تفسير سورة العنكبوت

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة العنكبوت
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. ومدنية كلها في واحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي القول الثاني لهما وهو قول يحيى بن سلام مكية كلها إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى قوله ﴿ وليعلمن المنافقين ﴾١. وقال علي رضي الله عنه نزلت بين مكة والمدينة.
١ هذا القول هو الذي سارت عليه مصاحفنا المتداولة..

﴿الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون﴾ قوله تعالى: ﴿الم. أَحِسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوآ... ﴾ هذا لفظ استفهام أريد به التقرير والتوبيخ وفيه خمسة أقاويل: أحدها: معناه أظن الذين قالوا لا إله إلا الله أن يتركوا فلا يختبروا أصدقوا أم كذبوا. قاله الحسن. الثاني: أظن المؤمنون ألا يؤمروا ولا ينهوا، قاله ابن بحر. الثالث: أظن المؤمنون ألا يؤذوا ويقتلوا. قاله الربيع بن أنس. وقال قتادة: نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت
274
فيهم فلما سمعها خرجوا فقتل منهم من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ الآية. الرابع: أنها نزلت في عمار بن ياسر ومن كان يعذب في الله بمكة، قاله عبيد بن عمير. قال الضحاك: نزلت في عباس بن أبي ربيعة أسلم وكان أخا أبي جهل لأمه أخذه وعذبه على إسلامه حتى تلفظ بكلمة الشرك مكرهاً. الخامس: نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة فلما فرضا شق عليهم فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن أبي حاتم. وفي قوله: ﴿... وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ وجهان: أحدهما: لا يسألون، قاله مجاهد. الثاني: لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله وعن نواهيه. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بما افترضه عليهم. الثاني: بما ابتلاهم به. ﴿فََيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق، قاله ابن شجرة. الثاني: فليميزن الله الذين صدقوا من الكاذبين، قاله النقاش وذكر أن هذه الآية نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر قتله عامر ابن الحضرمي، ويقال إنه أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين وفيه يقول النبي ﷺ يوم بدر (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهجع). قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ قال قتادة: الشرك وزعم أنهم اليهود. ﴿أَن يَسْبِقُونَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يسبقوا ما كتبنا عليهم في محتوم القضاء. الثاني: أن يعجزونا حتى لا نقدر عليهم، وهو معنى قول مجاهد. ويحتمل ثالثاً: أن يفوتونا حتى لا ندركهم.
275
﴿سَآءَ مَا يَحْكُُمُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ساء ما يظنون، قاله ابن شجرة. الثاني: ساء ما يقضون لأنفسهم على أعدائهم، قاله النقاش.
276

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى :﴿ أَحِسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا. . . ﴾ هذا لفظ استفهام أريد به التقرير والتوبيخ وفيه خمسة أقاويل :
أحدها : معناه أظن الذين قالوا لا إله إلا الله أن يتركوا فلا يختبروا أصدقوا أم كذبوا. قاله الحسن.
الثاني : أظن المؤمنون ألا يؤمروا ولا ينهوا، قاله ابن بحر.
الثالث : أظن المؤمنون ألا يؤذوا ويقتلوا. قاله الربيع بن أنس. وقال قتادة : نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت فيهم فلما سمعوها خرجوا فقتل منهم من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾ الآية.
الرابع : أنها نزلت في عمّار بن ياسر ومن كان يعذب في الله بمكة، قاله عبيد بن عمير. قال الضحاك : نزلت في عباس بن أبي ربيعة أسلم وكان أخا أبي جهل لأمه أخذه وعذبه على إسلامه حتى تلفظ بكلمة الشرك مكرهاً.
الخامس : نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة فلما فرضا شقّ عليهم فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن أبي حاتم.
وفي قوله :﴿. . . وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : لا يسألون، قاله مجاهد.
الثاني : لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله وعن نواهيه.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بما افترضه عليهم.
الثاني : بما ابتلاهم به.
﴿ فََيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق، قاله ابن شجرة.
الثاني : فليميزن الله الذين صدقوا من الكاذبين، قاله النقاش وذكر أن هذه الآية نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر قتله عامر ابن الحضرمي. ويقال إنه أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهجع١ ".
١ رواه ابن أبي شيبة في الدلائل..
قوله تعالى :﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ قال قتادة : الشرك وزعم أنهم اليهود.
﴿ أَن يَسْبِقُونَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يسبقوا ما كتبنا عليهم في محتوم القضاء.
الثاني : أن يعجزونا حتى لا نقدر عليهم، وهو معنى قول مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن يفوتونا حتى لا ندركهم.
﴿ سَاءَ مَا يَحْكُُمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ساء ما يظنون، قاله ابن شجرة.
الثاني : ساء ما يقضون لأنفسهم على أعدائهم، قاله النقاش.
﴿من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون﴾ قوله: ﴿مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: من كان يخشى لقاء الله، قاله ابن جبير والسدي. الثاني: من كان يؤمل. وفي ﴿لِقَآءَ اللَّهِ﴾ وجهان: أحدهما: ثواب الله، قاله ابن جبير. الثاني: البعث إليه، قاله يحيى بن سلام. ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ﴾ يعني الجزاء في القيامة فاستعدوا له. ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لمقالتكم. ﴿الْعَلِيمُ﴾ بمعتقدكم.
﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين﴾ قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ فيه وجهان: أحدهما: معناه ألزمناه أن يفعل بهما برّاً، قاله السدي. الثاني: أن ما وصيناه به من برهما حسناً. ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ﴾ أي ألزماك. ﴿لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ وفيه وجهان:
276
أحدهما: ما ليس لك به حجة لأن الحجة طريق العلم. الثاني: أن تجعل لي شريكاً لأنه ليس لأحد بذلك من علم. ﴿فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ فأمر بطاعة الوالدين في الواجبات حتماً وفي المباحات ندباً ونهى عن طاعتهما في المحظورات جزماً، وقد جاء في الأثر. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ يعني في القيامة. ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني في الدنيا من خير يستحق به الثواب وشر يستوجب به عقاب. واختلفواْ في سبب نزولها وإن عم حكمها على قولين: أحدهما: نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد حلفت أمّه عليه وأقسمت ألا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم. قاله مصعب وسعد وقتادة. الثاني: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة.
277
﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون﴾
277
قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاَ مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنهم أعوان الظلمة. الثاني: أنهم أصحاب البدع إذا أُتبِعوا عليها. الثالث: أنهم محدِثو السنن الجائرة إذا عمل بها من بعدهم.
278
قوله تعالى :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاَ مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ فيه وجهان١ :
أحدهما : أنهم أعوان الظلمة.
الثاني : أنهم أصحاب البدع إذا أُتبِعوا عليها.
الثالث : أنهم محدِثو السنن الجائرة إذا عمل بها من بعدهم.
١ لقد أورد المؤلف ثلاثة أوجه..
{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة
278
إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ﴾ روى قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال: (أَوَّلُ نَبِيٍ أُرْسِلَ نُوْحٌ) قال قتادة: وبعث من الجزيرة. ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أن هذا مبلغ عمره كله. قال قتادة: لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة. فإن قيل فلم قال ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ ولم يقل تسعمائة وخمسين عاماً فعنه جوابان: أحدهما: أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكر الألف أفخم في اللفظ وأكثر في العدد. الثاني: ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة راجع في استكمال الألف فذكر الله ذلك تنبيهاً على أن النقيصة كانت من جهته، فهذا قول. والقول الثاني: أنه بعث لأربعين سنة من عمره ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ستين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وخمسين سنة، قاله ابن عباس. الثالث: أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد ذلك سبعين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار. والقول الرابع: أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه داعياً ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة. قاله عون بن أبي شداد. ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن الطوفان المطر، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة والسدي. الثاني: أن الطوفان الغرق، قاله الضحاك. الثالث: أنه الموت، روته عائشة عن النبي ﷺ ومنه قول الشاعر:
٨٩ (أفناهم طوفان موت جارفٍ} ٩
وقيل إن الطوفان كلُّ عامّ من الأذى. وحكى إسماعيل بن عبد الله أن الطوفان كان في نيسان.
279
{وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أو لم يروا كيف
279
يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم} قوله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: يعذب من يشاء بالانقطاع إلى الدنيا، ويرحم من يشاء بالإعراض عنها. الثاني: يعذب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة. الثالث: يعذب من يشاء بسوء الخلق، ويرحم من يشاء بحسن الخلق. الرابع: يعذب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحبهم له. الخامس: يعذب من يشاء بمتابعة البدعة، ويرحم من يشاء بملازمة السنة.
280
قوله تعالى :﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يعذب من يشاء بالانقطاع إلى الدنيا، ويرحم من يشاء بالإعراض عنها.
الثاني : يعذب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة.
الثالث : يعذب من يشاء بسوء الخلق، ويرحم من يشاء بحسن الخلق.
الرابع : يعذب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحبهم له.
الخامس : يعذب من يشاء بمتابعة البدعة، ويرحم من يشاء بملازمة السنّة.
﴿فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾
280
قوله تعالى: ﴿فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ قال ابن إسحاق: آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه. ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ يعني مهاجر عن الظالمين. وفيما هاجر إليه قولان: أحدهما: أنه هاجر إلى حرّان، قاله كعب الأحبار. الثاني: أنه هاجر من كوثي وهو من سواد الكوفة إلى أرض الشام، قاله قتادة. قوله تعالى: ﴿وَءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: الذكر الحسن، قاله ابن عباس. الثاني: رضا أهل الأديان، قاله قتادة. الثالث: النية الصالحة التي اكتسب بها الأجر في الآخرة، قاله الحسن. الرابع: لسان صدق، قاله عكرمة. الخامس: ما أوتي في الدنيا من الأجر، رواه ابن برزة. السادس: الولد الصالح، حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي حتى أن أكثر الأنبياء من ولده. ويحتمل سابعاً: أنه بقاء الصلاة عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء.
281
قوله تعالى :﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ قال ابن إسحاق : آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه.
﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ يعني مهاجر عن الظالمين١.
وفيما هاجر إليه قولان :
أحدهما : أنه هاجر إلى حرّان، قاله كعب الأحبار.
الثاني : أنه هاجر من كوثي وهو من سواد الكوفة إلى أرض الشام، قاله قتادة٢.
١ هكذا في الأصول، وفي القرطبي مهاجرا إلى أرض ربي..
٢ الذي قال إني مهاجر هو إبراهيم وقيل لوط..
قوله تعالى :﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : الذكر الحسن، قاله ابن عباس.
الثاني : رضا أهل الأديان، قاله قتادة.
الثالث : النية الصالحة التي اكتسب بها الأجر في الآخرة، قاله الحسن.
الرابع : لسان صدق، قاله عكرمة.
الخامس : ما أوتي في الدنيا من الأجر، رواه ابن برزة.
السادس : الولد الصالح، حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي حتى أن أكثر الأنبياء من ولده.
ويحتمل سابعاً : أنه بقاء الصلاة عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء.
﴿ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين﴾ قوله تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ أي تنكحون الرجال. ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ فيه ثلاثة أوجه:
281
أحدها: أنه قطع الطريق على المسافر، قاله ابن زيد. الثاني: أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث، حكاه ابن شجرة. الثالث: أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، قال وهب: استغنواْ عن النساء بالرجال. ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيِكُمُ الْمُنكَرَ﴾ أي في مجالسكم المنكر فيه أربعة أوجه: أحدها: هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، قالته عائشة رضي الله عنها. الثاني: أنهم كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه روته أم هانىء عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثالث: أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم، رواه منصور عن مجاهد. الرابع: هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسحاق وحل أزرار القيان في المجلس، رواه الحاكم عن مجاهد.
282
قوله تعالى { أئنكم لتأتون الرجال ) أي تنكحون الرجال.
﴿ وتقطعون السبيل ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قطع الطريق على المسافر، قاله ابن زيد.
الثاني : أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذرا من فعلهم الخبيث، حكاه ابن شجرة.
الثالث : أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال. قال وهب : استغنّوا عن النساء بالرجال.
﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ أي في مجلسكم المنكر فيه أربعة أوجه : أحدها : هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، قالته عائشة رضي الله عنها.
الثاني : أنهم كانوا يخذفون١ من يمر بهم ويسخرون منه روته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث : أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم، رواه منصور عن مجاهد.
الرابع : هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق٢ والسحاق وحل أزرار القيان في المجلس، رواه الحكم عن مجاهد.
١ الخذف: هو الرمي بالحصي..
٢ الجلاهق: البندق الذي يرمى به..
{ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون
282
ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ﴾ يعني آلهة من الأصنام والأوثان عبدوها. ﴿كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً﴾ يعني أنهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً كبيت العنكبوت الذي لا يدفع شيئاً وهو من أبلغ الأمثال فيهم. ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ﴾ لأنه يستر الإبصار ولا يدفع الأيدي، وقد حكي عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله.
283
وقال عطاء: نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم. وجمع العنكبوت عناكب وتصغيره عنيكب.
284
قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ يعني آلهة من الأصنام والأوثان عبدوها.
﴿ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾ يعني أنهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً كبيت العنكبوت الذي لا يدفع شيئاً وهو من أبلغ الأمثال فيهم.
﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ﴾ لأنه يستر الإبصار ولا يدفع الأيدي، وقد حكي عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله.
وقال عطاء : نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وجمع العنكبوت عناكب وتصغيره عنيكب.
﴿خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون﴾ قوله تعالى: ﴿اتْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني القرآن وهذا خطاب للنبي ﷺ أن يتلو ما أنزل منه على أمته. ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه القرآن، قاله ابن عمر. الثاني: أنه الصلاة المفروضة. قاله ابن عباس. الثالث: أن الصلاة هنا هي الدعاء ومعناه قم بالدعاء إلى أمر الله، قاله ابن بحر. ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ﴾ الفحشاء الزنى والمنكر الشرك، قاله ابن عباس. ثم فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، قاله الكلبي وابن زيد وحماد بن أبي سليمان. الثاني: تنهى عن الفحشاء والمنكر قبلها وبعدها روى طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن لَّمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً)
284
الثالث: إن ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاله ابن زيد. ﴿وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ فيه سبعة تأويلات:: أحدها: ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، قاله ابن عباس. الثاني: ولذكر الله أفضل من كل شيء، قاله سلمان. الثالث: ولذكر الله في الصلاة التي أنت فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون. الرابع: ولذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة، قاله أبو مالك. الخامس: ولذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم. السادس: أكبر من قيامكم بطاعته. السابع: أكبر من أن يبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر.
285
قوله تعالى :﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتلو ما أنزل منه على أمته.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه القرآن، قاله ابن عمر.
الثاني : أنه الصلاة المفروضة. قاله ابن عباس.
الثالث : أن الصلاة هنا هي الدعاء ومعناه قم بالدعاء إلى أمر الله، قاله ابن بحر.
﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ الفحشاء الزنى والمنكر الشرك، قاله ابن عباس.
ثم فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، قاله الكلبي وابن زيد وحماد بن أبي سليمان.
الثاني : تنهى عن الفحشاء والمنكر قبلها وبعدها روى طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَن لَّمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً١ "
الثالث : إن ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاله ابن بحر.
﴿ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، قاله ابن عباس.
الثاني : ولذكر الله أفضل من كل شيء، قاله سلمان.
الثالث : ولذكر الله في الصلاة التي أنت فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون.
الرابع : ولذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة، قاله أبو مالك.
الخامس : ولذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم.
السادس : أكبر من قيامكم بطاعته.
السابع : أكبر من أن يبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر.
١ أخرجه الطبراني والدارقطني وأحمد وعبد الرزاق..
﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾ قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلأَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات:
285
أحدها: أن ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس. الثاني: الكف عنهم عند بذل الجزية منهم وقتالهم إن أبوا، قاله مجاهد. الثالث: أنهم إن قالوا شراً فقولوا لهم خيراً، رواه ابن أبي نجيح. ويحتمل تأويلاً رابعاً: وهو أن يحتج لشريعة الإٍسلام ولا يذم ما تقدمها من الشرائع. ﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمُ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنهم أهل الحرب، قاله مجاهد. الثاني: من منع الجزية منهم، رواه خصيف. الثالث: ظلموا بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم، قاله ابن زيد. الرابع: ظلموا في جدالهم فأغلظوا لهم، قاله ابن عيسى. واختلف في نسخ ذلك على قولين: أحدهما: أنها منسوخة؛ قاله قتادة. الثاني: أنها ثابتة. ﴿وَقُولُواْءَآمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلِيْكُمْ﴾ الآية، فروى سلمة عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأُون التوراة بالعبرانية فيفسرونها بالعربية لأهل الإٍسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُصَدِّقُواْ أَهْلَ الكِتابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُم ﴿وَقُولُواْءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ إلى قوله ﴿مُسْلِمُونَ﴾) أي مخلصون وفيه قولان: أحدهما: أنه يقوله لأهل الكتاب، قاله مجاهد. الثاني: يقوله لمن آمن، قاله السدي.
286
﴿وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ فيه قولان: أحدهما: معناه ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن﴾ قبل القرآن كتاباً من كتب الله المنزلة ولا تخطه أي تكتبه بيمينك فتعلم ما أنزل الله فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه إنه من وحي الله سبحانه إليك وهو معنى قول يحيى بن سلام. الثاني: أنه كان أهل الكتاب يجدونه في كتبهم أن محمداً لا يخط بيمينه ولا يقرأ كتاباً فنزل ذلك فيهم ليدلهم على صحة نبوته، وهو معنى قول مجاهد. ﴿إِذَاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم مشركو قريش، قاله مجاهد. الثاني: مشركو العرب أن يقولوا لو كان يقرأ قد تعلمه من غيره، قاله قتادة. الثالث: أنهم المكذبون من اليهود، قاله السدي. قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه النبي ﷺ في كونه أمياً لا يكتب ولا يقرأ ﴿ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه الصفة، قاله الضحاك. الثاني: أنه القرآن ﴿ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ وهم النبي ﷺ والمؤمنون به، قاله الحسن. قال الحسن: أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرأُون كتابهم إلا نظراً فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين. وقال كعب في صفة هذه الأمة: إنهم حلماء علماء كأنهم في الفقه أنبياء.
287
﴿وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ﴾ قال ابن عباس: المشركون.
288
قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : معناه ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن ﴾ قبل القرآن كتاباً من كتب الله المنزلة ولا تخطه أي تكتبه بيمينك فتعلم ما أنزل الله فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه إنه من وحي الله سبحانه إليك وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : أنه كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً لا يخط بيمينه ولا يقرأ كتاباً فنزل ذلك فيهم ليدلهم على صحة نبوته، وهو معنى قول مجاهد.
﴿ إِذَاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم مشركو قريش، قاله مجاهد.
الثاني : مشركو العرب أن يقولوا لو كان يقرأ قد تعلمه من غيره، قاله قتادة.
الثالث : أنهم المكذبون من اليهود، قاله السدي.
قوله تعالى :﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه النبي صلى الله عليه وسلم في كونه أمياً لا يكتب ولا يقرأ ﴿ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه الصفة، قاله الضحاك.
الثاني : أنه القرآن ﴿ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به، قاله الحسن.
قال الحسن : أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرؤون كتابهم إلا نظراً فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين.
وقال كعب في صفة هذه الأمة : إنهم حلماء علماء كأنهم في الفقه أنبياء.
﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ ﴾ قال ابن عباس : المشركون.
﴿وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون﴾ قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِءَايَاتٌ مِّن رَّبِهِ﴾ وفيه قولان: أحدهما: أنهم كانواْ يسألونه آيات يقترحونها عليه كما كان يفعله مشركو قريش أن يجعل الصفا ذهباً وأن يجري بمكة نهراً. الثاني: أنهم سألوه مثل آيات الأنبياء قبله كما جاء صالح بالناقة وموسى بالعصا وعيسى بإحياء الموتى. ﴿قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ أي أن الله هو الذي يعطي ما يشاء من الآيات لمن يشاء من الأنبياء بحسب ما يرى من المصلحة ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها وإنما جاء كل نبي بنوع منها. ﴿وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ يعني أن النبي ﷺ مندوب للإنذار والبيان لا لما يقترح عليه من الآيات وإنما يلزم أن يأتي بما يشهد بصدقه من المعجزات وقد فعل الله ذلك فأجابهم به فقال. ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ يعني القرآن يتلى عليهم وفيه وجهان: أحدهما: أولم يكفهم من الآيات التي سألوها أنا أنزلنا عليك الكتاب آية لك ودليلاً على صدقك لما فيه من الإعجاز في نظمه وصدق خبره وصحة وعده؟ الثاني: أنه محمول على ما رواه عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: أتي
288
النبي ﷺ بكتاب في كتف فقال: كفى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكَتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يعني استنقاذهم من الضلال، وبالذكرى إرشادهم إلى الحق. ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي يريدون الإيمان ولا يقصدون العناد. قوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شِهِيداً﴾ يعني شهيداً بالصدق والإبلاغ، وعليكم بالتكذيب والعناد. ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم لأنهم قد أقرواْ بعلمه فلزمهم أن يقرواْ بشهادته. ﴿وَالَّذِينَءَامَنُواْ بِالْبَاطِلِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بإبليس، قاله يحيى بن سلام. الثاني: بعبادة الأَوثان والأصنام، قاله ابن شجرة. ﴿وَكَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتبه. الثاني: بما أشركوه معه من الآلهة وأضافوه إليه من الأولاد والأنداد. ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: خسروا أنفسهم بإهلاكها، قاله علي بن عيسى. الثاني: خسروا في الآخرة نعيم الجنة بعذاب النار، قاله يحيى بن سلام.
289
﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ يعني القرآن يتلى عليهم وفيه وجهان :
أحدهما : أولم يكفهم من الآيات التي سألوها أنا أنزلنا عليك الكتاب آية لك ودليلاً على صدقك لما فيه من الإعجاز في نظمه وصدق خبره وصحة وعده.
الثاني : أنه محمول على ما رواه عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب في كتف فقال : كفى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكَتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾. الآية١
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ يعني [ بالرحمة ] استنقاذهم من الضلال، وبالذكرى إرشادهم إلى الحق.
﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يريدون الإيمان ولا يقصدون العناد.
١ رواه الدارمي في المقدمة ٤٢..
قوله تعالى :﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شِهِيداً ﴾ يعني شهيداً بالصدق والإبلاغ، وعليكم بالتكذيب والعناد.
﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته.
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بإبليس، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : بعبادة الأَوثان والأصنام، قاله ابن شجرة.
﴿ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتبه.
الثاني : بما أشركوه معه من الآلهة وأضافوه إليه من الأولاد والأنداد.
﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما :<خسروا أنفسهم بإهلاكها، قاله علي بن عيسى.
الثاني>١ : خسروا في الآخرة نعيم الجنة بعذاب النار قاله يحيى بن سلام.
١ سقط من ك..
﴿ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون﴾ قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ فيه وجهان:
289
أحدهما: أن استعجالهم له شدة عنادهم لنبيه. الثاني: أنه استهزاؤهم بقولهم: ﴿إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِن عِندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية. ﴿وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه يوم القيامة، قاله ابن جبير. الثاني: أجل الحياة إلى حين الموت وأجل الموت إلى حين البعث إليه بين أجلين من الله، قاله قتادة. الثالث: أنه النفخة الأولى، قاله يحيى بن سلام. ﴿لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ يعني الذي استعجلوه. ﴿وَلَيِأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً﴾ أي فجأة. ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ لا يعلمون بنزوله بهم. روى نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَْكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ تَصِلُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
290
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٣:قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن استعجالهم له شدة عنادهم لنبيه.
الثاني : أنه استهزاؤهم بقولهم :﴿ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِن عِندِكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] الآية.
﴿ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه يوم القيامة، قاله ابن جبير.
الثاني : أجل الحياة إلى حين الموت وأجل الموت إلى حين البعث إليه بين أجلين من الله، قاله قتادة.
الثالث : أنه النفخة الأولى، قاله يحيى بن سلام.
﴿ لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ يعني الذي استعجلوه.
﴿ وليأتينهم بَغْتَةً ﴾ أي فجأة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ لا يعلمون بنزوله بهم.
روى نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أكلته إِلَى فِيهِ فما تَصِلُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ١ ".
١ رواه البخاري ومسلم من حديث طويل من أشراط الساعة..

﴿يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون﴾
290
قوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَءَآمَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أي جانبوا أهل المعاصي بالخروج من أرضهم، قاله ابن جبير وعطاء. الثاني: اطلبوا أولياء الله إذا ظهروا بالخروج إليهم، قاله أبو العالية. الثالث: جاهدوا أعداء الله بالقتال لهم، قاله مجاهد. الرابع: إن رحمتي واسعة لكم، قاله مطرف بن عبد الله. الخامس: إن رزقي واسع لكم، وهو مروي عن مطرف أيضاً. ﴿فَإِيَّايَ فَاعْبدُونِ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: فارهبون، قاله بلال بن سعد. الثاني: فاعبدون بالهجرة إلى المدينة، قاله السدي. الثالث: فاعبدون بألا تطيعوا أحداً في معصيتي، قاله علي بن عيسى. قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾ وفيه وجهان: أحدهما: يعني أن كل حي ميت. الثاني: أنها تجد كربه وشدته، وفي إعلامهم بذلك وإن كانوا يعلمونه وجهان: أحدهما: إرهاباً بالموت ليقلعوا عن المعاصي. الثاني: ليعلمهم أن أنبياء الله وإن اختصوا بكرامته وتفردوا برسالته فحلول الموت بهم كحلوله بغيرهم حتى لا يضلوا بموت من مات منهم، وروى جعفر
291
الصادق عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال لما توّفي رسول الله ﷺ جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمُوتِ﴾، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخَلَفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت؛ فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حُرِمَ الثواب. ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ يريد البعث في القيامة بعد الموت في الدنيا. قوله تعالى: ﴿... لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿لَنُثَوِّيَنَّهُم﴾ بالثاء من الثواء وهو طول المقام وقرأ الباقون بالباء ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُم﴾ معناه لنسكننهم أعالي البيوت. وإنما خصهم بالغرف لأمرين: أحدهما: أن الغرف لا تستقر إلا فوق البيوت فصار فيها جمع بين أمرين. الثاني: لأنها أنزه من البيوت لإشرافها وألذ سكنى منها لرياحها وجفافها. وقد روى أبو مالك الأشعري عن النبي ﷺ أنه قال: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِها، وَبَاطِنُها مِن ظَاهِرِهَا، أَعدَّهَا اللَّهُ لِمَن أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَطَابَ الكَلاَمَ وَتَابَعَ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَقَامَ باللِّيلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ). قوله: ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ فيه أربعة أقاويل:
292
أحدها: معناه تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً، قاله مجاهد. الثاني: تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها، قاله الحسن. الثالث: يأتيها من غير طلب. الرابع: أنه النبي ﷺ يكل ولا يدخر، حكاه النقاش. قال ابن عباس: الدواب هو كل ما دب من الحيوان. وكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر. ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ أي يسوي بين الحريص المتوكل في رزقه وبين الراغب القانع وبين الجلود والعاجز حتى لا يغتر الجلْد أنه رزق بجلده ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية لما أُذن لرسول الله ﷺ في الهجرة وأمر المسلمين بها خافوا الضيعة والجوع فقال قوم نهاجر إلى بلد ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجرواْ.
293
قوله :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : يعني أن كل حي ميت.
الثاني : أنها تجد كربه وشدته، وفي إعلامهم بذلك وإن كانوا يعلمونه وجهان :
أحدهما : إرهاباً بالموت ليقلعوا عن المعاصي.
الثاني : ليعلمهم أن أنبياء الله وإن اختصوا بكرامته وتفردوا برسالته فحلول الموت بهم كحلوله بغيرهم حتى لا يضلوا بموت من مات منهم، وروى جعفر الصادق عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال لما توّفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمُوتِ ﴾، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخَلَفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت ؛ فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنّ المصابّ من حُرِمَ الثواب.
﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ يريد البعث في القيامة بعد الموت في الدنيا.
قوله تعالى :﴿. . . لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً ﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿ لَنُثَوِّيَنَّهُم ﴾ بالثاء، من الثواء وهو طول المقام وقرأ الباقون بالباء ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُم ﴾ معناه لنسكننهم أعالي البيوت. وإنما خصهم بالغرف لأمرين :
أحدهما : أن الغرف لا تستقر إلا فوق البيوت فصار فيها جمع بين الأمرين.
الثاني : لأنها أنزه من البيوت لإشرافها وألذ سكنى منها لرياحها وجفافها.
وقد روى أبو مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِها، وَبَاطِنُها مِن ظَاهِرِهَا، أَعدَّهَا اللَّهُ لِمَن أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَطَابَ الكَلاَمَ وَتَابَعَ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَقَامَ باللِّيلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ١ ".
١ أخرجه الترمذي في البر، وأحمد في المسند ١/ ١٦٥.
قوله :﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : معناه تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً، قاله مجاهد.
الثاني : تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها، قاله الحسن.
الثالث : يأتيها من غير طلب.
الرابع : أنه النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ولا يدخر، حكاه النقاش.
قال ابن عباس : الدواب هو كل ما دب من الحيوان، وكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر.
﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ أي يسوّي بين الحريص والمتوكل في رزقه وبين الراغب والقانع وبين الحيول١ والعاجز حتى لا يغتر الجلْد أنه رزق بجلده ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية لما أُذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة وأمر المسلمين بها خافوا الضيعة والجوع فقال قوم نهاجر إلى بلد ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجروا.
١ الحيول: ذو الحبلة..
﴿وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ قال الضحاك: الحياة الدائمة وقال أبو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.
﴿أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾
293
قوله: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماًءَآمِناً﴾ قال عبد الرحمن بن زيد: هي مكة وهم قريش أمنهم الله بها. ﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ قال الضحاك: يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً فأذكرهم الله بهذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة. ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أفبالشرك، قاله قتادة. الثاني: بإبليس، قاله يحيى بن سلام. ﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: بعافية الله، قاله ابن عباس. الثاني: بعطاء الله وإحسانه، قاله ابن شجرة. الثالث: ما جاء به النبي ﷺ من الهدى، قاله يحيى بن سلام. الرابع: بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف، حكاه النقاش، وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الاستفهام. قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ بأن جعل لله شريكاً أو ولداً. ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: بالتوحيد، قاله السدي. الثاني: بالقرآن، قاله يحيى بن سلام. الثالث: بمحمد ﷺ، قاله ابن شجرة. ﴿مَثْوًى... ﴾ أي مستقراً. قوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: قاتلوا المشركين طائعين لنا. الثاني: جاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً منا. الثالث: اجتهدوا في العمل بالطاعة والكف عن المعصية رغبة في ثوابنا وحذراً من عقابنا. الرابع: جاهدوا أنفسهم في التوبة من ذنوبهم.
294
﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يعني الطريق إلى الجنة، قاله السدي. الثاني: نوفقهم لدين الحق، حكاه النقاش. الثالث: معناه الذين يعملون بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون، قاله عباس أبو أحمد. الرابع: معناه لنخلصنّ نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم، قاله يوسف بن أسباط. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي في العون لهم، الله أعلم.
295
سورة الروم

بسم الله الرحمن الرحيم

296
قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾ بأن جعل لله شريكاً أو ولداً.
﴿ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بالتوحيد، قاله السدي.
الثاني : بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن شجرة.
﴿ مَثْوًى. . . ﴾ أي مستقراً.
قوله :﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : قاتلوا المشركين طائعين لنا.
الثاني : جاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً منا.
الثالث : اجتهدوا في العمل بالطاعة والكف عن المعصية رغبة في ثوابنا وحذراً من عقابنا.
الرابع : جاهدوا أنفسهم في التوبة من ذنوبهم.
﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني الطريق إلى الجنة، قاله السدي.
الثاني : نوقفهم لدين الحق، حكاه النقاش.
الثالث : معناه الذين يعملون بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون، قاله عباس أبو أحمد.
الرابع : معناه لنخلصنّ نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم، قاله يوسف بن أسباط.
﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي في العون لهم، الله أعلم.
Icon