ اليهود قالوا لا حرج علينا في حبس أموال العرب قد أحلّها الله لنا لأنّهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلّون ظلم من خالفهم في دينهم يقولون لم يجعل الله لهم في كتابنا حرمة.
الكلبي: قالت اليهود إنّ الأموال كلّها كانت لنا فما كانت في أيدي العرب منها فهو لنا وإنّما ظلمونا وغصبونا ظلما فلا سبيل علينا في أخذنا إيّاه منهم.
(١) سورة الجمعة: ٢. [.....]
(٢) سورة التوبة: ٩١.
(٢) سورة التوبة: ٩١.
96
الحسن وابن جريج ومقاتل: بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلمّا أسلموا تقاضوهم بقيمة أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حقّ ولا عندنا قضاء لكم تركتم الدّين الذي كنتم عليه وانقطع العهد بيننا وبينكم، وادّعوا إنّهم وجدوا ذلك في كتابهم فكذّبهم الله تعالى فقال:
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وفي الحديث: لما نزلت الآية قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنّها موفاة «١» إلى البرّ والفاجر» «٢» [٦١].
وروى أبو إسحاق الهمداني عن صعصعة: إنّ رجلا سأل ابن عباس فقال: إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل المدينة الدّجاجة أو الشاة قال ابن عبّاس: ويقولون ماذا قال: يقولون:
ليس علينا بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ «٣» إنهم إذا أدّوا الجزية لم يحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم ثمّ قال الله تعالى ردّا عليهم: بَلى: أي ليس كما قالوا ولكن مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ: الذي عاهد الله في التوراة من الإيمان بمحمّد والقرآن وأداء الأمانة.
والهاء في قوله بِعَهْدِهِ راجعة إلى الله عزّ وجلّ قد جرى ذكره في قوله وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. ويجوز أن تكون عائدة إلى أَوْفى.
وَاتَّقى: من الكفر والخيانة ونقض العهد.
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ: من هذه صفته.
وعن الحسن: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ثلاثة من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنّه مؤمن، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» [٦٢] «٤».
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ائتمن على أمانة فأدّاها ولو شاء لم يؤدّها زوّجه الله من الحور العين ما شاء» [٦٣] «٥».
الحسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «التّاجر الصّدوق الأمين مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ» [٦٤] «٦».
وهب عن حذيفة قال: حدّثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر،
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
وفي الحديث: لما نزلت الآية قال النّبي صلى الله عليه وسلّم: «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنّها موفاة «١» إلى البرّ والفاجر» «٢» [٦١].
وروى أبو إسحاق الهمداني عن صعصعة: إنّ رجلا سأل ابن عباس فقال: إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل المدينة الدّجاجة أو الشاة قال ابن عبّاس: ويقولون ماذا قال: يقولون:
ليس علينا بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ «٣» إنهم إذا أدّوا الجزية لم يحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم ثمّ قال الله تعالى ردّا عليهم: بَلى: أي ليس كما قالوا ولكن مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ: الذي عاهد الله في التوراة من الإيمان بمحمّد والقرآن وأداء الأمانة.
والهاء في قوله بِعَهْدِهِ راجعة إلى الله عزّ وجلّ قد جرى ذكره في قوله وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. ويجوز أن تكون عائدة إلى أَوْفى.
وَاتَّقى: من الكفر والخيانة ونقض العهد.
فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ: من هذه صفته.
وعن الحسن: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ثلاثة من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنّه مؤمن، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» [٦٢] «٤».
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ائتمن على أمانة فأدّاها ولو شاء لم يؤدّها زوّجه الله من الحور العين ما شاء» [٦٣] «٥».
الحسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «التّاجر الصّدوق الأمين مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ» [٦٤] «٦».
وهب عن حذيفة قال: حدّثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر،
(١) في المصدر: مؤداة.
(٢) فتح القدير: ١/ ٣٥٤، تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٢٧.
(٣) سورة آل عمران: ٧٥.
(٤) كنز العمال: ١/ ١٧١.
(٥) تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٢٧.
(٦) المستدرك: ٢/ ٦.
(٢) فتح القدير: ١/ ٣٥٤، تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٢٧.
(٣) سورة آل عمران: ٧٥.
(٤) كنز العمال: ١/ ١٧١.
(٥) تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٢٧.
(٦) المستدرك: ٢/ ٦.
97
حدّثنا: «إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجّال، ونزل القرآن فتعلّموا من القرآن وتعلّموا من أصل السّنة» [٦٥] «١».
ثم حدّثنا عن رفعهما فقال: «ينام الرّجل النومة فينزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها كأثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتثرا وليس فيه شيء». ثم أخذ حذيفة حصاة فدحرجها على ساقه قال: فيصبح النّاس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتّى يقال له: فلان رجلا أمينا، وحتّى يقال للرّجل: ما أجلده، ما أعقله، وأظرفه وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ حين ولا أبالي أيّكم بايعت لئن كان مسلما ليردّن على إسلامه ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردّن على ساعيه فأنا اليوم فما كنت لأبايع رجلا منكم إلّا فلانا وفلانا «٢».
وقيل: أكمل الدّيانة ترك الخيانة، وأعظم الجناية خيانة النّاس.
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا: اختلفوا في نزول هذه الآية:
فقال عكرمة: نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رئيس اليهود كتبوا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمّد صلى الله عليه وسلّم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا إنّه من عند الله لئلا يفوتهم الرّشى والمأكل التي كانت لهم على أتباعهم.
وقال الكلبي: إنّ ناسا من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابهم سنة. فأتوا كعب بن الأشرف يستميرونه فسألهم كعب: هل تعلمون أنّ هذا الرّجل رسول الله في كتابكم؟ فقالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا. قالوا: فإنّا نشهد إنّه عبد الله ورسوله، قال كعب: قد كذبتم عليّ فأنا أريد أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا.
قالوا: فإنّه شبّه لنا. فرويدا حتى نلقاه. قال: فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلّم فكتموه ثم رجعوا إلى كعب، فقالوا: قد كنّا نرى رسول الله فأتيناه، فإذا هو ليس بالنعت الّذي نعت لنا وأخرجوا الّذي كتبوه. ففرح بذلك كعب، ومكرهم فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، نظيرها قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا «٣» الآية.
وروى منصور بن أبي وائل قال: قال عبد الله: من حلف على عين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان. فأنزل الله تعالى تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية.
وقال الأشعث بن قيس: فيّ نزلت، وكانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى
ثم حدّثنا عن رفعهما فقال: «ينام الرّجل النومة فينزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها كأثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتثرا وليس فيه شيء». ثم أخذ حذيفة حصاة فدحرجها على ساقه قال: فيصبح النّاس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتّى يقال له: فلان رجلا أمينا، وحتّى يقال للرّجل: ما أجلده، ما أعقله، وأظرفه وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ حين ولا أبالي أيّكم بايعت لئن كان مسلما ليردّن على إسلامه ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردّن على ساعيه فأنا اليوم فما كنت لأبايع رجلا منكم إلّا فلانا وفلانا «٢».
وقيل: أكمل الدّيانة ترك الخيانة، وأعظم الجناية خيانة النّاس.
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا: اختلفوا في نزول هذه الآية:
فقال عكرمة: نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رئيس اليهود كتبوا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمّد صلى الله عليه وسلّم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا إنّه من عند الله لئلا يفوتهم الرّشى والمأكل التي كانت لهم على أتباعهم.
وقال الكلبي: إنّ ناسا من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابهم سنة. فأتوا كعب بن الأشرف يستميرونه فسألهم كعب: هل تعلمون أنّ هذا الرّجل رسول الله في كتابكم؟ فقالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا. قالوا: فإنّا نشهد إنّه عبد الله ورسوله، قال كعب: قد كذبتم عليّ فأنا أريد أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيرا كثيرا.
قالوا: فإنّه شبّه لنا. فرويدا حتى نلقاه. قال: فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلّم فكتموه ثم رجعوا إلى كعب، فقالوا: قد كنّا نرى رسول الله فأتيناه، فإذا هو ليس بالنعت الّذي نعت لنا وأخرجوا الّذي كتبوه. ففرح بذلك كعب، ومكرهم فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، نظيرها قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا «٣» الآية.
وروى منصور بن أبي وائل قال: قال عبد الله: من حلف على عين يستحقّ بها مالا وهو فيها فاجر لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان. فأنزل الله تعالى تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية.
وقال الأشعث بن قيس: فيّ نزلت، وكانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى
(١) غريب الحديث: ٤/ ١١٧- ١١٨ بتفاوت.
(٢) مسند أحمد: ٥/ ٣٨٣.
(٣) سورة البقرة: ١٧٤.
(٢) مسند أحمد: ٥/ ٣٨٣.
(٣) سورة البقرة: ١٧٤.
98
رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «شاهداك أو يمينه». فقلت: إنّه إذا يحلف ولا يبالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«من حلف على عين يستحقّ بها مالا هو فيها فاجر لقي الله تعالى وهو عليه غضبان» [٦٦] «١».
فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ... الآية.
وقال ابن جريج: إنّ الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أرض كانت في يده لذلك ليعزّره في الجاهلية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أقم بيّنتك؟». قال الرجل: ليس يشهد لي على الأشعث بن قيس أحد. قال: «لك يمينه» [٦٧]. فقام الأشعث وقال: أشهد الله وأشهدكم أنّ خصمي صادق. فردّ إليه أرضه وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقّه فهو لعقب ذلك الرجل من بعده «٢».
وروى بادان عن ابن عباس قال: نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي استعدى عليه عبدان بن أشرع فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحلف، فلمّا همّ أن يحلف نزلت هذه الآية. فامتنع امرئ القيس أن يحلف وأقرّ لعبدان بحقّه ودفعه إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لك عليها الجنّة.
وقال مجاهد والشعبي: أقام رجلا سلعته أوّل النّهار فلمّا كان آخره جاء رجل فساومه فحلف لقد منعها أوّل النّهار من كذا ولولا المساء لما باعها به. فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ: أي يستبدلون بعهد الله وإيفاء الأمانة وَأَيْمانِهِمْ الكاذبة ثَمَناً قَلِيلًا.
أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ: ونعيمها وثوابها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ كلاما ينفعهم ويسرّهم. قاله المفسرون، وقال المفضل: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ: بقبول حجّة يحتجّون بها.
وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: أي لا يرحمهم ولا يعطف عليهم ولا يحسن إليهم ولا يكلمهم خيرا. يقال نظر فلان لفلان، ونظر إليه إذا رحمه وأحسن إليه.
قال الشاعر:
فقلت انظري ما أحسن النّاس كلّهم... لبني غلّة صدبان قد شفّه الوجد
وعن أبي عمرو الجوني قال: ما نظر الله إلى شيء إلا رحمه ولو قضى أن ينظر إلى [أهل] النّار لرحمهم، ولكن قضى أن لا ينظر إليهم.
روى عبد الله بن كعب عن أبي أمامة الخازني: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة»، فقال رجل وإن كان شيئا يسيرا قال: «وإن كان قضيبا من أراك» [٦٨] «٣».
«من حلف على عين يستحقّ بها مالا هو فيها فاجر لقي الله تعالى وهو عليه غضبان» [٦٦] «١».
فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ... الآية.
وقال ابن جريج: إنّ الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أرض كانت في يده لذلك ليعزّره في الجاهلية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أقم بيّنتك؟». قال الرجل: ليس يشهد لي على الأشعث بن قيس أحد. قال: «لك يمينه» [٦٧]. فقام الأشعث وقال: أشهد الله وأشهدكم أنّ خصمي صادق. فردّ إليه أرضه وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقّه فهو لعقب ذلك الرجل من بعده «٢».
وروى بادان عن ابن عباس قال: نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي استعدى عليه عبدان بن أشرع فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحلف، فلمّا همّ أن يحلف نزلت هذه الآية. فامتنع امرئ القيس أن يحلف وأقرّ لعبدان بحقّه ودفعه إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لك عليها الجنّة.
وقال مجاهد والشعبي: أقام رجلا سلعته أوّل النّهار فلمّا كان آخره جاء رجل فساومه فحلف لقد منعها أوّل النّهار من كذا ولولا المساء لما باعها به. فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ: أي يستبدلون بعهد الله وإيفاء الأمانة وَأَيْمانِهِمْ الكاذبة ثَمَناً قَلِيلًا.
أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ: ونعيمها وثوابها وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ كلاما ينفعهم ويسرّهم. قاله المفسرون، وقال المفضل: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ: بقبول حجّة يحتجّون بها.
وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: أي لا يرحمهم ولا يعطف عليهم ولا يحسن إليهم ولا يكلمهم خيرا. يقال نظر فلان لفلان، ونظر إليه إذا رحمه وأحسن إليه.
قال الشاعر:
فقلت انظري ما أحسن النّاس كلّهم... لبني غلّة صدبان قد شفّه الوجد
وعن أبي عمرو الجوني قال: ما نظر الله إلى شيء إلا رحمه ولو قضى أن ينظر إلى [أهل] النّار لرحمهم، ولكن قضى أن لا ينظر إليهم.
روى عبد الله بن كعب عن أبي أمامة الخازني: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة»، فقال رجل وإن كان شيئا يسيرا قال: «وإن كان قضيبا من أراك» [٦٨] «٣».
(١) صحيح البخاري: ٣/ ١٦٠ وفيه يمين يستحق بدل عين يستحق.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٤٣٦.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٢٦٠.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٤٣٦.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٢٦٠.
99
وروى محمد بن زيد القرشي عن عبد الله بن أبي أمامة الخازني عن عبد الله بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس. والذي نفسي بيده لا يحلف أحد وإن كان على مثل جناح بعوضة إلا كانت وكنة في قلبه إلى يوم القيامة»
[٦٩] «١».
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
رجل على فضل ما بالطريق فمنع ابن السّبيل، ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلّا لم يف له، ورجل يساوم سلعته بعد العصر. فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدّقه الآخر وأخذها.
وروى الحارث الأعور عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إيّاكم واليمين الفاجرة. فإنّها تدع الدّيار بلاقع من أهلها» [٧٠] «٢».
وروى معمّر في رجل من بني تميم عن أبي الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:
«اليمين الفاجرة تعقم الرحم» [٧١] «٣».
العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب» [٧٢] «٤».
وَإِنَّ مِنْهُمْ: يعني من أهل الكتاب الذين تقدّم ذكرهم وهم اليهود.
لَفَرِيقاً: طائفة وهم: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصّف، وحيي بن الأخطب، وأبو ياسر وحيي وسبعة بن عمرو الشاعر.
يَلْوُونَ: قرأ أهل المدينة يُلَوُّونَ مضمومة الياء مفتوحة اللام مشدّدة الواو على التكثير.
وقرأ حميد: يلون بواو واحدة على نية الهمز، ثم ترك الهمزة ونقل حركتها إلى اللام.
وقرأ الباقون بواوين ولام ساكنة مخففة ومعناها جميعا يعطفون أَلْسِنَتَهُمْ: بالتحريف المتعنّت وهو ما غيّروا من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وآية الرّجم. يقال: لوى لسانه عن كذا أي غيّره، ولوى الشيء عمّا كان عليه إذا غيّره إلى غيره، ولوى فلانا عن رأيه، إذا أماله عنه، ومنه: ليّ الغريم، قال النابغة الجعدي:
[٦٩] «١».
وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
رجل على فضل ما بالطريق فمنع ابن السّبيل، ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلّا لم يف له، ورجل يساوم سلعته بعد العصر. فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدّقه الآخر وأخذها.
وروى الحارث الأعور عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إيّاكم واليمين الفاجرة. فإنّها تدع الدّيار بلاقع من أهلها» [٧٠] «٢».
وروى معمّر في رجل من بني تميم عن أبي الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:
«اليمين الفاجرة تعقم الرحم» [٧١] «٣».
العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب» [٧٢] «٤».
وَإِنَّ مِنْهُمْ: يعني من أهل الكتاب الذين تقدّم ذكرهم وهم اليهود.
لَفَرِيقاً: طائفة وهم: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصّف، وحيي بن الأخطب، وأبو ياسر وحيي وسبعة بن عمرو الشاعر.
يَلْوُونَ: قرأ أهل المدينة يُلَوُّونَ مضمومة الياء مفتوحة اللام مشدّدة الواو على التكثير.
وقرأ حميد: يلون بواو واحدة على نية الهمز، ثم ترك الهمزة ونقل حركتها إلى اللام.
وقرأ الباقون بواوين ولام ساكنة مخففة ومعناها جميعا يعطفون أَلْسِنَتَهُمْ: بالتحريف المتعنّت وهو ما غيّروا من صفة محمد صلى الله عليه وسلّم وآية الرّجم. يقال: لوى لسانه عن كذا أي غيّره، ولوى الشيء عمّا كان عليه إذا غيّره إلى غيره، ولوى فلانا عن رأيه، إذا أماله عنه، ومنه: ليّ الغريم، قال النابغة الجعدي:
(١) مسند أحمد: ٣/ ٤٩٥. [.....]
(٢) كنز العمال: ١٦/ ٩٦ ح ٤٤٠٥٢.
(٣) كنز العمال: ١٦/ ٦٩٦ ح ٤٦٣٨٠.
(٤) شرح مسلم: ٢/ ١٢٦.
(٢) كنز العمال: ١٦/ ٩٦ ح ٤٤٠٥٢.
(٣) كنز العمال: ١٦/ ٦٩٦ ح ٤٦٣٨٠.
(٤) شرح مسلم: ٢/ ١٢٦.
100
لوى الله علم الغيب عم سواءه... ويعلم منه ما مضى وتأخرا «١»
ونظيره قوله: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا... الآية.
لِتَحْسَبُوهُ: لتظنّوا ما حرّفوا مِنَ الْكِتابِ: الذي أنزله الله.
وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ... وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ: إنّهم كاذبون.
وروى جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: إنّ الآية نزلت في اليهود والنّصارى جميعا والذين هم حرّفوا التوراة والإنجيل، وضربوا كتاب الله بعضه ببعض وألحقوا به ما ليس منه فأسقطوا منه الدين الحنفي، فبيّن الله تعالى كذبهم للمؤمنين.
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ الآية.
قال الضحّاك ومقاتل: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني عيسى (عليه السلام) أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ يؤتى الحكمة. نزلت في نصارى أهل نجران.
وقال ابن عباس وعطاء: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ: يعني القرآن وذلك
أنّ أبا رافع القرظي من اليهود والرئيس من نصارى أهل نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني» [٧٣] «٢». فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الحسن: بلغني أنّ رجلا قال: يا رسول الله نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحق لأهله» [٧٤] «٣». فأنزل الله ما كانَ لِبَشَرٍ: يعني ما ينبغي لبشر
، كقوله وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً «٤» وكقوله ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا «٥» : يعني ما ينبغي.
وقال أهل المعاني: هذه اللام منقولة وأن بمعنى اللام، وتقدير الآية: ما كان لبشر ليقول ذلك. نظير قوله: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ «٦» : أي ما كان الله ليتخذ ولدا وقوله ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «٧» أي ما كان لنبىّ ليغلّ. والبشر جميع بني آدم لا واحد من لفظه: كالقوم والجيش، ويوضع موضع الواحد والجمع.
ونظيره قوله: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا... الآية.
لِتَحْسَبُوهُ: لتظنّوا ما حرّفوا مِنَ الْكِتابِ: الذي أنزله الله.
وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ... وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ: إنّهم كاذبون.
وروى جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: إنّ الآية نزلت في اليهود والنّصارى جميعا والذين هم حرّفوا التوراة والإنجيل، وضربوا كتاب الله بعضه ببعض وألحقوا به ما ليس منه فأسقطوا منه الدين الحنفي، فبيّن الله تعالى كذبهم للمؤمنين.
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ الآية.
قال الضحّاك ومقاتل: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني عيسى (عليه السلام) أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ يؤتى الحكمة. نزلت في نصارى أهل نجران.
وقال ابن عباس وعطاء: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ: يعني القرآن وذلك
أنّ أبا رافع القرظي من اليهود والرئيس من نصارى أهل نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني» [٧٣] «٢». فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الحسن: بلغني أنّ رجلا قال: يا رسول الله نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحق لأهله» [٧٤] «٣». فأنزل الله ما كانَ لِبَشَرٍ: يعني ما ينبغي لبشر
، كقوله وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً «٤» وكقوله ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا «٥» : يعني ما ينبغي.
وقال أهل المعاني: هذه اللام منقولة وأن بمعنى اللام، وتقدير الآية: ما كان لبشر ليقول ذلك. نظير قوله: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ «٦» : أي ما كان الله ليتخذ ولدا وقوله ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «٧» أي ما كان لنبىّ ليغلّ. والبشر جميع بني آدم لا واحد من لفظه: كالقوم والجيش، ويوضع موضع الواحد والجمع.
(١) لسان العرب: ١٤/ ٤١٣.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٤٤١.
(٣) أسباب نزول الآيات: ٧٤، تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٣١.
(٤) سورة النساء: ٩٢.
(٥) سورة النور: ١٦.
(٦) سورة مريم: ٣٥.
(٧) سورة آل عمران: ١٦١.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٤٤١.
(٣) أسباب نزول الآيات: ٧٤، تفسير مجمع البيان: ٢/ ٣٣١.
(٤) سورة النساء: ٩٢.
(٥) سورة النور: ١٦.
(٦) سورة مريم: ٣٥.
(٧) سورة آل عمران: ١٦١.
101
أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ: يعني الفهم والعلم، وقيل أيضا الأحكام عن الله تعالى، نظير قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ «١».
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ: نصب على العطف، وروى محبوب عن أبي عمرو: ثمّ يقولُ بالرفع على الاستئناف.
كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ: قال ابن عباس: هذه لغة مزينة تقول للعبيد عباد.
وَلكِنْ كُونُوا: أي ولكن يقول كونوا، فحذف القول.
رَبَّانِيِّينَ: اختلفوا فيه:
فقال عليّ وابن عباس والحسن والضحّاك: كونوا فقهاء علماء.
مجاهد: فقهاء وهم دون الأحبار. أبو رزين وقتادة والسّدّي: حكماء علماء، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وروى سعيد بن جبير عنه: فقهاء معلّمين.
وقال مرّة بن شرحبيل: كان علقمة من الرّبانيّين الذين يعلّمون النّاس القرآن.
وروى الفضل بن عياض عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: حكماء أتقياء.
ابن زيد: ولاة النّاس، وقادتهم بعضهم متعبدين مخلصين.
عطاء: علماء حكماء نصبا لله في خلقه. أبو عبيد: لم يعرف العرب الرّبانيّين.
أبو [عبيد] : سمعت رجلا عالما يقول: الرّباني: العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي.
العارف بأنباء الأمّة وما كان وما يكون.
المؤرّخ: كونوا ربّانيّين تدينون لربّكم، كأنّه فعلاني من الربوبية.
وقال بعضهم: كان في الأصل ربّي، فأدخلت الألف للتضخيم وهو لسان السريّانية، ثم أدخلت النون لسكون الألف كما قيل: صنعاني وبحراني وداراني.
المبّرد: الرّبانيون: أرباب العلم واحدها ربّان وهو الذي يرث العلم ويربّب النّاس أي يعلّمهم ويصلحهم فيقوم بأمرهم، والألف والنون للمبالغة. كما قالوا: ريّان وعطشان وشبعان وغوثان ونعسان من النّعاس ووسنان ثم ضمّ إليه ياء النسبة كما قيل. وقال الشاعر:
وقد جمع علي (رضي الله عنه) هذه الأقاويل أجمع فقال: هو الّذي يربى علمه بعمله.
وقال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس: مات ربّاني هذه الأمّة.
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ: نصب على العطف، وروى محبوب عن أبي عمرو: ثمّ يقولُ بالرفع على الاستئناف.
كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ: قال ابن عباس: هذه لغة مزينة تقول للعبيد عباد.
وَلكِنْ كُونُوا: أي ولكن يقول كونوا، فحذف القول.
رَبَّانِيِّينَ: اختلفوا فيه:
فقال عليّ وابن عباس والحسن والضحّاك: كونوا فقهاء علماء.
مجاهد: فقهاء وهم دون الأحبار. أبو رزين وقتادة والسّدّي: حكماء علماء، وهي رواية عطية عن ابن عباس. وروى سعيد بن جبير عنه: فقهاء معلّمين.
وقال مرّة بن شرحبيل: كان علقمة من الرّبانيّين الذين يعلّمون النّاس القرآن.
وروى الفضل بن عياض عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: حكماء أتقياء.
ابن زيد: ولاة النّاس، وقادتهم بعضهم متعبدين مخلصين.
عطاء: علماء حكماء نصبا لله في خلقه. أبو عبيد: لم يعرف العرب الرّبانيّين.
أبو [عبيد] : سمعت رجلا عالما يقول: الرّباني: العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي.
العارف بأنباء الأمّة وما كان وما يكون.
المؤرّخ: كونوا ربّانيّين تدينون لربّكم، كأنّه فعلاني من الربوبية.
وقال بعضهم: كان في الأصل ربّي، فأدخلت الألف للتضخيم وهو لسان السريّانية، ثم أدخلت النون لسكون الألف كما قيل: صنعاني وبحراني وداراني.
المبّرد: الرّبانيون: أرباب العلم واحدها ربّان وهو الذي يرث العلم ويربّب النّاس أي يعلّمهم ويصلحهم فيقوم بأمرهم، والألف والنون للمبالغة. كما قالوا: ريّان وعطشان وشبعان وغوثان ونعسان من النّعاس ووسنان ثم ضمّ إليه ياء النسبة كما قيل. وقال الشاعر:
| لو كنت مرتهنا في الحقّ أنزلني | منه الحديث وربّاني أحباري «٢» |
وقال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس: مات ربّاني هذه الأمّة.
(١) سورة الأنعام: ٨٩.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٢.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٢.
102
بِما كُنْتُمْ: معناه الوجوب أي: بما أنتم. كقوله وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً «١» : أي وامرأتي، وقوله مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا «٢» أي من هو في المهد صبيّا.
تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ: قرأ السلمي والنخعي وابن جبير والضحّاك وأهل الكوفة: تُعَلِّمُونَ بالتشديد من التعليم، واختاره أبو عبيدة، وقرأ الباقون تعلمون بالتخفيف من العلم، واختاره أبو حاتم، وقال أبو عمرو: وتصديقها وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ فلم يقل يدرسون وقرأ الحسن تُعَلِّمُونَ، التاء والعين وتشديد اللام على معنى تعلمون، وقرأ أبو عبيدة: تُدْرِسُونَ من أدرس يدرس. وقرأ سعيد بن جبير: تُدَرِّسُونَ من التدريس. الباقون: يدرسون من الدرس أي يقرءون، نظيره في سورة الأعراف وَدَرَسُوا ما فِيهِ «٣».
جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما من مؤمن ذكر ولا أنثى حرّ ولا عبد مملوك إلّا ولله عزّ وجلّ عليه حقّ واجب أن يتعلّم من القرآن ويتفقّه فيه، ثم تلا هذه الآية وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ» «٤».
وَلا يَأْمُرَكُمْ: قرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة: وَلا يَأْمُرَكُمْ بالنصب عطفا على قوله ثُمَّ يَقُولَ.
وقيل: على إضمار أنّ وهو على هذه القراءة مردود على البشر. وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والانقطاع من الكلام الأوّل، يدلّ عليه قراءة عبد الله وطلحة ولن يأمركم ثمّ اختلفوا فيه، فقرأ الأكثر على معناه وَلا يَأْمُرَكُمْ الله. وقال ابن جريح: وَلا يَأْمُرَكُمْ محمد عليه الصّلاة والسّلام، وقيل: وَلا يَأْمُرَكُمْ البشر.
أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً: كقول قريش وبني مليح حيث قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود والنّصارى حيث قالوا في المسيح وعزير ما قالوا.
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ: على ظهر التعجّب والإنكار، يعني: لا يفعل هذا.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، قرأ سعيد بن جبير لَمَّا بتشديد الميم، وقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة والكسائي بجرّ اللام وتخفيف الميم.
وأما الباقون: بفتح اللام وتخفيف الميم، فمن فتح اللام وخفّف الميم فقال الأخفش: هي
تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ: قرأ السلمي والنخعي وابن جبير والضحّاك وأهل الكوفة: تُعَلِّمُونَ بالتشديد من التعليم، واختاره أبو عبيدة، وقرأ الباقون تعلمون بالتخفيف من العلم، واختاره أبو حاتم، وقال أبو عمرو: وتصديقها وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ فلم يقل يدرسون وقرأ الحسن تُعَلِّمُونَ، التاء والعين وتشديد اللام على معنى تعلمون، وقرأ أبو عبيدة: تُدْرِسُونَ من أدرس يدرس. وقرأ سعيد بن جبير: تُدَرِّسُونَ من التدريس. الباقون: يدرسون من الدرس أي يقرءون، نظيره في سورة الأعراف وَدَرَسُوا ما فِيهِ «٣».
جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما من مؤمن ذكر ولا أنثى حرّ ولا عبد مملوك إلّا ولله عزّ وجلّ عليه حقّ واجب أن يتعلّم من القرآن ويتفقّه فيه، ثم تلا هذه الآية وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ» «٤».
وَلا يَأْمُرَكُمْ: قرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة: وَلا يَأْمُرَكُمْ بالنصب عطفا على قوله ثُمَّ يَقُولَ.
وقيل: على إضمار أنّ وهو على هذه القراءة مردود على البشر. وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والانقطاع من الكلام الأوّل، يدلّ عليه قراءة عبد الله وطلحة ولن يأمركم ثمّ اختلفوا فيه، فقرأ الأكثر على معناه وَلا يَأْمُرَكُمْ الله. وقال ابن جريح: وَلا يَأْمُرَكُمْ محمد عليه الصّلاة والسّلام، وقيل: وَلا يَأْمُرَكُمْ البشر.
أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً: كقول قريش وبني مليح حيث قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود والنّصارى حيث قالوا في المسيح وعزير ما قالوا.
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ: على ظهر التعجّب والإنكار، يعني: لا يفعل هذا.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، قرأ سعيد بن جبير لَمَّا بتشديد الميم، وقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة والكسائي بجرّ اللام وتخفيف الميم.
وأما الباقون: بفتح اللام وتخفيف الميم، فمن فتح اللام وخفّف الميم فقال الأخفش: هي
(١) سورة مريم: ٥.
(٢) سورة مريم: ٢٩. [.....]
(٣) سورة الأعراف: ١٦٩.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٢.
(٢) سورة مريم: ٢٩. [.....]
(٣) سورة الأعراف: ١٦٩.
(٤) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٢.
103
لام الابتداء أدخلت على ما الخبر كقول القائل: لزيد أفضل منك، وما آتيتكم والذي بعده صلة له وجوابه في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ فإن شئت جعلت خبر ما. من كتاب الله. وتقول من زائدة معناها: لما آتيتكم كتاب وحكمة، ثم ابتدأ فقال: ثُمَّ يعني: ثم يجيئكم، وإن شئت قلت: ثم أن جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ: اللام لام القسم تقديره: والله لتؤمننّ به. فأكّد في أول الكلام بلام التأكيد، وفي آخر الكلام بلام القسم.
وقال الفرّاء: من فتح اللام جعلها لاما زائدة لقوله: اليمين إذا وقعت على جملة صيّرت فعل ذلك الجزاء على هيئة فعل، وصيّرت جوابه كجواب اليمين، والمعنى: أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به، للّام في قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ.
وقال المبرّد والزجّاج: هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء كما تدخل على أن، ومعناه: مهما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، اللام في قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ جواب الجزاء كقوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ «١» ونحوه.
وقال الكسائي: لَتُؤْمِنُنَّ: متصل بالكلام الأول وجواب الجزاء في قوله: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ، ومن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما الذي، ومعناه: الذي آتيتكم يعني: أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي أمامهم من كتاب وحكمة ثم أن جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ من بعد الميثاق لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف، وهو كما نقول في الكلام أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وكذا كأنك قلت: استحلفتك لتفعلن.
وقال صاحب النظم: من كسر اللام فهو بمعنى بعد يعني: بعد ما آتيتكم من كتاب وحكمة، كقول النابغة:
أي: بعد ستة أعوام، ومن شدد الميم فمعناه: حين آتيتكم لقوله تعالى آتَيْتُكُمْ.
قرأ أهل الكوفة: آتيناكم على التعظيم، وقرأ الآخرون: آتَيْتُكُمْ على التفريد، وهو الاختيار لموافقة الخط كقوله: وَأَنَا مَعَكُمْ «٣» والقول مثمر في الآية على الأوجه الثلاثة تقديرها: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ).
واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، فقال قوم: إنّما أخذ الميثاق على الأنبياء أن
وقال الفرّاء: من فتح اللام جعلها لاما زائدة لقوله: اليمين إذا وقعت على جملة صيّرت فعل ذلك الجزاء على هيئة فعل، وصيّرت جوابه كجواب اليمين، والمعنى: أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به، للّام في قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ.
وقال المبرّد والزجّاج: هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء كما تدخل على أن، ومعناه: مهما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، اللام في قوله لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ جواب الجزاء كقوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ «١» ونحوه.
وقال الكسائي: لَتُؤْمِنُنَّ: متصل بالكلام الأول وجواب الجزاء في قوله: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ، ومن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما الذي، ومعناه: الذي آتيتكم يعني: أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي أمامهم من كتاب وحكمة ثم أن جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ من بعد الميثاق لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف، وهو كما نقول في الكلام أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وكذا كأنك قلت: استحلفتك لتفعلن.
وقال صاحب النظم: من كسر اللام فهو بمعنى بعد يعني: بعد ما آتيتكم من كتاب وحكمة، كقول النابغة:
| توهّمت آيات لها فعرفتها | لستة أعوام وذا العام سابع «٢» |
قرأ أهل الكوفة: آتيناكم على التعظيم، وقرأ الآخرون: آتَيْتُكُمْ على التفريد، وهو الاختيار لموافقة الخط كقوله: وَأَنَا مَعَكُمْ «٣» والقول مثمر في الآية على الأوجه الثلاثة تقديرها: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ).
واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، فقال قوم: إنّما أخذ الميثاق على الأنبياء أن
(١) سورة الإسراء: ٨٦.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٥٦٩.
(٣) سورة آل عمران: ٨١.
(٢) لسان العرب: ٤/ ٥٦٩.
(٣) سورة آل عمران: ٨١.
104
يصدق بعضهم بعضا، ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض، فذلك معنى آخر بالتصديق، وهذا قول سعيد بن جبير وطاوس وقتادة والحسن والسدّي، يدل عليه ظاهر الآية،
وقال علي (رضي الله عنه) : لم يبعث الله نبيا. آدم ومن بعده. إلّا أخذ عليه العهد في محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمره بأخذ العهد على قومه لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ولئن بعث وهم أحياء لينصرنّه
، وقال آخرون: إنّما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين، وهو قول مجاهد والربيع.
قال مجاهد: هذا خلط من الكتاب وهو من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، قالوا: ألا ترى إلى قوله ثم جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ وإنّما كان محمد صلّى الله عليه وسلّم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين.
وقال بعضهم: إنّما أخذ الميثاق على النبيين وأممهم [ليؤمنن به]، ففرد الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على الأتباع، وهذا معنى قول ابن عباس وهذا أولى بالصواب.
قال الله: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أي وقبلتم على ذلك عهدي، نظير قوله تعالى: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ «١» أي فاقبلوه، وقوله تعالى: لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي لا يقبل منها فداء، وقوله: يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ أي يقبلها، قالُوا أَقْرَرْنا.
قال الله: فَاشْهَدُوا على أنفسكم وعلى أتباعكم وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عليكم وعليهم.
قال ابن عباس: فَاشْهَدُوا: يعني فاعلموا، قال الزجّاج: فَاشْهَدُوا أي فبيّنوا لأن الشاهد هو الذي عين دعوى المدّعى، وشهادة الله للنبيين بيّنوا أمر نبوتهم بالآيات والمعجزات، وقال سعيد بن المسيب: قال الله تعالى للملائكة: فَاشْهَدُوا عليهم، فتكون كناية عن غير مذكور.
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ الإقرار والإشهاد فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ العاصون، الخارجون عن الإيمان.
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ الآية.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم (عليه السلام) كل فرقة زعمت أنّه أولى بدينه، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
وهو قراءة الحسن وحميد ويعقوب وسلام وسهل وصفوان بالياء لقوله: فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
وقال علي (رضي الله عنه) : لم يبعث الله نبيا. آدم ومن بعده. إلّا أخذ عليه العهد في محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمره بأخذ العهد على قومه لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ولئن بعث وهم أحياء لينصرنّه
، وقال آخرون: إنّما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين، وهو قول مجاهد والربيع.
قال مجاهد: هذا خلط من الكتاب وهو من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، قالوا: ألا ترى إلى قوله ثم جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ وإنّما كان محمد صلّى الله عليه وسلّم مبعوثا إلى أهل الكتاب دون النبيين.
وقال بعضهم: إنّما أخذ الميثاق على النبيين وأممهم [ليؤمنن به]، ففرد الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على الأتباع، وهذا معنى قول ابن عباس وهذا أولى بالصواب.
قال الله: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أي وقبلتم على ذلك عهدي، نظير قوله تعالى: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ «١» أي فاقبلوه، وقوله تعالى: لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي لا يقبل منها فداء، وقوله: يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ أي يقبلها، قالُوا أَقْرَرْنا.
قال الله: فَاشْهَدُوا على أنفسكم وعلى أتباعكم وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عليكم وعليهم.
قال ابن عباس: فَاشْهَدُوا: يعني فاعلموا، قال الزجّاج: فَاشْهَدُوا أي فبيّنوا لأن الشاهد هو الذي عين دعوى المدّعى، وشهادة الله للنبيين بيّنوا أمر نبوتهم بالآيات والمعجزات، وقال سعيد بن المسيب: قال الله تعالى للملائكة: فَاشْهَدُوا عليهم، فتكون كناية عن غير مذكور.
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ الإقرار والإشهاد فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ العاصون، الخارجون عن الإيمان.
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ الآية.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم (عليه السلام) كل فرقة زعمت أنّه أولى بدينه، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
وهو قراءة الحسن وحميد ويعقوب وسلام وسهل وصفوان بالياء لقوله: فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
(١) سورة المائدة: ٤١.
105
، وقرأ أبو عمرو: يَبْغُونَ بالياء وترجعون بالتاء، قال: لأن الأول خاص والثاني عام ففرّق بينهما لافتراقهما في المعنى، وقرأ الباقون: بالتاء فيهما على الخطاب لقوله: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ.
وَلَهُ أَسْلَمَ خضع وانقاد من في السموات والأرض طَوْعاً والطوع الانقياد والاتباع بسهولة من قولهم: فرس طوع العنان، أي منقاد وَكَرْهاً والكره: ما كان بمشقة وإباء من النفس، كرها بضم الكاف وهما مصدران وضعا موضع الحال، كأنّه قال: وله أسلم من في السموات والأرض طائعين وكارهين، واختلفوا في قوله طَوْعاً وَكَرْهاً،
فروى أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً قال: «الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض» [٧٥] «١».
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي فإنّ أصحابي أسلموا من خوف الله، وأسلم الناس من خوف السيف» [٧٦] «٢».
وقال الحسن والمفضّل: الطوع لأهل السموات خاصة، وأهل الأرض منهم من أسلم طوعا ومنهم من أسلم كرها.
ابن عباس: عبادتهم لله أجمعين طوعا وكرها وانقيادا له.
الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً قال: كل بني آدم أقرّ على نفسه أنّ الله ربّي وأنا عبده، فهذا الإسلام لو استقام عليه، فلمّا تكلّم به صار حجة عليه، ثم أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومنهم من شهد أنّ الله ربّي وأنا عبده، ثم أخلص العبودية فهذا الذي أسلم طوعا، وقال الضحّاك: هذا حين أخذ منه الميثاق وأقرّ به.
مجاهد: طَوْعاً: ظل المؤمن وَكَرْهاً: ظل الكافر، يدلّ عليه قوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ «٣»، وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ «٤».
الشعبي: هو استعاذتهم به عند اضطرارهم، يدلّ عليه قوله تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «٥».
وَلَهُ أَسْلَمَ خضع وانقاد من في السموات والأرض طَوْعاً والطوع الانقياد والاتباع بسهولة من قولهم: فرس طوع العنان، أي منقاد وَكَرْهاً والكره: ما كان بمشقة وإباء من النفس، كرها بضم الكاف وهما مصدران وضعا موضع الحال، كأنّه قال: وله أسلم من في السموات والأرض طائعين وكارهين، واختلفوا في قوله طَوْعاً وَكَرْهاً،
فروى أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً قال: «الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض» [٧٥] «١».
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي فإنّ أصحابي أسلموا من خوف الله، وأسلم الناس من خوف السيف» [٧٦] «٢».
وقال الحسن والمفضّل: الطوع لأهل السموات خاصة، وأهل الأرض منهم من أسلم طوعا ومنهم من أسلم كرها.
ابن عباس: عبادتهم لله أجمعين طوعا وكرها وانقيادا له.
الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً قال: كل بني آدم أقرّ على نفسه أنّ الله ربّي وأنا عبده، فهذا الإسلام لو استقام عليه، فلمّا تكلّم به صار حجة عليه، ثم أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها، ومنهم من شهد أنّ الله ربّي وأنا عبده، ثم أخلص العبودية فهذا الذي أسلم طوعا، وقال الضحّاك: هذا حين أخذ منه الميثاق وأقرّ به.
مجاهد: طَوْعاً: ظل المؤمن وَكَرْهاً: ظل الكافر، يدلّ عليه قوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ «٣»، وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ «٤».
الشعبي: هو استعاذتهم به عند اضطرارهم، يدلّ عليه قوله تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «٥».
(١) الدر المنثور: ٢/ ٤٨.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٨.
(٣) سورة الرعد: ١٥.
(٤) سورة النحل: ٤٨.
(٥) سورة العنكبوت: ٦٥.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٢٨.
(٣) سورة الرعد: ١٥.
(٤) سورة النحل: ٤٨.
(٥) سورة العنكبوت: ٦٥.
106
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﱕ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ
ﱖ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﱗ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱘ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﱙ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ
ﱚ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﱛ
قتادة: المؤمن أسلم طائعا والكافر كارها فإما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم كارها في وقت البأس والمعاينة حتى لا يقبل منه ولا ينفعه، يدل عليه قوله:
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «١».
الكلبي: طَوْعاً: الذين ولدوا في الإسلام، وَكَرْهاً: الذين أجبروا على الإسلام.
عكرمة: وَكَرْهاً: من اضطرته [الحجة] إلى التوحيد، يدلّ عليه قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «٢»، وقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «٣».
ابن كيسان: وَلَهُ أَسْلَمَ أي خضع مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما صيّرهم عليه وصوّرهم فيه وما يحدث فهم لا يمتنعون عليه، كرهوا ذلك أو أحبوه.
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «٤» الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا فليقرأ في أذنها هذه الآية.
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ إلى قوله وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الآية نزلت في اثني عشر رجلا ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة ولحقوا بمكة كفارا منهم: الحرث بن سويد الأنصاري أخو الحلاس بن سويد، وطعمة بن أشرف الأنصاري، ومقيس بن صبابة الليثي، وعبد الله بن أنس بن خطل من بني تميم بن مرة، ووجوج بن الأسلت، وأبو عاصم بن النعمان، فأنزل الله فيهم: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٦ الى ٩٢]
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «١».
الكلبي: طَوْعاً: الذين ولدوا في الإسلام، وَكَرْهاً: الذين أجبروا على الإسلام.
عكرمة: وَكَرْهاً: من اضطرته [الحجة] إلى التوحيد، يدلّ عليه قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «٢»، وقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «٣».
ابن كيسان: وَلَهُ أَسْلَمَ أي خضع مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما صيّرهم عليه وصوّرهم فيه وما يحدث فهم لا يمتنعون عليه، كرهوا ذلك أو أحبوه.
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «٤» الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا فليقرأ في أذنها هذه الآية.
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ إلى قوله وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الآية نزلت في اثني عشر رجلا ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة ولحقوا بمكة كفارا منهم: الحرث بن سويد الأنصاري أخو الحلاس بن سويد، وطعمة بن أشرف الأنصاري، ومقيس بن صبابة الليثي، وعبد الله بن أنس بن خطل من بني تميم بن مرة، ووجوج بن الأسلت، وأبو عاصم بن النعمان، فأنزل الله فيهم: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٦ الى ٩٢]
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)
(١) سورة غافر: ٨٥.
(٢) سورة الزخرف: ٨٧.
(٣) سورة العنكبوت: ٦١. [.....]
(٤) سورة آل عمران: ٨٣.
(٢) سورة الزخرف: ٨٧.
(٣) سورة العنكبوت: ٦١. [.....]
(٤) سورة آل عمران: ٨٣.
107
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ: لفظه استفهام ومعناه جحد، أي لا يهدي الله.
قال الشاعر:
أي لا نوم لي، نظير قوله: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ «٢» : أي لا يكون لهم عهد، وقيل: معناه كيف يستحقون العبادة؟ وقيل: معناه كيف يهديهم الله للمغفرة إلى الجنّة والثواب؟
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «٣» أي لا يرشدهم ولا يوفقهم، وهو خاص فيمن علم الله عز وجل منهم، وأراد ذلك منهم، وقيل: معناه: لا يثيبهم ولا ينجيهم [إلى الجنة]. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ... «٤» إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وذلك
أنّ الحرث بن سويد لما لحق بالكفار ندم، فأرسل إلى قومه أن اسألوا رسول الله هل له من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٥» لما كان، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه، فقال الحرث: إنّك والله ما علمت لصدوق، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصدق منك، وأنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحرث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصّر، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآيات: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً....
قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية في اليهود، كَفَرُوا بعيسى (عليه السلام) والإنجيل بَعْدَ إِيمانِهِمْ بأنبيائهم وكتبهم، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كَفَرُوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم لما رأوه وعرفوه بَعْدَ إِيمانِهِمْ بنعته وصفته في كتبهم، ثُمَّ ازْدادُوا ذنوبا في حال كفرهم. مجاهد: نزلت في الكفار كلهم، أشركوا بعد إقرارهم بأنّ الله خالقهم، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه.
الحسن: كلّما نزلت عليم آية كفروا بها فازدادوا كفرا. قطرب: كما ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد رَيْبَ الْمَنُونِ.
قال الشاعر:
| كيف نومي على الفراش ولمّا | تشمل الشام غارة شعواء «١» |
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «٣» أي لا يرشدهم ولا يوفقهم، وهو خاص فيمن علم الله عز وجل منهم، وأراد ذلك منهم، وقيل: معناه: لا يثيبهم ولا ينجيهم [إلى الجنة]. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ... «٤» إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وذلك
أنّ الحرث بن سويد لما لحق بالكفار ندم، فأرسل إلى قومه أن اسألوا رسول الله هل له من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٥» لما كان، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه، فقال الحرث: إنّك والله ما علمت لصدوق، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصدق منك، وأنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحرث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصّر، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآيات: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً....
قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية في اليهود، كَفَرُوا بعيسى (عليه السلام) والإنجيل بَعْدَ إِيمانِهِمْ بأنبيائهم وكتبهم، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بكفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن.
أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كَفَرُوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم لما رأوه وعرفوه بَعْدَ إِيمانِهِمْ بنعته وصفته في كتبهم، ثُمَّ ازْدادُوا ذنوبا في حال كفرهم. مجاهد: نزلت في الكفار كلهم، أشركوا بعد إقرارهم بأنّ الله خالقهم، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه.
الحسن: كلّما نزلت عليم آية كفروا بها فازدادوا كفرا. قطرب: كما ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد رَيْبَ الْمَنُونِ.
(١) لسان العرب: ١١/ ٣٦٨.
(٢) سورة التوبة: ٧.
(٣) سورة التوبة: ١٩.
(٤) سورة آل عمران: ٨٧.
(٥) سورة آل عمران: ٨٩.
(٢) سورة التوبة: ٧.
(٣) سورة التوبة: ١٩.
(٤) سورة آل عمران: ٨٧.
(٥) سورة آل عمران: ٨٩.
108
الكلبي: نزلت في أحد عشر أصحاب الحرث بن سويد، لما رجع الحرث قالوا: نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا، فمتى ما أردنا الرجعة رجعنا، فينزل فينا ما نزل في الحرث، فلمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلت توبته، فنزل فيمن مات منهم كافرا
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ الآية، فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وقد سبقت حكمة الله تعالى في قبول توبة من تاب؟ قلنا: اختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: لن يقبل توبتهم عند الغرغرة والحشرجة.
قال الحسن وقتادة وعطاء: لن يقبل توبتهم لأنّهم لا يؤمنون إلّا عند حضور الموت، قال الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ... الآية.
مجاهد: لن يقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر. ابن عباس وأبو العالية: لن يقبل توبتهم ما أقاموا على كفرهم إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً أي حشوها، وقدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها ذهبا، نصب على التفسير في قول الفراء.
وقال المفضّل: ومعنى التفسير أن يكون الكلام تاما وهو مبهم، كقولك: عندي عشرون، فالعدد معلوم والمعدود مبهم، وإذا قلت: عشرون درهما فسّرت العدد، وكذلك إذا قلت: هو أحسن الناس، فقد أخبرت عن حسنه ولم تبين في أي شيء هو، فإذا قلت: وجها أو فعلا منه فإنّك بيّنته ونصبته على التفسير، وإنّما نصبته لأنّه ليس له ما يخفضه ولا ما يرفعه، فلمّا خلا من هذين نصب لأنّ النصب أخف الحركات فجعل لكل ما لا عامل فيه، وقال الكسائي: نصب ذهبا على إضمار من، أي من ذهب كقولهم: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً أي من صيام.
وَلَوِ افْتَدى بِهِ:
روى قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقال لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك»
[٧٧] «١»، قال الله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ «٢».
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ: يعني الجنّة، قاله ابن عباس ومجاهد وعمر بن ميمون والسدّي، وقال عطية: يعني الطاعة.
أبو روق: يعني الخير، مقاتل بن حيان: التقوى، الحسن: لن يكونوا أبرارا.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ الآية، فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وقد سبقت حكمة الله تعالى في قبول توبة من تاب؟ قلنا: اختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: لن يقبل توبتهم عند الغرغرة والحشرجة.
قال الحسن وقتادة وعطاء: لن يقبل توبتهم لأنّهم لا يؤمنون إلّا عند حضور الموت، قال الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ... الآية.
مجاهد: لن يقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر. ابن عباس وأبو العالية: لن يقبل توبتهم ما أقاموا على كفرهم إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً أي حشوها، وقدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها ذهبا، نصب على التفسير في قول الفراء.
وقال المفضّل: ومعنى التفسير أن يكون الكلام تاما وهو مبهم، كقولك: عندي عشرون، فالعدد معلوم والمعدود مبهم، وإذا قلت: عشرون درهما فسّرت العدد، وكذلك إذا قلت: هو أحسن الناس، فقد أخبرت عن حسنه ولم تبين في أي شيء هو، فإذا قلت: وجها أو فعلا منه فإنّك بيّنته ونصبته على التفسير، وإنّما نصبته لأنّه ليس له ما يخفضه ولا ما يرفعه، فلمّا خلا من هذين نصب لأنّ النصب أخف الحركات فجعل لكل ما لا عامل فيه، وقال الكسائي: نصب ذهبا على إضمار من، أي من ذهب كقولهم: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً أي من صيام.
وَلَوِ افْتَدى بِهِ:
روى قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقال لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك»
[٧٧] «١»، قال الله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ «٢».
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ: يعني الجنّة، قاله ابن عباس ومجاهد وعمر بن ميمون والسدّي، وقال عطية: يعني الطاعة.
أبو روق: يعني الخير، مقاتل بن حيان: التقوى، الحسن: لن يكونوا أبرارا.
(١) مسند أحمد: ٣/ ٢١٨، جامع البيان للطبري: ٣/ ٤٦٨.
(٢) سورة آل عمران: ٩١.
(٢) سورة آل عمران: ٩١.
109
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ: أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبّها إليكم طيّبة بها أنفسكم، صغيرة في أعينكم.
مجاهد والكلبي: هذه الآية منسوخة، نسختها آية الزكاة.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أراد بهذه الآية الزكاة يعني: حتى تخرجوا زكاة أموالكم، وقال عطاء: لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحّاء أشحّاء، تأملون العيش، وتخشون الفقر، وقال الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغي به وجه الله تعالى فإنّه من الذي عنى الله سبحانه بقوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ حتى التمرة.
وروي أنّ أبا طلحة الأنصاري كان من أكثر الأنصار نخلا بالمدينة، وكان أحب أمواله إليه بئر ماء «١»، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلمّا نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بئر ماء وإنّها صدقة أرجو برّها وذخرها عند الله عز وجل، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ بخ، ذلك مال رابح لك وقد عرفت «٢» ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» [٧٨] «٣».
فقال له: أفعل يا رسول الله، فقسّمها في أقاربه وبني عمّه.
وروى معمّر عن أيوب وغيره قال: لما نزلت: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ جاء زيد بن حارثة بفرس كانت له يحبّها وقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد. فكان زيدا واجدا في نفسه وقال: إنّما أردت أن أتصدق به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّ الله قد قبلها منك» [٧٩] «٤».
وقال حوشب: لمّا نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ قالت امرأة لجارية لها لا تملك غيرها: أعتقك وتقيمين معي غير أنّي لست أشرط عليك ذلك، فقالت: نعم، فلمّا أعتقتها ذهبت وتركتها فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته به فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دعيها فقد حجبتك عن النار، وإذا سمعت بسبيي قد جاءني فأتيني» [٨٠].
وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا: كتب عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) أن يبتاع جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فقال سعد بن أبي وقاص: فدعا بها
مجاهد والكلبي: هذه الآية منسوخة، نسختها آية الزكاة.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أراد بهذه الآية الزكاة يعني: حتى تخرجوا زكاة أموالكم، وقال عطاء: لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحّاء أشحّاء، تأملون العيش، وتخشون الفقر، وقال الحسن: كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغي به وجه الله تعالى فإنّه من الذي عنى الله سبحانه بقوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ حتى التمرة.
وروي أنّ أبا طلحة الأنصاري كان من أكثر الأنصار نخلا بالمدينة، وكان أحب أمواله إليه بئر ماء «١»، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلمّا نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بئر ماء وإنّها صدقة أرجو برّها وذخرها عند الله عز وجل، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ بخ، ذلك مال رابح لك وقد عرفت «٢» ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» [٧٨] «٣».
فقال له: أفعل يا رسول الله، فقسّمها في أقاربه وبني عمّه.
وروى معمّر عن أيوب وغيره قال: لما نزلت: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ جاء زيد بن حارثة بفرس كانت له يحبّها وقال: هذه في سبيل الله، فحمل عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد. فكان زيدا واجدا في نفسه وقال: إنّما أردت أن أتصدق به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّ الله قد قبلها منك» [٧٩] «٤».
وقال حوشب: لمّا نزلت لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ قالت امرأة لجارية لها لا تملك غيرها: أعتقك وتقيمين معي غير أنّي لست أشرط عليك ذلك، فقالت: نعم، فلمّا أعتقتها ذهبت وتركتها فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته به فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دعيها فقد حجبتك عن النار، وإذا سمعت بسبيي قد جاءني فأتيني» [٨٠].
وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا: كتب عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) أن يبتاع جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فقال سعد بن أبي وقاص: فدعا بها
(١) بئر ماء: مال وموضع وبستان كان لأبي طلحة بالمدينة بجوار المسجد.
(٢) في المصدر: «سمعت».
(٣) سنن الدارمي: ١/ ٣٩٠، وصحيح البخاري: ٢/ ١٢٦.
(٤) الدر المنثور: ٢/ ٥٠، تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٢.
(٢) في المصدر: «سمعت».
(٣) سنن الدارمي: ١/ ٣٩٠، وصحيح البخاري: ٢/ ١٢٦.
(٤) الدر المنثور: ٢/ ٥٠، تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٢.
110
عمر فأعجبته فقال: إنّ الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فأعتقها.
وروى حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: خطرت على قلبي هذه الآية:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ... فتذكرت ما أعطاني الله، فما كان شيء أعجب إليّ من فلانة فقلت: هي حرة لوجه الله، ولولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله عز وجل لنكحتها.
ويقال: ضاف أبا ذر الغفاري ضيف فقال للضيف: إنّي مشغول فاخرج إلى أبواء فإنّ لي بها إبلا فأتني بخيرها، فذهب وجاء بناقة مهزولة فقال له أبو ذر: جئتني بشرها، فقال: وجدت خير الإبل فحلها فتذكرت يوم حاجتكم إليه، فقال أبو ذر: إنّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي مع أنّ الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
وعن رجل من بني سليم يقال له عبد الله بن سيدان عن أبي ذر قال: في المال ثلاث شركاء: القدر لا يستأمرك أن تذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت أو فعل، والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم، والثالث أنت فإن استطعت أن لا يكون أعجب إليك مالا فإنّ الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنّ هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدّمه لنفسي.
وروي عن ربيع بن خيثم أنّه وقف سائل على بابه، فقال: أطعموه سكرا فقيل: ما يصنع هذا بالسكّر فنطعمه خبزا فهو أنفع له، فقال: ويحكم أطعموه سكّرا فإنّ الربيع يحب السكّر.
وروي عن الربيع بن خيثم أيضا أنّه جاءه سائل في ليلة باردة، فخرج إليه فرآه كأنّه مقرور قال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فنزع برتشا له وأعطاه إياه وذكر أنّه كساه عروة.
وبلغنا أن زبيدة أم جعفر اتخذت مصحفا في تسعين قطعة كتب بالذهب على الرق وجعلت ظهورها من الذهب مرصعة بالجواهر، فبينما هي تقرأ القرآن ذات يوم فقرأت هذه الآية، فلم يكن شيء أحبّ إليها من المصحف، فقالت: عليّ بالصاغة، فأمرت بالذهب والجواهر حتى بيعت وأمرت حتى حفرت الآبار وأشرف الحياض بالبادية.
وقال أبو بكر الورّاق: دلّهم بهذه الآية على الفتوة، وقال: لن تنالوا برّي بكم إلّا ببرّكم إخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم وما تحبّون، فإذا فعلتم ذلك نالكم برّي وعطفي.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: أي فإنّ الله يجازي عليه لأنّه إذا علمه جازى عليه، وتأويل (ما) تأويل الشرط والجزاء وموضعها نصب لينفقوا، المعنى: وأي شيء ينفقون فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
وروى حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: خطرت على قلبي هذه الآية:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ... فتذكرت ما أعطاني الله، فما كان شيء أعجب إليّ من فلانة فقلت: هي حرة لوجه الله، ولولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله عز وجل لنكحتها.
ويقال: ضاف أبا ذر الغفاري ضيف فقال للضيف: إنّي مشغول فاخرج إلى أبواء فإنّ لي بها إبلا فأتني بخيرها، فذهب وجاء بناقة مهزولة فقال له أبو ذر: جئتني بشرها، فقال: وجدت خير الإبل فحلها فتذكرت يوم حاجتكم إليه، فقال أبو ذر: إنّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي مع أنّ الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
وعن رجل من بني سليم يقال له عبد الله بن سيدان عن أبي ذر قال: في المال ثلاث شركاء: القدر لا يستأمرك أن تذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت أو فعل، والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم، والثالث أنت فإن استطعت أن لا يكون أعجب إليك مالا فإنّ الله عز وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنّ هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدّمه لنفسي.
وروي عن ربيع بن خيثم أنّه وقف سائل على بابه، فقال: أطعموه سكرا فقيل: ما يصنع هذا بالسكّر فنطعمه خبزا فهو أنفع له، فقال: ويحكم أطعموه سكّرا فإنّ الربيع يحب السكّر.
وروي عن الربيع بن خيثم أيضا أنّه جاءه سائل في ليلة باردة، فخرج إليه فرآه كأنّه مقرور قال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فنزع برتشا له وأعطاه إياه وذكر أنّه كساه عروة.
وبلغنا أن زبيدة أم جعفر اتخذت مصحفا في تسعين قطعة كتب بالذهب على الرق وجعلت ظهورها من الذهب مرصعة بالجواهر، فبينما هي تقرأ القرآن ذات يوم فقرأت هذه الآية، فلم يكن شيء أحبّ إليها من المصحف، فقالت: عليّ بالصاغة، فأمرت بالذهب والجواهر حتى بيعت وأمرت حتى حفرت الآبار وأشرف الحياض بالبادية.
وقال أبو بكر الورّاق: دلّهم بهذه الآية على الفتوة، وقال: لن تنالوا برّي بكم إلّا ببرّكم إخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم وما تحبّون، فإذا فعلتم ذلك نالكم برّي وعطفي.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: أي فإنّ الله يجازي عليه لأنّه إذا علمه جازى عليه، وتأويل (ما) تأويل الشرط والجزاء وموضعها نصب لينفقوا، المعنى: وأي شيء ينفقون فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
111
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﱜ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﱝ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﱞ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﱟ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱠ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﱡ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﱢ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ
ﱣ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﱤ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱥ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﱦ
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٣ الى ١٠٣]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧)قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ الآية.
قال أبو روق والكلبي: كان هذا حين
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أنا على ملة إبراهيم».
فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحلّه» [٨١] «١» فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرّمه فإنّه كان محرّما على نوح وإبراهيم هاجرا حتى انتهى إلينا، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم: كُلُّ الطَّعامِ المحلل لكم اليوم كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ.
إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ وهو يعقوب عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ.
واختلف المفسّرون في ذلك الطعام، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وأبو مجلز: هي العروق وكان [سبب] ذلك أنّ يعقوب (عليه السلام) اشتكى عرق النساء، وكان أصل وجعه ذلك، ما روى جويبر ومقاتل عن الضحاك أنّ يعقوب بن إسحاق كان قد نذر إن وهب الله له اثني عشر ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم، فتلقّاه ملك من الملائكة فقال له: يا يعقوب إنّك رجل قوي، هل لك في الصراع؟ فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه، ثم غمزه الملك غمزة فعرض له عرق النساء من ذلك، ثم قال: أما أنّي لو شئت أن أصرعك لفعلت، ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنّك قد كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولدك، وجعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا، فلمّا قدمها يعقوب أراد ذبح ابنه ونسي قول الملك، فأتاه الملك فقال: أنا غمزتك هذه الغمزة للمخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ولدك.
(١) أسباب نزول الآيات: ٧٥.
112
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: أقبل يعقوب (عليه السلام) من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيص وكان رجلا بطّيشا قويا، فلقيه ملك فظنّ [يعقوب] أنّه لصّ فعالجه أن يصرعه فغمز الملك فخذ يعقوب ثم صعد إلى السماء ويعقوب ينظر إليه، فهاج به عرق النساء ولقي من ذلك بلاء شديدا وكان لا ينام بالليل من الوجع [ويبيت] وله زقاء أي صياح، فحلف يعقوب (عليه السلام) لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقا ولا طعاما فيه عرق، فحرّمها على نفسه فجعل بنوه يبتغون العروق يخرجونها من اللحم «١»، وقال أبو العالية وعطاء ومقاتل والكلبي: كان ذلك لحمان الإبل وألبانها.
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أن عصابة حضرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا أي الطعام حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه عليه، فنذر لله لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحبّ الطعام والشراب إلى نفسه، وكان أحبّ الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها» [٨٢] «٢» فقالوا: اللهم نعم.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما أصاب يعقوب عرق النساء ووصف له الأطباء أن يجتنب لحوم الإبل، فحرّم يعقوب على نفسه لحوم الإبل، فقالت اليهود: إنّا حرّمنا على أنفسنا لحوم الإبل لأنّ يعقوب حرّمها وأنزل الله تحريمها في التوراة فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ لحوم الجزور تعبدا لله عز وجل فسأل ربّه عز وجل أن يجيز له ذلك، فحرّمه الله على ولده، وقال عكرمة: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ زائدة الكبد والكليتين والشحم إلّا ما على الظهور، وروى ليث عن مجاهد قال: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ لحوم الأنعام ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرّم على إسرائيل بعد نزول التوراة، وقال السدي:
إنّ الله لما أنزل التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمونها قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب (عليه السلام)، وقال عطية: إنّما كان ذلك حراما عليهم لتحريم إسرائيل ذلك عليهم وذلك أنّ إسرائيل قال حين أصابه عرق النساء: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد، ولم يكن ذلك محرّما عليهم في التوراة.
وقال الكلبي: لم يحرّمه الله عليهم في التوراة وإنّما حرّم عليهم بعد التوراة لظلمهم وكفرهم، وكان بنو إسرائيل كلما أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم طعاما طيبا، أو صبّ عليهم
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أن عصابة حضرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا أي الطعام حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أنّ يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه عليه، فنذر لله لئن عافاه الله من سقمه ليحرّمن أحبّ الطعام والشراب إلى نفسه، وكان أحبّ الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها» [٨٢] «٢» فقالوا: اللهم نعم.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما أصاب يعقوب عرق النساء ووصف له الأطباء أن يجتنب لحوم الإبل، فحرّم يعقوب على نفسه لحوم الإبل، فقالت اليهود: إنّا حرّمنا على أنفسنا لحوم الإبل لأنّ يعقوب حرّمها وأنزل الله تحريمها في التوراة فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ لحوم الجزور تعبدا لله عز وجل فسأل ربّه عز وجل أن يجيز له ذلك، فحرّمه الله على ولده، وقال عكرمة: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ زائدة الكبد والكليتين والشحم إلّا ما على الظهور، وروى ليث عن مجاهد قال: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ لحوم الأنعام ثم اختلفوا في هذا الطعام المحرّم على إسرائيل بعد نزول التوراة، وقال السدي:
إنّ الله لما أنزل التوراة حرّم عليهم ما كانوا يحرّمونها قبل نزولها اقتداء بأبيهم يعقوب (عليه السلام)، وقال عطية: إنّما كان ذلك حراما عليهم لتحريم إسرائيل ذلك عليهم وذلك أنّ إسرائيل قال حين أصابه عرق النساء: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد، ولم يكن ذلك محرّما عليهم في التوراة.
وقال الكلبي: لم يحرّمه الله عليهم في التوراة وإنّما حرّم عليهم بعد التوراة لظلمهم وكفرهم، وكان بنو إسرائيل كلما أصابوا ذنبا عظيما حرّم الله عليهم طعاما طيبا، أو صبّ عليهم
(١) المجموع للنووي: ١٨/ ٧٢. [.....]
(٢) مسند أحمد: ١/ ٢٧٣ بتفاوت يسير.
(٢) مسند أحمد: ١/ ٢٧٣ بتفاوت يسير.
113
رجزا وهو الموت، وذلك قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ «١»، وقوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ إلى قوله وَإِنَّا لَصادِقُونَ «٢».
وقال الضحاك: لم يكن شيء من ذلك علينا حراما، ولا حرّم الله عليهم في التوراة وإنّما هو شيء حرّموه على أنفسهم اتّباعا لأبيهم، وأضافوا تحريمه إلى الله فكذّبهم الله تعالى فقال:
قُلْ لهم يا محمد فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها حتى يتبين أنّه كما يقول لا كما قلتم، فلم يأتوا، فقال الله فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
«٣».
وروى أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عرق النساء يأخذ أليّة كبش عربي لا صغير ولا كبير فيقطع صغارا فيخرج أهالته فيخرج على ثلاث قسم، ويأكل كل يوم على ريق النفس «٤»، قال أنس: فوصفته لأكثر من مائة فشفاهم الله «٥».
وروى شعبة أنّه رأى شيخا في زمن الحجاج بن يوسف يقول لعرق النساء: أقسم عليك بالله الأعلى لئن لم تنته لأكوينّك بنار أو لألحقنك بموسى، قال شعبة: فإنّه يقول ذلك ويمسح على ذلك الموضع فيبرأ بإذن الله.
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ الآية.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقال اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنّها مهاجر الأنبياء في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ وقرأ ابن السميقع: وَضَعَ بفتح الواو والضاد يعني وضعه الله لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وليس ذلك في بيت المقدس وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وليس ذلك في بيت المقدس وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وليس ذلك في بيت المقدس.
واختلف العلماء في تأويل قوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ فقال بعضهم: هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند ما خلق الله السماء والأرض فخلقه الله قبل الأرض بألفي عام، وكان زبدة بيضاء على الأرض فدحيت الأرض من تحتها، هذا قول عبد الله بن عمرو ومجاهد وقتادة والسدي.
وقال الضحاك: لم يكن شيء من ذلك علينا حراما، ولا حرّم الله عليهم في التوراة وإنّما هو شيء حرّموه على أنفسهم اتّباعا لأبيهم، وأضافوا تحريمه إلى الله فكذّبهم الله تعالى فقال:
قُلْ لهم يا محمد فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها حتى يتبين أنّه كما يقول لا كما قلتم، فلم يأتوا، فقال الله فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
«٣».
وروى أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عرق النساء يأخذ أليّة كبش عربي لا صغير ولا كبير فيقطع صغارا فيخرج أهالته فيخرج على ثلاث قسم، ويأكل كل يوم على ريق النفس «٤»، قال أنس: فوصفته لأكثر من مائة فشفاهم الله «٥».
وروى شعبة أنّه رأى شيخا في زمن الحجاج بن يوسف يقول لعرق النساء: أقسم عليك بالله الأعلى لئن لم تنته لأكوينّك بنار أو لألحقنك بموسى، قال شعبة: فإنّه يقول ذلك ويمسح على ذلك الموضع فيبرأ بإذن الله.
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ الآية.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود، فقال اليهود: بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لأنّها مهاجر الأنبياء في الأرض المقدسة، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ وقرأ ابن السميقع: وَضَعَ بفتح الواو والضاد يعني وضعه الله لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وليس ذلك في بيت المقدس وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وليس ذلك في بيت المقدس وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وليس ذلك في بيت المقدس.
واختلف العلماء في تأويل قوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ فقال بعضهم: هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند ما خلق الله السماء والأرض فخلقه الله قبل الأرض بألفي عام، وكان زبدة بيضاء على الأرض فدحيت الأرض من تحتها، هذا قول عبد الله بن عمرو ومجاهد وقتادة والسدي.
(١) سورة النساء: ١٦٠.
(٢) سورة الأنعام: ١٤٦.
(٣) سورة آل عمران: ٩٤.
(٤) مسند أحمد: ٣/ ٢١٩ بتفاوت يسير وموجود بتمامه في تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٦.
(٥) المستدرك على الصحيحين: ٢/ ٢٩٢.
(٢) سورة الأنعام: ١٤٦.
(٣) سورة آل عمران: ٩٤.
(٤) مسند أحمد: ٣/ ٢١٩ بتفاوت يسير وموجود بتمامه في تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٦.
(٥) المستدرك على الصحيحين: ٢/ ٢٩٢.
114
وقال بعضهم: هو أوّل بيت وضع: بني في الأرض،
يروى أنّ علي بن الحسين سئل عن بدء الطوفان، فقال: إنّ الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور الذي ذكره الله، وقال للملائكة: طوفوا به ودعوا العرش، فطافت الملائكة به وتركوا العرش، وكان أهون عليهم، ثم أمر الله الملائكة الذين يسكنون في الأرض أن يبنوا له في الأرض بيتا على مثاله وقدره، فبنوا، واسمه الضراح، وأمر من في الأرض من خلقه أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
وقيل: هو أول بيت بناه آدم في الأرض، قاله ابن عباس.
وقال الضحاك: إنّ أول بيت وضع فيه البركة وأحسن من الفردوس الأعلى.
وروى سماك عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى علي (رضي الله عنه) فقال: ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت كان في الأرض؟ قال: لا، فأين كان قوم نوح وعاد وثمود، ولكنه أول بيت مبارك وهدى وُضِعَ لِلنَّاسِ.
وقيل: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ يحج إليه لله، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وقيل:
هو أول بيت جعل قبلة للناس.
وقال الحسن والكلبي والفراء: معناه: إن أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد الله فيه، يدل عليه قوله: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً «١» يعني مساجدهم وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، وقوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ «٢» يعني المساجد.
إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل عن أول مسجد وُضِعَ لِلنَّاسِ، قال: «المسجد الحرام ثم بيت المقدس» [٨٣] «٣»، وسئل: كم بينهما قال: أربعون عاما حيث ما أدركتك الصلاة فصلّ فثم سجد للذي ببكة.
قال الضحاك والمدرج: هي مكة، والعرب تعاقب بين الباء والميم، فتقول: سبد رأسه وسمد، واغبطت عليه الحمى واغمطت، وضربة لازم ولازب.
وقال ابن شهاب وضمرة بن ربيعة: بكة: المسجد والبيت، ومكة: الحرم كله.
وقال الآخرون: مكة اسم البلد كله، وبكة موضع البيت والمطاف، وسمّيت بكة لأن الناس يتباكون فيها: أي يزدحمون، يبكي بعضهم بعضا، ويصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، لا يصلح ذلك إلّا بمكة.
يروى أنّ علي بن الحسين سئل عن بدء الطوفان، فقال: إنّ الله تعالى وضع تحت العرش بيتا وهو البيت المعمور الذي ذكره الله، وقال للملائكة: طوفوا به ودعوا العرش، فطافت الملائكة به وتركوا العرش، وكان أهون عليهم، ثم أمر الله الملائكة الذين يسكنون في الأرض أن يبنوا له في الأرض بيتا على مثاله وقدره، فبنوا، واسمه الضراح، وأمر من في الأرض من خلقه أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
وقيل: هو أول بيت بناه آدم في الأرض، قاله ابن عباس.
وقال الضحاك: إنّ أول بيت وضع فيه البركة وأحسن من الفردوس الأعلى.
وروى سماك عن خالد بن عرعرة قال: قام رجل إلى علي (رضي الله عنه) فقال: ألا تخبرني عن البيت؟ أهو أول بيت كان في الأرض؟ قال: لا، فأين كان قوم نوح وعاد وثمود، ولكنه أول بيت مبارك وهدى وُضِعَ لِلنَّاسِ.
وقيل: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ يحج إليه لله، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وقيل:
هو أول بيت جعل قبلة للناس.
وقال الحسن والكلبي والفراء: معناه: إن أول مسجد ومتعبد وضع للناس يعبد الله فيه، يدل عليه قوله: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً «١» يعني مساجدهم وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، وقوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ «٢» يعني المساجد.
إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه سئل عن أول مسجد وُضِعَ لِلنَّاسِ، قال: «المسجد الحرام ثم بيت المقدس» [٨٣] «٣»، وسئل: كم بينهما قال: أربعون عاما حيث ما أدركتك الصلاة فصلّ فثم سجد للذي ببكة.
قال الضحاك والمدرج: هي مكة، والعرب تعاقب بين الباء والميم، فتقول: سبد رأسه وسمد، واغبطت عليه الحمى واغمطت، وضربة لازم ولازب.
وقال ابن شهاب وضمرة بن ربيعة: بكة: المسجد والبيت، ومكة: الحرم كله.
وقال الآخرون: مكة اسم البلد كله، وبكة موضع البيت والمطاف، وسمّيت بكة لأن الناس يتباكون فيها: أي يزدحمون، يبكي بعضهم بعضا، ويصلي بعضهم بين يدي بعض، ويمر بعضهم بين يدي بعض، لا يصلح ذلك إلّا بمكة.
(١) سورة يونس: ٨٧.
(٢) سورة النور: ٣٦.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ١٦٧.
(٢) سورة النور: ٣٦.
(٣) مسند أحمد: ٥/ ١٦٧.
115
قال الراجز:
قال عطاء: مرّت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت فدفعها، فقال أبو جعفر الباقر: إنّها بكة يبك بعضهم بعضا.
وقال عبد الرحمن بن الزبير: سميت بكة لأنّها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها، فلم يقصدها جبار يطلبها إلّا وقصمه الله، وأما مكة فسميت بذلك لقلة مائها من قول العرب: مكت الفصيل ضرع أمّه وامتكّه إذا امتص كل ما فيه من اللبن، قال الشاعر:
مكّت فلم تبق في أجوافها دررا «٢»
عن الحسين عن ابن عباس قال: ما أعلم اليوم على وجه الأرض بلدة ترفع فيها الحسنات بكل واحدة مائة ألف ما يرفع بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يكتب لمن صلّى فيها ركعة واحدة بمائة ألف ركعة ما يكتب بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [يكتب لمن تصدّق فيها بدرهم] واحد يكتب له مائة ألف درهم ما يكتب بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [يكتب] لمن فيها شراب الأحبار ومصلى الأخيار إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس شيئا أحد فيها إلّا كانت تكفير الخطايا إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة إذا دعا فيها آمن له الملائكة فيقولون: آمين آمين ليس إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة [.......] «٣»
إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن نظر إلى الكعبة من غير طواف ولا صلاة عبادة الدهر وصيام الدهر إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ورد إليها جميع النبيين [ما قد] صدر إلى مكة، وما أعلم بلدة يحشر فيها من الأنبياء والأبرار والفقهاء والعباد من الرجال والنساء ما يحشرون من مكة أي يحشرون وهم آمنون يوم القيامة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنّة ورائحتها ما ينزل بمكة حرسها الله «٤».
مُبارَكاً: نصب على الحال وَهُدىً لِلْعالَمِينَ: لأنه قبلة المؤمنين فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ:
قرأ ابن عباس: آية بينة.
مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [.......] «٥»
| إذا الشريب أخذته أكه | فخلّه حتى يبك بكه «١» |
وقال عبد الرحمن بن الزبير: سميت بكة لأنّها تبك أعناق الجبابرة أي تدقها، فلم يقصدها جبار يطلبها إلّا وقصمه الله، وأما مكة فسميت بذلك لقلة مائها من قول العرب: مكت الفصيل ضرع أمّه وامتكّه إذا امتص كل ما فيه من اللبن، قال الشاعر:
مكّت فلم تبق في أجوافها دررا «٢»
عن الحسين عن ابن عباس قال: ما أعلم اليوم على وجه الأرض بلدة ترفع فيها الحسنات بكل واحدة مائة ألف ما يرفع بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض يكتب لمن صلّى فيها ركعة واحدة بمائة ألف ركعة ما يكتب بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [يكتب لمن تصدّق فيها بدرهم] واحد يكتب له مائة ألف درهم ما يكتب بمكة، وما أعلم بلدة على وجه الأرض [يكتب] لمن فيها شراب الأحبار ومصلى الأخيار إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ما مس شيئا أحد فيها إلّا كانت تكفير الخطايا إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة إذا دعا فيها آمن له الملائكة فيقولون: آمين آمين ليس إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة [.......] «٣»
إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة يكتب لمن نظر إلى الكعبة من غير طواف ولا صلاة عبادة الدهر وصيام الدهر إلّا بمكة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ورد إليها جميع النبيين [ما قد] صدر إلى مكة، وما أعلم بلدة يحشر فيها من الأنبياء والأبرار والفقهاء والعباد من الرجال والنساء ما يحشرون من مكة أي يحشرون وهم آمنون يوم القيامة، وما أعلم على وجه الأرض بلدة ينزل فيها كل يوم من روح الجنّة ورائحتها ما ينزل بمكة حرسها الله «٤».
مُبارَكاً: نصب على الحال وَهُدىً لِلْعالَمِينَ: لأنه قبلة المؤمنين فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ:
قرأ ابن عباس: آية بينة.
مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [.......] «٥»
(١) الصحاح للجوهري: ٤/ ١٥٧٣.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٨.
(٣) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٤) بطوله في فضائل مكة للبصري مع تفاوت: ٢٠.
(٥) سقط في أصل المخطوط من الآية ٩٧ إلى الآية ١٠٢. [.....]
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ١٣٨.
(٣) كلمات غير مقروءة في المخطوط.
(٤) بطوله في فضائل مكة للبصري مع تفاوت: ٢٠.
(٥) سقط في أصل المخطوط من الآية ٩٧ إلى الآية ١٠٢. [.....]
116
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً.
[حدثنا ابن حميد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله المزني عن أبي عبد الرحمن بن عسيلة الضابحى عن عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثنى عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشّيتم شيئا من ذلك] «١».
فأخذتم [بحدّه] في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذّبكم وإن شاء غفر لكم، قال: وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب، فلمّا انصرف القوم بعث معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم، وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ، وكان أول مقرئ بالمدينة، وكان منزله على أسعد بن زرارة، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذين الرجلين الذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا فازجرهما، فإنّ أسعد ابن خالتي، ولولا ذاك لكفيتك، وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدي قومهما من بني الأشهل، وكلاهما مشركان، فأخذ أسيد بن حضير حرسه ثم أقبل إلى مصعب وأسعد وهما جالسان في حائط، فلمّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيّد قومه قد جاءك والله، فاصدق الله فيه.
قال مصعب: إن يجلس نكلّمه، قال: فوقف عليهما مشتّما، فقال: ما جاء بكما إلينا؟
تسفّهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكرهه، قال: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن.
قال: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل، وتطهّر ثوبك ثم تشهد بشهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، فقام واغتسل وطهّر ثوبه، وشهد بشهادة الحق، ثم قام وصلّى ركعتين، ثم قال لهما: إنّ ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ.
ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلمّا نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب من عندكم، فلمّا وقف على
[حدثنا ابن حميد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله المزني عن أبي عبد الرحمن بن عسيلة الضابحى عن عبادة بن الصامت قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثنى عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشّيتم شيئا من ذلك] «١».
فأخذتم [بحدّه] في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذّبكم وإن شاء غفر لكم، قال: وذلك قبل أن يفرض عليهم الحرب، فلمّا انصرف القوم بعث معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلّمهم الإسلام ويفقّههم، وكان مصعب يسمى بالمدينة المقرئ، وكان أول مقرئ بالمدينة، وكان منزله على أسعد بن زرارة، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذين الرجلين الذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا فازجرهما، فإنّ أسعد ابن خالتي، ولولا ذاك لكفيتك، وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدي قومهما من بني الأشهل، وكلاهما مشركان، فأخذ أسيد بن حضير حرسه ثم أقبل إلى مصعب وأسعد وهما جالسان في حائط، فلمّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيّد قومه قد جاءك والله، فاصدق الله فيه.
قال مصعب: إن يجلس نكلّمه، قال: فوقف عليهما مشتّما، فقال: ما جاء بكما إلينا؟
تسفّهان ضعفاءنا، اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكرهه، قال: أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلّمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن.
قال: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل، وتطهّر ثوبك ثم تشهد بشهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، فقام واغتسل وطهّر ثوبه، وشهد بشهادة الحق، ثم قام وصلّى ركعتين، ثم قال لهما: إنّ ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ.
ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلمّا نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب من عندكم، فلمّا وقف على
(١) سقط في المخطوط وما بين معكوفتين مستدرك عن تاريخ الطبري: ٢/ ٨٨.
117
النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين، فو الله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما، فقالا: لا نفعل إلّا ما أحببت.
وفي الحديث أنّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنّهم عرفوا أنّه ابن خالتك ليحقروك، فقام سعد مغضبا مبادرا للذي ذكره له، فأخذ الحربة منه، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، فلمّا رآهما مطمئنين عرف أنّ أسيدا إنّما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما مشتّما ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره، وقد قال لمصعب: جاءك والله سيد قومه إن تبعك لم يخالفك منهم أحد، فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته قد كفاك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة فجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلّم في إشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل وتطهّر ثوبك وتشهد بشهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين، فقام فاغتسل فطهّر ثوبه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلمّا رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلمّا وقف عليه قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟
قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلّا مسلما ومسلمة ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسيد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رجال ونساء من المسلمين إلّا ما كان من بني أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف [وتلك أوس الله وهم من أوس بن حارثة وذلك أنه] «١» كان فيهم أبو قيس الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق قالوا: إنّ مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيام التشريق وهي بيعة العقبة الثانية.
قال كعب بن مالك- وكان شهد ذلك-: فلمّا فرغا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر أخبرناه، فكنّا نكتم عمّن معنا من المشركين من قومنا أمرنا، وكلّمناه وقلنا له: يا جابر إنّك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنّك ترغب بك عمّا أنت فيه أن نكون حطبا للنار غدا، ودعوناه إلى الإسلام فأسلم فأخبرناه
وفي الحديث أنّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنّهم عرفوا أنّه ابن خالتك ليحقروك، فقام سعد مغضبا مبادرا للذي ذكره له، فأخذ الحربة منه، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، فلمّا رآهما مطمئنين عرف أنّ أسيدا إنّما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما مشتّما ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره، وقد قال لمصعب: جاءك والله سيد قومه إن تبعك لم يخالفك منهم أحد، فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته قد كفاك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة فجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلّم في إشراقه وتسهّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل وتطهّر ثوبك وتشهد بشهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين، فقام فاغتسل فطهّر ثوبه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلمّا رآه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلمّا وقف عليه قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟
قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلّا مسلما ومسلمة ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسيد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رجال ونساء من المسلمين إلّا ما كان من بني أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف [وتلك أوس الله وهم من أوس بن حارثة وذلك أنه] «١» كان فيهم أبو قيس الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق قالوا: إنّ مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيام التشريق وهي بيعة العقبة الثانية.
قال كعب بن مالك- وكان شهد ذلك-: فلمّا فرغا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر أخبرناه، فكنّا نكتم عمّن معنا من المشركين من قومنا أمرنا، وكلّمناه وقلنا له: يا جابر إنّك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنّك ترغب بك عمّا أنت فيه أن نكون حطبا للنار غدا، ودعوناه إلى الإسلام فأسلم فأخبرناه
(١) زيادة عن تاريخ الطبري: ٢/ ٩٠.
118
بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فشهد معنا العقبة وكان تقيا، فبتنا تلك الليلة في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنتسلّل مستخفين تسلل القطا، حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بني النجّار، وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة وهي أمّ منيع، واجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى جاء ومعه عمّه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له فلمّا جلسنا كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج. وكانت العرب إنما يسمّون هذا الحي من الأنصار: الخزرج خزرجها وأوسها. إنّ محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا، وهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلّا الانقطاع لكم واللحوق بكم.
فإن كنتم ترون أنكم وافون له ما دعوتموه إليه و [مانعوه] «١» ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنّكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن دعوه فإنّه في عز ومنعة.
قال: فقلنا: سمعا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، وخذ لنفسك ولربك ما شئت.
قال: فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام وقال: «أبايعكم على أن تمنعوني عمّا تمنعون منه نساءكم».
قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق، لنمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة [وإنّا] «٢» ورثناها كابرا عن كابر.
قال: فاعترض القول. والبراء يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا. يعني اليهود. وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك [الله] أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم وأنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم بما فيهم، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم عليه السلام» [٨٤] «٣»، فأخرجوا اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس».
قال عاصم بن عمر بن قتادة: إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال العباس بن
فإن كنتم ترون أنكم وافون له ما دعوتموه إليه و [مانعوه] «١» ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنّكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن دعوه فإنّه في عز ومنعة.
قال: فقلنا: سمعا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، وخذ لنفسك ولربك ما شئت.
قال: فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام وقال: «أبايعكم على أن تمنعوني عمّا تمنعون منه نساءكم».
قال: فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق، لنمنعك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب وأهل الحلقة [وإنّا] «٢» ورثناها كابرا عن كابر.
قال: فاعترض القول. والبراء يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالا. يعني اليهود. وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك [الله] أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم وأنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم بما فيهم، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم عليه السلام» [٨٤] «٣»، فأخرجوا اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس».
قال عاصم بن عمر بن قتادة: إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال العباس بن
(١) في المخطوط: مانعه.
(٢) في المخطوط: نسانا.
(٣) الطبقات الكبرى: ١/ ٢٢٣.
(٢) في المخطوط: نسانا.
(٣) الطبقات الكبرى: ١/ ٢٢٣.
119
عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل؟ إنّكم تبايعونه على حرب الأسود والأحمر، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة؟ وأشرافكم قتل أسلمتموه، فمن الآن فهو والله خزي في الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون بالعهد له فيما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: «الجنة». قالوا: ابسط يدك. فبسط يده فبايعوه، فأول من ضرب على يده البراء بن معرور، ثم تتابع القوم. قال: فلما بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب «١» هل لكم في مذمم والصباء معه قد اجتمعوا على حربكم؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا والله زنا العقبة اسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك». ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجعوا إلى رحالكم». فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم».
قال: فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا [ف] غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا وقالوا: يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، فإنه والله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. وصدقوا لم يعلموا. وبعضنا ينظر إلى بعض، فقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان قال: فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ. وأنت سيد من ساداتنا. مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟
قال: فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إليّ وقال: والله لتنتعلنّهما، فقال أبو جابر: والله أخفظت الفتى فاردد إليه نعليه. قال: قلت: لا أردهما، قال: والله صلح، والله لئن صدق لأسلبنه.
قال: ثم انصرف أبو جابر إلى المدينة، وقد شدّدوا العقد، فلما قدموها أظهروا الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فآذوا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنّ الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها» [٨٥] «٢».
فأمرهم بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم الأنصار، فكان ممن هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، ثم عبد الله بن
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا والله زنا العقبة اسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك». ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجعوا إلى رحالكم». فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على أهل منى بأسيافنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم».
قال: فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا [ف] غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا وقالوا: يا معشر الخزرج بلغنا أنكم جئتم صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، فإنه والله ما حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. وصدقوا لم يعلموا. وبعضنا ينظر إلى بعض، فقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان قال: فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ. وأنت سيد من ساداتنا. مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟
قال: فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إليّ وقال: والله لتنتعلنّهما، فقال أبو جابر: والله أخفظت الفتى فاردد إليه نعليه. قال: قلت: لا أردهما، قال: والله صلح، والله لئن صدق لأسلبنه.
قال: ثم انصرف أبو جابر إلى المدينة، وقد شدّدوا العقد، فلما قدموها أظهروا الإسلام بها وبلغ ذلك قريشا فآذوا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنّ الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها» [٨٥] «٢».
فأمرهم بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم الأنصار، فكان ممن هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، ثم عبد الله بن
(١) الجباجب هنا المنازل وفي الصحاح: الجبجبة جمع جباجب: زبيل من جلود ينقل فيه التراب، وتسمّى «القفّة» راجع لسان العرب: ٨/ ٢٩١.
(٢) بطوله في تاريخ الطبري: ٢/ ٨٨ إلى ٩٤، ومسند أحمد: ٣/ ٤٦٢.
(٢) بطوله في تاريخ الطبري: ٢/ ٨٨ إلى ٩٤، ومسند أحمد: ٣/ ٤٦٢.
120
جحش. ثم تتابع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إرسالا إلى المدينة، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينتظر أن يؤذن له في الهجرة إلى أن أذن، فقدم المدينة فجمع الله أهل المدينة أوسها وخزرجها بالإسلام، وأصلح ذات بينهم بنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، ورفع عنهم العداوة القديمة، وألّف بينهم، وذلك قوله وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يا معشر الأنصار إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً قبل الإسلام فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام فَأَصْبَحْتُمْ: فصرتم، نظيره قوله في المائدة: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ «١» وقوله:
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ «٢» وفي حم السجدة فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ «٣» وفي الكهف:
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً «٤».
بِنِعْمَتِهِ: بدينة الإسلام إِخْواناً في الدين والولاية، نظيره قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «٥».
وعن أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا. وأشار بيده إلى صدره. حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» [٨٦] «٦».
أبو بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، وشبك بين أصابعه «٧».
الشعبي عن النعمان بن بشير أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمنون كرجل واحد.
قال: «المؤمنون كرجل واحد لجسد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائره بالحمى والسهر» [٨٧] «٨».
وَكُنْتُمْ يا معشر الأوس والخزرج عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. قال الراجز:
ومعنى الآية: كنتم على طرف حفرة من النار ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلّا أن تموتوا على كفركم، فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بالإيمان. قال: وبلغنا أنّ أعرابيا سمع ابن عباس وهو يقرأ هذه
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ «٢» وفي حم السجدة فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ «٣» وفي الكهف:
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً «٤».
بِنِعْمَتِهِ: بدينة الإسلام إِخْواناً في الدين والولاية، نظيره قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «٥».
وعن أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا. وأشار بيده إلى صدره. حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» [٨٦] «٦».
أبو بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، وشبك بين أصابعه «٧».
الشعبي عن النعمان بن بشير أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: المؤمنون كرجل واحد.
قال: «المؤمنون كرجل واحد لجسد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائره بالحمى والسهر» [٨٧] «٨».
وَكُنْتُمْ يا معشر الأوس والخزرج عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. قال الراجز:
| نحن حفرنا للحجيج سجله | نابتة فوق شفاها بقله |
(١) المائدة: ٣٠.
(٢) المائدة: ٣١.
(٣) فصلت: ٢٣.
(٤) الكهف: ٤١.
(٥) سورة الحجرات: ١٠.
(٦) مسند أحمد: ٢/ ٢٨٨. ٦٧. ٢٧٧.
(٧) صحيح البخاري: ١/ ١٢٣. [.....]
(٨) مسند أحمد: ٤/ ٢٧٧.
(٢) المائدة: ٣١.
(٣) فصلت: ٢٣.
(٤) الكهف: ٤١.
(٥) سورة الحجرات: ١٠.
(٦) مسند أحمد: ٢/ ٢٨٨. ٦٧. ٢٧٧.
(٧) صحيح البخاري: ١/ ١٢٣. [.....]
(٨) مسند أحمد: ٤/ ٢٧٧.
121
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱧ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﱨ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﱩ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﱪ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﱫ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﱬ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﱭ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﱮ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﱯ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﱰ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﱱ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﱲ
الآية فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يوقعهم فيها. فقال ابن عباس: خذوه من غير فقيه. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٤ الى ١١٥]
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨)
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ أي ولتكونوا أمة من صلة، كقوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «١»، ولم يرد اجتناب رجس الأوثان وإنما فاجتنبوا «٢» الأوثان وإنها رجس. واللام في قوله وَلْتَكُنْ لام الأمر. يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ: الإسلام وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعنا ابن الزبير يقرأ: (ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون على ما أصابهم). وروي مثله عن عثمان [........] «٣».
روى حسان بن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه» [٨٨] «٤».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠٤ الى ١١٥]
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨)
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢) لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ أي ولتكونوا أمة من صلة، كقوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «١»، ولم يرد اجتناب رجس الأوثان وإنما فاجتنبوا «٢» الأوثان وإنها رجس. واللام في قوله وَلْتَكُنْ لام الأمر. يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ: الإسلام وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعنا ابن الزبير يقرأ: (ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون على ما أصابهم). وروي مثله عن عثمان [........] «٣».
فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
روى حسان بن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه» [٨٨] «٤».
(١) سورة: الحج: ٣٠.
(٢) في المخطوط بعدها: من.
(٣) بياض في مصوّرة المخطوط.
(٤) الكامل لابن عدي: ٦/ ٨٤.
(٢) في المخطوط بعدها: من.
(٣) بياض في مصوّرة المخطوط.
(٤) الكامل لابن عدي: ٦/ ٨٤.
122
وعن عبد الله بن عمر عن درة بنت أبي لهب قالت: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: «آمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله تعالى، وأوصلهم لأرحامه» [٨٩].
عن ابن عباس قال: قلنا: يا رسول الله، ما نعمل نأتمر بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف شيء إلّا ائتمرنا به، وننتهي عن المنكر حتى لا يبقى من المنكر شيء إلّا انتهينا عنه، ولم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر، فقال: «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله» [٩٠] «١».
الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الفاسق في القوم كمثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل إنسان منها نصيب فأخذ رجل منهم فأسا فجعل ينقر في موضعه، وقال له أصحابه: أي شيء تصنع، تريد أن تغرق وتغرقنا؟ قال: هو مكاني، فإن أخذوا على يده نجوا ونجا وإن تركوه غرق وغرقوا» [٩١] «٢».
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن شنأ المنافقين وغضب لله عز وجل غضب الله تعالى له» [٩٢].
وقال أبو الدرداء: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجلّ كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم، ويستنصرون فلا ينصرون، ويستغفرون فلا يغفر لهم.
وقال حذيفة اليماني: يأتي على الناس زمان لئن يكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
وقال الثوري: إذا كان الرجل محبّبا في جيرانه محمودا عند القوم فاعلم أنه مداهن «٣».
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا. الآية. قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى. وقال بعضهم: هم المبتدعة من هذه الأمّة.
عن عبد الله بن شدّاد قال: وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية بالشام عند باب حمص أو دمشق فقال لهم كلاب النار، كلاب النار. مرتين أو ثلاثة. شرّ قتلى تظل السماء وخير قتلى قتلاهم. [قيل] : أشيء من قبل رأي رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «إن هو من جل رأي رأيته، إني إذن لجريء إن لم أسمعه من رسول
عن ابن عباس قال: قلنا: يا رسول الله، ما نعمل نأتمر بالمعروف حتى لا يبقى من المعروف شيء إلّا ائتمرنا به، وننتهي عن المنكر حتى لا يبقى من المنكر شيء إلّا انتهينا عنه، ولم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر، فقال: «مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به، وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله» [٩٠] «١».
الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الفاسق في القوم كمثل قوم ركبوا سفينة فاقتسموها فصار لكل إنسان منها نصيب فأخذ رجل منهم فأسا فجعل ينقر في موضعه، وقال له أصحابه: أي شيء تصنع، تريد أن تغرق وتغرقنا؟ قال: هو مكاني، فإن أخذوا على يده نجوا ونجا وإن تركوه غرق وغرقوا» [٩١] «٢».
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن شنأ المنافقين وغضب لله عز وجل غضب الله تعالى له» [٩٢].
وقال أبو الدرداء: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجلّ كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم، ويستنصرون فلا ينصرون، ويستغفرون فلا يغفر لهم.
وقال حذيفة اليماني: يأتي على الناس زمان لئن يكون فيهم جيفة حمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
وقال الثوري: إذا كان الرجل محبّبا في جيرانه محمودا عند القوم فاعلم أنه مداهن «٣».
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا. الآية. قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى. وقال بعضهم: هم المبتدعة من هذه الأمّة.
عن عبد الله بن شدّاد قال: وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية بالشام عند باب حمص أو دمشق فقال لهم كلاب النار، كلاب النار. مرتين أو ثلاثة. شرّ قتلى تظل السماء وخير قتلى قتلاهم. [قيل] : أشيء من قبل رأي رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «إن هو من جل رأي رأيته، إني إذن لجريء إن لم أسمعه من رسول
(١) مجمع الزوائد: ٧/ ٢٧٧، والمعجم الصغير: ٢/ ٧٨ وفيهما: وإن لم تجتنبوه كله.
(٢) المعجم الأوسط: ٣/ ١٤٩ بتفاوت.
(٣) سير أعلام النبلاء: ٧/ ٢٧٨.
(٢) المعجم الأوسط: ٣/ ١٤٩ بتفاوت.
(٣) سير أعلام النبلاء: ٧/ ٢٧٨.
123
الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا مرة أو مرتين. حتى عدّ سبع مرات. ما حدثت به. فقال رجل فإني رأيتك دمعت عيناك. قال: هي رحمة رحمتهم إنهم كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم، ثم قرأ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا إلى قوله بَعْدَ إِيمانِكُمْ ثم قال: هم الحرورية «١».
وروى قبيصة عن جابر أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما نزل بباب من أبواب دمشق يقال له الجابية، حمد الله فأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كمقامي فيكم ثم قال: «من سرّه بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفذ «٢» وهو من الاثنين أبعد» [٩٣] «٣».
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ،... يَوْمَ نصب على الظرف، أي في يوم، وانتصاب الظرف على التشبيه بالمفعول وقرأ يحيى بن وثّاب (تِبيض وتِسود). بكسر التاءين. على لغة تميم.
وقرأ الزهري: (تبياض وتسواد). فأما الذين [اسوادت] «٤».
و [المعنى] «٥» تبيض وجوه المؤمنين، وتسود وجوه الكافرين. وقيل: يوم تبيض وجوه المخلصين، وتسود وجوه المنافقين.
وقال عطاء: تبيض وجوه المهاجرين والأنصار، وتسود وجوه قريظة والنضير. سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال: تبيض وجوه أهل ال�
وروى قبيصة عن جابر أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما نزل بباب من أبواب دمشق يقال له الجابية، حمد الله فأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كمقامي فيكم ثم قال: «من سرّه بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفذ «٢» وهو من الاثنين أبعد» [٩٣] «٣».
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ،... يَوْمَ نصب على الظرف، أي في يوم، وانتصاب الظرف على التشبيه بالمفعول وقرأ يحيى بن وثّاب (تِبيض وتِسود). بكسر التاءين. على لغة تميم.
وقرأ الزهري: (تبياض وتسواد). فأما الذين [اسوادت] «٤».
و [المعنى] «٥» تبيض وجوه المؤمنين، وتسود وجوه الكافرين. وقيل: يوم تبيض وجوه المخلصين، وتسود وجوه المنافقين.
وقال عطاء: تبيض وجوه المهاجرين والأنصار، وتسود وجوه قريظة والنضير. سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال: تبيض وجوه أهل ال�