تفسير سورة النّور

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة النور من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة النور مدنية اتفاقاً.

١ - هذه ﴿سُورَةٌ﴾ ﴿وَفَرَضْنَاهاَ﴾ مخففاً قَدَّرنا فيها الحدود، أو فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام، وبالتشديد بَيَّناها " ع " أو كثَّرنا ما فرض من الحلال والحرام ﴿آيات بَيْنَاتٍ﴾ حججاً دالة على التوحيد ووجوب الطاعة، أو الحدود والأحكام.
٢ - ﴿الزَّانِيَةُ﴾ بدأ بها لأن شهوتها أغلب وزناها أعرُّ ولأجل الحبل أضر ﴿فَاجْلِدُواْ﴾ أخذ الجلد من وصول الضرب إلى الجلد، وهو أكبر حدود الجلد، لأن الزنا أعظم من القذف، وزادت السنة التغريب وحد المحصن بالسنة
386
بياناً لقوله ﴿أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ [النساء: ١٥] أو ابتداء فرض ﴿فِى دِينِ اللَّهِ﴾ في طاعته ﴿رَأْفَةٌ﴾ رحمة نهى عن آثارها من تخفيف الضرب إذ لا صنع للمخلوق في الرحمة. ﴿تُؤْمِنُونَ﴾ تطيعونه طاعة المؤمنين ﴿عَذَابَهُمَا﴾ حدهما ﴿طَآئِفَةٌ﴾ أربعة فما زاد أو ثلاثة، أو اثنان، أو واحد، وذلك للزيادة في نكاله. ﴿الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين﴾ ٣ - ﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ﴾ خاصة برجل استأذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية / [١٢٠ / أ] من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما، قال ابن عمرو ومجاهد - رحمهما اللَّهُ تعالى -، أو في أهل الصُّفَّة من المهاجرين، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب
387
الرحال بالكسوة والطعام، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية " ع "، أوالزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى: ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء﴾ [النساء: ٣]، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ولا عفيفة، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف " ح " ﴿حرم﴾ الزنا، أو نكاح الزواني ﴿على المؤمنين﴾. ﴿والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم﴾
388
﴿ الزاني لا يَنكح ﴾ خاصة برجل استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما، قال ابن عمرو ومجاهد - رحمهما الله تعالى -، أو في أهل الصفة من المهاجرين، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب الرحال بالكسوة والطعام، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية " ع "، أو الزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى :﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء ﴾ [ النساء : ٣ ]، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ولا عفيفة، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف " ح " ﴿ وحُرّم ﴾ الزنا، أو نكاح الزواني ﴿ على المؤمنين ﴾.
٤ - ﴿ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ حد القذف حق الآدمي لوجوبه بطلبه وسقوطه بعفوه، أو حق الله، أو مشترك بينهما. ويتعلق به الحد والفسق ورد الشهادة.
٥ - ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾ فيزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه قاله الجمهور، أو لا تقبل بحال، أو تقبل قبل الحد ولا تقبل بعده، أو عكسه وتوبته بإكذابه نفسه، أو بالندم والاستغفار وترك العود إلى مثله.
388
﴿والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسه أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأنّ الله تواب حكيم﴾
389
٦ - ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ﴾ أي هلال بن أمية جاء الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو جالس مع أصحابه فقال: يا رسول الله جئت عشياً فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره الرسول [صلى الله عليه وسلم] ذلك وثقل عليه فنزلت، أو أتاه عويمر فقال: يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه به أم كيف يصنع فنزلت فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : قد نزل فيك وفي صاحبتك ولاعن بينهما، ﴿فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ عبر عن اليمين بالشهادة.
389
قال قيس:
(وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا)
أو هو شهادة فلا يلاعن الكافر والرقيق.
390
٨ - ﴿ويدرأ﴾ يدفع ﴿الْعَذَابَ﴾ الحد، أو الحبس، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة بلعان الزوج، أو بلعانهما، أو بلعانهما وتفريق الحاكم، أو بطلاق يوقعه الزوج. ثم تحرم أبداً، فإن أكذب نفسه ففي حِلَّها مذهبان
١٠ - ﴿فَضْلُ اللَّهِ﴾ الإسلام ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ القرآن، أو فضله: منته، ورحمته: نعمته تقديره ورحمته بإمهالكم حتى تتوبوا لهلكتم، أو لولا فضله ورحمته لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم. ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾
١١ - ﴿الذين جاءوا بِالإِفْكِ﴾ : عبد الله بن أُبي، ومسطح بن أثاثة،
390
وحسان بن ثابت وزيد بن رفاعة وحمنة بنت جحش، والإفك: الكذب أو الإثم ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لأن الله تعالى برَّاْ منه وأثاب عليه، يريد عائشة وصفوان، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر، وعائشة - رضي الله تعالى عنهما - ﴿ما اكتسب﴾ / [١٢٠ / ب] عقاب ما اكتسب ﴿وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ عبد الله بن أُبي، أو حسان ومسطح، والعذاب العظيم: العمى. ﴿لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفكّ مبينٌ لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون﴾
391
١٢ - ﴿لَّوْلآ﴾ هَلاَّ ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أي الإفك ﴿بِأَنفُسِهِمْ﴾ ظن بعضهم ببعض، أو ظنوا بعائشة - رضي الله تعالى عنها - كظنهم بأنفسهم ﴿إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ كذب بيِّنٌ، ولم يحد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أحداً من أهل الإفك؛ لأن الحد لا يقام إلا
391
ببينة أو إقرار ولم ينفذ بإقامته بإخبار الله تعالى كما لا يقتل المنافق بإخباره بنفاقه، أو حدَّ حسان وابن أُبي ومسطحاً وحمنة فيكون العذاب العظيم الحدُّ. وقال فيهم بعض المسلمين:
(لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطحُ)
(تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا)
(وآذوا رسول الله فيها فَجُلِّلُوا مَخازي تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا)
(كما ابن سلول ذاق في الحد خِزية كما خاض في قول من الإفك يفصح)
(فصبت عليهم مُحصدات كأنها شآبِيبُ مزن من ذُرى المزن تسفحُ)
وقال حسان يعتذر من إفكه:
392
(حصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بريبةٍ وتُصبحُ غَرثَى من لُحوم الغَوَافِلِ)
(مطهرة قد طيب الله خلقها وطهرها من كل سوء وباطل)
(عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل)
(فإن كنت قد قلت الذي قد أتاكم فَلا رَفَعتْ سوطِي إليَّ أَنامِلِي)
(وكيف وَوُدِّي ما حَييتُ ونُصرتي لآل رسول الله زين المحافل)
(وإن الذي قد قيل ليس بلائط ولكنه قول امرئٍ غير ماحل)
{ولولا فضل الله عليكم ورحمتّه في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيمٌ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم
393
الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرةٍ والله يعلم وأنتم لا تعلمون لولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوفٌ رحيمٌ}
394
١٥ - ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ بالقبول من غير إنكار، أو تتحدثُون به وتلقونه حتى ينتشر. ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تتّبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبعٍ خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليمٌ﴾
٢١ - ﴿خطوات الشيطان﴾ خطاياه، أو أثره، أوتخطبه من الطاعة والحلال إلى المعصية والحرام، أو النذر في المعاصي. ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾
٢٢ - ﴿يَأْتَلِ﴾ ويتألَّ واحد أي لا يقسم، أو لا يقصر، ما ألوت جهداً
394
أي ما قصرت، أو يأتلِ: يقصر، ويتألَّ: يقسم، كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ينفق على مسطح - وكان ابن خالته - فلما تكلم في الإفك أقسم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - أن لا ينفق عليه، فنزلت. ﴿وَلْيَعْفُواْ﴾ عن الأفعال ﴿وَلْيَصْفَحُواْ﴾ عن الأقوال، أو العفو: ستر الذنوب من غير مؤاخذة والصفح: الإغضاء عن المكروه ﴿أَلا تُحِبُّونَ﴾ كما تحبون أن تُغفر ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمِعَها أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - رَدَّ إليه النفقة. ﴿الْخَبِيثَاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم﴾
395
٢٦ - ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ خبيثات النساء لخبيثي الرجال، وخبيثوا الرجال لخبيثات النساء، وطيبات النساء لطيبي الرجال، وطيبو الرجال لطيبات النساء، أو أراد بالخبيثات والطيبات: الأعمال الخبيثة والطيبة لخبيثي الناس وطيبيهم. أو أراد الكلمات الخبيثات والطيبات لخبيثي الناس وطيبيهم ﴿أولئك مبرءون﴾ أزواج الرسول [صلى الله عليه وسلم] مبرآت / من الفواحش، أو عائشة، وصفوات مبرآن من الإفك، أو الطيبون والطيبات مبرءون من الخبيثين والخبيثات. {يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها
395
ذلكم خيرٌ لكم لعلّكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناحٌ أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونةٍ فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} ٢٧ - ﴿تَسْتَأْنِسُواْ﴾ تَستأذنوا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أخطأ الكاتب فكتب " تستأنسوا "، أو عَبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم، أوتعلموا فيها من يأذن لكم؛ لقوله ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ﴾ [النساء: ٦] أو الاستئناس: الاستخبار
396
والإيناس: اليقين ﴿وَتُسَلِّمُواْ﴾ السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطئ أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطئ أو نحنة، أوهم كالأجانب.
397
﴿ تستأنسوا ﴾ تستأذنوا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أخطأ الكاتب فكتب ' تستأنسوا '، أو عبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم، أو تعلموا فيها من يأذن لكم ؛ لقوله ﴿ فإن آنستم ﴾ [ النساء : ٦ ] أو الاستئناس : الاستخبار والإيناس : اليقين ﴿ وتَسَلِّموا ﴾ السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطئ أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطئ أو نحنحة، أوهم كالأجانب.
٢٩ - ﴿بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، أو حوانيت التجار، أومنازل الأسفار ومناخات الرحال التي يرتفق بها المسافرون، أو الخرابات العاطلة، أو بيوت مكة ﴿مَتَاعٌ لَّكُمْ﴾ عروض الأموال ومتاع التجارة، أو الخلاء والبول؛ لأنه متاع لهم، أوالمنافع كلها. فلا يلزم الاستئذان فيها. ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون﴾
٣٠ - ﴿من أبصارهم﴾ من صلة، أويغضوها عما لايحل، أوهي للتبعيض؛ لأن البصر إنما يجب غضه عن الحرام ﴿وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ﴾ بالعفاف عن الزنا، أو بسترها عن الأبصار، وكل موضع فيه حفظ فالمراد به عن الزنا، إلا في هذا الموضع قال أبو العالية، وسميت فروجاً؛ لأنها منافذ للبدن.
397
﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهنّ إلا لبعولتهن أو ءابائهنّ أو ءاباء بعولتهنّ أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون﴾
398
٣١ - ﴿زِينَتَهُنَّ﴾ الزينة ما أدخلته على بدنها حتى زانها وحسنها في العيون كالحلي والثياب، والكحل والخضاب، وهي ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ الثياب، أو الكحل والخاتم " ع "، أو الوجه والكفان، والباطنة: القرط والقلادة، والدملج والخلخال وفي السوار مذهبان وخضاب القدمين باطن، وخضاب الكفين ظاهر، والباطنة يجب سترها عن الأجانب ولا يجوز لهم النظر إليها. ﴿وليضربن بخمرهن﴾ بمقانعهن على صدورهن تغطية لنحورهن وكن يلقينها على ظهورهن بادية نحورهن، أو كانت قمصهن مفرجة الجيوب كالدراعة يبدو منها صُدُورهن فأُمِرن بإلقاء الخُمُرُ عليها لسترها وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبُوسة عليها / [١٢١ / ب] ﴿ولايبدين زِينَتَهُنَّ﴾ الباطنة ﴿إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾، ﴿أَوْ نِسَآئِهنَّ﴾ المسلمات، أو عام فيهن وفي الكافرات ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ من العبيد والإماء، أو خاص بالإماء قاله ابن
398
المسيب ومجاهد وعطاء ﴿غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ﴾ الصغير لا إرب له فيهن لصغره، أو العِنِّين لا إرب له لعجزه، أو المعتوه الأبله لا إرب له لجهله، أو المجبوبُ لفقد إربه مأثور، أو الشيخ الهرم لذهاب إربه، أو الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، أو المستطعم الذي لا يهمه إلا بطنه، أو تابع القوم يخدمهم لطعام بطنه فهو مصروف الشهوة لذله " ح "، وأخذت الإربة من الحاجة، أو من العقل من قولهم رجل أريب ﴿لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ لم يكشفوها لعدم شهوتهم، أو لم يعرفوها لعدم تمييزهم، أو لم يطيقوا الجماع، وسميت العورة عورة لقبح ظُهورها وغض البصر عنها أخذاً من عور العين ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ كن إذا مشين ضربن بأرجلهن لتسمع قعقعة خلاخلهن فنهين عن ذلك. ﴿وأنكحوا الإيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفورٌ رحيمٌ ولقد أنزلنا إليكم ءايات مبيناتٍ ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظةٍ للمتّقين﴾
399
٣٢ - ﴿وَأَنكِحُواْ﴾ خطاب للأولياء، أو للأزواج أن يتزوجوا ندباً عند الجمهور أو إيجاباً ﴿الأَيَامَى﴾ المتوفى عنها زوجها، أو من لا زوج لها من
399
الثيب والأبكار، رجل أيم وامرأة أيم ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ أنكحوا الأيامى بالصالحين من رجالكم، أو أمر بإنكاح العبيد والإماء كما أمر بإنكاح الأيامى ﴿فُقَرَآءَ﴾ إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح، أو فقراء من المال يغنهم الله - تعالى - بقناعة الصالحين، أو باجتماع الرزقين ﴿وَاسِعٌ﴾ الغنى ﴿عَلِيمٌ﴾ بالمصالح، أو واسع الرزق عليم بالخلق.
400
٣٣ - ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ ندباً، أو وجوباً إذا طلب العبد ﴿خَيْراً﴾ قدرة على الاحتراف والكسب " ع " أو مالاً، أو ديناً وأمانة، أو وفاءً وصدقاً أو الكسب والأمانة. ﴿وآتوهم﴾ من الزكاة من سهم الرقاب أو بحط بعض نجومه ندباً، أو إيجاباً فيحط ربعها، أو سهماً غير مقدر " ع "، كان لحويطب بن عبد العزى عبد سأله الكتابة فامتنع فنزلت، ﴿فتيانكم﴾ الإماء ﴿الْبِغَآءِ﴾ الزنا ﴿تَحَصُّناً﴾ عفة ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ لا يتحقق الإكراه إلا عند إرادة التحصن لأن من لا تبغي التحصن تسارع إلى الزنا بغير إكراه، أو ورد على سبب فخرج على صفة السبب وليس بشرط فيه كان ابن أُبَيِّ يُكره أمته على الزنا فزنت ببرد فأخذه وقال: ارجعي فازني على آخر فقالت: لا والله وأخبرت الرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. وكان
400
ذلك مستفيضاً من عادتهم طلباً للولد والكسب ﴿لِّتَبْتَغُواْ﴾ لتأخذوا أجورهن على الزنا ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمكرهات دون المكرهين. ﴿الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شىءٍ عليم﴾
401
٣٥ - ﴿نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ﴾ : هاديهما أو مدبرهما، أو ضياؤهما / [١٢٢ / أ] أو مُنَوِّرهما؛ نَوَّر السماء بالملائكة والأرض بالأنبياء، أو السماء بالهيبة والأرض بالقدرة، أو نَوَّرهما بالشمس والقمر والنجوم ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ نور المؤمن في قلبه، أو نور محمد [صلى الله عليه وسلم] في قلب المؤمن، أو نور القرآن في قلب محمد [صلى الله عليه وسلم] أو نور الله - تعالى - في قلب محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو قلب المؤمن ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ كُوَّة لا تنفذ ﴿والمصباح﴾ السراج، أو قنديل [و] المصباح: الفتيلة، أو موضع الفتيلة من القنديل وهو الأنبوب والمصباح: الضوء " ع "، أو السلسلة والمصباح: القنديل، أو صدر المؤمن والمصباح: القرآن الذي فيه والزجاجة قلبه والمشكاة، حبشي معرَّبٌ، ﴿الْمِصْبَاحٌ فِي زُجَاجَةٍ﴾ القنديل؛ لأنه فيها أضوأ قاله الأكثرون، أو الصباح القرآن والإيمان والزجاجة قلب المؤمن ﴿كَوْكَبٌ﴾ الزهرة، أو كوكب غير معين عند الأكثر
401
﴿درئ﴾ يشبه الدر في صفائه، درئ: مضئ، درئ: متدافع قوي الضوء من درأ دفع دِرِّيٌّ: جارٍ درأ الوادي إذا جرى، والنجوم الدراري الجواري ﴿شجرة مباركة﴾ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، والزجاجة: محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو صفة لضياء دهن المصباح ﴿مُّبارَكَةٍ﴾ ؛ لأنها من زيتون الشام وهو أبرك من غيره، أو لأن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره ﴿لا شَرْقِيَّةٍ﴾ ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب لقلة زيت الجهتين وضعف نوره ولكنها من شجر ما بينهما كالشام لاجتماع القوتين فيه، أو لا شرقية تستتر عن الشمس عند الغروب ولا غربية تستتر عنها وقت الطلوع بل هي بارزة من الطلوع إلى الغروب فإنه أقوى لزيتها وأضوأ، أوهي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أجود لزيتها، أو ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها، أوليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية، أو غربية وإنما هي من شجر الجنة " ح " أو مؤمنة ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق ولا يهودية تصلي إلى الغرب، أو الإيمان ليست بشديد ولا لين؛ لأن في أهل الشرق شدة وفي أهل الغرب لين ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ﴾ صفاؤه كضوء النهار ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ أو يكاد قلب المؤمن من يعرف الحق قبل أن يُبين له، أو يكاد العلم يفيض من فم المؤمن العالم قبل أن يتكلم به " ح " أو تكاد أعلام النبوة تشهد للرسول [صلى الله عليه وسلم] قبل أن يدعو إليها ﴿نُّورٌ عَلَى نُورِ﴾ ضوء النار على ضوء الزيت
402
على ضوء الزجاجة، أو نور النبوة على نور الحكمة، أو نور الرجاء على نور الخوف، أو نور الإيمان على نور العمل، أو نور مؤمن هو حجة لله يتلوه مؤمن هو حجة لله حتى لا تخلو الأرض منهم، أونور نبي من نسل نبي ﴿لِنُورِهِ﴾ نبوته، أو دينه، أو دلائل هدايته ﴿ويضرب / [١٢٢ / ب] اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ هذا مثل ضربه للمؤمن في وضوح الحق له وفيه، أو ضربه لطاعته وسماهما نوراً لتجاوزهما عن محلهما، أو قالت اليهود يا محمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله - تعالى - ذلك مثلاً لنوره " ع ". ﴿في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغيرحساب﴾
403
٣٦ - ﴿بُيُوتٍ﴾ المساجد " ع "، أو سائر البيوت ﴿تُرْفَعَ﴾ تُبْنَى، أو تطهر من الأنجاس والمعاصي، أو تعظم، أو ترفع فيها الحوائج إلى الله - تعالى - ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ﴾ يتلى كتابه " ع "، أو تذكر أسماؤه الحسنى، أو توحيده بأن لا إله غيره، ﴿فِى بُيُوتٍ﴾ متعلق بقوله كمشكاة، أو بقوله - تعالى - " يسبح " ﴿يُسَبِّحُ﴾ يصلي له " ع " أو ينزهه ﴿وَالأَصَالِ﴾ العشايا.
٣٧ - ﴿تِجَارَةٌ﴾ التجار: الجلاب المسافرون، والباعة: المقيمون. ﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ بأسمائه الحسنى، أو عن الآذان ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ على جمر جهنم، أوتتقلب أحوالها بأن تلحقها النار ثم تنضجها ثم تحرقها، أو تقلب القلوب: وجيبها وتقلب الأبصار نظرها إلى نواحي الأهوال، أو تقلب القلوب: بلوغها الحناجر وتقلب الأبصار الزُّرق بعد الكُحْل والعمى بعد الإبصار، أو يتقلب قلب الكافر عن الكفر إلى الإيمان ويتقلب بصره عما كان يراه غيَّاً فيراه رشداً
٣٨ - ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بغير جزاء بل يبتديه تفضلاً، أوغير مقدر بالكفاية حتى لا يزيد عليها، أوغير قليل ولا مضيق، أوغير ممنون به. ﴿والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمئان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلماتٍ في بحرٍ لجى يغشاه موجٌ من فوقه موج من فوقه سحابٌ ظلمات بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نورٍ﴾
٣٩ - ﴿كَسَرَابٍ﴾ : هو الذي يتخيل لرائيه أنه ماء جارْ والآل مثله إلا أنه يرتفع عن الأرض ضُحى حتى يصير كأنه بين السماء والأرض، وقيل السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال، والرقراق بعد العصر (بِقِيعَةٍ} جمع قاع كجيرة
404
وجار وهو ما انبسط من الأرض واستوى. مثل مضروب لاعتماد الكافر على ثواب عمله فإذا قدم على الله - تعالى - وجد ثوابه حابطاً بكفره ووجد أمر الله عند حشره، أو وجد الله - تعالى - عند عرضه، نزلت في شيبة بن ربيعة ترهّب في الجاهلية ولبس الصوف وطلب الدين وكفر في الإسلام.
405
٤٠ - ﴿كَظُلُمَاتٍ﴾ ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل ﴿لُّجِّىٍّ﴾ واسع لا يرى ساحله، أو كثير الموج، أو عميق، ولجة البحر: وسطه ﴿لَمْ يَكَدْ﴾ لم يَرَهَا ولم يكد قاله الزجاجَ، أو رآها بعد أن كادَ لا يراها، أو لم يطمع أن يراها، أو يكد صلة ﴿وَمَن لًّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً﴾ سبيلاً إلى النجاة فلا سبيل له إليها، أو من لم يهده الله إلى الإسلام لم يهتدِ إليه. مثل للكافر والظلمات ظلمة الشرك وظلمة الشك وظلمة المعاصي، والبحر اللجي قلبه يغشاه موج عذاب الدنيا من فوقه موج عذاب الآخرة. ﴿ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون﴾
٤١ - ﴿صَآفَّاتٍ﴾ مُصْطفة الأجنحة في الهواء ﴿صَلاتَهُ﴾ الصلاة: للإنسان والتسبيح: لسائر الخلق، أو هذا في الطير؛ ضرب أجنحتها صلاة وأصواتها تسبيح، أو للطير صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، قاله سفيان، علم الله
405
صلاته وتسبيحه، أو علمها هو. ﴿ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار﴾
406
٤٣ - ﴿يُزْجِى﴾ يسوق ﴿رُكَاماً﴾ يركب بعضه بعضاً ﴿الْوَدْقَ﴾ البرق يخرج من / [١٢٣ / أ] خلال السحاب، أو المطر عند الجمهور ﴿مِن الجبال﴾ أي في السماء جبال بَرَد فينزل من السماء من تلك الجبال ما يشاء من البرد، أو ينزل من السماء بَرَداً يكون كالجبال، أو السماء: السحاب والسماء صفة للسحاب سُمي جبالاً لعظمته فينزل منه برداً ﴿سَنَا بَرْقِهِ﴾ صوت برقه، أو ضوؤه، أو لمعانه. ﴿يقلب الله الّيل والنّهار إنّ فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار والله خلق كلّ دابّة من مآء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع يخلق الله ما يشاء إنّ الله على كل شىء قديرٌ لّقد أنزلنا ءايات مبيّنات والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم﴾
٤٤ - ﴿يقلب الله الليل وَالنَّهَارَ﴾ بتعاقبهما، أو بنقص كل واحد منهما وزيادة الآخر، أو يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ويغير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى.
٤٥ - ﴿مِّن مَّآءٍ﴾ النطفة، أو أصل الخلق كله الماء ثم قلب إلى النار فخلق
406
منها الجن وإلى الريح فخلق منها الملائكة وإلى الطين فخلق منه ما خلق ﴿عَلَى بَطْنِهِ﴾ كالحوت والحية ﴿عَلَىَ رِجْلَيْنِ﴾ كالإنسان والطير ﴿عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالأنعام ولم يذكر ما زاد لأنه كالماشي على أربع لأنه يعتمد في مشيته على أربع. {ويقولون ءامنّا بالله وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولى فريق منهم من بعد ذلك ومآ أولائك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بيّنهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لّهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفى قلوبهم مّرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله علّيهم ورسوله بل أولائك هم الظّلمون إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولائك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتّقه فأولائك هم الفآئزون
407
٤٨ - ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ كان بين بِشْر المنافق وبين يهودي خصومة فدعاه اليهودي إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] ودعا بشر إلى كعب بن الأشراف؛ لأن الحق إذا توجه على المنافق دعا إلى غير الرسول [صلى الله عليه وسلم]-[ليسقط عنه] وإن كان الحق له حاكم
407
إليه ليستوفيه له فنزلت ﴿وَإِذَا دُعُواْ﴾
408
٤٩ - ﴿مُذْعِنِينَ﴾ طائعين، أو خاضعين، أو مسرعين، أو مقرين.
٥٠ - ﴿مرض﴾ شرك، أو نفاق. ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾
٥٤ - ﴿مَا حُمِّلَ﴾ من إبلاغكم ﴿مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ من طاعته ﴿تَهْتَدُواْ﴾ إلى الحق ﴿البلاغ﴾ بالقول للطائع وبالسيف للعاصي. {وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون وأقيموا الصّلاة وءاتوا الزّكاة أطيعوا الرّسول لعلّكم ترحمون لا تحسبن الّذين كفروا معجزين فى الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير ٥٧
٥٥ - ﴿الأَرْضِ﴾ بلاد العرب والعجم، أو أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا الله - تعالى - ذلك ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ بنو إسرائيل في أرض الشام، أو
408
داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾ بإظهاره على كل دين ﴿لا يُشْرِكُونَ﴾ لا يعبدون إلهاً غيري، أو لا يراؤون بعبادتي، أو لا يخافون غيري " ع "، أو لا يحبون غيري. قيل هي في الخلفاء الأربعة. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" الخلافة بعدي ثلاثون ". ﴿يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيّمانكم واّلذين لمّ يبّلغوا الحلم منكم ثلاث مّرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لّكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذالك يبين الله لكم الأيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استئذن الذين من قبلهم كذالك يبين الله لكم ءاياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحاً فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرّجات بزينة أن يستعففن خيرٌ لّهن والله سميع عليمٌ﴾
409
٥٨ - ﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ النساء يستأذن في الأوقات الثلاث خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات، أو العبيد والإماء فيستأذن العبد دون الأمة
409
على سيده في هذه الأوقات، أو الأمة وحدها؛ لأن العبد يلزمه الاستئذان في كل وقت " ع "، أو العبد والأمة جميعاً ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ﴾ الصغار الأحرار فإن كان لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان وإن كان يصفه فيستأذن في الأوقات الثلاث ولا يلزمهم الاستئذان فيما وراء الثلاث. وخُصَّت هذه الأوقات لخلوة الرجل فيها بأهله وربما ظهر منه فيها / [١٢٣ / ب] ما يكره أن يرى من جسده. وبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى عمر - رضي الله تعالى عنه - وقت القائلة غلاماً من الأنصار فدخل بغير إذن فاستيقظ عمر - رضي الله تعالى عنه - بسرعة فانكشف منه شيء فرآه الغلام فحزن عمر - رضي الله تعالى عنه - لذلك وقال: وددت أن الله - تعالى - بفضله نهى أن يدخل علينا في هذه الساعات إلا بإذننا فانطلق إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] فوجد هذه الآيات قد نزلت فخر ساجداً. ﴿ثَلاثُ عَوْرَاتٍ﴾ لما اشتملت الساعات الثلاث على العورات سماهن عورات إجراءً لعورات الزمان مجرى عورات الأبدان فلذلك خصها بالإذن ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ جناح في تبذلكم في هذه الأوقات، أو من منعهم فيها ﴿وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ﴾ في ترك الاستئذان فيما سواهن. ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُم﴾ بالخدمة فلم يُحرَّج عليهم في دخول منازلكم، والطوَّاف: الذي يكثر الدخول والخروج.
410
٥٩ - ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ الرجال أوجب الاستئذان على من بلغ؛ لأنه صار رجلاً.
٦٠ - ﴿وَالْقَوَاعِدُ﴾ جمع قاعد قعدت بالكبر عن الحيض والحمل، أو
410
لأنها تكثر القعود بعد الكبر، أو لأنها لا فتقعد تراد عن الاستماع ﴿لا يَرْجُونَ﴾ لا يردن لأجل كبرهن الرجال ولا يريدهن الرجال ﴿ثِيَابَهُنَّ﴾ رداؤها الذي فوق خمارها تضعه إذا سترها باقي ثيابها، أو خمارها ورداءها ﴿مُتَبَرِّجَاتٍ﴾ مظهرات من زينتهن ما يستدعى النظر إليهن فإنه حرام على القواعد وغيرهن، وجاز لهن وضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن، وتمنع الشواب من وضع الجلباب ويُؤمرن بلباس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ تعفف القاعدة من وضع الجلابيب أفضل لها وأولى بها من وضعه وإن كان جائزاً. ﴿لَّيْسَ على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أو بيوت ءابآئكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مّفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الأيات لعلّكم تعقلون﴾
411
٦١ - ﴿لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى﴾.... إلى ﴿الْمَرِيضِ﴾ كان الأنصار يتحرجون من الأكل مع هؤلاء إذا دعوا إلى طعام ويقولون الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يقدر على الزحام عند الطعام، والمريض عن المشاركة الصحيح في الطعام، فكانوا يعزلون طعامهم، ويرون أنه أفضل من مشاركتهم
411
فنزلت الآية رافعة للحرج في مؤاكلتهم " ع "، أو كان الأنصار يستخلفون أهل الزَّمانة المذكورين في منازلهم إذا خرجوا للجهاد فكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص لهم أن يأكلوا من بيوت من استخلفهم، أو نزلت في سقوط الجهاد عنهم " ح "، أو لا جناح على من دُعي منهم إلى وليمة أن يأخذ معه قائده ﴿بُيُوتِكُمْ﴾ أموال عيالكم وزوجاتكم لأنهم في بيته، أو أولادكم فنسبت بيوت الأولاد إليهم كقوله: " أنت ومالك لأبيك " ولذلك لم تذكر بيوت / [١٢٤ / أ] الأبناء، أو البيوت التي أنتم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم ﴿أو بيوت آبائكم﴾... إلى ﴿خَالاتِكُمْ﴾ أباح الأكل من بيوت هؤلاء إذا كان الطعام مبذولاً غير مُحرز، فإن كان مُحرزاً فلا يجوز هتك الحرز، ولا يتعدى إلى غير المأكول ولا يتجاوز الأكل إلى الادخار ﴿ملكتهم مَّفَاتِحَهُ﴾ وكيل الرجل وقَيِّمُه في ضيعته يجوز أن يأكل مما يقوم [عليه] من ثمار الضيعة " ع "، أو
412
يأكل من منزل نفسه ما ادخره، أو أكله من ماله عبده ﴿صَدِيقِكُمْ﴾ في الوليمة خاصة، أو في الوليمة وغيرها إذا كان الطعام غير محرز، والصديق واحد يعبّر به عن الجمع، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المذمومة "، والصديق: من صدقك عن مودته، أو من وافق باطنه باطنك كما يوافق ظاهره ظاهرك، وما تقدم ذكره محكم لم ينسخ منه شيء، قاله قتادة: أو نسخ بقوله - تعالى -: ﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى﴾ [الأحزاب: ٥٣] وبقوله: " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث ﴿أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً﴾ كان بنو كنانة في الجاهلية يرى أحدهم أنه يحرم عليه الأكل وحده حتى أن أحدهم ليسوق الذود الحُفَّل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فنزلت فيهم، أو في قوم من العرب كانوا يتحرجون إذا نزل بهم ضيف أن يتركوه يأكل وحده حتى يأكلوا معه، أو في قوم تحرجوا من الاجتماع على الأكل ورأوا ذلك دِيناً، أو في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك
413
الباقون حتى يحضر فرخص لهم في الأكل جماعة وفرادى ﴿بُيُوتاً﴾ المساجد، أو جميع البيوت ﴿عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلكم وعيالكم، أو المساجد، فسلموا على من فيها " ع "، أو بيوت غيركم فسلموا عليهم " ح "، أوبيوتاً فسلموا على أهل دينكم، أو بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلام علينا من ربنا تحية من الله ﴿تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ السلام اسم من أسماء الله - تعالى -، أو الملائكة ترد عليه إذا سلم فيكون ثواباً من عند الله ﴿مُبَارَكَةً﴾ بما فيها من الثواب الجزيل، أو لما يرجى من قبول دعاء المجيب. ﴿إنّما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فإذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفورٌ رحيمٌ ٨﴾
414
٦٢ - ﴿أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ الجهاد، أو طاعة الله، أو الجمعة، أو الاستسقاء والعيدان وكل شيء تكون فيه الخطبة ﴿لِّمَن شِئْتَ﴾ على حسب ما ترى من أعذارهم ونياتهم. قيل نزلت في عمر - رضي الله تعالى عنه - استأذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في غزوة تبوك / [١٢٤ / ب] أن يرجع إلى أهله، فأذن له وكان المنافقون إذا استأذنوه نظر إليهم ولم يأذن، فيقول بعضهم لبعض إن محمداً يزعم أنه بُعث بالعدل وهكذا يصنع بنا ﴿وَاسْتَغْفِرْ﴾ لمن أذنت له لتزول عنه مذمة الانصراف. {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين
414
يتسللون منكم لو أذاّ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما علموا والله بكل شئٍ عليم}
415
٦٣ - ﴿لا تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ﴾ نهى عن التعرض لدعائه بإسخاطه فإن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره " ع "، أو لا تدعونه بالغلطة والجفاء ولكن بالخضوع والتذلل؛ يا رسول الله، يا نبي الله، أو لا تتأخروا عن أمره ولا تقعدوا عن استدعائه إلى الجهاد كما يتأخر بعضهم عن أجابة بعض ﴿الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ﴾ المنافقون يتسللون عن صلاة الجمعة يلوذ بعضهم ببعض استتاراً من الرسول [صلى الله عليه وسلم] ولم يكن أثقل عليهم من الجمعة وحضور الخطبة، أو كانوا يتسللون في الجهاد برجوعهم عنه يلوذ بعضهم ببعض ﴿لِوَاذاً﴾ فراراً من الجهاد " ح " ﴿يُخَالِفُونَ﴾ يعرضون، أو " عن " صلة ﴿عَنْ أَمْرِهِ﴾ أمر الله - تعالى -، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿فتنة﴾ كفر، أوعقوبة، أو بلية تظهر نفاقهم ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ جهنم، أو القتل في الدنيا.
415
سورة الفرقان
مكية أو إلا ثلاث آيات ﴿والذين لا يدعون﴾ [٦٨] إلى ﴿غفورا رحيما﴾ [٧٠]

بسم الله الرحمن الرحيم

تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدره تقديراً واتخذوا من دونه ءالهةً لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً}
416
Icon