تفسير سورة الرّوم

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الروم من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
ومن هنا ننتقل بعون الله وتسديده إلى ( سورة الروم ) المكية أيضا، وقد جاءت مبدوءة بحروف الهجاء المقطعة، وهي خامس سورة وردت على هذا الشكل على التوالي في نسق واحد، وإنما سميت ( سورة الروم ) لقوله تعالى في فاتحتها ﴿ بسم الله الرحمان الرحيم. ألم( ١ ) غلبت الروم( ٢ ) في أدنى الأرض ﴾ الآية.

وورد في سنن الترمذي ما خلاصته : أن الفرس كانوا يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم ( أهل الكتاب ) وفي ذلك ورد قوله تعالى :
﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون( ٤ ) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم( ٥ ) ﴾ بينما كان مشركو قريش يحبون ظهور فارس، لأنهم وإياهم ( ليسوا بأهل الكتاب ) ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة :﴿ آلم. ( ١ ) غلبت الروم( ٢ ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون( ٣ ) في بضع سنين ﴾ وعندما مضت سبع سنين ظهرت الروم على فارس، فأسلم عند ذلك ناس كثير، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، وكان ذلك تصديقا لقول الله تعالى :﴿ وعد الله لا يخلف الله وعده ﴾( ٦ : ٣٠ ).
ثم نبه كتاب الله إلى أن أكثر الناس يكتفون بالقشر بدل اللباب، وبالظاهر السطحي دون التعمق فيما وراء الحجاب، بينما الواجب يقتضي بذل الطاقة والجهد في التفكير العميق، والبحث الدقيق، حتى يدرك الإنسان حقائق الأمور، ما ظهر منها وما بطن، ويكشف عن جوهرها المكنون والمستور، فيستوي في نظره السر والعلن، وذلك قوله تعالى في ختام هذا الربع :﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٦ ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون( ٧ ) أولم يتفكروا في أنفسهم، ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون( ٨ ) ﴾.
الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعين في المصحف الكريم
مما يستلفت النظر ويثير الانتباه ما يدعو إليه كتاب الله ويحض عليه في غير ما آية، من السير في أكناف الأرض طولا وعرضا، وكتاب الله ينوع الأساليب المتبعة في هذه الدعوة الملحة، كما ينوع الأهداف المرجوة منها، فأحيانا يدعو إلى السير في الأرض دعوة عامة، على أن يكون السير فيها بعقل متبصر، وأذن واعية، وعين متفتحة، كقوله تعالى فيما سبق من سورة الحج ( ٤٦ ) :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾. وأحيانا يدعو إلى النظر فيها للتعرف على ما أودعه في طياتها من أسرار الخلق وبدائع المخلوقات، وخزائن الملك والملكوت، كقوله تعالى فيما سبق من سورة الأعراف :﴿ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ﴾ ( الآية : ١٨٥ ). وقوله تعالى فيما سبق من سورة العنكبوت :﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ﴾ ( الآية : ٢٠ )، وأحيانا يدعو إلى التنقل في الأرض والسير فيها للبحث عن وسائل العيش وطلب الرزق، كقوله تعالى فيما يأتي من سورة الجمعة :﴿ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ﴾، وأحيانا يدعو إلى السير في الأرض والنظر فيما تعاقب عليها من عمارة وخراب، وحضارات عظمى لم يحسن أهلها الخلافة عن الله في الأرض، فكان تدميرهم وتدمير حضارتهم أعدل جزاء وأوفى عقاب، كقوله تعالى فيما سبق من سورة النمل :﴿ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ﴾ ( الآية : ٦٩ )، وقوله تعالى في بداية هذا الربع من سورة الروم :﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ﴾.
ثم يعقد كتاب الله مقارنة بين الحال التي وجد الإسلام عليها الناس عند نزول القرآن، والحالة التي عرفتها البشرية قبل ذلك، في القرون الخالية والأمم البائدة، مشيرا إلى أن الحضارات السابقة كانت أقوى، وأن الأرض كانت أكثر ازدهارا وعمرانا، لكن لما أساء أهلها التصرف فيما آتاهم الله من قوة وثروة وعمران، ولم يهتدوا بالمنهج الإلهي في تدبير شؤونهم، ورموا بكتب الله ورسالاته عرض الحائط، أفلت من يدهم الزمام، وحكم عليهم لسان القدرة بالإعدام، وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ كانوا أشد منهم قوة، وأثاروا الأرض ﴾، أي حرثوها واستثمروها إلى أقصى حد، ﴿ وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات، فما كان الله ليظلمهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( ٩ ) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى ﴾، ولما كانت السوأى ( وهي تأنيث الأسوأ ) هي عاقبة الذين أساؤوا كانت الحسنى ( وهي تأنيت الأحسن ) هي عاقبة الذين أحسنوا، كما قال تعالى في حقهم :﴿ للذين أحسنوا الحسنى ﴾.
وبين كتاب الله السبب فيما نال الذين أساؤوا من عقاب ودمار، فقال :﴿ أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون١٠ ﴾.
وقد أكد كتاب الله هذه المعاني مجتمعة مرة أخرى عند قوله تعالى فيما يأتي من سورة غافر ( ٨٢ ) :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أكثر منهم، وأشد قوة وآثارا في الأرض، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ﴾. ثم قال تعالى :﴿ الله يبدأ الخلق ثم يعيده، ثم إليه ترجعون( ١١ ) ﴾، ومما يدخل تحت هذا المعنى ويتصل به أوثق اتصال قوله تعالى في آية أخرى ( ١٣٣ : ٤ ) :﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ﴾، وقوله تعالى في آية ثانية ( ٣٣٣ : ٦ ) :﴿ إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ﴾، وقوله تعالى في آية ثالثة ( ١٦ : ٣٥ ) :﴿ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ﴾.
وذكر كتاب الله بالحقيقة الكبرى التي أجمعت عليها كافة النبوات والرسالات، وإن أنكرها المنكرون وجحدها الجاحدون، ألا وهي ( قيام الساعة ) وما يرافقها من انقلاب شامل وعام في الكون، وما يواكبها من نشر وحشر، وتصنيف للبشر في صنفين اثنين : صنف المؤمنين الذين عملوا الصالحات، ولهم النعيم المقيم، وصنف الكافرين الذين عملوا السيئات ولهم العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ﴾ أي تصيبهم الحيرة والذهول، لأنهم لم يكونوا يتوقعون قيام الساعة أبدا، يقال :( أبلس الرجل ) إذا سكت وانقطعت حجته ولم يؤمل أن تكون له حجة ) ثم قال تعالى :﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) ﴾ من ( الحبور ) وهو السرور والفرح، ﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾ أي يساقون إليه قهرا وقسرا، وقوله تعالى هنا :﴿ يومئذ يتفرقون ﴾ عقب قوله أيضا :﴿ ويوم تقوم الساعة ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٥٩ : ٣٦ ) :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وذكر كتاب الله بالحقيقة الكبرى التي أجمعت عليها كافة النبوات والرسالات، وإن أنكرها المنكرون وجحدها الجاحدون، ألا وهي ( قيام الساعة ) وما يرافقها من انقلاب شامل وعام في الكون، وما يواكبها من نشر وحشر، وتصنيف للبشر في صنفين اثنين : صنف المؤمنين الذين عملوا الصالحات، ولهم النعيم المقيم، وصنف الكافرين الذين عملوا السيئات ولهم العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ﴾ أي تصيبهم الحيرة والذهول، لأنهم لم يكونوا يتوقعون قيام الساعة أبدا، يقال :( أبلس الرجل ) إذا سكت وانقطعت حجته ولم يؤمل أن تكون له حجة ) ثم قال تعالى :﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) ﴾ من ( الحبور ) وهو السرور والفرح، ﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾ أي يساقون إليه قهرا وقسرا، وقوله تعالى هنا :﴿ يومئذ يتفرقون ﴾ عقب قوله أيضا :﴿ ويوم تقوم الساعة ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٥٩ : ٣٦ ) :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وذكر كتاب الله بالحقيقة الكبرى التي أجمعت عليها كافة النبوات والرسالات، وإن أنكرها المنكرون وجحدها الجاحدون، ألا وهي ( قيام الساعة ) وما يرافقها من انقلاب شامل وعام في الكون، وما يواكبها من نشر وحشر، وتصنيف للبشر في صنفين اثنين : صنف المؤمنين الذين عملوا الصالحات، ولهم النعيم المقيم، وصنف الكافرين الذين عملوا السيئات ولهم العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ﴾ أي تصيبهم الحيرة والذهول، لأنهم لم يكونوا يتوقعون قيام الساعة أبدا، يقال :( أبلس الرجل ) إذا سكت وانقطعت حجته ولم يؤمل أن تكون له حجة ) ثم قال تعالى :﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) ﴾ من ( الحبور ) وهو السرور والفرح، ﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾ أي يساقون إليه قهرا وقسرا، وقوله تعالى هنا :﴿ يومئذ يتفرقون ﴾ عقب قوله أيضا :﴿ ويوم تقوم الساعة ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٥٩ : ٣٦ ) :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وذكر كتاب الله بالحقيقة الكبرى التي أجمعت عليها كافة النبوات والرسالات، وإن أنكرها المنكرون وجحدها الجاحدون، ألا وهي ( قيام الساعة ) وما يرافقها من انقلاب شامل وعام في الكون، وما يواكبها من نشر وحشر، وتصنيف للبشر في صنفين اثنين : صنف المؤمنين الذين عملوا الصالحات، ولهم النعيم المقيم، وصنف الكافرين الذين عملوا السيئات ولهم العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ﴾ أي تصيبهم الحيرة والذهول، لأنهم لم يكونوا يتوقعون قيام الساعة أبدا، يقال :( أبلس الرجل ) إذا سكت وانقطعت حجته ولم يؤمل أن تكون له حجة ) ثم قال تعالى :﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) ﴾ من ( الحبور ) وهو السرور والفرح، ﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾ أي يساقون إليه قهرا وقسرا، وقوله تعالى هنا :﴿ يومئذ يتفرقون ﴾ عقب قوله أيضا :﴿ ويوم تقوم الساعة ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٥٩ : ٣٦ ) :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وذكر كتاب الله بالحقيقة الكبرى التي أجمعت عليها كافة النبوات والرسالات، وإن أنكرها المنكرون وجحدها الجاحدون، ألا وهي ( قيام الساعة ) وما يرافقها من انقلاب شامل وعام في الكون، وما يواكبها من نشر وحشر، وتصنيف للبشر في صنفين اثنين : صنف المؤمنين الذين عملوا الصالحات، ولهم النعيم المقيم، وصنف الكافرين الذين عملوا السيئات ولهم العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون( ١٢ ) ﴾ أي تصيبهم الحيرة والذهول، لأنهم لم يكونوا يتوقعون قيام الساعة أبدا، يقال :( أبلس الرجل ) إذا سكت وانقطعت حجته ولم يؤمل أن تكون له حجة ) ثم قال تعالى :﴿ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين( ١٣ ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون( ١٤ ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون( ١٥ ) ﴾ من ( الحبور ) وهو السرور والفرح، ﴿ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون( ١٦ ) ﴾ أي يساقون إليه قهرا وقسرا، وقوله تعالى هنا :﴿ يومئذ يتفرقون ﴾ عقب قوله أيضا :﴿ ويوم تقوم الساعة ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٥٩ : ٣٦ ) :﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾.
وبعد أن وصف كتاب الله مظاهر قدرته وحكمته، ودلائل وحدانيته وعظمته، البارزة في ملكوت السماوات والأرض، ووصف تصرفه المطلق في الكون، والتجاء الخلق إليه بدءا وإعادة، إذ هو القاهر فوق عباده، بين أن كل إنسان عاقل لمس جلال الله وجماله، وعظمته وكماله، في نفسه التي بين جنبيه، وفي الكون الباهر من حوله المتجلي أمام عينيه، لا يسعه إلا أن يتوجه إلى الله بتنزيهه عن كل نقص، وتمجيده بكل كمال، إقرارا بفضله وكرمه، وشكرا على مدده ونعمه، وذلك ما يقتضيه قوله تعالى تلقينا لعباده :﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون١٧ وله الحمد في السماوات والأرض، وعشيا وحين تظهرون١٨ ﴾.
وواضح أن تنزيه العبد لربه يتناول تنزيهه بالقلب، عن طريق الاعتقاد الصحيح الجازم، وتنزيهه باللسان، عن طريق ذكره الحسن بأسمائه الحسنى، وتنزيهه بالجوارح، عن طريق الأعمال الصالحة، وعلى رأسها الصلاة التي هي عماد الدين، لكونها هي الصلة القائمة والدائمة بين العبد وربه، ﴿ فسبحان الله ﴾ لفظ عام يشمل كافة وجوه التنزيه، ويدخل فيه من باب أولى وأحرى إقامة الصلوات الخمس التي يجدد فيها المؤمن عهده مع الله خمس مرات في اليوم والليلة، قيل لابن عباس رضي الله عنه :( هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ ) قال نعم، وتلا هذه الآية :﴿ تمسون ﴾ صلاة المغرب وصلاة العشاء، و﴿ تصبحون ﴾ صلاة الفجر، ﴿ وعشيا ﴾ صلاة العصر، و﴿ تظهرون ﴾ صلاة الظهر.
ولا شك أن مواقيت الصلاة المتعاقبة ترافقها ظواهر كونية يومية عظمى، تتجلى فيها قدرة الله وعظمته، وعلمه وحكمته، وجلاله وجماله، فتكون أنسب الأوقات لإعلان العبد عن تعلقه بالله، وإيمانه بوحدانيته وربوبيته، وتمسكه بعبادته وطاعته.
وقوله تعالى :﴿ وله الحمد في السماوات والأرض ﴾ بين قوله قبلها :﴿ حين تمسون وحين تصبحون ﴾ وقوله بعدها :﴿ وعشيا وحين تظهرون ﴾ تنبيه إلى أن تنزيه العبد لربه لا يكون تنزيها حقيقيا وتاما إلا إذا صاحبه القيام بحمد الله وشكره على الدوام، إذ هو المحمود سبحانه وتعالى بكل لسان، بلسان الحال ولسان المقال، من كافة الأنام :﴿ يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا ﴾ ( ٤٤ : ١٧ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:وبعد أن وصف كتاب الله مظاهر قدرته وحكمته، ودلائل وحدانيته وعظمته، البارزة في ملكوت السماوات والأرض، ووصف تصرفه المطلق في الكون، والتجاء الخلق إليه بدءا وإعادة، إذ هو القاهر فوق عباده، بين أن كل إنسان عاقل لمس جلال الله وجماله، وعظمته وكماله، في نفسه التي بين جنبيه، وفي الكون الباهر من حوله المتجلي أمام عينيه، لا يسعه إلا أن يتوجه إلى الله بتنزيهه عن كل نقص، وتمجيده بكل كمال، إقرارا بفضله وكرمه، وشكرا على مدده ونعمه، وذلك ما يقتضيه قوله تعالى تلقينا لعباده :﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون١٧ وله الحمد في السماوات والأرض، وعشيا وحين تظهرون١٨ ﴾.
وواضح أن تنزيه العبد لربه يتناول تنزيهه بالقلب، عن طريق الاعتقاد الصحيح الجازم، وتنزيهه باللسان، عن طريق ذكره الحسن بأسمائه الحسنى، وتنزيهه بالجوارح، عن طريق الأعمال الصالحة، وعلى رأسها الصلاة التي هي عماد الدين، لكونها هي الصلة القائمة والدائمة بين العبد وربه، ﴿ فسبحان الله ﴾ لفظ عام يشمل كافة وجوه التنزيه، ويدخل فيه من باب أولى وأحرى إقامة الصلوات الخمس التي يجدد فيها المؤمن عهده مع الله خمس مرات في اليوم والليلة، قيل لابن عباس رضي الله عنه :( هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ ) قال نعم، وتلا هذه الآية :﴿ تمسون ﴾ صلاة المغرب وصلاة العشاء، و﴿ تصبحون ﴾ صلاة الفجر، ﴿ وعشيا ﴾ صلاة العصر، و﴿ تظهرون ﴾ صلاة الظهر.
ولا شك أن مواقيت الصلاة المتعاقبة ترافقها ظواهر كونية يومية عظمى، تتجلى فيها قدرة الله وعظمته، وعلمه وحكمته، وجلاله وجماله، فتكون أنسب الأوقات لإعلان العبد عن تعلقه بالله، وإيمانه بوحدانيته وربوبيته، وتمسكه بعبادته وطاعته.
وقوله تعالى :﴿ وله الحمد في السماوات والأرض ﴾ بين قوله قبلها :﴿ حين تمسون وحين تصبحون ﴾ وقوله بعدها :﴿ وعشيا وحين تظهرون ﴾ تنبيه إلى أن تنزيه العبد لربه لا يكون تنزيها حقيقيا وتاما إلا إذا صاحبه القيام بحمد الله وشكره على الدوام، إذ هو المحمود سبحانه وتعالى بكل لسان، بلسان الحال ولسان المقال، من كافة الأنام :﴿ يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا ﴾ ( ٤٤ : ١٧ ).

وكيف لا ينزه العاقل ربه سبحانه وهو المنفرد بالإيجاد والإمداد، وهو الذي ينفخ الروح في الكائنات فتسري فيها الحياة متى شاء، ويقبض روحها متى شاء، وإذا كان الله سبحانه قادرا على إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي في النبات والحيوان والإنسان، فكيف لا يكون قادرا على إحياء الميت، قدرته على إماتة الحي، وذلك ما ينطق به قوله تعالى :﴿ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون١٩ ﴾.
وأبرز مثال لما ورد في الكتاب، إخراج نوع الإنسان - وهو سيد الأحياء - من بين الطين والتراب، وذلك ما يشير إليه في نفس السياق قوله تعالى هنا :﴿ ومن - آياته أن خلقكم من تراب، ثم إذا أنتم بشر تنتشرون٢٠ ﴾ وقوله تعالى في آية أخرى ( ٥٥ : ٢٠ ) :﴿ منها خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾.
ومضى كتاب الله يصف آياته الباهرة، المبثوثة في الأنفس والآفاق، معرفا ببالغ حكمته، وكامل قدرته، فقال تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾.
ويلاحظ أن كتاب الله أتبع خلق الإنسان بخلق الزوجة، لأن بها يتم الأنس وينتظم العيش ويزدهر العمران، فهل أحد غير الله يستطيع أن يجعل من الزوج والزوجة، رغم اختلاف طبيعة تكوينهما العضوي والنفسي والعاطفي، شخصية واحدة متكاملة، في ازدواجها سر وحدتها، وهذا المعنى هو الذي يوحي به قوله تعالى هنا في تأكيد الوحدة والألفة بين الزوج والزوجة :﴿ خلق لكم من أنفسكم أزواجا ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾ الآية ( ١٨٩ : ٧ )، ويوحي به قوله تعالى أيضا في التعريف بسر الزوجية الدفين، حيث يصبح الفرد زوجا، والزوج فردا، عندما يقول :﴿ لتسكنوا إليها ﴾، و( السكينة ) طمأنينة القلب، وراحة البال، ومفتاح السعادة، كما يوحي به قوله تعالى هنا في تحديد نوع العلاقة العاطفية بين الزوج والزوجة :﴿ وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾، و( المودة ) شعور هادئ نبيل، متسم بالعمق والصدق والدوام، لا شعور سطحي ثائر وعابر، كالهشيم تذروه الرياح، و( الرحمة ) هي العروة الوثقى التي تربط بين الزوجين بعضهما مع بعض، وتربط بينهما وبين من له عليهما أولهما عليه حق من الحقوق : حقوق الأبوة وحقوق البنوة، فبالرحمة المتبادلة والتعاطف المزدوج يشتد التلاحم، لمواجهة الشدائد والملمات، ويسهل تخطي العقبات، والتغلب على الأزمات.
ونظرا لما يتوقف عليه استيعاب هذه المعاني الرئيسية التي تنبني عليها الحياة الزوجية، من تأمل وتدبير وتعمق، جاء التعقيب عليها بقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون( ٢١ ) ﴾.
ثم عرض كتاب الله آية أخرى من آياته الكونية الباهرة، وهذه الآية تبدو لكل ذي عينين في خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنة البشر، واختلاف ألوانهم، فالشخص العادي متى سرح طرفه وأجال فكره في ملكوت السماوات والأرض لا بد أن يؤمن بأن وراء هذا الكون خالقا مبدعا حكيما :﴿ وسع كل شيء علما ﴾، ومتى نظر إلى تكوين الإنسان عضويا ونفسيا وعقليا وجد أنه في خصائصه العامة واحد لا تعدد فيه ولا اختلاف، ولكنه مع ذلك مختلف اللغات واللهجات، مختلف الألوان والصفات، بل إنه حتى عند استعمال اللغة الواحدة يختلف في أشكال النطق والأصوات، فمن الذي جعل من النوع الإنساني نوعا واحدا، ومن الذي جعل من هذه الوحدة أصنافا لا حد لها ولا حصر، سوى الحق سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر. أما الشخص الذي بلغ من العلم درجة كافية، فإنه يجد المجال أمامه فسيحا لاستكشاف أسرار الكون ونواميس الخليقة، مما يؤهله أكثر فأكثر، لتذوق لطائف الحكمة وعلم الحقيقة، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن - آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين( ٢٢ ) ﴾.
وحسب قراءة ﴿ العالمين ﴾ بفتح اللام كما في قراءة ورش عندنا يكون المعنى أن التعرف على هذه الآيات الكونية والبشرية في متناول عموم الخلق، لا يختص به فريق دون فريق، لأنه على مرأى ومسمع منهم جميعا، وتروى فيه قراءة أخرى بكسر اللام، وطبقا لهذه القراءة الثانية يكون المعنى : إن الذين يدركون أسرار هذه الآيات ويستخلصون منها النتائج القريبة والبعيدة، الجامعة بين العلم والإيمان، هم الذين بلغوا درجة كافية من العلم، ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وما يعقلها إلا العالمون ﴾.
وإذا كان اختلاف الألسنة واختلاف الألوان عند دعاة ( العنصرية والشعوبية ) مصدرا للتمييز بين السلالات البشرية، ومبررا لتصنيفها طبقات عليا وسفلى، فإن كتاب الله أزال عن هذه الظاهرة كل ما تشم منه رائحة التمييز العنصري بين البشر، واعتبر اختلاف الألسنة والألوان في النوع البشري، مع وحدته الأصلية، آية من آيات الله الكبرى، ودليلا من دلائل قدرته وبالغ حكمته.
وانتقل كتاب الله إلى آية أخرى من آيات الله في الأنفس، وهي ظاهرة النوم بعد اليقظة، والسكون بعد الحركة، التي أكرم الله بها الإنسان، ليستطيع مواصلة الكد والسعي بنشاط وفعالية وإتقان، إذ لو لم يمنح الحق سبحانه عباده حق ( الراحة اليومية ) بعد التعب، لتعطلت طاقات الجسم والعقل عن العمل، ولما استطاع الإنسان القيام بخلافته عن الله في الأرض على أحسن وجه وأنفع أسلوب، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون( ٢٣ ) ﴾ أي يسمعون القرآن فيصدقونه، والحق فيتبعونه.
فراحة الاستغراق في النوم خصص لها الحق سبحانه وتعالى فترة الليل، المناسبة للهدوء والسكون، والسعي المتواصل للعمل وكسب الرزق خصص له الحق سبحانه وتعالى فترة النهار، المناسبة للحركة والنشاط، على أن القليل من الاسترخاء والنوم الخفيف خلال بعض فترات النهار كالقيلولة، مما يساعد على تهدئة الأعصاب، وتجديد النشاط، ومضاعفة الإنتاج، حسبما دلت عليه الأبحاث الحديثة، وبذلك نفهم السر في قوله تعالى :﴿ منامكم بالليل والنهار ﴾، قال جار الله الزمخشري ( ويجوز أن يراد منامكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما )، إذ من الناس من ينام في الليل ومنهم من ينام في النهار، ومن الناس من يسعى لكسب رزقه في النهار : ومنهم من يسعى لكسب رزقه في الليل، حسب ظروف كل واحد ونوع عمله، وهذا هو ما عليه الحال في عصرنا الحاضر، ومقتضى هذه الآية وما شابهها أن الإنسان مطالب من ربه بالكد والعمل على مر الأيام، معترف له في نفس الوقت بحق الراحة والاستجمام.
واستعرض كتاب الله آية أخرى من آيات الله في الآفاق، وهي آية الغيث والمطر، الذي ينزله من سمت السماء على الأرض، عذبا زلالا، فيحيي به الإنسان والحيوان والنبات، ويختزنه بقدرته وحكمته في خزائن أرضه لصالح الأحياء كافة، فيجريه عيونا وينابيع وأنهارا تسد حاجاتهم باستمرار ودون انقطاع، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن- آياته يريكم البرق خوفا وطمعا، وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون( ٢٤ ) ﴾.
وحيث إن البرق والرعد وتحريك الرياح وتسخير السحاب من الظواهر التي تسبق أو ترافق نزول المطر، طبقا لسنة الله المنظمة للكون، نجد كتاب الله في غير ما آية يلفت إليها الأنظار، لما تحتوي عليه من حكم وأسرار، جديرة بالدرس والتحليل والتأمل والاعتبار.
وقوله تعالى هنا :﴿ خوفا وطمعا ﴾، إشارة إلى ما يتقلب فيه الإنسان بطبعه من الخوف والرجاء، فالإنسان عندما يشاهد وميض البرق، أو يسمع هدير الرعد، يخشى أن يكون البرق برقا خلبا لا مطر فيه، أو يكون نذيرا بالصواعق المزمجرة، والزلازل المدمرة، أو يكون مصحوبا بأمطار طوفانية تهلك الحرث والنسل، كما أنه يأمل ويرجو أن يكون البرق مصحوبا بالغيث النافع، فيغاث به الإنسان والحيوان، وتحيى به الأرض بعد موتها، فتنبت من كل زوج بهيج، وسبق بهذا المعنى في سورة الرعد قوله تعالى مع مزيد من البيان :( ١٣ : ١٢ ) :﴿ هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا، وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ﴾.
أما محاولة ( استمطار ) السحاب بطريقة صناعية فهي محاولة قاصرة، إذ لا بد من توافر الرياح الصاعدة التي تلقح السحاب ببخار الماء حتى يجود بالمطر، والله تعالى وحده القادر على أن يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته، لأن إرسال الرياح وتصريفها يحتاج إلى طاقة عظمى وتدبير كبير هما فوق طاقة الإنسان وقدرته المحدودة.
ثم جاء كتاب الله بآية أخرى تبهر الأبصار والبصائر، وتثير في الإنسان أعجب الخواطر وأعمق المشاعر، ألا وهي آية قيام الكرة الأرضية في الفضاء، في موقعها المحدد لها بأمر الله، واستمرار أجرام السماء سابحة في الفضاء، في نفس الأماكن والمدارات المقدرة لها من عند الله، دون أن تزيغ عن مسارها، أو يصطدم بعضها ببعض في فضاء الكون الفسيح، دون أن تعتمد على أعمدة أو دعائم، مما اعتاده الإنسان في كل بناء قائم، وذلك ما يفصح عنه كتاب الله هنا في إيجاز وإعجاز، إذ يقول :﴿ ومن- آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ﴾.. ويزيد هذا المعنى توضيحا وتفصيلا قوله تعالى فيما سبق من سورة الرعد ( ٢ ) :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ﴾، وقوله تعالى فيما سبق من سورة الحج ( ٦٥ ) :﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة فاطر( ٤١ ) :﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾.
وهذه الظاهرة الكونية هي التي اصطلح العلم الحديث فيما وصل إليه حتى الآن من بحث واستطلاع، على تسميتها ( بقوة الجاذبية ) وهذه الجاذبية قائمة بين الأرض وما عليها، وبين الأرض وما عداها من الكواكب، وبين كل كوكب وآخر.
ومن وصف آيات الله في الأنفس والآفاق اتجه كتاب الله إلى تذكير الغافلين والجاحدين بحقيقة البعث التي لا مجال للشك فيها، وحقيقة السطوة الإلهية المبسوطة على خلقه، الأحياء منهم والأموات، ولو كان بعض المتكبرين منهم لها كارهين، وذلك قوله تعالى :﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون( ٢٥ )وله من في السماوات والأرض، كل له قانتون( ٢٦ ) ﴾أي خاضعون لأمره المطاع :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم( ٢٧ ) ﴾.
وإنما قال :﴿ وهو أهون عليه ﴾ تقريبا للفهم، وجريا على المعتاد بين الناس، من أن إنشاء الشيء لأول مرة يكون أصعب من إعادته، وإعادته تكون أسهل من إنشائه، وإلا فالحق سبحانه وتعالى قادر على كل شيء بدءاً وإعادة :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ( ٨٢ : ٣٦ )، وهذا التنزيه عن التشبيه هو المراد بقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وله المثل الأعلى ﴾، أي هو فوق تصورات الخلق وتخيلاتهم، وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله إذ :﴿ ليس كمثله شيء ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:ثم جاء كتاب الله بآية أخرى تبهر الأبصار والبصائر، وتثير في الإنسان أعجب الخواطر وأعمق المشاعر، ألا وهي آية قيام الكرة الأرضية في الفضاء، في موقعها المحدد لها بأمر الله، واستمرار أجرام السماء سابحة في الفضاء، في نفس الأماكن والمدارات المقدرة لها من عند الله، دون أن تزيغ عن مسارها، أو يصطدم بعضها ببعض في فضاء الكون الفسيح، دون أن تعتمد على أعمدة أو دعائم، مما اعتاده الإنسان في كل بناء قائم، وذلك ما يفصح عنه كتاب الله هنا في إيجاز وإعجاز، إذ يقول :﴿ ومن- آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ﴾.. ويزيد هذا المعنى توضيحا وتفصيلا قوله تعالى فيما سبق من سورة الرعد ( ٢ ) :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ﴾، وقوله تعالى فيما سبق من سورة الحج ( ٦٥ ) :﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة فاطر( ٤١ ) :﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾.
وهذه الظاهرة الكونية هي التي اصطلح العلم الحديث فيما وصل إليه حتى الآن من بحث واستطلاع، على تسميتها ( بقوة الجاذبية ) وهذه الجاذبية قائمة بين الأرض وما عليها، وبين الأرض وما عداها من الكواكب، وبين كل كوكب وآخر.
ومن وصف آيات الله في الأنفس والآفاق اتجه كتاب الله إلى تذكير الغافلين والجاحدين بحقيقة البعث التي لا مجال للشك فيها، وحقيقة السطوة الإلهية المبسوطة على خلقه، الأحياء منهم والأموات، ولو كان بعض المتكبرين منهم لها كارهين، وذلك قوله تعالى :﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون( ٢٥ )وله من في السماوات والأرض، كل له قانتون( ٢٦ ) ﴾أي خاضعون لأمره المطاع :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم( ٢٧ ) ﴾.
وإنما قال :﴿ وهو أهون عليه ﴾ تقريبا للفهم، وجريا على المعتاد بين الناس، من أن إنشاء الشيء لأول مرة يكون أصعب من إعادته، وإعادته تكون أسهل من إنشائه، وإلا فالحق سبحانه وتعالى قادر على كل شيء بدءاً وإعادة :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ( ٨٢ : ٣٦ )، وهذا التنزيه عن التشبيه هو المراد بقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وله المثل الأعلى ﴾، أي هو فوق تصورات الخلق وتخيلاتهم، وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله إذ :﴿ ليس كمثله شيء ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:ثم جاء كتاب الله بآية أخرى تبهر الأبصار والبصائر، وتثير في الإنسان أعجب الخواطر وأعمق المشاعر، ألا وهي آية قيام الكرة الأرضية في الفضاء، في موقعها المحدد لها بأمر الله، واستمرار أجرام السماء سابحة في الفضاء، في نفس الأماكن والمدارات المقدرة لها من عند الله، دون أن تزيغ عن مسارها، أو يصطدم بعضها ببعض في فضاء الكون الفسيح، دون أن تعتمد على أعمدة أو دعائم، مما اعتاده الإنسان في كل بناء قائم، وذلك ما يفصح عنه كتاب الله هنا في إيجاز وإعجاز، إذ يقول :﴿ ومن- آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ﴾.. ويزيد هذا المعنى توضيحا وتفصيلا قوله تعالى فيما سبق من سورة الرعد ( ٢ ) :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ﴾، وقوله تعالى فيما سبق من سورة الحج ( ٦٥ ) :﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة فاطر( ٤١ ) :﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾.
وهذه الظاهرة الكونية هي التي اصطلح العلم الحديث فيما وصل إليه حتى الآن من بحث واستطلاع، على تسميتها ( بقوة الجاذبية ) وهذه الجاذبية قائمة بين الأرض وما عليها، وبين الأرض وما عداها من الكواكب، وبين كل كوكب وآخر.
ومن وصف آيات الله في الأنفس والآفاق اتجه كتاب الله إلى تذكير الغافلين والجاحدين بحقيقة البعث التي لا مجال للشك فيها، وحقيقة السطوة الإلهية المبسوطة على خلقه، الأحياء منهم والأموات، ولو كان بعض المتكبرين منهم لها كارهين، وذلك قوله تعالى :﴿ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون( ٢٥ )وله من في السماوات والأرض، كل له قانتون( ٢٦ ) ﴾أي خاضعون لأمره المطاع :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم( ٢٧ ) ﴾.
وإنما قال :﴿ وهو أهون عليه ﴾ تقريبا للفهم، وجريا على المعتاد بين الناس، من أن إنشاء الشيء لأول مرة يكون أصعب من إعادته، وإعادته تكون أسهل من إنشائه، وإلا فالحق سبحانه وتعالى قادر على كل شيء بدءاً وإعادة :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ ( ٨٢ : ٣٦ )، وهذا التنزيه عن التشبيه هو المراد بقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وله المثل الأعلى ﴾، أي هو فوق تصورات الخلق وتخيلاتهم، وله الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله إذ :﴿ ليس كمثله شيء ﴾.

ثم تصدى كتاب الله للاعتراض على المشركين البسطاء، الذين يشركون بالله والأوثان والأصنام، إذ يقولون :( لبيك لا شريك لك ) إلا شريكا هولك، تملكه وما ملك )، مبينا تناقضهم وتهافتهم في منطقهم الساذج البسيط، عندما لا يقبلون أن يكون مماليكهم شركاء لهم في شيء، نظرا للفرق الشاسع الذي يعتقدونه قائما بين الفئتين، بينما هم يعتبرون أصنامهم مملوكين لله وشركاء له في وقت واحد، الأمر الذي لا يرضونه لأنفسهم بالنسبة لمماليكهم، وذلك قوله تعالى خطابا للمشركين﴿ ضرب لكم مثلا من أنفسكم، هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء، تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ﴾. وواضح أن كتاب الله يجعل الرزق مشتركا ومشاعا بين جميع الفئات، ولا يرضى بأن تحتكره طبقة من الطبقات، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا :﴿ فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء ﴾.
وبعد أن استوفى كتاب الله في هذا الربع وصف عدد من آيات الله في الأنفس والآفاق عقب على ذلك كله قائلا :﴿ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون( ٢٨ ) ﴾ فجعل ملكة العقل هي مفتاح الإقناع والاقتناع، متى استعملها الإنسان استعمالا موضوعيا ومنهجيا سليما، وكان باحثا عن الحق الصراح والحقيقة المجردة دون هوى سابق، ولا تعصب لاحق، وتأكيدا لهذا المعنى قال تعالى في ختام هذا الربع :﴿ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم، فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين( ٢٩ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:ثم تصدى كتاب الله للاعتراض على المشركين البسطاء، الذين يشركون بالله والأوثان والأصنام، إذ يقولون :( لبيك لا شريك لك ) إلا شريكا هولك، تملكه وما ملك )، مبينا تناقضهم وتهافتهم في منطقهم الساذج البسيط، عندما لا يقبلون أن يكون مماليكهم شركاء لهم في شيء، نظرا للفرق الشاسع الذي يعتقدونه قائما بين الفئتين، بينما هم يعتبرون أصنامهم مملوكين لله وشركاء له في وقت واحد، الأمر الذي لا يرضونه لأنفسهم بالنسبة لمماليكهم، وذلك قوله تعالى خطابا للمشركين﴿ ضرب لكم مثلا من أنفسكم، هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء، تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ﴾. وواضح أن كتاب الله يجعل الرزق مشتركا ومشاعا بين جميع الفئات، ولا يرضى بأن تحتكره طبقة من الطبقات، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا :﴿ فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء ﴾.
وبعد أن استوفى كتاب الله في هذا الربع وصف عدد من آيات الله في الأنفس والآفاق عقب على ذلك كله قائلا :﴿ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون( ٢٨ ) ﴾ فجعل ملكة العقل هي مفتاح الإقناع والاقتناع، متى استعملها الإنسان استعمالا موضوعيا ومنهجيا سليما، وكان باحثا عن الحق الصراح والحقيقة المجردة دون هوى سابق، ولا تعصب لاحق، وتأكيدا لهذا المعنى قال تعالى في ختام هذا الربع :﴿ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم، فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين( ٢٩ ) ﴾.

الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، وعن طريقه إلى كافة المؤمنين، يثبت فؤادهم على الدين الحنيف، ويدعوهم إلى التفاني في التمسك به والثبات عليه، دون التفات لما سواه، ويذكرهم بأن الإسلام هو( دين الفطرة ) القيم، الذي لا تناقض في عقيدته، ولا اعوجاج في شريعته، فهو الملائم للفطرة المنسجم معها منذ البداية، وهو الموافق للنظر الصحيح، والمطابق للعقل السليم في النهاية، وكيف لا وهو الدين الوحيد الذي يعلن وحدة النوع الإنساني على اختلاف ألسنته وألوانه وأقوامه، ويعلن وحدة الكون على اختلاف أجزائه وتنوع أجرامه، ويعلن وحدة المكون المدبر للكون والمهيمن على قيامه ووحدة نظامه، وذلك قوله تعالى :﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٣٠ ) ﴾، قال جار الله الزمخشري موضحا لمعنى ﴿ فأقم وجهك ﴾ :( من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه مقبلا عليه ) وقال أبو حيان في توضيح معنى ( الفطرة ) :( رجح الحذاق أن الفطرة هي القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات الله، والاستدلال بها على وجوده، فيؤمن به ويتبع شرائعه، لكن قد تعرض له عوارض تصرفه عن ذلك، كتهويد أبويه له وتنصيرهما، وإغواء شياطين الإنس والجن )، ونقل القرطبي عن شيخه أبي العباس قوله في تحليل معنى الفطرة :( إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق ).
وقوله تعالى هنا :﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ إما أن يكون خبرا بمعنى الطلب، وإما أن يكون خبرا على بابه، فعلى الوجه الأول يكون معناه النهي عن إفساد الفطرة وتغييرها بالتربية الفاسدة، والقدوة السيئة، والاعتقاد الباطل، والإبقاء على الفطرة كما خلقها الله، مع توجيهها في نفس الاتجاه، وعلى الوجه الثاني يكون معناه الإخبار بأنه لا تبديل للقابلية التي توجد في الطفل من قبل الخالق، فقد ساوى بين الناس في الفطرة السليمة وجعلهم فيها سواسية.
ثم أمر الحق سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالإنابة إليه وتقواه، وإقامة الصلاة والاعتصام بحبل الله، وحذرهم مما كان عليه غيرهم من الفرقة والاختلاف، حتى يظلوا في أخوة وائتلاف، وذلك قوله تعالى :﴿ منيبين إليه، واتقوه، وأقيموا الصلاة، ولا تكونوا من المشركين( ٣١ ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون( ٣٢ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ثم أمر الحق سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالإنابة إليه وتقواه، وإقامة الصلاة والاعتصام بحبل الله، وحذرهم مما كان عليه غيرهم من الفرقة والاختلاف، حتى يظلوا في أخوة وائتلاف، وذلك قوله تعالى :﴿ منيبين إليه، واتقوه، وأقيموا الصلاة، ولا تكونوا من المشركين( ٣١ ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون( ٣٢ ) ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى وصف بعض الحالات النفسية التي يكون عليها ضعفاء النفوس وضعفاء الإيمان، عندما تنزل بهم نائبة من النوائب فيضطرهم الخوف والجزع، إلى أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، حتى إذا تخلصوا من أزماتهم أشركوا بالله غيره، ومن الشرك أن يتخذ الواحد منهم إلهه هواه، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه، ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( ٣٣ ) ﴾، و( الضر ) هنا الشدة، و( الرحمة ) الخلاص منها ﴿ ليكفروا بما أتيناهم ﴾، أي ليمعنوا في تجاهل نعمتنا والكفر بإحساننا، ﴿ فتمتعوا فسوف تعلمون( ٣٤ ) ﴾ : هذا إشعار لهم بأن العذاب ينتظرهم، ﴿ أم أنزلنا عليهم سلطانا ﴾، أي : كتابا فيه حجة لهم وبرهان، ﴿ فهو يتكلم بما كانوا به، يشركون( ٣٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وانتقل كتاب الله إلى وصف بعض الحالات النفسية التي يكون عليها ضعفاء النفوس وضعفاء الإيمان، عندما تنزل بهم نائبة من النوائب فيضطرهم الخوف والجزع، إلى أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، حتى إذا تخلصوا من أزماتهم أشركوا بالله غيره، ومن الشرك أن يتخذ الواحد منهم إلهه هواه، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه، ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( ٣٣ ) ﴾، و( الضر ) هنا الشدة، و( الرحمة ) الخلاص منها ﴿ ليكفروا بما أتيناهم ﴾، أي ليمعنوا في تجاهل نعمتنا والكفر بإحساننا، ﴿ فتمتعوا فسوف تعلمون( ٣٤ ) ﴾ : هذا إشعار لهم بأن العذاب ينتظرهم، ﴿ أم أنزلنا عليهم سلطانا ﴾، أي : كتابا فيه حجة لهم وبرهان، ﴿ فهو يتكلم بما كانوا به، يشركون( ٣٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:وانتقل كتاب الله إلى وصف بعض الحالات النفسية التي يكون عليها ضعفاء النفوس وضعفاء الإيمان، عندما تنزل بهم نائبة من النوائب فيضطرهم الخوف والجزع، إلى أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، حتى إذا تخلصوا من أزماتهم أشركوا بالله غيره، ومن الشرك أن يتخذ الواحد منهم إلهه هواه، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه، ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( ٣٣ ) ﴾، و( الضر ) هنا الشدة، و( الرحمة ) الخلاص منها ﴿ ليكفروا بما أتيناهم ﴾، أي ليمعنوا في تجاهل نعمتنا والكفر بإحساننا، ﴿ فتمتعوا فسوف تعلمون( ٣٤ ) ﴾ : هذا إشعار لهم بأن العذاب ينتظرهم، ﴿ أم أنزلنا عليهم سلطانا ﴾، أي : كتابا فيه حجة لهم وبرهان، ﴿ فهو يتكلم بما كانوا به، يشركون( ٣٥ ) ﴾.
وكذلك الأمر إذا نالوا حسنة انبسطت لها أسارير وجوههم غبطة وسرورا، وإذا نزلت بهم سيئة أصابهم اليأس والقنوط، واعتبروا ما نزل بساحتهم لعنة وثبورا، وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون( ٣٦ ) ﴾.
ثم عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن سعة الرزق لا تتعلق بإرادة الإنسان وحده، بل تتدخل فيها عدة عوامل، ومردها في النهاية كما في البداية إلى الله، ولذلك وجد بين الناس موسر ومعسر، ووجد في البلدان بلد يزخر بالثروات الطبيعية، وبلد يكاد يكون قاعا صفصفا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون( ٣٧ ) ﴾.
لكن كتاب الله بادر في الحين بالتوجه إلى كل من وسع الله رزقه، فعرفه بأن عليه في ماله حقوقا للغير، وطالبه بأداء تلك الحقوق لأصحابها كفاية لحاجتهم، وذكر على سبيل المثال ذوي القربى، والمساكين، وعابري السبيل، ممن تنقطع بهم الأسباب وهم في سفر، ولا يجدون ما ينفقون، وذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله، وأولئك هم المفلحون( ٣٨ ) ﴾ وقدم ( ذا القربى )، لأن بره فيه صدقة وصلة للرحم.
وقوله تعالى هنا :﴿ للذين يريدون وجه الله ﴾، إشارة إلى أن الاعتبار بالنية والقصد، لا بمجرد الفعل وحده، ومعنى ( وجه الله ) أن يكون العطاء خالصا لله، وسعيا في رضاه، نظير قوله تعالى في آية أخرى ( ٢٠ : ٩٢ ) :﴿ إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ﴾.
ثم انتقل كتاب الله إلى الموازنة بين الربا والزكاة، وما يحل بساحة المرابين من نقص مادي ونفسي، وما يناله المزكون من نماء مادي وروحي، فقال تعالى مخاطبا للفريق الأول :﴿ وما أتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ﴾ وقال تعالى مخاطبا للفريق الثاني :﴿ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( ٣٩ ) ﴾.
وهكذا أنذر الله المرابين الذين يمارسون الربا لتنمو أموالهم على حساب الآخرين، بأن أموالهم لا بد أن تؤول إلى نقصان، وإن كانت في الظاهر تنمو وتزداد باستمرار، والأعمال والأمور بخواتيمها، أما النقصان النفسي الذي يصيبهم فقد تضمنه قول الله تعالى فيما سبق من سورة البقرة ( ٢٧٥ ) :﴿ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا ﴾، وعلى العكس من ذلك بشر الله الذين لا يستغلون الخلق، بل يتبادلون النفع معهم، ويزكون أموالهم ابتغاء مرضاته، بنماء أرزاقهم، ومضاعفة ثوابهم، وهذا معنى قوله تعالى هنا :﴿ فأولئك هم المضعفون ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ٢٤٥ : ٢ ) :﴿ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ﴾، وفي آية ثالثة :( ٢٧٦ : ٢ ) :﴿ يمحق الله الربا ويربي الصدقات ﴾، أي ينميها ويضاعفها.
ولتذكير الأشحاء والبخلاء من الأغنياء، المقصرين في أداء حقوق المعوزين والفقراء، بأنهم مدينون لله سبحانه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، قال تعالى :﴿ الله الذي خلقكم ثم رزقكم، ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾، فالخلق كله من صنع الله، والرزق كله من عند الله، والحياة والموت بيد الله، وما على الإنسان إذا كان عاقلا إلا أن يتذكر هذه الحقائق البديهية، ويستخلص نتائجها الحتمية، ثم قال تعالى ردا على المشركين :﴿ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء، سبحانه وتعالى عما يشركون( ٤٠ ) ﴾.
وتصدى كتاب الله بعد ذلك للكشف عن حقيقة اجتماعية وأخلاقية بعيدة الأثر، ألا وهي أن الإنسان وحده هو العنصر الأساسي في كل فساد يقع في الأرض، وكل انحراف يصيب المجتمع، وأنه هو المسؤول مباشرة عن نتائج فساده وإفساده ماديا وروحيا، فما عليه إلا أن يتحمل نتائج عمله انحلالا واختلالا، خرابا وزوالا، ولو وقف الإنسان في سلوكه عند حد الصلاح والإصلاح، اللذين من أجلهما توجه الله بالخلافة عنه في عمارة الأرض، لما وقع في الأرض فساد، ولسعدت البلاد والعباد، وذلك ما ينطق به قوله تعالى :﴿ ظهر الفساد في البر والبحر، بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا، لعلهم يرجعون( ٤١ ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل، كان أكثرهم مشركين( ٤٢ ) ﴾.
ومن مظاهر الفساد في الأرض الإباحية التي تتحدى كل القيم والأخلاق، واحتكار الثروات والأرزاق، والتنكر لدين الحق، وتجاهل الخالق واحتقار الخلق، ومن آثار الفساد زوال الطمأنينة، وانتشار الخوف، وفقدان الثقة بين الأفراد والدول، والتلوث الساري في مختلف الأجواء والأرجاء، والنقص من الأموال، والأنفس والثمرات. وإلى ما يتعرض له الإنسان من الابتلاء والامتحان، يشير قوله تعالى هنا :﴿ ليذيقهم بعض الذي عملوا ﴾.
وقوله :﴿ لعلهم يرجعون ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى لا يريد الانتقام من عباده، عندما يسلط عليهم آثار أعمالهم، وإنما هي بمنزلة السوط يؤدبهم به، عسى أن يغيروا ما بأنفسهم، ويعودوا إلى صراط الله الحميد، فيبسط لهم من جديد بساط نعمته، ويخلع عليهم رداء رحمته، وبنفس هذا المعنى جاء قوله تعالى في آية أخرى ( ١٦٨ : ٧ ) :﴿ وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ كان أكثرهم مشركين( ٤٢ ) ﴾ دليل على أن الذين عاقبهم الله على الفساد والإفساد لم يكونوا كلهم مشركين، بل بعضهم مشرك، وبعضهم ليس بمشرك، ولكنه من عصاة المؤمنين المصرين على المعصية، وإذن فما دون الشرك من المعاصي يؤدي إلى نفس النتيجة، ويكون سببا فيما ينزل بالخلق من الشدائد والأزمات، والنوائب والملمات.
ووجه كتاب الله الخطاب إلى كل إنسان عاقل يريد تحقيق إنسانيته، مع السلامة في الدنيا من الآفات، والنجاة في الآخرة من الأهوال والشدائد، داعيا إلى الإقبال على دين الله الذي هو الدين القيم، والتعلق به، وعدم الالتفات إلى غيره، فقال تعالى :﴿ فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، يومئذ يصدعون( ٤٣ ) ﴾، أي : يتفرقون : فريق في الجنة وفريق في السعير، ﴿ من كفر فعليه كفره، ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون( ٤٤ ) ﴾، من ( المهد والمهاد ) بمعنى الفراش، أي : يوطئون لأنفسهم في القبر مضجعا مريحا، وفي الجنة مقرا فسيحا، ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله، إنه لا يحب الكافرين( ٤٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:ووجه كتاب الله الخطاب إلى كل إنسان عاقل يريد تحقيق إنسانيته، مع السلامة في الدنيا من الآفات، والنجاة في الآخرة من الأهوال والشدائد، داعيا إلى الإقبال على دين الله الذي هو الدين القيم، والتعلق به، وعدم الالتفات إلى غيره، فقال تعالى :﴿ فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، يومئذ يصدعون( ٤٣ ) ﴾، أي : يتفرقون : فريق في الجنة وفريق في السعير، ﴿ من كفر فعليه كفره، ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون( ٤٤ ) ﴾، من ( المهد والمهاد ) بمعنى الفراش، أي : يوطئون لأنفسهم في القبر مضجعا مريحا، وفي الجنة مقرا فسيحا، ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله، إنه لا يحب الكافرين( ٤٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:ووجه كتاب الله الخطاب إلى كل إنسان عاقل يريد تحقيق إنسانيته، مع السلامة في الدنيا من الآفات، والنجاة في الآخرة من الأهوال والشدائد، داعيا إلى الإقبال على دين الله الذي هو الدين القيم، والتعلق به، وعدم الالتفات إلى غيره، فقال تعالى :﴿ فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، يومئذ يصدعون( ٤٣ ) ﴾، أي : يتفرقون : فريق في الجنة وفريق في السعير، ﴿ من كفر فعليه كفره، ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون( ٤٤ ) ﴾، من ( المهد والمهاد ) بمعنى الفراش، أي : يوطئون لأنفسهم في القبر مضجعا مريحا، وفي الجنة مقرا فسيحا، ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله، إنه لا يحب الكافرين( ٤٥ ) ﴾.
ثم لفت كتاب الله أنظار البشر جميعا إلى ما من عليهم به من تحريك الرياح وتصريفها، طبقا لنواميس كونية محكمة، تسهل عليهم الوصول إلى تحصيل منافعهم، وتحقيق مصالحهم في البر والبحر، فقال تعالى :﴿ ومن -آياته أن يرسل الرياح مبشرات ﴾، أي : مبشرات بالمطر، لأنها تسبقه وتتقدمه، ﴿ وليذيقكم من رحمته ﴾، وهي رحمة الغيث والخصب، ﴿ ولتجري الفلك بأمره ﴾، أي : عند هبوب الرياح وغيرها من الوسائل الملائمة للملاحة في البحر ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾، والمراد ( بالفضل ) هنا الحصول على الرزق من طريق الكسب والتجارة ونحوها، ﴿ ولعلكم تشكرون( ٤٦ ) ﴾، أي تتوجهون بالشكر لله على نعمه الظاهرة والباطنة.
وانتقل كتاب الله إلى مخاطبة خاتم أنبيائه ورسله، مذكرا إياه بالمآل الذي يصير إليه المجرمون المكذبون برسالات الله، ومعرفا له بمصير رسله والمؤمنين، وأنه نصر مؤزر من عند الله، وفتح مبين، فقال تعالى :﴿ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم، فجاءوهم بالبينات، فانتقمنا من الذين أجرموا، وكان حقا علينا نصر المؤمنين( ٤٧ ) ﴾.
وعاد كتاب الله مرة أخرى إلى الكشف عن أسرار الرياح التي ينفرد بتحريكها وإرسالها من له الخلق والأمر، والدور الذي تقوم به في إثارة السحب وإنزال الأمطار، وإغاثة للعباد ورفقا بهم، وذلك قوله تعالى :﴿ الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء ﴾، والإشارة هنا إلى السحاب عندما يكون متصلا يملأ أرجاء الأفق :﴿ ويجعله كسفا ﴾، أي : قطعا، والإشارة هنا إلى السحاب عندما يكون متقطعا، ﴿ فترى الودق ﴾، أي : المطر، ﴿ يخرج من خلاله ﴾، أي : من خلال السحاب، ﴿ فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون( ٤٨ ) ﴾، فرحا منهم بنزول الغيث، لحاجتهم إليه، وتوقفهم عليه، ﴿ وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين( ٤٩ ) ﴾، أي : كانوا قبل نزول المطر في ذهول وحيرة، قانطين من نزوله، لطول عهدهم بالجدب، مكتئبين خوفا من القحط والمجاعة التي تهدد حياتهم، ولهذا كان استبشارهم على قدر إبلاسهم واغتمامهم.
وكون الرياح هي التي تثير السحاب وتلقحه ببخار الماء لكي يمطر، حقيقة علمية كبرى كشف الستار عنها عالم الغيب الذي يعلم السر في السماوات والأرض، منذ أنزل كتابه العزيز قبل أربعة عشر قرنا، عندما قال هنا :﴿ يرسل الرياح فتثير سحابا ﴾، وقال في آية أخرى سبقت في سورة الحجر :( ٢٢ ) :﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾، ولم يهتد العلم الحديث لإدراك هذه الحقيقة، ودراسة دورات الرياح العامة والخاصة إلا في العهد الأخير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٨:وعاد كتاب الله مرة أخرى إلى الكشف عن أسرار الرياح التي ينفرد بتحريكها وإرسالها من له الخلق والأمر، والدور الذي تقوم به في إثارة السحب وإنزال الأمطار، وإغاثة للعباد ورفقا بهم، وذلك قوله تعالى :﴿ الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء ﴾، والإشارة هنا إلى السحاب عندما يكون متصلا يملأ أرجاء الأفق :﴿ ويجعله كسفا ﴾، أي : قطعا، والإشارة هنا إلى السحاب عندما يكون متقطعا، ﴿ فترى الودق ﴾، أي : المطر، ﴿ يخرج من خلاله ﴾، أي : من خلال السحاب، ﴿ فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون( ٤٨ ) ﴾، فرحا منهم بنزول الغيث، لحاجتهم إليه، وتوقفهم عليه، ﴿ وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين( ٤٩ ) ﴾، أي : كانوا قبل نزول المطر في ذهول وحيرة، قانطين من نزوله، لطول عهدهم بالجدب، مكتئبين خوفا من القحط والمجاعة التي تهدد حياتهم، ولهذا كان استبشارهم على قدر إبلاسهم واغتمامهم.
وكون الرياح هي التي تثير السحاب وتلقحه ببخار الماء لكي يمطر، حقيقة علمية كبرى كشف الستار عنها عالم الغيب الذي يعلم السر في السماوات والأرض، منذ أنزل كتابه العزيز قبل أربعة عشر قرنا، عندما قال هنا :﴿ يرسل الرياح فتثير سحابا ﴾، وقال في آية أخرى سبقت في سورة الحجر :( ٢٢ ) :﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾، ولم يهتد العلم الحديث لإدراك هذه الحقيقة، ودراسة دورات الرياح العامة والخاصة إلا في العهد الأخير.

ثم قال تعالى مذكرا ومعقبا :﴿ فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها، وإن ذلك لمحي الموتى، وهو على كل شيء قدير( ٥٠ ) ﴾.
ووصف كتاب الله حال الزراع الذين تتعرض مزارعهم أحيانا لريح تجعل زرعهم يابسا مصفرا، وبدلا من الرضى بالقضاء والقدر يظهرون السخط والامتعاض، ناسين ما أنعم الله عليهم به من قبل، وذلك قوله تعالى :﴿ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ﴾، أي : رأوا زرعهم مصفرا، ﴿ لظلوا من بعده يكفرون( ٥١ ) ﴾.
وختم هذا الربع بخطاب إلهي رقيق، موجه إلى الرسول الأعظم حتى لا يضيق صدره ولا يحزن، بعدما بلغ الرسالة وأدى الأمانة :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ ( ١٠٨ : ١٠ )، ولا مسؤولية على الرسول بعد ذلك، ﴿ ما على الرسول إلا البلاغ ﴾ ( ٩٩ : ٥ )، وذلك قوله تعالى مبرئا لرسوله من كل تقصير أو إهمال :﴿ فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين( ٥٢ ) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٥٣ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:وختم هذا الربع بخطاب إلهي رقيق، موجه إلى الرسول الأعظم حتى لا يضيق صدره ولا يحزن، بعدما بلغ الرسالة وأدى الأمانة :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ ( ١٠٨ : ١٠ )، ولا مسؤولية على الرسول بعد ذلك، ﴿ ما على الرسول إلا البلاغ ﴾ ( ٩٩ : ٥ )، وذلك قوله تعالى مبرئا لرسوله من كل تقصير أو إهمال :﴿ فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين( ٥٢ ) وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( ٥٣ ) ﴾.
الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعين في المصحف الكريم
في أواخر الربع الماضي تحدث كتاب الله عن تصريف الرياح وإثارة السحب وإنزال الأمطار، ونبه كل إنسان متبصر إلى آثارها الحميدة في الأرض، مما يستوجب شكر الله والاعتراف بفضله وكرمه، إذ قال تعالى :﴿ فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ﴾، وهذه الظواهر الطبيعية كلها من آيات الله في الآفاق.
وفي بداية هذا الربع أورد كتاب الله آية أخرى من آياته في الأنفس، فتحدث عن خلق الإنسان والمراحل التي يتقلب فيها من ضعف إلى قوة، ومن قوة إلى ضعف منذ عهد الطفولة إلى عهد الشيخوخة، مما يمر به النوع الإنساني في حياته الطبيعية، وذلك قوله تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة، يخلق ما يشاء، وهو العليم القدير( ٥٤ ) ﴾.
وواضح أن أمام الإنسان في كل مرحلة من تلك المراحل مجالا واسعا للتأمل والاعتبار، وفرصة مناسبة للتعمق فيما يحيط بنشأته وتكوين بنيته، وأجهزة جسمه، من لطائف وأسرار، مما يساعده على اكتشاف أثر رحمة الله وبالغ حكمته، ويحمله على الاقتناع التام بواسع علم خالقه وعظيم قدرته :﴿ أولم يتفكروا في أنفسهم ﴾ ( ٨ : ٣٠ )، ﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ ( ٢١ : ٥١ )، وقد شغلت الدراسات والبحوث المتعلقة بالإنسان حيزا كبيرا من العلوم والمعارف، التي تحاول أن تكشف عما في الإنسان من عجائب خلق الله وبدائع صنعه، عضويا ونفسيا، عقليا وروحيا، لكن لا تزال جوانب عديدة من هذا الكائن المعلوم و( المجهول ) في آن واحد، الذي هو الإنسان، لغزا من ألغاز الخليقة، وسرا من أسرار الطبيعة، إلى الآن وحتى الآن :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ ( ٨٥ : ١٨ ).
وكما وصف كتاب الله الإنسان بكونه مخلوقا من عجل عندما قال ( ٣٧ : ٢١ ) :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾، ليلتزم الأناة في مساعيه، والتؤدة في تصرفاته، وصفه هنا بكونه مخلوقا من ضعف :﴿ خلقكم من ضعف ﴾، رغما عما منحه من قوة فكرية، ولياقة بدنية، تنبيها له على التماس أسباب القوة المادية والروحية، حتى يعوض النقص الذي يعانيه في كل مرحلة من مراحل حياته المتتالية.
وكما قال تعالى في الربع الماضي في شأن السحاب الذي تثيره الرياح :﴿ فيبسطه في السماء كيف يشاء ﴾، قال هنا في هذا الربع، عقب ذكره للمراحل التي يمر بها الإنسان :﴿ يخلق ما يشاء ﴾ ردا على الجاحدين، وتنبيها للغافلين وتذكيرا للناس أجمعين، بأن إرادة الله ( الخالق البارئ المصور ) مهيمنة على الكون بصفة مستمرة، وأن مشيئة الله التي لا تحدها حدود هي التي تحدد النواميس لتكوين الإنسان، وغيره من بقية الأكوان، فلا شيء من سنن الكون خارج عن إرادته، بل الكل متعلق بتدبيره وجار وفق مشيئته، ولذلك جاء التعقيب بقوله تعالى في نفس السياق :﴿ وهو العليم القدير ﴾، الذي أحاط بكل شيء علما، وهو على كل شيء قدير.
وانتقل كتاب الله إلى وصف حال المعاندين البسطاء، المكذبين بالبعث، عندما يُفاجأون بقيام الساعة، فيحاولون الاعتذار عن كفرهم، زاعمين أنهم لم يتمكنوا من معرفة الحق خلال حياتهم القصيرة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يؤفكون( ٥٥ ) ﴾، أي : كما كانوا يمارسون الإفك والكذب في الدنيا ها هم يحاولون أن يمارسوه من جديد في نفس الآخرة، مؤكدين كذبهم بالقسم واليمين، ﴿ يقسم المجرمون ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى ( ١٨ : ٥٨ ) :﴿ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون ﴾،
لكن لا يلبث ( أولو العلم والإيمان ) أن يتصدوا في الآخرة لزعمهم بالرد، ولكذبهم بالرفض، كما تصدوا لذلك في الدنيا :﴿ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث، ولكنكم كنتم لا تعلمون٥٦ ﴾.
وبين كتاب الله أنه عندما تقوم الساعة لا يقبل من الظالمين أي اعتذار، لانصرام الآجال المحددة للإعذار، وذلك قوله تعالى :﴿ فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم، ولا هم يستعتبون( ٥٧ ) ﴾، إذ لا مجال للتوبة والتلاوم والعتاب، بعد أن حقت عليهم كلمة العذاب.
ثم جدد كتاب الله التعريف برسالة القرآن، مؤكدا أنه جعل هذه الرسالة ميسرة للفهم والإدراك في متناول الناس أجمعين، وأن كتاب الله قد وضح معالمها، بما لا يدع مجالا للشك فيها، ﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ ( ١٧ : ٥٤ )، فلا غموض ولا إبهام في الرسالة، ولا تقصير ولا إهمال من جانب الرسول، واللوم كل اللوم يقع على عاتق المعاندين المبطلين، الذين يجادلون في الله بغير علم، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون( ٥٨ ) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون( ٥٩ ) ﴾، أي : يطبع الله على قلوب الجهلة المعاندين عندما تقسو وتصدأ، ولا يرجى منهم قبول للحق ولا انقياد إليه، وكيف لا وهم يسمون المحقين( مبطلين ) متحدين الله ورسوله والمؤمنين، ﴿ ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون( ٥٨ ) ﴾، بينما هم في الواقع أعرق الناس في الباطل.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:ثم جدد كتاب الله التعريف برسالة القرآن، مؤكدا أنه جعل هذه الرسالة ميسرة للفهم والإدراك في متناول الناس أجمعين، وأن كتاب الله قد وضح معالمها، بما لا يدع مجالا للشك فيها، ﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ ( ١٧ : ٥٤ )، فلا غموض ولا إبهام في الرسالة، ولا تقصير ولا إهمال من جانب الرسول، واللوم كل اللوم يقع على عاتق المعاندين المبطلين، الذين يجادلون في الله بغير علم، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون( ٥٨ ) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون( ٥٩ ) ﴾، أي : يطبع الله على قلوب الجهلة المعاندين عندما تقسو وتصدأ، ولا يرجى منهم قبول للحق ولا انقياد إليه، وكيف لا وهم يسمون المحقين( مبطلين ) متحدين الله ورسوله والمؤمنين، ﴿ ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون( ٥٨ ) ﴾، بينما هم في الواقع أعرق الناس في الباطل.
وأخيرا وجه كتاب الله الخطاب إلى الرسول الأعظم، وإلى كل مؤمن بصدق رسالته، آمرا رسوله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، بالصبر على أذى المخالفين، والثبات أمام استفزاز الجاحدين، مؤكدا له ولمن اهتدى بهديه أن وعد الله بالنصر المكين، والفتح المبين، وعد لا يتخلف، لأنه وعد حق، صادر عن الحق، ﴿ وعد الله، لا يخلف الله وعده ﴾ ( ٦ : ٣٠ )، وذلك قوله تعالى في ختام سورة الروم المكية :﴿ فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون( ٦٠ ) ﴾.
Icon