تفسير سورة الأحزاب

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الأحزاب
مدنية عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية

﴿ يۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ وذلك أن عبد الله بن أبى، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح، وطعمة بن أبيرق، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى مشركى مكة من قريش إلى أبى سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبى جهل، وأبى الأعور رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم اعواناً فيما تريدون، وإن شئتم مكرنا بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يتبع دينكم الذى أنتم عليه، فكتبوا إليهم: إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا العهد والميثاق من محمد، فإنا نخشى أن يغدر بنا، ثم نأتيكم فنقول وتقولون، لعله يتبع ديننا، فلما جاءهم الكتاب، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتيناك فى أمر أبى سفيان بن حرب، وأبى الأعور، وعكرمة بن أبى جهل، أن تعطيهم العهد والميثاق على دمائهم وأموالهم، فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهد قلوبهم، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ وكان حريصاً على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه، فكتب المنافقون إلى الكافرين من قريش أنا قد استمكنا من محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أعطانا وإياكم الذى تريدون، فأقبلوا على اسم اللات والعزى لعلنا نزيله إلى ما نهواه، ففرحوا بذلك. ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة، فلما دخلوا على عبد الله بن أبى، أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم، وقال: أنا عند الذى يسركم محمد أذن، ولو قد سمع كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه، فإنها نعم العون لنا ولكم، فلما رأوا ذلك منه قالوا: أرسل إلى إخواننا، فأرسل عبدالله بن أبى إلى طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم ولزم بعضهم بعضاً من الفرح وهم قيام، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمداً صلى الله عليه وسلم عن دينه. فقال عبدالله بن أبى: أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد، أقول: إنا معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد، ونحن كل يوم منه في مزيد، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير، ولكن لو شاء محمد قبل أمراً كان يكون ما عاش لنا وله ذكر فى الأولين الذين مضوا، ويذهب ذكره فى الآخرين على أن يقول: إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة، ولهما ذكر ومنفعة على طاعتهما، هذا قولى له." قال أبو سفيان: نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل، فإن محمداً زعموا أنه لن يبقى بها أحداً منا فى شدة بغضه إيانا، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا فى نفسه ما كان لقى أصحابه يوم أحد. قال عبدالله بن أبى: إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر، هو أكرم من ذلك، وأوفى بالعهد منا، فلما أصبحوا أتوه فسلمو عليه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " مرحباً بأبى سفيان اللهم اهد قلبه "، فقال أبو سفيان: اللهم يسر الذى هو خير، فجلسوا فتكلموا وعبدالله بن أبى، فقالوا: للنبى صلى الله عليه وسلم: ارفض ذكر اللات والعزة ومناة، حجر يعبد بأرض هذيل، وقل: إن لهما شفاعة ومنفعة فى الآخرة لمن عبدهما، فنظر إليه النبى صلى الله عليه وسلم وشق عليه قولهم فقال عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه: ائذن لى يا رسول الله فى قتلهم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " إنى قد أعطيتهم العهد والميثاق "، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: " لو شعرت أنكم تأتون لهذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان ". فقال أبو سفيان: ما بأس بهذا أن قوماً استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمراً، فأما إذا قطعت رجاءهم، فإنه لا ينبغى لك أن تؤذيهم، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك وأصحابك، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوباً مقتولاً، وكنت فى الأرض خائفاً لا يقبلك أحد، فزجرهم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال: اخرجوا فى لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم، وأقل خيركم وأبعدم من الخير، وأقربكم من الشر، فخرجوا من عنده، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من المدينة، فقال بعضهم لبعض: لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى بلادنا، فأعطاهم النبى صلى الله عليه وسلم ذلك "، فنزلت فيهم ﴿ يۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ يعنى تبارك وتعالى أبا سفيان، وعكرمة، وأبا الأعور، اسمه عمرو بن سفيان، ثم قال: ﴿ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ يعنى عبدالله بن أبى، وعبدالله بن سعد بن أبى سرح، وطعمة بن أبيرق.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [آية: ١].
فلما خرجوا من عنده قال النبى صلى الله عليه سلم: ما لهؤلاء؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ﴿ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ ﴾ يعنى ما فى القرآن ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [آية: ٢].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ﴾ وثق بالله فيما تسمع من الأذى ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً ﴾ [آية: ٣] ناصراً وولياً ومانعاً، فلا أحد أمنع من الله تعالى، وإنما نزلت فيها ﴿ يۤا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ من أهل مكة ﴿ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ من أهل المدينة، يعنى هؤلاء النفر الستة المسمين، ودع أذاهم إياك لقولهم للنبى صلى الله عليه وسلم: قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً ﴾ يعنى مانعاً فلا أحد أمنع من الله عز وجل، ثم قال:﴿ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ نزلت فى أبى معمر بن أنس الفهرى، كان رجلاً حافظاً لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيباً، فقالت قريش: ما أحفظ أبا معمر، إلا أنه ذو قلبين، فكان جميل يقول: إن فى جوفى قلبين أحدهما أعقل من محمد، فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله فى يده، فقال له سليمان بن الحارث: أين تذهب يا جميل؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ يعنى أوس بن الصامت بن قيس الأنصارى من بنى عوف بن الخزرج وامرأته خولة بنت قيس بن ثعلبة بن مالك بن أصرم بن حرامة من بنى عمرو بن عوف بن الخزرج. ثم قال: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم تبنى زيد بن حارثة اتخذه ولداً، فقال الناس: زيد بن محمد، فضرب الله تعالى لذلك مثلاً، فقال: ﴿ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾ ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ ﴾ فكما لا يكون للرجل الواحد قلبان، كذلك لا يكون دعى الرجل ابنه يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبى، من بنى عبد ود، كان النبى صلى الله عليه وسلم تبناه فى الجاهلية وآخى بينه وبين حمزة بن عبدالمطلب، رضى الله عنهما، فى الإسلام، فجعل الفقير أخا الغنى ليعود عليه، فلما تزوج النبى صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وكانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه، وهو ينهانا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، فلذلك قوله سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ ﴾ يعنى دعى النبى صلى الله عليه وسلم حين ادعى زيداً ولداً، فقال: هو ابنى ﴿ أَبْنَآءَكُمْ ﴾ يقول: لم يجعل أدعياءكم أبناءكم. ثم قال: ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ الذى قلتم زيد بن محمد هو ﴿ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ يقول: إنكم قلتموه بألسنتكم ﴿ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ ﴾ فيما قال من أمر زيد بن حارثة ﴿ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ ﴾ [آية: ٤] يعنى وهو يدل إلى طريق الحق، ثم أخبر كيف يقولون فى أمر زيد بن حارثة. فقال: ﴿ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ ﴾ يقول: قولوا زيد بن حارثة ولا تنسبوه إلى غير أبيه ﴿ هُوَ أَقْسَطُ ﴾ يعنى أعدل ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه، فقال: زيد أنا بن حارثة معروف نسبى، فقال الله تعالى: ﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ﴾ يقول: فإن لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه، فهو أخوكم فى الدين ومولاكم، يقول فلان مولى فلان ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ يعنى حرج ﴿ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ قبل النهى ونسبوه إلى غير أبيه ﴿ وَلَـٰكِن ﴾ الجناح فى ﴿ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ بعد النهى ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ { آية: ٥] غفوراً لما كان من قولهم من قبل أن زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم رحيماً فيما بقى، فقال رجل من المسلمين في ذلك.
فأنزل الله تعالى: ﴿ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ في الطاعة له ﴿ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعنىمن بعضهم لبعض، فلما نزلت هذه الآية، قال النبى صلى الله عليه وسلم:" من ترك دينا فعلى، ومن ترك كلا، يعنى عيالاً، فأنا أحق به، ومن ترك مالاً للورثة "ثم قال عز وجل: ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ ولا يحل لمسلم أن يتزوج من نساء النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً، ثم قال عز وجل: ﴿ وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى في المواريث ﴿ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعنى الأنصار، ثم قال: ﴿ وَٱلْمُهَاجِرِينَ ﴾ الذين هاجروا إليهم بالمدينة، وذلك أن الله تعالى أراد أنت يحرض المؤمنين على الهجرة بالمواريثا، فلما نزلت هذه الآية ورث المهاجرون بعضهم بضعاً على القرابة، فإن كان مسلماً لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا أبوه ولا أخوه المهاجر، إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر.﴿ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً ﴾ يعنى إلى أقربائكم أن توصوا لهم من الميراث للذين لم يهاجروا من المسلمين، كانوا بمكة أو بغيرها، ثم قال: ﴿ كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ [آية: ٦] يعنى مكتوباً فى اللوح المحفوظ أن المؤمنين أولى ببعض في الميراث من الكفار، فلما كثر المهاجرون رد الله عز وجل المواريث على أولى الأرحام على كتاب الله فى القسمة إن كان مهاجراً، أو غير مهاجر، فقال في آخر الأنفال:﴿ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ ﴾من المسلمين﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ﴾مهاجر، وغير مهاجر فى الميراث﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[الأنفال: ٧٥]، فنسخت الآية التى في الأنفال هذه الآية التى فى الأحزاب.﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ ﴾ يا محمد ﴿ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ﴾ فكان النبي صلى الله عليه وسلم أولهم في الميثاق وآخرهم فى البعث، وذلك أن الله تبارك وتعالى خلق آدم، عليه السلام، وأخرج منه ذريته، فأخذ على ذريته من النبين أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وأن يدعوا الناس إلى عبادة الله عز وجل وأن يصدق بعضهم بعضا، وأن ينصحوا لقومهم، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ [آية: ٧] الذى أخذ عليهم، فكل نبى بعثه الله عز وجل صدق من كان قبله، ومن كان بعده من الأنبياء، عليهم السلام. يقول عز وجل: ﴿ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ﴾ يعنى النبين، عليهم السلام، هل بلغوا الرسالة ﴿ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ بالرسل ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ٨] يعنى وجيعاً.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فى الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن حرب، ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا فى ثلاثة أمكنة على النبى اصلى الله عليه وسلم وأصحابه يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله عز وجل عليهم بالليل ريحاً باردة، وبعث الله الملائكة فقطعت الريح ألأوتاد، وأطفأت النيران، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكبرت الملائكة في ناحية عسكرهم، فانهزم المشركون من غير قتال، فأنزل الله عز وجل يذكرهم، فقال تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فى الدفع عنكم ﴿ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ ﴾ من المشركين يعنى أبا سفيان بن حرب ومن اتبعه ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً ﴾ شديدة ﴿ وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل عليه السلام ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ [آية: ٩].
ثم أخبر عن حالهم، فقال سبحانه: ﴿ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ من فوق الوادى من قبل المشرق عليهم مالك بن عوف البصرى، وعيينة بن حصن الفزارى فى ألف من غطفان معهم طليحة بن خويلد الأسدى، وحيى بن أخطب اليهودى فى اليهود يهود قريظة، وعامر بن الطفيل فى هوزان، ثم قال جل ثناؤه: ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ يعنى من بطن الوادى من قبل المغرب، وهو أبو سفيان بن حرب على أهل مكة معه يزيد بن خليس على قريش والأعور السلمى من قبل الخندق، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ ﴾ يعنى شخصت الأبصار فرقاً ﴿ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾ [آية: ١٠] يعنى الإياس من النصر، إخلاف الأمر. يقول: جل ثناؤه: ﴿ هُنَالِكَ ﴾ يعنى عند ذلك ﴿ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ بالقتال والحصر ﴿ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [آية: ١١] لما رأى الله عز وجل ما فيه المؤمنون من الجهد والضعف بعث لهم ريحاً وجنوداً من الملائكة، فأطفأت الريح نيرانهم، وألقت أبنيتهم، وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم، ونسفت التراب فى وجوههم، وجالت الدواب بعضها فى بعض، وسمعوا تكبير الملائكة فى نواحى عسكرهم فرعبوا، فقال طليحة بن خويلد الأسدى: إن محمداً قد بدأكم بالشر، فالنجاة النجاة، فنادى رئيس كل قوم بالرحيل، فانهزموا ليلاً بما استخفوا من أمتعتهم، ورفضوا بعضها لا يبصرون شيئاً من شدة الريح والظلمة، فانهزموا فذلك قوله عز وجل:﴿ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ ﴾بالريح والملائكة﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾[الأحزاب: ٢٥] يعنى منيعاً فى ملكه حين هزمهم.﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ منهم أوس بن قيظى، ومتعب بن قشير الأنصارى ﴿ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ يعنى الشك ﴿ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ [آية: ١٢] وذلك" النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه إقبال المشركين من مكة أمر فحفر كل بنى أب على حدة، وصار سلمان الفارسى فى بنى هاشم، فأتى سلمان على صخرة، فلم يستطع قلعها، فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان، فضرب به ثلاث ضربات، فانصدع الحجر وسطع نور من الحجر كأنه البرق، فقال سلمان: يارسول الله، لقد رأيت من الحجر أمراً عجيباً وأنت تضربه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " وهل رأيت "؟ قال نعم قال النبى صلى الله عليه وسلم: " رأيت الضربة الأولى قوى اليمن، وفى الضربة الثانية أبيض المدائن، وفى الضربة الثالثة مدائن الروم، ولقد أوحى الله عز وجل إلىّ بأنه يفتحهن على أمتى "". فاستبشر المؤمنون، وفشا ذلك فى المسلمين، فلما رأوا شدة القتال، والحصر ارتاب المنافقون، فأساءوا القول. قال معتب بن قشير بن عدى الأنصارى من الأوس من بنى عمرو بن عوف: يعدنا محمد فتح قصور اليمن، وفارس، والروم، ولا يستيطع أحدنا أن يبرز إلى الجلاء حتى يوضع فيه سهم هذا، والله الغرور من قول ابن عبدالمطلب، وتابعه على ذلك نفر، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ يعنى كفراً ﴿ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾.
قا معتب بن قشير: إن الذى يقول لهو الغرور، ولم يقل إن الذى وعدنا الله ورسوله غروراً، لأنه لا يصدق بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول، فيصدقه، فقال الله تعالى إن الذى قال محمد هو ما وعد الله، وهو قول الله عز وجل، فأكذب الله معتباً.﴿ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ ﴾ من المنافقين من بني سالم ﴿ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ ﴾ لا مساكن لكم ﴿ فَٱرْجِعُواْ ﴾ إلى المدينة خوفاً ورعباً من الجهد والقتال فى الخندق، يقول ذلك المنافقون بعضهم لبعض، ثم قال: ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ يعنى خالية طائعة هذا قول بنى حارثة بن الحارث، وبنى سلمة بن جشم، وهما من الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت فى ناحية من المدينة، فقالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ﴾ يعنى بضائعه ﴿ إِن ﴾ يعنى ما ﴿ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ﴾ [آية: ١٣] من القتل نزلت فى قبيلتين من الأنصار بنى حارثة وبنى سلمة بن جشم وهموا أن يتركوا أماكنهم فى الخندق ففيهم يقول الله تعالى:﴿ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾[آل عمران: ١٢٢] قالوا بعدما نزلت هذه الآية ما يسرنا أنا لم نهم بالذى هممنا إذ كان الله ولينا. قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ﴾ يقول ولو دخلت عليهم المدينة من نواحيها يعنى نواحى المدينة ﴿ ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ ﴾ يعنى الشرك ﴿ لآتَوْهَا ﴾ يعنى لأعطوها عفواً يقول: لوأن الأحزاب دخلوا المدينة، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا ﴿ وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً ﴾ [آية: ١٤] يقول: ما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً حتى يعطوا طائعين فيكفوا. ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾ قتال الخندق وهم سبعون رجلاً ليلة العقبة قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" " أشترط لربى أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونسائكم "، قالوا: فما لنا إذا فعلنا يا نبى الله، قال: لكم النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة "، فقالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: وقد كانوا عاهدوا الله من قبل، يعنى ليلة العقبة حين شرطوا للنبى صلى الله عليه وسلم المنعة ﴿ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ ﴾ منهزمين وذلك أنهم بايعوا للنبى صلى الله عليه وسلم أنهم يمنعونه مما يمنعون أنفسهم وأولادهم وأموالهم يقول الله عز جل: ﴿ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً ﴾ [آية: ١٥] يقول: أن الله يسأل يوم القيامة عن نقض العهد، فإن عدو الله إبليس سمع شرط الأنصار تلك الليلة، فصاح صيحة أيقظت الناس، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لإبليس: اخسأ عدو الله ".
﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ ﴾ لن تزدادوا على آجالكم ﴿ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ ﴾ فى الدنيا ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ١٦] يعنى إلى آجالكم القليل لا تزدادوا عليها شيئاً.﴿ قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ يعنى يمنعكم من الله ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً ﴾ يعنى الهزيمة ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ يعنى خيراً وهو النصر يقول: من يقدر على دفع السوء وصنيع الخير، نظيرها فى الفتح:﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ﴾[الفتح: ١١]، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً ﴾ يعنى قريبا فينفعهم ﴿ وَلاَ نَصِيراً ﴾ [آية: ١٧] يعنى مانعاً يمنعهم من الهزيمة إن أ راد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة.
﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ ﴾ وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق، فقالوا: ماذا الذى حملكم أن تقتلوا أنفسكم بأيدي أبى سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً، أنا نشفق عليكم، إنما أنتم إخواننا، ونحن جيرانكم.
﴿ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ﴾ فأقبل رجلان من المنافقين عبدالله بن أبى، ورجل من أصحابه على المؤمنين يعوقنهم ويخوفونهم بأبى سفيان ومن معه، قالوا لئن قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداّ، وما ترجون من محمد؟ فوالله ما يرفدنا بخير، ولا عنده خير ماهو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم فى صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا يعنون اليهود، فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيماناً وتسليماً واحتساباً، فذلك قوله عز وجل: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ ﴾ يعنى عبدالله بن أبى وأصحابه، ويعلم القائلين لأخوانهم يعنى اليهود حين دعوا إخوانهم المنافقين حين قالوا هلم إلينا. ثم قال: ﴿ وَلاَ يَأْتُونَ ﴾ يعنى المنافقين ﴿ ٱلْبَأْسَ ﴾ يعنى القتال ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ١٨] يعنى بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب، ثم أخبر المنافقين، فقال تعالى: ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾ يقول: أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم يا معشر المؤمنين، ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوباً وأضعفهم يقيناً وأسوأهم ظناً بالله عز وجل ﴿ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ ﴾ وجاءت الغنيمة ﴿ سَلَقُوكُمْ ﴾ يعنى رموكم، يعنى عبد الله بن أبى وأصحابه، يقول: ﴿ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾ يعنى ألسنة سليطة باسطة بالشر يقولون: أعطونا الغنيمة فقد كنا معكم فلستم بأحق بها منا، يقول الله عز وجل: ﴿ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ﴾ يعنى الغنيمة ﴿ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ ﴾ بالنبى صلى الله عليه وسلم ولم يصدقوا بتوحيد الله ﴿ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يقول أبطل جهادهم لأن أعمالهم خبيثة وجهادهم لم يكن فى إيمان ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ يعنى حبط أعمالهم ﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ﴾ [آية: ١٩] يعنى هينا. ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل: ﴿ يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ ﴾ وذلك أن الأحزاب الذين تحزبوا على النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضى الله عنهم، فى الخندق، وكان أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، وكان على بنى المصطلق وهم من خزاعة يزيد بن الحليس الخزاعى، وكان على هوازن، ومالك بن عوف النضرى، وكان على بنى غطفان عيينة بن حصن بن بدر الفزارى وكان على بنى أسد طلحة بن خويلد الفقسى من بنى أسد، ثك كانت اليهود فقذف الله عز وجل فى قلوبهم الرعب، وأرسل عليهم ريحاً وهى الصبا فجعلت تطفىء نيرانهم وتلقى أبنيتهم وأنزل جنوداً لم تروها من الملائكة فكبروا فى عسكرهم فلما سمعوا التكبير قذف الله تعالى الرعب فى قلوبهم، وقالوا: قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين عن الخندق والرعب الذى نزل بهم فى الخندق ﴿ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ ﴾ يعنى وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال ﴿ يَوَدُّواْ ﴾ يعنى يود المنافقين ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ ﴾ ولم يشهدوا القتال ﴿ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ ﴾ يعنى عن حديثكم وخير ما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ﴿ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ ﴾ يشهدون القتال ﴿ مَّا قَاتَلُوۤاْ ﴾ يعنى المنافقين ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٢٠] يقول: ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من غير حسبة.
ثم قال عز وجل: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ أن كسرت رباعيته وجرح فوق حاجبه وقتل عمه حمزة وآساكم بنفسه فى مواطن الحرب والشدة ﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ ﴾ يعنى لمن كان يخشى الله عز وجل ويخشى البعث الذى فيه جزاء الأعمال ﴿ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ [آية: ٢١] ثم نعت المؤمنين فقال: ﴿ وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ ﴾ يوم الخندق، أبا سفيان وأصحابه وأصابهم الجهد وشدة القتال ﴿ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ فى البقرة حين قال:﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ ﴾[الآية: ٢١٤].
وقالوا: ﴿ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ ما قال فى سورة البقرة، يقول الله عز وجل: ﴿ وَمَا زَادَهُمْ ﴾ الجهد والبلاء فى الخندق ﴿ إِلاَّ إِيمَاناً ﴾ يعنى تصديقاً بوعد الله عز وجل فى سورة البقرة أنه يبتليهم ﴿ وَتَسْلِيماً ﴾ [آية: ٢٢] لأمر الله وقضائه، ثم نعت المؤمنين فقال: ﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ ليلة العقبة بمكة ﴿ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ ﴾ يعنى أجله فمات على الوفاء يعنى حمزة وأصحابه قتلوا يوم أحد، رضى الله عنهم.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ﴾ يعنى المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد ﴿ وَمَا بَدَّلُواْ ﴾ العهد ﴿ تَبْدِيلاً ﴾ [آية: ٢٣] كما بدل المنافقين، ثم قال: ﴿ لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ﴾ بالإيمان والتسليم ﴿ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ بوفاء العهد ﴿ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ بنقض العهد ﴿ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ فيهديهم من النفاق إلى الإيمان ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [آية: ٢٤] يقول: الله عز وجل: ﴿ وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ ﴾ يعنى أبا سفيان وجموعه من الأحزاب بغيظهم ﴿ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً ﴾ فى ملكه ﴿ عَزِيزاً ﴾ [آية: ٢٥] فى حكمة، ثم ذكر يهود أهل قريظة حُيي بن أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال النبى صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل ﴿ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ ﴾ يعنى أعانوهم، تعنى اليهود أعانوا المشركين على قتال النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك" أن الله عز وجل حين هزم المشركين عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل عليه السلام على فرس، فقال صلى الله عليه وسلم " يا جبريل، ما هذا الغبار على وجه الفرس "، فقال: هذا الغبار من الريح التى أرسلها الله على أبى سفيان ومن معه فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه، فقال له جبريل عليه السلام: سر إلى بنى قريظة فإن الله عز وجل داقهم لك دق البيض على الصفا. فسار النبى صلى الله عليه وسلم إلى يهود بنى قريطة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأنصارى فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم فكبر النبى صلى الله عليه وسلم وقال: " لقد حكم الله عز وجل ولقد رضى الله على عرشه بحكم سعد "، وذلك أن جبريل كان قال للنبى صلى الله عليه وسلم: سر إلى بنى قريظة فاقتل مقاتلتهم واسب ذراريهم فإن الله عز وجل قد أذن لك فهم لك طعمة، فذلك قوله عز وجل ﴿ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم ﴾ يعنى اليهود أعانوا أبا سفيان ﴿ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ ﴾ يعنى قريظة ﴿ مِن صَيَاصِيهِمْ ﴾ يعنى من حصونهم ﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً ﴾ يعنى طائفة ﴿ تَقْتُلُونَ ﴾ فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً ﴿ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ﴾ [آية: ٢٦] يعنى وتسبون طائفة سبعمائة وخمسين ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا ﴾ يعنى خيبر ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من القرى وغيرها ﴿ قَدِيراً ﴾ [آية: ٢٧] أن، يفتحها على المسلمين. فقال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ألا تخمس كما خمست يوم بدر، قال: هذا قد جعله الله لى دون المؤمنين، فقال عمر، رضى الله عنه: رضينا وسملنا لرسول الله عز وجل فقسم النبى صلى الله عليه وسلم فى أهله منها عشرين رأسا ثم جعل النبى صلى الله عليه وسلم بقيته نصفين فبعث النصف مع سعد بن عبادة الأنصارى إلىالشام وبعث بالنصف الباقى مع أوس بن قيظى من الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلا عظيمة فقسمها النبى صلى الله عليه وسلم فى المسلمين وتوفى سعد بن معاذ، رضى الله عنه، من رمية أصابت أكحله يوم الخندق فانتفضت جراحته فنزفت الدم فما رحمه الله وقد اعتقه النبى صلى الله عليه وسلم فاتبع النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون جنازته فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" لقد اهتز العرش لموت سعد بن معاذ "، رضى الله عنه.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ يقول كما يمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوى المهر ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ [آية: ٢٨] يقول: حسناً فى غير ضرار.﴿ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ ﴾ يعنى الجنة ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [آية: ٢٩] يعنى الجنة. فقالت عائشة بنت أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، حين خيرهن النبى صلى الله عيله وسلم: بل نختار الله والدار الآخرة، ومالنا وللدنيا إنما جعلت الدنيا دار فناء والآخرة هى الباقية أحب إلينا من الفانية، فرضى نساؤه كلهن بقول عائشة، رضى الله عنها، فلما اخترن الله ورسوله أنزل الله عز وجل:﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾إلى آخر الآية [آية: ٥٢].
﴿ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ يعنى العصيان للنبى صلى الله عليه وسلم ﴿ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ فى الآخرة ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ﴾ [آية: ٣٠] يقول: وكان عذابها على الله هيناً.﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعنى ومن يطع منكن الله ورسوله ﴿ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾ فى الآخرة بكل صلاة أو صيام أو تكبير أو تسبيح لها مكان كل حسنة يكتب عشرون حسنة ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ﴾ [آية: ٣١] يعنى حسناً، وهى الجنة. ثم قال: ﴿ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ ﴾ يعنى الله، فإنكن معشر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم تنظرن إلى الوحى فأنتن أحق الناس بالتقوى ﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ ﴾ يقول: فلا تومين بقول يقارف الفاحشة ﴿ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ يعنى الفجور فى أمر الزنا فزجرهن الله عز وجل عن الكلام مع الرجال وأمرهن بالعفة وضرب عليهن الحجاب ثم قال تعالى: ﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ [آية: ٣٢] يعنى قولاً حسناً يعرف ولا يقارف الفاحشة، ومن يقذف نبياً، أو امرأة نبى فعليه حدّان سوى التغريب الذى يراه الإمام. ثم قال عز وجل: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ ولا تخرجن من الحجاب ﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ ﴾ والتبرج أنها تلقى الخمار عن رأسها ولا تشده، فيرى قرطها وقلائدها.
﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ ﴾ قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، مثل قوله:﴿ عَاداً ٱلأُولَىٰ ﴾[النجم: ٥٠] أمرهن أيضاً بالعفة وأمر بضرب الحجاب عليهن، ثم قال: ﴿ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ ﴾ يقول: وأعطين الزكاة ﴿ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ ﴾ يعنى الإثم نهاهن عنه فى هذه الآيات. ومن الرجس الذى يذهبه الله عنهن إنزال الآيات بما أمرهن به. فإن تركهن ما أمرهن به وارتكابهن ما نهاهن عنه من الرجس، فذلك قوله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ ﴾ يا ﴿ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ﴾ يعنى نساء النبى صلى الله عليه وسلم لأنهن فى بيته ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾ من الإثم الذى ذكر فى هذه الآيات ﴿ تَطْهِيـراً ﴾ [آية: ٣٣].
وحدثنى أبى، عن الهذيل، فقال: قال مقاتل بن سليمان: يعنى به نساء النبى صلى الله عليه وسلم كلهن وليس معهن ذكر.﴿ وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى القرآن ﴿ وَٱلْحِكْـمَةِ ﴾ يعنى أمره ونهيه فى القرآن فوعظهن ليتفكرن وامتن عليهن ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ [آية: ٣٤] يعنى لطيف علهين فنهاهن أن يخضعن بالقول خبيراً به.
﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ ﴾ وذلك أن أم سلمة بنت أبى أمية أم المؤمنين، ونسيبة بنت كعب الأنصارى، قلن ما شأن ربنا يذكر بنت أبى أمية ولا يذكر النساء فى شيء من كتابه نخشى أن لا يكون فيهن خير، ولا لله فيهن حاجة، وقد تخلى عنهن. فأنزل الله من تعالى فى قول أم سلمة، ونسيبة بنت كعب ﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ يعنى المصدقين بالتوحيد والمصدقات ﴿ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ ﴾ يعنى المطيعين والمطيعات ﴿ وَٱلصَّادِقِينَ ﴾ فى أيمانهم ﴿ وَٱلصَّادِقَاتِ ﴾ فى إيمانهن ﴿ وَٱلصَّابِرِينَ ﴾ على أمر الله عز وجل ﴿ وَٱلصَّابِرَاتِ ﴾ عليه ﴿ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ ﴾ يعنى المتواضعين والمتواضعات، قال مقاتل: من لا يعرف فى الصلاة من عن يمينه ومن عن يساره من الخشوع لله عز وجل، فهو منهم.﴿ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ بالمال ﴿ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾ به ﴿ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ ﴾ قال مقاتل: من صام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر، فهو من الصائمين، فهو من أهل هذه الآية.
﴿ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ ﴾ عن الفواحش ﴿ وَٱلْحَافِـظَاتِ ﴾ من الفواحش ﴿ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾ باللسان والذاكرات الله كثيراً باللسان ﴿ وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم ﴾ في الآخرة ﴿ مَّغْفِرَةً ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْراً ﴾ يعنى وجزاء ﴿ عَظِيماً ﴾ [آية: ٣٥] يعنى الجنة وأنزل الله عز وجل أيضاً فى أم سلمة، رضى الله عنها، فى آخر آل عمران:﴿ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ﴾[آل عمران: ١٩٥] وفى حم المؤمن:﴿ مَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ﴾ يعنى عبدالله بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة بن غنم بن دودان الأسدى، ثم قال: ﴿ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ ﴾ يعنى زينب بنت جحش أخت عبدالله بن جحش، وذلك" أن النبى صلى الله عليه سلم خطب زينب بنت جحش على زيد بن حارثة، وزينب هى بنت عمة النبى صلى الله عليه وسلم، وهى بنت أميمة بنت عبدالمطلب، فكره عبدالله أن يزوجها من زيد، وكان زيد أعرابياً فى الجاهلية مولى فى الإسلام، وكان أصابه النبى صلى الله عليه وسلم من سبى أهل الجاهلية، فأعتقه وتبناه، فقالت زينت: لا أرضاه لنفسى، وأنا أتم نساء قريش، وكانت جميلة بيضاء، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " قد رضيته لك "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ﴾ يعنى عبدالله بن جحش.
﴿ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ ﴾ يعنى زينب ﴿ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ وذلك أن زيد بن حارثة الكلبى، قال: يا نبى الله، أخطب علىّ، فقال النبيّ صلى لله عليه وسلم: " ومن يعجبك من النساء "؟ فقال: زينب بنت جحش، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " لقد أصبت أن لا نألو غير الحسن والجمال، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك نفساً ". فقال زيد: يا نبى الله، إنك إذا كلمتها، وتقول: إن زيداً أكرم الناس علىّ، فإن هذه امرأة حسناء، وأخشى أن تردنى، فذلك أعظم في نفسى من كل شىء، وعمد زيد إلى علىّ، رضى الله عنه، فحمله على أن يكلم النبى صلى الله عليه وسلم، فقال له زيد: انطلق إلى النبى، فإنه لن يعصيك، فانطلق علىّ معه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فإنى فاعل، وإنى مرسلك يا علىّ على أهلها، فتكلمهم، فرجع على النبى صلى الله عليه وسلم إنى قد رضيته لكم، وأقضى أن تنكحوه، فأنكحوه. وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما وخماراً وملحفة ودرعاً وإزارا، وخمسين مداً من طعام وعشرة أمداد من تمر أعطاه النبى صلى الله عليه وسلم ذلك كله، ودخل بها زيد، فلم يلبث إلا يسيراً حتى شكا إلى النبى صلى الله عليه وسلم ما يلقى منها، فدخل النبى صلى الله عليه وسلم فوعظها، فلما كلمها أعجبه حسنها وجمالها وظرفها، وكان أمراً قضاه الله عز وجل، ثم رجع النبى صلى الله عليه وسلم وفى نفسه منها ما شاء الله عز وجل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل زيداً بعد ذلك كيف هى معك؟ فيشكوها إليه، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم " اتق الله وأمسك عليك زوجك "، وفى قلبه غير ذلك، فأنزل الله عز وجل ﴿ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً ﴾ [آية: ٣٦] يعنى بينا، فلما نزلت هذه الآية جعل عبدالله بن جحش أمرها إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وقالت زينب للنبى صلى الله عيله وسلم: قد جعلت أمرى بيدك يا رسول الله، فأنكها النبى صلى الله عليه وسلم زيداً، فمكثت عنده حيناً، ثم إن النبى صلى الله عليه وسلم أتى زيداً فأبصر زينت قائمة، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش، فهويها النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: " سبحان الله مقلب القلوب "، ففطن زيد، فقال: يا رسول الله، ائذن لى فى طلاقها، فإن فيها كبراً، تعظم علىّ وتؤذينى بلسانها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " أمسك عليك زوجك واتق الله "، ثم إن زيداً طلقها بعد ذلك. فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ ﴾ يا محمد ﴿ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ بالإسلام ﴿ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ بالعتق وكان زيد أعرابياً فى الجاهلية مولى فى الإسلام، فسبى فأصابه النبى صلى الله عليه وسلم فأعتقه ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ ﴾ يعنى وتسر فى قلبك يا محمد ليت أنه طلقها ﴿ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ يعنى مظهره عليك حين ينزل به قرآناً ﴿ وَتَخْشَى ﴾ قاله ﴿ ٱلنَّاسَ ﴾ فى أمر زينب ﴿ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾ فى أمرها، فقرأ النبى صلى الله عليه وسلم هذه الآية على الناس، بما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها، فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لزكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن لكتم هذه التى ظهرت عليه، يقول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً ﴾ يعنى حاجة وهى الجماع ﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم، فطلقها زيداً بن حارثة، فلما انقضت عدتها تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم، وكانت زينب رضى الله عنها، تفخر على نساء النبى صلى الله عليه وسلم، فتقول: زوجكن الرجال، والله عز وجل زوجنى نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم قال عز وجل: ﴿ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ ﴾ تزويج نساء ﴿ أَدْعِيَآئِهِمْ ﴾ يقول: لكيلا يكون على الرجل حرج فى أن يتزوج أمرأة ابنه الذى تبناه، وليس من صلبه ﴿ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً ﴾ يعنى حاجة، وهو الجماع ﴿ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً ﴾ [آية: ٣٧] يقول الله عز وجل: كان تزويج النبى صلى الله عليه وسلم زينب كائناً، فلما تزوجها النبى صلى الله عليه سلم، قال أنس: إن محمداً تزوج امرأة ابنه، وهو ينهانا عن تزويجهن.
فأنزل الله تبارك وتعالى فى قولهم: ﴿ مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ ﴾ يقول: فيما أحل الله له.
﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ ﴾ يقول: هكذا كانت سنة الله فى الذين خلوا من قبل محمد، يعنى داود النبى صلى الله عليه وسلم حين هوى المرأة التى فتن بها، وهى امرأة أوريا بن حنان، فجمع الله بين داود، وبين المرأة التى هويها، وكذلك جمع الله عز وجل بين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين زينب إذ هويها كما فعل بداود عليه السلام، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ [آية: ٣٨] فقد الله عز وجل لداود ومحمد تزويجهما.﴿ ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم خاصة ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم، يقول: محمد يخشى الله أن يكتم عن الناس ما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها ﴿ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ ﴾ فى البلاغ عن الله عز وجل ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً ﴾ [آية: ٣٩] يعنى شهيداً فى أمر زينب إذ هويها فلا شاهد أفضل من الله عز وجل. وأنزل الله عز وجل فى قول الناس إن محمداً تزوج امرأة ابنه ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ يعنى زيد بن حارثة، يقول: إن محمداً ليس بأب لزيد ﴿ وَلَـٰكِن ﴾ محمداً ﴿ رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ ﴾ يعنى آخر النبيين لا نبى بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أن لمحمد ولداً لكان نبياً رسولاً، فمن ثم قال: ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ [آية: ٤٠] يقول: لو كان زيد بن محمد لكان نبياً، فلما نزلت ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ قال النبى صلى الله عليه وسلم لزيد:" لست لك بأب "فقال زيد: يا رسول الله، أنا زيد بن حارثة معروف نسبى.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ﴾ باللسان ﴿ ذِكْراً كَثِيراً ﴾ [آية: ٤١]﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [آية: ٤٢] يعنى صلوا بالغداة الفجر والعشى، يعنى الظهر والعصر.﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ ﴾ نزلت في الأنصار يقول: هو الذى يغفر لكم ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم ﴿ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾ يعنى لكي يخرجكم من الظلمات إلى النور يعنى من الشرك إلى الإيمان ﴿ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾ [آية: ٤٣].
﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ ﴾ يعنى يوم يلقون الرب عز وجل في الآخرة سلام، يعنى تسليم الملائكة عليهم ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ﴾ [آية: ٤٤] يعنى أجراً حسناً في الجنة.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ﴾ على هذه الأمة تبلغ الرسالة ﴿ وَمُبَشِّراً ﴾ بالجنة والنصر فى الدنيا على من خالفهم ﴿ وَنَذِيراً ﴾ [آية: ٤٥] من النار.﴿ وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ ﴾ يعنى إلى معرفة الله عز وجل بالتوحيد ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ يعنى بأمره ﴿ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ [آية: ٤٦] يعنى هدى مضيئاً للناس ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً ﴾ [آية: ٤٧] يعنى الجنة.﴿ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ من أهل مكة: أبا سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبى جهل، وأبا الأعور السلمى.
﴿ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ عبد الله بن أبى، وعبدالله بن سعد، وطعمة بن أبيرق، حين قال أبو سفيان ومن معه من هؤلاء النفر: يا محمد ارفض ذكر آلهتنا، وقل: إن لهما شفاعة ومنفعة لمن عبدها، ثم قال: ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ ﴾ إياك يعنى الذين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم قل: إن لآلهتنا شفاعة ﴿ وَتَوَكَّـلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ يعنى وثق بالله ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِـيلاً ﴾ [آية: ٤٨] يعنى مانعاً.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ يعنى إذا تزوجتم المصدقات بتوحيد الله ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ يعنى من قبل أن تجامعوهن ﴿ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ إن شاءت تزوجت من يومها ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾ [آية: ٤٩] يعنى حسناً فى غير ضرار.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ يعنى النساء التسع ﴿ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ﴾ أحللنا لك ﴿ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعنى بالولاية: مارية القبطية أم إبراهيم، وريحانة بن عمرو اليهودى، وكانت سبيت من اليهود ﴿ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَ ﴾ أحللنا لك ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ إلى المدينة إضمار فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا يحل تزويجها. ثم قال تعالى: ﴿ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا ﴾ يعنى أن يتزوجها بغير مهر، وهى أم شريك بنت جابر بن ضباب بن حجر من بنى عامر بن لؤى، وكانت تحت أبى الفكر الأزدى، وولدت له غلامين شريكاً ومسلماً، ويذكرون أنه نزل عليها دلو من السماء فشربت منه، ثم توفى عنها زوجها أبو الفكر، فوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها، ولو فعله لكان له خاصة دون المؤمنين. فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها فإنه لا يحل للنبى صلى الله عليه وسلم أ، يتزوجها، ثم قال: ﴿ خَالِصَةً لَّكَ ﴾ الهبة يعنى خاصة لك، يا محمد ﴿ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من المؤمنين، وكانت أم شريك قبل أن تهب نفسها بغير للنبى صلى الله عليه وسلم امرأة أبى الفكر الأزدى، ثم الدوسى من رهط أبى هريرة. ثم أخبر الله عن المؤمنين، فقال: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ يعنى ما أوجبنا على المؤمنين ﴿ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ ﴾ ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة ﴿ وَ ﴾ أحللنا لهم ﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ يعنى جماع الولاية ﴿ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ ﴾ يا محمد ﴿ حَرَجٌ ﴾ فى الهبة بغير مهر فيها تقديم ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [آية: ٥٠] غفوراً فى التزويج بغير مهر للنبى صلى الله عليه وسلم رحيماً فى تحليل ذلك له.
ثم قال تعالى: ﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ ﴾ توقف من بنات العم والعمة والخال والخالة فلا تزوجها ﴿ وَتُؤْوِيۤ ﴾ يعنى وتضم ﴿ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ﴾ منهن فتتزوجها فخير الله عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم فى تزويج القرابة، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ ﴾ منهن فتزوجتها ﴿ مِمَّنْ عَزَلْتَ ﴾ منهن ﴿ فَلاَ جُنَاحَ ﴾ يعنى فلا حرج ﴿ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ ﴾ يقول: ذلك أجدر ﴿ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾ يعنى نساء النبى صلى الله عليه وسلم التسع اللاتى اخترنه، وذلك أنهن قلن لو فتح الله مكة على النبى صلى الله عليه وسلم فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا، فقال الله عز وجل: ﴿ وَلاَ يَحْزَنَّ ﴾ إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من تزويج القرابة، ثم قال: ﴿ وَيَرْضَيْنَ ﴾ يعنى نساءه التسع ﴿ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ ﴾ يعنى بما ﴿ كُلُّهُنَّ ﴾ من النفقة، وكان في نفقتهن قلة ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ﴾ [آية: ٥١] ذو تجاوز. ثم حرم على النبى تزويج النساء غير التسع اللاتى اخترنه، فقال: ﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ ﴾ أزواجك التسع اللاتى عندك، يقول: لا يحل لك أن تزداد عليهن ﴿ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ ﴾ يعنى نساءه التسع ﴿ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ يعنى أسماء بنت عميس الخثعمية التى كانت امرأة جفعر ذى الجناحين، ثم قال تعالى: ﴿ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعنى الولاية، ثم حذر النبى صلى الله عليه وسلم أن يركب فى أمرهن ما لا ينبغى، فقال ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من العمل ﴿ رَّقِيباً ﴾ [آية: ٥٢] حفيظاً.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ يعنى نضجه وبلاغه ﴿ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ ﴾ على النبى صلى الله عليه وسلم فى بيته ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ ﴾ الطعام ﴿ فَٱنْتَشِرُواْ ﴾ يعنى فقوموا من عنده وتفرقوا ﴿ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ وذلك أنهم كانوا يجلسون عند النبى صلى الله عليه وسلم قبل الطعام وبعد الطعام، وكان ذلك فى بيت أم سلمة بنت أبى أمية أم المؤمنين، فيتحدثون عنده طويلاً، فكان ذلك يؤذيه ويستحيى أن يقول لهم قوموا وربما أحرج النبى صلى الله عليه وسلم، وهو فى بيته يتحدثون، فذلك قوله عز وجل ﴿ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ ﴾ ثم أمر الله تبارك وتعالى نبيه بالحجاب على نسائه، فنزل الخيار والتيمم فى أمر عائشة. ونزل الحجاب فى أمر زينب بنت جحش، فامر الله تعالى المؤمين ألا يكلموا نساء النبى إلا من وراء حجاب، فذلك قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ﴾ من الريبة ﴿ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ وأطهر لقلوبهن من الريبة، فقال طلحة بن عبيدالله القرشى من بنى تميم بن مرة: ينهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا، يعنى عائشة، رضى الله عنها، وهما من بنى تيم بن مرة، ثم قال فى نفسه: والله، لئن مات محمد وأنا حى لأتزوجن عائشة، فأنزل الله تعالى فى قول طلحة بن عبيدالله ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً ﴾ [آية: ٥٣] لأن الله جعل نساء النبى صلى الله عليه وسلم على المؤمنين فى الحرمة كأمهاتهم. فمن ثم عظم الله تزويجهن على المؤمنين، ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم وعلانيتهم، فقال: ﴿ إِن تُبْدُواْ ﴾ إن تظهروا ﴿ شَيْئاً ﴾ من أمركم يعنى طلحة لقوله يمنعنا محمد من الدخول على بنات عمنا، فأعلن هذا القول ثم قال: ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ يعنى أو تسروه فى قلوبكم يعنى قوله: لأتزوجن عائشة بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من السر والعلانية ﴿ عَلِيماً ﴾ [آية: ٥٤].
ثم رخص فى الدخول على نساء النبى صلى الله عليه وسلم من غير حجاب لأهل القرابة، فقال: ﴿ لاَّ جُنَاحَ ﴾ يعنى لا حرج ﴿ عَلَيْهِنَّ ﴾ فى الدخول على نساء النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ فِيۤ آبَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَآئِهِنَّ ﴾ يعنى كل حرة مسلمة ﴿ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ يعنى عبيد نساء النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا عليهن من غير حجاب أن يكون منهن، أو منهم من لا يصلح فقال لهن: ﴿ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ﴾ فى دخولهم عليكن ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أعمالكم ﴿ شَهِيداً ﴾ [آية: ٥٥] لم يغيب عن الله عز وجل من يدخل عليهن إن كان منهن، أو منهم ما لا يصلح.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ ﴾ صلى الله عليه وسلم، أما صلاة الرب عز وجل فالمغفرة للنبى صلى الله عليه وسلم، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ ﴾ يعنى استغفروا للنبى صلى الله عليه وسلم ﴿ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [آية: ٥٦] فلمانزلت هذه الآية قال المسلمون: هذه لك، يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾[الأحزاب: ٤٣].
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم نزلت فى اليهود من أهل المدينة، وكان أذاهم الله عز وجل أن زعموا أن لله ولداً، وأنهم يخلقون كما يخلق الله عز وجل يعنى التماثيل والتصاوير، وأما أذاهم للنبى صلى الله عليه وسلم، فإنهم زعموا أن محمداً ساحر مجنون شاعر كذاب ﴿ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى باللعنة فى الدنيا العذاب والقتل والجلاء، وأما فى الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [آية: ٥٧] يعنى عذاب الهوان.﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً ﴾ والبهتان ما لم يكن ﴿ وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ [آية: ٥٨] يعنى بيناً، يقال: نزلت فى على بن إبى طالب، رضى الله عنه، وذلك أن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه، وأن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، قال فى خلافته لأُبى ابن كعب الأنصارى إنى قرأت هذه الآية: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ إلى آخر الآية، فوقعت منى كل موقع، والله إنى لأضربهم وأعاقبهم، فقال له أبى بن كعب، رحمه الله: إنك لست منهم إنك مؤدب معلم.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ﴾ يعنى القناع الذى يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم، فنزلوا مع الأنصار فى ديارهم فضاقت الدور عنهم، وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخيل فيقضين حوائجهن، يعنى البراز، فكان المريب يرصد النساء بالليل، فيأتيها فيعرض عليها ويغمزها، فإن هويت الجماع أعطاها أجرها، وقضى حاجته، وإن كانت عفيفة صاحت فتركها، وإنما كانوا يطلبون الولايد، فلم تعرف الأمة فى الحرة بالليل، فذكر نساء المؤمنين ذلك لأزواجهن، وما يلقين بالليل من الزناة، فذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، فأنز الله عز وجل: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ﴾ يعنى القناع فوق الخمار ﴿ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ ﴾ يعنى أجدر ﴿ أَن يُعْرَفْنَ ﴾ فى زيهن أنهن لسن بمربيات، وأنهن عفايف، فلا يطمع فيهن أحد ﴿ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ﴾ بالليل ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً ﴾ فى تأخير العذاب عنهم ﴿ رَّحِيماً ﴾ [آية: ٥٩] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة. ثم أوعدهم، فقال للنبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ عن نفاقهم ﴿ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ الفجور وهم الزناة، ثم نعتهم بأعمالهم الخبيثة، فقال: ﴿ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ ﴾ يعنى المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة بما يكرهون من عدوهم، يقول: لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف والنفاق ﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ بِهِمْ ﴾ يقول: لنحملنك على قتلهم ﴿ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٦٠].
ونجعلهم ﴿ مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ ﴾ فأوجب لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا وأدركوا ﴿ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً ﴾ [آية: ٦١] يقول: خذوهم واقتلوهم قتالاً، فانتهوا عن ذلك مخافة القتل.﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ ﴾ هكذا كانت سنة الله فى أهل بدر القتل، وهكذا سنة الله فى هؤلاء الزناة وفى المرجفين القتل، إن لم ينتهوا ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ [آية: ٦٢] يعنى تحويلاً لأن قوله عز وجل حق فى أمر القتل.
﴿ يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ﴾ يعنى القيامة، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فسأله رجل عن الساعة، فأوحى الله عز وجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾ يعنى القيامة ﴿ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ [آية: ٦٣].
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾ [آية: ٦٤] يعنى وقوداً.﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً ﴾ يمنعهم ﴿ وَلاَ نَصِيراً ﴾ [آية: ٦٥] يعنى ولا مانعاً يمنعهم من العذاب ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ ﴾ [آية: ٦٦] يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم.﴿ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا ﴾ فهذا قول الأتباع من مشركى العرب من أهل مكة، قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا، نزلت فى اثنى عشر رجلاً وهم المطعمون يوم بدر فيهم أبو جهل بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكبراءنا، يعنى ذوى الأسنان منا فى الكفر ﴿ فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ ﴾ [آية: ٦٧] يعنى المطعمين فى غزوة بدر والمستهزئين من قريش فأضلونا عن سبيل الهدى، يعنى التوحيد. ثم قال: الأتباع: ﴿ رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ﴾ يعنون القادة والرءوس من كفار قريش ﴿ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ﴾ [آية: ٦٨] يعنى عظيماً، يعنى اللعن على أثر اللعن.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ ﴾ وذلك أن الله عز وجل وعظ المؤمنين ألا يؤذوا محمداً فيقولون زيد بن محمد، فإن ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم أذى كما آذت بنو إسرائيل موسى وزعموا أنه آدر. وذلك أن موسى، عليه السلام، كان فيه حياء شديد وكان لا يغتسل فى نهر، ولا غيره إلا عليه إزار، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، فقالوا: ما يمنع موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آذر، فانطلق موسى، عليه السلام، ذات يوم يغتسل فى عين بأرض الشام، واستتر بصخرة ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة بثيابه، وأتبعها موسى، عليه السلام، متجرداً، فلحقها فضربها بعصاه، وكان موسى، عليه السلام، لا يضع العصا من يده حيث ما كان، وقال لها: ارجعى إلى مكانك، فقالت: إنما أنا عبد مأمور لم تضربنى فردها إلى مكانها، فنظرت إليه بنو إسرائيل، فإذا هو من أحسن الناس خلقاً وأعدلهم صورة، وكان سليماً ليس الذى قالوا: فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ ﴾ إنه آدر ﴿ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً ﴾ [آية: ٦٩] يعنى مكيناً.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [آية: ٧٠] يعنى قولاً عدلاً، وهو التوحيد.﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ ﴾ يعنى يزكى لكم ﴿ أَعْمَالَكُمْ ﴾ بالتوحيد ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [آية: ٧١] يقول: قد نجا بالخير وأصاب منه نصيباً وافراً.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ ﴾ وهى الطاعة ﴿ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ ﴾ على الثواب والعقاب إن أحسنت جوزيت، وإن عصيت عوقبت ﴿ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ يعنى الطاعة على الثواب والعقاب، فلم يطقنها ﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ وأشفقن من العذاب مخافة ترك الطاعة، فقيل لآدم، عليه السلام: أتحملها بما فيها، قال آدم: وما فيها يا رب؟ قال: إن أطعت جوزيت، وإن عصيت عوقبت، قال آدم: قد حملتها بما فيها، قال الله عز وجل: فلم يلبث فى الجنة إلا قليلا، يعنى ساعتين من يموه حتى عصى ربه عز وجل، وخان الأمانة، فذلك قوله عز وجل ﴿ وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ ﴾ يعنى آدم، عليه السلام.
﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً ﴾ لنفسه بخطيئته ﴿ جَهُولاً ﴾ [آية: ٧٢] بعاقبه ما تحمل من الطاعة على الثواب والعقاب.﴿ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ ﴾ يقول: عرضنا الأمانة على الإنسان لكى يعذب الله المنافقين ﴿ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ﴾ بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل، ونقضوا الميثاق الذى أفروا به على أنفسهم، يوم أخرجهم من ظهر آدم، عليه السلام، حين قال عز وجل:﴿ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾[الأعراف: ١٧٢]، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا الطاعة يعنى التوحيد ﴿ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ ﴾ يقول: ولكى يتوب الله ﴿ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً ﴾ لذنوبهم ﴿ رَّحِيماً ﴾ [آية: ٧٣] بهم.
Icon