ﰡ
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
بسم الله كلمة ما استولت على قلب فقير فأقلقته، وما تمكّنت من سرّ متيّم فشتّته، وما استولت على روح محبّ فرحمته «١». كلمة قهّارة للقلوب.. ولكن لا لكلّ قلب، كلمة لا سبيل لها لكلّ عقل، كلمة تكتفى من العابدين بقراءتهم لها، ولكنها لا ترضى من المحبين إلا ببذل أرواحهم فيها.
قوله جل ذكره:
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١ الى ١٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣)
الفجر انفجار الصّبح وهو اثنان: مستطيل وقصير «٢» ففى التفسير: إنه فجر المحرّم لأنه ابتداء السنة كلها، وقيل: فجر ذى الحجة.
ويقال: هو الصخور ينفجر منها الماء.
ويقال: أقسم به لأنّه وقت عبادة الأولياء عند افتتاحهم النهار.
«وَلَيالٍ عَشْرٍ» قيل: هى عشر ذى الحجة، ويقال: عشر المحرم لأن آخرها عاشوراء.
ويقال: العشر الأخيرة من رمضان.
ويقال: هى العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام تمّ به ميعاده بقوله:
وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ».
(٢) فى النسختين (مستطيل ومستطير) ولم نفهم المقصود، فوضعنا (قصير) محل مستطير كى يكون هناك بين فجر لعام كامل. وفجر ليوم واحد- والله سبحانه وتعالى أعلم.
«وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ» جاء في التفاسير: الشفع يوم النّحر، والوتر يوم عرفة «٢».
ويقال: آدم كان وترا فشفع بزوجته حواء.
وفي خبر: إنها الصلوات منها وتر (كصلاة المغرب) ومنها شفع كصلاة الصّبح.
ويقال: الشفع الزوج من العدد، والوتر الفرد من العدد.
ويقال: الشفع تضادّ أوصاف الخلق: كالعلم والجهل، والقدرة والعجز، والحياة والموت. والوتر انفراد صفات الله سبحانه عمّا يضادّها علم بلا جهل، وقدرة بلا عجز، وحياة بلا موت.
ويقال: الشفع الإرادة والنية، والوتر الهمّة لا تكتفى بالمخلوق ولا سبيل لها إلى الله- لتقدّسه عن الوصل والفصل. فبقيت الهمّة غريبة.
ويقال: الشفع الزاهد والعابد، لأن لكل منهما شكلا وقرينا، والوتر المريد فهو كما قيل:
فريد من الخلّان في كل بلدة | إذا عظم المطلوب قلّ المساعد |
قوله جل ذكره: «هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ؟» «حِجْرٍ». لبّ. وجواب القسم: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ».
(٢) يوم عرفة وتر، لأنه تاسع الأيام العشرة، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها.. وقد روى حديث بهذا المعنى عن جابر بن عبد الله.
ذكر قصص هؤلاء المتقدمين.. إلى قوله: «فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ» أي: شدة العذاب.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٤ الى ١٧]
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧)
لا يفوته شىء.
قوله جل ذكره: «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ» «فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ» : أي: شكره.
«فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ». أي: ضيّق، «فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ». أي: أذلّنى. كلا.. ليس الإذلال بالفقر إنما الإذلال بالخذلان للعصيان «١».
قوله جل ذكره: «كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ» أي: أنتم تستحقون الإهانة على هذه الخصال المذمومة فلا تكرمون اليتيم.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٩ الى ٢٥]
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣)
يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥)
لمّا. أي شديدا.
«وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا» جمّا أي كثيرا.
التوفيق الطاعة.. وكلاهما من الله.
«وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» «وَجاءَ رَبُّكَ» أي الملائكة بأمره «١».
ويقال: يفعل فعلا فيسميه مجيئا.
«وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى؟!» يقال: تقاد جهنم بسبعين ألف زمام»
وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسان.. ولا ينفعه التذكّر، ولا يقبل منه العذر.
«يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي» أي: أطعت ربّى ونظرت لنفسى.
«فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ» أي: لا يعذّب في الدنيا أحد مثلما يعذّبه الله في ذلك اليوم.. إذا قرئت الذال بالكسر.
أما إذا قرئت بالفتح «٣» «لا يُعَذِّبُ» فالمعنى: لا يعذّب أحد مثلما يعذّب هذا الكافر «٤».
قوله جل ذكره:
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
(٢) «... كل زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيظ وزفير، حتى تنصب عن يسار العرش» (ابن مسعود) وفي صحيح مسلم حديث يرويه ابن مسعود بهذا المعنى.
(٣) بالفتح قراءة الكسائي «لا يُعَذِّبُ» «وَلا يُوثِقُ». [.....]
(٤) قيل: هو إبليس لأنه أشد المخلوقات عذابا، وقيل «هو أمية بن خلف لتناهيه في كفره وعناده.
ويقال: المطمئنة بالمعرفة: ويقال: المطمئنة بذكر الله.
ويقال: بالبشارة بالجنة. ويقال: النفس المطمئنة: الروح الساكنة «١» «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً» راضية «٢» عن الله، مرضية من قبل الله.
«فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» أي: فى عبادى الصالحين.
(٢) وردت (من) ولكننا وجدنا أن المعنى حينئذ لن يتغير فيما بين اسم الفاعل واسم المفعول، فوضعنا (عن) بدلا من (من) مسترشدين بقوله تعالى: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ». وإن كنا لا نستبعد أن (من) تؤدى معنى صوفيا: هو أنه حتى رضاهم عن الله (من) الله، فليس للعبد حول ولا طول حتى يرضى أو يسخط... إلا إذا كان ثمة فضل إلهى (من) الله.