تفسير سورة نوح

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة نوح من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة نوح عليه السلام
مكية١
١ - بالإجماع: انظر: تفسير الماوردي ٤/٣٠٩ والمحرر ١٦/١٢٠ وتفسير القرطبي ١١٨/٢١٨ والبحر ٨/٣٣٧ وروح المعاني ٢٩/٨٣..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة نوح - عليه السلام -
مكية
- قوله تعالى: ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً (إلى قَوْمِهِ)﴾، إلى قوله: ﴿لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
أي: أرسلنا نوحاً منذراً قومه عذاب الله الأليم.
قيل: هو الطوفان.
وقيل: هو عذاب جهنم.
ويروى أن نوحاً عليه السلام أرسل إلى قومه وهو ابن مائتي سنة وخمسين سنة، فلبث فيهم يدعوهم إلى الله وإلى عبادته ألف سنة إلا خمسين سنة كما أعملنا الله عنه، ثم دعا
7727
قومه فبلغه الله أمله (فيهم) فغرق بهم كما أعلنما عنه. ثم عاش بعد الغرق مائتي سنة وخمسين سنة فكان عمره ألف سنة وأربع مائة سنة وخمسين سنة، فلما احتضر قال له ملك الموت: يا أطول الأنبياء عمراً وأكثرهم عملاً، كيف وجدت الدنيا؟ قال: كَبيْتٍ له بابان، دخلت من باب وخرجت من باب.
- ثم قال تعالى ﴿[قَالَ] ياقوم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾.
أي: " نَذِيرٌ " أنذركم عقاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم، " مبِينٌ ": أي قد بينت لكم إنذاري إياكم.
- ثم قال: ﴿أَنِ اعبدوا الله واتقوه...﴾.
(أي: مبين بأن اعبدوا الله، لا تعبدوا غيره،) واتقوه فيما أمركم به.
- ﴿وَأَطِيعُونِ﴾.
أي: انتهوا إلى ما أمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم.
قال قتادة: " أرسل الله تعالى المرسلين بأن [يعبد] الله وحده وأن [تتقى]
7728
محارمه، وأن يطاع أمره ".
- ثم قال تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾.
أي: يسترها عليكم، فلا يعاقبكم بها إن أطعتموني.
و" مِنْ " بمعنى " عَنْ " أي: يغفر لكم (عن) ذنوبكم، كما تقول: وجع بطني من الطعام، أي: عن الطعامم. وإذا كانت [" مِنْ "] بمعنى " عن " لم تدل على [على] التبعيض، وقيل: " من " للتبعيض والمعنى: يغفر لكم منها ما وعدكم العقوبة عليه وهو معظمها، وهو الشرك به، ولا يحسن أن تكون " من " زائدة؛ لأنها لا تزاد في الإيجاب.
ولا يجوز أن تكون لبيان الجنس؛ لأنه لم يتقدم جنس فتبينه بما بعده.
- ثم قال تعالى: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى...﴾.
7729
أي: ويؤخركم فلا يعذبكم في الدنيا إلى أن تبلغوا آجالكم المكتوبة لكم في أم الكتاب.
قال مجاهد: ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى...﴾.
أي: ويؤخركم فلا يعذبكم في الدنيا إلى أن تبلغوا آجالكم} إلى ما قد خط من الأجل، فإذا جاء أجل الله لا يؤخر عن ميقاته، وهو قوله.
- ﴿إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
(أي): لو كنتم تعلمون لأَنَبْتُم.
وقال الفراء: إلى أجل مسمى [عندكم] فلا يلحقكم فيه غرق ولا عذاب.
وقيل: إنهم كان لهم أجلان: أجل للعذاب إن تمادوا على كفرهم/ وأجل لقبض أرواحهم (إن آمنوا)، فقال لهم نوح: ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ وهو الآخر من الأجلين إن آمنوا. ثم قال: ﴿إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ﴾ أي: إن الأجل الأول إذا جاء وأنتم كفار لا يؤخر، وهو الغرق، وإن حضر الثاني وأنتم مؤمنون لم يؤخر.
7730
- قوله تعالى: -ayah text-primary">﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي (لَيْلاً وَنَهَاراً)...﴾، إلى قوله: -ayah text-primary">﴿إِلاَّ ضَلاَلاً﴾.
أي: قال نوح لما بلغ رسالكة ربه قومه فعصوه: يا رب إني دعوت قومي إلى توحيدك ليلاً ونهاراً وحذرتهم عقابك على كفرهم بك فلم يزدهم دعائي (لهم) إلا إدباراً عن قبول ما جئتهم به. قال قتادة: بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل منهم بابنه إلى نوح فيقول لابنه: احذر هذا [لا يغويك] فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك.
من رواية ابن شعبان عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث أن
7731
النبي ﷺ قال: " يَجمَع اللهُ الأوَّلين، والآخِرين، ويَنزِل اللهُ في ظُلَلٍ منَ الغَمَام فَيَكون أَوَّلَ من يَقْضي لَه نوحٌ وَقَومُه، يَقولُ اللهُ لِقومِ نوحٍ: ماذا أجبتم المُرْسَلين؟ قال: فَيقولُ نوحٌ: أيْ رَبِّ، بَلَّغتُهم رسالتَك ودَعَوتُهم لَيلاً ونَهاراً فكذَّبوني واتَّهَموني، فَيقولُ اللهُ لِقَوْم نوحٍ: ماذا تقولون؟ فيقولون: ربَّنا ما بَلَّغَنا الرّسالة، وقَد كان فينا حتى خَلَت قرونٌ (بعد قرون)، وَقَد كَتَمَ الرِّسالةَ فلم يَدْعُنا وَلَمْ يُنذِرْنا، فيقول الله لنوحٍ: مذا تقول؟ فيقول: رَبِّ، لي بَيِّنَة، فيقول الله: إِيتِ بِبَيِّنَتِكَ. قال النبي ﷺ: فيأتي نوح فيقول: يا مُحمدُ، أَسأَلُكَ الشَّهادةَ، فإِنَّ قَومي قَدْ كذَّبوني عِندَ رَبّي وَجَحَدوا، قال النبي عليه السلام: فَأَبْعَثُ معه رهطاً مِن أمتي يَشْهدَون له. قال: فيَنطلِق الرَّهط حتى يَقِفوا على الرّب، فيقول الله لهم: بِمَ تَشْهَدون؟ فيقولون: نَشهَدُ أن نوحاً قد بَلَّغَ قَومَه وَدَعاهُم لَيْلاً وَنَهَاراً وسِرّاً وعَلانِية فَكذبُّوه واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُم وأَصَرّوا وَاسْتَكْبَروا.
فيقول اللهُ لقوم نوح: ما تقولون؟ (فيقولون): رَبّنا، كيف يقبلون علينا وَنَحْن أولُ الأُمَمِ وهُمْ آخِر الأُمَمِ؟ فيقول الله للرَّهطِ: أجيبوهم، فيقول
7732
(الرهط): ربَّنا، بَعَثْتَ إِليْنا رسولاً من أَنفسِنا فآمَنّا به وصَدّقنا ما أَنْزَلتَ عَليْه مِنَ الكِتابِ، فَكان فيما أَنزَلتَ عَلَيْه أَنَّك أَرْسَلتَ نوحاً إِلى قَومهِ فَبلَّغهم الرسالةَ وَدَعاهم لَيلاً ونَهاراً وسِرّاً وعلانيةً فكذَّبوه، قال: فيقرأون سورة " نوح "، فيقول قوم نوح: خصمنا فقوموا. قال النبي ﷺ: فما من نبيٍّ يُكذِّبه قومُهم إِلاَّ يَأْتينا، فَأَبْعَثُ مَعهُ رَهطاً مِن أُمَّتي يَشْهَدون لَه وَانا عَلَيهم [شيهدٌ] ".
- ثم قال: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ واستغشوا ثِيَابَهُمْ...﴾.
أي: وإني كلما دعوتهم إلى طاعتك والعمل بمرضاتك لتغفر لهم إذا فعلوا ذلك، أدخلوا أصابعهم في آذانهم لِئَلاَّ يسمعوا دعائي (أياهم إلى ذلك، واستغشوا،
7733
أي تغطَّوا بها لِئَلاَّ يُسْمَعَ دعائي).
- ثم قال ﴿وَأَصَرُّواْ واستكبروا (استكبارا)﴾:
أي: أَصروا على كفرهم، أي: تمادوا عليه، واستكبروا عن قبول ما جتئهم به من الحق وقبول الإيمان.
- ثم قال: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾.
أي: ثم إن دعوتهم إلى ما أمرتني به من عبادتك دعاءً ظاهراً غيرَ خَفِيّ.
قال مجاهد: الجِهار: الكلام المعلن (به) ".
﴿ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ﴾ أي صرخت وصِحْتُ بالذي أمرتني به من الإنذار.
قال مجاهد: أَعْلَنْتُ: " صِحْتُ بِهِم "، وَأَسْرَرْتُ لَهُمُ (اي): قلت لهم ذلك فيما بيني وبينهم.
- ﴿فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ...﴾.
7734
أي: سلوا ربكم المغفرة عن ذنوبكم وتوبوا إليه من كفركم يغفر لكم ذنوبكم.
- ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً﴾.
أي: لم يزل عفاراً لمن تاب إليه واستغفروه.
- ثم قال: ﴿يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً﴾.
أي: إن تبتم واستغفرتم من ذنوبكم أرسل السماء عليكم المطر متتابعاً.
وكان عمر رضي الله عنهـ إذا [استسقى] ما يزيد على الاستغفار، وسئل عن ذلك فقرأ هذه الآية، وقرأ الآية في هود في قصة هود: ﴿وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٥٢] الآية.
- ثم قال: ﴿مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾.
(أي: ما لكم لا ترون لله عظمة، ذكر ذلك عن ابن عباس، وهو قول مجاهد. وعن ابن عباس أيضاً أن معناه: " ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته ".
وقال قتادة: معناه: " ﴿مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ﴾ عاقبة ".
7735
وقال ابن زيد: معناه: ما لكم لا ترون لله طاعة.
وقال الحسن: معناه ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة. و " ترجون " هنا - في أكثر الأقوال -/ بمعنى: تخافون.
- ثم قال: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾.
أي: خلقكم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ثم، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك، إلا أنهم اختلفوا في الترتيب، فمنهم من بدأ بالتراب ثم النطفة حتى بلغ (تمام الخلق. منهم من بدأ بالنطفة حتى بلغ) نبات الشعر حتى بلغ اللحم.
وقيل: معنه: وقد خلقكم مختلفين المناظر والألوان والكلام والصور
7736
[والعمر] والهمم وغير ذلك.
وقيل: هو الصحة والسقم، من قولهم: جاز فلان طوره، أي: خالف ما يجب أن يستعمله.
والطور في اللغة: المرة.
فالمعنى: وقد خلقكم مراراً، أي خلقكم تراباً، ثم نقلكم إلى النطفة [ثم إلى العلقة] ثم إلى المضغة، ثم عظاماً، ثم يكسو العظام اللحم، ثم أنبت الشعر، ثم أخرجه طفلاً، ثم صبياً، ثم بالغاً، ثم حدثاً، ثم رجلاً، ثم كهلاً، ثم شيخاً.
- ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سماوات طِبَاقاً﴾.
أي: وقال نوح لقومه: ألم تروا كيف خلق الله فوقكم سبع سماوات طباً فوق طبق، فيدلكم ذلك من قدرته على وحدانيته وتعتبروا وتزدجروا عن كفركم.
والطباق مصدر من قولهم: [طابقه] (مطابقة) وطباقاً.
7737
فالمعنى: ألم تروا كيف خلق الله سماء فوق سماء مطابقة؟!. ويجوز أن يكون " طباقاً " [نعتاً] ل " سبع "، جمع طبق.
ومعنى ألم ترو كيف [خَلَقَ اللهُ]: [اعملوا] أن الله خلق ذلك. ولو كان على غير الأمر، معناه لقالوا ما نرى إلا واحدة، ولكن معناه الأمر كما تقول: غفر الله لك، اللهم اغفر له، لأنك لست تخبره عن أمره [علمته]، إنما هو دعاء يتمنى كونه له.
ومن هذا قول الرجل [للرجل] أَلَمْ تَرَ أَنِّي لقيت زيداً فقلت له كذا وقال لي كذا؟. معناه: اعلم أني لقيت زيداً فكان من أمره وأمري كذا وكذا.
ومثله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل﴾ [الفيل: ١].
وقيل: معناه: ألم يبلغكم كيف خلق الله سبع (سماوات) طباقاً فتتعظوا وتزدرجوا؟ وكذلك معنى الآية الأخرى: ألم يبلغك يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ولم أُوحِ إليك كيف فعلت بهم؟
7738
- ثم قال -ayah text-primary">﴿وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً...﴾.
أي: في السماوات، قال المفسرون: بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام. فقال السائل: نحن نرى الغيم يكون دون القمر فلا نرى نوراً، فكيف تضيء السماوات كلها بالقمر على تفاوت ما بينها، وستر بعضها بعضاً؟، فقيل في ذلك: إن هذا الكلام [مجاز]، إنما قال: " فيهن "، [يريد]: في بعضهن، كما تقول العرب: أتيت بن يميم، وإنما أتى بعضهم، [وتقول]: في هذه الدور وليمة، وإنما هي في واحدة منهن.
وتقول: قدم فلان في شهر كذا، وإنما قدم في يوم منه. فلذلك أخبر بالقمر أنه في سبع سماوات وأنما هو في واحدة.
وقيل: معناه: وجعل القمر معهن نوراً، أي: خلقه نوراً مع خلقه للسماوات فيكون مثل: ﴿ادخلوا في أُمَمٍ﴾ [الأعراف: ٣٨].
وقال ابن كيسان: إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن، كما تقول: أَعطِني
7739
من الثياب [المعلمة]، وإن كنت إنما أعلمت أحدها. وقد قال ابن عمر: إن الشمس والقمر وجوههما في السماء وأقفاؤها في الأرض.
وقال عبد الله بن عرمون بن العص: إن ضوء الشمس والقمر ونورهما في السماء، وقرأ: ﴿أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ...﴾ الآية.
وقيل: التقدير: وجعل القمر نوراً، ثم قال: " فيهن " بعدما مضى الكلام. وسأل عبد الله بن عمرو رجل فقال له: ما بال الشمس تَصْلاَنا أحياناً وتبرد أحياناً؟ فقال: أما في الشتاء فهي في السماء السابعة تحت عرش الرحمن، وأما في الصيف فهي في السماء الخامسة، قيل له: ما كنا نظن إلا أنها في هذه السماء، قال: لو كان ذلك ما قام لها شيء إلا أحرقته.
7740
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً﴾.
أي: أنبتكم من تراب فخلقكم منه فنبتم نباتاً، يعني آدمَ أَبَا الخلقِ خَلَقَهُ من تراب الأرض.
- ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا.
..﴾
.
أي: في الأرض فتصيرون تراباً.
- ﴿[وَيُخْرِجُكُمْ [...﴾.
منها إلى البعث.
- ثم قال: ﴿والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً﴾.
[هذا] كله [أخبار] من الله جل ذكره لنا عن قول نوح لقومه ووعظه لهم وتنبيهه لهم لى آيات الله ونعمه عندهم.
فالمعنى: جعل لكم الأرض بساطاً لتستقروا عليها، ﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾.
أي: طرقاً واسعة.
وقال ابن عباس: ﴿سُبُلاً فِجَاجاً﴾، أي: " طرقاً مختلفة ".
7741
- ثم (قال تعالى): -ayah text-primary">﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً﴾.
أي: قال نوح لمّا عصاه قومه: يا رب، إنهم عصوني فيما بَلَّغتُهم عنك فلم يقبلوه واتبعوا أمر من لم يزد ماله وولده إلا خساراً، أي: ابتعوا في معصيتهم إياي من كثير ماله وولده فلم يزده ذلك إلا بعداً منك - يا رب -[وذهاباً] عن سبيلك.
ومن قرأ " وُلده " بالضم احتمل أن يكون/ جمع " وَلَد "، ك " وُثُن " جمع " وَثَنْ "، ويجوز أن يكون واحداً يراد به (غير) الولد: (وقد قال مجاهد: وُلده:
7742
زوجه وأهله)، وقال أبو عمرو: وُلده: عشيرته وقومه.
وقال أكثر (أهل) اللغة: الوَلد الوُلد بمعنى واحد.
- ثم قال: ﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً﴾.
أي: كبيراً، يقال كُبَّارٌ وكُبَّارٌ بمعنى كبير، كما يقال: " أمر عجيب "، وعُجاب بمعنى واحد. ورجل حُسَانٌ وحُسَّان بمعنى. وجَمَأل وجُمَّال بمعنى جميل.
قال مجاهد: ﴿كُبَّاراً﴾ " عظيماً ".
- ثم قال: ﴿وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ..﴾.
7743
أي: وقال بعضهم لبعض: لا تذرن عبادة آلهتكم [لقول] نوح ﴿وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾.
[" هذه أسماء أصنام كانوا يعبدونها: أما وُدّ، فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع فكانت لهذيل، وأما يَغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف (بالجرف) عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحِمْيَر، لآل ذي الكلاع "].
7744
قال محمد بن قيس: [هذه الأسماء] أسماء قوم صالحين بين آدم ونوح وكان لهم تباع يقتدون بهم، فماتوا، فقال تباعهم: لو صورناهم كان أشرف لنا نتذكرهم [فنفعل] مثل ما كانوا يفعلون، فصوروهم ثم ماتوا، وجاء آخرون فدب فيهم الشيطان، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم، فكان قوم نوح يحض بعضهم بعضاً على عبادتهم وترك قبول [قول] نوح.
وقيل: بل [كانوا أصناماً] يعبدونها (من دون الله) قاله ابن
7745
عباس وغيره.
- ثم قال ﴿وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً...﴾.
هذا إخبار عن قول نوح، أي وقد أضلت هذه الأصنام كثيراً من الخلق، أي ضل بعبادتها كثير.
- ثم قال: ﴿وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً﴾.
أي: لا توفقهم حتى يموتوا على ضلالتهم فكلما عاشوا ازدادوا إثماً وضلالاً.
- قوله: ﴿مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ﴾.
أي: من عقوبة خطيئاتهم أَغرقَهُم الله ثم أَدخَلهم النار، يعني قوم نوح.
- ﴿فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله أَنصَاراً﴾.
أي: فلم يجدوا لأنفسهم ناصرين ينصرونهم من عذاب الله إذ جاءهم. و " ما " زائدة للتوكيد.
وقال الفراء: ﴿مِّمَّا خطيائاتهم﴾ معناه: من أجل خطيئاتهم، ف " ما " أفادت
7746
هذا المعنى، قال: و " ما " تدل على المجازاة، ومنه قوله: حيث ما تكن أكن. وقد قرأ أبو عمرو: " خطاياهم "، جعله جمعاً مكسراً، واختاره لأنه مبني للتكثير، والمسلم الذي بالتاء: الأغلب في كلام العرب أن يكون للقليل، وليس خطايا قوم كفروا وألفَ سنةٍ بقليلة.
وعلة من قرأ بالجمع المسلم بالتاء أنه يقع للكثير كمَا يقع للقليل، وتختص الكثرة إذا عُلم المعنى. وقد قال الله: ﴿وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧] وقال ﴿لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ [الكهف: ١٠٩]، فهل هذ جمع قليل في قول أحد؟ بل هو كثير، إذ قد علم المعنى،
7747
فكان ذاك، وقد قيل: إن الخطيئات جمع [خطايا] أيضاً، فهو جمع الجمع، وجمع الجمع بابه الكثير.
- ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾: أي: لا تدع على الأ ﴿ض من يدور فيها ويحيى منهم فيها، والمعنى: من الكافرين أحداً، يعني قومه وغيرهم، دعا عليهم لما أوحى الله إليه {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن﴾ [هود: ٣٦]، قاله قتادة وغيره.
- ثم قال: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ...﴾.
أي: إنك يا رب إن تَدَع الكافرين على الأرض ولا تهلكهم/ بعذاب من عندك يضلوا المؤمنين من عبادك فيصدونهم عن سبيلك.
ثم قال: ﴿وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾.
أي: وليس يلدون إلا فاجراً في دينك، كفاراً لنعمتك.
والفاجر في اللغة: المائل عن الحق.
- ثم قال: ﴿رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً..﴾.
أي: اعف عن واستر علي ذنوبي وعلى والدي وعلى من دخل بيتي.
- أي: مسجدي - ﴿مُؤْمِناً﴾: أي: مصدقاً بك.
قال الضحاك: ﴿بَيْتِيَ﴾ " مسجدي ".
[وقرأ] ابن جبير: (والدي): يعني أباه.
7749
وقرأ يحيى بن يعمر (ولوالدي) يعني ابنيه.
وقوله (وللمؤمنين والمؤمنات) أي: وللمصدقين بتوحيدك ورسلك وكتبك المصدقات. روى عكرمة أن ابن عباس قال: إني لأرجو أن يكون من استجاب لنوح فأغرق بدعوته أهل الأرض جميعاً أن يستجيب له في كل مؤمن ومؤمننة إلى يوم القيامة، يعني بدعائه هذا الذي حكاه الله لنا عنه في هذه السورة.
- ثم قال: ﴿وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً﴾.
أي: ولا تزد الظالين أنفسهم بكفرهم بك إلا تباراً. قال مجاهد: تباراً: خساراً.
وقال الفراء: تباراً: ضلالاً.
وقيل: هلاكاً.
7750
ويروي عن سفيان بن عيينة أنه قال لرجل: طب نفساً فقد دعت لك الملائكة نوح وإبراهيم ومحمد ﷺ [ ثم قرأ] ﴿والملائكة يُسَبِّحُونَ (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض﴾ [الشورى: ٥] يعني نم المؤمنين.
قال أبو محمد [مؤلفه رضي الله عنهـ]، وقد فسر الله هذا في آية أخرى، فأخبر عن الملائكة أنهم يقولون: ﴿فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم﴾ [غافر: ٧].
قال سفيان: وقال ابراهيم: ﴿رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب﴾ [إبراهيم: ٤١] وقال الله جل ذكره لمحمد ﷺ ﴿ واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات﴾ [محمد: ١٩]. قال أبو محمد: ولا نشك أن النبي ﷺ فعل ما أمره الله به من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا دعاء لا منشك إن شاء الله - أن الله قد أجابه لنوح وإبراهيم ومحمد والملائكة، فمن مات على الإيمان فهو داخل تحت الدعوات المذكورات (إن شاء الله)، أماتنا الله على الإيمان وختم لنا بخير.
7751
Icon