تفسير سورة نوح

روح البيان
تفسير سورة سورة نوح من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

اليوم المذكور الذي سيقع فيه الأحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ اى يوعدونه فى الدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لان الوعد الاول محمول على الآنى والاستمراري كما مر وهذا الوعد محمول على الماضي بدلالة لفظ كان وفى الذلة اشارة الى ذلة الأنانية فانهم يوم يخرجون من الأجداث يسارعون الى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية فى أنكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لا بليس بقوله أنا خير منه فكما ان إبليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من فى حكمه من الانس ولذا كان السلف يبكون دما من الأخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالانانية من آثار التعيين فان التوحيد الحقيقي هو أن يصير العبد فانيا عن نفسه باقيا بربه فاذا لم يحصل هذا فقد بقي فيه بقية من الناسوتية وكل اناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس والله أسأل أن يكرمنى به وإياكم تمت سورة المعارج بعون خالق الداخل والخارج فى العاشر من شوال سنة ست عشرة ومائة الف
سورة نوح
مكية وآيها سبع او ثمان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ مر سر نون العظمة مرارا والإرسال يقابل بالإمساك يكون للتسخير كارسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحو انا أرسلنا الشياطين على الكافرين قال قتادة أرسل نوح من جزيرة فذهب إليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام سمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه او هو سريانى معناه الساكن لان الأرض طهرت من خبث الكفار وسكنت اليه وهو أول من اوتى الشريعة فى قول وأول اولى العزم من الرسل على قول الأكثرين وأول نذير على الشرك وكان قومه يعبدون الأصنام وأول من عذبت أمته وهو شيخ المرسلين بعث ابن أربعين سنة او ثلاثمائة وخمسين او اربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على انه لم يرسل الى اهل الأرض كلهم لانه تعالى قال الى قومه فلو أرسل الى الكل لقيل الى الخلق او ما يشابهه كما قيل لرسول الله وما أرسلناك الا كافة للناس ولقول رسول الله كان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة ثم قال ان قيل فيما جريمة غير قومه حتى عممهم فى الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا فانه إذا لم يرسل إليهم لم يكن كلهم مخالفا لامره وعاصيا له حتى يستحقوا الدعاء بالإهلاك أجيب بأنه يحتمل انه تحقق ان نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالإهلاك ايضا انتهى وفنه نظر لانه قال فى انسان العيون فى قوله عليه السلام وكان كل نبى انما يرسل الى قومه اى جميع اهل زمنه او جماعة منهم خاصة ومن الاول نوح عليه السلام فانه كان مرسلا لجميع من كان فى زمنه من أهل الأرض ولما أخبر بأنه لا يؤمن منهم الا من آمن معه وهم اهل السفينة وكانوا ثمانين أربعين رجلا وأربعين امرأة او كانوا
لسارعتم الى ما أمرتكم به او لعلمتم ان الاجل لا تأخير فيه ولا إهمال وفيه اشارة الى انهم ضيعوا اسباب العلم وآلات تحصيله بتوغلهم فى حب الدنيا وطلب لذاتهم حتى بلغوا بذلك الى حيث صاروا كأنهم شاكون فى الموت
روزى كه أجل در آيد از پيش و پست شك نيست كه مهلت ندهد يك نفست
يارى نرسد در ان دم از هيچ كست بر باد شود جمله هوا وهوست
قالَ اى نوح مناجيا لربه وحاكيا له وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال فى تلك المدد الطوال بعد ما بذل فى الدعوة غاية المجهود وجاوز فى الانذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل رَبِّ اى پروردگار من إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي الى الايمان والطاعة لَيْلًا وَنَهاراً فى الليل والنهار أي دائما من غير فتور ولا توان فهما ظرفان لدعوت أراد بهما الدوام على الدعوة لان الزمان منحصر فيهما وفى كشف الاسرار بشبها در خانهاى ايشان وبروزها در انجمنهاى ايشان. وكان يأتى باب أحدهم ليلا فيقرع الباب فيقول صاحب البيت من على الباب فيقول أنا نوح قل لا اله الا الله فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً مما دعوتهم اليه وفى التأويلات النجمية من متابعتى ودينى وما أنا عليه من آثار وحيك والفرار وبالفارسية كريختن. وهو مفعول ثان لقوله لم يزدهم لانه يتعدى الى مفعولين يقال زاده الله خيرا وزيده فزاد وازداد كما فى القاموس واسناد الزيادة الى الدعاء مع انها فعل الله تعالى لسببيته لها والمعنى ان الله يزيد الفرار عند الدعوة الصرف المدعو اختياره اليه وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ اى الى الايمان وفى التأويلات النجمية كلما دعوتهم بلسان الأمر مجردا عن انضمام الارادة الموجبة لوقوع المأمور فان الأمر إذا كان مجردا عن الارادة لا يجب ان يقع المأمور به بخلاف ما إذا كان مقرونا بالارادة فانه لا بد حينئذ من وقوع المأمور به لِتَغْفِرَ لَهُمْ بسببه جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ اى سدوا مسامعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا أصابعهم فى ثقب آذانهم قصدا الى عدم الاستماع وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ الاستغشاء جامه بسر در كشيدن. كما فى تاج المصادر مأخوذ من الغشاء وهو الغطاء وفى الأصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه واصل الاستغشاء طلب الغشي اى الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطى والستر وانما جيئ يصيغته التي هى السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل اى رجوعه الى الحالة التي قدرلها والمعنى وبالغوا فى التغطى بثيابهم كأنهم طلبوا منها ان تغشاهم اى جميع اجزاء بدنهم آلة الابصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر اليه فان المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة الى المتواضع والمؤمن والسنى او لئلا يعرفهم فيدعوهم. يقول الفقير هذا الثاني ليس بشئ لان دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من فى الأرض ذكورهم وإناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان اقل القليل
صلوا إليها بالمعقول فَقُلْتُ لهم عقيب الدعوة عطف على قوله دعوت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ اطلبوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصي قبل الفوت بالموت إِنَّهُ تعالى كانَ غَفَّاراً للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن والمراد من كونه غفارا فى الأزل كونه مريدا للمغفرة فى وقتها المقدر وهو وقت وجود المغفور له وفى كشف الاسرار كان صلة اليه ورؤية التقصير فى العبودية الندم على ما ضاع من ايامهم بالغفلة عن الله وفى الحديث (من اعطى الاستغفار لا يمنع المغفرة لانه تعالى قال استغفروا ربكم انه كان غفارا ولذا كان على رضى الله عنه يقول ما ألهم الله عبدا الاستغفار وهو يريد ان يعذبه وعن بعض العلماء قال الله تعالى ان أحب عبادى الى المتحابون بحبي والمعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت اهل الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصرفت العقوبة عنهم والغفار ابلغ من الغفور وهو من الغافر واصل الغفر الستر والتغطية ومنه قيل لجنة الرأس مغفر لانه يستر الرأس والمغفرة من الله ستره للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم وانما التوبة والطاعة للعبودية وعرض الافتقار وفى بعض الاخبار عبدى لو أتيتنى بقراب اصرض ذنوبا لغفرتها لك ما لم تشرك بي (حكى) ان شيخا حج مع شاب فلما احرم قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لا لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت اسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلاى شىء تتعب نفسك فبكى الشيخ فقال فالى اى باب التجئ فقيل له قد قبلناك
همه طاعت آرند ومسكين نياز بيا تا بدرگاه مسكين نواز
چوشاخ برهنه برآريم دست كه بي برك ازين بيش نتوان نشست
يُرْسِلِ السَّماءَ اى المطر كما قال الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم وقال بعضهم اى ماء السماء فحذف المضاف عَلَيْكُمْ حال كونه مِدْراراً اى كثير الدرور اى السيلان والانصباب وبالفارسية فرو كشايد بر شما باران پى در پى وبيهنكام. وفى الإرسال مبالغة بالنسبة الى الانزال وكذا المدرار صيغة مبالغة ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث كقولهم رجل او امرأة معطار ويرسل جواب شرط محذوف اى ان تستغفروا يرسل السماء وفى قول النجاة فى مثلة انه جواب الأمر وهو هاهنا استغفر واتسامح فى العبارة اعتمادا على وضوح المراد وكسر اللام بالوصل لتحرك الساكن به كأن قوم نوح تعللوا وقالوا ان كنا على الحق فكيف نتركه وان كنا على الباطل فكيف يقبلنا بعد ما عكفنا عليه دهرا طويلا نأمرهم الله بما يمحق ما سلف منهم من المعاصي ويجلب عليهم المنافع وهو الاستغفار ولذلك وعدهم بالعوائد العاجلة التي هى أوقع فى قلوبهم من المغفرة وأحب إليهم إذا النفس حريصة بحب العاجل ولذلك جعلها جواب الأمر بأن قال يوسل السماء إلخ دون المغفرة بأن قال يغفر لكم ليرغبوا فيها ويشاهدوا ان اثرها وبركتها ما يقاس عليه حال المغفرة فالاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات كما ان المعصية سبب لخراب العالم بظهور اسباب القهر الإلهي وقيل لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر واعقم أرحام نسائهم أربعين سنة وقيل
من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فهذه هى التارات والأحوال السبع المترتب بعضها على بعض كل تارة أشرف مما قبلها وحال الإنسان فيها احسن مما تقدمها
چون صورت تو بت نگارند بكشمير چون قامت تو سرو نه كارند بكشور
گر نقش تو پيش بت آزر بنگارند از شرم فرو ريزد نقش بت آزر
وقيل خلقكم صبيانا وشبانا وشيوخا وقيل طوالا وقصارا وأقوياء وضعفاء مختلفين فى الخلق والخلق كما قال تعالى واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقيل خلقهم أطوارا حين أخرجهم من ظهر آدم للعهد ثم خلقهم حين اذن بهم ابراهيم عليه السلام للحج ثم خلقهم ليلة اسرى برسول الله ﷺ فأراه إياهم وقال بعض اهل المعرفة خلقكم أطوارا من اهل المعرفة ومن اهل المحبة ومن اهل الحكمة ومن اهل التوحيد ومن اهل الشوق ومن اهل العشق ومن اهل الغناء ومن اهل البقاء ومن اهل الخدمة ومن اهل المشاهدة خلق طورا لارواح القدسية من نور الجبروت وطور العقول الهادية العارفة من نور الملكوت وطور القلوب الشائقة من معادن القربة وطور أجسام الصديقين من تراب الجنة فكل طور يرجع الى معدنه من الغيب أَلَمْ تَرَوْا يا قومى والاستفهام للتقرير والرؤية بمعنى العلم لعلهم علموا ذلك بالسماع من اهله او بمعنى الابصار والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ حال كونها طِباقاً اى متطابقا بعضها فوق بعض كما سبق فى سورة الملك اتبع الدليل الدال على انه يمكن ان يعيدهم وعلى انه عظيم القدرة بدلائل الأنفس لان نفس الإنسان أقرب الأشياء اليه ثم اتبع ذلك بدلائل آفاق فقال وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً اى منور الوجه الأرض فى ظلمة الليل ونسبته الى الكل مع انه فى السماء الدنيا لان كل واحدة من السموات شفافة لا يحجب ما وراءها فيرى الكل كأنها سماه واحدة ومن ضرورة ذلك أن يكون ما فى واحدة منها كأنه فى الكل على انه ذهب ابن عباس وابن عمر ووهب بن منبه رضى الله عنهم الى ان الشمس والقمر والنجوم وجوهها مما يلى السماء وظهورها مما يلى الأرض وهو الذي يقتضيه لفظ السراج لان ارتفاع نوره فى طرف العلو ولولا ذلك لأحرقت جميع ما فى الأرض بشدة حرارتها فجعلها الله نورا وسراجا لأهل الأرض والسموات فعلى هذا ينبغى أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهن سراجا حذف لدلالة الاول عليه وَجَعَلَ الشَّمْسَ هى فى السماء الرابعة وقيل فى الخامسة وقال عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنهما فى الشتاء فى الرابعة وفى الصيف فى السابع ولو أضاءت من الرابعة او من السماء الدنيا لم يطق لها شىء (كما قال فى المثنوى)
آفتابى كز وى اين عالم فروخت اندكى كر پيش آيد جمله سوخت
سِراجاً من باب التشبيه البليع اى كالسراج يزيل ظلمة الليل عند الفجر ويبصر أهل الدنيا فى ضوئها الأرض ويشاهدون الآفاق كما يبصر أهل البيت فى ضوء السراج ما يحتاجون
الأرض ليست كرية بل هى مبسوطة قال سعدى المفتى وانما هو فى التقلب عليها على ما فسروه انتهى وقد مر مرارا ان كرية الأرض لانتا فى الحرث والغرس ونحوهما لعظم دائرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة لِتَسْلُكُوا من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الإدخال مِنْها سُبُلًا فِجاجاً اى طرقا واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الواسع فجر دهنا لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين قال فى المفردات الفج طريق يكتنفها جبلان ويستعمل فى الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ اى لتسلكوا متخذين من الأرض سبلا فتصرفوا فيها مجيئا وذهابا او بمضمر هو حال من سبلا اى كائنة من الأرض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطا للسلوك المذكور لا ينافى غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك اما جسمانى بالحركة الاينية الموصلة الى المقصد واما روحانى بالحركة الكيفية الموصلة الى المقصود ولكل منهما فوائد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والانس ونحوها وقال القاشاني والله جعل لكم ارض البدن بساطا لتسلكوا منها سبل الحواس فجاجا اى خروقا واسعة او من جهتها سبل سماء الروح الى التوحيد كما قال امير المؤمنين رضى الله عنه سلونى عن طرق السماء فانى أعلم بها من طرق الأرض أراد الطرق الموصلة الى الكمال من المقامات والأحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وأمثال ذلك ولهذا كان معراج النبي عليه السلام بالبدن قالَ نُوحٌ أعبد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الاول ولذا ترك العطف اى قال مناجيا له تعالى رَبِّ اى پروردگار من إِنَّهُمْ عَصَوْنِي داموا على عصيانى ومخالفتى فيما امرتهم به مع ما بالغت فى إرشادهم بالعظة والتذكير وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى استمروا على اتباع رؤسائهم الذين ابطرتهم أموالهم وغرتهم أولادهم وصارت تلك الأموال والأولاد سببا لزيادة خسارهم فى الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفى وصفهم بذلك اشعار بأنهم انما اتبعوهم لو جاهتهم الحاصلة لهم بسبب الأموال والأولاد لما شاهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سببا مصححا للاتباع ودل الكلام على ان ازدياد المال والولد كثيرا ما يكون سببا للهلاك الروحاني ويورث الضلال فى الدين اولا والإضلال عن اليقين ثانيا قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية ان أموالهم وأولادهم عين الخسار وان ازديادهما انما هو ازدياد خسارهم والأمر فى الحقيقة كذلك فانهما وان كانا من جملة المنافع المؤدية الى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما الى وجوه الخير الا انهما إذا أديا الى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين الى العذاب المؤبد فى الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لان الدنيا فى جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما فى الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن أكل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فان تلك اللقمة فى حقه هلاك محض
عطفه على مقدر اى فاخذلهم قالوا وحينئذ من المحكي والمراد بالضلال هو الضيام والهلاك والضلال فى تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا فى امر دينهم حتى لا يتوجه انه انما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله فى أن يزيد ضلالهم وان هذا الدعاء يتضمن الرضى بكفرهم وذلك لا يجوز فى حق الأنبياء وان كان يمكن أن يجاب بأنه بعد ما اوحى اليه انه لا يؤمن من قومك الا من قد آمن وان المحذور هو الرضى المقرون باستحسان الكفر ونظيره دعاء موسى عليه السلام بقوله واشدد على قلوبهم فمن أحب موت الشرير بالطبع على الكفر حتى ينتقم الله منه فهذا ليس بكفر فيؤول المعنى الى أن يقال ولا يزد الظالمين الا ضلال وغيا ليزدادوا عقابا كقوله تعالى انما نملى لهم ليزدادوا اثما وقوله انى أريد أن تبوء بإثمي واثمك فتكون من اصحاب النار قالوا دعا نوح الأبناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون فلما ايس من ايمانهم دعا عليهم مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ اى من أجل خطيئات قوم نوح وأعمالهم المخالفة للصواب وهى الكفر والمعاصي وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فانه يدل على ان إغراقهم بالطوفان لم يكن الامن أجل خطيئاتهم تكذيبا لقول المنجمين من ان ذلك كان لاقتضاء الأوضاع الفلكية إياه ونحو ذلك فانه كفر لكونه مخالفا لصريح هذه الآية ولزيادة ما الا بهامية فائدة غير التوكيد وهى تفخيم خطيئاتهم اى من أجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلا منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ ابو عمرو خطاياهم بلفظ الكثرة لان المقام مقام تكثير خطيئاتهم لانهم كفروا ألف سنة والخطيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة الا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى ان كل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من غير نظر الى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل انهما مشتركان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى ما نفدت كلمات الله أُغْرِقُوا فى الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقا فَأُدْخِلُوا ناراً تنكير النار اما لتعظيمها وتهويلها او لانه تعالى أعد لهم على حسب خطيئاتهم نوعا من النار والمراد اما عذاب القبر فهو عقيب الإغراق وان كانوا فى الماء فان من مات فى ماء او نار او أكلته السباع او الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك انهم كانوا يغرقون من جانب اى بالأبدان ويحرقون من جانب اى بالأرواح فجمعوا بين الماء والنار كما قال الشاعر
الخلق مجتمع طورا ومفترق والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت فالله يجمع بين الماء والنار
او عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لاغراقهم لاقترابه وتحققه لا محالة واتصال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على ان النار اما نصف نار وهى للارواح فى البرزخ واما تمام نار وهى للارواح والأجسام جميعا بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً اى لم يجد أحد منهم لنفسه واحدا من الأنصار ينصرهم على من أخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله وبأنها
Icon