تفسير سورة نوح

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة نوح من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية وآياتها ثمان وعشرون. وهي في جملتها نقص علينا خبر واحد من رسل الله أولي العزم وهو نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام. هذا النبي الصابر العظيم الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده وأن يجتنبوا الشرك والأصنام، ويحذرهم عذاب الآخرة، فلم يجد منهم إلا الآذان الصّم والقلوب الغلف. ولقي منهم في ذلك أشد البلاء والعنت إذ آذوه شديد الأذى وعذبوه بالغ التعذيب، من شتم وضرب وازدراء، وهو يقابلهم بالصبر وبالغ الصفح والاحتمال خلال هذه المدة الطويلة. حتى إذا استيأس من إيمانهم وأيقن أنهم ساردون في الكفر والضلال وأن دعاءه إياهم لا يزيدهم إلا الإيغال في التكذيب والعصيان، هنالك دعا ربه أن يهلكهم ويقطع دابرهم فاستجاب الله دعاءه فأخذهم أخذ عزيز مقتدر واستأصلهم أيما استئصال.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ١ قال ياقوم إني لكم نذير مبين ٢ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ٣ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر لو كنتم تعلمون ﴾.
أرسل الله نبيه نوحا إلى قومه المشركين ليدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك والباطل، فلبث فيهم قرونا، يبلغهم ويحذرهم وينصح لهم وهو قوله :﴿ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك ﴾ أن، المفسرة ويجوز أن تكون مصدرية. أي أرسلناه بالإنذار لقومه ﴿ من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ﴾ وهو عذاب الآخرة أو الطوفان.
قوله :﴿ قال ياقوم إني لكم نذير مبين ﴾ أضاف قومه إلى نفسه ليظهر لهم إشفاقه عليهم ﴿ إني لكم نذير مبين ﴾ أي مبلّغ ظاهر النذارة واضح البيان والتبليغ.
قوله :﴿ وأن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ﴾ أن تفسيرية، أو مصدرية. أي أذعنوا لله وحده بالطاعة والانقياد ﴿ واتقوه ﴾ أي خافوه والتزموا أوامره وأحكام دينه ﴿ وأطيعون ﴾ أي أطيعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه.
قوله :﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ من، فيها وجهان : أحدهما : أنها تبعيضية. أي يغفر بعض ذنوبكم وهي ما سبق. فإن الإسلام يجبّ ما كان قبله من الآثام والمعاصي. ثانيهما : أنها مزيدة ١ أي يغفر لكم ذنوبكم ﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ أي يؤخركم إلى وقت موتكم وهو الأجل المقدور المحتوم. فإذا جاء هذا الأجل فإنه ﴿ لا يؤخر لو كنتم تعلمون ﴾ إذا حان الأجل وجاءت ساعة الموت فإن ذلك لا يرد ولا يقوى على دفعه دافع ﴿ لو كنتم تعلمون ﴾ أي لو علمتم ما سيحل بكم من فرط الندامة والفزع لبادرتم إلى الإيمان٢.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٦٧..
٢ تفسير النسفي جـ ٤ ص ٢٩٤ وتفسير البيضاوي ص ٧٦١..
قوله تعالى :﴿ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ٥ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ٦ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ٧ ثم إني دعوتهم جهارا ٨ ثم إني اعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ٩ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ١٠ يرسل السماء عليكم مدرارا ١١ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ١٢ ما لكم لا ترجون لله وقارا ١٣ وقد خلقكم أطوارا ١٤ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ١٥ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ١٦ والله أنبتكم من الأرض نباتا ١٧ ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ١٨ والله جعل لكم الأرض بساطا ١٩ لتسلكوا منها سبلا فجاجا ﴾.
يبين الله مقالة نوح لقومه وهو يبث حزنه وشكايته إلى ربه من سوء فعالهم وشديد جحودهم وعصيانهم وعظيم استكبارهم وعنادهم فقال شاكيا إلى الله همه وابتئاسه منهم ﴿ إني دعوت قومي ليلا ونهارا ﴾ دعوتهم إلى عبادة الله وحده وحذرتهم مخالفة أمره وعصيانه ونهيتهم عن الشرك والباطل.
قوله :﴿ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ﴾ دعوتهم إلى عبادة الله وحده دون سواه من الأنداد المفتراة أو الآلهة المصطنعة فما ازدادوا بدعائي لهم إلا استكبارا واستنكافا عن الحق والتوحيد.
قوله :﴿ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ﴾ يعني كلما دعوت قومي للإيمان بالله وحده لكي يؤمنوا فتغفر لهم وتصفح عنهم ما فعلوه من الخطايا والذنوب سدّوا مسامعهم كيلا يسمعوا ما أدعوهم إليه ﴿ واستغشوا ثيابهم ﴾ غطوا وجوههم ورؤوسهم بثيابهم كراهة أن يروني أو لئلا أعرفهم فأدعوهم إلى دينك، دين التوحيد والحق ﴿ وأصروا واستكبروا استكبارا ﴾ أقاموا على كفرهم مصرين معاندين واستنكفوا عما دعوتهم إليه أيما استنكاف.
قوله :﴿ ثم إني دعوتهم جهارا ﴾ جهارا، نعت لمصدر محذوف. أي دعاء جهارا. أو مصدر في موضع الحال، أي مجاهرا١ يعني أظهرت لهم دعوة الله في المجالس جهرة ليسمعها الناس.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٦٩..
قوله :﴿ ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ﴾ أي دعوتهم إلى دين الله في العلن ودعوتهم إليه أيضا في السر.
قوله :﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ﴾ أي أمرتهم بالاستغفار من الشرك والخطايا، إذ كانوا يعصون الله ويعبدون من دونه الأصنام. ﴿ إنه كان غفارا ﴾ الله غفار للخطايا وهو سبحانه يعفو عن الذنوب مهما كثرت أو عظمت فاستغفروه ليغفر لكم.
قوله :﴿ يرسل السماء عليكم مدرارا ﴾ مدرارا، حال من السماء. أي كثير الدرور. أو نعت لمصدر محذوف أي يرسله إرسالا مدرارا١ أي غزيزا متواصلا.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٧٠..
قوله :﴿ ويمددكم بأموال وبنين ﴾ يعني ويزدكم الله بالتوبة والاستغفار أموالا وبنين في الدنيا ﴿ ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ﴾ يمن الله عليكم من فضله وواسع كرمه بجنات النعيم، تتفجر من خلالها ومن تحتها الأنهار سائحة جارية.
قوله :﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ﴾ أي ما لكم لا تخافون لله عظمة. أو ما لكم لا تأملون له توقيرا وتعظيما. وقال ابن عباس : لا تعظمون الله حق عظمته. أي لا تخافون من بأسه ونقمته.
قوله :﴿ وقد خلقكم أطوارا ﴾ أطوارا منصوب على الحال. أي ما لكم لا تؤمنون بالله وحده، وكيفية خلقكم تقتضي إيمانكم به. فقد خلقكم أطوارا إذ خلقكم أولا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم خلقكم عظاما ولحما. وفي ذلك تنبيه لهم على عظمة الخالق الصانع.
قوله :﴿ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ﴾ ذلك تنبيه من الله للأذهان لكي تنظر في الآفاق وفي الكون فتتفكر وتتدبر ما فيه من عجائب الخلق المستمسك المتّسق. الخلق المحكم المتكامل المتين. فقد خلق الله سبع سموات بعضها فوق بعض وقد جعلهن في غاية العظمة والقوة والاتساع و الإحكام. وفي ذلك برهان ظاهر لكل ذي عقل على قدرة الصانع الحكيم.
قوله :﴿ وجعل القمر فيهن نورا ﴾ جعل القمر في السماوات وهو في السماء الدنيا فجاز أن يقال فيهن وإن لم يكن في جميعهن. كما يقال : في المدنية كذا وهو في زاوية من زواياها١.
والقمر واحد من الكواكب السيارة التي تدور في أفلاكها المقدورة من هذا الفضاء الواسع في هذا الكون الهائل العجيب. وهو بنوره الساطع ينعكس على الأرض ليبعث فيها الضياء فضلا عما يثيره في واقع البشر من ظواهر الأنس والبهجة.
قوله :﴿ وجعل الشمس سراحا ﴾ شبهها بالسراح، لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيل سراج البيت الظلمة عما حوله. والشمس مصدر الحياة والنشاط والنمو والخير للأرض ومن عليها، فهي تنشر في الدنيا الإشراق والضياء والدفء وغير ذلك من وجوه المنافع الكثيرة.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٧١..
قوله :﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتا ﴾ الله أنشأكم من الأرض إنشاء، فقد استعار الإنبات للإنشاء.
قوله :﴿ ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ﴾ أي يعيدكم الله في الأرض مقبورين موتى، ثم يخرجكم منها أحياء لتساقوا إلى الحشر. وقد أكد ذلك بالمصدر ﴿ إخراجا ﴾.
قوله :﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا ﴾ أي سخر الله للناس الأرض وجعلها لهم مبسوطة ممهدة ليتقلّبوا عليها مطمئنين مستقرين.
قوله :﴿ لتسلكوا منها سبلا فجاجا ﴾ أي طرقا واسعة فتمضوا إلى حيث شئتم من أرجائها وأقطارها١.
١ تفسير النسفي جـ ٤ ص ٢٩٦ وتفسير البيضاوي ص ٧٦٢..
قوله تعالى :﴿ قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ٢١ ومكروا مكرا كبارا ٢٢ وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ٢٣ وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ﴾.
ذلك مما بثه نوح إلى ربه من الشكاية والابتئاس بسبب إعراض قومه وإيذائهم له بالضرب والشتم واستنكافهم عن عقيدة التوحيد جانحين للأصنام واتباع السادة والكبراء المضلين وهو قوله :﴿ قال نوح رب إنهم عصوني ﴾ وذلك فيما أمرتهم به من الإيمان بك وحدك، وبمجانبة الشرك والضلال ﴿ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ﴾ أي أعرضوا عما دعوتهم إليه واتبعوا الرؤساء والكبراء من أصحاب الأموال والأولاد التي لا يزدادون بها في الآخرة إلا الخسران وسوء العذاب.
قوله :﴿ ومكروا مكرا كبارا ﴾ والمراد بهم الرؤساء والكبراء من المشركين المتبوعين فقد مكروا ينوح عليه السلام، إذ كادوا له كيدا وآذوه أشد الإيذاء وصدوا عن دينه صدودا. وكان مكرهم به ﴿ كبّارا ﴾ أي عظيما، وهو أكبر من الكبير. وهو بناء مبالغة فهو أبلغ من كبار، بالضم والتخفيف١.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٧٣..
قوله :﴿ وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ﴾ قال الرؤساء والكبراء المتبوعون لعامة الناس وهم التابعون : لا تتركوا عبادة آلهتكم الأصنام ﴿ ولا تذرنّ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ﴾ وهذا من باب عطف الخاص على العام. فهذه أسماء لأصنام كانوا يعبدونها من دون الله. فقد روى البخاري عن ابن عباس قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح، في العرب بعد. أما ودّ، فكانت لكلب بدومة الجندل. وأما سواع، فكانت لهذيل. وأما يغوث، فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نشر، فكانت لحمير، لآل ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.
أما، ود فهو صنم على صورة رجل. وأما سواع فهو على صورة امرأة. وأما يغوت، فهو على صورة أسد. وأما يعوق فهو على صورة فرس. وأما نسر، فهو على صورة نسر. فهذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد العموم.
قوله، ﴿ وقد أضلّوا كثيرا ﴾ الضمير للرؤساء. يعني أضل الرؤساء والكبراء بهذه الأصنام خلقا كثيرا من الناس ففتنوهم عن توحيد الله إلى الاغترار بالأصنام التي لا تضر ولا تنفع. أو يعود الضمير على الأصنام فقد ضل بسببها كثير من الناس، إذ اغتروا بها اغترارا فزاغوا عن التوحيد إلى الشرك والباطل.
قوله :﴿ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ﴾ ذلك من دعاء نوح على قومه بالهلاك كقوله :﴿ ولا تزد الظالمين إلا تبارا ﴾ أي هلاكا١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٢٧ وتفسير النسفي جـ ٤ ص ٢٩٧..
قوله تعالى :﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ٢٥ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ٢٦ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ٢٧ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ﴾.
دعا نوح ربه أن يهلك قومه بسبب كفرهم وتكذيبهم وعتوهم وشدة عصيانهم وتمردهم، وبما فعلوه من الخطايا الكثيرة والكبيرة فاستجاب الله دعاءه وأخذ قومه أشد أخذ، إذ أغرقهم بالطوفان إغراقا وهو قوله :﴿ مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ﴾ ما، مزيدة بين الجار ومجروره توكيدا. يعني من أجل خطيئاتهم وهي كثرة ذنوبهم ومعاصيهم وعتوهم وإصرارهم على الكفر والتكذيب ﴿ أغرقوا فأدخلوا نارا ﴾ أغرقهم الله بالطوفان ثم أحرقهم بالنار. والمراد بالنار عذاب القبر أو عذاب الآخرة ﴿ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ﴾ أي ليس لهم من دون الله من معين ولا مغيث ولا مجير، يدفع عنهم البلاء أو يستنقذهم مما نزل بهم من سوء العذاب١.
وهذه حال الظالمين السادرين في الغفلة والباطل، الذين يزيغون عن منهج الله ولم ينفعهم النصح والنهي والتحذير، فإنهم ما يلبثون أن يفجأهم الله بعقابه الشديد ليدمر عليهم تدميرا، وحينئذ يستصرخون وليس لهم من مغيث، ويندمون ولات حين ندم.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٧٦..
قوله :﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا ﴾ ديّارا، من الأسماء المستعملة في النفي العام. يقال : ما بالدار ديّار وديّور. كقيام وقيّوم. وهو قول الزمخشري ١. والمعنى : لا تترك على وجه الأرض من الكافرين أحدا ولا ديارا.
١ الدر المصون جـ ١٠ ص ٤٧٧..
قوله :﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ﴾ إن تتركهم ولا تهلكهم يدعوا عبادك الذين يأتون من بعدهم إلى الضلال ويفتنوهم عن الحق إلى الباطل ﴿ ولا يلدوا إلا فاجرا كفرا ﴾ يعني إن هؤلاء المشركين العتاة لا يلد الواحد فيهم إلا إذا بلغ فجر وكفر.
وإنما قال نوح ذلك لطول خبرته بهم ومكثه فيهم، إذ لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. أو أن الله أخبره بقوله :﴿ لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾.
قوله :﴿ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا ﴾ دعا نوح ربه أن يغفر له ولكل مؤمن دخل مسجده أو سفينته أو بيته. وذلك هو شأن المؤمنين المتقين فإنهم لا يتخذون من غير المؤمنين الصادقين أصدقاء وخلاّنا. وقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ".
قوله :﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ دعا ربه أن يغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات إلى يوم القيامة.
قوله :﴿ ولا تزد الظالمين إلا تبارا ﴾ دعا الله على قومه الظالمين العتاة أن لا يزيدهم غير الهلاك والخسار في الدنيا والآخرة، وذلك لفرط عتوّهم وطغيانهم وشدة عنادهم وإعراضهم عن دين الله وإضلالهم الناس١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٢٨ وتفسير النسفي جـ ٤ ص ٢٩٨ وتفسير البيضاوي ص ٧٦٣..
Icon