تفسير سورة الأحزاب

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
سورة الأحزاب مدنية، وآياتها ٧٣ آية، نزلت بعد سورة آل عمران، وتقع أحداث السورة فيما بين السنة الثانية والسنة الخامسة من الهجرة، وهي فترة حرجة لم يكن عود المسلمين قد اشتد فيها إذ كانوا يتعرضون لدسائس المنافقين واليهود.
وسميت هذه السورة بهذا الاسم لذكر غزوة الأحزاب فيها في قوله تعالى : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا.. ( الأحزاب : ٢٠ ).
أحداث السورة
تتناول سورة الأحزاب قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة، في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية، وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة، تصويرا واقعيا مباشرا وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشئ.
ولهذه الفترة التي تتناولها السورة من حياة الجماعة المسلمة سمة خاصة فهي الفترة التي بدأ فيها بروز ملامح الشخصية المسلمة في حياة الجماعة وفي حياة الدولة، ولم يتم استقرارها بعد ولا سيطرتها الكاملة كالذي تم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا واستتباب الأمر للدولة الإسلامية.
والسورة تتولى جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة، وبيان أصولها من العقيدة والتشريع كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد وفي ثنايا الحديث عن تلك الأوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة، ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة، وما وقع من خلخلة وأذى بسبب هذه الدسائس وتلك المواقف كما تعرض بعدها دسائسهم وكيدهم للمسلمين في أخلاقهم وبيوتهم ونسائهم.
ونقطة الاتصال في سياق السورة بين تلك الأوضاع والنظم وهاتين الغزوتين وما وقع فيهما من أحداث هي علاقة هذه وتلك بموقف الكافرين والمنافقين واليهود وسعى هذه الفئات لإيقاع الاضطراب في صفوف الجماعة المسلمة، سواء عن طريق الهجوم الحربي والإرجاف في الصفوف والدعوة إلى الهزيمة، أو عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية والآداب الخلقية، ثم ما تنشأ في أعقاب الغزوات والغنائم من آثار في حياة الجماعة المسلمة، تقتضي تعديل بعض الأوضاع الاجتماعية ومن هذا الجانب وذاك تبدو وحدة السورة وتماسك سياقها وتناسق موضوعاتها المنوعة وهذا وذاك إلى جانب وحدة الزمن تربط بين الأحداث والتنظيمات التي تتناولها السورة.
فصول السورة
يمكن أن نقسم سورة الأحزاب إلى خمسة فصول يبدأ الفصل الأول منها بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم على تقوى الله وعدم الطاعة للكافرين والمنافقين واتباع ما يوحى إليه ربه والتوكل عليه وحده.
وبعد ذلك يلقى بكلمة الحق والفصل في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية مبتدئا ببيان أن الإنسان لا يملك إلا قلبا واحدا، ومن ثم يجب أن يتجه إلى إله واحد، وأن يتبع نهجا واحدا ولذلك يأخذ في إبطال عادة الظهار وهو أن يحلف الرجل على امرأته أنها عليه كظهر أمه فتحرم عليه حرمة أمه ويقرر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ولا ينشىء حقيقة وراءه بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أما بهذا الكلام ثم من هذا إلى إبطال التبني : وما جعل أدعياءكم أبناءكم. ( الأحزاب : ٤ ).
والدعي هو المتبني يدعى الإنسان بنوته وهو لا يصير أبنا بمجرد القول ثم يأمرهم أن يدعوا المتبني إلى أبيه فإن ذلك أقسط وأعدل من دعوتهم لمن يتبنونهم.
ثم ينشىء الولاية العامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين جميعا، كما ينشىء صلة الأمومة الشعورية بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويعقب على هذا التنظيم الجديد بالإشارة إلى أن ذلك مسطور في كتاب الله القديم وإلى الميثاق المأخوذ على النبيبين وعلى أولى العزم منهم بصفة خاصة على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات والمبادئ والتوجيهات لتستقر في الضمائر والنفوس ويستغرق هذا الفصل من أول السورة على الآية ٨.
غزوتا الأحزاب وبني قريظة
نجد الفصل الثاني من السورة ممتدا من الآية ٩ إلى الآية ٢٧ ويتناول هذا الفصل غزوة الأحزاب ويصف مشاهدها وملابساتها ويصور أحوال المسلمين فيها وقد جاءتهم قريش من أسفل الوادي وغطفان من أعلاه وأسقط في يد المسلمين فالأحزاب أمام المدينة ويهود بني قريظة نقضوا عهودهم وأظهروا الخيانة والغدر للمسلمين وحفر المسلمون خندقا لحماية المدينة وكان المسلمون في غاية الإجهاد والعسرة المادية واشتدت الفتن وفي وسط هذه المحن بشر النبي المؤمنين بالنصر ووعدهم كنوز كسرى وقيصر وظهر النفاق من
بعض المنافقين فقالوا : إن محمدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده وفي ذلك يقول القرآن : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. ( الأحزاب : ١٢ ).
واستنجد النبي بربه ورفع يديه إلى السماء وقال " اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين فأرسل الله ريحا عاتية في ليلة شاتيه مظلمة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وانسحبت قريش وأحزابها في ظلام الليل يجرون أذيال الخوف والانكسار. وسجل الله ذلك في القرآن بقوله : يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا* إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا *هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. ( الأحزاب : ٩-١١ ).
وتصف الآيات صدق بعض المؤمنين وبلاءهم الحسن وإخلاصهم لله في الجهاد حتى رئي بعض الشهداء وفيه أكثر من سبعين ضربة سيف بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم وفي مثل هؤلاء تقول السورة : ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما* من المؤمنين رجال صدقوا مال عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا* ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم عليهم إن الله غفورا رحيما. ( الأحزاب : ٢٢-٢٤ ).
ثم تصف الآيات رحيل الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيرا وحماية الله للمسلمين في هذه الموقعة، وهو سبحانه القوي العزيز ولما رحلت الأحزاب عن المدينة نزل جبريل من السماء وقال : يا محمد، إن الملائكة لم تضع السلاح بعد، اذهب إلى بني قريظة فإن الله ناصرك عليهم جزاء خيانتهم وغدرهم فقال صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " ١
وهناك حاصر المسلمون بني قريظة ثم أجلوهم عن ديارهم وغنم المسلمون أرضهم ودورهم وأموالهم وحصونهم المنيعة بقدرة الله وهو على كل شيء قدير قال تعالى : ورد الله الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيرا وكفى الله بالمؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظهورهم من أهل الكتاب من صيامهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قدير. ( الأحزاب : ٢٥-٢٧ ).
زوجات الرسول
تتناول الآيات ( ٢٨-٢٦ ) حديثا عن زوجات الرسول وكانت الغنائم قد جاءت للمسلمين وأقبل المال بعد غزوة بني قريظة، فتطلعت زوجات الرسول إلى المتعة والنفقة الواسعة، وقلن : يا رسول الله نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم، ونساؤك على ما ترى من هذه الحال فنزلت الآيات تخيرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، وخبر النبي نساءه وبدأ بعائشة فقال لها : " سأعرض عليك أمرين أرجو ألا تقطعي في اختيار أحدهما : حتى تستشيري أبويك " وقرأ عليها الآٍيتين : يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما. ( الأحزاب : ٢٨-٢٩ ).
فقالت عائشة : أفيك أشاور أبوي يا رسول الله ؟ اختار الله ورسوله وقالت كل نسائه مثل ذلك، فجعلهن الله أمهات المؤمنين وأشارت الآيات التالية إلى جزائهن المضاعف في الأجر إن اتقين وإلى العذاب المضاعف إن ارتكبن فاحشة مبينة، لأنهن في بيت النبوة والقدوة والأسوة، فلهن ضعف الأجران أحسن وضعف العقوبة إن أسأن فزلة العالم يقرع بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل ثم أمرت الآيات زوجات الرسول بخفض الصوت وجعله مستقيما بدون تكسر حتى لا يطمع الشباب المنافق فيهن وحثهن على الاستقرار في البيت وعدم التبرج وتلاوة القرآن والتفقه في أحكامه واستطردت الآيات في بيان جزاء المؤمنين والمؤمنات كافة، وكان هذا هو الفصل الثالث في سورة الأحزاب.
قصة زينب بنت جحش
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة فحرر العبيد وعلم الناس المساواة وكرم إنسانية الإنسان وبين أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة- فأنزل الله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. ( الأحزاب : ٣٦ ) فقالت زينب : هل رضيته لي يا رسول الله زوجا ؟ قال رسول الله " نعم " قالت : إذن لا أعصى الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي.
وتم هذا الزواج ولأمر أراده الله لم يدم طويلا، فقد كانت زينب تفخر على زيد بن حارثة بأنها حرة قرشية جميلة، وأنه عبد لا يدانيها في نسبها وحسبها، فلما تكرر ذلك منها عزم زيد على طلاقها، وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أمسك عليك زوجك واتق الله " رغبة في إبقاء هذا الزواج وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بوحي من السماء أن زينب ستطلق وأنها ستكون زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم ليبطل بهذا الزواج آثار التبني بسابقة عملية يختار لها الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه لشدة عمق هذه العادة في البيئة العربية وصعوبة الخروج عليها ولما طلقت زينب من زيد خطبها النبي لنفسه ونزل الوحي من السماء بذلك، حتى كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
ولم تمر المسألة سهلة، فقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول تزوج حليلة ابنه.
وكانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة ابن محمد فلا تحل له حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلقات الأدعياء إنما كان حادث زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب هو الذي قرر القاعدة عمليا، بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار.
وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا وصاغوا حولها الأساطير المفتريات إنما كانا الأمر أمر الله ت

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يأيها النبيء اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما( ١ ) واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا( ٢ ) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا( ٣ ) ﴾
المفردات :
اتق الله : دم على تقواه أو زد على ما أنت عليه من تقوى، وفيه توجيه للمؤمنين بتقوى الله فإن أمر الأعلى يراد به الأدنى من باب أولى.
ولا تطع الكافرين : فيما يخالف( شريعتك وأوامر ربك.
عليما حكيما : واسع العلم عظيم الحكمة.
تمهيد في أسباب النزول
أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أهل مكة ومنهم الوليد بن المغيرة وشيبة ابن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت الآيات.
وذكر الواحدي في أسباب النزول أن الآيات نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبي ( زعيم المنافقين ) وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على ان يكلموه فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل : إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم وأنزل الله عز وجل هذه الآيات.
وكل هذه الروايات تتلاقى على أن المشركين في مكة والمنافقين في المدينة حاولوا النيل من الإسلام والمسلمين فأنزل الله هذه الآيات تشد أزر الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبته وتعلن رفض الإسلام لحيل الكفار والمنافقين.
وروى أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تابعه ناس من اليهود نفاقا وكان يلين لهم جانبه ويظهرون له النصح خداعا فحذره الله منهم ونبهه إلى عداوتهم.
التفسير :
﴿ يأيها النبيء اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ﴾
" إن الإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة يقوم على هذه الشريعة نظام وهذه الثلاثة مجتمعة مترابطة متفاعلة هي الإسلام ". ٢
وقد بدئت السورة بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى تقوى الله ومراقبته وامتثال أمره والابتعاد عن نواهيه وهو توجيه لأمته على توالي العصور والدهور.
قال طلق بن حبيب : التقوى هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله.
﴿ ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ﴾ لا تستجيب لمطالبهم ولا تستمع لنصائحهم المغرضة بتخصيص بعض المجالس للأغنياء وطرد الضعفاء والفقراء عن هذه المجالس وقد كان ضغط الكافرين والمنافقين عنيفا في المدينة وما حولها في هذه الفترة التي نزلت فيها السورة حوالي سنة خمس من الهجرة.
﴿ إن الله كان عليما حكيما ﴾
فهو العليم بما يضمرونه الحكيم : في تدبير أمرك وأمر أصحابك وسائر شؤون خلقه فهو أحق أن تتبع أوامره وتطاع.
تمهيد في أسباب النزول
أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أهل مكة ومنهم الوليد بن المغيرة وشيبة ابن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت الآيات.
وذكر الواحدي في أسباب النزول أن الآيات نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبي ( زعيم المنافقين ) وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على ان يكلموه فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل : إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم وأنزل الله عز وجل هذه الآيات.
وكل هذه الروايات تتلاقى على أن المشركين في مكة والمنافقين في المدينة حاولوا النيل من الإسلام والمسلمين فأنزل الله هذه الآيات تشد أزر الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبته وتعلن رفض الإسلام لحيل الكفار والمنافقين.
وروى أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تابعه ناس من اليهود نفاقا وكان يلين لهم جانبه ويظهرون له النصح خداعا فحذره الله منهم ونبهه إلى عداوتهم.
﴿ واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ﴾
التفسير :
اتبع الوحي والقرآن الذي ينزل عليك أيها النبي بواسطة جبريل من عند الله وهذا الوحي هداية السماء لك ولأمتك وللناس أجمعين إلى يوم الدين.
﴿ إن الله كان يما تعملون خبيرا ﴾ فهو سبحانه مطلع وخبير بما تعمل أنت وأصحابك لا يخفى عليه شيء منه ثم يجازيكم على ذلك بما وعدكم به من الجزاء.
تمهيد في أسباب النزول
أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أهل مكة ومنهم الوليد بن المغيرة وشيبة ابن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت الآيات.
وذكر الواحدي في أسباب النزول أن الآيات نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبي ( زعيم المنافقين ) وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على ان يكلموه فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل : إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم وأنزل الله عز وجل هذه الآيات.
وكل هذه الروايات تتلاقى على أن المشركين في مكة والمنافقين في المدينة حاولوا النيل من الإسلام والمسلمين فأنزل الله هذه الآيات تشد أزر الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبته وتعلن رفض الإسلام لحيل الكفار والمنافقين.
وروى أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تابعه ناس من اليهود نفاقا وكان يلين لهم جانبه ويظهرون له النصح خداعا فحذره الله منهم ونبهه إلى عداوتهم.
﴿ وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ﴾
المفردات :
وتوكل على الله : فوض الأمر إليه.
وكفى بالله وكيلا : كفى به حافظا ومعينا.
التفسير :
اعتمد على الله وحده فهو نعم المولى ونعم النصير والتوكل على الله يتضمن الاعتماد عليه والثقة به وانتظار النجاح والتوفيق منه بعد الأخذ بالأسباب.
التوكل غير التواكل :
المتوكل يعمل ويكدح ويأخذ بالأسباب كالفلاح الذي يحرث الأرض ويسقيها وينظفها ويهيئ التربة للغرس ثم يضع الحب ويعتمد على الرب.
رأى عمر بن الخطاب قوما من أهل اليمن فسألهم ما هي حرفتكم ؟ قالوا : نحن متوكلون فقال عمر لهم : أنتم متواكلون المتوكل هو الذي يأخذ بالأسباب يغرس الحب ثم يعتمد على الرب.
﴿ وكفى بالله وكيلا ﴾ كفى بالله حافظا ومعينا ووليا ونصيرا.
والمقصود : إن الله عاصمك وحسبك فهو وحده جالب النفع لك ودافع الضر عنك، إن هذه الآيات الثلاث تهدف إلى غرس العزة والكرامة في نفوس المسلمين.
وقد اشتملت على ما يأتي :
١- تقوى الله وطاعته واتباع وحيه.
٢- الابتعاد عن طاعة الأعداء من الكافرين والمنافقين.
٣- التوكل على الله فمن وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء.
***
﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل( ٤ ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباؤهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما( ٥ ) ﴾
المفردات :
جعل : خلق.
تظاهرون : الظهار قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي يريد بذلك تحريمها كما تحرم الأم.
أدعيائكم : جمع دعي، والمراد به هنا الابن بالتبني وقد كانت تجري عليه أحكام الابن في الجاهلية وصدر الإسلام.
السبيل : الطريق.
التفسير :
﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ﴾
تمهيد :
ورد في أسباب النزول وفي تفسير القرطبي وابن كثير وغيرهما أن هذه الآية عالجت ما كان متفشيا في الجاهلية من أخطاء ومن هذه الأخطاء أن الظهار وهو قول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي. يحرم الزوجة فتحرم عليه كما تحرم الأم وقد بين القرآن أن هذا عدوان وتحريم للحلال فالزوجة أحلها الله للإنسان فلا يجوز أن يحرمها كما تحرم عليه الأم فالأم تجب طاعتها والبر بها والزوجة يحل الاستمتاع بها.
وكان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه إنسان لظرفه ونبله ألحقه بنسبه فقال : هذا ابني ويرثني فيصبح له حكم الابن في الميراث وفي حق' النسب إلى أبيه المدعى، ولا يجوز للأب المدعى أن يتزوج امرأة ابنه بالتبني وقد أراد القرآن إبطال هذه العادة المستحكمة في الجاهلية واختار القرآن محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة عملية في ذلك.
قصة زيد بن حارثة
كان زيد بن حارثة مسببا من الشام سبته خيل من تهامة فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأقام عنده مدة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم " خيراه فغن اختاركما فهو لكما دون فداء " فاختار زيد بن حارثة الرق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هذا الرجل ما رأيت منه إلا خيرا وأنا أفضله على أبي وعمي فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه به قال : " يا معشر الناس اشهدوا أن زيد بن حارثة ابني يرثني وأرثه " فرضي بذلك أبوه وعمه وكان يدعى زيد بنم محمد فلما حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم له : " أنت زيد بن حارثة ابن شراحيل ".
من تفسير القرطبي
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى :
﴿ ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه... ﴾ عن الواحدي والقشيري وغيرهما : نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا حافظا لما يسمع فقالت قريش : ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول : لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده، والأخرى في رجله فقال أبو سفيان : ما حال الناس ؟ قال انهزموا قال : فما بال إحدى نعليك في يدك، والأخرى في رجلك قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لو كانا له قلبان لما نسي نعله في يده. أه.
وقال ابن عباس : سببها أن بعض المنافقين قال : إن محمدا له قلبان لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة، ثم عاد إلى شانه الأول فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل. ٣
﴿ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوعه... ﴾ خلق الله الإنسان وله اتجاه ومنهج وطريق يسير عليه فمن اختار الإسلام والإيمان والهداية سار في هذا الطريق ومن اختار الضلال أو الكفر أو النفاق سار في طريقه ومن أمثلة العرب :( إنك لا تجني من الشوك العنب ) فالمؤمن يصدر عنه السلوك المستقيم والكافر يصدر عنه أفعال الكفر والضلال.
فلم يخلق الله لرجل قلبين في جوفه، يكون في أحدهما إيمان وفي الآخر كفر بل الإنسان له قلب واحد فإذا اعتنق التقى والهدى ظهر ذلك في سلوكه وإذا اعتنق الفسوق والكفر ظهر ذلك في سلوكه.
قال صلى الله عليه وسلم " إن النور إذا دخل القلب اتسع له الصدر وانشرح قيل يا رسول الله هل لذلك من علامة ؟ قال " نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " ٤ ثم تلا قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه... ( الزمر : ٢٢ ).
﴿ وما جعل أزواجكم اللائي يظاهرون منهن أمهاتكم... ﴾ كان الرجل إذا قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي حرمت عليه على التأبيد فرسم القرآن طريقا جعل الطلاق مؤقتا بأن يعتق المظاهر رقبة، فإن لم يجد صام ستين يوما فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا قبل أن يقرب زوجته.
كما بين القرآن الكريم ان هناك فرقا بين الأم والزوجة فالأم تجب طاعتها والبر بها والزوجة أحل الله الاستمتاع بها واوجب لها حسن العشرة، وحين يقول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي لا تتحول إلى أم ولا تكون الزوجة التي ظاهر منها زوجها مثل الأم.
وما جعل الولد المدعى مثل الابن لأنه ليس ابنا صلبيا وأجمع أهل التفسير على أن هذه الآية نزلت في زيد بن حارثة وقد أبطل الله هذا الإلحاق الوهمي وهذا النسب المزعوم بهذه الآية وبقوله تعالى :﴿ ما كانا محمدا أبا أحد من رجالكم... ﴾ ( الأحزاب : ٤٠ ).
وهذا هو المقصود بالنفي قدم الله له نفي أمر حسي معروف وهو ازدواج القلب ثم أردفه بنفي أمرين معنويين هما : اجتماع الزوجية مع الظهار والتبني مع النسب فالثلاثة باطلة لا حقيقة لها.
﴿ ذالكم قولكم بأفواهكم... ﴾ هذا كلام تدعونه ليس له أساس في الواقع فليس لرجل من قلبين في جوفه والزوجة لن تكون أما والابن الدعى لن يكون ابنا حقيقيا هذه دعاوى بألسنتكم وأفواهكم لا واقع لها.
﴿ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل... ﴾ والله هو الذي يقرر الصدق والعدل ويرشد إلى السبيل القويم الصحيح فدعوا قولكم وخذوا بقوله عز وجل.
جاء في صفوة التفاسير للأستاذ محمد علي الصابوني ما يأتي : والغرض من الآية التنبيه على بطلان مزاعم الجاهلية فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أما، ولا الولد المتبني ابنا لأن الأم الحقيقة هي التي ولدته والابن الحقيقي هو الذي ولد من صلب الرجل فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات ؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناء لهم مع أنهم ليسوا من أصلابهم ؟ ٥
﴿ أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباؤهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ﴾
المفردات :
أدعوهم لآبائهم : انسبوهم لآبائهم الذين ولدوهم..
هو أقسط : أعدل.
مواليكم : أولياؤكم فيه.
جناح : إثم.
فيما أخطأتم به : فيما فعلتموه مخطئين جاهلين قبل النهي.
تعمدت قلوبكم : قصدته عمدا بعد النهي عنه.
التفسير :
انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آبائهم الحقيقيين فذلك أعدل عند الله وأفضل في نسب من كان معروفا نسبه إلى أبيه وكان زيد بن حارثة يسمى زيد بن محمد فأصبح يسمى زيد بن حارثة أما من لم يكن معروف النسب فيقال له يا أخي في الدين أو يا مولاي بمعنى يا صديقي أو يا نصيري.
قال ابن كثير :
أمر الله برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم عوضا عما فاتهم من النسب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة " أنت أخونا ومولانا " ٦ وقال ابن عمر ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله.... ٧ أخرجه البخاري.
وقيل لسالم بعد نزول الآية : مولى حذيفة وكان تبناه من قبل، وجاء في الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن أبي ذر ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر. ٨
قال ابن كثير : هذا تشبيه وتهديد ووعيد أكيد في التبري من النسب المعلوم.
﴿ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به... ﴾ ليس عليكم ذنب فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده نسيانا أو سبق لسان.
﴿ ولكن ما تعمدت قلوبكم... ﴾ ولكن الذنب والإثم لمن تعمد إلحاق الابن بغير أبيه فتلك معصية موجبة للعقاب ولا إثم ولا تحريم فيما غلب عليه اسم التبني كالمقداد بن عمرو فإنه غلب عليه نسب التبني فيقال له : المقداد بن الأسود والأسود هو الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية فلما نزلت الآية قال المقداد أنا ابن عمرو ومع ذلك بقى الإطلاق عليه.
﴿ وكان الله غفورا رحيما... ﴾ وكان الله- وما زال- ساترا لذنب المخطئ والمتعمد إذا تابا رحيما بهما فلا يعاقبهما فمن رحمته أنه رفع الإثم عن المخطئ وقبل توبة المسيء عمدا.
قال تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا... ( البقرة : ٢٨٦ ) وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عز وجل قد فعلت ". ٩
وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ". ١٠
وروى ابن ماجة عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". ١١
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال في الآية : لو دعوت رجلا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ولكن ما تعمدت دعاءه لغير أبيه.
وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ثم قال قد كنا نقرأ " ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ". ١٢
وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم ". ١٣
وقال في التفسير المنير : هناك فرق بين التبني المنهي عنه والاستلحاق الذي أباحه الإسلام فالتبني هو ادعاء الولد مع القطع بأنه ليس ابنه واما الاستلحاق الشرعي فهو أن يعلم المستلحق أن المستلحق ابنه أو يظن ذلك ظنا قويا بسبب وجود زواج سابق غير معلن. ١٤
***
﴿ النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا( ٦ ) وإذ أخذنا من النبيئين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا( ٧ ) ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما( ٨ ) ﴾
المفردات :
أولى : أحق.
أمهاتهم : مثل أمهاتهم في التحريم واستحقاق التعظيم.
أولوا الأرحام : أصحاب القرابات.
بعضهم أولى ببعض : بعضهم أحق ببعض في التوارث.
إلى أوليائكم : إلى حلفائكم من المهاجرين والأنصار.
معروفا : برا كالتوصية.
كان ذلك : كان ما ذكر من الأحكام في الآيات السابقة.
مسطورا : في اللوح المحفوظ.
التفسير :
﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين... ﴾
سورة الأحزاب نزلت في السنة الخامسة للهجرة، وكانت أوضاع المسلمين قد استقرت بعض الشيء ولذلك اشتملت على تشريعات مناسبة، فقد كان التوارث في بداية الهجرة على أخوة الدين حيث هاجر المسلمون من مكة فرارا بدينهم وتركوا أموالهم وأزواجهم وملاعب الصبا وأوطانهم الحبيبة إيثارا لدين الله ودعوته وكان الأنصار أهل المدينة نعم الأهل والعشيرة، أحبوا المهاجرين ورغبوا في إكرامهم وأخوتهم فما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة، إذ كان عدد المهاجرين أقل من عدد الأنصار وبهذه الأخوة في الإسلام كان الأخ يرث أخاه إذا مات ويعقل عنه إذا جنى، وكانت أخوة حقيقية ثبتت دعائم الإسلام وباركت فكرته في النفوس قال تعالى : وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم. ( الأنفال : ٦٣ ).
وبعد أن جاءت الغنائم وعادت الأمور إلى وضعها الطبيعي عاد الميراث على طبيعته فأصبح التوارث على القرابة.
ومعنى الآية : النبي محمد صلى الله عليه وسلم يبلع عن الله وهو القدوة العملية للمسلمين وهو حامل وحي السماء فالواجب على المسلمين محبته وطاعته فهو أولى بالطاعة من أبنائهم وأمهاتهم وأولى بالمحبة من حبهم لأنفسهم كما ينبغي أن يكون حكمه نافذا فيهم مقدما على ما يختارون لأنفسهم.
قال تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. ( النساء : ٦٥ ).
﴿ وأزواجه أمهاتهم... ﴾ أي هن بمنزلة الأمهات في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام وفيما عدا ذلك هن كالأجنبيات فلا يحل النظر إليهن ولا إرثهن ولا نحو ذلك.
﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين... ﴾ وأصحاب القرابة أولى بالتوارث فيما بينهم فذلك حق موجود ثابت في كتاب الله تعالى أو في اللوح المحفوظ وهذا الحق – وهو التوارث بين الأقارب- أولى من التوارث بين المؤمنين بحق الدين والمهاجرين بحق الهجرة.
لقد كان التوارث بين المهاجرين والأنصار أمرا عارضا دعت إليه ظروف الهجرة فلما استقرت الأحوال عاد التشريع إلى الأصل وهو التوارث بحق القرابة، وهذا التوارث بحق القرابة هو الأصل في كتاب الله وقد عدل عنه لضرورة طارئة، فلما استقرت الأحوال عاد التشريع إلى الأصل ثم استثنى من الميراث بحق القرابة أن يتطوع إنسان فيوصي لإخوانه في الدين أو لأي فرد من الناس فيجب تنفيذ الوصية وتقديمها على الميراث وكذلك الدين يقدم على الميراث.
حيث قال تعالى في سورة النساء : من بعد وصية يوصى بها أو دين... ( النساء : ١٢ ).
﴿ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب المسطور... ﴾ أي إن التوارث على القرابة لا يمنعكم من ان تقدموا لأوليائكم من الأنصار والمهاجرين وغيرهم معروفا وبرا سوى الميراث كالوصية والهبة والهدية والصدقة وما تقدم من الأحكام في هذه السورة كان مسطورا ومسجلا في كتاب الله وهو القرآن أو اللوح المحفوظ فهو واجب التنفيذ والطاعة والامتثال.
ملاحق بالآية
١- آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وخارجة بن زيد وآخى بين عمر وشخص آخر وآخى بين الزبير وكعب بن مالك، فكان التوارث على هذه الأخوة حتى نسخ الله ذلك بقوله تعالى : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين.
٢- روى البخاري عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم... فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا ( عيالا ) فليتأنى فأنا مولاه ". ١٥
قال العلماء : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على أحد وعليه دين فلما فتح الله عليه الفتوح قال : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته ". ١٦
٣- استنبط الفقهاء من هذا الحديث السابق أنه يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
٤-المراد من كتاب الله اللوح المحفوظ أو القران الكريم ومن لفظ المؤمنين الأنصار ومن لفظ ( المعروف ) الوصية أو الهداية أو الهبة أو ما أشبه ذلك، ومن ( الأولياء ) الأصدقاء من المؤمنين ويدخل فيه المهاجرون والأنصار فإن الوصية تصح لكل مؤمن ومؤمنة، وتقدم على الميراث بالقرابة والمصاهرة.
﴿ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا.. ﴾
المفردات :
ميثاقهم : عهدهم بالدعوة إلى دين الله.
ميثاقا غليظا : عهدا عظيم الشأن أو قويا متينا.
التفسير :
واذكر إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم أي العهد المؤكد على ان يبلغوا الرسالة، ويدعوا أممهم إلى الحق. والصبر والتعاون والتناصر وإقامة الدين وعدم التفرق فيه هذا العهد أخذه الله على المرسلين عامة في تبليغهم الرسالة، والتزامهم بتحمل تبعة القيادة وتربية الأمة ثم خصص خمسة من أولي العزم من الرسل لشهرتهم ونجاح دعوتهم وأهمية رسالتهم فقال : ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم... وقدم محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه صاحب الرسالة الخاتمة، ولأنه المخاطب هنا ثم ذكر أربعة بعده حسب تسلسلهم التاريخي وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم نوح هو الأب الثاني للبشرية وإبراهيم أبو الأنبياء وموسى صاحب التوراة والصبر على بني إسرائيل وعيسى آخر نبي قبل محمد ونسبه إلى أمه مريم لينفي عنه ما شاع من أنه ابن الله فهو عبد الله ورسوله.
﴿ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا... ﴾ تأكيد للميثاق السابق أي : عهدا مؤكدا.
قال القرطبي : أي عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا به من تبليغ الرسالة وأن يصدق بعضهم بعضا والميثاق هو اليمين بالله تعالى فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين وقيل : الأول هو الإقرار بالله تعالى والثاني في أمر النبوة ونظير هذا قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم واخذتم على ذالكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. ( آل عمران : ٨١ ).
أي : أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم ألا نبي بعده. ١٧
وقد صرح القرآن بأولى العزم هنا وفي قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.. ( الشورى : ١٣ ).
قال ابن كثير : فهذه الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها.
﴿ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا... ﴾ أي عهدا عظيم الشأن وكيف لا ؟ وقد يعترضه من الماكرين والمحادين والمشاقين ما تزول منه الجبال لولا الاعتصام بالصبر عليه.
﴿ ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما... ﴾
المفردات :
الصادقين : الأنبياء الصادقين.
عن صدقهم : في تبليغ الرسالة وعما قاوله لقومهم.
التفسير :
لقد أخذ الله الميثاق على الرسل بتبليغ الرسالة والدعوة والصبر والمجاهدة في سبيل هذه الدعوة حتى يسأل الله الأنبياء عن نتيجة تبليغهم للرسالة فالمراد بالصادقين الرسل.
والمعنى : ليسأل الصادقين عن نتيجة تبليغ رسالتهم فمن استجاب وصدق فله الجنة ومن كفر فله العذاب الأليم.
وأفاد القرطبي أن الآية تحتمل معنى آخر وهو : ليسأل الله المؤمنين الصادقين عن صدقهم ومآثرهم وأعمالهم الجليلة، كما يسأل التلميذ النجيب عن إجابته المتميزة فهو سؤال تشريف وتكريم كما يسأل الكفار سؤال توبيخ.
قال تعالى : فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين. ( الأعراف : ٦ ).
وفي معنى الآية قوله الله تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أحجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب. ( المائدة : ١٠٩ ).
وفي هذا تنبيه أي : إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم ؟
قال ابن كثير : ونحن نشهد أن الرسل بلغوا رسالات ربهم ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق المبين الواضح الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا افتراء وإن كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين فما جاءت به الرسل فهو الحق ومن خالفهم فهو على الضلال، أه.
***
﴿ يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود الله فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا( ٩ ) إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا( ١٠ ) هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا( ١١ ) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا( ١٢ ) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يردون إلا فرارا ( ١٣ )ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا( ١٤ ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا( ١٥ ) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا( ١٦ ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا( ١٧ ) ﴾
المفردات :
جنود : من قريش ومن تحزب معها في غزوة الأحزاب.
وجنودا لم تروها : الملائكة.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
التفسير :
﴿ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾
ويذكر القرآن المسلمين بهذه المعركة الكبيرة فيقول : يا أيها الذين آمنوا بالله تعالى، تذكروا نعمة الله عليكم وفضله حيث كف عنكم أعدائكم حيث جاءتكم جنود كثيرة، تزيد على عشرة آلاف مقاتل فأرسل الله عليهم ريحا عاتية في ليلة شاتية باردة، فخلعت خيامهم وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم وقد فعل الله ذلك بالأعداء مكافأة لكم على اجتهادكم في حفر الخندق وطاعة الرسول وبذل النفس والنفيس دفاعا عن الإسلام ورسوله.
﴿ وجنودا لم تروها.... ﴾ أي : الملائكة.
﴿ وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾ أي : مطلع وشاهد على أعمالكم وخبير بما في قلوبكم فيجازيكم عليه.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ﴾
المفردات :
من فوقكم : من أعلى الوادي من جهة المشرق وهم بنو غطفان بنو قريظة.
ومن أسفل منكم : من أسفل الوادي من جهة المغرب وهم قريش وباقي حلفائهما.
زاغت الأبصار : مالت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة.
بلغت القلوب الحناجر : فزعت فزعا شديدا والحناجر جمع حنجرة وهي الحلقوم حيث مخرج الصوت.
التفسير :
واذكروا حين جاءتكم الأحزاب من أعلى الوادي من جهة المشرق وجاء اليهود من أسفل الوادي من جهة المغرب وقيل غير ذلك.
والخلاصة : أن الأعداء كانوا كثيرين وأن هجومهم كان من جبهتين قريش والأحزاب من جبهة واليهود من جبهة أخرى واشتد الكرب بالمسلمين وباتوا في حالة من الترقب خشية هجوم الأعداء عليهم من الأمام والخلف وعبر القرآن عن هذا القلق بقوله :
﴿ وإذ زاغت الأبصار... ﴾ حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها.
﴿ وبلغت القلوب الحناجر... ﴾ أي خافت القلوب خوفا شديدا كأنها من خوفها بلغت الحناجر.
﴿ وتظنون بالله الظنونا... ﴾ وتظنون بالله مختلف الظنون فالمؤمنون توقعوا من الله النصر والتأييد ورأوا في ذلك امتحانا يستحق الصبر والرضا واليقين وقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله.
أما المنافقون فقد ظهر نفاقهم ومرض قلوبهم وظنوا أن الأحزاب ستنتصر على المؤمنين وستدخل المدينة غازية منتصرة وسيهزم المؤمنون أمام المشركين.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ﴾
المفردات :
هنالك : في ذلك الحين ابتلى المؤمنون وتعرضوا لامتحان شديد.
زلزلوا : اضطربوا.
زلزالا : اضطربوا اضطرابا شديدا من الفزع وكثرة العدو.
التفسير :
أي عند هذه المعركة امتحن المؤمنون امتحانا قاسيا واضطربوا اضطرابا قويا من شدة الفزع وهجوم قوة كبيرة عليهم من قريش وغطفان وحلفائهما ثم خيانة اليهود العهد واتفاق بني قريظة مع الأعداء على استئصال المسلمين وكانت هذه المعركة من أشد المعارك وأقساها على المسلمين حتى هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفق مع غطفان على أن يرجعوا عن حرب المسلمين ولهم ثلث ثمار المدينة واستشار النبي زعماء الأوس والخزرج فقالوا لم يكونوا ينالون منا شيئا في الجاهلية فكيف نعطيهم وقد أعزنا الله بالإسلام ؟ لا نعطيهم إلا السيف.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ وإذ تقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ﴾
المفردات :
مرض : ضعف اعتقاد.
إلا غرورا : باطلا من القول لا حقيقة له.
التفسير :
واذكروا أيها المؤمنون حين نجم النفاق من المنافقين حين شاهدوا حرج الموقف وشدة الضيق بالمسلمين فالأحزاب أمامهم كثيرون واليهود نقضوا العهد والمؤمنون في كرب شديد يتوقعون الهجوم عليهم من جهتين وهم في قلة وعسرة، عند ذلك ظهر النفاق والمرض سافرا حيث قالوا : إن محمدا يعدنا بالنصر على كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده.
روى النسائي بإسناده عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرضت لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وضرب الصخرة، فصارت كثيبا أهيل ثم قال لأصحابه " إن الله أضاء لي من هذه الصخرة كنوز كسرى وقيصر " عند ذلك قال المنافقون ومرضى القلوب : ما وعدنا الله ورسوله من النصر والاستيلاء على المماليك إلا وعدا باطلا لا سبيل إلى تحقيقه.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدوا إلى فرارا ﴾
المفردات :
يثرب : من أشماء المدينة.
لا مقام لكم : لا ينبغي الإقامة ها هنا.
عورة : غير حصينة.
التفسير :
واذكروا حين ظهر النفاق من جماعة من المنافقين فنصحوا أهل المدينة بعدم الصبر على الجهاد والكفاح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخذ موقعا حصينا للقتال فجبل سلع خلف ظهور المسلمين والخندق بينهم وبين المشركين فقالت طائفة من المنافقين : يا أهل المدينة ليس هذا الموقع مناسبا لإقامتكم فارجعوا إلى المدينة للإقامة في بيوتكم أو لا مقام لكم في دين الإسلام فارجعوا إلى ما كنتم عليه فرارا من تبعة الجهاد والدفاع عن الإسلام.
وفريق آخر من المتخاذلين بعثوا من يستأذن لهم من النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة على بيوتهم لحمايتها فهي باطلة غير حصينة يخاف عليها من السراق والحال أن بيوتهم سليمة حصينة ولكن السبب الحقيقي وراء استئذانهم هو الفرار والهرب من تكاليف الجهاد وأعبائه.
ملاحق بتفسير الآية
١- روى أن بني حارثة بعثت بأوس بن قيظي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن بيوتنا عورة... وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرا رينا ونساءنا فأذن لهم صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله لا تأذن لهم إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا... فردهم.
٢- قال القاسمي :
( فائدة ) : يثرب من أسماء المدينة كما في الصحيح١٩ " أريت في المنام دار هجرتكم أرض بين حرتين فذهب وهلى أنها هجر فإذا هي يثرب " وفي لفظ : المدينة.
قال ابن كثير : فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد٢٠ عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى إنما هي طابة هي طابة فقد تفرد بروايته الإمام أحمد وفي إسناده ضعف. أه.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ﴾
المفردات :
من أقطارها : من جوانبها.
الفتنة : الردة وقتال المسلمين.
يسيرا : زمنا قليلا مقدار السؤال والجواب.
التفسير :
ولو دخل الأعداء عليهم المدينة من كل جانب من جوانبها ثم طلب منهم الكفر والردة عن الإسلام والعودة صراحة إلى الكفر وقتال المسلمين لفعلوا وما تأخروا عن ذلك إلا وقتا قليلا، وهو مقدار ما يكون بين السؤال والجواب وهذا دليل على ضعف إيمانهم وجبنهم وعدم ثباتهم وهذا هو سر استئذانهم للعودة إلى بيوتهم جبنا وفرقا فلا ثبات عندهم على المحن ولا صبر في البأساء بل قلوبهم هواء وإيمانهم ضعيف ويقينهم مضطرب واه.
والخلاصة : إنهم لضعف إيمانهم مستعدون لترك الإسلام والدخول في الكفر والفتنة عند أدنى صدمة فلا ثبات عندهم ولا عزيمة ولا صبر.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا ﴾
التفسير :
ولقد كان هؤلاء المستأذنون في العودة إلى المدينة هربا قد عاهدوا الله من قبل على الثبات وعدم الفرار وعدم تولية الأدبار وكان عهد الله واجب الوفاء به.
قال ابن هشام في رواية ابن إسحاق في السيرة : هم بنو حارثة وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالقتل يومها٢١ ثم عاهدوا الله ألا يعودوا لمثلها أبدا، فذكر لهم الذي أعطوا من أنفسهم أه.
لقد تداركهم الله برحمته ورعايته يوم أحد حيث ثبتهم وعصمهم من مواقف الفشل وكان ذلك درسا من دروس التربية في أوائل العهد بالجهاد فأما في غزوة الأحزاب فقد انقضى زمن يزيد على خمس سنوات في الإسلام فالقرآن هنا يواجههم هذه المواجهة العنيفة.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذ لا تمتعون إلا قليلا ﴾
التفسير :
لقد كتب الله على كل نفس أجلها ورزقها وقدرها وما يستقبل من أمرها قال تعالى :﴿ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾. ( الأعراف : ٣٤ ).
فاستئذان المنافقين في ميدان القتال فرارا بأنفسهم إلى المدينة وهربا من الموت أو القتل لن يطيل آجالهم وربما عرضهم لأخطار أشد لأن أ جل الله إذا جاء لا يؤخر ولذلك تقول لهم الآية : لن ينفعكم فراركم من المعركة، ولن يؤجل وفاتكم بالموت أو القتل وحتى إذا نجوتم فإن الباقي من أعماركم قليل بالنسبة إلى الخلود في الآخرة قال تعالى : قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظنون فتيلا.. ( النساء : ٧٧ ).
قال القرطبي :
﴿ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل... ﴾ أي : من حضر أجله مات أو قتل فلا ينفع الفرار.
﴿ وإذا لا تمتعون إلا قليلا... ﴾ أي : في الدنيا بعد الفرار إلى أن تنقضي آجالكم وكل ما هو آت قريب. أه.
قال الربيع بن خيثمة : وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أي : إن فررتم من الموت اوالقتل لاينفعكم الفرار لأن مجيء الأجل لابد منه. اه.
تمهيد موضوعه
غزوة الأحزاب في كتاب السيرة
في السنة الماضية من الهجرة اجتمع حول المدينة عشرة آلاف من الكفار الوثنيين وأهل الكتاب للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم وكان سبب الوقعة اليهود وكان بنو النضير قد خانوا النبي صلى الله عليه وسلم وهموا بقتله حين كان في زيارتهم وبينما هو جالس بجوار حائط لهم اتفق اثنان منهم أن يشغله أحدهما في الكلام بينما يلقى عليه الثاني حجرا من أعلى البيت ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبيرهم فذهب وتركهم ثم حاصرهم وأجلاهم عن المدينة فذهب فريق منهم إلى خيبر وعلى رأسهم حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق وذهب آخرون إلى أذرعات فلم يقر لهم قرار وذهب جماعة منهم برئاسة حيي بن أخطب إلى قريش لتحريضهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرضوا غطفان فاستجابوا لهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر خندق من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية حيث قال سلمان الفارسي : يا رسول الله كنا إذا حوصرنا خندقنا وفوجئ المشركون بالخندق فقالوا : والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وحاول بعض المشركين اقتحام الخندق فرمى بالحجارة واقتحمه بعضهم بفرسه فهلك أو قتل منهم الفارس المشهور عمرو بن ود العامري الذي تبارز مع علي رضي الله عنه فقتله علي وفر صاحباه عكرمة بن أبي جعل وضرار بن الخطاب واستشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه في غزوة بني قريظة.
ثم وقعت مكيدة محكمة بين الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت فمرني بما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذل عنا الناس إن استطعت فإن الحرب خدعة " فذهب إلى بني قريظة ونصحهم بألا يحاربوا مع قريش وغطفان إلا إذا أخذوا رهائن من أشرافهم حتى يستمروا معهم في حرب محمد إلى النهاية لأنهم إذا سئموا الحرب عادوا إلى بلادهم وتركوهم وحدهم أمام محمد ولا طاقة لهم به، وذهب نعيم إلى قريش فأخبرهم أن اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ويريدون أن يأخذوا رهائن من أشرافكم لتستمروا معهم إلى النهاية في قتال محمد ولما حاول أبو سفيان ومن معه خوض معركة فاصلة، أرسل إلى اليهود ليحكموا الهجوم فتباطأ اليهود وطلبوا رهائن من رجال قريش فامتنعوا وصدقوا حديث نعيم بن مسعود وتخاذل اليهود والعرب وتفرقت الكلمة.
واشتد الظلام ومكث النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي رافعا يديه يقول :" يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم " فأرسل الله ريحا عاتية، في ليلة شاتية باردة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فخطب فيهم زعيمهم أبو سفيان ونصحهم بالرحيل فرحلت قريش وغطفان ومن جاء معهم من الأحزاب ولما رحلت الأحزاب عن المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم ".
ثم ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة وعاتبهم على نقض العهد والاتفاق مع المشركين على قتال المسلمين وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم أن يقتل مقاتليهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات ". ١٨
﴿ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة..... ﴾
التفسير :
إن مراد الله نافذ لا محالة، فقل لهم أيها الرسول الكريم : من ذا الذي يمنعكم من قضاء الله ويعصمكم مما يريد أن ينزل بكم إن أراد بكم هلاكا أو شرا فلن يستطيع أحد أن يدفعه عنكم وإن أراد بكم رحمة أو نفعا وخيرا فلن يستطيع أحد أن يمنع وصوله إليكم قال تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم. ( فاطر : ٢ ).
﴿ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا.... ﴾ ولا يجد هؤلاء المنافقون من يعصمهم مما يريده الله تعالى بهم ولا يجدون من دونه سبحانه قريبا ينفعهم ولا ناصرا ينصرهم فإن الله سبحانه وحده هو الناصر والمغيث والمجير.
***
﴿ قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا( ١٨ ) أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فاحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا( ١٩ ) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قتلوا إلا قليلا( ٢٠ ) ﴾
المفردات :
المعوقين : المثبطين عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هلم إلينا : أقبلوا إلينا.
البأس : الحرب والقتال وأصل معناه الشدة.
التفسير :
﴿ قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ﴾
ترسم هذه الآية والآيتان بعدها صورة زرية للمنافقين الذين اشتد جبنهم وهلعهم وخوفهم وفي آيات سابقة ذكر القرآن تعللهم بالحجج الباطلة وقولهم : إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا. ( الأحزاب : ١٣ ) وأنهم لا ثبات لهم ولا بطولة ولا صبر في المعارك.
وهنا يتوعدهم القرآن بأن الله عالم بهم مطلع على رذائلهم فهم مثبطون مخذلون في صفوف الجماعة المسلمة، وهم دعاة إلى النكوص عن الجهاد حيث كان بعض المنافقين يرسلون إلى إخوانهم المنضمين إلى كتيبة الجهاد فيقولون لهم : هلموا فانضموا إلينا في القعود والتخلف ثم هم لا يشتركون في الحرب إلا اشتراكا قليلا، حتى يراهم الناس ثم يتسللون في خفية ويهربون فرادى.
قال قتادة : كان المنافقون يقولون لإخوانهم من ساكني المدينة من الأنصار : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ( يريدون أنهم قليلو العدد ) ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه فدعوه فإنه هالك.
﴿ أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رايتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا. ﴾
المفردات :
أشحة عليكم : مفرده شحيح أي بخيل بالنصرة والمعاونة.
تدور أعينهم : تدير أعينهم أحداقهم من شدة الخوف.
سلقوكم : آذوكم بالكلام وبالغوا في شتمكم.
ألسنة حداد : قاطعة سلطة تفعل فعل الحديد.
أشحة على الخير : بخلاء على الإنفاق في سبيل الله.
أحبط : أبطل الله أعمالهم لإضمارهم الكفر.
التفسير :
ترسمن الآية صورة بارزة المعالم للمنافقين عنوانها : الجبن في البأساء والطمع في الرخاء وعند الغنيمة.
﴿ أشحة عليكم... ﴾ عندهم شح و بخل بالمال والنفس والإنفاق في سبيل الله وإذا جاء الخوف وبدأت المعركة وطار الشجعان إلى القتال رأيت هؤلاء المنافقين الجبناء في خوف وهلع وقد دارت أعينهم في رؤوسهم فرقا وخوفا كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيته أسبابه فإنه إذ ذاك يذهب لبه ويشخص بصره فلا يتحرك طرفه.
﴿ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد.... ﴾ فإذا جاء الرخاء وانتهت المعركة تحول هؤلاء الجبناء إلى متظاهرين بالشجاعة يفخرون بما لهم من المشاركة في البأساء والحرب ولهم ألسنة قوية كأنها الحديد في بيان الحجة، والمنازل العالة التي قدموها في الحرب.
قال قتادة : أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوؤه مقاسمة يقولون : أعطونا أعطونا لقد شهدنا معكم وأما عند البأس فاجبن قوم وأخذله للحق أه.
قال الشاعر :
أفي السلم أعيار جفاء وغلظة وفي الحرب أمثال النساء العوارك٢٢
﴿ أشحة على الخير.... ﴾ بخلاء أشحاء بالمال لا ينفقونه في سبيل الله أو مبالغون في حب المال والغنيمة والشح بها أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي المؤمنين بسبب نفاقهم فالإيمان لم يتسرب إلى قلوبهم وإن تظاهروا بالإسلام.
قال الفخر الرازي :
﴿ أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم.... ﴾ يعنى لم يؤمنوا حقيقة وإن أظهروا الإيمان لفظا فأحبط الله أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين.
﴿ وكان ذلك على الله يسيرا..... ﴾ أي كشف أعمالهم وتبين خفاياهم ومعاملتهم بالعدل والحق والقسطاس المستقيم كان أمرا سهلا هينا على الله فهو سبحانه قادر عادل مطلع لا معقب لأمره ولا يخشى من اعتراض أحد لأنه عادلا منصف.
قال الزمخشري :
وفي هذا حث على إتقان المكلف أساس أمره وهو الإيمان الصحيح وتنبيه على أن الأعمال الكثيرة من غير تصحيح الإيمان كالبناء على غير أساس وأنها مما يذهب عند الله هباء منثورا.
﴿ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا أن لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ﴾
المفردات :
بادون في الأعراب : كائنون في البادية مع الأعراب.
ما قاتلوا إلا قليلا : رياء وسمعة.
التفسير :
ترسم الآية معالم المنافقين وشدة جبنهم فحتى بعد أن رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين ا لقتال فإن المنافقين يظنون أن الأحزاب لم يذهبوا ولم يرحلوا بعيدا عن المدينة وعلى فرض عودة الأحزاب مرة ثانية فإن المنافقين يتمنون أن يكونوا من أهل البادية بعيدين عن المدينة والدفاع عنها ويتمنون أن يسمعوا أخبار المدينة من بعيد مع أنهم لم يشتركوا في القتال اشتراكا حاسما ولو كانوا مع المؤمنين أثناء القتال ما قاتلوا إلا قتالا قليلا كالرمي بالنبل والسهم دون الالتحام المباشر الذي يسبب النصر فهم لا يقاتلون عن رغبة وإنما يقاتلون رياء ومخادعة.
لقد رسمت الآيات صورة زرية للمنافقين وكشفت عن نفوس ملأها الهلع والجبن فهم عوامل شر وتثبيط وهم في الكريهة والحرب في خور وهلع، وفي السلم في جشع وحب للمال وألسنة سليطة وأقوال كاذبة لا مدلول لها من الأعمال ولشدة هلعهم يتمنون الإقامة في البادية يستطلعون أخبار المدينة عن بعد دون المشاركة في القتال وتبعاته.
***
﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا( ٢١ ) ولما رءوا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما( ٢٢ ) ﴾
المفردات :
أسوة حسنة : قدوة طيبة والمراد به : المقتدى به.
يرجو الله : يأمل رضا الله.
واليوم الآخر : وثواب اليوم الآخر.
التفسير :
﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ﴾
التفسير :
من شأن القرآن أن يقارن بين موقف المنافقين من الضعف والخور وموقف المؤمنين من الثبات في المحنة والأمل والعمل للنصر.
ومعنى الآية :
لقد كان لكم دليل هاد ونبراس مضيء في محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله فكان القائد الرائد نظم ورتب وشارك في حفر الخندق وشارك في تثبيت المؤمنين وضرب كدية شديدة لم تعمل فيها المعاول ضربها فعادت كثيبا أهيل وأخلص في الدعاء لله يوم الخندق حتى أرسل الله الريح والملائكة تعاون في نصر المؤمنين والاقتداء برسول الله كائن ومتحقق لمن كان له أمل ورجاء في ثواب الله وفي عطاء اليوم الآخر في الجنة، ولمن ذكر الله ذكرا كثيرا حتى يتحقق اتصاله بالله وطاعته لأمره فهو القائل : يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا. ( الأحزاب : ٤١-٤٢ ) ورغم أن الآية نزلت في مدح موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ومدح المؤمنين الثابتين في البأساء إلا أن الآية مع ذلك أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله وصبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه. ٢٣
والآية وإن سيقت للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أمر الحرب من الثبات في القتال ونحوه فهي عامة للاقتداء به في كل أفعاله ما لم يعلم أنها من خصوصياته فالقرآن قد حث المسلمين على توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته وتعظيمه وحبه وهدد القرآن المخالفين لأمر الرسول قال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله.... ( النساء : ٨٠ ).
وقال سبحانه : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله... ( آل عمران : ٣١ ).
وقال سبحانه : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.. ( النور : ٦٣ ).
﴿ ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ﴾
المفردات :
صدق الله : ظهر صدق خبر الله.
وتسليما : وانقيادا لأوامره وطاعة لرسوله.
التفسير :
لما شاهد المؤمنون الأحزاب مع كثرتهم وقوتهم وتعدد جموعهم قابلوا ذلك بالثبات ورباطة الجأش وقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله حيث بين القرآن أن ثمة الجنة هو الثبات في المحنة، والصبر على البأساء وبين الرسول الأمين أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه وقيل : إن الآية من دلائل النبوة حيث أخبر النبي المؤمنين بقدوم الأحزاب وأنهم جمع كبير وسيصلون بعد تسع ليال أو عشر ليال من أول الشهر فلما وصلت الجموع في الميعاد ازداد يقين المؤمنين واستعدوا للحرب ولقاء الأحزاب في صدق ويقين ولم تزدهم مشاهدة الأحزاب إلا إيمانا بالله وتصديقا بشريعته وتسليما لأوامره وانقيادا وطاعة لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون. ( العنكبوت : ٢ ).
وقال سبحانه : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب. ( البقرة : ٢١٤ ).
من تفسير القرطبي :
ومعنى الآية : وما زادتهم الرؤية للأحزاب إلا إيمانا وتسليما للقضاء ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : " من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يجبه أحد وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد فنظر إلى جانبه وقال : " من هذا ؟ " فقال حذيفة : " ألم تسمع كلامي منذ الليلة " ؟ قال حذيفة فقلت يا رسول الله منعني أن أجيبك الضر والقر قال : " انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني " فانطلق حذيفة بسلاحه ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول " يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي " فنزل جبريل وقال : إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : " شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي " وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا فبشر أصحابه بذلك قال حذيفة فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته وجعلوا يتترسون من الحصباء وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش النجاء النجاء وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس وتفرقت الأحزاب وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد على المدينة وبه من الشعث ما شاء الله فجاءته فاطمة بغسول فكانت تغسل رأسه فأتاه جبريل فقال : وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء مازلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء ثم قال : انهض إلى بني قريظة، وقال أبو سفيان مازلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء. ٢٤
***
﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا( ٢٣ ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما( ٢٤ ) ﴾
المفردات :
صدقوا ما عاهدوا : من الثبات في القتال مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الاستشهاد أو النصر ووفوا بذلك.
قضى نحبه : مات أو قتل في سبيل الله شهيدا ووفى نذره كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر والنحب : النذر فجعل كناية عن الموت.
من ينتظر : الشهادة كعثمان وطلحة.
وما بدلوا : العهد ولا نقضوا شيئا منه.
سبب النزول : روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...
وروى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل ما أصنع قال أنس : فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه : يا أبا عمرو أين ؟واها لريح الجنة إني لأجده دون أحد، فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية فنزلت هذه الآية : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. الآية، وكانوا يرونها نزلت فيه وفي أصحابه. ٢٥

وذكر الزمخشري في تفسير الكشاف :

نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب بن عمير وغيرهم رضي الله عنهم.
التفسير :
﴿ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ﴾
من المؤمنين الصادقين الأوفياء رجال أي رجال قد أخلصوا أنفسهم لله وعاهدوه على الصدق في الحرب والجد في طلب الشهادة، ونصرة الإسلام فلما جد الجد وكشرت الحرب عن أنيابها خاضوا غمار الحرب واصطلوا بنارها غير هيابين فمنهم من قتل شهيدا قد أدى واجبه وقدم روحه لله ومنهم من عاد سليما معافى ينتظر دوره في الشهادة والفداء ولم يغيروا عهدهم مع الله ولم ينكصوا على أعقابهم كما فعل بعض المنافقين.
سورة الأحزاب مدنية، وآياتها ٧٣ آية، نزلت بعد سورة آل عمران، وتقع أحداث السورة فيما بين السنة الثانية والسنة الخامسة من الهجرة، وهي فترة حرجة لم يكن عود المسلمين قد اشتد فيها إذ كانوا يتعرضون لدسائس المنافقين واليهود.
وسميت هذه السورة بهذا الاسم لذكر غزوة الأحزاب فيها في قوله تعالى : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا.. ( الأحزاب : ٢٠ ).
أحداث السورة
تتناول سورة الأحزاب قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة، في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية، وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة، تصويرا واقعيا مباشرا وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشئ.
ولهذه الفترة التي تتناولها السورة من حياة الجماعة المسلمة سمة خاصة فهي الفترة التي بدأ فيها بروز ملامح الشخصية المسلمة في حياة الجماعة وفي حياة الدولة، ولم يتم استقرارها بعد ولا سيطرتها الكاملة كالذي تم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا واستتباب الأمر للدولة الإسلامية.
والسورة تتولى جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة، وبيان أصولها من العقيدة والتشريع كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد وفي ثنايا الحديث عن تلك الأوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة، ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة، وما وقع من خلخلة وأذى بسبب هذه الدسائس وتلك المواقف كما تعرض بعدها دسائسهم وكيدهم للمسلمين في أخلاقهم وبيوتهم ونسائهم.
ونقطة الاتصال في سياق السورة بين تلك الأوضاع والنظم وهاتين الغزوتين وما وقع فيهما من أحداث هي علاقة هذه وتلك بموقف الكافرين والمنافقين واليهود وسعى هذه الفئات لإيقاع الاضطراب في صفوف الجماعة المسلمة، سواء عن طريق الهجوم الحربي والإرجاف في الصفوف والدعوة إلى الهزيمة، أو عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية والآداب الخلقية، ثم ما تنشأ في أعقاب الغزوات والغنائم من آثار في حياة الجماعة المسلمة، تقتضي تعديل بعض الأوضاع الاجتماعية ومن هذا الجانب وذاك تبدو وحدة السورة وتماسك سياقها وتناسق موضوعاتها المنوعة وهذا وذاك إلى جانب وحدة الزمن تربط بين الأحداث والتنظيمات التي تتناولها السورة.
فصول السورة
يمكن أن نقسم سورة الأحزاب إلى خمسة فصول يبدأ الفصل الأول منها بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم على تقوى الله وعدم الطاعة للكافرين والمنافقين واتباع ما يوحى إليه ربه والتوكل عليه وحده.
وبعد ذلك يلقى بكلمة الحق والفصل في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية مبتدئا ببيان أن الإنسان لا يملك إلا قلبا واحدا، ومن ثم يجب أن يتجه إلى إله واحد، وأن يتبع نهجا واحدا ولذلك يأخذ في إبطال عادة الظهار وهو أن يحلف الرجل على امرأته أنها عليه كظهر أمه فتحرم عليه حرمة أمه ويقرر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ولا ينشىء حقيقة وراءه بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أما بهذا الكلام ثم من هذا إلى إبطال التبني : وما جعل أدعياءكم أبناءكم. ( الأحزاب : ٤ ).
والدعي هو المتبني يدعى الإنسان بنوته وهو لا يصير أبنا بمجرد القول ثم يأمرهم أن يدعوا المتبني إلى أبيه فإن ذلك أقسط وأعدل من دعوتهم لمن يتبنونهم.
ثم ينشىء الولاية العامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين جميعا، كما ينشىء صلة الأمومة الشعورية بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويعقب على هذا التنظيم الجديد بالإشارة إلى أن ذلك مسطور في كتاب الله القديم وإلى الميثاق المأخوذ على النبيبين وعلى أولى العزم منهم بصفة خاصة على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات والمبادئ والتوجيهات لتستقر في الضمائر والنفوس ويستغرق هذا الفصل من أول السورة على الآية ٨.
غزوتا الأحزاب وبني قريظة
نجد الفصل الثاني من السورة ممتدا من الآية ٩ إلى الآية ٢٧ ويتناول هذا الفصل غزوة الأحزاب ويصف مشاهدها وملابساتها ويصور أحوال المسلمين فيها وقد جاءتهم قريش من أسفل الوادي وغطفان من أعلاه وأسقط في يد المسلمين فالأحزاب أمام المدينة ويهود بني قريظة نقضوا عهودهم وأظهروا الخيانة والغدر للمسلمين وحفر المسلمون خندقا لحماية المدينة وكان المسلمون في غاية الإجهاد والعسرة المادية واشتدت الفتن وفي وسط هذه المحن بشر النبي المؤمنين بالنصر ووعدهم كنوز كسرى وقيصر وظهر النفاق من
بعض المنافقين فقالوا : إن محمدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده وفي ذلك يقول القرآن : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. ( الأحزاب : ١٢ ).
واستنجد النبي بربه ورفع يديه إلى السماء وقال " اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين فأرسل الله ريحا عاتية في ليلة شاتيه مظلمة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وانسحبت قريش وأحزابها في ظلام الليل يجرون أذيال الخوف والانكسار. وسجل الله ذلك في القرآن بقوله : يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا* إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا *هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. ( الأحزاب : ٩-١١ ).
وتصف الآيات صدق بعض المؤمنين وبلاءهم الحسن وإخلاصهم لله في الجهاد حتى رئي بعض الشهداء وفيه أكثر من سبعين ضربة سيف بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم وفي مثل هؤلاء تقول السورة : ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما* من المؤمنين رجال صدقوا مال عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا* ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم عليهم إن الله غفورا رحيما. ( الأحزاب : ٢٢-٢٤ ).
ثم تصف الآيات رحيل الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيرا وحماية الله للمسلمين في هذه الموقعة، وهو سبحانه القوي العزيز ولما رحلت الأحزاب عن المدينة نزل جبريل من السماء وقال : يا محمد، إن الملائكة لم تضع السلاح بعد، اذهب إلى بني قريظة فإن الله ناصرك عليهم جزاء خيانتهم وغدرهم فقال صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " ١
وهناك حاصر المسلمون بني قريظة ثم أجلوهم عن ديارهم وغنم المسلمون أرضهم ودورهم وأموالهم وحصونهم المنيعة بقدرة الله وهو على كل شيء قدير قال تعالى : ورد الله الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيرا وكفى الله بالمؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظهورهم من أهل الكتاب من صيامهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قدير. ( الأحزاب : ٢٥-٢٧ ).
زوجات الرسول
تتناول الآيات ( ٢٨-٢٦ ) حديثا عن زوجات الرسول وكانت الغنائم قد جاءت للمسلمين وأقبل المال بعد غزوة بني قريظة، فتطلعت زوجات الرسول إلى المتعة والنفقة الواسعة، وقلن : يا رسول الله نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم، ونساؤك على ما ترى من هذه الحال فنزلت الآيات تخيرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، وخبر النبي نساءه وبدأ بعائشة فقال لها :" سأعرض عليك أمرين أرجو ألا تقطعي في اختيار أحدهما : حتى تستشيري أبويك " وقرأ عليها الآٍيتين : يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما. ( الأحزاب : ٢٨-٢٩ ).
فقالت عائشة : أفيك أشاور أبوي يا رسول الله ؟ اختار الله ورسوله وقالت كل نسائه مثل ذلك، فجعلهن الله أمهات المؤمنين وأشارت الآيات التالية إلى جزائهن المضاعف في الأجر إن اتقين وإلى العذاب المضاعف إن ارتكبن فاحشة مبينة، لأنهن في بيت النبوة والقدوة والأسوة، فلهن ضعف الأجران أحسن وضعف العقوبة إن أسأن فزلة العالم يقرع بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل ثم أمرت الآيات زوجات الرسول بخفض الصوت وجعله مستقيما بدون تكسر حتى لا يطمع الشباب المنافق فيهن وحثهن على الاستقرار في البيت وعدم التبرج وتلاوة القرآن والتفقه في أحكامه واستطردت الآيات في بيان جزاء المؤمنين والمؤمنات كافة، وكان هذا هو الفصل الثالث في سورة الأحزاب.
قصة زينب بنت جحش
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة فحرر العبيد وعلم الناس المساواة وكرم إنسانية الإنسان وبين أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة- فأنزل الله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. ( الأحزاب : ٣٦ ) فقالت زينب : هل رضيته لي يا رسول الله زوجا ؟ قال رسول الله " نعم " قالت : إذن لا أعصى الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي.
وتم هذا الزواج ولأمر أراده الله لم يدم طويلا، فقد كانت زينب تفخر على زيد بن حارثة بأنها حرة قرشية جميلة، وأنه عبد لا يدانيها في نسبها وحسبها، فلما تكرر ذلك منها عزم زيد على طلاقها، وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" أمسك عليك زوجك واتق الله " رغبة في إبقاء هذا الزواج وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بوحي من السماء أن زينب ستطلق وأنها ستكون زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم ليبطل بهذا الزواج آثار التبني بسابقة عملية يختار لها الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه لشدة عمق هذه العادة في البيئة العربية وصعوبة الخروج عليها ولما طلقت زينب من زيد خطبها النبي لنفسه ونزل الوحي من السماء بذلك، حتى كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
ولم تمر المسألة سهلة، فقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول تزوج حليلة ابنه.
وكانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة ابن محمد فلا تحل له حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلقات الأدعياء إنما كان حادث زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب هو الذي قرر القاعدة عمليا، بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار.
وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا وصاغوا حولها الأساطير المفتريات إنما كانا الأمر أمر الله ت
﴿ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ﴾
المفردات :
ويعذب المنافقين : بأن يميتهم على النفاق فيعذبوا بكفرهم.
أو يتوب عليهم : أو يوفق المستعد منهم التوبة.
التفسير :
لقد اختبر الله الناس بالشدائد والمحن والجهاد والقتال وسائر أحداث الدنيا ليتبين ويظهر المؤمن الصادق المستقيم ويظهر الكافر والفاجر والمنافق فيكافئ الله الصادقين بالجزاء الأوفى وهو جزاء صدقهم ويعذب المنافقين الذين ماتوا على النفاق بدون توبة أو يتوب عليهم بأن يوفقهم إلى التوبة وقد تاب بعض المنافقين وحسن إسلامهم.
﴿ إن الله كان غفورا رحيما ﴾ فهو سبحانه يستر على العصاة ويتوب على من تاب من الناس ولا يعاقبهم على ما مضى بعد التوبة فرحمته واسعة وفضله عميم وهو سبحانه يفتح أبوابه للتائبين وفي هذا حث على التوبة والإيمان قبل فوات الأوان وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم. ( محمد : ٣١ ).
وقوله تعالى : ما كانا الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب. ( آل عمران : ١٧٩ ).
***
﴿ ورد الله الذين كفروا يغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا( ٢٥ ) وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( ٢٦ )وأورثكم أرضهم وديارهم و أموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا( ٢٧ ) ﴾
المفردات :
الذين كفروا : الأحزاب.
يغيظهم : الغيظ أشد الغضب والحنق.
لم ينالوا خيرا : غير ظافرين بشيء من مرادهم.
وكفى الله المؤمنين : وقاهم القتال بالريح والملائكة.
تمهيــد :
تشير الآيات إلى ختام غزوة الخندق فقد كانت البداية بتذكير المؤمنين بنعمة الله تعالى عليهم في إرسال الريح والملائكة على الأحزاب ثم عرض لجهود المؤمنين الصادقين وصور النفاق والغدر والخور والضعف من المنافقين ثم ختم الحديث عن الغزوة بفضله تعالى في هزيمة الأحزاب وعودتهم يجرون أذيال الخيبة والحرمان ثم هزيمة بني قريظة.
التفسير :
﴿ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ﴾
تبين هذه الآية إتمام الله النعمة على المؤمنين برحيل الأحزاب عن المدينة مذعورين خائفين في شدة من الغيظ والحنق فقد تفرقت الأحزاب عن المدينة ورحلوا في جنح الظلام بعد أن أرسل الله عليهم الريح فخلعت خيامهم وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم فرحلت الأحزاب وهم في حالة من الخوف والفزع، وانصرفت قريش وغطفان بغمهم يفوت ما أملوا من الظفر فلم ينتصروا في معركة، ولم يصيبوا مالا ولا إسارا ولم يحتج المؤمنون إلى منازلتهم ومبارزتهم لإجلائهم عن بدلاهم بل كفى الله المؤمنين القتال ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده ".
﴿ وكان الله قويا عزيزا…. ﴾ فالله تعالى قادر على تنفيذ ما يريد عزيز لا يغلبه غالب فهو سبحانه فعال لما يريد وهو على كل شيء قدير.
قال محمد بن إسحاق لما انصرف أهل الخندق قال صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا " لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فلم تغزهم قريش بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة.
وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق صحيح كما قال الإمام أحمد وروى مثله الإمام البخاري في صحيحه. ٢٦
تمهيــد :
تشير الآيات إلى ختام غزوة الخندق فقد كانت البداية بتذكير المؤمنين بنعمة الله تعالى عليهم في إرسال الريح والملائكة على الأحزاب ثم عرض لجهود المؤمنين الصادقين وصور النفاق والغدر والخور والضعف من المنافقين ثم ختم الحديث عن الغزوة بفضله تعالى في هزيمة الأحزاب وعودتهم يجرون أذيال الخيبة والحرمان ثم هزيمة بني قريظة.
﴿ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ﴾
المفردات :
ظاهروهم : عاونوهم.
من أهل الكتاب : من يهود بني قريظة.
من صياصيهم : من حصونهم جمع صيصة وهي كل ما يمتنع به.
الرعب : الخوف الشديد.
التفسير :
تتحدث الآيتان ٢٦-٢٧ عن يهود بني قريظة وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق على حسن الجوار فللمسلمين دينهم ولليهود دينهم وإذا هجم عدو على المدينة يتعاون المسلمون واليهود في الدفاع المشترك عن المدينة فلما قدمت الأحزاب لحرب المسلمين نقض بنو قريظة هذا العهد وانقلبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكونوا جبهة متعاونة مع الأحزاب وأصاب المسلمين بلاء شديد بسبب ذلك فلما أعز الله المسلمين ورحلت الأحزاب بدون نصر أو أسرى وإنما رحلت كسيرة ذليلة في خوف وهلع عاد المسلمون إلى المدينة واستراحوا واغتسلوا ووضعوا أسلحتهم فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا محمد إن الملائكة لم تضع السلاح بعد اذهب إلى بني قريظة فإن الله ناصرك عليهم فنهض صلى الله عليه وسلم من فوره وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة وكانت على بعد أميال من المدينة وقال صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ". ٢٧
فسار الناس فأدركنهم الصلاة في الطريق فصلى بعضهم في الطريق وقالوا : لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير وقال آخرون : لا نصليها إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدا من الفريقين وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استخلف على المدينة عبد الله بن أم كلثوم رضي الله عنه وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية فحكم سعد ابن معاذ بان يقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذريتهم٢٨ لأنهم لو ظفروا بالمسلمين لأجهزوا عليهم.
ومعنى الآية : وأنزل اليهود الذين ساعدوا الأحزاب وعاونوهم على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم من حصونهم وقلاعهم التي كانوا يتحصنون بها، وقذف الله في قلوبهم الرعب والخوف حتى فتحوا الحصون واستسلموا فقتل المسلمون الرجال المقاتلين وقتل منهم يومئذ ما بين الثمانمائة والتسعمائة وثم أسر النساء والذرية.
قال ابن كثير :
﴿ وقذف في قلوبهم الرعب...... ﴾ وهو الخوف لأنهم كانوا مالأوا المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم فانعكس عليهم الحال.
تمهيــد :
تشير الآيات إلى ختام غزوة الخندق فقد كانت البداية بتذكير المؤمنين بنعمة الله تعالى عليهم في إرسال الريح والملائكة على الأحزاب ثم عرض لجهود المؤمنين الصادقين وصور النفاق والغدر والخور والضعف من المنافقين ثم ختم الحديث عن الغزوة بفضله تعالى في هزيمة الأحزاب وعودتهم يجرون أذيال الخيبة والحرمان ثم هزيمة بني قريظة.
﴿ و أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا ﴾
المفردات :
أورثكم : ملككم إياها وجعلها لكم.
وأرضا لم تطئوها : بعد وهي خيبر أخذت بعد قريظة و عن عكرمة : كل أرض تفتح إلى يوم القيامة.
التفسير :
غنمتم أرض بني قريظة، وصارت حقا واجبا كما يجب الحق بالميراث وملتكم ديارهم وحصونهم ومتاعهم وأموالهم ومواشيهم وأثاثهم وكل ما كانوا يمتلكون كما أورثكم ملك أرض أخرى لم تطئوها بعد بأقدامكم وهي خيبر لأنها أخذت بعد قريظة وقيل : مكة و قيل : فارس والروم.
قال ابن جرير : يجوز أن يكون الجميع مرادا.
﴿ وكان الله على كل شيء قديرا ﴾ فهو سبحانه فعال لما يريد وهو على كل شيء قدير فقد نصر المؤمنين على الأحزاب وعلى بني قريظة ويسر لهم ملك أرض خيبر ومكة وفارس والروم وكل ما فتحه المسلمون في أنحاء المعمورة كل ذلك بتوفيق الله وقدرته وهو سبحانه قدير على ان يملككم ما شاء.
***
﴿ يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا( ٢٨ ) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما( ٢٩ ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا( ٣٠ ) ﴾
المفردات :
زينة الدنيا : زخرفها ونعيمها والسعة فيها.
فتعالين : أقبلن بإرادتكن واختياركن.
أمتعكن : أي أعطكن متعة الطلاق وهي قميص وغطاء للرأس ومحلفة ملاءة- بحسب السعة والإقتار.
وأسرحكن : أطلقكن.
سراحا جميلا : طلاقا من غير ضرار ولا مخاصمة ولا مشاجرة.
المناسبة :
في أعقاب رحيل الأحزاب ونصر الرسول صلى الله عليه وسلم على بني قريظة وغنيمة أموالهم رغبت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في مزيد من المتعة والنفقة، واجتمعت زوجاته من حوله يقلن : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم ونساؤك على ما ترى من هذه الحال من الفاقة والضيق وألمن قلبه بمطالبتهن بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم وكان الله تعالى قد خير نبيه بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا مسكينا فاختار أن يكون نبيا مسكينا وهي أعلى درجة أي : اختار الرسول الأمين أن يكون زاهدا في الدنيا لا فقرا فقد جاءت الغنائم ولكن ترفعا عن زينة الدنيا ومتعتها ورغبة في التسامي بنفسه وروحه، رغبة فيما عند الله.
التفسير :
﴿ يأيها النبيء قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ﴾
جاء هذا التخيير من الله تعالى حيث أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه بين أمرين زينة الدنيا ومالها ومتاعها من الثياب والفراش والمال وهذا ممكن بعد المتعة والطلاق أو الحياة في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم راغبات في التزام أمر الله وشرعه وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثار الآخرة وجزاء ذلك الأجر العظيم والجزاء الجزيل وقد خير الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه وكن تسع نسوة فاخترن جميعا الله ورسوله والدار الآخرة فعوضهن الله أن جعلهن أمهات المؤمنين وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم تطليقهن وأمره ألا يتزوج عليهن.
في أعقاب الآية
١- من اختارت الطلاق فلها المتعة، وهي كسوة للمطلقة حسب حالة الزوج قال تعالى : ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. ( البقرة : ٢٣٦ ).
٢- السراح الجميل هو الطلاق مع الإحسان بلا شكاية ولا إيذاء بل بتقديم مؤخر الصداق والمكارمة وترضية المطلقة بالمال والمجاملة، لأنها كانت تأمل أن تعيش في كنف زوجها وأولى بالمسلمين أن يفعلوا ذلك مع المطلقات قال تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. ( البقرة : ٢٢٩ ) ونرجو أن نخفف من ويلات الطلاق وان يكرم الرجال النساء بإغداق الأموال والتعويض والمكارمة، وإذا علمنا أن القضاء الأمريكي يعطي للمطلقة نصف الأموال التي اكتسبها زوجها تعويضا لها فأولى بنا أن نكرم المطلقة امتثالا لأمر الله في سراح جميل وتسريح بإحسان.
٣- خلاصة معنى الآية :
يا أيها النبي خير زوجاتك بين أمرين :
الأول : الطلاق ولهن عندئذ المتعة وهي الكسوة والتسريح أي والطلاق، سراحا جميلا، فراقا حسنا بلا مشادة بل فيه مكارمة ودفع التعويض والترضية المناسبة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ملاحق بتفسير الآيتين ( ٢٨-٢٩ ).

١- عدد زوجاته صلى الله عليه وسلم :

عند نزول آيات التخيير بين الدنيا أو الآخرة كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة رضي الله عنهن.
وأربع من غير قريش زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي ابن أخطب النضيرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
ولم يعتبر ذلك التخيير طلاقا لا واحدة ولا أكثر لقول عائشة فيما أخرجه الشيخان : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلاقا.

٢- المخيرة :

هي التي خيرها زوجها بين الطلاق أو البقاء مع الزوج فإذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فهو الطلاق كله ولا عبرة بإنكار الزوج لأن معنى التخيير التسريح والتسريح البتات.
قال الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.. ( البقرة : ٢٢٩ ).
وقال تعالى في آية التخيير : فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح بإحسان : هو الطلقة الثالثة ومعنى التخيير التسريح وعلى هذا يكون طلاق المخيرة ثلاثا عند الإمام مالك.

٣-
جعل العصمة في يد المرأة : قال صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " ٢٩ أي : إن الطلاق حق ثابت للرجل دون المرأة لكن الرجل يملك أن يتنازل عن هذا الحق لزوجته عند الحنفية ويمكن أن ينص في العقد على ذلك لكنها تستخدم هذا الحق نيابة عن الرجل فيقول الرجل : قد جعلت عصمة زوجتي في يدها، ولها أن تقول أمامه : لقد ملكتني عصمة نفسي وأنا أملك نيابة عنك حق الطلاق وإني أطلق نفسي منك وبذلك تصبح طالقة من زوجها.
وجمهور الفقهاء على أن هذا تبديل لحكم الله يتضمن مذلة الرجل وقلبا للأوضاع ولذلك رفضه جمهور الفقهاء.

المناسبة :
في أعقاب رحيل الأحزاب ونصر الرسول صلى الله عليه وسلم على بني قريظة وغنيمة أموالهم رغبت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في مزيد من المتعة والنفقة، واجتمعت زوجاته من حوله يقلن : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم ونساؤك على ما ترى من هذه الحال من الفاقة والضيق وألمن قلبه بمطالبتهن بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم وكان الله تعالى قد خير نبيه بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا مسكينا فاختار أن يكون نبيا مسكينا وهي أعلى درجة أي : اختار الرسول الأمين أن يكون زاهدا في الدنيا لا فقرا فقد جاءت الغنائم ولكن ترفعا عن زينة الدنيا ومتعتها ورغبة في التسامي بنفسه وروحه، رغبة فيما عند الله.
﴿ وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ﴾
التفسير :
وإن فضلتم ثواب الله ومرضاة رسوله وطاعته والرغبة في ثواب الآخرة وهو الجنة فنعم الاختيار لأن الله أعد للمحسنة منكن ثوابا عظيما تستحقر زينة الدنيا دونه ولما اختارت نساء النبي صلى الله عليه وسلم جميعا رسول الله وطاعة الله وثواب الآخرة سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وعوضهن الله فجعلهن أمهات المؤمنين وشكرهن الله على حسن اختيارهن وكرمهن فقال : لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج... ( الأحزاب : ٥٢ ).
وقال تعالى : وما كان لكم أن تؤدوا رسول الله ولا أن ينكحوا أزواجه من بعده أبدا... ( الأحزاب : ٥٣ ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ملاحق بتفسير الآيتين ( ٢٨-٢٩ ).

١- عدد زوجاته صلى الله عليه وسلم :

عند نزول آيات التخيير بين الدنيا أو الآخرة كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة رضي الله عنهن.
وأربع من غير قريش زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي ابن أخطب النضيرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
ولم يعتبر ذلك التخيير طلاقا لا واحدة ولا أكثر لقول عائشة فيما أخرجه الشيخان : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده علينا طلاقا.

٢- المخيرة :

هي التي خيرها زوجها بين الطلاق أو البقاء مع الزوج فإذا اختارت نفسها وهي مدخول بها فهو الطلاق كله ولا عبرة بإنكار الزوج لأن معنى التخيير التسريح والتسريح البتات.
قال الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.. ( البقرة : ٢٢٩ ).
وقال تعالى في آية التخيير : فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا والتسريح بإحسان : هو الطلقة الثالثة ومعنى التخيير التسريح وعلى هذا يكون طلاق المخيرة ثلاثا عند الإمام مالك.

٣-
جعل العصمة في يد المرأة : قال صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " ٢٩ أي : إن الطلاق حق ثابت للرجل دون المرأة لكن الرجل يملك أن يتنازل عن هذا الحق لزوجته عند الحنفية ويمكن أن ينص في العقد على ذلك لكنها تستخدم هذا الحق نيابة عن الرجل فيقول الرجل : قد جعلت عصمة زوجتي في يدها، ولها أن تقول أمامه : لقد ملكتني عصمة نفسي وأنا أملك نيابة عنك حق الطلاق وإني أطلق نفسي منك وبذلك تصبح طالقة من زوجها.
وجمهور الفقهاء على أن هذا تبديل لحكم الله يتضمن مذلة الرجل وقلبا للأوضاع ولذلك رفضه جمهور الفقهاء.

المناسبة :
في أعقاب رحيل الأحزاب ونصر الرسول صلى الله عليه وسلم على بني قريظة وغنيمة أموالهم رغبت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في مزيد من المتعة والنفقة، واجتمعت زوجاته من حوله يقلن : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم ونساؤك على ما ترى من هذه الحال من الفاقة والضيق وألمن قلبه بمطالبتهن بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم وكان الله تعالى قد خير نبيه بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا مسكينا فاختار أن يكون نبيا مسكينا وهي أعلى درجة أي : اختار الرسول الأمين أن يكون زاهدا في الدنيا لا فقرا فقد جاءت الغنائم ولكن ترفعا عن زينة الدنيا ومتعتها ورغبة في التسامي بنفسه وروحه، رغبة فيما عند الله.
﴿ يا نساء النبيء من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ﴾
المفردات :
بفاحشة : فعلة قبيحة أو معصية كبيرة.
مبينة : ظاهرة القبح من قولهم : بين كذا بمعنى ظهر وتبين.
ضعفين : ضعفي عذاب غيرهن أي : مثليه.
يسيرا : هينا لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي بل هذا سبب له.
التفسير :
زوجات الرسول الأمين يظلهن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه ينزل وحي السماء وتعاليم الله لعباده وهن يشاهدن رسول الله أمامهن وهو القدوة والأسوة والمثل الأعلى لذلك يضاعف الله عقوبتهن على المعصية ولما كان الله قد عصم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من ارتكاب فاحشة الزنا فإن المراد بالفاحشة المبينة القبيح من الأفعال كعصيان الله ورسوله وطلب ما يشق على الرسول ويضيق به ذرعا ويغنم لأجله إذا فعلت إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فإن الله تعالى يضاعف لها العذاب ضعفين : أي ضعفي عذاب غيرها لأن زلة العالم يقرع بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل، فلعلو منزلتهن ضاعف الله عقوبتهن عند المعصية، كما ضاعف الله لهن الثواب عند الاستقامة والعمل الصالح.
روى أن رجلا قال لزين العابدين رضي الله عنه : إنكم أهل بيت مغفور لكم فغضب وقال : نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أن نكون كما قلت : إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي تليها.
جاء في تفسير القاسمي ما يأتي :
قال القاضي لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه، تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم.
وجاء في تفسير الفخر الرازي ما ملخصه :
وحكمة مضاعفة العذاب لزوجاته صلى الله عليه وسلم أن امرأة لو كانت تحت النبي صلى الله عليه وسلم وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبي ويكون ذلك الغير خيرا عندها من النبي وأولى، والنبي أولى من النفس التي هي أولى من الغير فقد نزلت منصب النبي مرتين فتعذب من العذاب ضعفين واعلم أن الله قد صان زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفاحشة فقوله تعالى : من يأت منكن بفاحشة مبينة من باب قوله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك.. ( الزمر : ٦٥ ).
﴿ وكان ذلك على الله يسيرا... ﴾ أي ليس كونكن تحت النبي صلى الله عليه وسلم وكونكن شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن وليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم أو شفعائهم وإخوانهم. ٣٠
وجاء في تفسيرالقرطبي ما خلاصته :
أحبر تعالى أن من جاء من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بفاحشة يضاعف لها العذاب ضعفين، لشرف منزلتهن، وفضل درجتهن، وتقديمهن على سائر النساء أجمع، وكذلك بينت الشريعة في غيرما موضع، أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت، تضاعفت العقوبات، وقيل : لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي، وفي منزل أوامر الله ونواهيه، قوي الأمر عليهن ولزمهن، بسبب مكانتهن، أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الأجر والعذاب، وقيل : إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن، بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة، في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة... ( الأحزاب : ٥٧ ).
واختار هذا القول الكيا الطبري.
وكان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح وكان إذا بلغ يا نساء النبي.... رفع بها صوته فقيل له في ذلك، فقال : أذكرهن العهد.
وقرا الجمهور : من يأت بالياء وقرا يعقوب : من تأت، و : تقنت بالتاء من فوق.
وقال قوم : الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنا واللواط وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي وإذا وردت منعوتة فهي عقوق الزوج وفساد عشرته وقالت فرقة : بل قوله : بفاحشة مبينة تعم جميع المعاصي وكذلك الفاحشة كيف وردت.
قال ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط، وإنما خانت في الإيمان والطاعة.
وقال بعض المفسرين : العذاب الذي توعدن به ضعفين هو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فكذلك الأجر. ٣١
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وزوجاته أمهات المؤمنين فقد أدين الرسالة ونصحت الأمة وكن مثلا أعلى في الاستقامة والعفة، ونصح المؤمنين والمؤمنات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
تفسير القرآن الكريم
الجزء الثاني والعشرون من القرآن الكريم
الدكتور
عبد الله شحاته
آداب بيت النبوة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما( ٣١ ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا( ٣٢ ) وقرن في بيوتكن ولا تتبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا( ٣٣ ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا( ٣٤ ) ﴾
المفردات :
يقنت : يطع ويخضع.
نؤتها أجرها مرتين : نضاعف لها أجر عملها الصالح حتى يكون ضعف عمل امرأة أخرى من غير نساء النبي.
رزقا كريما : في الجنة.
التفسير :
﴿ ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما. ﴾
هذه الآية والتي قبلها واللاتي بعدها آداب من الله تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
والمعنى : ومن يطع منكن الله ورسوله في قنوت وخشوع وإخبات، وتستمر على العمل الصالح من صلاة وزكاة وطاعة لرسول الله والتزام ما يرضيه وتجنب مطالبته بما ليس عنده، هذه يضاعف الله لها الثواب مرتين، وأعد الله لها رزقا كريما منه سبحانه في الجنة أو في الدنيا والآخرة، فكما يضاعف الله العذاب لمن عصت منهن ضاعف سبحانه وتعالى الثواب لمن أطاعت منهن رفعا لمنزلتهن وإكراما لهن.
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في حاصل معنى هذه الآية والتي قبلها قال : من عصت منكن فإن العذاب يكون عليها ضعف سائر نساء المؤمنين، ومن عملت صالحا منكن فإن أجرها يكون ضعف سائر نساء المسلمين، وهذا يستدعي أنه إذا أثيب سائر النساء المسلمين على الحسنة بعشر أمثالها أتين على الحسنة بعشرين مثلا، وإن زيد النساء على العشر شيء زيد لهن ضعفه أه.
والله تعالى يضاعف لمن يشاء بحسب نية العبد وظروفه، ولا حرج على فضل الله في العطاء والجزاء فهو سبحانه واسع الكرم والعلم والله واسع عليم.
﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ﴾.
المفردات :
لستن كأحد من النساء : لمستن كجماعة من النساء في الفضل فمقامكن أرفع وأفضل بشرط تقواكن لله.
إن اتقيتن : بل أنتن أشرف وأفضل بشرط تقواكن لله.
فلا تخضعن بالقول : فلا تجئن بالقول خاضعا لينا.
مرض : مرض النفاق أو مرض الشهوة.
قولا معروفا : قولا معروفا بالجد.
التفسير :
لقد فضل الله زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعلهن أمهات المؤمنين ورفع الله منزلتهن وضاعف لهن الثواب إن أطعن وضاعف لهن العقاب إن عصين.
ومعنى الآية : يا زوجات النبي أمهات المؤمنين إنكن لستن كجماعات النساء، إن شرفكن أعظم ومقامكن أسمى ما دمتن في طاعة الله والتزام أمره واجتناب نواهيه والتمسك بالتقوى فإنها مصدر الشرف والعز.
﴿ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ﴾.
ينبغي أن يكون كلامكن جزلا، ونطقكن فصلا بدون لين في القول ولا تكسر ولا ريبة ولا تخنث حتى لا يطمع في الفاحشة من كان في قلبه نفاق أو رغبة في الفسوق أو الإكثار من محادثة النساء.
﴿ وقلن قولا معروفا ﴾.
ليكن كلامكن بجد حزم وقوة واستقامة، تقطع الطريق على كل فاجر أو فاسق، وليس هذا الوصف خاصا بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، بل نساء الأمة تبع فيه لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فالمرأة حين تخاطب زوجها تميل إلى اللين والخضوع وترخيم الصوت وترقيقه وحين تخاطب الأجانب تميل إلى الجد والحزم والقوة، حتى لا يطمع فيها من في قلبه شهوة ورغبة في الفجور وهذا النهي لا يعني أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حال من السوء تقتضي المنع والكف، وإنما المراد رسم المثل الأعلى والطريق الأسمى لهن وللنساء المسلمات.
كما قال تعالى في مطلع السورة :﴿ يأيها النبي اتق الله... ﴾. فإذا نودي الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فمن باب أولى عامة المسلمين، وكذلك إذا أمرت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بالجد في القول والبعد عن الريبة وإطماع الرجال، فذلك من باب التوجيه الأسمى من الله رب العالمين.
قال تعالى :﴿ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ﴾. ( الزمر : ٦٥ ).
لكن الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته أو كل من يتأتى منه الخطاب أو للتهييج على لزوم التوحيد والبعد عن الشرك.
﴿ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وءاتين الزكواة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾.
المفردات :
وقرن في بيوتكن : اقررن في بيوتكن ولا تخرجن منها إلا لحاجة وهو من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه وفتح القاف في ( قرن ) قراءة حفص وقرأ الجمهور بكسرها ( وقرن ) وهو من الوقار.
ولا تبرجن : ولا تتزين وتخرجن متبخترات تبدين من محاسنكن ما يجب ستره.
الرجس : الذنب والدنس والرذائل.
التفسير :
أي الزمن القرار في بيوتكن ولا تخرجن منها إلا بسبب مشروع مثل : إقامة الصلاة في المسجد أو حضور العلم أو زيارة الوالدين أو المشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو المشاركة في كل ما أمر به الله، وحثت عليه الشريعة مثل شهود الجمع والجماعات، وشهود نعم الله تعالى في البر والبحر والنباتات والزراعة، ما دام ذلك يتم في تمسك بالمظهر الحسن والاحتشام في الملبس وعدم إظهار المفاتن التي تحرك الشهوة في الرجال، وقد كانت المرأة في الجاهلية ترسل خمارها على ظهرها وتبدي أقراطها ورقبتها وزينتها ودلالها بما يثير الإعجاب في نفوس الرجال فقال القرآن :
﴿ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى... ﴾
أي لا تبدين محاسنكن التي أمر الله بسترها، مثل كشف الرقبة أو الصدر أو الظهر أو التبخثر والتكسر من المرأة في مشيتها وصوتها لفتنة الرجال.
﴿ وأقمن الصلواة... ﴾.
حافظن على إقامة الصلاة تامة الأركان في خشوع وخضوع، لأن الصلاة وسيلة إلى طهارة النفس والبعد عن الرذائل وهي وسيلة للتحلي بالفضائل.
﴿ وءاتين الزكواة... ﴾.
أخرجن الزكاة ففيها حق الفقير، حتى لا يحس أنه ضائع ولا جائع وفيها حق لله تعالى الذي أعطانا المال وفيها حق للمجتمع الذي نعيش فيه، ويربح منه التاجر ويكسب منه العامل، والزكاة وسيلة من وسائل تماسك المجتمع وقوته.
﴿ وأطعن الله ورسوله... ﴾.
وذلك يشمل كل طاعة لله ورسوله في التزام هدى الإسلام وأوامره وتجنب نواهيه.
﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾.
إنما أراد الله سبحانه بتلك الأوامر والتوجيهات تطهير أمهات المؤمنين عن المعاصي والذنوب وتعمير قلوبهم بنور الإيمان، وبذلك تكون الطاعة وسيلة عملية إلى تزكية النفس وطهارتها وعلو منزلتها وأهل البيت : كل من لازم النبي محمدا صلى الله عليه وسلم من الأزواج والأقارب وتوجيه الأوامر لهم لأنهم قدوة.
روى الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج على صلاة الفجر يقول : " الصلاة يا أهل البيت :﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ﴾. ٣٢
وأهل البيت النبوي هم نساؤه صلى الله عليه وسلم، وقرابته منهم العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم.
وقال الفخر الرازي في تفسير الآية :
والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين وعلى منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال القرطبي والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم. ٣٣
﴿ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ﴾.
المفردات :
آيات الله : القرآن الجامع لكونه آيات الله.
الحكمة : السنة.
لطيفا : اللطف من الله الرفق والتوفيق والعصمة.
خبيرا : عالما بدقائق الأمور.
التفسير :
تذكرن أنكن في بيت النبوة حيث يهبط الوحي ويعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامكن من برحاء الوحي، وهذه قدوة عملية للسنة العملية والقولية فتذكرن ذلك وبلغنه للمسلمين حتى يعم ذلك الخير للمسلمين أجمعين وهي حكمة إلهية عليا إذ جعل زوجاته وسيلة لإبلاغ المسلمات والمسلمين أحكام الشريعة وما نزل من الوحي فهو سبحانه لطيف بعباده خبير بأعمالهم.
قال ابن العربي : في هذه الآية مسألة بديعة وهي أن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بتبليغ ما أنزل عليه من القرآن وتعليم ما علمه من الدين، فكان إذا قرأه على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض، وكان على من سمعه أن يبلغه إلى غيره، ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة ولا كان عليه إذا علم ذلك أزواجه أن يخرج إلى الناس فيقول لهم : نزل كذا ولا كان كذا ولا يلزم أن يبلغ ذلك الرجال. ٣٤
***
﴿ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما( ٣٥ ) ﴾
المفردات :
المسلمين : الداخلين في الإسلام والإسلام هو الانقياد والخضوع لأمر الله.
المؤمنين : المصدقين بأركان الإيمان والإيمان هو التصديق بما جاء عن الله من أمر ونهي.
القانتين : الخاضعين لله المداومين على الطاعة والقنوت هو الطاعة في سكون.
الخاشعين : المتواضعين لله بقلوبهم وأعضائهم والخضوع هو السكون والطمأنينة.
والحافظين فروجهم : عن الحرام.
والذاكرين الله : بقلوبهم وألسنتهم.
مغفرة : غفرانا يمحو ذنوبهم.
وأجرا عظيما : ثوابا جزيلا على طاعتهم وهو نعيم الآخرة.
سبب النزول :
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن جرير عن عبد الرحمن بن شيبة قال : سمعت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت : فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر " يا أيها الناس إن الله تعالى يقول :﴿ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات... ﴾. ٣٥
التفسير :
﴿ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات... ﴾ الآية.
الآية – كما ترى – وسام على صدر كل مسلم ومسلمة، ملتزم وملتزمة بأحكام الإسلام وصفاته وفيها رفع لشأن المرأة وتمجيد لصفاتها الحسنة حيث قرن الرجال والنساء في عشر صفات كلها تعبر عن السلوك الحسن والصفات الكريمة.
﴿ إن المسلمين والمسلمات... ﴾.
الذين دخلوا في الإسلام والإسلام يشمل الالتزام بالأركان والآداب والتشريعات التي شرعها الله في كتابه الكريم.
﴿ والمؤمنين والمؤمنات.... ﴾.
الذين استقر الإيمان في قلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فالإسلام يعني الانقياد الظاهري لأحكام الله والإيمان يعني التصديق الباطني واليقين الداخلي.
﴿ والقانتين والقانتات... ﴾.
والقنوت هو دوام العمل الصالح والطاعة في سكون كما قال تعالى :﴿ أمن هو قانت ءاناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه... ﴾ ( الزمر : ٩ ).
وقال عز وجل :﴿ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.. ﴾ ( آل عمران : ٤٣ ).
ويلاحظ التدرج بين هذه الصفات فالإسلام : إسلام المظهر من النطق بالشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج والإيمان التصديق الباطني والإذعان القلبي لله، ثم ينشأ عن مجموعها القنوت والإخباث واستمرار الطاعة في خشوع ويقين.
﴿ والصادقين والصادقات... ﴾.
والصدق في القول والعمل منزلة سامية تأتي بعد القنوت فإن الصدق رأس الفضائل ودليل إلى البر والجنة.
وفي الحديث الصحيح عند احمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ". ٣٦
لذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
﴿ والصابرين والصابرات... ﴾
وقد ذكر الصبر في القرآن سبعين مرة، والصبر في كتاب الله تعالى على ثلاث درجات : صبر على الطاعات وله ثلاثمائة درجة، وصبر عن المعاصي وله ستمائة درجة، وصبر على المصائب عن الصدمة الأولى وله تسعمائة درجة.
فالصبر أنواع منه صبر على أداء الطاعات مثل غض البصر وأداء الصلاة في أوقاتها وفي خشوعها وخضوعها وأداء الصيام والزكاة والحج وله ثلاثمائة درجة.
والصبر عن المعصية أي البعد عن الزنا والربا والقتل واليمين الغموس والسحر والابتعاد عن كل ما يغضب الله أي ألا يراك حيث نهاك وألا يفقدك حيث أمرك وله ستمائة درجة.
وقمة الصبر الصبر على المصائب عند الصدمة الأولى والرضا بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره وتحمل المكاره والنوائب والابتلاء في المال والنفس وثوابه تسعمائة درجة وفي الحديث الصبر جزاؤه الجنة ".
﴿ والخاشعين والخاشعات... ﴾.
والمتواضعين بقلوبهم والمتواضعات فإذا فعلوا الحسنات تواضعوا وتطامنوا، رجاء أن يقبلها الله أي لا ينالهم العجب ولا التطاول والتكبر بل هم في إحسان ومراقبة لله وفي الحديث الصحيح " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ٣٧ والخشوع صفة تجعل القلب والجوارح في حالة انقياد تام لله تعالى ومراقبته واستشعاره لجلاله وهيبته.
﴿ والمتصدقين والمتصدقات... ﴾.
المخرجين زكاة أموالهم والمتصدقين بأموالهم تطوعا ورحمة بعباد الله والمتصدقات بأموالهن رجاء ثواب الله.
وفي الحديث الذي ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظل هم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين ". ٣٨
وموضع الشاهد هنا هو من يخرج الصدقة خفية لا يعلم بها أحد إلا الله تعالى.
﴿ والصائمين والصائمات... ﴾.
أي يصومون رمضان ويصومون تطوعا، قال سعيد بن جبير : من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر دخل في قوله تعالى :﴿ والصائمين والصائمات ﴾.
والصوم ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه، وهو وسيلة إلى التزكي والتطهر والتقرب إلى الله تعالى وتقواه ومراقبته وهو علاج لثورة الشهوة، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". ٣٩
ومعنى وجاء : قاطع لثوران الشهوة.
﴿ والحافظين فروجهم والحافظات... ﴾
أي الملتزمين بالعفة والملتزمات المحافظين على الاستقامة والبعد عن الزنا وعن كشف العور قال تعالى :﴿ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ﴾. ( المؤمنون : ٥-٧ ).
﴿ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات... ﴾
أي : المداومين على ذكر الله وتذكره والمداومات على ذلك، وذكر الله يشمل تذكره بالقلب وذكره باللسان وعبادته بالجوارح بنية صادقة، وقد أمرنا بالذكر الكثير لتأكيد الإيمان في القلب والوصول إلى محبة الله تعالى ومرضاته، وفي الحديث القدسي " أنا جليس من ذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ".
وقال تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ﴾. ( الأحزاب : ٤١-٤٢ ).
وقد ختمت هذه الصفات بالذكر لأنه قمة العمل الصالح، فأكثر الصائمين أجرا أكثرهم لله ذكرا وكذلك المصلون والمزكون والمتصدقون والحجاج أكثرهم فضلا أكثرهم لله ذكرا حتى ذهب الذاكرون لله بكل خير كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد.
ثم قال تعالى :﴿ أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ﴾.
أي هيأ الله للمتصفين بهذه الصفات مغفرة لذنوبهم وثوابا عظيما في الآخرة وهو الجنة، وأنعم بها من أجر عظيم وثواب جليل.
ونلاحظ أن ذكر الله تعالى يشمل ذكره عقب الصلوات وعند المضاجع وعند الانتباه من النوم. قال مجاهد لا يكون العبد ذاكرا لله تعالى ذكرا كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا.
***
﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا( ٣٦ ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا( ٣٧ ) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا( ٣٨ ) الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا( ٣٩ ) ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما( ٤٠ ) ﴾
المفردات :
وما كانا لمؤمن : وما صح ولا استقام.
الخيرة : حق الاختيار فيما حكم الله فيه ورسوله بالجواز أو المنع.
ضل ضلالا مبينا : أخطأ طريق الفلاح خطأ واضحا.
تمهيـد :
تأتي هذه الآيات لإبطال بعض عادات الجاهلية وهي احتقار العبيد والفقراء والتباهي بالأحساب والأنساب، وقد أراد القرآن أن يبين أن الإسلام والإيمان وطاعة الرحمان هي مصدر العزة والمجد، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهي قرشية ذات حسب ونسب لزيد بن حارثة مولاه، وكان رقيقا وقد حضر أبوه ليشتريه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اختارك فخذه بدون ثمن وإن اختارني فسيبقى معي " فاختار زيد البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعيره عمه قائلا : كيف تختار الرق على الحرية، فقال زيد : لقد رأيت من هذا الرجل كل عطف وخير وبركة، ولا أوثر أحدا على بقائي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان أبي، فعندئذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد إلى المسجد وقال " اشهدوا أيها الناس إن زيد بن حارثة ابني ويرثني " فكان بعد ذلك يدعى زيد بن محمد فلما أبطل الله التبني بقوله سبحانه :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... ﴾. ( الأحزاب : ٥ ) قال زيد أنا زيد بن حارثة.
ثم شرع الله زواجه من امرأة قرشية شريفة، ليبين الحق سبحانه أن الإيمان الصادق له اعتباره في الزواج وتم هذا الزواج وشاء الله ألا يستمر، لأن زينب بنت جحش كانت تفتخر على زيد بأنها قرشية أصيلة لم يجر عليها الرق وأن زيدا كان رقيقا، ورغب زيد في طلاقها لتعاليها عليه ولأن فيها حدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد التريث وإمساك زينب وعدم المسارعة في طلاقها وكان الله قد أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد بن حارثة، ومع هذا كان يخشى تعجيل هذا الزواج خوفا من كلام الناس وقولهم إن محمدا تزوج حليلة متبناه فلام الله نبيه على ذلك، وتبين له أن الخشية تكون من الله لا من كلام الناس وكانت في الآيات دروس عديدة منها ما يأتي :

-
تقدير الناس حسب أعمالهم.

-
إطاعة أمر الله وأمر رسوله طاعة مطلقة وعلى كل حال.

-
لا خشية من كلام الناس مادام الإنسان ممتثلا أمر الله.

-
لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة تقديم الهوى الشخصي على أوامر الله ورسوله.

-
إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.

-
تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.

-
جواز عتاب الله لرسوله.

-
ذكر فضل الله على زيد حيث ذكر اسمه في القرآن وسيظل يقرأ إلى يوم الدين.

-
ذكر فضل الله على زينب حيث زوجها الله من علياء السماء وكان السفير في ذلك جبريل.
التفسير :
﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ﴾.
أي ما صح ولا استقام لرجل ولا لامرأة من المؤمنين إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا، بل يجب عليهم طاعة أمر الله وطاعة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ومن يعص الله ورسوله فقد بعد عن طريق الحق بعدا بينا واضحا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد خطب زينب بنت جحش لتتزوج زيد بن حارثة مولاه، وقالت : أنا أشرف منه نسبا وآزرها أخوها في امتناعها فلما أنزل الله على رسوله هذه الآية قالت زينب يا رسول الله هل رضيته لي زوجا ؟ قال نعم، فقالت زينب : إذن لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي.
تمهيـد :
تأتي هذه الآيات لإبطال بعض عادات الجاهلية وهي احتقار العبيد والفقراء والتباهي بالأحساب والأنساب، وقد أراد القرآن أن يبين أن الإسلام والإيمان وطاعة الرحمان هي مصدر العزة والمجد، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهي قرشية ذات حسب ونسب لزيد بن حارثة مولاه، وكان رقيقا وقد حضر أبوه ليشتريه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اختارك فخذه بدون ثمن وإن اختارني فسيبقى معي " فاختار زيد البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعيره عمه قائلا : كيف تختار الرق على الحرية، فقال زيد : لقد رأيت من هذا الرجل كل عطف وخير وبركة، ولا أوثر أحدا على بقائي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان أبي، فعندئذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد إلى المسجد وقال " اشهدوا أيها الناس إن زيد بن حارثة ابني ويرثني " فكان بعد ذلك يدعى زيد بن محمد فلما أبطل الله التبني بقوله سبحانه :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... ﴾. ( الأحزاب : ٥ ) قال زيد أنا زيد بن حارثة.
ثم شرع الله زواجه من امرأة قرشية شريفة، ليبين الحق سبحانه أن الإيمان الصادق له اعتباره في الزواج وتم هذا الزواج وشاء الله ألا يستمر، لأن زينب بنت جحش كانت تفتخر على زيد بأنها قرشية أصيلة لم يجر عليها الرق وأن زيدا كان رقيقا، ورغب زيد في طلاقها لتعاليها عليه ولأن فيها حدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد التريث وإمساك زينب وعدم المسارعة في طلاقها وكان الله قد أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد بن حارثة، ومع هذا كان يخشى تعجيل هذا الزواج خوفا من كلام الناس وقولهم إن محمدا تزوج حليلة متبناه فلام الله نبيه على ذلك، وتبين له أن الخشية تكون من الله لا من كلام الناس وكانت في الآيات دروس عديدة منها ما يأتي :

-
تقدير الناس حسب أعمالهم.

-
إطاعة أمر الله وأمر رسوله طاعة مطلقة وعلى كل حال.

-
لا خشية من كلام الناس مادام الإنسان ممتثلا أمر الله.

-
لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة تقديم الهوى الشخصي على أوامر الله ورسوله.

-
إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.

-
تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.

-
جواز عتاب الله لرسوله.

-
ذكر فضل الله على زيد حيث ذكر اسمه في القرآن وسيظل يقرأ إلى يوم الدين.

-
ذكر فضل الله على زينب حيث زوجها الله من علياء السماء وكان السفير في ذلك جبريل.
﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله... ﴾.
المفردات :
أنعم الله عليه : بالإسلام.
وأنعمت عليه : بالعتق وهو زيد بن حارثة.
واتق الله : في أمر زينب زوجتك فلا تحاول طلاقها.
وتخفى في نفسك : أمر تزوجها الذي شرعه الله حذرا من قالة الناس.
حرج : ضيق.
في أزواج أدعيائهم : في أزواج من دعوهم أبناءهم وهم غرباء.
وكان أمر الله مفعولا : وكان حكمه وقضاؤه نافذا.
التفسير :
روي عن علي زين العابدين بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا سيطلق زينب، وأنه سيتزوجها بتزويج الله إياها له، فلما اشتكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وأنها لا تطيعه وأعلمه أنه يريد طلاقها قال له النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أن زيدا سيفارقها وأنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه وقد أمره بطلاقها فعاتبه الله على هذا القدر من أنه خشي الناس في شيء قد أباحه الله له بأن قال ﴿ أمسك ﴾، مع علمه أنه يطلق وأعلمه أن الله أحق بالخشية في كل حال ؟ ٤٠
قال القرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل الآية وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالزهري والقاضي أبي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم والمراد بقوله : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين، بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه فأما ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد – وربما أطلق بعض المجَّان لفظ عشق فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته.
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : قال علي بن الحسين : إنه إنما عتب الله_ عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك فكيف قال بعد ذلك لزيد :﴿ أمسك عليك زوجك.. ﴾ وأخذتك خشية الناس أن يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه والله أحق أن تخشاه.
قال بعض العلماء ليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة : ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه وقد يكون الشيء ليس بخطية إلا أن غيره أحسن منه وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس. ٤١
وقال الخفاجي واضح أن الله تعالى لما أراد نسخ تحريم زوجة المتبني أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب إذا طلقها زيد فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافة طعن الأعداء فعوتب عليه أه.
من صحيح البخاري
صح من حديث البخاري والترمذي أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
تفسير الآية
﴿ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله... ﴾.
واذكر أيها النبي الكريم حين تقول لزيد بن حارثة، الذي أنعم الله عليه بالإسلام والهداية وأنعمت عليه بالعتق والتقريب منك حين جاء يشتكي من زينب ويذكر أنها ستعلى عليه فقلت له :
﴿ امسك عليك زوجك... ﴾. فلا تطلقها ﴿ واتق الله... ﴾. فيما تقوله عنها.
﴿ وتخفي في نفسك... ﴾. أنك مأمور بتزويجها مع أن الله سيبديه ويظهره علنا وتخاف من تغيير الناس ونقدهم واعتراضهم النابع من منطق الجاهلية.
﴿ والله أحق أن تخشاه... ﴾. وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدما وقضاء على الأحكام التي جعلت الدعى كابن الصلب.
﴿ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ﴾.
لما قضى زيد حاجته منها وملها وطلقها وانتهت عدتها جعلناها لك زوجة بأمرنا ليرتفع الحرج والضيق من بين المؤمنين إذا أرادوا الزواج بمطلقات أدعيائهم، وهم الذين تبنوهم في الجاهلية ثم أبطل الإسلام حكم التبني وألغى جميع آثاره وصفى كل نتائجه وكان قضاء الله وقدره نافذا وكائنا لا محالة.
قال محمد بن عبد الله بن جحش تفاخرت زينب وعائشة رضي الله عنهما فقالت زينب أنا التي نزل تزويجي من السماء وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري من السماء فاعترفت لها زينب.
وذكر القرطبي وابن جرير عن الشعبي قال : كانت زينب رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم إني لأدل عليك ثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن : أن جدي وجدك واحد، وأن الله أنكحك إياي من السماء وأنا السفير في ذلك.
تمهيـد :
تأتي هذه الآيات لإبطال بعض عادات الجاهلية وهي احتقار العبيد والفقراء والتباهي بالأحساب والأنساب، وقد أراد القرآن أن يبين أن الإسلام والإيمان وطاعة الرحمان هي مصدر العزة والمجد، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهي قرشية ذات حسب ونسب لزيد بن حارثة مولاه، وكان رقيقا وقد حضر أبوه ليشتريه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اختارك فخذه بدون ثمن وإن اختارني فسيبقى معي " فاختار زيد البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعيره عمه قائلا : كيف تختار الرق على الحرية، فقال زيد : لقد رأيت من هذا الرجل كل عطف وخير وبركة، ولا أوثر أحدا على بقائي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان أبي، فعندئذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد إلى المسجد وقال " اشهدوا أيها الناس إن زيد بن حارثة ابني ويرثني " فكان بعد ذلك يدعى زيد بن محمد فلما أبطل الله التبني بقوله سبحانه :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... ﴾. ( الأحزاب : ٥ ) قال زيد أنا زيد بن حارثة.
ثم شرع الله زواجه من امرأة قرشية شريفة، ليبين الحق سبحانه أن الإيمان الصادق له اعتباره في الزواج وتم هذا الزواج وشاء الله ألا يستمر، لأن زينب بنت جحش كانت تفتخر على زيد بأنها قرشية أصيلة لم يجر عليها الرق وأن زيدا كان رقيقا، ورغب زيد في طلاقها لتعاليها عليه ولأن فيها حدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد التريث وإمساك زينب وعدم المسارعة في طلاقها وكان الله قد أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد بن حارثة، ومع هذا كان يخشى تعجيل هذا الزواج خوفا من كلام الناس وقولهم إن محمدا تزوج حليلة متبناه فلام الله نبيه على ذلك، وتبين له أن الخشية تكون من الله لا من كلام الناس وكانت في الآيات دروس عديدة منها ما يأتي :

-
تقدير الناس حسب أعمالهم.

-
إطاعة أمر الله وأمر رسوله طاعة مطلقة وعلى كل حال.

-
لا خشية من كلام الناس مادام الإنسان ممتثلا أمر الله.

-
لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة تقديم الهوى الشخصي على أوامر الله ورسوله.

-
إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.

-
تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.

-
جواز عتاب الله لرسوله.

-
ذكر فضل الله على زيد حيث ذكر اسمه في القرآن وسيظل يقرأ إلى يوم الدين.

-
ذكر فضل الله على زينب حيث زوجها الله من علياء السماء وكان السفير في ذلك جبريل.
﴿ ما كانا على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ﴾.
المفردات :
في الذين خلوا من قبل : في الرسل السابقين.
قدرا مقدورا : قضاء مقضيا وحكما مفعولا.
التفسير :
أي ما صح ولا استقام أن يكون على محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله من ضيق أو عيب فيما أحل الله له وأمره به من زواج زينب، وهذا حكم الله تعالى في الأنبياء من قبله لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حرج أو ضيق، وكان أمر الله الذي يقدره كائنا لا محالة وواقعا لا محيد عنه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وهذا رد على المنافقين الذين عابوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زواجه من امرأة زيد ورد على اليهود الذين عابوه من كثرة الزوجات فقد كان لداود وسليمان عليهما السلام عدد كثير من النساء.
تمهيـد :
تأتي هذه الآيات لإبطال بعض عادات الجاهلية وهي احتقار العبيد والفقراء والتباهي بالأحساب والأنساب، وقد أراد القرآن أن يبين أن الإسلام والإيمان وطاعة الرحمان هي مصدر العزة والمجد، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهي قرشية ذات حسب ونسب لزيد بن حارثة مولاه، وكان رقيقا وقد حضر أبوه ليشتريه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اختارك فخذه بدون ثمن وإن اختارني فسيبقى معي " فاختار زيد البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعيره عمه قائلا : كيف تختار الرق على الحرية، فقال زيد : لقد رأيت من هذا الرجل كل عطف وخير وبركة، ولا أوثر أحدا على بقائي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان أبي، فعندئذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد إلى المسجد وقال " اشهدوا أيها الناس إن زيد بن حارثة ابني ويرثني " فكان بعد ذلك يدعى زيد بن محمد فلما أبطل الله التبني بقوله سبحانه :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... ﴾. ( الأحزاب : ٥ ) قال زيد أنا زيد بن حارثة.
ثم شرع الله زواجه من امرأة قرشية شريفة، ليبين الحق سبحانه أن الإيمان الصادق له اعتباره في الزواج وتم هذا الزواج وشاء الله ألا يستمر، لأن زينب بنت جحش كانت تفتخر على زيد بأنها قرشية أصيلة لم يجر عليها الرق وأن زيدا كان رقيقا، ورغب زيد في طلاقها لتعاليها عليه ولأن فيها حدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد التريث وإمساك زينب وعدم المسارعة في طلاقها وكان الله قد أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد بن حارثة، ومع هذا كان يخشى تعجيل هذا الزواج خوفا من كلام الناس وقولهم إن محمدا تزوج حليلة متبناه فلام الله نبيه على ذلك، وتبين له أن الخشية تكون من الله لا من كلام الناس وكانت في الآيات دروس عديدة منها ما يأتي :

-
تقدير الناس حسب أعمالهم.

-
إطاعة أمر الله وأمر رسوله طاعة مطلقة وعلى كل حال.

-
لا خشية من كلام الناس مادام الإنسان ممتثلا أمر الله.

-
لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة تقديم الهوى الشخصي على أوامر الله ورسوله.

-
إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.

-
تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.

-
جواز عتاب الله لرسوله.

-
ذكر فضل الله على زيد حيث ذكر اسمه في القرآن وسيظل يقرأ إلى يوم الدين.

-
ذكر فضل الله على زينب حيث زوجها الله من علياء السماء وكان السفير في ذلك جبريل.
﴿ الذي يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ﴾.
المفردات :
حسيبا : كافيا للمخاوف أو محاسبا.
التفسير :
هؤلاء الأنبياء والرسل هم الذين يبلغون رسالات السماء ويخشون الله وحده دون سواه..
﴿ وكفى بالله حسيبا.. ﴾ فهو سبحانه المحاسب والمجازي والمكافئ وأنعم وأكرم به على عطاياه ومكافآته وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم سيد الناس في هذا المقام وفي كل مقام، فإنه قام بتبليغ رسالات الله إلى أهل المشارق والمغارب وإلى جميع أنواع بني آدم وأظهر الله به كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع حيث بعثه الله على جميع الخلق عربهم وعجمهم قال تعالى :﴿ قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا... ﴾ ( الأعراف : ١٥٨ ) ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده فكان أعلى من قام بذلك بعده أصحابه رضي الله عنهم حيث بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله في ليله ونهاره وحضره وسفره وسره وعلانيته فرضي الله عنهم وأرضاهم، ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا فبنورهم يهتدي المهتدون وعلى منهجهم يسلك الموفقون. ٤٢
وفي هذه الآية إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم ليس عليه بأس من لائمة الناس في أمر قضاء الله لنسخ عادة التبني.
تمهيـد :
تأتي هذه الآيات لإبطال بعض عادات الجاهلية وهي احتقار العبيد والفقراء والتباهي بالأحساب والأنساب، وقد أراد القرآن أن يبين أن الإسلام والإيمان وطاعة الرحمان هي مصدر العزة والمجد، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهي قرشية ذات حسب ونسب لزيد بن حارثة مولاه، وكان رقيقا وقد حضر أبوه ليشتريه من النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اختارك فخذه بدون ثمن وإن اختارني فسيبقى معي " فاختار زيد البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعيره عمه قائلا : كيف تختار الرق على الحرية، فقال زيد : لقد رأيت من هذا الرجل كل عطف وخير وبركة، ولا أوثر أحدا على بقائي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان أبي، فعندئذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد إلى المسجد وقال " اشهدوا أيها الناس إن زيد بن حارثة ابني ويرثني " فكان بعد ذلك يدعى زيد بن محمد فلما أبطل الله التبني بقوله سبحانه :﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله... ﴾. ( الأحزاب : ٥ ) قال زيد أنا زيد بن حارثة.
ثم شرع الله زواجه من امرأة قرشية شريفة، ليبين الحق سبحانه أن الإيمان الصادق له اعتباره في الزواج وتم هذا الزواج وشاء الله ألا يستمر، لأن زينب بنت جحش كانت تفتخر على زيد بأنها قرشية أصيلة لم يجر عليها الرق وأن زيدا كان رقيقا، ورغب زيد في طلاقها لتعاليها عليه ولأن فيها حدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من زيد التريث وإمساك زينب وعدم المسارعة في طلاقها وكان الله قد أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيتزوج زينب بعد أن يطلقها زيد بن حارثة، ومع هذا كان يخشى تعجيل هذا الزواج خوفا من كلام الناس وقولهم إن محمدا تزوج حليلة متبناه فلام الله نبيه على ذلك، وتبين له أن الخشية تكون من الله لا من كلام الناس وكانت في الآيات دروس عديدة منها ما يأتي :

-
تقدير الناس حسب أعمالهم.

-
إطاعة أمر الله وأمر رسوله طاعة مطلقة وعلى كل حال.

-
لا خشية من كلام الناس مادام الإنسان ممتثلا أمر الله.

-
لا ينبغي لمؤمن ولا لمؤمنة تقديم الهوى الشخصي على أوامر الله ورسوله.

-
إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.

-
تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.

-
جواز عتاب الله لرسوله.

-
ذكر فضل الله على زيد حيث ذكر اسمه في القرآن وسيظل يقرأ إلى يوم الدين.

-
ذكر فضل الله على زينب حيث زوجها الله من علياء السماء وكان السفير في ذلك جبريل.
﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيئين وكان الله بكل شيء عليما ﴾.
المفردات :
خاتم النبيين : آخرهم فلم يجيء نبي بعده.
التفسير :
تأتي هذه الآية ردا على المنافقين الذين قالوا إن محمدا ينهانا عن زواج امرأة الابن وقد تزوج امرأة ابنه فأفاد القرآن أن محمدا لم يكن أبا نسبيا لزيد إنما رباه ورعاه وادعاه فلما أبطل الله التبني صار يدعي زيد بن حارثة فما كان محمد أبا لزيد ولكن هو رسول الله يبلغ رسالات الله ويصل بين وحي السماء وتعليم الناس شرائع الله تعالى، وقد ختم الله به النبيئين فلا نبي بعده، ومن أجل ذلك اشتملت شريعة الإسلام على مقومات حياتها وخلودها وبقائها حيث نص القرآن الكريم على ثوابت الشريعة، ووضحت السنة القرآن ورسمت للناس معالم الحياة وتطبيقاتها العملية وكان عمل الصحابة وسلوكهم وقضاؤهم وفتاواهم وفقههم مصدرا تشريعيا من مصادر التشريع وكذلك اجتهاد التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فالاجتهاد أصل من أصول التشريع الإسلامي ويبقى لهذه الشريعة جدتها ونضارتها وخلودها إلى يوم الدين قال تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ ( الحجر : ٩ ) وقد وردت الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وكتب السنن تؤيد أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رسالة خاتمة للرسل فلا نبي بعده، وكل من ادعى الرسالة أو النبوة بعده افتضح أمره وعرف للناس كذبه، لقوله تعالى :﴿ وخاتم النبيئين ﴾ بفتح التاء عند حفص وفي قراءة الجمهور وخاتم النبيئين بكسر التاء أي أن الله ختم به الرسالات وقال صلى الله عليه وسلم " أنا العاقب فلا نبي بعدي " وقال صلى الله عليه وسلم " أنا خاتم الرسل " صلوات الله وسلامه عليه.
من تفسير القرطبي
١- اعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، فقد ولد له ذكور : إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر ولكن لم يعش له ابن حتى يصير رجلا وأما الحسن والحسين فكانا طفلين ولم يكونا رجلين معاصرين له.
٢- قال صلى الله عليه وسلم " ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة " ٤٣ أه.
وقد حفلت كتب التفسير كالقرطبي وابن كثير والتفسير المنير وغيرها بإيراد طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة تدل دلالة قاطعة على أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل.
وجاء في التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية ما يأتي : وقد أفادت هذه الآية أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين خلفا عن سلف ولصراحة الآية لم يستطع المارقون أن يدعوا النبوة بل ادعوه بعضهم الرسالة كالبهاء وهذا إفك وكفر مبين فإنه إذا كانا لا نبي بعده فلا رسول بعده بطريق الأولى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا عكس وقد وردت الأحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا نبي بعده أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي حشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي ولم يبق من النبوة إلا الرؤيا الصالحة " ٤٤
وقال صلى الله عليه وسلم " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ٤٥ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة " ٤٦ وقد روى الإمام مسلم بسنده عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع اللبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون لولا موضع اللبنة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء " ٤٧ ونحوه عن أبي هريرة غير أنه قال " فانا اللبنة وأنا خاتم النبيئين " وروى الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي " قال أنس فشق ذلك على الناسي قال : فقال صلى الله عليه وسلم : " ولكن المبشرات " قالوا يا رسول الله وما المبشرات ؟ قال " رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة ". ٤٨
***
﴿ يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا( ٤١ ) وسبحوه بكرة وأصيلا( ٤٢ ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما( ٤٣ ) تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما( ٤٤ ) ﴾.
المفردات :
ذكرا كثيرا : في أغلب الأوقات، ويشمل مختلف أنواع التقديس والتمجيد والتهليل والتحميد.
التفسير :
﴿ يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ﴾.
تحريض للمؤمنين والمؤمنات على ذكر الله تعالى بألسنتهم وقلوبهم، ويشمل ذلك كل عبادة تصل صاحبها بالله في قنوت وخشوع كالصلاة وتلاوة القرآن والجهاد وشرح أحكام الشريعة ورعاية الأيتام والقيام بأحكام الدين وحدوده.
وعن قتادة :﴿ قولوا ﴾ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
﴿ وسبحوه بكرة وأصيلا ﴾.
المفردات :
بكرة وأصيلا : أول النهار وآخره ويشمل صلاتي الفجر والعصر.
التفسير :
ونزهوه عما لا يليق به من الشريك والولد، بحيث يستقر التوحيد في قلوبكم وتمتلئ به مشاعركم وتتحقق خشية الله الجليل، وتنزيهه عن كل نقص والاعتراف له بكل كمال كالحمد والشكر والتوحيد والسمع والبصر والرحمة، والعطاء وتنزيهه تعالى عن الظلم والجور وعن كل ما لا يليق به سبحانه وتعالى.
﴿ بكرة وأصيلا ﴾.
في الصباح وقبل الغروب. وقال الزمخشري أي في كافة الأوقات وإنما ذكر هذان الوقتان لكونهما مشهودين بملائكة الليل والنهار أه.
والزمخشري يشير بذلك على حديث صحيح رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة العصر وفي صلاة الفجر اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى :﴿ وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا ﴾٤٩ ( الإسراء : ٧٨ ).
فهناك حفظة على كل إنسان وهم عشرة من الملائكة بالنهار وعشرة بالليل وفي صلاة الفجر تتلاقى ملائكة الليل وملائكة النهار ثم تصعد الملائكة التي باتت بالليل مع المؤمنين فيسألهم ربهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون يا ربنا تركناهم وهم يصلون صلاة الفجر وأتيناهم وهم يصلون صلاة العصر فاغفر لهم يوم الدين، وفي صلاة العصر تصعد ملائكة النهار فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون يا ربنا تركناهم وهم يصلون صلاة العصر وأتيناهم وهم يصلون صلاة الفجر فاغفر لهم يوم الدين.
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ { ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ﴾. ( غافر : ٧ ).
قال المفسرون والتسبيح نوع من الذكر وإفراده من بين الأذكار لكونه عمدة في ذكر الله تعالى فما لم ينزه الله تعالى عما لا يليق به لا يتحقق ذكر الله تعالى.
﴿ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ﴾.
المفردات :
يصلي عليكم : بالرحمة والرعاية والتوفيق.
وملائكته : بالاستغفار.
من الظلمات : من الكفر والمعصية.
إلى النور : إلى الإيمان والطاعة.
التفسير :
الله تعالى يشملكم برحمته وعنايته وفضله وهدايته والملائكة تستغفر لكم وتسأل الله لكم المغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار وبرحمة الله واستغفار الملائكة، يخرجكم الله من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية ورحمة الله واسعة، فيشمل بها المؤمنين والمؤمنات.
قال ابن عباس : الصلاة من الله تعالى رحمة وبركة، وصلاة الملائكة استغفار وصلاة المؤمنين دعاء.
وقال ابن كثير : هذا تهييج إلى الذكر أي أنه تعالى يذكركم فاذكروه أنتم كقوله تعالى :﴿ فاذكروني أذكركم.. ﴾ ( البقرة : ١٥٢ ).
﴿ تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ﴾.
المفردات :
يوم يلقونه : عند الموت أو البعث أو دخول الجنة.
سلام : إخبار بالسلامة من كل مكروه.
أجرا كريما : أجرا عظيما هو الجنة.
التفسير :
تحية المؤمنين عند خروج روحهم من الدنيا أن الله تعالى يسلم عليهم ويبشرهم بالجنة جزاء طاعتهم له في الدنيا وقيل السلام عند البعث وقيل السلام من الله عليهم عند دخولهم الجنة، والآية تتسع لكل ذلك فالله تعالى يلقى المؤمنين بالسلام عند الموت وعند البعث وعند دخول الجنة وقد أعد لهم في الجنة نعيما كبيرا.
قال تعالى :﴿ دعوتهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وءاخر دعوتهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾. ( يونس : ١٠ ).
وقال تعالى :﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾. ( الرعد : ٢٣-٢٤ ).
***
﴿ يأيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا( ٤٥ ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا( ٤٦ ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا( ٤٧ ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا( ٤٨ ) يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا( ٤٩ ) ﴾
المفردات :
شاهدا : على من أرسلت إليهم.
ومبشرا : من صدقك وأطاعك بالجنة.
التفسير :
﴿ يأيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ﴾.
نداء للرسول الأمين ببيان صفاته وأعماله ومآثره بعد أن سبق الحديث عن زيد بن حارثة وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لإبطال عادة التبني وإباحة زواج الأب بزوجة الابن الدعي، مما يدل على أن هذه العادة كانت راسخة في المجتمع العربي واحتاج إبطالها إلى جهد بالغ، ثم بينت هذه الآية وما بعدها أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله من عند الله أرسله الله تعالى شاهدا على الناس بما عمله وبما أداه مبشرا للمؤمنين بالجنة والنعيم الدائم محذرا للكافرين ومنذرا لهم بالعذاب إذا لم يتوبوا.
﴿ وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ﴾.
المفردات :
وداعيا إلى الله : إلى الإقرار به وتوحيده وطاعته.
بإذنه : بتيسيره ومعونته.
التفسير :
أي إن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم داع إلى دين الله وطاعته وهو في ذلك مكلف بأمر الله وإذنه أن يبلغ الدعوة، ويتحمل تبعات هذا التبليغ وهو يضيء للناس طريقهم إلى الإسلام والإيمان، كما يرشد السراج الأبصار على الطريق الواضح فإن رسالة الإسلام ودعوة نبي الإسلام تضيء البصائر وترشدها إلى الهداية والإيمان.
ومقتضى تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بالسراج يفيد أن دينه يكون ظاهرا واضح الحجة والبرهان لا تعقيد فيه ولا التواء ولا خفايا فيه ولا أستار، وإنما شبه بالسراج لا بالشمس التي هي أشد إضاءة من السراج لأن ضوء الشمس يبهر العين وأما ضوء السراج فترتاح له الأعين ووصف السراج بالإنارة لأن بعض السرج لا يضيء لضعفه ودقة فتيله.
﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ﴾.
التفسير :
أعلن البشارة للمؤمنين بالله ورسوله بأن الله تعالى قد أعد لهم منحة عظيمة وفضلا كبيرا وهو الجنة ونعيمها.
أخرج ابن جرير بسنده قال لما نزل قوله تعالى :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر... ﴾ ( الفتح : ٢ ) قال رجال من المؤمنين هنيئا لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله ﴿ ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات... ﴾ ( الفتح : ٥ ).
وأنزل في سورة الأحزاب ﴿ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ﴾.
﴿ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع آذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ﴾.
التفسير :
هذه الآية تأكيد لما ورد في أول السورة حيث أمره الله تعالى قائلا : يأيها النبيء اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما. ( الأحزاب : ١ ).
ومعنى الآية داوم أيها الرسول على ما أنت عليه من عدم طاعة الكافرين والمنافقين وعدم الإلانة معهم أو اللقاء بهم في منتصف الطريق والآية تيئيس للكافرين والمنافقين منه صلى الله عليه وسلم من باب " إياك أعني واسمعي يا جارة " والرسول مستمر في تبليغ رسالته مهتم بالمؤمنين وتربيتهم معرض عن الكافرين والمنافقين تارك للرد عليهم تارك لإيذاء الكافرين والمنافقين متوكل على الله وحده فهو سبحانه الوكيل والكفيل والنصير.
﴿ يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ﴾.
المفردات :
نكحتم : عقدتم.
تمسوهن : تجامعوهن.
فمتعوهن : فأعطوهن المتعة.
وسرحوهن : خلوا سبيلهن من غير إضرار ولا إيذاء إذ ليس لكم عليهن عدة.
التفسير :
يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم عقد النكاح على امرأة مؤمنة، ثم تم الطلاق قبل الدخول بها فليس عليها عدة، لأن العدة لتعرف براءة الرحم أو للحداد على الزوج وهذا لم يدخل عليها زوجها ولم يخل بها خلوة شرعية، لكن ينبغي تطييب خاطرها وكسوتها بملابس مناسبة لحال الزوج حسب يساره أو إعساره وينبغي أن يتم الطلاق بالمعروف بدون نزاع أو مخاصمة، بل يتم مع كرامة وعطاء وتسامح فهذا هو ( السراح الجميل ) أي الطلاق الكريم وقيل السراح الجميل ألا يطالبوهن بما آتوهن.
في أعقاب التفسير
جاء في التفسير المنير ٢٢/٥٠-٥٤، عدة أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم رغبت أن أنقلها هنا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتيمنا بأسمائه المباركة وعشقا لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيات الأحكام التالية :
أولا : وصف النبي صلى الله عليه وسلم بسبع صفات أو سمات فهو الشاهد على أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم وهو المبشر للمؤمنين برحمة الله وبالجنة، وهو المنذر للعصاة والمكذبين من النار وعذاب الخلد، وهو الداعي إلى الله بتبليغ التوحيد والأخذ به ومكافحة الكفرة وهو نور كالسراج الوضاء بشرعه الذي أرسله الله به وهو الذي بشر المؤمنين بالفضل الكبير من الله تعالى وهو ذو شرع مستقل مطالب بألا يطيع الكافرين فيما يشيرون عليه من أنصاف الحلول والمداهنة في الدين والممالأة، لكنه مأمور أيضا أن يدع أذاهم مجازاة على إيذائهم إياه فلا يعاقبهم وإنما يصفح عن زللهم معتمدا على الله وحده بنصر دينه وحفظه وتأييده وعصمته من الناس.
روى ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال لما نزلت :﴿ يأيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا على الله بإذنه وسراجا منيرا ﴾. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ومعاذا فقال : " انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية :﴿ يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ﴾. بالجنة ونذيرا من النار ﴿ وداعيا إلى الله ﴾- شهادة أن لا إله إلا الله- ﴿ بإذنه ﴾ –بأمره- ﴿ وسراجا منيرا ﴾. بالقرآن ".
ثانيا قال القرطبي ٥٠ هذه الآية فيها تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وتكريم لجميعهم وهذه الآية تضمنت من أسمائه صلى الله عليه وسلم ستة أسماء ولنبينا صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة وسمات جليلة ورد ذكرها في الكتاب والسنة والكتب المتقدمة وقد سماه الله في كتابه محمدا وأحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه الثقات العدول عند الطبراني عن جابر : " لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب " وفي صحيح مسلم من حديث جبير بن مطعم : وقد سماه الله رؤوفا رحيما، وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فيقول : " أنا محمد وأحمد والمقفى ( أي أنه آخر الأنبياء ) والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ".
وذكر القاضي ابن العربي في أحكامه ( ٢/١٥٣٤ ) بمناسبة هذه الآية سبعة وستين اسما للنبي صلى الله عليه وسلم هي :
الرسول، المرسل، النبي، الأمي، الشهيد، المصدق، النور، المسلم، البشير، المبشر، النذير، المنذر، المبين، الأمين، ٥١ العبد، الداعي، السراج، المنير، الإمام، الذكر، المذكر، الهادي، المهاجر، العامل، المبارك، الرحمة، الآمر، الناهي، الطيب، الكريم، المحلل، المحرم، الواضع، الرافع، المخبر، خاتم النبيين، ثاني اثنين، منصور، أذن خير، مصطفى، أمين، مأمون، قاسم، نقيب، مزمل، مدثر، العلي، الحكيم، المؤمن، المصدق٥٢، الرءوف، الرحيم، الصاحب، الشفيع، المشفع، المتوكل، محمد، احمد، الماحي، الحاشر، المقفى، العاقب، نبي التوبة، نبي الرحمة، نبي الملحمة، عبد الله، نبي الحرمين، ذكر ذلك أهل ما وراء النهر.
فالرسول : الذي تتابع خبره عن الله وهو المرسل من ربه والمرسل غيره لتبليغ الشرائع إلى الناس مشافهة، والنبيء : مهموز من النبأ وهو الخبر وغير مهموز من النبوة وهو المرتفع من الأرض فهو مخبر عن الله رفيع القدر عنده والأمي : الذي لا يقرأ ولا يكتب والشهيد لشهادته على الخلق في الدنيا والآخرة. والمصدق بجميع الأنبياء قبله وصدق ربه بقوله وصدق قوله بفعله، والمنور الذي نور الله به الأفئدة بالإيمان والعلم وبدء ظلمات الكفر والجهل، والمسلم : خير المسلمين وأولهم، والبشير : الذي أخبر الخلق بثوابهم إن أطاعوا وبعقابهم إن عصوا، والنذير والمنذر : المخبر عما يخاف ويحذر، والمبين : الذي أبان عن ربه الوحي والدين وأظهر الآيات والمعجزات، والأمين : الذي حفظ ما أوحي إليه وما وظف به، والعبد : الذي ذل لله خلقا وعبادة والداعي الخلق إلى الحق وترك الضلال، والسراج : النور الذي يبصر به الخلق الرشد، والمنير : المنور والإمام المقتدي به المرجوع إلى قوله وفعله، والذكر : الشريف في نفسه المشرف غيره، والمذكر : الذي يخلق الله على يديه الذكر أي تذكر الله، والهادي الذي أبان النجدين أي طريقي الخير والشر والمهاجر : لأنه هجر ما نهى الله عنه، وهجر أهله ووطنه، والعامل : لأنه قام بطاعة ربه ووافق فعله قوله واعتقاده، والمبارك : الذي جعل الله في حالة زيادة الثواب وفي حال أصحابه فضائل الأعمال وفي أمته زيادة العدد على جميع الأمم : والرحمة : الذي رحم الله به العالمين في الدنيا من العذاب الشامل، وفي الآخرة بتعجيل الحساب، والآمر والناهي : المبلغ الأمر والنهي، والطيب : فلا أطيب منه لسلامته عن خبث القلب وخبث القول وخبث الفعل، والكريم : الجواد على التمام والكمال، والمحلل والمحرم : مبين الحلال والحرام، والواضع والرافع : الذي وضع الله به قوما ورفع به آخرين والمخبر : النبيء : وخاتم النبيين : آخرهم، وثاني اثنين : أحد اثنين والآخر أبو بكر في غار جبل ثور، والمنصور : المعان من قبل الله بالعزة والظهور على الأعداء، وأذن خير : لا يعي من الأصوات إلا خيرا ولا يسمع إلا الأحسن، والمصطفى : المخبر عنه بأنه صفوة الخلق. والأمين كما تقدم : المؤتمن على المعاني والمأمون : الذي لا يخاف من جهته شر، وقاسم : يقسم الزكوات والأخماس وسائر الأموال بين الناس ونقيب : يتولى الأمور ويحفظ الأخبار وقد وصف نفسه للأنصار بذلك فقال : أنا نقيبكم، والمزمل : المتلفف بثيابه، والمدثر : المصدق لربه اعتقادا وفعلا، والرؤوف : الرحيم لما أعطاه الله من الشفقة على الناس، والصاحب : الذي كان مع أتباعه حسن المعاملة عظيم الوفاء، والشفيع المشفع : الراغب على الله في أمر الخلق بتعجيل الحساب وإسقاط العذاب وتخفيفه، والمتوكل : الملقى مقاليد الأمور إلى الله علما وعملا، والمقفى : العابد، ونبي التوبة : لأنه تاب الله على أمته بالقول والاعتقاد دون تكليف بقتل أو إصر، ونبي الرحمة : المشفق على الناس، ونبي الملحمة : المبعوث بحرب الأعداء والنصر عليهم.
ثالثا يرى مجاهد أن الأمر بالعفو والصفح عن الكافرين في قوله تعالى :﴿ ودع أذاهم... ﴾ منسوخ بآية السيف.
رابعا : في آية :﴿ إذا نكحتم المؤمنات... ﴾ أحكام كثيرة منها :
١- المرأة المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمة على ذلك فإن دخل بها فعليها العدة إجماعا.
والمشهور عند الفقهاء أن العدة ليست خالص حق العبد وإنما يتعلق بها حق الله وحق العبد معا، لأن منع الفساد باختلاط الأنساب من حق الشارع أيضا ولا تسقط العدة إذا أسقطها المطلق لأن الشرع أثبتها والعدة شرعا المدة التي تنتظر فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها من الحمل أو للتعبد أو للتفجع على زوج مات.
٢- إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها وقد اتفق العلماء على أن المراد بالنكاح هنا العقد، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد والنكاح في الأصل حقيقة في الوطء ولكن من أدب القرآن الكناية عن الوطء أو الجماع بألفاظ الملابسة والممارسة والقربان والتغشي والإتيان. وسمى العقد نكاحا من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الإثم.
٣- إباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها، وهذه الآية مخصصة لقوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء... ﴾ ( البقرة : ٢٢٨ ) ولقوله تعالى :﴿ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر... ﴾ ( الطلاق : ٤ ).
٤- قوله تعالى :﴿ المؤمنات... ﴾ خرج مخرج الغالب من حال المؤمنين أنهم لا يتزوجون إلا بمؤمنات ولكن لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في إباحة الزواج بالاتفاق. ٥٣ أه.
***
﴿ يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خالتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما( ٥٠ ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما( ٥١ ) لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا( ٥٢ ) ﴾
المفردات :
أجورهن : مهورهن.
وما ملكت يمينك : وما كانا من الإماء بسبب السبي والغنيمة في الحرب كصفية وجويرية.
أفاء الله عليك : غنمته من الكفار بتيسير الله لك.
يستنكحها : يتزوجها.
ما فرضنا عليهم في أزواجهم : أي على المؤمنين في أزواجهم من الأحكام مثل العقد، والمهر والنفقة على الزوج وألا يتم الزواج إلا بولي وشهود.
وما ملكت أيمانهم : من الرقيق بشراء أو غيره وأن تكون الأمة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية وأن تستبرىء بحيضة قبل الوطء.
تمهيــــــــد :
تتحدث هذه الآيات، وآيات ستأتي بعدها عن تنظيم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كلف بأعباء الرسالة ودعوة القبائل إلى الإسلام وبذل جهودا مضنية في الدعوة إلى الله تعالى في مكة والمدينة، وشاء الله أن يجعل من بيت النبوة صفحة معروضة للأجيال فضمنها هذا القرآن الباقي المتلو في كل زمان ومكان.
التفسير :
﴿ يأيها النبيء إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خالاتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيء أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ﴾.
أحللنا لك أيها الرسول أربعة أصناف من النساء :
أولا – الزوجات اللاتي دفعت مهورهن- ولو كن فوق الأربع- مما هو محرم على غيره صلى الله عليه وسلم وكان في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت تسع نساء تزوج بكل منهن لمعنى خاص عائشة بنت أبي بكر وزيره وصاحبه وحفصة بنت عمرو وزيره وصاحبه وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة وسودة بنت زمعة، وزينب بنت خزيمة، من المهاجرات اللواتي فقدن أزواجهن وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تكريمهن ولم يكن ذوات جمال ولا شباب وزينب بنت جحش لتحليل زوجة الابن الدعي ثم جويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حبي بن أخطب وكانتا من السبي فأعتقهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بهما الواحدة تلو الأخرى تعويضا لهما وقد أسلمتا بعد ما نزل بأهلهما من الشدة.
ثانيا : ما ملك النبي صلى الله عليه وسلم من سبايا الجهاد كصفية بنت حيي بن أخطب فقد اصطفاها من سبي خيبر ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها وقد أهديت له مارية القبطية من المقوقس عظيم القبط بمصر فتسرى بها وهي أم ابنه إبراهيم.
﴿ وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك... ﴾ أي مما رده الله عليك من غنائم الكفار.
ثالثا : القرشيات من بنات عمك وبنات عماتك، والزهريات من بنات خالك وبنات خالاتك من بني زهرة وقد كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم ست من القرشيات ولم يكن عنده زهرية.
وهذا المنهج وسط كما يقول ابن كثير فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان بينها وبين الرجل سبعة أجداد واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته فجاء الإسلام وسطا فأباح القرابة غير القريبة كبنت العم وبنت الخال وحرم القرابة القريبة كبنت الأخ والأخت.
واشترط القرآن في الزواج بنت العم أو الخال للرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون من المهاجرات من مكة على المدينة فأما من لم تهاجر فلا تحل له.
رابعا : المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم إذا قبل النبي هبتها وأراد أن يتزوجها فإنها تحل له خاصة به من دون المؤمنين أما المؤمنون فلابد من المهر والولي والشهود.
وقد رغبت زوجات كثيرات في هبة أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال ابن عباس لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له أي أنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به لأنه مردود إلى مشيئته.
وقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل عندك من شيء تصدقها إياه " ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا فقال صلى الله عليه وسلم " إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا " فقال : لا أجد شيئا، فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " هل معك من القرآن شيء " ؟ فقال : نعم، سورة كذا وسورة كذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن ". ٥٤
﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم... ﴾. أي قد علمنا ما أوجدنا على المسلمين من نفقة ومهر وشهود في العقد وعدم تجاوز أربع منم النساء وما أبحنا لهم من ملك اليمين وأما أنت فقد خصصناك بخصائص تيسيرا لك.
﴿ لكيلا يكون عليك حرج... ﴾.
أي لئلا تكون عليك مشقة أو ضيق فيما اقتضته الحكمة والعناية لك.
﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾.
عظيم المغفرة واسع الرحمة فهو سبحانه يغفر ما يعسر التحرز منه ويرحم فيما يوسع في مواقع الحرج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ملحق بتفسير الآيات

١-
يرغب الإسلام في العدل بين الزوجات ويوجب القسم لهن ولا يسقط حق الزوجة بمرضها ولا حيضها ويلزم الزوج المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يشتد المرض فيستأذن منهن في البقاء عند إحداهن.
روى أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ". ٥٦

٢-
كان النبي صلى الله عليه وسلم يشدد على نفسه في رعاية التسوية بين زوجاته تطييبا لقلوبهن وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له ". ٥٧

٣-
يفيد قوله تعالى :﴿ ولو أعجبك حسنهن... ﴾ جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن المغيرة بن شعبة أنه أراد أن يتزوج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ". ٥٨
ومعنى يؤدم يؤلف ويوفق وتستديم العشرة.

٤-
كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بتسع نساء لحكم سامية تتلخص في أن المصاهرة من أقوى عوامل التناصر والتآلف ونشر دعوة الإسلام وكان المؤمنون يرون أعظم الشرف في مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم وقربهم منه كما أن تشريعات الإسلام الخاصة بالنساء تحتاج معرفتها إلى نسوة يبلغن الأحكام إلى المسلمات فكانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بهذه المهمة.

تمهيــــــــد :
تتحدث هذه الآيات، وآيات ستأتي بعدها عن تنظيم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كلف بأعباء الرسالة ودعوة القبائل إلى الإسلام وبذل جهودا مضنية في الدعوة إلى الله تعالى في مكة والمدينة، وشاء الله أن يجعل من بيت النبوة صفحة معروضة للأجيال فضمنها هذا القرآن الباقي المتلو في كل زمان ومكان.
﴿ ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما ﴾.
المفردات :
ترجى : تؤخر من الإرجاء وهو التأخير.
تؤوى : تضم وتضاجع.
ومن ابتغيت ممن عزلت : ومن طلبته ممن تحيته وأبعدته.
فلا جناح عليك : فلا إثم عليك في طلبها وضمها إليك.
أن تقر أعينهن : تبرد سرورا.
التفسير :
تأتي هذه الآية في استمرار التيسير على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث خصه الله ببعض الخصائص تمييزا له ورعاية لجنابه ولما يقوم به من أمر الدعوة الإسلامية وتأليف القبائل ورعاية شؤون نسائه التسع فأباح سبحانه له أن يطلق من يشاء منهن وأن يبقى معه من يشاء منهن والإرجاء التأخير والإبعاد ومع هذا فلم يطلق النبي صلى الله عليه وسلم أيا من زوجاته.
وقيل المعنى وضعنا عنك التسوية بينهن في المبيت فلك أن تبعد وتؤخر من تشاء منهن في المبيت معها وتؤوي وتقرب من تشاء منهن في المبيت معها وإذا أبعدت واحدة منهن عن المبيت معها ثم رغبت فيها بعد عزلها وإبعادها فلا جناح عليك ولا إثم ولا حرج في ذلك ومع هذا التيسير الإلهي من الله عز وجل فقد كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويعدل.
روى الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول : " اللهم هذا فعلى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ". ٥٥
وقال بعض المفسرين الإرجاء والإيواء لإطلاقهما في الآية يتناولان ما في التفسيرين من التخيير في القسم والطلاق.
وأفاد صاحب الكشاف أن الآية متضمنة قسمة جامعة لما هو الفرض لأنه صلى الله عليه وسلم إما أن يطلق وإما أن يمسك وإذا أمسك ضاجع أو ترك، وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فإما أن يخلى المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها أه.
﴿ ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما ءاتيتهن كلهن... ﴾.
هذا التخيير لك أيها الرسول من شأنه أن يقر عين أزواجك ويرضيهن ويذهب الحزن عنهن لأنهن إذا علمن أن الله لم يفرض عليك العدل في القسمة بينهن وأباح لك تطليق بعضهن وإيواء بعضهن ثم تفضلت أنت بالعدل في القسمة بينهن والإبقاء عليهن وعدم تطليق بعضهن فرحن بنصيبهن منك لأنه تفضل منك وكرم وعطية.
﴿ والله يعلم ما في قلوبكم... ﴾.
من الرغبة في المخالطة، والميل إلى بعض الزوجات دون بعض وإنما خير الله رسوله تيسيرا عليه وتخفيفا لما له من مهام متعددة لا يقدر عليها عظماء الرجال ولو كانوا في القوة والتحمل كالجبال.
﴿ وكان الله عليما... ﴾ بذات الصدور مطلعا يعلم السر وما هو أخفى من السر، ﴿ حليما ﴾. ذا حلم على عباده فيعفوا ويغفر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ملحق بتفسير الآيات

١-
يرغب الإسلام في العدل بين الزوجات ويوجب القسم لهن ولا يسقط حق الزوجة بمرضها ولا حيضها ويلزم الزوج المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يشتد المرض فيستأذن منهن في البقاء عند إحداهن.
روى أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ". ٥٦

٢-
كان النبي صلى الله عليه وسلم يشدد على نفسه في رعاية التسوية بين زوجاته تطييبا لقلوبهن وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له ". ٥٧

٣-
يفيد قوله تعالى :﴿ ولو أعجبك حسنهن... ﴾ جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن المغيرة بن شعبة أنه أراد أن يتزوج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ". ٥٨
ومعنى يؤدم يؤلف ويوفق وتستديم العشرة.

٤-
كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بتسع نساء لحكم سامية تتلخص في أن المصاهرة من أقوى عوامل التناصر والتآلف ونشر دعوة الإسلام وكان المؤمنون يرون أعظم الشرف في مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم وقربهم منه كما أن تشريعات الإسلام الخاصة بالنساء تحتاج معرفتها إلى نسوة يبلغن الأحكام إلى المسلمات فكانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بهذه المهمة.

تمهيــــــــد :
تتحدث هذه الآيات، وآيات ستأتي بعدها عن تنظيم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كلف بأعباء الرسالة ودعوة القبائل إلى الإسلام وبذل جهودا مضنية في الدعوة إلى الله تعالى في مكة والمدينة، وشاء الله أن يجعل من بيت النبوة صفحة معروضة للأجيال فضمنها هذا القرآن الباقي المتلو في كل زمان ومكان.
﴿ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ﴾.
المفردات :
من بعد : من بعد التع اللاتي في عصمتك.
ولا أن تبدل بهن : ولا أن تستبدل بهن أزواجا ببعضهن أو بكلهن.
التفسير :
تأتي هذه الآية تكريما لنسائه التسع حيث اخترن رسول الله ورفضن زينة الدنيا فعوضهن الله أن جعلهن
أمهات المؤمنين وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج بغيرهن كما حرم عليه تطليقهن كلهن أو تطليق بعضهن ليتزوج بدلا منهن أخريات حتى ولو أعجبه جمالهن.
لكن يحل للنبي أن يضم إليه من يشاء بملك اليمين وقد تسري بمارية القبطية بعد أن أهداها المقوقس إليه مع بغلة تسمى الدُّلدُّل وهي أول بغلة تدخل أرض الحجاز وكان الله مطلعا ورقيبا لكل ما في الكون لا تخفى عليه خافية.
وهذا التفسير للآية رأى جمهور علماء المسلمين وذهب بعض المفسرين إلى أن الله أحل للرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أصناف من النساء ذكرن فيما سبق وهن :
١- زوجاته اللاتي دفع مهورهن.
٢- ما ملكت يمينه بسبب الفيء أو الشراء أو الهبة.
٣- بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وخالاته اللاتي هاجرن من مكة إلى المدينة.
٤- من وهبت نفسها للنبي من المؤمنات.
ثم قال الله له :﴿ لا يحل لك النساء من بعد... ﴾. أي لا يحل لك الزواج من غير هذه الأصناف الأربعة المذكورة في الآية السابقة ولو أعجبك حسنهن لكن يباح لك التسري بما ملكت يمينك. قال ابن كثير : والنساء التسع اللاتي حرم الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم الزيادة عليهن والاستبدال بهن هن : عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وصفية بنت حيي بن أخطب وميمونة بنت الحارث وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ملحق بتفسير الآيات

١-
يرغب الإسلام في العدل بين الزوجات ويوجب القسم لهن ولا يسقط حق الزوجة بمرضها ولا حيضها ويلزم الزوج المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يشتد المرض فيستأذن منهن في البقاء عند إحداهن.
روى أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ". ٥٦

٢-
كان النبي صلى الله عليه وسلم يشدد على نفسه في رعاية التسوية بين زوجاته تطييبا لقلوبهن وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة.
روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له ". ٥٧

٣-
يفيد قوله تعالى :﴿ ولو أعجبك حسنهن... ﴾ جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن المغيرة بن شعبة أنه أراد أن يتزوج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما ". ٥٨
ومعنى يؤدم يؤلف ويوفق وتستديم العشرة.

٤-
كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بتسع نساء لحكم سامية تتلخص في أن المصاهرة من أقوى عوامل التناصر والتآلف ونشر دعوة الإسلام وكان المؤمنون يرون أعظم الشرف في مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم وقربهم منه كما أن تشريعات الإسلام الخاصة بالنساء تحتاج معرفتها إلى نسوة يبلغن الأحكام إلى المسلمات فكانت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقمن بهذه المهمة.

آداب دخول البيت النبوي
﴿ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذالكم كان يؤذي النبيء فيستحيي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما( ٥٣ ) إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما( ٥٤ ) لا جناح عليهن في ءابآئهن ولا أبنآئهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا( ٥٥ ) ﴾
المفردات :
غير ناظرين إناه : غير منتظرين إدراكه ونضجه وأنى هو مصدر أنى يأتنى أي أدرك وحان نضجه.
فإذا طعمتم : أكلتم.
مستأنسين لحديث : مستمعين لحديث أهل البيت أو لبعضكم بعضا.
إن ذلكم : المكث أو البث.
فيستحيي منكم : من إخراجكم.
متاعا : المتاع هو كل ما ينتفع به كالطعام والثياب وأثاث البيت وغيره.
من وراء حجاب : وهو الساتر لأنه يمنع من المشاهدة.
أطهر : أزكى وأنقى للريبة وسوء الظن.
تمهيـــد :
تأتي هذه الآيات الكريمات لبيان أدب بيت النبوة، فقد روى عن ابن عباس أن أناسا من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يدرك الطعام فيقعدون إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون.
وقال إسماعيل بن أبي حكيم : وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء.
وعند أكثر المفسرين أن سبب نزول هذه الآيات ما وقع يوم أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، روى البخاري ومسلم واحمد والنسائي والبيهقي في سننه وغيرهم من طرق، عن أنس قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم إلى طعام فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء... " ٥٩الآية.
التفسير :
﴿ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه... ﴾.
إذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طعام فلا تأتوا قبل الميعاد المتعارف عليه أو قبل معرفة أن الطعام قد تم نضجه وإعداده حيث يكون أصحاب البيت في انشغال بالطعام وفي ثياب البذلة والمهنة، وحضوركم مبكرين يجعل أصحاب البيت ينشغلون بكم ويتكلفون الحديث من أجلكم ومعنى :﴿ غير ناظرين إناه... ﴾ غير منتظرين إدراكه ونضجه.
قال ابن كثير حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة فإذا دعي المؤمن إلى طعام لبى الدعوة وليحذر الحضور قبل الميعاد كما يحذر الجلوس بعد الميعاد حيث يشغل صاحب المنزل إلا لحاجة ماسة.
روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو غيره ". ٦٠
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدى إلى كراع لقلبت، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا في الأرض ". ٦١
﴿ ولكن إذا دعيتم فادخلوا... ﴾
أي إذا قدمت لكم الدعوة فلبوا الدعوة وادخلوا البيت.
﴿ فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث... ﴾.
فإذا أكلتم الطعام فاخرجوا من البيت ولا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث وفنونه المختلفة قال أبو حيان : نهوا أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لحديث يحدثه به.
﴿ إن ذالكم كان يؤذي النبيء فيستحيي منكم... ﴾
إن ذلك المكث في المنزل بعد الطعام يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حيث يمنعه من تصريف مصالحه والعناية بشؤونه وهو مسئول عن أسرته وعن شئون المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه يستحيي أن يأمرهم بالانصراف لخلقه الرفيع وقلبه الرحيم.
﴿ والله لا يستحيي من الحق... ﴾
والله جل جلاله وعلا لا يترك بيان الحق ولا يمنعه مانع من إظهار الحق وتبيانه لكم.
قال القرطبي هذا أدب أدّب الله به الثقلاء.
وقال الثعلبي : حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم.
﴿ وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب... ﴾
وإذا أردتم حاجة من أزواجه الطاهرات فاطلبوها من وراء ساتر.
وقد نزلت هذه الآية في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي مما وافق تنزيلها قول عمر كما في الصحيحين عنه قال : وافقت ربي عز وجل في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله :﴿ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى... ﴾. ( البقرة : ١٢٥ ) وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو احتجبن فأنزل الله آية الحجاب :﴿ وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب... ﴾. وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه :﴿ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن... ﴾ ( التحريم : ٥ ). فنزلت كذلك.
﴿ ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن... ﴾.
أي هذا الذي شرعته لكم من الدخول بالإذن والخروج عقب الطعام دون الاستئناس بالحديث وطلب الأشياء من وراء حجاب أطهر وأطيب للنفوس وأبعد عن الريبة والتهمة، وأكثر طمأنينة للقلوب من الهواجس والوساوس الشيطانية.
﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا... ﴾
لقد أمر الله المؤمنين بتوقير الرسول وتعظيمه ومناصرته ونهى المسلمين عن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإزعاجه وإقلاق راحته ومثال ذلك ما ورد النهي عنه في سورة الحجرات من التقدم عليه أو رفع الصوت عليه أو مناداته من وراء الحجرات وهنا أدب الله المسلمين بعدم دخول بين النبي إلا بالإذن وعند نضوج الطعام، إذا كانت الدعوة إلى طعام وعدم إطالة المكث بعد الأكل وإذا طلبوا شيئا من زوجاته طلبوه من وراء حجاب وبين أن مثل هذه الأمور مما يؤذي رسول الله، وما ينبغي لمؤمن أن يؤذي الرسول أي إيذاء كما ينبغي للمؤمنين توقير زوجاته فهن أمهات المؤمنين فينبغي احترامهن احترام الأم ولا يحل لمؤمن أن يتزوج زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان ذلك في حياته أو بعد وفاته.
﴿ إن ذالكم كان عند الله عظيما ﴾.
أي إيذاء الرسول بأي نوع من أنواع الإيذاء أو زواج زوجاته من بعده كان في حكم الله تعالى من الكبائر المحرمات التي لا ذنب أعظم منها.
سورة الأحزاب مدنية، وآياتها ٧٣ آية، نزلت بعد سورة آل عمران، وتقع أحداث السورة فيما بين السنة الثانية والسنة الخامسة من الهجرة، وهي فترة حرجة لم يكن عود المسلمين قد اشتد فيها إذ كانوا يتعرضون لدسائس المنافقين واليهود.
وسميت هذه السورة بهذا الاسم لذكر غزوة الأحزاب فيها في قوله تعالى : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا.. ( الأحزاب : ٢٠ ).
أحداث السورة
تتناول سورة الأحزاب قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة، في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية، وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة، تصويرا واقعيا مباشرا وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشئ.
ولهذه الفترة التي تتناولها السورة من حياة الجماعة المسلمة سمة خاصة فهي الفترة التي بدأ فيها بروز ملامح الشخصية المسلمة في حياة الجماعة وفي حياة الدولة، ولم يتم استقرارها بعد ولا سيطرتها الكاملة كالذي تم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا واستتباب الأمر للدولة الإسلامية.
والسورة تتولى جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة، وبيان أصولها من العقيدة والتشريع كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد وفي ثنايا الحديث عن تلك الأوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة، ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة، وما وقع من خلخلة وأذى بسبب هذه الدسائس وتلك المواقف كما تعرض بعدها دسائسهم وكيدهم للمسلمين في أخلاقهم وبيوتهم ونسائهم.
ونقطة الاتصال في سياق السورة بين تلك الأوضاع والنظم وهاتين الغزوتين وما وقع فيهما من أحداث هي علاقة هذه وتلك بموقف الكافرين والمنافقين واليهود وسعى هذه الفئات لإيقاع الاضطراب في صفوف الجماعة المسلمة، سواء عن طريق الهجوم الحربي والإرجاف في الصفوف والدعوة إلى الهزيمة، أو عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية والآداب الخلقية، ثم ما تنشأ في أعقاب الغزوات والغنائم من آثار في حياة الجماعة المسلمة، تقتضي تعديل بعض الأوضاع الاجتماعية ومن هذا الجانب وذاك تبدو وحدة السورة وتماسك سياقها وتناسق موضوعاتها المنوعة وهذا وذاك إلى جانب وحدة الزمن تربط بين الأحداث والتنظيمات التي تتناولها السورة.
فصول السورة
يمكن أن نقسم سورة الأحزاب إلى خمسة فصول يبدأ الفصل الأول منها بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم على تقوى الله وعدم الطاعة للكافرين والمنافقين واتباع ما يوحى إليه ربه والتوكل عليه وحده.
وبعد ذلك يلقى بكلمة الحق والفصل في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية مبتدئا ببيان أن الإنسان لا يملك إلا قلبا واحدا، ومن ثم يجب أن يتجه إلى إله واحد، وأن يتبع نهجا واحدا ولذلك يأخذ في إبطال عادة الظهار وهو أن يحلف الرجل على امرأته أنها عليه كظهر أمه فتحرم عليه حرمة أمه ويقرر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ولا ينشىء حقيقة وراءه بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أما بهذا الكلام ثم من هذا إلى إبطال التبني : وما جعل أدعياءكم أبناءكم. ( الأحزاب : ٤ ).
والدعي هو المتبني يدعى الإنسان بنوته وهو لا يصير أبنا بمجرد القول ثم يأمرهم أن يدعوا المتبني إلى أبيه فإن ذلك أقسط وأعدل من دعوتهم لمن يتبنونهم.
ثم ينشىء الولاية العامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين جميعا، كما ينشىء صلة الأمومة الشعورية بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويعقب على هذا التنظيم الجديد بالإشارة إلى أن ذلك مسطور في كتاب الله القديم وإلى الميثاق المأخوذ على النبيبين وعلى أولى العزم منهم بصفة خاصة على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات والمبادئ والتوجيهات لتستقر في الضمائر والنفوس ويستغرق هذا الفصل من أول السورة على الآية ٨.
غزوتا الأحزاب وبني قريظة
نجد الفصل الثاني من السورة ممتدا من الآية ٩ إلى الآية ٢٧ ويتناول هذا الفصل غزوة الأحزاب ويصف مشاهدها وملابساتها ويصور أحوال المسلمين فيها وقد جاءتهم قريش من أسفل الوادي وغطفان من أعلاه وأسقط في يد المسلمين فالأحزاب أمام المدينة ويهود بني قريظة نقضوا عهودهم وأظهروا الخيانة والغدر للمسلمين وحفر المسلمون خندقا لحماية المدينة وكان المسلمون في غاية الإجهاد والعسرة المادية واشتدت الفتن وفي وسط هذه المحن بشر النبي المؤمنين بالنصر ووعدهم كنوز كسرى وقيصر وظهر النفاق من
بعض المنافقين فقالوا : إن محمدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده وفي ذلك يقول القرآن : وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. ( الأحزاب : ١٢ ).
واستنجد النبي بربه ورفع يديه إلى السماء وقال " اللهم رب الأرباب ومسبب الأسباب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم يا رب العالمين فأرسل الله ريحا عاتية في ليلة شاتيه مظلمة، خلعت خيام الكافرين وكفأت قدورهم وانسحبت قريش وأحزابها في ظلام الليل يجرون أذيال الخوف والانكسار. وسجل الله ذلك في القرآن بقوله : يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا* إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا *هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. ( الأحزاب : ٩-١١ ).
وتصف الآيات صدق بعض المؤمنين وبلاءهم الحسن وإخلاصهم لله في الجهاد حتى رئي بعض الشهداء وفيه أكثر من سبعين ضربة سيف بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم وفي مثل هؤلاء تقول السورة : ولما رءا المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما* من المؤمنين رجال صدقوا مال عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا* ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم عليهم إن الله غفورا رحيما. ( الأحزاب : ٢٢-٢٤ ).
ثم تصف الآيات رحيل الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيرا وحماية الله للمسلمين في هذه الموقعة، وهو سبحانه القوي العزيز ولما رحلت الأحزاب عن المدينة نزل جبريل من السماء وقال : يا محمد، إن الملائكة لم تضع السلاح بعد، اذهب إلى بني قريظة فإن الله ناصرك عليهم جزاء خيانتهم وغدرهم فقال صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة " ١
وهناك حاصر المسلمون بني قريظة ثم أجلوهم عن ديارهم وغنم المسلمون أرضهم ودورهم وأموالهم وحصونهم المنيعة بقدرة الله وهو على كل شيء قدير قال تعالى : ورد الله الذين كفروا بغيضهم لم ينالوا خيرا وكفى الله بالمؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظهورهم من أهل الكتاب من صيامهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قدير. ( الأحزاب : ٢٥-٢٧ ).
زوجات الرسول
تتناول الآيات ( ٢٨-٢٦ ) حديثا عن زوجات الرسول وكانت الغنائم قد جاءت للمسلمين وأقبل المال بعد غزوة بني قريظة، فتطلعت زوجات الرسول إلى المتعة والنفقة الواسعة، وقلن : يا رسول الله نساء كسرى وقيصر بين الحلي والحلل والإماء والخدم، ونساؤك على ما ترى من هذه الحال فنزلت الآيات تخيرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، وخبر النبي نساءه وبدأ بعائشة فقال لها :" سأعرض عليك أمرين أرجو ألا تقطعي في اختيار أحدهما : حتى تستشيري أبويك " وقرأ عليها الآٍيتين : يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما. ( الأحزاب : ٢٨-٢٩ ).
فقالت عائشة : أفيك أشاور أبوي يا رسول الله ؟ اختار الله ورسوله وقالت كل نسائه مثل ذلك، فجعلهن الله أمهات المؤمنين وأشارت الآيات التالية إلى جزائهن المضاعف في الأجر إن اتقين وإلى العذاب المضاعف إن ارتكبن فاحشة مبينة، لأنهن في بيت النبوة والقدوة والأسوة، فلهن ضعف الأجران أحسن وضعف العقوبة إن أسأن فزلة العالم يقرع بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل ثم أمرت الآيات زوجات الرسول بخفض الصوت وجعله مستقيما بدون تكسر حتى لا يطمع الشباب المنافق فيهن وحثهن على الاستقرار في البيت وعدم التبرج وتلاوة القرآن والتفقه في أحكامه واستطردت الآيات في بيان جزاء المؤمنين والمؤمنات كافة، وكان هذا هو الفصل الثالث في سورة الأحزاب.
قصة زينب بنت جحش
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافة فحرر العبيد وعلم الناس المساواة وكرم إنسانية الإنسان وبين أن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى.
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة- فأنزل الله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. ( الأحزاب : ٣٦ ) فقالت زينب : هل رضيته لي يا رسول الله زوجا ؟ قال رسول الله " نعم " قالت : إذن لا أعصى الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي.
وتم هذا الزواج ولأمر أراده الله لم يدم طويلا، فقد كانت زينب تفخر على زيد بن حارثة بأنها حرة قرشية جميلة، وأنه عبد لا يدانيها في نسبها وحسبها، فلما تكرر ذلك منها عزم زيد على طلاقها، وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" أمسك عليك زوجك واتق الله " رغبة في إبقاء هذا الزواج وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بوحي من السماء أن زينب ستطلق وأنها ستكون زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم ليبطل بهذا الزواج آثار التبني بسابقة عملية يختار لها الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشخصه لشدة عمق هذه العادة في البيئة العربية وصعوبة الخروج عليها ولما طلقت زينب من زيد خطبها النبي لنفسه ونزل الوحي من السماء بذلك، حتى كانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
ولم تمر المسألة سهلة، فقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول تزوج حليلة ابنه.
وكانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد لأن العرف السائد كان يعد زينب مطلقة ابن محمد فلا تحل له حتى بعد إبطال عادة التبني في ذاتها ولم يكن قد نزل بعد إحلال مطلقات الأدعياء إنما كان حادث زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب هو الذي قرر القاعدة عمليا، بعدما قوبل هذا القرار بالدهشة والمفاجأة والاستنكار.
وفي هذا ما يهدم كل الروايات التي رويت عن هذا الحادث والتي تشبث بها أعداء الإسلام قديما وحديثا وصاغوا حولها الأساطير المفتريات إنما كانا الأمر أمر الله ت
﴿ إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ﴾.
المفردات :
إن تبدوا شيئا : إن تظهروا أمرا من الأمور أو تستروه في أنفسكم.
التفسير :
إن تظهروا أمرا من الأمور أو تخفوه في صدوركم عن الناس فإن الله تعالى كامل العلم بكل شيء وهو سبحانه يعلم السر وأخفى فراقبوه وأطيعوه وأخلصوا له ضمائركم وقلوبكم.
قيل في سبب نزول هذه الآية إن رجلا من المسلمين قال – لما نزلت آية الحجاب – أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب ؟ لئن مات محمد لأتزوجن عائشة فأنزل الله هذه الآية ليعلم الناس برقابة الله ووجوب البعد عن إيذاء الرسول.
قال أبو السعود وفي هذا التعميم مزيد تهويل، وتشديد ومبالغة في التوبيخ والوعيد.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾. ( غافر : ١٩ ).
تمهيـــد :
تأتي هذه الآيات الكريمات لبيان أدب بيت النبوة، فقد روى عن ابن عباس أن أناسا من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون قبل أن يدرك الطعام فيقعدون إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون.
وقال إسماعيل بن أبي حكيم : وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء.
وعند أكثر المفسرين أن سبب نزول هذه الآيات ما وقع يوم أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، روى البخاري ومسلم واحمد والنسائي والبيهقي في سننه وغيرهم من طرق، عن أنس قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم إلى طعام فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء... " ٥٩الآية.
﴿ لا جناح عليهن في ءابائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ﴾.
المفردات :
لا جناح : لا إثم.
ولا نسائهن : النساء المؤمنات.
التفسير :
تأتي هذه الآية للتيسير على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الحجاب عن أقاربهن لأن الفتنة مأمونة فقد أمرت الآية السابقة المؤمنين إذا كان لهم طلب من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوهن قضاء هذا الطلب من وراء حجاب، وهذا أمر عام لكن في هذه الآية بين أنه لا حرج أن تظهر أمهات المؤمنين في ملابسهن العادية أمام الآباء أو الأبناء أو الإخوة، أو الصديقات المخلصات المتصفات بالأخلاق الكريمات سواء أكان مسلمات أم كتابيات أو العبيد الموثوق بهم ثم دعاهن إلى تقوى الله والحرص على العفاف والتستر والاحتشام لأن الله مطلع على كل ما يصدر عنهن وهو سبحانه على كل شيء شهيد وهو المجازي كل عمل بحسبه.
وهذه الآية أباحت لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مقابلة القرابة القريبة من الرجال لأنهم مسئولون عن رعاية النساء وحمايتهن وهم الآباء والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة، وأبناء الأخوات والصديقات المخلصات والعبيد الذين لا أب لهم في المرأة ونلاحظ أن آية سورة النور قد أمرت نساء المؤمنين بغض البصر وستر الجسم وأباحت إبداء التزين أمام الزوج أو القارب الأقربين لأنه حماة المرأة والمدافعون عنها.
قال تعالى :﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهم أو بني إخوانهم أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ﴾. ( النور : ٣١ ).
***
﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما( ٥٦ ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا( ٥٧ ) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا( ٥٨ ) ﴾
تمهيـــد :
تأتي هذه الآيات وفاء لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاعترافا له بالفضل، رأينا أن الله عز وجل يصلي عليه وتصلى عليه الملائكة وإنه لجلال ما بعده جلال وعناية ما بعدها عناية أن يتفضل الله جل جلاله بالرحمة والعناية والمعونة لرسول الله وأن تدعوا وتستغفر الملائكة للرسول ثم يدعو المؤمنين أن يصلوا على النبي وأن يسلموا عليه وتأتي الأحاديث النبوية الشريفة فتبين فضل الصلاة على النبي فالله يضاعف الأجر والثواب لمن يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى يصلي على من يصلي على رسوله وإنه لفضل عظيم وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته سجله الله في القرآن الكريم.
التفسير :
﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبيء يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾.
الصلاة من الله هي أن رحمته سبقت غضبه وصلاة الله على النبي تعني الثناء عليه في الملأ الأعلى، وشموله برحمة الله وبركته وتوفيقه وعنايته وصلاة الملائكة عليه معناها الاستغفار والدعاء له بعلو المنزلة والتوفيق.
وصلاة المؤمنين الدعاء بعلو المنزلة ونيل الشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة يوم القيامة.
وقد روى البخاري عن أبي العالية قال : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء. ٦٢
معنى الآية :﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾. أي إن الله يصلي على نبيه بالرحمة والرضوان والملائكة تدعو له بالمغفرة ورفعة الشأن لذا فأنتم أيها المؤمنون بالله ورسوله قولوا : اللهم صل وسلم على محمد، أي ادعوا له بالرحمة ومزيد الشرف والدرجة العليا.
قال القرطبي هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته وذكر منزلته... والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره.
ثم أورد القرطبي خمس مسائل تتعلق بهذه الآية حول صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من الصلاة.
وقد وردت صيغ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منها صحيح ومنها سقيم.
قال ابن العربي ينبغي أن نعتمد على الصحيح دون الضعيف. أه.
روى الشيخان وأحمد وغيرهم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ". ٦٣
وأما التسليم فهو بأن يقولوا : السلام عليك يا رسول الله ومعنى السلام عليك الدعاء لك بالسلامة من الآفات والنقائص.
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا ". ٦٤
ويسن الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وعند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وبعد النداء للصلاة وفي صلاة الجنازة.
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني وقد قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ". ٦٥
وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا صم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". ٦٦
أربع مسائل
المسألة الأولى :
صلاة الجنازة أربع تكبيرات.
التكبيرة الأولى : يقرأ بعدها الفاتحة.
التكبير الثانية : يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية وهي : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
التكبيرة الثالثة : بعدها الدعاء للميت.
التكبيرة الرابعة : بعدها التسليم.
المسألة الثانية :
إذا سمع المسلم الأذان فليقل مثل ما يقول المؤذن ثم يصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا صلى الله عليه وسلم الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ".
المسألة الثالثة :
قال جمهور العلماء لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا فلا يلحق بهم غيرهم.
قال عمر بن عبد العزيز : اجعلوا صلاتكم على النبيين ودعاءكم للمسلمين عامة، ودعوا ما سوى ذلك. ٦٧
المسالة الرابعة :
قال النووي إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقل : صلى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط، بل يقول :( صلى الله عليه وسلم ) أو ( صلى الله عليه وسلام تسليما ) لقوله تعالى :﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ﴾.
ومن أدب الدعاء أن تبدأه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو ثم تختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
تمهيـــد :
تأتي هذه الآيات وفاء لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاعترافا له بالفضل، رأينا أن الله عز وجل يصلي عليه وتصلى عليه الملائكة وإنه لجلال ما بعده جلال وعناية ما بعدها عناية أن يتفضل الله جل جلاله بالرحمة والعناية والمعونة لرسول الله وأن تدعوا وتستغفر الملائكة للرسول ثم يدعو المؤمنين أن يصلوا على النبي وأن يسلموا عليه وتأتي الأحاديث النبوية الشريفة فتبين فضل الصلاة على النبي فالله يضاعف الأجر والثواب لمن يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى يصلي على من يصلي على رسوله وإنه لفضل عظيم وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته سجله الله في القرآن الكريم.
﴿ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ﴾.
التفسير :
الذين يؤذون الله بنسبة الولد أو الشريك له أو مخالفة أمره أو بسب الدهر والله تعالى هو الدهر يقلب ليله نهاره، وكما جاء في الصحيح أو يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب أو شتم أو انتقاص أو ساحر أو مجنون له أو لآل بيته أو أمته أو دينه أو قولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو مجنون هؤلاء لعنهم الله في الدنيا والآخرة أي طردهم من رحمته في الدنيا والآخرة وهيأ لهم عذابا مؤلما مذلا مهينا محقرا في نار جهنم.
روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم في تزويجه صفية بنت حيى بن أخطب.
تمهيـــد :
تأتي هذه الآيات وفاء لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاعترافا له بالفضل، رأينا أن الله عز وجل يصلي عليه وتصلى عليه الملائكة وإنه لجلال ما بعده جلال وعناية ما بعدها عناية أن يتفضل الله جل جلاله بالرحمة والعناية والمعونة لرسول الله وأن تدعوا وتستغفر الملائكة للرسول ثم يدعو المؤمنين أن يصلوا على النبي وأن يسلموا عليه وتأتي الأحاديث النبوية الشريفة فتبين فضل الصلاة على النبي فالله يضاعف الأجر والثواب لمن يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والله تعالى يصلي على من يصلي على رسوله وإنه لفضل عظيم وشرف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته سجله الله في القرآن الكريم.
﴿ والذين يؤذون المؤمنون والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ﴾.
التفسير :
كان المنافقون يؤذون المؤمنين، ويشيعون عنهم قالة السوء، وقد أشاع المنافقون عن عائشة حديث الإفك، وأشاعوا عن بعض الصحابة مثل عمر وعلى تهما بدون حق والآية عامة في كل من يؤذي المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان.
والمعنى : والذين ينسبون للمؤمنين والمؤمنات ما يتأذون به من الأقوال والأفعال. بغير جناية يستحقون بها الأذية شرعا، أو يعيرون المؤمن بحسب مذموم، أو حرفة مذمومة، أو شيء يثقل عليه سمعه أو يغتابون المؤمنين والمؤمنات ويشيعون عن قالة السوء بدون حق :﴿ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ﴾، فقد ارتكبوا كذبا وذنبا واضحا واتهاما بغير حق.
روى مسلم عن أبي هريرة أنه قيل : يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال " ذكرك أخاك بما يكره " قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن كان فيه غير ما تقول فقد بهته ". ٦٨
والبهت والبهتان هو افتراء الكذب على الناس لأنه يبهت صاحبه أي يحيره.
روي أن عمر رضي الله عنه قرأ هذه الآية ففزع منها وقال لأبي بن كعب والله إني أضربهم وأنهرهم فقال له أبي : يا أمير المؤمنين لست ممن يؤذون المؤمنين والمؤمنات إنما أنت معلم ومقوم.
أما الإيذاء بحق مثل إقامة حد الزنا وحد السرقة، وحد القذف والقصاص وقتال المرتدين فغير محرم بل هو واجب فقامة معالم الدين قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر الذي رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ". ٦٩
وقد فهم أبو بكر من هذا الحديث أن الزكاة حق المال فقاتل مانعي الزكاة وقال ك الله لو منعوني عناقا كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلتهم عليه وحاجه في ذلك عمر فقال أبو بكر إلا بحقها والزكاة حق الأموال فشرح الله صدر عمر لما انشرح له صدر أبي بكر.
***
﴿ يأيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما( ٥٩ ) ﴾
المفردات :
جلابيبهن : الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب واسع يغطي جميع الجسم كالملاءة والملحفة والعباءة يتخذنه إذا خرجن لداعية من الدواعي.
أدنى : أقرب.
أن يعرفن : أن يتميزن عن الإماء والقينات اللاتي هن موضع التعرض للإيذاء من أهل الريبة.
فلا يؤذين : أي فلا يؤذين من أهل الريبة بالتعرض لهن بالكلمات الجارحة.
التفسير :
﴿ يأيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهم من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ﴾.
تفيد كتب التفسير وأسباب النزول أن المسلمات في المدينة كن يخرجن لقضاء حاجتهن في الفضاء أو بين النخيل بعيدا عن البيوت قبل اتخاذ الكنف في البيوت وكان الفساق يتبعون النساء فإذا صرخت المرأة من غزلهن ومتابعتهن علموا أنها حرة فتركوها وشكت النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية.
المعنى : أيها الرسول قل لزوجاتكم أمهات المؤمنين وبناتك الطاهرات ونساء المؤمنين يسدلن عليهن جلابيبهن إذا خرجن لقضاء حاجة، حتى يعرفهن الرجال فلا يطمع فيهن الفساق ولا تؤذى إحداهن بكلمة جارحة، أو مراودة على الزنا.
﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾.
فيغفر ما سلف منهن من التفريط في ليس الجلباب الساتر للجسم كله حيث كانت النساء فيس الجاهلية وصدر الإسلام يخرجن لقضاء حاجتهن غير محتشمات فأمر الله النساء بالاحتشام وإسدال الثوب الخارجي الذي ي ستر الجسم فيعلم الناس أن هذه امرأة حرة ملتزمة فيبتعدون عن إيذائها بكلمة تجرح حياءها أو مراودتها عن نفسها.
تعليق :
الآن نشتكي كثيرا من حوادث اختطاف البنات واغتصابهن حتى شددت مصر العقوبة على الاغتصاب وجعلت عقوبته الإعدام وتنادي الغيورين على الدين بوجوب التستر والاحتشام وقدم الناس دعوة للآباء والأمهات بمراقبة زي بناتهن ليكون مناسبا ساترا للجسم وأقول لكل مسلمة عودي إلى دينك وتراثك وقرآنك وتمسكي بالزي الإسلامي الذي يدعو إلى ستر جميع المرأة ما عدا الوجه والكفين وهذا التستر يضمن لك التصون والعفاف ويحميك من النظرات الجائعة والعيون الآثمة والكلمات الجارحة، ويضمن لك ثواب الله ورضوانه وسعادة الدنيا والآخرة.
أما صيحات الأزياء واستعراض الأزياء فليس وراءها إلا إرضاء الشيطان وإغضاب الرحمان، وإذا كسبت المرأة الشارع والمعجبين وخسرت الزوج والأسرة والذرية فما أشد ضياعها، إن سوق الزواج أصبحت راكدة، ونسبة الطلاق زادت على ٣٣% وهي أعلى من ذلك بين الشباب ومن الخير أن نلتزم بأحكام الإسلام وآدابه في التربية وفي الزي وفي المنزل وفي العمل وفي المجتمع وبذلك نحافظ على بناتنا ونحافظ على شبابنا وعلى مجتمعنا وعلى أمتنا والله ولي التوفيق.
في أعقاب الآية
١- في الطبقات الكبرى لابن سعد أن أحمد بت عيسى من فقهاء الشافعية استنبط من هذه الآية أن ما فعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن وإن لم يفعله السلف لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم.
٢- فسر عدد من المفسرين إدناء الجلباب بأنه دعوة على لزوم تغطية وجه المرأة.
وأورد ذلك الطبري وابن الجوزي وابن كثير وأبو حيان وأبو السعود والجصاص الرازي ورأوا تغطية الوجوه والأبدان والشعور عن الأجانب أو عند الخروج لحاجة.
٣- الأستاذ عبد الحليم أبو شقة قدم كتابا من عدة أجزاء عن " معالم شخصية المرأة المسلمة " اعتمد فيه على القرآن الكريم والسنة الصحيحة وقرر مشروعية سفور وجه المرأة وظهور يديها ومشروعية مشاركتها في الحياة الاجتماعية بحضور الرجال مع رعاية الضوابط الشرعية.
٤- الأدلة الشرعية في القرآن والسنة وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة وأصول الفقه توضح أن جسم المرأة عورة، ما عدا وجهها وكفيها وعند بعض الفقهاء وقدميها ونحن نبارك ذلك امتدادا لقوله تعالى :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج... ﴾ ( الحج : ٧٨ ).
وندعو المسلمين إلى الالتزام بروح الدين وهديه بعيدا عن تيارين :
الأول : التشدد والتزمت.
الثاني : الإباحية والخروج على أوامر الله.
أما الطريق الثالث الذي ندعو غليه فهو التوسط والاعتدال والاقتداء بروح القرآن وروح السنة المطهرة، وأقوال الفقهاء وروح الإسلام العامة، وهي الوسطية المعتدلة التي تراعي أوامر الشرع من جهة، ومصالح العباد المشروعة من جهة أخرى.
قال تعالى :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ﴾. ( البقرة : ١٤٣ ).
وقال صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ". ٧٠
وقال الله تعالى :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾. ( البقرة : ١٨٥ ).
***
﴿ لئن لم تنته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا( ٦٠ ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا( ٦١ ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا( ٦٢ ) ﴾
المفردات :
المنافقون : الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
مرض : ضعف إيمان أو فسوق وعصيان.
المرجفون : مروجو الأخبار الكاذبة، ليبعثوا الرجفة والزلزلة في قلوب المؤمنين بأكاذيبهم.
لنغرينك بهم : لنحرضنك ونسلطنك عليهم.
التفسير :
﴿ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ﴾.
كان المنافقون يشيعون الأراجيف عن المسلمين فيقولون مثلا إن السرية الفلانية هزمت أو قتل عدد منها يبغون من وراء ذلك بث الذعر والخوف في نفس المؤمنين فهددهم الله بالقتال والنفي واللعن والطرد.
ومعنى الآية : أقسم لئن استمر المنافقون في إيذاء المؤمنين واستمر رواد الزنا في تتبع المؤمنات واستمر أهل الإرجاف في إشاعة الأخبار الكاذبة عن المؤمنين وإشاعة الهزيمة عنهم لنسلطنك عليهم يا محمد فتعاقبهم بالعقاب الرادع ثم لا يقيمون معك في المدينة إلا وقتا قليلا ريثما يتم إخراجهم وطردهم أو قتلهم وقد أفاد بعض المفسرين أن الآية تشير إلى ثلاث طوائف. المنافقون الذي أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام.
﴿ والذين في قلوبهم مرض... ﴾ أي شهوة الزنا.
﴿ والمرجفون في المدينة... ﴾ الذي يتبعون المرأة حتى يغلبوها على عفتها ويغتصبوها عنوة.
وهؤلاء الطوائف يستحقون العقوبة الرادعة، مثل قتل الزناة الذين يغتصبون المرأة فيكون قتلهم من باب السياسة الشرعية، رعاية لحق المجتمع في الأمن والالتزام. ٧١
وذهب أغلب المفسرين إلى أن الآية تشير إلى فئة واحدة تتصف بثلاث صفات هي النفاق والغش والخديعة والإرجاف في المدينة وهو إشاعة السوء عن المؤمنين.
والآية تهديد للمنافقين وإضرابهم من اليهود بأن الله سيمكن رسوله من طردهم وإخراجهم عقوبة لسوء فعالهم.
﴿ ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ﴾.
المفردات :
ملعونين : مطرودين من رحمة الله.
ثقفوا : وجدوا.
أخذوا : أسروا.
التفسير :
مبغضين مطرودين من رحمة الله أينما وجدوا لأنهم ينشرون الفتن فأينما وجدتهم أخذتهم وعاقبتهم فقتلتهم تقتيلا جزاء خيانتهم زجرا وتشريعا لمن خلفهم.
﴿ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾.
المفردات :
سنة الله : سن الله ذلك في الأمم الماضية وهو أن يقتل المنافقون الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإرجاف ونحوه.
التفسير :
شريعة الله العادلة التي شرعها وبينها وجعلها سمة باقية وسنة متبعة في السابقين وهي مكافأة العاملين المصلحين ومعاقبة للمنافقين المفسدين.
فقد أنفذ الله سنته وعدالته في المكذبين المفسدين من الأمم السابقة كقوم نوح وعاد وثمود وأصحاب مدين وفرعون وملته واليهود عندما بغوا وأفسدوا سلط الله عليهم من ينتقم منهم.
وهكذا استمرت عناية الله بعباده، أن يسلط بطشه على الظالمين وأن يعاقب المفسدين : والله لا يحب الفساد. ( البقرة : ٢٠٥ ).
﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾... فهو سبحانه عادل في حكمه فعال لما يريد وكما أنزل بطشه بالمنافقين المكذبين فيما سبق فسيفعل ذلك باللاحقين قال تعالى :﴿ ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين.. ﴾ ( المرسلات : ١٦-١٩ ).
وقال تعالى :﴿ إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد* وهو الغفور الودود* ذو العرش المجيد* فعال لما يريد* هل أتاك حديث الجنود* فرعون وثمود* بل الذين كفروا في تكذيب* والله من ورائهم محيط* بل هو قرءان مجيد* في لوح محفوظ ﴾. ( البروج : ١٢-٢٢ ).
***
﴿ يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا( ٦٣ ) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا( ٦٤ ) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا( ٦٥ ) يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله واطعنا الرسولا( ٦٦ ) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا( ٦٧ ) ﴾
المفردات :
الناس : أهل مكة المشركون.
عن الساعة : عن القيامة، استهزاء وتعنتا أو امتحانا.
قريبا : ربما توجد في زمن قريب وفيه تهديد للمستعجلين.
التفسير :
﴿ يسئلك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ﴾.
أي يسألونك عن وقت قيامها وكان المشركون في مكة يسألون عن الساعة على سبيل الهزء والسخرية وكان اليهود يسألون عنها امتحانا وتعنتا لأنه يعلمون من التوراة أن الله قد أخفاها فلم يطلع عليها ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا حتى يجتهد الناس في دينهم وتقواهم وطاعتهم لله خشية قيام الساعة التي لا وقت لها فربما نزل الموت بالإنسان فجأة إثر حادثة أو نازلة، ومن مات فقد قامت قيامته وهذا يجعله في حالة ترقب وانتظار وتوقع.
﴿ قل إنما علمها عند الله... ﴾.
فلا يعلم وقت مجيئها إلا الله سبحانه وتعالى، وفي آيات كثيرة يفيد القرآن أن الله أخفاها لحكمة إلهية عليا حتى يجتهد العباد ويجازي الناس على اجتهادهم عن عدالة، كما أخفى الله الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس وأخفى ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة، وأخفى أولياءه في خلقه وأخفى ليلة القدر في رمضان أو في العشر الأواخر من رمضان وأخفى اسمع العظم في أسمائه الحسنى كل ذلك ليظل المؤمن مراعيا لحرمة الصلوات جميعا وحرمة شهر رمضان أو العشر الأواخر كلها ويواظب على الاجتهاد في يوم الجمعة وليلته ويذكر أسماء الله الحسنى كلها.
وبعض الناس يدعى أن لعدد تسعة عشر أهمية كبرى ويدعى أن قيام الساعة سنة ١٩٩٩م وكلها ترهات وأكاذيب لا حقائق لها، وقد سبق أن ادعى كهان ومنجمون وفلكيون موعد قيام الساعة وظهر كذبهم وتخبطهم ثم هربوا من ملاحقة الناس لهم والساعة غيب لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى :﴿ يسئلونك عن الساعة أيان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلى ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها* كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ﴾. ( الذاريات : ٤٢-٤٦ ).
﴿ وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ﴾.
أي إنها مع استتار الله بعلمها فإنها مرجوة المجيء عن قريب فليعمل لها كل إنسان، فمتاع الدنيا قليل مهما طال أمدها. ﴿ والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا ﴾.. ( النساء : ٧٧ ).
وفي الصحيحين أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأنبئك عن علاماتها أن تلد الأمة ربتها وأن يتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان وأن يصبح الحفاة العالة سادة الأمم ". ٧٢
والموت أقرب إلى الإنسيان من شراك نعله.
قال الشاعر :
كل امرئ مصبح في بيته والموت أدنى من شراك نعله
وقال تعالى :﴿ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ﴾. ( ق : ١٩ ).
﴿ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ﴾.
المفردات :
لعن الكافرين : طردهم وأبعدهم عن رحمته.
سعيرا : نارا شديدة الاتقاد والاشتعال والاستعار.
التفسير :
إن الله طرد الكافرين من رحمته فقد كفروا بالله تعالى وجحدوا نعمه فعاقبهم الله تعالى بالطرد من رحمته وإبعادهم عنها وأعد لهم في الآخرة نارا تتسعر وتتلظى حتى يدخلوها ويصلوا سعيرها ونارها.
قال تعالى :﴿ فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ﴾ ( الليل : ١٤-١٦ ).
وقال تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾. ( النساء : ١١٦ ).
﴿ خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ﴾.
المفردات :
وليا : معينا.
نصيرا : ناصرا يخلصهم من النار.
التفسير :
ماكثين في جهنم خالدين فيها خلودا أبديا لا ينفك عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ولا يجدون من بواليهم ويكون لهم مغيثا ومعينا ينقذهم مما هم فيه ولا من ينصرهم ويخلصهم منه والمقصود أنه لا شفيع لهم يدفع عنهم العذاب.
﴿ يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ﴾.
المفردات :
تقلب وجوههم : تدار منت جهة إلى أخرى كاللحم يشوى بالنار.
التفسير :
اذكر يوم تتقلب وجوههم في النار كما يشوى اللحم فيتعرض للنار من جميع جوانبه حتى لا تبقى صفحة لم تصل إليها النار.
وقد ذكر الوجه- مع أن جسمهم كله يتعرض للنار- لأن الوجه أغلى ما في الجسم فإذا تعرض الوجه للنار كان أشد وأنكى وأظهر للعذاب.
قال تعالى :﴿ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة... ﴾ ( الزمر : ٣٤ ).
وذلك أن الوجه إذا تعرض للألم في الدنيا دافع عنه الإنسان بيده أو بجسمه لكن يوم القيامة يتعرض الوجه للعذاب ويتقلب ويتلون من لون إلى لون أو من حالة إلى حالة ثم يندم الكافر في وقت لا ينفع فيه الندم على حد قول الشاعر :
ندم البغاة ولات ساعة مندم والبغي مرتع مبتغيه وخيم
ويتمنى الكافر حين يعذب أنه أطاع الله وآمن به، وأطاع رسوله ودخل في دينه وصدق برسالته.
قال القرطبي وهذا التقليب تغيير ألوانهم بلفح النار فنسود مرة، وتخضر أخرى أه.
وحين يشتد العذاب عليهم وتبدل جلودهم يتمنون أنهم ما كفروا وهي أمنية ضائعة فقد فات الأوان إنما هي الحسرة على ما كان ثم تنطلق من ألسنتهم النقمة على سادتهم وكبرائهم الذين أضلوهم.
وقالوا إنما هي الحسرة على ما كان ثم تنطلق من ألسنتهم النقمة على سادتهم وكبرائهم الذين أضلوهم.
﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ﴾.
المفردات :
سادتنا : ملوكنا وقادتانا الذي لقنوهم الكفر.
وكبراءنا : علماءنا.
فأضلونا السبيلا : أضلونا طريق الهدى بما زينوا لنا من الكفر.
التفسير :
وقال الكفار وهم يعذبون في جهنم يا ربنا لم نكن مجرمين أصلاء، ولا أئمة في الكفر والضلال بل كنا ضعفاء تابعين، سرنا وراء الملوك والحكام والعلماء وأطعناهم، فمالوا بنا عن طريق الحق والهدى وساروا بنا في طريق الضلال والكفران يريدون أن يتملصوا من المسؤولية والتبعة، وأن يلقوا الذنب والإثم على القادة والكبار ولكن هيهات فقد أعطى الله كل إنسان العقل والإرادة والاختيار وجعل عليه مسؤولية شخصية.
قال تعالى :﴿ كل نفس بما كسبت رهينة... ﴾ ( المدثر : ٣٨ ).
﴿ ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ﴾.
المفردات :
ضعفين : مثلين.
ألهنهم لعنا : عذبهم وأبعدهم بلعن هو أشد اللعن وأعظمه.
كبيرا : أي عدده أو عظيما.
التفسير :
أي أعط لهؤلاء الرؤساء والقادة والأئمة في الكفر ضعفي عذابنا فضعف لكفرهم وضعف لإضلال الناس وغوايتهم، وأبعدهم ربنا من رحمتك بعدا عظيما سحيقا لا أمل في رحمة بعده وهم بهذا إنما ينفسون عما في أنفسهم من غيظ وغضب، والسعيد من شمله الله برحمته والشقي من لعنه وطرده من رحمته.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال : " يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ". ٧٣
وذكر ابن كثير أن هذه الآية تقرأ ( لعنا كبيرا ) وتقرأ ( لعنا كثيرا ) وهما بمعنى واحد.
***
﴿ يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها( ٦٩ ) يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا( ٧٠ ) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما( ٧١ ) ﴾
التفسير :
﴿ يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ﴾.
هذه تربية للمؤمنين نحو نبيهم أن يحترموه ويعزروه ويوقروه وألا ينسبوا إليه ما لا يليق كقول بعض المنافقين إن محمدا تزوج مطلقة ابنه، وشغبوا عليه في ذلك بحثا عن أي نقطة ينفذون منها إلى إنقاصه.
وفي الصحيح أن بعض الأعراب قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يوزع الغنائم هذه قسمة ما أريد بها وجه الله اعدل، فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للأعرابي " ويحك فمن يعدل إن لم أعدل " ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ". ٧٤
وقد أفاد القرآن الكريم أن بني إسرائيل كثر عنتهم فقالوا لموسى :﴿ أرنا الله جهرة... ﴾ ( النساء : ١٥٣ ).
وقالوا :﴿ اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة... ﴾ ( الأعراف : ١٣٨ ).
وقالوا :﴿ فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون... ﴾ ( المائدة : ٢٤ ).
وأفادت كتب الصحيح مما رواه الإمام البخاري والترمذي أن بني إسرائيل اتهموا موسى بأن في جلده برصا أو به أدرة، أي كثير الخصبة، وأنه لذلك يستتر بعيدا عنهم عند الاستحمام وأن موسى اغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر فطار الحجر بثوبه فسار موسى وراء الحجر يقول ثوبي حجر ثوبي حجر فرآه جمع من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ". ٧٥
وقد أفاد الفخر الرازي وغيره من المفسرين أن بني إسرائيل أشاعوا عن موسى النقائص فنسبوا إليه السحر والجنون ولطخوه بالزنا و أشاعوا عنه أنه قتل أخاه هارون وكان هارون قد مات فدفنه في سيناء وعاد وحيدا.
وقد أظهر الله براءة موسى من كل هذه التهم والأكاذيب وقد حباه الله بالفضل حين رعاه وصنعه على عينه ونجاه من اليم ومن فرعون وملئه وأعطاه الرسالة وناداه من جانب الطور الأيمن وجعل له سلطانا وحفظه من أذى فرعون وجعله الله من أولى العزم من الرسل ورفع منزلته وأعطاه التوراة وجعله وجيها ذا وجاهة وشرف وسيرة حسنة.
ومقصود الآية نهي المسلمين عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى مدح رسوله وبوأه المنازل العالية والابتعاد عن التشبيه بقوم موسى الذين آذوه، وقد برأه الله من التهم التي نسبت إليه وكان موسى وجيها عالي القدر والمنزلة عند الله تعالى.
قال تعالى :﴿ واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمان وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ﴾. ( مريم : ٥١-٥٣ ).
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ﴾
التفسير :
يا أيها الذين آمنوا راقبوا الله بطاعته واجتناب معصيته والتزام الصواب من القول ويدخل فيه تلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الضال وقول الحق وإن كان مرا والبعد عن السب والقذف ومقالة السوء وتطهير اللسان من كل فحش وبذاءة.
﴿ يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾.
التفسير :
أي إذا لقيتم وقلتم قولا صوابا صادقا كان الجزاء من الله تعالى أن يصلح أعمالكم، بأن يمنحكم التوفيق والهداية وإخلاص النية ويوفقكم للأعمال الصالحة.
﴿ ويغفر لكم ذنوبكم... ﴾
يسترها ويمنحكم المغفرة والتوبة والمسامحة، وتكفير السيئات وتطهيركم من الذنوب.
﴿ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾.
أي من أطاع الله ورسوله في أداء الواجبات وترك المنهيات وتنفيذ أوامر الشرع والاقتداء بالرسول الأمين في قوله وعمله وهديه وسلوكه وآدابه، فقد نال خيرا كبيرا بحسن السلوك في الدنيا وسعادة القلب وراحة الضمير والتوفيق في حياته وسلوكه وفاز فوزا عظيما في الآخرة بدخول الجنة والتمتع برضوان الله رب العالمين.
***
﴿ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا( ٧٢ ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما( ٧٣ ) ﴾
المفردات :
عرضنا الأمانة : طلبنا القيام بحق الأمانة وهي الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
الأمانة : التكاليف الشرعية كالصلوات.
أبين : امتنعن.
أشفقن : خفن.
وحملها الإنسان : والتزم الإنسان القيام بها.
ظلوما : كثير الظلم.
جهولا : كثير الجهل.
التفسير :
﴿ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ﴾.
خلق الله الكون بقدرته ورفع السماء وبسط الأرض وأرسى الجبال وسخر الهواء والفضاء وسير الشمس والقمر والليل والنهار وجعل الظلمات والنور.
وهذا الكون خاضع لله خضوع القهر والغلبة فالسماء مرفوعة والأرض مبسوطة والجبال راسية والبحار جارية، والليل مظلم والنهار مضيء والشمس مسخرة والقمر منير وكل في فلك يسبحون ولا يملك أن يغير مساره أو يتمرد على وظيفته.
﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ﴾ ( يس : ٤٠ ).
وقال تعالى :﴿ ثم استوى على السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين ﴾.
أي أظهرت السماء والأرض من الخضوع والامتثال لأمر الله ما لو نطق لسان حالهما لقال : أتينا طائعين فهذا الكون مسخر للطاعة الآلية، لا يملك غير الطاعة والالتزام بدون تفكير أو امتناع عن أداء وظيفته.
أما الإنسان فقد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه وجعله خليفة في الأرض ومنحه الله العقل والإرادة والاختيار أي أنه يملك أن يطيع الله ويملك المعصية والكفر وترك الطاعات واقتراف المحرمات.
قال القفال وغيره :
العرض في هذه الآية ضرب مثل أي أن السماوات والأرض والجبال على كبر أجرامها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع لما فيها من الثواب والعقاب أي أن التكاليف أمر حقه أن تعجز السماوات والأرض والجبال عن حمله.
وقد كلف الإنسان بحمل الأمانة فقيل الالتزام بأدائها حيث أعده الله لذلك بما زوده من ملكات وغرائز وطبائع وما غرس فيه من قدرات أه.
إن الكون كله خاضع لله تعالى خضوعا تاما، وامتثالا عمليا بدون عقل أو تفكير أو إرادة أما الإنسان فقد أعطاه الله العقل والإرادة والاختيار وتحمل المسؤولية.
وحين عرض الله تحمل الأمانة على الكون أبى أن يتحملها فلم يكن مهيأ لذلك كما تقول عرضت الأمانة على البعير فأباه أي أن قدرات البعير كانت دون تحمل هذا الحمل.
أما الإنسان فقد تحمل الأمانة وهي قبوله أن يثاب إذا أطاع وأن يعاقب إذا عصى وقد التزم بأداء الأمانة قلة قليلة.
﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾. ( سبأ : ١٣ )
وقد فرط معظم أفراد بني آدم في أداء حق الأمانة حيث كان معظم أفراد الإنسان ( ظلوما ) تاركا للأمانة ( جهولا ) بقيمة أداء الأمانة حيث يكون ذلك سببا في سعادته في الدنيا والآخرة.
أي أن من أفراد الإنسان من يختار المعصية والإفساد والشر ويستحق النار وجهنم عن جدارة وفي الحديث القدسي أن الله تعالى قال للجنة والنار " ولكل واحدة منكما على ملؤها ".
﴿ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ﴾.
فالله منح الإنسان العقل والإرادة، وأرسل له الرسل وأنزل الكتب لتتم إقامة الحجة، ولتتضح أماه طرق الهداية والغواية.
قال تعالى :﴿ إنا هديناه السبيل إنا شاكرا وإما كفورا ﴾. ( الإنسان : ٢ ).
وقال عز شأنه :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا تكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. ( النساء : ١٦٥ ).
ولما كانا الله قد زود الإنسان بالعقل والقدرة على تحمل الأمانة، وكرم الله الإنسان بالعقل وسخر له الكون فمن الطبيعي أن يطيع الله ويلتزم بأوامره بعض أفراده.
قال تعالى :﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾. ( سبأ : ١٣ ).
وأن يعصى كثير من أفراد الإنسان لوجود الظلم والجهل والغرور في تركيبهم وقصورهم عن التعالي والتسامي كما قال سبحانه وتعالى :﴿ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ﴾. ( الشمس : ٧-١٠ ).
كان كل ذلك مؤديا إلى استحقاق العصاة للعذاب واستحقاق المؤمنين الطائعين للتوبة والمغفرة والرحمة جاء في ظلال القرآن : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما.
فاختصاص الإنسان بحمل الأمانة وأخذه على عاتقه أن يعرف بنفسه ويهتدي بنفسه ويعمل بنفسه ويصل بنفسه، هذا كان ليتحمل عاقبة اختياره وليكون جزاؤه من عمله وليحق العذاب على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات وليمد الله يد العون للمؤمنين والمؤمنات فيتوب عليهم مما يقعون فيه تحت ضغط ما ركب فيهم من نقص وضعف وما يقف في طريقهم من حواجز وموانع وما يشدهم من جواذب وأقفال فذلك فضل الله وعونه وهو أقرب إلى المغفرة والرحمة بعباده ٧٦ وكان الله غفورا رحيما.
Icon