تفسير سورة سورة البقرة من كتاب النكت والعيون
المعروف بـالماوردي
.
لمؤلفه
الماوردي
.
المتوفي سنة 450 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
قوله تعالى :﴿ الم ﴾ اختلف فيه المفسرون على ثمانية أقاويل :
أحدها : أنه اسم من أسماء القرآن كالفرقان والذكر، وهو قوله قتادة وابن جريج ( ٨٨ ).
والثاني : أنه من أسماء السور، وهو قول زيد ابن أسلم.
والثالث : أنه اسم الله الأعظم، وهو قول السدي والشعبي.
والرابع : أنه قسم أقسم الله تعالى به، وهو من أسمائه، وبه قال ابن عباس وعكرمة.
والخامس : أنها حروف مقطعة من أسماء وأفعال، فالألف من أنا واللام من الله، والميم من أعلم، فكان معنى ذلك : أنا الله أعلم، وهذا قول ابن مسعود وسعيد بن جبير، ونحوه عن ابن عباس أيضاً.
والسادس : أنها حروف يشتمل كل حرف منها على معانٍ مختلفة، فالألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والألف آلاء الله، والميم مجدُه، والألِفُ سَنَةٌ، واللامُ ثلاثون سنة، والميم أربعون سنة، آجال قد ذكرها الله.
والسابع : أنها حروف من حساب الجمل، لما جاء في الخبر عن ( ٩١ ) عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله، قال : مَرَّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة الكتاب وسورة البقرة :﴿ الم. ذلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ فأتى أخاه حُيَيَّ بْنَ أَخْطبَ في رجال من اليهود إلى رسول الله ﷺ فقالوا : يا محمد ألم تذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل اللهُ عليك :﴿ الم. ذلك الكِتَابُ ﴾ فقال رسول الله ﷺ :« بلى »، فقالوا :« أجاءك بها جبريل من عند الله ». قال :« نعم »، قالوا :« لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلم أنه بُيِّنَ لنبي منهم مدة ملكه وما أُكل أمته غيرك »، فقال حُيَيُّ بن أخطب وأقبل على من كان معه، فقال لهم :« الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة »، ثم أقبل على رسول الله ﷺ، ثم قال :« يا محمد هل كان مع هذا غيره » ؟، قال :« نعم »، قال :« ماذا » ؟ قال :« المص »، قال هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، فهل مع هذا يا محمد غيره «، قال :» نعم «، قال :» ماذا « قال :» الر « قال :» هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتان سنةٍ، فهل مع هذا يا محمد غيره «، قال :» نعم « قال :» ماذا « ؟، قال :» المر «، قال هذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة.. ، ثم قال :» لقد التبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً «، ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه حُيَيَّ بن أخطبَ ولمن معه من الأحبار :» ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون سنة «، قالوا :» لقد تشابه علينا أمره «. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم :﴿ هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾.
أحدها : أنه اسم من أسماء القرآن كالفرقان والذكر، وهو قوله قتادة وابن جريج ( ٨٨ ).
والثاني : أنه من أسماء السور، وهو قول زيد ابن أسلم.
والثالث : أنه اسم الله الأعظم، وهو قول السدي والشعبي.
والرابع : أنه قسم أقسم الله تعالى به، وهو من أسمائه، وبه قال ابن عباس وعكرمة.
والخامس : أنها حروف مقطعة من أسماء وأفعال، فالألف من أنا واللام من الله، والميم من أعلم، فكان معنى ذلك : أنا الله أعلم، وهذا قول ابن مسعود وسعيد بن جبير، ونحوه عن ابن عباس أيضاً.
والسادس : أنها حروف يشتمل كل حرف منها على معانٍ مختلفة، فالألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والألف آلاء الله، والميم مجدُه، والألِفُ سَنَةٌ، واللامُ ثلاثون سنة، والميم أربعون سنة، آجال قد ذكرها الله.
والسابع : أنها حروف من حساب الجمل، لما جاء في الخبر عن ( ٩١ ) عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله، قال : مَرَّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة الكتاب وسورة البقرة :﴿ الم. ذلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ فأتى أخاه حُيَيَّ بْنَ أَخْطبَ في رجال من اليهود إلى رسول الله ﷺ فقالوا : يا محمد ألم تذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل اللهُ عليك :﴿ الم. ذلك الكِتَابُ ﴾ فقال رسول الله ﷺ :« بلى »، فقالوا :« أجاءك بها جبريل من عند الله ». قال :« نعم »، قالوا :« لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلم أنه بُيِّنَ لنبي منهم مدة ملكه وما أُكل أمته غيرك »، فقال حُيَيُّ بن أخطب وأقبل على من كان معه، فقال لهم :« الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة »، ثم أقبل على رسول الله ﷺ، ثم قال :« يا محمد هل كان مع هذا غيره » ؟، قال :« نعم »، قال :« ماذا » ؟ قال :« المص »، قال هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، فهل مع هذا يا محمد غيره «، قال :» نعم «، قال :» ماذا « قال :» الر « قال :» هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتان سنةٍ، فهل مع هذا يا محمد غيره «، قال :» نعم « قال :» ماذا « ؟، قال :» المر «، قال هذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة.. ، ثم قال :» لقد التبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً «، ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه حُيَيَّ بن أخطبَ ولمن معه من الأحبار :» ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة سنة وأربع وثلاثون سنة «، قالوا :» لقد تشابه علينا أمره «. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم :﴿ هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾.
8
والثامن ( ٩٢ ) : أنه حروف هجاء أَعلم الله تعالى بها العَرَب حين تحداهم بالقرآن، أنه مُؤلَف من حروف كلام، هي هذه التي منها بناء كلامهم ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم، إذ لم يخرج عن كلامهم.
فأما حروف أبجدَ فليس بناء كلامهم عليها، ولا هي أصل، وقد اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها الأيام الستة، التي خلق الله تعالى فيها الدنيا، وهذا قول الضحاك بن مزاحم ( ٩٣ ).
والثاني : أنها أسماء ملوك مَدْيَن، وهذا قول الشعبي وفي قول بعض شعراء مَدْيَن دليل على ذلك قال شاعرهم :
والثالث : ما روى ميمون بن مهران ( ٩٤ )، عن ابن عباس، أن لأبي جاد حديثاً عجباً :( أبى ) آدمُ الطاعة، و ( جد ) في أكل الشجرة، وأما ( هوّز )، فنزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض، وأما ( حطي ) فحطت خطيئته، وأما ( كلمن ) فأكل من الشجرة، ومَنَّ عليه بالتوبة، وأما ( سعفص ) فعصى آدم، فأُخرج من النعيم إلى النكد، وأما قرشت فأقرّ بالذنب، وسَلِمَ من العقوبة ( ٩٥ ).
والرابع : أنها حروف من أسماء الله تعالى، روى ذلك معاوية بن قرة ( ٩٦ )، عن أبيه، عن النبي ﷺ ( ٩٧ ).
فأما حروف أبجدَ فليس بناء كلامهم عليها، ولا هي أصل، وقد اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها الأيام الستة، التي خلق الله تعالى فيها الدنيا، وهذا قول الضحاك بن مزاحم ( ٩٣ ).
والثاني : أنها أسماء ملوك مَدْيَن، وهذا قول الشعبي وفي قول بعض شعراء مَدْيَن دليل على ذلك قال شاعرهم :
أَلاَ يَا شُعَيْبٌ قَدْ نَطَقْتَ مَقَالةً | سَبَبْتَ بِهَا عَمْراً وَحَيَّ بني عَمْرو |
مُلُوكُ بني حطّى وَهَوَّزُ مِنْهُمُ | وَسَعْفَصُ أَصْلٌ لِلْمَكَارِمِ وَالْفَخْرِ |
هُمُ صَبَّحُوا أَهْلَ الحِجَازِ بغارَةٍ | كَمِثْل شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ مَطْلَعِ الْفَجْرِ |
والرابع : أنها حروف من أسماء الله تعالى، روى ذلك معاوية بن قرة ( ٩٦ )، عن أبيه، عن النبي ﷺ ( ٩٧ ).
9
قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ الكِتَابُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني التوراة والإنجيل، ليكون إخباراً عن ماضٍ.
والثاني : يعني به ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة والمدينة، وهذا قول الأصم.
والثالث : يعني هذا الكتاب، وقد يستعمل ذلك في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعاً للإشارة إلى غائب، قال خُفاف بن ندبة :
ومن قال بالتأويل الأول : أن المراد به التوراة والإنجيل، اختلفوا في المخاطب به على قولين :
أحدهما : أن المخاطب به النبي ﷺ، أي ذلك الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل، هو الذي أنزلته عليك يا محمد.
والقول الثاني : أن المخاطب به اليهود والنصارى، وتقديره : أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب، الذي أنزلته على محمد عليه وعلى آله السلام. قوله تعالى :﴿ لاَ رَيْبَ فيهِ ﴾ وفيه تأويلان :
أحدهما : أن الريب هو الشك، وهو قول ابن عباس، ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَى :
والتأويل الثاني : أن الريب التهمة ومنه قول جميل :
بُثَيْنَةُ قالتْ : يا جَمِيلُ أَرَبْتَنِيُ... فَقُلْتُ : كِلاَنَا يَا بُثَيْنَ مُرِيب
قوله عزَّ وجلَّ :﴿ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾، يعني به هدىً من الضلالة.
وفي المتقين ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدَّوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني : أنهم الذين يحذرون من الله تعالى عقوبته ويرجون رحمته وهذا قول ابن عباس.
والثالث : أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا فاسد، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق وإنما خص به المتقين، وإن كان هدىً لجميع الناس، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.
أحدها : يعني التوراة والإنجيل، ليكون إخباراً عن ماضٍ.
والثاني : يعني به ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة والمدينة، وهذا قول الأصم.
والثالث : يعني هذا الكتاب، وقد يستعمل ذلك في الإشارة إلى حاضر، وإن كان موضوعاً للإشارة إلى غائب، قال خُفاف بن ندبة :
أَقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنُهُ | تَأَمَّلْ خُفَافاً إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا |
أحدهما : أن المخاطب به النبي ﷺ، أي ذلك الكتاب الذي ذكرته في التوراة والإنجيل، هو الذي أنزلته عليك يا محمد.
والقول الثاني : أن المخاطب به اليهود والنصارى، وتقديره : أن ذلك الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب، الذي أنزلته على محمد عليه وعلى آله السلام. قوله تعالى :﴿ لاَ رَيْبَ فيهِ ﴾ وفيه تأويلان :
أحدهما : أن الريب هو الشك، وهو قول ابن عباس، ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَى :
لَيْسَ في الْحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ | إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الْجَهُولُ |
بُثَيْنَةُ قالتْ : يا جَمِيلُ أَرَبْتَنِيُ... فَقُلْتُ : كِلاَنَا يَا بُثَيْنَ مُرِيب
قوله عزَّ وجلَّ :﴿ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾، يعني به هدىً من الضلالة.
وفي المتقين ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدَّوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني : أنهم الذين يحذرون من الله تعالى عقوبته ويرجون رحمته وهذا قول ابن عباس.
والثالث : أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا فاسد، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق وإنما خص به المتقين، وإن كان هدىً لجميع الناس، لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه.
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبَ ﴾
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يصدقون بالغيب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : يخشون بالغيب، وهذا قول الربيع بن أنس ( ١٠٠ ).
وفي الأصل الإيمان ( ١٠١ ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أن أصله التصديق، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ أي بمصدِّق لنا.
والثاني : أن أصله الأمان فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه.
والثالث : أن أصله الطمأنينة، فقيل للمصدق بالخبر مؤمن، لأنه مطمئن. وفي الإيمان ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنّ الإيمان اجتناب الكبائر.
والثاني : أن كل خصلة من الفرائض إيمان.
والثالث : أن كل طاعةٍ إيمان.
وفي الغيب ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما جاء من عند الله، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه القرآن، وهو قول زر بن حبيش.
والثالث : الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور.
﴿ وَيُقِيمونَ الصَّلوة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ٣ ) ﴾
وفي قوله تعالى :﴿ وَيُقِيمُون الصَّلاَةَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : يؤدونها بفروضها.
والثاني : أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها، وهذا قول ابن عباس.
واختُلف لِمَ سُمِّي فعل الصلاة على هذا الوجه إقامةً لها، على قولين :
أحدهما : من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه.
والثاني : أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها، لما فيها من القيام فلذلك قيل : قد قامت الصلاة.
وفي قوله :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : إيتاء الزكاة احتساباً لها، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : نفقة الرجل على أهلِهِ، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى، وهذا قول الضحاك :
وأصل الإنفاق الإخراج، ومِنْهُ قيل : نَفَقَتِ الدابة إذا خرجت رُوحها.
واختلف المفسرون، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه، على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم، لأنه قال بعد هذا :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ يعني به أهْلَ الكتاب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب، لأنه ذكرهم في بعضها.
والثالث : أن الآيات الأربع من أول السورة، نزلت في جميع المؤمنين، وروى ابن أبي نجيح ( ١٠٣ )، عن مجاهد قال :« نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثَلاَث عَشْرَةَ في المُنافقين.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يصدقون بالغيب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : يخشون بالغيب، وهذا قول الربيع بن أنس ( ١٠٠ ).
وفي الأصل الإيمان ( ١٠١ ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أن أصله التصديق، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ أي بمصدِّق لنا.
والثاني : أن أصله الأمان فالمؤمن يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمِنُ لأوليائه من عقابه.
والثالث : أن أصله الطمأنينة، فقيل للمصدق بالخبر مؤمن، لأنه مطمئن. وفي الإيمان ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنّ الإيمان اجتناب الكبائر.
والثاني : أن كل خصلة من الفرائض إيمان.
والثالث : أن كل طاعةٍ إيمان.
وفي الغيب ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما جاء من عند الله، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه القرآن، وهو قول زر بن حبيش.
والثالث : الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور.
﴿ وَيُقِيمونَ الصَّلوة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ٣ ) ﴾
وفي قوله تعالى :﴿ وَيُقِيمُون الصَّلاَةَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : يؤدونها بفروضها.
والثاني : أنه إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع فيها، وهذا قول ابن عباس.
واختُلف لِمَ سُمِّي فعل الصلاة على هذا الوجه إقامةً لها، على قولين :
أحدهما : من تقويم الشيء من قولهم قام بالأمر إذا أحكمه وحافظ عليه.
والثاني : أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها، لما فيها من القيام فلذلك قيل : قد قامت الصلاة.
وفي قوله :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : إيتاء الزكاة احتساباً لها، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : نفقة الرجل على أهلِهِ، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى، وهذا قول الضحاك :
وأصل الإنفاق الإخراج، ومِنْهُ قيل : نَفَقَتِ الدابة إذا خرجت رُوحها.
واختلف المفسرون، فِيمَنْ نزلت هاتان الآيتان فيه، على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها نزلت في مؤمني العرب دون غيرهم، لأنه قال بعد هذا :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ يعني به أهْلَ الكتاب، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها مع الآيتين اللتين من بعد أربع آيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب، لأنه ذكرهم في بعضها.
والثالث : أن الآيات الأربع من أول السورة، نزلت في جميع المؤمنين، وروى ابن أبي نجيح ( ١٠٣ )، عن مجاهد قال :« نزلت أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثَلاَث عَشْرَةَ في المُنافقين.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ وما بعدها.
أما قوله :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ يعني القرآن، ﴿ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ يعني به التوراة والإنجيل، وما تقدم من كتب الأنبياء، بخلاف ما فعلته اليهود والنصارى، في إيمانهم ببعضها دون جميعها.
﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني الدار الآخرة.
والثاني : يعني النشأة الآخرة وفي تسميتها بالدار الآخرة قولان :
أحدهما : لتأخرها عن الدار الأولى.
والثاني : لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنِّوها من الخلق.
وقوله :﴿ يُوقِنُونَ ﴾ أي يعلمون، فسمي العلم يقيناً لوقوعه عن دليل صار به يقيناً.
أما قوله :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ يعني القرآن، ﴿ وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ يعني به التوراة والإنجيل، وما تقدم من كتب الأنبياء، بخلاف ما فعلته اليهود والنصارى، في إيمانهم ببعضها دون جميعها.
﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني الدار الآخرة.
والثاني : يعني النشأة الآخرة وفي تسميتها بالدار الآخرة قولان :
أحدهما : لتأخرها عن الدار الأولى.
والثاني : لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنِّوها من الخلق.
وقوله :﴿ يُوقِنُونَ ﴾ أي يعلمون، فسمي العلم يقيناً لوقوعه عن دليل صار به يقيناً.
وقوله تعالى :﴿ أُولئِكَ على هُدىً مِنْ رَبِّهُمْ ﴾ يعني بيان ورشد.
﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الفائزون السعداء، ومنه قول لبيد :
والثاني : المقطوع لهم بالخير، لأن الفلح في كلامهم القطع، وكذلك قيل للأكار فلاح، لأنه يشق الأرض، وقد قال الشاعر :
واختلف فيمن أُرِيدَ بهم، على ثلاثة أوجه :
أحدها : المؤمنون بالغيب من العرب، والمؤمنون بما أنزل على محمد، وعلى من قبله من سائر الأنبياء من غير العرب.
والثاني : هم مؤمنو العرب وحدهم.
والثالث : جميع المؤمنين.
﴿ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم الفائزون السعداء، ومنه قول لبيد :
لَوْ أَنَّ حَيّاً مُدْرِكُ الْفَلاَحِ | أَدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الرِّمَاحِ |
لَقَدْ عَلِمتَ يا ابنَ أُمِّ صحصحْ | أن الحديدَ بالحديدِ يُفلحْ |
أحدها : المؤمنون بالغيب من العرب، والمؤمنون بما أنزل على محمد، وعلى من قبله من سائر الأنبياء من غير العرب.
والثاني : هم مؤمنو العرب وحدهم.
والثالث : جميع المؤمنين.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَروا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ﴾ وأصل الكفر عند العرب التغطية، ومنه قوله تعالى :﴿ أَعْجَبَ الكُفَّار نَبَاتُهُ ﴾ يعني الزُّرَّاع لتغطيتهم البذر في الأرض، قال لبيد :
أي غطَّاها، فسمي به الكافر بالله تعالى لتغطيته نعم الله بجحوده.
وأما الشرك فهو في حكم الكفر، وأصله في الإشراك في العبادة.
واختلف فِيمَنْ أُرِيدَ بذلك، على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم اليهود الذين حول المدينة، وبه قال ابن عباس، وكان يسميهم بأعيانهم.
والثاني : أنهم مشركو أهل الكتاب كلهم، وهو اختيار الطبري.
والثالث : أنها نزلت في قادة الأحزاب، وبه قال الربيع بن أنس.
في لَيْلَةٍ كَفَّرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا | .............................. |
وأما الشرك فهو في حكم الكفر، وأصله في الإشراك في العبادة.
واختلف فِيمَنْ أُرِيدَ بذلك، على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم اليهود الذين حول المدينة، وبه قال ابن عباس، وكان يسميهم بأعيانهم.
والثاني : أنهم مشركو أهل الكتاب كلهم، وهو اختيار الطبري.
والثالث : أنها نزلت في قادة الأحزاب، وبه قال الربيع بن أنس.
قوله تعالى :﴿ خَتَمَ اللهُ على قُلُوبِهِمْ ﴾ الختم الطبع، ومنه ختم الكتاب، وفيه أربعة تأويلات :
أحدها : وهو قول مجاهد ( ١٠٥ ) : أن القلب مثل الكف، فإذا أذنب العبْدُ ذنباً ضُمَّ منه كالإصبع، فإذا أذنب ثانياً ضم منه كالإصبع الثانية، حتى يضمَّ جميعه ثم يطبع عليه بطابع.
والثاني : أنها سمة تكون علامة فيهم، تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين.
والثالث : أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحق، تشبيهاً بما قد انسدَّ وختم عليه، فلا يدخله خير.
والرابع : أنها شهادة من الله تعالى على قلوبهم، بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحقَّ، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه، والغشاوة : تعاميهم عن الحق. وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبِهِ بالخواطر، وقد قيل :
والغشاوة : الغطاء الشامل.
أحدها : وهو قول مجاهد ( ١٠٥ ) : أن القلب مثل الكف، فإذا أذنب العبْدُ ذنباً ضُمَّ منه كالإصبع، فإذا أذنب ثانياً ضم منه كالإصبع الثانية، حتى يضمَّ جميعه ثم يطبع عليه بطابع.
والثاني : أنها سمة تكون علامة فيهم، تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين.
والثالث : أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحق، تشبيهاً بما قد انسدَّ وختم عليه، فلا يدخله خير.
والرابع : أنها شهادة من الله تعالى على قلوبهم، بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحقَّ، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه، والغشاوة : تعاميهم عن الحق. وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبِهِ بالخواطر، وقد قيل :
ما سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ | وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ، والإنْسَانُ أَطْوَارُ |
قوله تعالى :﴿ يُخَادِعُونَ اللهَ والَّذينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ﴾ يعني المنافقين يخادعون رسول الله ﷺ والمؤمنين، بأن يُظهروا من الإيمان خلاف ما يبطنون من الكفر، لأن أصل الخديعة الإخفاء، ومنه مخدع البيت، الذي يخفى فيه، وجعل الله خداعهم لرسوله خداعاً له، لأنه دعاهم برسالته.
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ﴾ في رجوع وباله عليهم.
﴿ وَمَا يَشْعُرُون ﴾ يعني وما يفطنون، ومنه سُمِّي الشاعر، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره، ومنه قولهم ليت شعري.
﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ﴾ في رجوع وباله عليهم.
﴿ وَمَا يَشْعُرُون ﴾ يعني وما يفطنون، ومنه سُمِّي الشاعر، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره، ومنه قولهم ليت شعري.
قوله تعالى :﴿ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : شك، وبه قال ابن عباس.
والثاني : نفاق، وهو قول مقاتل، ومنه قول الشاعر :
والثالث : أن المرض الغمُّ بظهور أمر النبي ﷺ على أعدائه، وأصل المرض الضعف، يقال : مرَّض في القول إذا ضعَّفه.
﴿ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه دعاء عليهم بذلك.
والثاني : أنه إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم عند نزول الفرائض، والحدود. ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يعني مؤلم.
أحدها : شك، وبه قال ابن عباس.
والثاني : نفاق، وهو قول مقاتل، ومنه قول الشاعر :
أُجَامِلُ أَقْوَاماً حَيَاءً وَقَدْ أَرَى | صُدُورَهُمُ تَغْلِي عَلَيَّ مِراضُها |
﴿ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه دعاء عليهم بذلك.
والثاني : أنه إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم عند نزول الفرائض، والحدود. ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ يعني مؤلم.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأَرضِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الكفر.
والثاني : فعل ما نهى الله عنه، وتضييع ما أمر بحفظه.
والثالث : أنه ممالأة الكفار.
وكل هذه الثلاثة، فساد في الأرض، لأن الفساد العدول عن الاستقامة إلى ضدها.
واختلف فِيمَنْ أُريدَ بهذا القول على وجهين :
أحدهما : أنها نزلت في قوم لهم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وإنما يجيئون بعد، وهو قول سليمان.
والثاني : أنها نزلت في المنافقين، الذين كانوا موجودين، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
﴿ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال :﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾.
والثاني : أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه.
والثالث : معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد.
فإن قيل : فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان :
أحدهما : أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به.
والثاني : أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.
أحدها : أنه الكفر.
والثاني : فعل ما نهى الله عنه، وتضييع ما أمر بحفظه.
والثالث : أنه ممالأة الكفار.
وكل هذه الثلاثة، فساد في الأرض، لأن الفساد العدول عن الاستقامة إلى ضدها.
واختلف فِيمَنْ أُريدَ بهذا القول على وجهين :
أحدهما : أنها نزلت في قوم لهم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وإنما يجيئون بعد، وهو قول سليمان.
والثاني : أنها نزلت في المنافقين، الذين كانوا موجودين، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
﴿ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال :﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾.
والثاني : أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه.
والثالث : معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد.
فإن قيل : فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان :
أحدهما : أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به.
والثاني : أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.
قوله تعالى :﴿ وإذا قيل لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ﴾ يعني أصحاب النبي ﷺ ﴿ قَالُوا أَنُؤْمن كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم عنوا بالسفهاء أصحاب النبي ﷺ.
والثاني : أنهم أرادوا مؤمني أهل الكتاب.
والسفهاء جمع سفيه، وأصل السَّفَهِ الخِفَّةُ، مأخوذ من قولهم ثوب سفيه، وإذا كان خفيف النسيج، فسمَّي خفةُ الحلم سفهاً، قال السَمَوْأَلُ :
أحدهما : أنهم عنوا بالسفهاء أصحاب النبي ﷺ.
والثاني : أنهم أرادوا مؤمني أهل الكتاب.
والسفهاء جمع سفيه، وأصل السَّفَهِ الخِفَّةُ، مأخوذ من قولهم ثوب سفيه، وإذا كان خفيف النسيج، فسمَّي خفةُ الحلم سفهاً، قال السَمَوْأَلُ :
نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحْلاَمُنَا | فَنَخْمُلَ الدَّهْرَ مَعَ الْخَامِلِ |
....................... | وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا البَطَلُ |
والقول الفاصل : أنه فعلان من الشيط وهو الاحتراق، كأنه سُمِّي بما يؤول إليه حاله.
﴿ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ أي على ما أنتم عليه من التكذيب والعداوة، ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي ساخرون بما نظهره من التصديق والموافقة.
قوله تعالى :﴿ اللهُ يَسْتَهْزئُ بِهِمْ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : معناه أنه يحاربهم على استهزائهم، فسمي الجزاء باسم المجازى عليه، كما قال تعالى :﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْه بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾، وليس الجزاء اعتداءً، قال عمرو بن كلثوم :
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا | فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينا |
والثالث : أنه لما كان ما أظهره من أحكام إسلامهم في الدنيا، خلاف ما أوجبه عليهم من عقاب الآخرة، وكانوا فيه اغترار به، صار كالاستهزاء [ بهم ].
والرابع : أنه لما حسن أن يقال للمنافق :﴿ ذُقْ إِنًّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [ الدخان : ٤٩ ]، صار القول كالاستهزاء به.
والخامس : ما حكي : أنهم يُفْتَح لهم باب الجحيم، فيرون أنهم يخرجون منها، فيزدحمون للخروج، فإذا انتهوا إلى الباب ضربهم الملائكة، بمقامع النيران، حتى يرجعوا، وهاذ نوع من العذاب، وإن كان كالاستهزاء.
قوله تعالى :﴿ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهم يَعْمَهُونَ ﴾ وفي يمدهم تأويلان :
أحدهما : يملي لهم، وهو قول ابن مسعود.
والثاني : يزيدهم، وهو قول مجاهد.
يقال مددت وأمددت، فحُكِيَ عن يونس أنه قال : مددت فيما كان من الشر، وأمددت فيما كان من الخير، وقال بعض الكوفيين : يقال : مددتُ فيما كانت زيادته منه، كما يقال مَدّ النصر، وأَمَدَّه نهر آخر، وأمددت فيما حدثت زيادته من غيره، كقولك أمْدَدْتُ الجيش بمددٍ، وأمِد الجرح، لأن المدة من غيره.
قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ الِّذِينَ اشْتَرَوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾ الضلالة : الكفر، والهدى : الإيمان.
وفي قوله :﴿ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على حقيقة الشراء فكأنهم اشتروا الكفر بالإيمان.
والثاني : أنه بمعنى استحبوا الكفر على الإيمان، فعبر عنه بالشراء، لأن الشراء يكون فيما يستحبه مشتريه، فإما أن يكون على معنى شراء المعاوضة فعلاً، لأن المنافقين لم يكونوا قد آمنوا، فيبيعوا إيمانهم.
والثالث : أنه بمعنى أخذوا الكفر وتركوا الإيمان، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
﴿ فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وما كانوا مهتدين، في اشتراء الضلالة.
والثاني : وما كانوا مهتدين إلى التجارة التي اهتدى إليها المؤمنون.
والثالث : أنه لما كان التاجر قد لا يربح، ويكون على هدى في تجارته نفى الله عنهم الأمرين من الربح والاهتداء، مبالغة في ذمهم.
وفي قوله :﴿ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على حقيقة الشراء فكأنهم اشتروا الكفر بالإيمان.
والثاني : أنه بمعنى استحبوا الكفر على الإيمان، فعبر عنه بالشراء، لأن الشراء يكون فيما يستحبه مشتريه، فإما أن يكون على معنى شراء المعاوضة فعلاً، لأن المنافقين لم يكونوا قد آمنوا، فيبيعوا إيمانهم.
والثالث : أنه بمعنى أخذوا الكفر وتركوا الإيمان، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
﴿ فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وما كانوا مهتدين، في اشتراء الضلالة.
والثاني : وما كانوا مهتدين إلى التجارة التي اهتدى إليها المؤمنون.
والثالث : أنه لما كان التاجر قد لا يربح، ويكون على هدى في تجارته نفى الله عنهم الأمرين من الربح والاهتداء، مبالغة في ذمهم.
قوله تعالى :﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ المثل بالتحريك والتسكين، والمَثَل بالتحريك مستعمل في الأمثال المضروبة، والمِثْل بالتسكين مستعمل في الشيء المماثل لغيره.
وقوله :﴿ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد كمثل الذي أوقد، فدخلت السين زائدة في الكلام، وهو قول الأخفش.
والثاني : أنه أراد استوقد مِنْ غيره ناراً للضياء، والنار مشتقة من النور.
﴿ فَلَمَّا أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ يقال ضاءت في نفسها، وأضاءت ما حولها قال أبو الطمحان :
قوله تعالى :﴿ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نور المستوقِد، لأنه في معنى الجمع، وهذا قول الأخفش.
والثاني : بنور المنافقين، لأن المثل مضروب فيهم، وهو قول الجمهور.
وفي ذهاب نورهم وجهان :
أحدهما : وهو قول الأصم ذهب الله بنورهم في الآخرة، حتى صار ذلك سمةً لهم يُعْرَفُونَ بها.
والثاني : أنه عَنّى النور الذي أظهروه للنبي ﷺ من قلوبهم بالإسلام. وفي قوله :﴿ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : معناه لم يأتهم بضياء يبصرون به.
والثاني : أنه لم يخرجهم منه، كما يقال تركته في الدار، إذا لم تَخرجْهُ منها، وكأنَّ ما حصلوا فيه من الظلمة بعد الضياء أسوأ حالاً، لأن من طُفِئَت عنه النار حتى صار في ظلمة، فهو أقل بصراً ممن لم يزل في الظلمة، وهذا مَثَل ضربه الله تعالى للمنافقين.
وفيما كانوا فيه من الضياء، وجعلوا فيه من الظلمة قولان :
أحدهما : أن ضياءهم دخولهم في الإسلام بعد كفرهم، والظلمة خروجهم منه بنفاقهم.
والثاني : أن الضياء يعود للمنافقين بالدخول في جملة المسلمين، والظلمة زوالُهُ عنهم في الآخرة، وهذا قول ابنِ عباسٍ وقتادةَ.
قوله تعالى :﴿ صَمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ وهذا جمع : أصم، وأبكم، وأعمى، وأصل الصَّمَمُ الإنسداد، يقال قناة صماء، إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة، إذا سددتها، فالأصم : من انسدَّتْ خروق مسامعه.
أما البَكَمُ، ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه آفة في اللسان، لا يتمكن معها من أن يعتمد على مواضع الحروف.
والثاني : أنه الذي يولد أخرس.
والثالث : أنه المسلوب الفؤاد، الذي لا يعي شيئاً ولا يفهمه.
والرابع : أنه الذي يجمع بين الخَرَس وذهاب الفؤاد.
ومعنى الكلام، أنهم صمٌّ عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عُمْيٌ عن الإبصار له، رَوَى ذلك قتادة، ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ يعني إلى الإسلام.
وقوله :﴿ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد كمثل الذي أوقد، فدخلت السين زائدة في الكلام، وهو قول الأخفش.
والثاني : أنه أراد استوقد مِنْ غيره ناراً للضياء، والنار مشتقة من النور.
﴿ فَلَمَّا أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾ يقال ضاءت في نفسها، وأضاءت ما حولها قال أبو الطمحان :
أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ | دُجَى الَّليْلِ حَتَّى نَظَّمَ الْجِزْعَ ثَاقِبُهْ |
أحدهما : نور المستوقِد، لأنه في معنى الجمع، وهذا قول الأخفش.
والثاني : بنور المنافقين، لأن المثل مضروب فيهم، وهو قول الجمهور.
وفي ذهاب نورهم وجهان :
أحدهما : وهو قول الأصم ذهب الله بنورهم في الآخرة، حتى صار ذلك سمةً لهم يُعْرَفُونَ بها.
والثاني : أنه عَنّى النور الذي أظهروه للنبي ﷺ من قلوبهم بالإسلام. وفي قوله :﴿ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : معناه لم يأتهم بضياء يبصرون به.
والثاني : أنه لم يخرجهم منه، كما يقال تركته في الدار، إذا لم تَخرجْهُ منها، وكأنَّ ما حصلوا فيه من الظلمة بعد الضياء أسوأ حالاً، لأن من طُفِئَت عنه النار حتى صار في ظلمة، فهو أقل بصراً ممن لم يزل في الظلمة، وهذا مَثَل ضربه الله تعالى للمنافقين.
وفيما كانوا فيه من الضياء، وجعلوا فيه من الظلمة قولان :
أحدهما : أن ضياءهم دخولهم في الإسلام بعد كفرهم، والظلمة خروجهم منه بنفاقهم.
والثاني : أن الضياء يعود للمنافقين بالدخول في جملة المسلمين، والظلمة زوالُهُ عنهم في الآخرة، وهذا قول ابنِ عباسٍ وقتادةَ.
قوله تعالى :﴿ صَمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ وهذا جمع : أصم، وأبكم، وأعمى، وأصل الصَّمَمُ الإنسداد، يقال قناة صماء، إذا لم تكن مجوفة، وصممت القارورة، إذا سددتها، فالأصم : من انسدَّتْ خروق مسامعه.
أما البَكَمُ، ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه آفة في اللسان، لا يتمكن معها من أن يعتمد على مواضع الحروف.
والثاني : أنه الذي يولد أخرس.
والثالث : أنه المسلوب الفؤاد، الذي لا يعي شيئاً ولا يفهمه.
والرابع : أنه الذي يجمع بين الخَرَس وذهاب الفؤاد.
ومعنى الكلام، أنهم صمٌّ عن استماع الحق، بكم عن التكلم به، عُمْيٌ عن الإبصار له، رَوَى ذلك قتادة، ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ يعني إلى الإسلام.
قوله تعالى :﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وبَرْقٌ ﴾ في الصيِّبِ تأويلان :
أحدهما : أنه المطر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : أنه السحاب، قال علقمة بن عبدة :
وفي الرعد ثلاثة أوجه : أحدها :
أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه، فَسُمِّيَ الصوتُ رعداً باسم ذلك المَلك، وبه قال الخليل.
والثاني : أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنه صوت اصطكاك الأجرام.
وفي البرق ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثاني : أنه ضربه بسوطٍ من نور، وهذا قول ابن عباس.
والثالث : أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام.
والصواعق جمع صاعقة، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار، تحرق ما أتت عليه.
وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل :
أحدها : أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس.
والثاني : أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.
والثالث : أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
قوله تعالى :﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ معناه يستلبها بسرعة.
﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا ﴾ وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمنافقين، وفيه تأويلان :
أحدهما : معناه كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.
والثاني : معناه كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيراً، اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا خيراً، قعدوا عن الجهاد.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾ فالمراد الجمع وإن كان بلفظ الواحد. كما قال الشاعر :
أحدهما : أنه المطر، وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : أنه السحاب، قال علقمة بن عبدة :
كَأَنَهَّمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ | صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ |
فَلاَ تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمِّرٍ | سُقِيتِ غَوَادِي الْمُزنِ حِينَ تَصُوبُ |
أنه مَلَكٌ ينعق بالغيث، كما ينعق الراعي بغنمه، فَسُمِّيَ الصوتُ رعداً باسم ذلك المَلك، وبه قال الخليل.
والثاني : أنه ريح تختنق تحت السحاب فَتُصَوِّبُ ذلك الصوت، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنه صوت اصطكاك الأجرام.
وفي البرق ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ضرب الملك الذي هو الرعد للسحاب بمخراق من حديد، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثاني : أنه ضربه بسوطٍ من نور، وهذا قول ابن عباس.
والثالث : أنه ما ينفدح من اصطكاك الأجرام.
والصواعق جمع صاعقة، وهو الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار، تحرق ما أتت عليه.
وفي تشبيه المثل في هذه الآية أقاويل :
أحدها : أنه مَثَلٌ للقرآن، شُبِّهَ المطرُ المُنَزَّلُ من السماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القرآن من البيان، وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل، وهذا المعنى عن ابن عباس.
والثاني : أنه مَثَلٌ، لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.
والثالث : أنه ضَرَبَ الصيِّب مَثَلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
قوله تعالى :﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ معناه يستلبها بسرعة.
﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِم قَامُوا ﴾ وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمنافقين، وفيه تأويلان :
أحدهما : معناه كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه.
والثاني : معناه كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيراً، اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا خيراً، قعدوا عن الجهاد.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾ فالمراد الجمع وإن كان بلفظ الواحد. كما قال الشاعر :
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا | فَإِنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ |
قَالَتْ أَلاَ لَيْتُمَا هذَا الْحَمَامُ لَنَا | إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ |
أحدهما : فما فوقها في الكبر، وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ.
والثاني : فما فوقها في الصغر، لأن الغرض المقصود هو الصغر. وفي المثل ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وارد في المنافقين، حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين : مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً، وقوله : أو كصيِّب من السماء، فقال المنافقون : إن الله أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس.
والثاني : أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ الله تعالى مثلاً للدنيا وأهلها، وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت، وإذا شبعت ماتت، كذلك مثل أهل الدنيا، إذا امتلأوا من الدنيا، أخذهم الله تعالى عند ذلك، وهذا قول الربيع بن أنس.
والثالث : أن الله تعالى حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً، قال أهل الضلالة : ما بال العنكبوت والذباب يذكران، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول قتادةَ، وتأويل الربيع أحسن، والأولُ أشبَهُ.
قوله تعالى :﴿ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾ فيه ثلاثةُ تأويلات :
أحدها : معناه بالتكذيب بأمثاله، التي ضربها لهم كثيراً، ويهدي بالتصديق بها كثيراً.
والثاني : أنه امتحنهم بأمثاله، فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم، واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم.
والثالث : أنه إخبار عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾.
أما النقض، فهو ضد الإبرام، وفي العهد قولان :
أحدهما : الوصيَّة.
والثاني : الموثق.
والميثاق ما وَقَعَ التوثق به.
وفيما تضمنه عهده وميثاقه أربعة أقاويل :
أحدها : أن العهد وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعة، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصية في كتبه، وعلى لسان رسله، ونقضهم ذلك بترك العمل به.
والثاني : أن عهده ما خلقه في عقولهم من الحجة على توحيده وصدق رسله بالمعجزات الدالة على صدقهم.
27
والثالث : أن عهده ما أنزله على أهل الكتاب [ من ]، على صفة النبي ﷺ، والوصية المؤكدة باتباعه، فذلك العهد الذي نقضوه بجحودهم له بعد إعطائهم الله تعالى الميثاق من أنفسهم، ليبينه للناس ولا يكتمونه، فأخبر سبحانه، أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً.
والرابع : أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الذي وصفه في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ].
وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان :
أحدهما : أنها كناية ترجع إلى اسم الله وتقديره من بعد ميثاق الله.
والثاني : أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد.
وفيمن عَنَاهُ الله تعالى بهذا الخطاب، ثلاثة أقاويل :
أحدها : المنافقون.
والثاني : أهل الكتاب.
والثالث : جميع الكفار.
قوله تعالى :﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل، هو رسوله، فقطعوه بالتكذيب والعصيان، وهو قول الحسن البصري.
والثاني : أنَّه الرحمُ والقرابةُ، وهو قول قتادة.
والثالث : أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
قوله تعالىَّ :﴿ وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ ﴾ وفي إفسادهم في الأرض قولان :
أحدهما : هو استدعاؤهم إلى الكفر.
والثاني : أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق.
وفي قوله :﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : أن الخسران هو النقصان، ومنه قول جرير :
يعني بالخَسَار، ما ينقُصُ حظوظهم وشرفهم.
والثاني : أن الخسران ها هنا الهلاك، ومعناه : أولئك هم الهالكون.
ومنهم من قال : كل ما نسبه الله تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر، وما نسبه إلى المسلمين، فإنما يعني به الذنب.
والرابع : أن العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الذي وصفه في قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ].
وفي هذه الكتابة التي في ميثاقه قولان :
أحدهما : أنها كناية ترجع إلى اسم الله وتقديره من بعد ميثاق الله.
والثاني : أنها كناية ترجع إلى العهد وتقديره من بعد ميثاق العهد.
وفيمن عَنَاهُ الله تعالى بهذا الخطاب، ثلاثة أقاويل :
أحدها : المنافقون.
والثاني : أهل الكتاب.
والثالث : جميع الكفار.
قوله تعالى :﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل، هو رسوله، فقطعوه بالتكذيب والعصيان، وهو قول الحسن البصري.
والثاني : أنَّه الرحمُ والقرابةُ، وهو قول قتادة.
والثالث : أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل.
قوله تعالىَّ :﴿ وَيُفْسِدُونَ في الأَرْضِ ﴾ وفي إفسادهم في الأرض قولان :
أحدهما : هو استدعاؤهم إلى الكفر.
والثاني : أنه إخافتهم السُّبُلَ وقطعهم الطريق.
وفي قوله :﴿ أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : أن الخسران هو النقصان، ومنه قول جرير :
إِنَّ سليطاً في الْخَسَارِ إِنَّهُ | أَوْلاَدُ قَوْمٍ حلفوا افنه |
والثاني : أن الخسران ها هنا الهلاك، ومعناه : أولئك هم الهالكون.
ومنهم من قال : كل ما نسبه الله تعالى من الخسران إلى غير المسلمين فإنما يعني الكفر، وما نسبه إلى المسلمين، فإنما يعني به الذنب.
28
قوله تعالى :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾.
في قوله :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ﴾ قولان :
أحدهما : أنه خارج مخرج التوبيخ.
والثاني : أنه خارج مخرج التعجب، وتقديره : اعجبوا لهم، كيف يكفرون!
وفي قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ ستة تأويلات :
أحدها :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ أي لم تكونوا شيئاً، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي خلقكم، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند انقضاء آجالكم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ يوم القيامة، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني في القبور ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ للمساءلة، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ في قبوركم بعد مساءلتكم، ثم يحييكم عند نفخ الصور للنشور، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياةٍ، وهذا قول أبي صالح.
والثالث : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني في أصلاب آبائكم، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي أخرجكم من بطون أمهاتكم، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ الموتة التي لا بد منها، ﴿ ثُم يُحْيِيكُمْ ﴾ للبعث يوم القيامة، وهذا قول قتادة.
والرابع : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ﴾ يعني : أن الله تعالى حين أخذ الميثاق على آدم وذريته، أحياهم في صلبه وأكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم، ثم أحياهم وأخرجهم من بطون أمهاتهم، وهو معنى قوله تعالى :﴿ يَخْلُقْكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ] فقوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني بعد أخذ الميثاق، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ بأن خلقكم في بطون أمهاتكم ثم أخرجكم أحياء، ﴿ ثم يُمِيتُكُمْ ﴾ بعد أن تنقضي آجالكم في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ بالنشور للبعث يوم القيامة، [ وهذا ] قول ابن زيدٍ.
والخامس : أن الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي مَيِّتَةٌ من حين فراقها من جسده إلى أن ينفخ الروح فيها، ثم يحييها بنفخ الروح فيها، فيجعلها بشراً سويّاً، ثم يميته الموتة الثانية بقبض الروح منه، فهو ميت إلى يوم ينفخ في الصور، فيرُد في جسده روحه، فيعود حياً لبعث القيامة، فذلك موتتان وحياتان.
والسادس : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ خاملي الذكر دارسي الأثر، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ بالظهور والذكر، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند انقضاء آجَالكم، ﴿ ثُمَّ يُحييكُمْ ﴾ للبعث، واستشهد من قال هذا التأويل بقول أبي بُجَيْلَةَ السَّعْدِيِّ :
وفي قوله :﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : إلى الموضع الذي يتولى الله الحكم بينكم.
والثاني : إلى المجازاة على الأعمال.
في قوله :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ﴾ قولان :
أحدهما : أنه خارج مخرج التوبيخ.
والثاني : أنه خارج مخرج التعجب، وتقديره : اعجبوا لهم، كيف يكفرون!
وفي قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ ستة تأويلات :
أحدها :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ أي لم تكونوا شيئاً، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي خلقكم، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند انقضاء آجالكم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ يوم القيامة، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني في القبور ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ للمساءلة، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ في قبوركم بعد مساءلتكم، ثم يحييكم عند نفخ الصور للنشور، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياةٍ، وهذا قول أبي صالح.
والثالث : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني في أصلاب آبائكم، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي أخرجكم من بطون أمهاتكم، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ الموتة التي لا بد منها، ﴿ ثُم يُحْيِيكُمْ ﴾ للبعث يوم القيامة، وهذا قول قتادة.
والرابع : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ﴾ يعني : أن الله تعالى حين أخذ الميثاق على آدم وذريته، أحياهم في صلبه وأكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم بعد أخذ الميثاق عليهم، ثم أحياهم وأخرجهم من بطون أمهاتهم، وهو معنى قوله تعالى :﴿ يَخْلُقْكُمْ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّنْ بَعْدِ خَلْقٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ] فقوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ يعني بعد أخذ الميثاق، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ بأن خلقكم في بطون أمهاتكم ثم أخرجكم أحياء، ﴿ ثم يُمِيتُكُمْ ﴾ بعد أن تنقضي آجالكم في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ بالنشور للبعث يوم القيامة، [ وهذا ] قول ابن زيدٍ.
والخامس : أن الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي مَيِّتَةٌ من حين فراقها من جسده إلى أن ينفخ الروح فيها، ثم يحييها بنفخ الروح فيها، فيجعلها بشراً سويّاً، ثم يميته الموتة الثانية بقبض الروح منه، فهو ميت إلى يوم ينفخ في الصور، فيرُد في جسده روحه، فيعود حياً لبعث القيامة، فذلك موتتان وحياتان.
والسادس : أن قوله :﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً ﴾ خاملي الذكر دارسي الأثر، ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ بالظهور والذكر، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند انقضاء آجَالكم، ﴿ ثُمَّ يُحييكُمْ ﴾ للبعث، واستشهد من قال هذا التأويل بقول أبي بُجَيْلَةَ السَّعْدِيِّ :
وَأَحْيَيْتَ مِنْ ذِكْرِي وَمَا كَانَ خامِلاً | وَلكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أنْبَهُ مِنْ بَعْضِ |
أحدهما : إلى الموضع الذي يتولى الله الحكم بينكم.
والثاني : إلى المجازاة على الأعمال.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : أن معنى قوله :﴿ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ ﴾ أي أقبل عليها، وهذا قول الفراء.
والثاني : معناه : عمد إليها، وقصد إلى خلقها.
والثالث : أنّ فِعْل الله تحوَّل إلى السماء، وهو قول المفضل.
والرابع : معناه : ثم استوى أمره وصنعه الذي صَنَعَ به الأشياء إلى السماء، وهذا قول الحسن البصري.
والخامس : معناه ثم استوت به السماء.
السادس : أن الاستواء والارتفاع والعلوَّ، وممن قال بذلك : الربيع بن أنس، ثم اختلف قائلو هذا التأويل في الذي استوى إلى السماء فعلا عليها على قولين :
أحدهما : أنه خالقها ومنشئها.
والثاني : أنه الدخان، الذي جعله الله للأرض سماءً.
أحدها : أن معنى قوله :﴿ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ ﴾ أي أقبل عليها، وهذا قول الفراء.
والثاني : معناه : عمد إليها، وقصد إلى خلقها.
والثالث : أنّ فِعْل الله تحوَّل إلى السماء، وهو قول المفضل.
والرابع : معناه : ثم استوى أمره وصنعه الذي صَنَعَ به الأشياء إلى السماء، وهذا قول الحسن البصري.
والخامس : معناه ثم استوت به السماء.
السادس : أن الاستواء والارتفاع والعلوَّ، وممن قال بذلك : الربيع بن أنس، ثم اختلف قائلو هذا التأويل في الذي استوى إلى السماء فعلا عليها على قولين :
أحدهما : أنه خالقها ومنشئها.
والثاني : أنه الدخان، الذي جعله الله للأرض سماءً.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾، في قوله :﴿ وَإِذْ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه صلة زائدة، وتقدير الكلام : وقال ربك للملائكة، وهذا قول أبي عبيدة، واستشهد بقول الأسود بن يعفر :
والوجه الثاني : أن « إذ » كلمة مقصورة، وليست بصلة زائدة، وفيها لأهل التأويل قولان :
أحدهما : أن الله تعالى لما ذكَّر خلقه نِعَمَهُ عليهم بما خلقه لهم في الأرض، ذكّرهم نِعَمَهُ على أبيهم آدَمَ ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾، وهذا قول المفضَّل.
والثاني : أن الله تعالى ذكر ابتداء الخلق فكأنه قال : وابتدأ خلقكم ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾، وهذا من المحذوف الذي دَلَّ عليه الكلام، كما قال النمر بن تَوْلَبَ ( ١٢٧ ) :
يريد : أينما ذهب.
فأما الملائكة فجمع مَلَكٍ، وهو مأخوذ من الرسالة، يقال : ألِكِني إليها أي أرسلني إليها، قال الهذلي :
والألوك الرِّسالة، قال لبيد بن ربيعة :
وإنما سميت الرسالة ألوكاً لأنها تُؤْلك في الفم، والفرس يألك اللجام ويعلكه، بمعنى يمضغ الحديد بفمه.
والملائكة أفضل الحيوان وأعقل الخلق، إلا أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، ولا يتناسلون، وهم رسل الله، لا يعصونه في صغير ولا كبير، ولهم أجسام لطيفة لا يُرَوْنَ إلا إذا قوَّى الله أبصارنا على رؤيتهم.
وقوله تعالى :﴿ إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ اختلف في معنى ﴿ جاعل ﴾ على وجهين :
أحدهما : أنه بمعنى خالق.
والثاني : بمعنى جاعل، لأن حقيقة الجَعْل فِعْلُ الشيء على صفةٍ، وحقيقة الإحداث إيجاد الشيء بعد العدم.
و ﴿ الأرض ﴾ قيل : إنها مكة، وروى ابن سابط، أن النبي ﷺ قال :« دُحِيَت الأرضُ من مكةَ » ولذلك سميت أم القرى، قال : وقبر نوح، وهود، وصالح، وشعيب بن زمزم، والركن، والمقام.
وأما « الخليفة » فهو القائم مقام غيره، من قولهم : خَلَفَ فلانٌ فلاناً، والخَلَفُ بتحريك اللام من الصالحين، والخَلْفُ بتسكينها من الطالحين، وفي التنزيل :﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ﴾ [ مريم : ٥٩ ]، وفي الحديث :« ينقل هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُهُ ». وفي خلافة آدم وذريته ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان في الأرض الجِنُّ، فأفسدوا فيها، سفكوا الدماء، فأُهْلِكوا، فَجُعِل آدم وذريته بدلهم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه أراد قوماً يَخْلُفُ بعضهم بعضاً من ولد آدم، الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحق وعمارة الأرض، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث : أنه أراد : جاعل في الأرض خليفةً يخْلُفُني في الحكم بين خلقي، وهو آدم، ومن قام مقامه من ولده، وهذا قول ابن مسعود.
أحدهما : أنه صلة زائدة، وتقدير الكلام : وقال ربك للملائكة، وهذا قول أبي عبيدة، واستشهد بقول الأسود بن يعفر :
فَإِذَا وَذلِكَ لاَ مَهَاةَ لذِكْرِهِ | وَالدَّهْرُ يَعْقُبُ صَالِحاً بِفَسَادِ |
أحدهما : أن الله تعالى لما ذكَّر خلقه نِعَمَهُ عليهم بما خلقه لهم في الأرض، ذكّرهم نِعَمَهُ على أبيهم آدَمَ ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾، وهذا قول المفضَّل.
والثاني : أن الله تعالى ذكر ابتداء الخلق فكأنه قال : وابتدأ خلقكم ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ﴾، وهذا من المحذوف الذي دَلَّ عليه الكلام، كما قال النمر بن تَوْلَبَ ( ١٢٧ ) :
فَإِنَّ الْمَنَّيةَ مَنْ يَخْشَهَا | فَسَوفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا |
فأما الملائكة فجمع مَلَكٍ، وهو مأخوذ من الرسالة، يقال : ألِكِني إليها أي أرسلني إليها، قال الهذلي :
ألِكْنِي وَخَيْرُ الرَّسُو | لِ أَعْلَمُهُمْ بنواحِي الخَبَرْ |
وَغُلاَمٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ | بأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَألْ |
والملائكة أفضل الحيوان وأعقل الخلق، إلا أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، ولا يتناسلون، وهم رسل الله، لا يعصونه في صغير ولا كبير، ولهم أجسام لطيفة لا يُرَوْنَ إلا إذا قوَّى الله أبصارنا على رؤيتهم.
وقوله تعالى :﴿ إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ اختلف في معنى ﴿ جاعل ﴾ على وجهين :
أحدهما : أنه بمعنى خالق.
والثاني : بمعنى جاعل، لأن حقيقة الجَعْل فِعْلُ الشيء على صفةٍ، وحقيقة الإحداث إيجاد الشيء بعد العدم.
و ﴿ الأرض ﴾ قيل : إنها مكة، وروى ابن سابط، أن النبي ﷺ قال :« دُحِيَت الأرضُ من مكةَ » ولذلك سميت أم القرى، قال : وقبر نوح، وهود، وصالح، وشعيب بن زمزم، والركن، والمقام.
وأما « الخليفة » فهو القائم مقام غيره، من قولهم : خَلَفَ فلانٌ فلاناً، والخَلَفُ بتحريك اللام من الصالحين، والخَلْفُ بتسكينها من الطالحين، وفي التنزيل :﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ﴾ [ مريم : ٥٩ ]، وفي الحديث :« ينقل هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُهُ ». وفي خلافة آدم وذريته ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان في الأرض الجِنُّ، فأفسدوا فيها، سفكوا الدماء، فأُهْلِكوا، فَجُعِل آدم وذريته بدلهم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه أراد قوماً يَخْلُفُ بعضهم بعضاً من ولد آدم، الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحق وعمارة الأرض، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث : أنه أراد : جاعل في الأرض خليفةً يخْلُفُني في الحكم بين خلقي، وهو آدم، ومن قام مقامه من ولده، وهذا قول ابن مسعود.
31
قوله تعالى :﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مِنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾، وهذا جواب من الملائكة حين أخبرهم، أنه جاعل في الأرض خليفةً، واختلفوا في جوابهم هذا، هل هو على طريق الاستفهام أو على طريق الإيجاب؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم قالوه استفهماً واستخباراً حين قال لهم : إني جاعلٌ في الأرض خليفة، فقالوا : يا ربنا أَعْلِمْنَا، أجاعل أنت في الأرض من يُفْسِدُ فيها ويسفك الدماء؟ فأجابهم : إني أعلم ما لا تعلمون، ولم يخبرهم.
والثاني : أنه إيجاب، وإن خرجت الألف مَخْرج الاستفهام، كما قال جرير :
وعلى هذا الوجه في جوابهم بذلك قولان :
أحدهما : أنهم قالوه ظناً وتوهُّماً، لأنهم رأوا الجن من قبلهم، قد أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فتصوروا أنه إن استخلف استخلف في الأرض مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماء.
وفي جوابهم بهذا وجهان :
أحدهما : أنهم قالوه استعظاماً لفعلهم، أي كيف يفسدون فيها، ويسفكون الدماء، وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال : إني أعلم ما لا تعلمون.
والثاني : أنهم قالوه تعجباً من استخلافه لهم أي كيف تستخلفهم في الأرض وقد علمت أنهم يفسدون فيها ويسفكون الدماء فقال :﴿ إني أعلم ما لا تعلمون ﴾.
وقوله :﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ السفك صب الدم خاصةً دون غَيْرِهِ من الماء والمائع، والسفح مثله، إلا أنه مستعمل في كل مائع على وجه التضييع، ولذلك قالوا في الزنى : إنه سفاح لتضييع مائه فيه.
قوله تعالى :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾.
والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على جهة التعظيم، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
أي براءةً من علقمة.
ولا يجوز أن يسبَّحَ عَيْرُ اللهِ، وإن كان منزهاً، لأنه صار علَماً في الدين على أعلى مراتب التعظيم الَّتي لا يستحقها إلا اللهُ تعالى.
وفي المراد بقولهم :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : معناه نصلي لك، وفي التنزيل :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ]، أي من المصلين، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : معناه نعظِّمك، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنه التسبيح المعروف، وهذا قول المفضل، واستشهد بقول جرير :
وأما قوله :﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ فأصل التقديس التطهير، ومنه قوله تعالى :﴿ الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ أي المطهَّرة، وقال الشاعر :
أي المطهَّر.
وفي المراد بقولهم :﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ ثلاثةُ أقاويلَ :
أحدها : أنه الصلاة.
والثاني : تطهيره من الأدناس.
والثالث : التقديس المعروف.
وفي قوله تعالى :﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ثلاثةُ أقاويل :
أحدها : أراد ما أضمره إبليس من الاستكبار والمعصية فيما أُمِرُوا به من السجود لآدم، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : مَنْ في ذرية آدم في الأنبياء والرُّسُلِ الذين يُصْلِحُونَ في الأرض ولا يفسدون، وهذا قول قتادة.
والثالث : ما اختص بعلمه من تدبير المصالح.
أحدهما : أنهم قالوه استفهماً واستخباراً حين قال لهم : إني جاعلٌ في الأرض خليفة، فقالوا : يا ربنا أَعْلِمْنَا، أجاعل أنت في الأرض من يُفْسِدُ فيها ويسفك الدماء؟ فأجابهم : إني أعلم ما لا تعلمون، ولم يخبرهم.
والثاني : أنه إيجاب، وإن خرجت الألف مَخْرج الاستفهام، كما قال جرير :
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايا | وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ |
أحدهما : أنهم قالوه ظناً وتوهُّماً، لأنهم رأوا الجن من قبلهم، قد أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فتصوروا أنه إن استخلف استخلف في الأرض مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماء.
وفي جوابهم بهذا وجهان :
أحدهما : أنهم قالوه استعظاماً لفعلهم، أي كيف يفسدون فيها، ويسفكون الدماء، وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال : إني أعلم ما لا تعلمون.
والثاني : أنهم قالوه تعجباً من استخلافه لهم أي كيف تستخلفهم في الأرض وقد علمت أنهم يفسدون فيها ويسفكون الدماء فقال :﴿ إني أعلم ما لا تعلمون ﴾.
وقوله :﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ السفك صب الدم خاصةً دون غَيْرِهِ من الماء والمائع، والسفح مثله، إلا أنه مستعمل في كل مائع على وجه التضييع، ولذلك قالوا في الزنى : إنه سفاح لتضييع مائه فيه.
قوله تعالى :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾.
والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على جهة التعظيم، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ | سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاجِرِ |
ولا يجوز أن يسبَّحَ عَيْرُ اللهِ، وإن كان منزهاً، لأنه صار علَماً في الدين على أعلى مراتب التعظيم الَّتي لا يستحقها إلا اللهُ تعالى.
وفي المراد بقولهم :﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : معناه نصلي لك، وفي التنزيل :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ]، أي من المصلين، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : معناه نعظِّمك، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنه التسبيح المعروف، وهذا قول المفضل، واستشهد بقول جرير :
قَبَّحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا | سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إهْلاَلاَ |
فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بالسَّاقِ وَالنَّسَا | كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَانُ ثَوْبَ الْمُقَدَّسِ |
وفي المراد بقولهم :﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ ثلاثةُ أقاويلَ :
أحدها : أنه الصلاة.
والثاني : تطهيره من الأدناس.
والثالث : التقديس المعروف.
وفي قوله تعالى :﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ثلاثةُ أقاويل :
أحدها : أراد ما أضمره إبليس من الاستكبار والمعصية فيما أُمِرُوا به من السجود لآدم، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني : مَنْ في ذرية آدم في الأنبياء والرُّسُلِ الذين يُصْلِحُونَ في الأرض ولا يفسدون، وهذا قول قتادة.
والثالث : ما اختص بعلمه من تدبير المصالح.
32
قوله تعالى :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ في تسميته بآدم قولان :
أحدهما : أنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وأديمها هو وجهها الظاهر، وهذا قول ابن عباس، وقد رَوَى أبو موسى الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ :« إِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ، قَبَضَها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَسوَدُ، وَالأبْيَضُ، وَالسَهْلُ، وَالخَبِيْثُ، وَالطَّيِّبُ ». والثاني : أنه مأخوذ من الأدمة، وهي اللون.
وفي الأسماء التي علَّمها الله تعالى آدَمَ، ثلاثة أقْوَالٍ : أحدها : أسماء الملائكة.
والثاني : أسماء ذريته.
والثالث : أسماء جميع الأشياء، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن التعليم إنما كان مقصوراً على الاسم دون المعنى.
والثاني : أنه علمه الأسماء ومعانيها، إذ لا فائدة في علم الأسماء بلا معاني، فتكون المعاني هي المقصودة، والأسماءُ دلائل عليها.
وإذا قيل بالوجه الأول، أن التعليم إنما كان مقصوراً على ألفاظ الأسماء دون معانيها، ففيه وجهان :
أحدهما : أنه علمه إياها باللغة، التي كان يتكلم بها.
والثاني : أنه علمه بجميع اللغات، وعلمها آدمُ ولده، فلما تفرقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وأَلِفُوه، ثم نسوا غيره فتطاول الزمن، وزعم قوم أنهم أصبحوا وكل منهم يتكلمون بلغةٍ قد نسوا غيرها في ليلة واحِدةٍ، ومثل هذا في العُرْفِ ممتنع.
قوله تعالىَّ :﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ على الْمَلاَئِكَةِ ﴾ وفيما عرضه عليهم قولان :
أحدهما : أنه عرض عليهم الأسماء دون المسميات.
والثاني : أنه عرض عليهم المُسَمَّيْنَ بها.
وفي حرف ابن مسعود :﴿ وَعَرَضَهُنَّ ﴾ وفي حرف أُبَيٍّ :﴿ وَعَرَضَهَا ﴾ فكان الأصح توجه العرض إلى المُسَمًّيْنَ.
ثم في زمان عرْضِهِم قولان :
أحدهما : أنه عرضهم بعد أن خلقهم.
والثاني : أنه صورهم لقلوب الملائكة، ثم عرضهم قبل خلقهم.
﴿ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ومعنى أنبئوني خبروني مأخوذ من الإنباء، وفي الإنباء قولان :
أَظْهَرُهُمَا : أنه الإخبار، والنبأ الخبر، والنبيء بالهمز مشتق من هذا.
والثاني : أن الإنباء الإعلام، وإنما يستعمل في الإخبار مجازاً.
وقوله :﴿ بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ ﴾ يعني الأسماءَ الَّتي علمها آدم. وفي قوله تعالى :﴿ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ستة أقاويل :
أحدها : إن كنتم صادقين أني لا أخلق خَلْقاً إلا كنتم أعلم منه؛ لأنه هجس في نفوسهم أنهم أعلم من غيرهم.
والثاني : إن كنتم صادقين فيما زعمتم أن خُلَفَائي يفسدون في الأرض.
والثالث : إن كنتم صادقين أني إنِ استخلفتكم فيها سبَّحْتموني وقَدَّسْتُمُوني، فإن استخلفت غيركم فيها عصاني.
والرابع : إن كنتم صادقين فيما وقع في نفوسكم، أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منه.
والخامس : معنى قوله :﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي عالمين.
أحدهما : أنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وأديمها هو وجهها الظاهر، وهذا قول ابن عباس، وقد رَوَى أبو موسى الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ :« إِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ، قَبَضَها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَسوَدُ، وَالأبْيَضُ، وَالسَهْلُ، وَالخَبِيْثُ، وَالطَّيِّبُ ». والثاني : أنه مأخوذ من الأدمة، وهي اللون.
وفي الأسماء التي علَّمها الله تعالى آدَمَ، ثلاثة أقْوَالٍ : أحدها : أسماء الملائكة.
والثاني : أسماء ذريته.
والثالث : أسماء جميع الأشياء، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن التعليم إنما كان مقصوراً على الاسم دون المعنى.
والثاني : أنه علمه الأسماء ومعانيها، إذ لا فائدة في علم الأسماء بلا معاني، فتكون المعاني هي المقصودة، والأسماءُ دلائل عليها.
وإذا قيل بالوجه الأول، أن التعليم إنما كان مقصوراً على ألفاظ الأسماء دون معانيها، ففيه وجهان :
أحدهما : أنه علمه إياها باللغة، التي كان يتكلم بها.
والثاني : أنه علمه بجميع اللغات، وعلمها آدمُ ولده، فلما تفرقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وأَلِفُوه، ثم نسوا غيره فتطاول الزمن، وزعم قوم أنهم أصبحوا وكل منهم يتكلمون بلغةٍ قد نسوا غيرها في ليلة واحِدةٍ، ومثل هذا في العُرْفِ ممتنع.
قوله تعالىَّ :﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ على الْمَلاَئِكَةِ ﴾ وفيما عرضه عليهم قولان :
أحدهما : أنه عرض عليهم الأسماء دون المسميات.
والثاني : أنه عرض عليهم المُسَمَّيْنَ بها.
وفي حرف ابن مسعود :﴿ وَعَرَضَهُنَّ ﴾ وفي حرف أُبَيٍّ :﴿ وَعَرَضَهَا ﴾ فكان الأصح توجه العرض إلى المُسَمًّيْنَ.
ثم في زمان عرْضِهِم قولان :
أحدهما : أنه عرضهم بعد أن خلقهم.
والثاني : أنه صورهم لقلوب الملائكة، ثم عرضهم قبل خلقهم.
﴿ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ومعنى أنبئوني خبروني مأخوذ من الإنباء، وفي الإنباء قولان :
أَظْهَرُهُمَا : أنه الإخبار، والنبأ الخبر، والنبيء بالهمز مشتق من هذا.
والثاني : أن الإنباء الإعلام، وإنما يستعمل في الإخبار مجازاً.
وقوله :﴿ بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ ﴾ يعني الأسماءَ الَّتي علمها آدم. وفي قوله تعالى :﴿ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ستة أقاويل :
أحدها : إن كنتم صادقين أني لا أخلق خَلْقاً إلا كنتم أعلم منه؛ لأنه هجس في نفوسهم أنهم أعلم من غيرهم.
والثاني : إن كنتم صادقين فيما زعمتم أن خُلَفَائي يفسدون في الأرض.
والثالث : إن كنتم صادقين أني إنِ استخلفتكم فيها سبَّحْتموني وقَدَّسْتُمُوني، فإن استخلفت غيركم فيها عصاني.
والرابع : إن كنتم صادقين فيما وقع في نفوسكم، أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منه.
والخامس : معنى قوله :﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي عالمين.
33
والسادس : أن معناه إن كنتم صادقين.
قوله تعالى :﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ العليم : هو العالم من غير تعليم، وفي « الحكيم » ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه المُحْكِمُ لأفعاله.
والثاني : أنه المانع من الفساد، ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام، لأنها تمنع الفرس من الجري الشديد، وقال جرير :
أي امنعوهم.
والثالث : أنه المُصِيبُ للحقِّ، ومنه سمي القاضي حاكماً، لأنه يصيب الحق في قضائه، وهذا قول أبي العباس المبرد.
قوله تعالى :﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ :﴿ مَا تُبْدُونَ ﴾ هو قولهم :﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾، وفي ﴿ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : ما أسرَّه إبليس من الكبر والعصيان، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني : أن الذي كتموه : ما أضمروه في أنفسهم أن الله تعالى لا يخلق خلقاً إلاَّ كانوا أكرمَ عليه منه، وهو قول الحسن البصري.
قوله تعالى :﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ العليم : هو العالم من غير تعليم، وفي « الحكيم » ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه المُحْكِمُ لأفعاله.
والثاني : أنه المانع من الفساد، ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام، لأنها تمنع الفرس من الجري الشديد، وقال جرير :
أبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ | إِنِّي أخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أغْضَبَا |
والثالث : أنه المُصِيبُ للحقِّ، ومنه سمي القاضي حاكماً، لأنه يصيب الحق في قضائه، وهذا قول أبي العباس المبرد.
قوله تعالى :﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ :﴿ مَا تُبْدُونَ ﴾ هو قولهم :﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾، وفي ﴿ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : ما أسرَّه إبليس من الكبر والعصيان، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني : أن الذي كتموه : ما أضمروه في أنفسهم أن الله تعالى لا يخلق خلقاً إلاَّ كانوا أكرمَ عليه منه، وهو قول الحسن البصري.
34
وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ﴾.
واختلف أهل التأويل في أمره الملائكة بالسجود لآدم، على قولين :
أحدهما : أنه أمرهم بالسجود له تَكْرِمَةً وَتَعْظِيماً لشأنِهِ.
والثاني : أَنَّهُ جعله قِبْلَةً لهم، فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم، وفيه ضرب من التعظيم.
وأصل السجود الخضوع والتطامن، قال الشاعر :
وسمى سجود الصلاة سجوداً، لما فيه من الخضوع والتطامن، فسجد الملائكة لآدم طاعةً لأمر الله تعالى إلا إبليس أَبَى أن يسجُدَ له حَسَداً واستكباراً.
واختلفوا في إبليس، هل كان من الملائكة أم لا؟ على قولين :
أحدهما : أنه كان من الملائكة، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، وابن جريج، لأنه استثناء منهم، فَدَلَّ على دخوله منهم.
والثاني : أنه ليس من الملائكة، وإنما هو أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس، وهذا قول الحسن وقتادة وابن زيد، ولا يمتنع جواز الاستثناء من غير جنسه، كما قال تعالى :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتَّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ] وهذا استثناء منقطع.
واختُلِفَ في تَسْمِيتِهِ بإبليس على قولين :
أحدهما : أنه اسم أعجمي وليس بمشتقٍّ.
والثاني : أنه اسمُ اشتقاق، اشتُقَّ من الإبلاس وهو اليأس من الخَيْرِ، ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ] أي آيِسُونَ من الخير، وقال العجَّاجُ :
فأمَّا من ذهب إلى أن إبليس كان من الملائكة، فاختلفوا في قوله تعالى :﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ كان مِنَ الْجِنِّ ﴾ [ ٥٠ الكهف ] لِمَ سماه الله تعالى بهذا الاسم، على أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم حي من الملائكة يُسَمَّوْن جنّاً كانوا من أشدِّ الملائكة اجتهاداً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه جعل من الجنِّ، لأنه من خُزَّانِ الجنَّةِ، فاشتق اسمه منها، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : أنه سمي بذلك لأنه جُنَّ عن طاعة ربِّه، وهذا قول ابن زيدٍ.
والرابع : أن الجِنِّ لكلِّ ما اجْتَنَّ فلم يظهر، حتى إنهم سَمَّوُا الملائكة جناً لاستتارهم، وهذا قول أبي إسحاق، وأنشد قول أعشى بني ثعلبة :
فسمَّى الملائكة جناً لاستتارهم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ ثلاثةُ أَقَاوِيلَ :
أحدها : أنه قد كان قبله قوم كفار، كان إبليس منهم.
والثاني : أن معناه : وصار من الكافرين.
والثالث : وهو قول الحسن : انه كان من الكافرين، وليس قبله كافرا، كما كان من الجنِّ، وليس قبله جِنٌّ، وكما تقول : كان آدم من الإنس، وليس قبله إنسيٌّ.
واختلف أهل التأويل في أمره الملائكة بالسجود لآدم، على قولين :
أحدهما : أنه أمرهم بالسجود له تَكْرِمَةً وَتَعْظِيماً لشأنِهِ.
والثاني : أَنَّهُ جعله قِبْلَةً لهم، فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم، وفيه ضرب من التعظيم.
وأصل السجود الخضوع والتطامن، قال الشاعر :
بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ | تَرَى الأَكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ |
واختلفوا في إبليس، هل كان من الملائكة أم لا؟ على قولين :
أحدهما : أنه كان من الملائكة، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، وابن جريج، لأنه استثناء منهم، فَدَلَّ على دخوله منهم.
والثاني : أنه ليس من الملائكة، وإنما هو أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس، وهذا قول الحسن وقتادة وابن زيد، ولا يمتنع جواز الاستثناء من غير جنسه، كما قال تعالى :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتَّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ] وهذا استثناء منقطع.
واختُلِفَ في تَسْمِيتِهِ بإبليس على قولين :
أحدهما : أنه اسم أعجمي وليس بمشتقٍّ.
والثاني : أنه اسمُ اشتقاق، اشتُقَّ من الإبلاس وهو اليأس من الخَيْرِ، ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ] أي آيِسُونَ من الخير، وقال العجَّاجُ :
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَساً | قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَأَبْلَسَا |
أحدها : أنهم حي من الملائكة يُسَمَّوْن جنّاً كانوا من أشدِّ الملائكة اجتهاداً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه جعل من الجنِّ، لأنه من خُزَّانِ الجنَّةِ، فاشتق اسمه منها، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : أنه سمي بذلك لأنه جُنَّ عن طاعة ربِّه، وهذا قول ابن زيدٍ.
والرابع : أن الجِنِّ لكلِّ ما اجْتَنَّ فلم يظهر، حتى إنهم سَمَّوُا الملائكة جناً لاستتارهم، وهذا قول أبي إسحاق، وأنشد قول أعشى بني ثعلبة :
لَوْ كَانَ حَيٌّ خَالِد أَوْ مُعَمَّراً | لَكَانَ سُلَيْمَان البري مِنَ الدَّهْرِ |
بَرَاهُ إلهي وَاصْطَفَاهُ عِبَادُهُ | وَمَلَّكَهُ ما بَيْنَ نُوبَا إلى مِصْرِ |
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلاَئِكِ تِسْعَةً | قِيَاماً لَدَيْهِ يعْمَلُونَ بِلاَ أَجْرِ |
وفي قوله تعالى :﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ ثلاثةُ أَقَاوِيلَ :
أحدها : أنه قد كان قبله قوم كفار، كان إبليس منهم.
والثاني : أن معناه : وصار من الكافرين.
والثالث : وهو قول الحسن : انه كان من الكافرين، وليس قبله كافرا، كما كان من الجنِّ، وليس قبله جِنٌّ، وكما تقول : كان آدم من الإنس، وليس قبله إنسيٌّ.
قوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يا آدَمَ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾.
إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم، ولذلك قيل للمرأة : ضلع أعوج.
وسُمِّيت امرأةً لأنها خُلِقَتْ مِنَ المرءِ، فأما تسميتها حواء، ففيه قولان :
أحدهما : أنها سميت بذلك لأنها خلقت من حَيٍّ، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها سميت بذلك، لأنها أم كل حيٍّ.
واختُلِف في الوقت الذي خلقت فيه حواءُ على قولين :
أحدهما : أن آدم أُدْخِلَ الجنَّةَ وَحْدَهُ، فَلَمَّا استوحش خُلِقَتْ حواءُ من ضِلْعِهِ بعد دخوله في الجنة، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة، ثم أُدْخِلا معاً إلى الجنةِ، لقوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾، وهذا قول أبي إسحاق.
واختلف في الجَنَّةِ التي أُسْكِنَاهَا على قولين :
أحدهما : أنها جنةُ الخُلد.
والثاني : أنها جنةٌ أعدها الله لهما، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾.
في الرغدِ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : أنه العيش الهني، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود، ومنه قول امرئ القيس :
والثاني : أنه العيش الواسع، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث : أنه أراد الحلال الذي لا حساب فيه، وهو قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾.
اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها، على أربعةِ أقاويل :
أحدها : أنها البُرُّ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها الكَرْمُ، وهذا قول السُّدِّيِّ، وجعدة بن هبيرة.
والثالث : أنها التِّين، وهذا قول ابن جريجٍ، ويحكيه عن بعض الصحابة.
والرابع : أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة.
وفي قوله تعالى :﴿ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما.
والثاني : من الظالمين لأنفسكما في أكلكما.
واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة، على أي وجهٍ وقعت منه، على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى :﴿ ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾ [ طه : ١١٥ ] وزعم صاحب هذا القول، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعاً صار به عاصياً.
والقول الثاني : أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً، وهو قول سعيد بن المسيب.
والقول الثالث : أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي، وتأول قوله :﴿ وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾
إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم، ولذلك قيل للمرأة : ضلع أعوج.
وسُمِّيت امرأةً لأنها خُلِقَتْ مِنَ المرءِ، فأما تسميتها حواء، ففيه قولان :
أحدهما : أنها سميت بذلك لأنها خلقت من حَيٍّ، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها سميت بذلك، لأنها أم كل حيٍّ.
واختُلِف في الوقت الذي خلقت فيه حواءُ على قولين :
أحدهما : أن آدم أُدْخِلَ الجنَّةَ وَحْدَهُ، فَلَمَّا استوحش خُلِقَتْ حواءُ من ضِلْعِهِ بعد دخوله في الجنة، وهذا قول ابن عباسٍ، وابن مسعود.
والثاني : أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة، ثم أُدْخِلا معاً إلى الجنةِ، لقوله تعالى :﴿ وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾، وهذا قول أبي إسحاق.
واختلف في الجَنَّةِ التي أُسْكِنَاهَا على قولين :
أحدهما : أنها جنةُ الخُلد.
والثاني : أنها جنةٌ أعدها الله لهما، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾.
في الرغدِ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : أنه العيش الهني، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود، ومنه قول امرئ القيس :
بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِماً | يَأْمِنُ الأحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ |
والثالث : أنه أراد الحلال الذي لا حساب فيه، وهو قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾.
اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها، على أربعةِ أقاويل :
أحدها : أنها البُرُّ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنها الكَرْمُ، وهذا قول السُّدِّيِّ، وجعدة بن هبيرة.
والثالث : أنها التِّين، وهذا قول ابن جريجٍ، ويحكيه عن بعض الصحابة.
والرابع : أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة.
وفي قوله تعالى :﴿ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما.
والثاني : من الظالمين لأنفسكما في أكلكما.
واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة، على أي وجهٍ وقعت منه، على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى :﴿ ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾ [ طه : ١١٥ ] وزعم صاحب هذا القول، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعاً صار به عاصياً.
والقول الثاني : أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً، وهو قول سعيد بن المسيب.
والقول الثالث : أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي، وتأول قوله :﴿ وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ﴾
36
[ طه : ١١٥ ] أي فَزَلَّ، ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ.
والرابع : أنه أكل منها على جهة التأويل، فصار عاصياً بإغفال الدليل، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر، ولقوله تعالى في إبليس :﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] وهو ما صرفهما إليه من التأويل.
واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل، على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم.
والثاني : أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ.
والثالث : أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله :﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ].
قوله تعالى :﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾.
قرأ حمزة وحده :﴿ فَأَزَالَهُمَا ﴾ بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان، إذا تنحَّيْتَ عنه، وقرأ الباقون :﴿ فَأَزَلَّهُمَا ﴾ بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل، وهو الخطأ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق، وأصله الزوال.
والشيطان الذي أزلهما هو إبليس.
واختلف المفسرون، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا؟ فقال عبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما، واستدلُّوا بقوله تعالى :﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢١ ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما، ووسوس لهما من غير مشاهدة، لقوله تعالى :﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ [ الأعراف : ٢٠ ]، والأول أظهر وأشهر.
وقوله تعالى :﴿ فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ يعني إبليس، سبب خروجهما، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما.
قوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾.
الهُبوط بضم الهاء النزول، وبفتحها موضع النزول، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة، وهو أيضاً دُخولها، فهو من الأضداد، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها، فصار هُبوطاً.
واختلفوا في المأمور بالهبوط، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه آدم، وحواء، وإبليس، والحيَّةُ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه آدم وذريته، وإبليس وذريته، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنه آدم، وحواء، والمُوَسْوِسُ.
والعدو اسم يستعمل في الواحد، والاثنين، والجمع، والمذكر، والمؤنث، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ، وعداهُ كذا، أي جازوه، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم، وليس بأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بالعداوة.
واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ ﴾، على قولين :
أحدهما : أنهم الذين قيل هلم اهبطوا، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه.
والثاني : أنهم بنو آدم، وبنو إبليس، وهذا قول الحسن البصري.
والرابع : أنه أكل منها على جهة التأويل، فصار عاصياً بإغفال الدليل، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر، ولقوله تعالى في إبليس :﴿ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] وهو ما صرفهما إليه من التأويل.
واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل، على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم.
والثاني : أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ.
والثالث : أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله :﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ].
قوله تعالى :﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾.
قرأ حمزة وحده :﴿ فَأَزَالَهُمَا ﴾ بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان، إذا تنحَّيْتَ عنه، وقرأ الباقون :﴿ فَأَزَلَّهُمَا ﴾ بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل، وهو الخطأ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق، وأصله الزوال.
والشيطان الذي أزلهما هو إبليس.
واختلف المفسرون، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا؟ فقال عبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما، واستدلُّوا بقوله تعالى :﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢١ ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما، ووسوس لهما من غير مشاهدة، لقوله تعالى :﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ﴾ [ الأعراف : ٢٠ ]، والأول أظهر وأشهر.
وقوله تعالى :﴿ فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ يعني إبليس، سبب خروجهما، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما.
قوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾.
الهُبوط بضم الهاء النزول، وبفتحها موضع النزول، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة، وهو أيضاً دُخولها، فهو من الأضداد، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها، فصار هُبوطاً.
واختلفوا في المأمور بالهبوط، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه آدم، وحواء، وإبليس، والحيَّةُ، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه آدم وذريته، وإبليس وذريته، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنه آدم، وحواء، والمُوَسْوِسُ.
والعدو اسم يستعمل في الواحد، والاثنين، والجمع، والمذكر، والمؤنث، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ، وعداهُ كذا، أي جازوه، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم، وليس بأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بالعداوة.
واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم :﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ ﴾، على قولين :
أحدهما : أنهم الذين قيل هلم اهبطوا، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه.
والثاني : أنهم بنو آدم، وبنو إبليس، وهذا قول الحسن البصري.
37
قوله تعالى :﴿ وَلَكُمْ في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أن المستقر من الأرض موضع مقامهم عليها، لقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً ﴾ [ غافر : ٦٤ ]، وهذا قول أبي العالية.
والثاني : أنه موضع قبورهم منها، وهذا قول السُّدِّيِّ.
قوله تعالىَّ :﴿ وَمَتَاعٌ إلى حينٍ ﴾ :
والمتاع كل ما اسْتُمْتِعَ به من المنافع، ومنه سُمِّيَتْ متعة النكاح، ومنه قوله تعالى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ]، أي ادفعوا إليْهِنَّ ما ينتفعْنَ به، قال الشاعر :
والحين : الوقت البعيد، ف « حِينئِذٍ » تبعيد قولِكَ :« الآن »، وفي المراد بالحين في هذا الموضع ثلاثة أقاويل :
أحدها : إلى الموت، وهو قول ابن عباس والسُّدِّيِّ.
والثاني : إلى قيام الساعة، وهو قول مجاهد.
والثالث : إلى أجلٍ، وهو قول الربيع.
أحدهما : أن المستقر من الأرض موضع مقامهم عليها، لقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً ﴾ [ غافر : ٦٤ ]، وهذا قول أبي العالية.
والثاني : أنه موضع قبورهم منها، وهذا قول السُّدِّيِّ.
قوله تعالىَّ :﴿ وَمَتَاعٌ إلى حينٍ ﴾ :
والمتاع كل ما اسْتُمْتِعَ به من المنافع، ومنه سُمِّيَتْ متعة النكاح، ومنه قوله تعالى :﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٤٩ ]، أي ادفعوا إليْهِنَّ ما ينتفعْنَ به، قال الشاعر :
وَكُلُّ غَضَارَةٍ لَكَ من حَبِيب | لها بِكَ، أو لَهَوْتَ بِهِ، مَتَاعُ |
أحدها : إلى الموت، وهو قول ابن عباس والسُّدِّيِّ.
والثاني : إلى قيام الساعة، وهو قول مجاهد.
والثالث : إلى أجلٍ، وهو قول الربيع.
38
قوله تعالىَّ :﴿ فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلَمَاتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ﴾ :
أما « الكلام » فمأخوذ من التأثير، لأن له تأثيراً في النفس بما يدلُّ عليه من المعاني؛ ولذلك سُمِّيَ الجُرْحُ كَلْماً لتَأْثِيره في البدن، واللفظُ مشتق من قولك : لفظت الشيء، إذا أخْرجْتَهُ من قلبك.
واختُلِفَ في الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : قوله :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وهذا قول الحسن، وقتادة، وابن زيد.
والثاني : قول آدم : اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ربِّ إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، إنِّي ظلمت نفسي، فتُب عليَّ، إِنَّك أنت التوابُ الرحيم، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أن آدم قال لربِّه إذ عصاه : ربِّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال ربُّه : إني راجعك إلى الجنَّةِ، وكانت هي الكلمات التي تلقاها من ربه، وهذا قول ابن عباسٍ.
قوله تعالى :﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾، أي قبل توبته، والتوبةُ الرجوع، فهي من العبد رجوعه عن الذنب بالندم عليه، والإقلاع عنه، وهي من الله تعالى على عبده، رجوع له إلى ما كان عليه.
فإن قيل : فِلمَ قال :﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾، ولم يقُلْ : فتابَ علَيْهِما، والتوبة قد توجهت إليهما؟ قيل : عنه جوابان :
أحدهما : لما ذكر آدم وحده بقوله :﴿ فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾، ذكر بعده قبول توبته، ولم يذكر توبة حوَّاء وإن كانت مقبولة التوبة، لأنه لم يتقدم ذكرها.
والثاني : أن الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحداً، جاز أن يذكرَ أحدهما، ويكونَ المعنى لهما، كما قال تعالى :﴿ وَإذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾ [ الجمعة : ١١ ] وكما قال تعالى :﴿ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾، أي الكثيرُ القبولِ للتوبةِ، وعقَّبه بالرحمة، لئلا يخلِّيَ الله تعالى عباده من نِعَمِهِ.
وقال الحسن : لم يخلق الله تعالى آدم إلا للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال، وقال غيره : يجوز أن يكون خَلَقَهُ للأرض إن عَصَى، ولغيرها إن لم يعصِ.
ولم يُخْرجِ اللهُ تعالى آدمَ من الجنة ويُهْبِطهُ على الأرض عقوبةً، لأمرين : أحدهما : أن ذنبه كان صغيراً.
والثاني : أنه أُهْبِطَ بعد قبول توبته.
وإنما أُهْبِطَ لأحد أمرين : إِمَّا تأديباً، وإمَّا تغليظاً للمحنة.
أما « الكلام » فمأخوذ من التأثير، لأن له تأثيراً في النفس بما يدلُّ عليه من المعاني؛ ولذلك سُمِّيَ الجُرْحُ كَلْماً لتَأْثِيره في البدن، واللفظُ مشتق من قولك : لفظت الشيء، إذا أخْرجْتَهُ من قلبك.
واختُلِفَ في الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : قوله :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ] وهذا قول الحسن، وقتادة، وابن زيد.
والثاني : قول آدم : اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ربِّ إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، إنِّي ظلمت نفسي، فتُب عليَّ، إِنَّك أنت التوابُ الرحيم، وهذا قول مجاهد.
والثالث : أن آدم قال لربِّه إذ عصاه : ربِّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال ربُّه : إني راجعك إلى الجنَّةِ، وكانت هي الكلمات التي تلقاها من ربه، وهذا قول ابن عباسٍ.
قوله تعالى :﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾، أي قبل توبته، والتوبةُ الرجوع، فهي من العبد رجوعه عن الذنب بالندم عليه، والإقلاع عنه، وهي من الله تعالى على عبده، رجوع له إلى ما كان عليه.
فإن قيل : فِلمَ قال :﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾، ولم يقُلْ : فتابَ علَيْهِما، والتوبة قد توجهت إليهما؟ قيل : عنه جوابان :
أحدهما : لما ذكر آدم وحده بقوله :﴿ فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾، ذكر بعده قبول توبته، ولم يذكر توبة حوَّاء وإن كانت مقبولة التوبة، لأنه لم يتقدم ذكرها.
والثاني : أن الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحداً، جاز أن يذكرَ أحدهما، ويكونَ المعنى لهما، كما قال تعالى :﴿ وَإذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾ [ الجمعة : ١١ ] وكما قال تعالى :﴿ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ [ التوبة : ٦٢ ].
قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾، أي الكثيرُ القبولِ للتوبةِ، وعقَّبه بالرحمة، لئلا يخلِّيَ الله تعالى عباده من نِعَمِهِ.
وقال الحسن : لم يخلق الله تعالى آدم إلا للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال، وقال غيره : يجوز أن يكون خَلَقَهُ للأرض إن عَصَى، ولغيرها إن لم يعصِ.
ولم يُخْرجِ اللهُ تعالى آدمَ من الجنة ويُهْبِطهُ على الأرض عقوبةً، لأمرين : أحدهما : أن ذنبه كان صغيراً.
والثاني : أنه أُهْبِطَ بعد قبول توبته.
وإنما أُهْبِطَ لأحد أمرين : إِمَّا تأديباً، وإمَّا تغليظاً للمحنة.
قوله تعالى :﴿ يا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُا نعمتي الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ﴾.
وإسرائيل هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ، قال ابنُ عباس :« إسرا » بالعبرانية : عبد، و « إيل » هو الله، فكان اسمه عبدَ الله.
وقوله :﴿ اذْكُروا نِعْمَتِيَ ﴾ والذكر اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان، والذكر باللسان ضد الإنصات، والذكر الشرف، وقال الكسائي : ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وقال غيره : هو لغتان : ذِكر وذُكر، ومعناهما واحد.
والمراد بالآية الذكر بالقلب، وتقديره : لا تغفلوا عن نعمتي، التي أنعَمْتُ عليكم ولا تَنَاسَوْها.
وفي النعمة التي أنعمها عليهم قولان :
أحدهما : عموم نِعَمِهِ الَّتي أنعم بها على خلْقِهِ، كما قال تعالى :﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [ النحل : ١٨ ].
والثاني : وهو قول الحسن البصري، أنه أراد نِعَمَهُ عَلَى آبائهم، إذ نجَّاهم من آل فرعون، وجعل منهم الأنبياء، وأنزل عليهم الكتب، وفجَّر لهم الحَجَرَ، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، والنعم على الآباء، نعم على الأبناء، لأنهم يَشْرُفون بشرف آبائهم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ قولان :
أحدهما : أوفوا بعهدي الذي أخذتُ عليكم من الميثاق، أن تؤمنوا بي وتصدقوا رُسُلي، أُوفِ بعهدكم على ما وعدتكم من الجنة.
والثاني : قاله عبد الله بن عباس : أَوْفُوا بما أَمَرْتُكم، أُوفِ بما وَعَدْتُكم إِيَّاهُ.
وفي تسمية ذلك عهداً قولان :
أحدهما : لأنه عَهْدُهُ في الكتب السالفةِ.
والثاني : أنه جعله كالعهد، الذي هو يمين لِلُزُوم الوفاءِ بهما معاً.
قوله تعالى :﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ ﴾ يعني من القرآن على محمد ﷺ، ﴿ مُصَدٍِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ﴾ يعني من التوراة، وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مصدقاً لما في التوراة، من توحيد الله وطاعته.
والثاني : مصدقاً لما في التوراة، أنها من عند الله.
والثالث : مصدقاً لما في التوراة من ذكر القرآن، وبَعْثِهِ مُحمداً ﷺ نبيّاً.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونُوا أُوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : ولا تكونوا أول كافرٍ بالقرآن من أهل الكتاب، وهو قول ابن جريجٍ.
والثاني : ولا تكونوا أول كافر بمحمدٍ ﷺ، وهذا قول أبي العالية.
والثالث : ولا تكونوا أول كافرٍ بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمدٍ وتصديقِ القرآن.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : لا تأخذوا عليه أجراً، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول :« يا ابن آدم علِّم مجَّاناً كما عُلِّمْتَ مجَّاناً »، وهذا قول أبي العالية.
والثاني : لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمناً، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث : لا تأخذوا ثمناً قليلاً على كتم ما فيه من ذكر محمدٍ ﷺ، وتصديق القرآن، وهذا قول السدي.
وإسرائيل هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ، قال ابنُ عباس :« إسرا » بالعبرانية : عبد، و « إيل » هو الله، فكان اسمه عبدَ الله.
وقوله :﴿ اذْكُروا نِعْمَتِيَ ﴾ والذكر اسم مشترك، فالذكر بالقلب ضد النسيان، والذكر باللسان ضد الإنصات، والذكر الشرف، وقال الكسائي : ما كان بالقلب فهو مضموم الذال، وقال غيره : هو لغتان : ذِكر وذُكر، ومعناهما واحد.
والمراد بالآية الذكر بالقلب، وتقديره : لا تغفلوا عن نعمتي، التي أنعَمْتُ عليكم ولا تَنَاسَوْها.
وفي النعمة التي أنعمها عليهم قولان :
أحدهما : عموم نِعَمِهِ الَّتي أنعم بها على خلْقِهِ، كما قال تعالى :﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [ النحل : ١٨ ].
والثاني : وهو قول الحسن البصري، أنه أراد نِعَمَهُ عَلَى آبائهم، إذ نجَّاهم من آل فرعون، وجعل منهم الأنبياء، وأنزل عليهم الكتب، وفجَّر لهم الحَجَرَ، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، والنعم على الآباء، نعم على الأبناء، لأنهم يَشْرُفون بشرف آبائهم.
وفي قوله تعالى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ قولان :
أحدهما : أوفوا بعهدي الذي أخذتُ عليكم من الميثاق، أن تؤمنوا بي وتصدقوا رُسُلي، أُوفِ بعهدكم على ما وعدتكم من الجنة.
والثاني : قاله عبد الله بن عباس : أَوْفُوا بما أَمَرْتُكم، أُوفِ بما وَعَدْتُكم إِيَّاهُ.
وفي تسمية ذلك عهداً قولان :
أحدهما : لأنه عَهْدُهُ في الكتب السالفةِ.
والثاني : أنه جعله كالعهد، الذي هو يمين لِلُزُوم الوفاءِ بهما معاً.
قوله تعالى :﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ ﴾ يعني من القرآن على محمد ﷺ، ﴿ مُصَدٍِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ﴾ يعني من التوراة، وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مصدقاً لما في التوراة، من توحيد الله وطاعته.
والثاني : مصدقاً لما في التوراة، أنها من عند الله.
والثالث : مصدقاً لما في التوراة من ذكر القرآن، وبَعْثِهِ مُحمداً ﷺ نبيّاً.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونُوا أُوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : ولا تكونوا أول كافرٍ بالقرآن من أهل الكتاب، وهو قول ابن جريجٍ.
والثاني : ولا تكونوا أول كافر بمحمدٍ ﷺ، وهذا قول أبي العالية.
والثالث : ولا تكونوا أول كافرٍ بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمدٍ وتصديقِ القرآن.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : لا تأخذوا عليه أجراً، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول :« يا ابن آدم علِّم مجَّاناً كما عُلِّمْتَ مجَّاناً »، وهذا قول أبي العالية.
والثاني : لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمناً، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث : لا تأخذوا ثمناً قليلاً على كتم ما فيه من ذكر محمدٍ ﷺ، وتصديق القرآن، وهذا قول السدي.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِل ﴾ بعني لا تخلطوا الْحَقَّ بالباطلِ، واللبس خلط الأمور، وفيه قوله تعالى :﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾ [ الأنعام : ٩ ] قال ابن عباسٍ : معناه : ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون، ومنه قول العجاج :
وفي قوله :﴿ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : الصدق، وهو قول ابن عباس.
والثاني : اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد.
والثالث : الحقُّ : التوراةُ التي أُنْزِلَتْ على موسى، والباطلُ : الذي كتبوه بأيديهم.
وقوله تعالى :﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ﴾ يعني محمداً، ومعرفة نبوَّته، ﴿ وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع.
قوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾.
أما الصلاة : فقد مضى الكلام فيها.
وأما الزكاة : ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان :
أحدهما : أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم : زَكا الزرع، إذا زاد، ويقال : زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ :
فخساً : الوِتر، وزكاً : الشفع، وقال الراجز :
السَّفَا : شوك البهمي، والبهمي : الشوك الممدود مثل السبلى.
والقول الثاني : أنَّها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى :﴿ أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً ﴾ [ الكهف : ٧٤ ] أي طاهرة من الذنوب.
وفيما يُطهَّر قولان :
أحدهما : أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ.
الثاني : تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل.
قوله تعالى :﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان : فَرَعْتُ من ركوعي، أي من صلاتي.
والثاني : أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم.
وفي أصل الركوع قولان :
أحدهما : أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيدٍ، قال لبيد بنُ ربيعة :
والثاني : أنه مأخوذ من المذلَّة والخضوع، وهو قول الأصمعي والمفضل، قال الأضبطُ بنُ قريع السَّعْدِيُّ :
لَمَّا لَبَسْنَ الْحَقَّ بِالتَّجَنِّي | غَنِينَ واسْتَبْدَلْنَ زَيْداً مِنِّي |
أحدها : الصدق، وهو قول ابن عباس.
والثاني : اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد.
والثالث : الحقُّ : التوراةُ التي أُنْزِلَتْ على موسى، والباطلُ : الذي كتبوه بأيديهم.
وقوله تعالى :﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ﴾ يعني محمداً، ومعرفة نبوَّته، ﴿ وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع.
قوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾.
أما الصلاة : فقد مضى الكلام فيها.
وأما الزكاة : ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان :
أحدهما : أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم : زَكا الزرع، إذا زاد، ويقال : زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ :
كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ | لَمْ يُخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِج |
فَلاَ خَساً عَدِيدُهُ وَلاَ زَكاً | كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا |
والقول الثاني : أنَّها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى :﴿ أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً ﴾ [ الكهف : ٧٤ ] أي طاهرة من الذنوب.
وفيما يُطهَّر قولان :
أحدهما : أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ.
الثاني : تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل.
قوله تعالى :﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان : فَرَعْتُ من ركوعي، أي من صلاتي.
والثاني : أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم.
وفي أصل الركوع قولان :
أحدهما : أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيدٍ، قال لبيد بنُ ربيعة :
أخبّر أخبار القرون التي مضت | أدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ |
لاَ تُذِلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ | كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ |
لاَهُمَّ إِنَّ آلَ بَكْرٍ دُونَكَا | يَبرُّكَ النَّاسُ وَيَفْجُرُونَكَا |
والثاني : أنهم كانوا يأمرون الناس بالتمسك بكتاب ربهم ويتركونه بجحود ما فيه من نبوَّة محمدٍ ﷺ، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنهم كانوا يأمرون بالصدقة ويضنون بها.
قوله تعالى :﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ :
أما الصبر : فهو حبس النفس عما تُنازع إليه، ومنه صبر صاحب المصيبة، أن يحبس نفسه عن الجزع، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ، وجاء في الحديث :« اقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ » وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك.
وفي الصبر المأمور به، قولان :
أحدهما : أنه الصبرُ على طاعته، والكف عن معصيته.
والثاني : أنه الصوم، وقد كان النبيُّ ﷺ إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه، فقال له : أشكو من بردٍ. قال :« قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ ». وأما قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ ﴾ ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني : وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ.
والثاني : يعني الصبر والصلاة، فأرادهما، وإن عادت الكناية إلى الصلاة؛ لأنها أقرب مذكور، كما قال الشاعِرُ :
والثالث : وإن إجابة محمد ﷺ لشديدة إلا على الخاشعين.
والخشوع في الله : التواضع، ونظيره الخضوع، وقيل : إن الخضوع في البدن، والخشوعَ في الصوت، والبصر.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو ربِّهِمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم، لإشفاقهم من المعاصي التي كانت منهم.
والثاني : وهو قول الجمهور : أن الظن ها هنا اليقين، فكأنه قال : الذين يَتَيَقَّنُون أنهم ملاقو ربهم، وكذلك قوله تعالى :﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّي مُلاَقٍ حسَابِيَهْ ﴾ أي تيقَّنت، قال أبو داود :
﴿ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه أراد بالرجوع الموت.
والثاني : أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية.
والثالث : راجعون إليه، أي لا يملك أحد لهم ضرّاً ولا نفعاً غيره كما كانوا في بدءِ الخلق.
أما الصبر : فهو حبس النفس عما تُنازع إليه، ومنه صبر صاحب المصيبة، أن يحبس نفسه عن الجزع، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ، وجاء في الحديث :« اقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ » وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك.
وفي الصبر المأمور به، قولان :
أحدهما : أنه الصبرُ على طاعته، والكف عن معصيته.
والثاني : أنه الصوم، وقد كان النبيُّ ﷺ إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه، فقال له : أشكو من بردٍ. قال :« قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ ». وأما قوله تعالى :﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ ﴾ ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني : وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ.
والثاني : يعني الصبر والصلاة، فأرادهما، وإن عادت الكناية إلى الصلاة؛ لأنها أقرب مذكور، كما قال الشاعِرُ :
فَمَنْ يَكُ أَمْسَى في الْمَدِينَةِ رَحْلُهُ | فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ |
والخشوع في الله : التواضع، ونظيره الخضوع، وقيل : إن الخضوع في البدن، والخشوعَ في الصوت، والبصر.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو ربِّهِمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم، لإشفاقهم من المعاصي التي كانت منهم.
والثاني : وهو قول الجمهور : أن الظن ها هنا اليقين، فكأنه قال : الذين يَتَيَقَّنُون أنهم ملاقو ربهم، وكذلك قوله تعالى :﴿ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّي مُلاَقٍ حسَابِيَهْ ﴾ أي تيقَّنت، قال أبو داود :
رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ | وَغُيوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِ |
أحدها : أنه أراد بالرجوع الموت.
والثاني : أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية.
والثالث : راجعون إليه، أي لا يملك أحد لهم ضرّاً ولا نفعاً غيره كما كانوا في بدءِ الخلق.
قوله تعالى :﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه : لا تُغنِي، كما يقال : البقرة تَجْزِي عن سبعةٍ أي تُغِني، وهو قول السدي.
والثاني : معناه لا تقضي، ومنه قولهم جزى الله فلاناً عني خيراً، أي قضاه، وهو قول المفضل.
﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾ قال الحسن : معناه لا يجِيءُ بشفيعٍ تقبل شفاعته لعجزه عنه، وقال غيره : بل معناه، أن الشفيع لا يجيبه إلى الشفاعة له، وأنَّه لو شُفِّعَ لشَفَعَ.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ : العَدْلُ بفتح العَيْنِ : الفِدْيَةُ، وبكسرِ العَيْنِ : المِثلُ.
فأما قولهم : لا قَبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن الصرف العمل، والعدل الفدية، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني : أن الصرف الدية، والعدل رجل مكانه، وهذا قول الكلبي.
والثالث : أن الصرف التطوع، والعدل الفريضة، وهذا قول الأصمعي.
والرابع : أن الصرف الحِيلَةُ، والعدل الفدْية، وهذا قول أبي عبيدة.
أحدهما : معناه : لا تُغنِي، كما يقال : البقرة تَجْزِي عن سبعةٍ أي تُغِني، وهو قول السدي.
والثاني : معناه لا تقضي، ومنه قولهم جزى الله فلاناً عني خيراً، أي قضاه، وهو قول المفضل.
﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾ قال الحسن : معناه لا يجِيءُ بشفيعٍ تقبل شفاعته لعجزه عنه، وقال غيره : بل معناه، أن الشفيع لا يجيبه إلى الشفاعة له، وأنَّه لو شُفِّعَ لشَفَعَ.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ : العَدْلُ بفتح العَيْنِ : الفِدْيَةُ، وبكسرِ العَيْنِ : المِثلُ.
فأما قولهم : لا قَبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن الصرف العمل، والعدل الفدية، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني : أن الصرف الدية، والعدل رجل مكانه، وهذا قول الكلبي.
والثالث : أن الصرف التطوع، والعدل الفريضة، وهذا قول الأصمعي.
والرابع : أن الصرف الحِيلَةُ، والعدل الفدْية، وهذا قول أبي عبيدة.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ نَجَّيناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ يعني من قوم فرعون، وآل الرَّجُلِ : هم الَّذين تؤول أمورهم إليه، إما في نسب، أو في صحبة، وَاختُلِف في الآل والأهل على قولين :
أحدهما : أنهما سواء.
والثاني : وهو قول الكسائي : أنه يقال : آل الرجل، إذا ذكر اسمهُ، فإن كُنَيَ عنه قيل أهله، ولم يُقَلْ آله، كما يقال : أهل العلم، وأهل البصرة، ولا يقال : آل العلم، وآل البصرة.
وفِرْعَوْنُ : قيل إنه ذلك الرجل بعينه، وقيل إنه اسمُ كلِّ ملكٍ من ملوك العمالقة، مثل قيصر للروم، وكسرى للفرس، وأن اسْمَ فِرْعَوْنِ مَوسَى : الوليدُ بنُ مُصْعَبٍ.
وفي قوله تعالى :﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : معناه يولونكم، مِنْ قولهم : سَامَهُ خطة خَسْفٍ، إذا أولاه.
والثاني : يُجَشِّمُونَكُمُ الأعمال الشَّاقَّة.
والثالث : يزيدونكم على سوء العذاب، ومنه مساومة البيع، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ، ويزيد المشتري على ثمنٍ، وهذا قول المفضل.
قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾ أي يستبقون، وهو استفعال من الحياة، لأنهم كانوا يُذَبِّحُونَ الذكور، ويستبقون الإناث.
وأما اسم النساء، فقد قيل : إنه ينطلق على الصغار، والكبار، وقيل : بل ينطلق على الكبار، وإنما سَمَّي الصغار نساءً، على معنى أنهُنَّ يبقِين، حتَّى يصِرْنَ نساءً.
وإنما كان استبقاءُ النساء من سوء العذاب، لأنهم كانوا يستبقونهن للاسترقاق والخدمة، فصار ذلك هو سُوءَ العذاب، لا الاستبقاء.
وفي قوله تعالى :﴿ وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أن فيما كانوا يفعلونه بهم : مِنْ سوء العذاب، وذبح الأبناء، واستحياء النساءِ شدةً وجهداً عظيماً.
والثاني : أن في إنجائهم من آل فرعونَ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ، وهو قول ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، والسدي.
وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر، كما قال تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، غير أن الأكثر في الشر أن يقال : بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً، وفي الخير : أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ :
فجمع بين اللُّغَتين.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : وإذ فصلنا بكم البحر، لأن الفرْقَ : الفصل بين الشيئين، فَفَرَقَ البحر اثني عشر طريقاً، وكان عددهم ستمائة ألفٍ وعشرين ألفاً، لا يُعَدُّ فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره، وكان على مقدمة فرعونَ هامانُ في ألْفِ ألْفٍ، وسبعمائة حصانٍ، وذلك قوله :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ في الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْ ذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٥٣، ٥٤ ] وهذا قول السدي.
والثاني : أن معناه : وإذ فرقنا بينكم وبين البحر، أي ميزنا، فأصل الفرق التمييز بين الشيئين، والفِرْقَةُ من الناس : الطائفة المتميزة من غيرهم.
والبحر سُمِّيَ بحراً لسعته وانبساطه، ومنه قولهم : تبحَّر في العلم، إذا اتَّسع فيه، والبَحِيرَةُ : الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها شَقّاً واسعاً.
قوله تعالى :﴿ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ فحذف ذِكْرَ فرْعَوْنَ وإن غَرِقَ معهم، لأنه قد عُلِمَ دخوله فيهم.
قوله تعالى :﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ يعني إلى فَرْقِ البحر، حتى سلكوا فيه، وانطباقه على آل فرعون، حتى غرقوا فيه.
أحدهما : أنهما سواء.
والثاني : وهو قول الكسائي : أنه يقال : آل الرجل، إذا ذكر اسمهُ، فإن كُنَيَ عنه قيل أهله، ولم يُقَلْ آله، كما يقال : أهل العلم، وأهل البصرة، ولا يقال : آل العلم، وآل البصرة.
وفِرْعَوْنُ : قيل إنه ذلك الرجل بعينه، وقيل إنه اسمُ كلِّ ملكٍ من ملوك العمالقة، مثل قيصر للروم، وكسرى للفرس، وأن اسْمَ فِرْعَوْنِ مَوسَى : الوليدُ بنُ مُصْعَبٍ.
وفي قوله تعالى :﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ ثلاثةُ تأويلاتٍ :
أحدها : معناه يولونكم، مِنْ قولهم : سَامَهُ خطة خَسْفٍ، إذا أولاه.
والثاني : يُجَشِّمُونَكُمُ الأعمال الشَّاقَّة.
والثالث : يزيدونكم على سوء العذاب، ومنه مساومة البيع، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ، ويزيد المشتري على ثمنٍ، وهذا قول المفضل.
قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾ أي يستبقون، وهو استفعال من الحياة، لأنهم كانوا يُذَبِّحُونَ الذكور، ويستبقون الإناث.
وأما اسم النساء، فقد قيل : إنه ينطلق على الصغار، والكبار، وقيل : بل ينطلق على الكبار، وإنما سَمَّي الصغار نساءً، على معنى أنهُنَّ يبقِين، حتَّى يصِرْنَ نساءً.
وإنما كان استبقاءُ النساء من سوء العذاب، لأنهم كانوا يستبقونهن للاسترقاق والخدمة، فصار ذلك هو سُوءَ العذاب، لا الاستبقاء.
وفي قوله تعالى :﴿ وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أن فيما كانوا يفعلونه بهم : مِنْ سوء العذاب، وذبح الأبناء، واستحياء النساءِ شدةً وجهداً عظيماً.
والثاني : أن في إنجائهم من آل فرعونَ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ، وهو قول ابن عباسٍ، ومجاهدٍ، والسدي.
وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر، كما قال تعالى :﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر، غير أن الأكثر في الشر أن يقال : بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً، وفي الخير : أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ :
جَزَى اللهُ بِالإْحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُمْ | فَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاءِ الَّذِي يَبْلُو |
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : وإذ فصلنا بكم البحر، لأن الفرْقَ : الفصل بين الشيئين، فَفَرَقَ البحر اثني عشر طريقاً، وكان عددهم ستمائة ألفٍ وعشرين ألفاً، لا يُعَدُّ فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره، وكان على مقدمة فرعونَ هامانُ في ألْفِ ألْفٍ، وسبعمائة حصانٍ، وذلك قوله :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ في الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْ ذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٥٣، ٥٤ ] وهذا قول السدي.
والثاني : أن معناه : وإذ فرقنا بينكم وبين البحر، أي ميزنا، فأصل الفرق التمييز بين الشيئين، والفِرْقَةُ من الناس : الطائفة المتميزة من غيرهم.
والبحر سُمِّيَ بحراً لسعته وانبساطه، ومنه قولهم : تبحَّر في العلم، إذا اتَّسع فيه، والبَحِيرَةُ : الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها شَقّاً واسعاً.
قوله تعالى :﴿ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ فحذف ذِكْرَ فرْعَوْنَ وإن غَرِقَ معهم، لأنه قد عُلِمَ دخوله فيهم.
قوله تعالى :﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ يعني إلى فَرْقِ البحر، حتى سلكوا فيه، وانطباقه على آل فرعون، حتى غرقوا فيه.
قوله تعالى :﴿ وّإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ :
أما مُوسَى، فاسم يَجْمَعُ بين كلمتين بالقبطية وهما : ماء وشجر، ف : مُوهو الماء، و « سا » هو الشجر، وإنما سُمِّيَ بهذا الاسم الجامع لهاتين الكلمتين، لما ذكره السدي من أنَّ أمه لما خافت عليه جعلته في التابوت، وألقته في اليم، كما أُوحِيَ إليها، فألقاه بين أشجار عند بيت فرعون، فخرجت حَواريُّ آسيةَ امرأةِ فرعون يغتسلن، فوجدنه، فسُمِّيَ باسم المكان.
قال ابن إسحاق : وهو موسى بنُ عمرانَ بنِ يصهر بنِ فاهت بنِ لاوى بن يعقوب ( إسرائيل ) بنِ إسحاق بنِ إبراهيم.
وقوله تعالى :﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ قال ابنُ الكلبي : لما جاوز موسى ببني إسرائيل البحر، قال له بنو إسرائيل : أليس وعدتنا أن تأتينا بكتابٍ من الله تعالى؟ فوعده الله أربعين ليلة، ووعدها بني إسرائيل، قال أبو العالية : هي ذو القِعْدةِ وعَشْرٌ من ذي الحِجَّة، ثم اقتصر على ذكر الليالي دون الأيام، وإن كانت الأيام تبعاً معها، لأن أوَّلَ الشهورِ الليالي، فصارت الأيامُ لها تبعاً.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ يعني اتخذتموه إلهاً من بعد خروج موسى إلى الميقات، واستخلافِهِ هارونَ عليهم.
وسببُ ذلك فيما ذكر ابن عباسٍ، أنَّ السامِرِيَّ كان من قومٍ يعبدون البقر، فكان حبُّ ذلك في نفسه بعْدَ إظهاره الإسلام، وكان قد عَرَفَ جبريل لأن أمه حين خافت عليه أن يُذْبَحَ خَلَّفَتْهُ في غار، وأطبقت عليه، وكان جبريل يأتيه، فيغذوه بأصابعه، فلمَّا رآه حين عبر البحر عرفه، فقبض قبضةً من أثر فرسه، وكان ابن مسعودٍ يقرأ :﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ ﴾ ولم تزل القبضة في يده، حتى فصل موسى إلى ربه، وخلَّف هارون في بني إسرائيل، فقال لهم هارون : قد تحمَّلْتُمْ أوزاراً من زينة القوم، يعني أمتعةً وحُلِيَاً، فَتَطهَّرُوا منها فإنها نَجَسٌ، فأوقد لهم ناراً، وأمرهم بقذف ما كان معهم ففعلوا، فأقبل السامِرِيُّ إلى النار وقال : يا نبيَّ الله أُلْقِي ما في يدي؟ قال : نعم، وهو يظن أنَّهُ حُلِيٌّ، فقذفه، وقال : كن عجلاً جسداً له خوار.
واختلفوا : هل صار حيواناً لحماً ودماً أم لا؟
فقال الحسن : انقلب حيواناً لحماً ودماً، وقال غيره لا يجوز لأن ذلك من آيات الله تعالى التي لا يُظْهِرُها إلاَّ لمعجزَةِ نبيٍّ، وإنما جعل فيه خروقاً تَدْخُلُها الرِّيحُ، فَيَحْدُثُ فيهِ صوتٌ كالخوار.
ودافع من تابع الحسن على قوله هذا، بوجهين :
أحدهما : أنه لما قال : هذا إلهكم وإلهُ موسى، فقد أبطل على نفسه أن يدَّعِيَ بذلك إعجاز الأنبياء، فجاز أن يصح ذلك منه امتحاناً.
والثاني : أن ذلك لا يجوز في غير زمان الأنبياء، ويجوز في زمان الأنبياء، لأنهم يُظهِرُون إبطاله، وقد كان ذلك في زمان نبيَّيْنِ.
أما مُوسَى، فاسم يَجْمَعُ بين كلمتين بالقبطية وهما : ماء وشجر، ف : مُوهو الماء، و « سا » هو الشجر، وإنما سُمِّيَ بهذا الاسم الجامع لهاتين الكلمتين، لما ذكره السدي من أنَّ أمه لما خافت عليه جعلته في التابوت، وألقته في اليم، كما أُوحِيَ إليها، فألقاه بين أشجار عند بيت فرعون، فخرجت حَواريُّ آسيةَ امرأةِ فرعون يغتسلن، فوجدنه، فسُمِّيَ باسم المكان.
قال ابن إسحاق : وهو موسى بنُ عمرانَ بنِ يصهر بنِ فاهت بنِ لاوى بن يعقوب ( إسرائيل ) بنِ إسحاق بنِ إبراهيم.
وقوله تعالى :﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ قال ابنُ الكلبي : لما جاوز موسى ببني إسرائيل البحر، قال له بنو إسرائيل : أليس وعدتنا أن تأتينا بكتابٍ من الله تعالى؟ فوعده الله أربعين ليلة، ووعدها بني إسرائيل، قال أبو العالية : هي ذو القِعْدةِ وعَشْرٌ من ذي الحِجَّة، ثم اقتصر على ذكر الليالي دون الأيام، وإن كانت الأيام تبعاً معها، لأن أوَّلَ الشهورِ الليالي، فصارت الأيامُ لها تبعاً.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ يعني اتخذتموه إلهاً من بعد خروج موسى إلى الميقات، واستخلافِهِ هارونَ عليهم.
وسببُ ذلك فيما ذكر ابن عباسٍ، أنَّ السامِرِيَّ كان من قومٍ يعبدون البقر، فكان حبُّ ذلك في نفسه بعْدَ إظهاره الإسلام، وكان قد عَرَفَ جبريل لأن أمه حين خافت عليه أن يُذْبَحَ خَلَّفَتْهُ في غار، وأطبقت عليه، وكان جبريل يأتيه، فيغذوه بأصابعه، فلمَّا رآه حين عبر البحر عرفه، فقبض قبضةً من أثر فرسه، وكان ابن مسعودٍ يقرأ :﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ ﴾ ولم تزل القبضة في يده، حتى فصل موسى إلى ربه، وخلَّف هارون في بني إسرائيل، فقال لهم هارون : قد تحمَّلْتُمْ أوزاراً من زينة القوم، يعني أمتعةً وحُلِيَاً، فَتَطهَّرُوا منها فإنها نَجَسٌ، فأوقد لهم ناراً، وأمرهم بقذف ما كان معهم ففعلوا، فأقبل السامِرِيُّ إلى النار وقال : يا نبيَّ الله أُلْقِي ما في يدي؟ قال : نعم، وهو يظن أنَّهُ حُلِيٌّ، فقذفه، وقال : كن عجلاً جسداً له خوار.
واختلفوا : هل صار حيواناً لحماً ودماً أم لا؟
فقال الحسن : انقلب حيواناً لحماً ودماً، وقال غيره لا يجوز لأن ذلك من آيات الله تعالى التي لا يُظْهِرُها إلاَّ لمعجزَةِ نبيٍّ، وإنما جعل فيه خروقاً تَدْخُلُها الرِّيحُ، فَيَحْدُثُ فيهِ صوتٌ كالخوار.
ودافع من تابع الحسن على قوله هذا، بوجهين :
أحدهما : أنه لما قال : هذا إلهكم وإلهُ موسى، فقد أبطل على نفسه أن يدَّعِيَ بذلك إعجاز الأنبياء، فجاز أن يصح ذلك منه امتحاناً.
والثاني : أن ذلك لا يجوز في غير زمان الأنبياء، ويجوز في زمان الأنبياء، لأنهم يُظهِرُون إبطاله، وقد كان ذلك في زمان نبيَّيْنِ.
46
واختلفوا في تسميته عجلاً :
فقال أبو العالية : لأنهم عَجِلُوا، فاتخذوه إلهاً، قبل أن يأتيهم موسى، وقال غيره : بل سُمِّيَ بذلك، لأنه صار عجلاً جسداً له خُوَارٌ.
ثُمَّ إنهم عكفوا على العجل يعبدونه، فقال لهم هارون من قبل : يا قومِ إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن، فاتبعوني، وأطيعوا أمري، قالوا : لن نبرح عليه عاكفين، حتى يرجع إلينا موسى.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾ [ طه : ٩٠؛ ٩١ ] :
أما « إذ » فاسم للوقت الماضي، و « إذا » اسم للوقت المستقبل، و « الكتاب » هو التوراة. وفي الفرقان أربعةُ أقاويلَ :
أحدها : أن الفُرْقان هو الكتاب فذكره باسمين تأكيداً، وهو قول الفراء.
والثاني : أن الفُرْقَانَ : ما في التوراة من فَرْقٍ بني الحقِّ والباطلِ، فيكون ذلك نعتاً للتوراة، وهذا قول ابن عباس وأبي العالية.
والثالث : أن الفرقان النصر، الذي فرَّق الله به بين موسى وفرعون، حتى أنجى موسى وقومَهُ، وأغرق فرعون وقومهُ، وهذا قول أبي زيدٍ.
والرابع : أن الفرقان : انفراق البحر لِبَنِي إسرائيلَ، حتى عبروا فيه.
فقال أبو العالية : لأنهم عَجِلُوا، فاتخذوه إلهاً، قبل أن يأتيهم موسى، وقال غيره : بل سُمِّيَ بذلك، لأنه صار عجلاً جسداً له خُوَارٌ.
ثُمَّ إنهم عكفوا على العجل يعبدونه، فقال لهم هارون من قبل : يا قومِ إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن، فاتبعوني، وأطيعوا أمري، قالوا : لن نبرح عليه عاكفين، حتى يرجع إلينا موسى.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾ [ طه : ٩٠؛ ٩١ ] :
أما « إذ » فاسم للوقت الماضي، و « إذا » اسم للوقت المستقبل، و « الكتاب » هو التوراة. وفي الفرقان أربعةُ أقاويلَ :
أحدها : أن الفُرْقان هو الكتاب فذكره باسمين تأكيداً، وهو قول الفراء.
والثاني : أن الفُرْقَانَ : ما في التوراة من فَرْقٍ بني الحقِّ والباطلِ، فيكون ذلك نعتاً للتوراة، وهذا قول ابن عباس وأبي العالية.
والثالث : أن الفرقان النصر، الذي فرَّق الله به بين موسى وفرعون، حتى أنجى موسى وقومَهُ، وأغرق فرعون وقومهُ، وهذا قول أبي زيدٍ.
والرابع : أن الفرقان : انفراق البحر لِبَنِي إسرائيلَ، حتى عبروا فيه.
47
قوله تعالى :﴿ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ ﴾ يعني : فارجعوا إلى طاعة خالقكم، والبارئ الخالق، والبريَّة الخلق، وهي فعيلة، بمعنى مفعولة، غير أنها لا تهمز.
واختلفوا في هذه التسمية على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها مأخوذة من برأ اللهُ الخلْق، يبرَؤُهُم برءاً.
والثاني : أنها فعلية من البرء، وهو التراب.
والثالث : أنها مأخوذة من برئ الشيء من الشيء، وهو انفصاله عنه، ومنه البراءة من الدين لانفصاله عنه، وأبرأه الله من المرض، إذا أزاله عنه.
وقوله تعالى :﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه : ليقتل بعضكم بعضاً، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهد.
والثاني : استسلموا للقتل، وجعل ذلك بمنزلة القتل، وهذا قول أبي إسحاق.
وأصل القتل : إماتةُ الحركة، ومنه : قتلت الخمر بالماء، إذا مَزَجتها، لأنك أمتَّ حركتها، وإنما جُعل القتل توبة، لأن من كفَّ عن الإنكار لعبادة العجل، إنما كف خوفاً من القتال والقتل، فجُعِلَت توبتهم بالقتل، الذي خافوه، هكذا قال ابن جريج.
قال ابن عباسٍ : احْتَبَى الَّذِين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكُفُوا عليه، وأخذوا الخناجر، وأصابتهم ظلمة فجعل بعضهم يقتل بعضاً، حتى انجلت الظلمة من سبعين ألفَ قتيلٍ في ساعة من نهار، وكانوا ينادون في تلك الحال : رحم الله عبداً صبر حتى يبلغ الله رضاه، فحزِن موسى وبنو إسرائيل لذلك القتل، فأوحى الله تعالى إلى موسى : لا تحزن، أَمَّا من قُتِل منكم فأحياء عندي يرزقون، وأَمًّا من بقِيَ فقد قُبِلَتْ توبته، فَبَشَّرَ بذلك بني إسرائيل.
واختلفوا في هذه التسمية على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها مأخوذة من برأ اللهُ الخلْق، يبرَؤُهُم برءاً.
والثاني : أنها فعلية من البرء، وهو التراب.
والثالث : أنها مأخوذة من برئ الشيء من الشيء، وهو انفصاله عنه، ومنه البراءة من الدين لانفصاله عنه، وأبرأه الله من المرض، إذا أزاله عنه.
وقوله تعالى :﴿ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه : ليقتل بعضكم بعضاً، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهد.
والثاني : استسلموا للقتل، وجعل ذلك بمنزلة القتل، وهذا قول أبي إسحاق.
وأصل القتل : إماتةُ الحركة، ومنه : قتلت الخمر بالماء، إذا مَزَجتها، لأنك أمتَّ حركتها، وإنما جُعل القتل توبة، لأن من كفَّ عن الإنكار لعبادة العجل، إنما كف خوفاً من القتال والقتل، فجُعِلَت توبتهم بالقتل، الذي خافوه، هكذا قال ابن جريج.
قال ابن عباسٍ : احْتَبَى الَّذِين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكُفُوا عليه، وأخذوا الخناجر، وأصابتهم ظلمة فجعل بعضهم يقتل بعضاً، حتى انجلت الظلمة من سبعين ألفَ قتيلٍ في ساعة من نهار، وكانوا ينادون في تلك الحال : رحم الله عبداً صبر حتى يبلغ الله رضاه، فحزِن موسى وبنو إسرائيل لذلك القتل، فأوحى الله تعالى إلى موسى : لا تحزن، أَمَّا من قُتِل منكم فأحياء عندي يرزقون، وأَمًّا من بقِيَ فقد قُبِلَتْ توبته، فَبَشَّرَ بذلك بني إسرائيل.
قوله تعالى :﴿... حَتَّى نَرى اللهَ جَهْرَةً ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : علانية، وهو قول ابن عباس.
والثاني : عياناً، وهو قول قتادة.
وأصل الجهر الظهور، ومنه الجهر بالقراءة، إنما هو إظهارها، والمجاهرة بالمعاصي : المظاهرة بها.
﴿ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ﴾ يعني الموت، ﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ ما نزل بكم من الموت.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ﴾ يعني الذين ماتوا بالصاعقة، وهم السبعون الذين اختارهم موسى ليستمعوا مناجاة ربَّه له بعد أن تاب على من عبد العجل.
وفي قوله تعالى :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنه إحياؤهم بعد موتهم لاستكمال آجالهم، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم بعد الإحياء سألوا أن يبعثوا أنبياء فبعثهم الله أنبياء، وهذا قول السُّدِّيِّ.
وأصل البعث الإرسال، وقيل : بل أصله : إثارة الشيء من محلِّه.
والثاني : عياناً، وهو قول قتادة.
وأصل الجهر الظهور، ومنه الجهر بالقراءة، إنما هو إظهارها، والمجاهرة بالمعاصي : المظاهرة بها.
﴿ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ﴾ يعني الموت، ﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ ما نزل بكم من الموت.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ﴾ يعني الذين ماتوا بالصاعقة، وهم السبعون الذين اختارهم موسى ليستمعوا مناجاة ربَّه له بعد أن تاب على من عبد العجل.
وفي قوله تعالى :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنه إحياؤهم بعد موتهم لاستكمال آجالهم، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم بعد الإحياء سألوا أن يبعثوا أنبياء فبعثهم الله أنبياء، وهذا قول السُّدِّيِّ.
وأصل البعث الإرسال، وقيل : بل أصله : إثارة الشيء من محلِّه.
قوله تعالى :﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ﴾ :
والغمام : هو ما غَمَّ السماء، فغطَّاها من سحاب وقتام، وكلُّ مُغَطٍّ فهُو غمام، ومنه : غُمَّ الهلال، أي غطاه الغَيْمُ.
وفي الغمام الذي ظلله الله عليهم تأويلان :
أحدهما : أنه السحابة، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه الذي أتى الملائكة في يوم بدر، مثل قوله تعالى :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ منَ الْغَمَامِ ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] وهذا قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوَى ﴾ فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أن المنَّ ما سقط على الشجر فيأكله الناس، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أن المنَّ صمغة، وهو قول مجاهد.
والثالث : أن المنَّ شرابٌ، كان ينزل عليهم يشربونه بعد مزجِهِ بالماء، وهو قول الربيع بن أنس.
والرابع : أن المنَّ عسل، كان ينزل عليهم، وهو قول ابن زيدٍ.
والخامس : أن المن الخبز الرقاق، هو قول وهب.
والسادس : أنه الزنجبيل، وهو قول السدي.
والسابع : أنه الترنجين.
وفي السلوى قولان :
أحدهما : أنه السماني.
والثاني : أنه طائر يشبه السماني كانت تحشره عليهم الريح الجنوب، وهذا قول ابن عباس، واشتقاقه من السلو، كأنَّه مُسَلِّي عن غيره.
قال ابن جريج : كان الرجل منهم إن أخذ من المنِّ والسلوى زيادة على طعام يوم واحدٍ فسد، إلا يومَ الجمعة، فإنهم كانوا إذا أخذوا طعامَ يومَيْنِ لم يفسد.
وفي قوله تعالى :﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ثلاثة تأويلاتٍ :
أحدها : الشَّهيَّات اللذيذة.
والثاني : أنه الحلال.
والثالث : أنها المباح.
والغمام : هو ما غَمَّ السماء، فغطَّاها من سحاب وقتام، وكلُّ مُغَطٍّ فهُو غمام، ومنه : غُمَّ الهلال، أي غطاه الغَيْمُ.
وفي الغمام الذي ظلله الله عليهم تأويلان :
أحدهما : أنه السحابة، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه الذي أتى الملائكة في يوم بدر، مثل قوله تعالى :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ منَ الْغَمَامِ ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ] وهذا قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوَى ﴾ فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أن المنَّ ما سقط على الشجر فيأكله الناس، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أن المنَّ صمغة، وهو قول مجاهد.
والثالث : أن المنَّ شرابٌ، كان ينزل عليهم يشربونه بعد مزجِهِ بالماء، وهو قول الربيع بن أنس.
والرابع : أن المنَّ عسل، كان ينزل عليهم، وهو قول ابن زيدٍ.
والخامس : أن المن الخبز الرقاق، هو قول وهب.
والسادس : أنه الزنجبيل، وهو قول السدي.
والسابع : أنه الترنجين.
وفي السلوى قولان :
أحدهما : أنه السماني.
والثاني : أنه طائر يشبه السماني كانت تحشره عليهم الريح الجنوب، وهذا قول ابن عباس، واشتقاقه من السلو، كأنَّه مُسَلِّي عن غيره.
قال ابن جريج : كان الرجل منهم إن أخذ من المنِّ والسلوى زيادة على طعام يوم واحدٍ فسد، إلا يومَ الجمعة، فإنهم كانوا إذا أخذوا طعامَ يومَيْنِ لم يفسد.
وفي قوله تعالى :﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ ثلاثة تأويلاتٍ :
أحدها : الشَّهيَّات اللذيذة.
والثاني : أنه الحلال.
والثالث : أنها المباح.
قولُهُ عزَّ وجلَّ :﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ﴾ :
اختلفوا فيها على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنها بيت المقدس، وهو قول قتادة، والربيع بن أنس.
والثاني : أنها قريةٌ ببيت المقدس، وهو قول السدي.
والثالث : أنها « أريحا » قرب بيت المقدس، وهو قول ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً ﴾.
اختلفوا في الباب على قولين :
أحدهما : أنه باب حِطَّةَ وهو الباب الثامن ببيت المقدس، وهذا قول مجاهد، والسُّدِّيِّ.
والثاني : أنه باب القرية، التي أمروا بدخولها.
وفي قوله :﴿ سُجَّداً ﴾ تأويلان :
أحدهما : يعني : رُكَّعاً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : معناه : خاضعين متواضعين. وأصل السجود الانحناء تعظيماً لمن يُسجَد له، وخضوعاً، ومنه قول الشاعر :
وقال أعشى قيس :
وفي قوله تعالى :﴿ وَقُولُوا حِطَّةٌ ﴾ أربعةُ تأويلاتٍ :
أحدها : أنه قول : لا إله إلا الله، وهو قول عكرمة.
والثاني : أن « حِطَّة » المغفرة، فكأنه أمر بالاستغفار، وهو رواية سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ.
والثالث : هو قولهم : هذا الأمر حق كما قيل لكم، وهو رواية الضحاك، عن ابن عباسٍ.
والرابع : معناه : حُطَّ عنا خطايانا، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن زيدٍ، وهو أشبهُ بظاهر اللفظ.
قوله تعالى :﴿ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ أي نرحمْكم، ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها.
والخطأ : العدولُ عن القصد، يقال خَطِئ الشيءَ خَطَأً، إذا أصابه ولم يُرِدْهُ، وأَخْطَأَ يُخْطِئُ، إذا أراده ولم يُصِبْهُ، فالأول خاطئ والثاني مُخطِئ.
وأصل المغفرة : التغطية والستر؛ ولذلك قيل للبيضة من الحديد : مِغْفَرٌ، لأنها تُغَطِّي الرأسَ وتُغَطِّي الرأسَ وتُجِنُّهُ، ومنه قول أوسِ بنِ حجر :
قوله تعالى :﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ﴾ يعني أنهم بَدَّلوا ما أمِروا به من قول وفعل، فأُمِرُوا أن يدخُلُوا الباب سُجَّداً، فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم، وأن يقولوا : حِطَّةٌ، فقالوا : حنطة في شعير، مستهزئين بذلك.
﴿ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً من السَّمَاءِ ﴾ :
وفي الرجز ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه العذاب، وهو قول ابن عباس وقتادة.
والثاني : أنه الغضب، وهو قول أبي العالية.
والثالث : أنه الطاعون، بعثه الله عليهم فأهلكهم، وبقي الأبناء، وهو قول ابن زيد.
اختلفوا فيها على ثلاثةِ أقاويلَ :
أحدها : أنها بيت المقدس، وهو قول قتادة، والربيع بن أنس.
والثاني : أنها قريةٌ ببيت المقدس، وهو قول السدي.
والثالث : أنها « أريحا » قرب بيت المقدس، وهو قول ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً ﴾.
اختلفوا في الباب على قولين :
أحدهما : أنه باب حِطَّةَ وهو الباب الثامن ببيت المقدس، وهذا قول مجاهد، والسُّدِّيِّ.
والثاني : أنه باب القرية، التي أمروا بدخولها.
وفي قوله :﴿ سُجَّداً ﴾ تأويلان :
أحدهما : يعني : رُكَّعاً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : معناه : خاضعين متواضعين. وأصل السجود الانحناء تعظيماً لمن يُسجَد له، وخضوعاً، ومنه قول الشاعر :
بَجَمْعٍ تَضَلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ | تَرَى الأكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ |
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَواتِ الْمِلَي | كِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً حِوَاراً |
أحدها : أنه قول : لا إله إلا الله، وهو قول عكرمة.
والثاني : أن « حِطَّة » المغفرة، فكأنه أمر بالاستغفار، وهو رواية سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ.
والثالث : هو قولهم : هذا الأمر حق كما قيل لكم، وهو رواية الضحاك، عن ابن عباسٍ.
والرابع : معناه : حُطَّ عنا خطايانا، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن زيدٍ، وهو أشبهُ بظاهر اللفظ.
قوله تعالى :﴿ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ أي نرحمْكم، ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها.
والخطأ : العدولُ عن القصد، يقال خَطِئ الشيءَ خَطَأً، إذا أصابه ولم يُرِدْهُ، وأَخْطَأَ يُخْطِئُ، إذا أراده ولم يُصِبْهُ، فالأول خاطئ والثاني مُخطِئ.
وأصل المغفرة : التغطية والستر؛ ولذلك قيل للبيضة من الحديد : مِغْفَرٌ، لأنها تُغَطِّي الرأسَ وتُغَطِّي الرأسَ وتُجِنُّهُ، ومنه قول أوسِ بنِ حجر :
وَلاَ أَعْتِبُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ مُخْطِئاً | وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إِنْ كَانَ جَاهِلاً |
﴿ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً من السَّمَاءِ ﴾ :
وفي الرجز ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه العذاب، وهو قول ابن عباس وقتادة.
والثاني : أنه الغضب، وهو قول أبي العالية.
والثالث : أنه الطاعون، بعثه الله عليهم فأهلكهم، وبقي الأبناء، وهو قول ابن زيد.
قوله تعالى :﴿ وَإِذِ اسْتسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ تقديره : وإذ استسقانا موسى لقومه، والاستسقاء : طلب السَّقْيِ، والعربُ تقول : سَقَيْتُهُ، وأسقيتُه، فقيل : إنهما لغتان ومعناهما واحد، وقيل بل سقيته من سَقْيِ الشَّفةِ، وأسْقَيْتُهُ : دللته على الماء.
﴿ فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَا ﴾ :
وفي الكلام محذوف، وتقديره : فضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
والانفجارُ : الانشقاق، والأنبجاسُ أضيق منه، لأنه يكون انبجاساً ثم يصير انفجاراً.
والعين من الأسماء المشتركة : فالعين من الماء مُشَبَّهَةٌ بالعين من الحيوان، لخروج الماء منها، كخروج الدمع من عين الحيوان.
فأمر موسى عند استسقائه، أن يضرب بعصاه حجراً مُرَبَّعاً طُورِيّاً ( من الطور )، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، من كل جانب ثلاثةُ أعينٍ.
﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ﴾ يعني أن لكلِّ سبطٍ منهم عيناً، قد عرفها لا يشرب من غيرها، فإذا ارتحلوا انقطع ماؤه، وحُمِلَ في الجوالق، وكان بقدر الرأس.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه لا تطغوا، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : معناه لا تسعوا في الأرض مفسدين، وهو قول ابن عباس، وأبي العالية الرياحي.
والعيثُ : شدة الفساد، ومنه قول رؤبة :
﴿ فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَا ﴾ :
وفي الكلام محذوف، وتقديره : فضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
والانفجارُ : الانشقاق، والأنبجاسُ أضيق منه، لأنه يكون انبجاساً ثم يصير انفجاراً.
والعين من الأسماء المشتركة : فالعين من الماء مُشَبَّهَةٌ بالعين من الحيوان، لخروج الماء منها، كخروج الدمع من عين الحيوان.
فأمر موسى عند استسقائه، أن يضرب بعصاه حجراً مُرَبَّعاً طُورِيّاً ( من الطور )، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، من كل جانب ثلاثةُ أعينٍ.
﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ﴾ يعني أن لكلِّ سبطٍ منهم عيناً، قد عرفها لا يشرب من غيرها، فإذا ارتحلوا انقطع ماؤه، وحُمِلَ في الجوالق، وكان بقدر الرأس.
﴿ وَلاَ تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه لا تطغوا، وهذا قول ابن زيد.
والثاني : معناه لا تسعوا في الأرض مفسدين، وهو قول ابن عباس، وأبي العالية الرياحي.
والعيثُ : شدة الفساد، ومنه قول رؤبة :
وَعَاثَ فِينَا مُسْتَحِلٌّ عَائِثُ | مُصَدِّقٌ أو فَاجِرٌ مُناكِثُ |
قَدْ كُنْتُ أَغْنَىَ النَّاسِ شَخْصاً وَاحِداً | وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومٍ |
والثالث : أنه الثومُ بالثاء، وذلك صريح في قراءة ابن مسعود، وهو قول الربيع بن أنس والكسائي.
قوله تعالى :﴿ اهْبِطُوا مِصْراً ﴾ : قرأ عامةُ القُرّاءِ بالتنوين، وقرأ بعضهم بغير تنوين، وهي كذلك، وقراءة ابن مسعود بغير ألف.
وفي المصر الذي عناه قولان :
أحدهما : أنه أراد أيَّ مِصْرٍ، أرادوا من غير تعيين؛ لأنَّ ما سألوا من البقل والقثَّاء والفوم، لا يكون إلا في الأمصار، وهذا قول قتادة، والسدي ومجاهد، وابن زيد.
والثاني : أنه أراد مصر فرعون، الذي خرجوا منه، وهذا قول الحسن، وأبي العالية والربيع.
واختلف في اشتقاق المِصْرِ، فمنهم من قال : إنه مشتق من القطع، لانقطاعه بالعمارة، ومنهم من قال : إنه مشتق من الفصل بينه وبين غيره، قال عدي بن زيد :
وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْراً لاَ خَفَاءَ بِهِ | بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلاَ |
أحدهما : أنَّه من الذِّلَّة والصغار.
والثاني : أنَّه فَرَضَ الجِزْيَةَ عليهم، وهذا قول الحسن وقتادة.
وفي « المسكنة » تأويلان :
أحدهما : أنها الفاقة، وهو قول أبي العالية.
والثاني : أنه الفقر، وهو قول السدي.
وفي قوله تعالى :﴿ وَباءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : وهو قول أبي العباس المَبِّرد : أن أصل ذلك : المنزلة، ومعناه أنهم نزلوا بمنزلة غضب الله، ورُوي : أن رجلاً جاء برجلٍ إلى النبيِّ ﷺ، فقال : هذا قاتل أخي، قال « فَهُوَ بَوَاءٌ بِهِ » أي أنه مقتول، فيصير في منزلته، وتقول ليلى الأخيليَّةُ :
فَإِنْ يَكُنِ الْقَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ | فَتىً مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ |
والثالث : وهو قول الكسائي، أن معناه أنهم رجعوا بغضب من الله، قال : البواء : الرجوع، إلا أنه لا يكون رجوعاً إلا بشيء : إمَّا بشرٍّ، وإِمَّا بخيرٍ.
وفي قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ قولان :
أحدهما : أن الله تعالى؛ إنما جاز أن يُخَلِّيَ بين الكُفَّار وقتلِ الأنبياء، لينالوا من رفيع المنازل ما لا ينالونه بغيره، وليس ذلك بخذلان لهم، كما يفعل بالمؤمنين من أهل طاعته.
53
والثاني : وهو قول الحسن، أن الله تعالى، ما أمر نبيّاً بالحرب إلا نَصَرَهُ فلم يُقتَلْ، وإنما خلَّى بين الكفار وبين قتل مَنْ لم يؤمر بالقتال مِنَ الأنبياء.
و « الأنبياء » جمعُ « نبيٍّ » وقد جاء في جمع « نبيٍّ » :« نُبَّاء »، قال العباس ابن مرداس السُّلمي، يمدح النبيَّ ﷺ :
وهو غير مهموز في قراءة الجمهور إلا نافعاً، فإنه قرأ الأنبياء، والنبيئين بالهمز.
وفيما أُخذ منه اسمُ النبيِّ، ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مأخوذ من النبأ، وهو الخبر، لأنه يُنْبِئُ عن الله، أي يُخْبِرُ، ومنه قوله تعالى :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى ﴾ [ النجم : ٣٦ ].
والثاني : أن أصل النبيِّ هو الطريق، قال القطامي :
فَسُمِّيَ رسُول الله ﷺ نبيّاً، لأنه الطريق إليه.
والثالث : أنه مأخوذ من النُّبُوَّةِ؛ لأن منزلة الأنبياء رفيعة.
و « الأنبياء » جمعُ « نبيٍّ » وقد جاء في جمع « نبيٍّ » :« نُبَّاء »، قال العباس ابن مرداس السُّلمي، يمدح النبيَّ ﷺ :
يَا خَاتَمَ النُّبِّاءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ | بِالْحَقِّ حَيْثُ هُدَى آلإْلهِ هَدَاكَا |
وفيما أُخذ منه اسمُ النبيِّ، ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مأخوذ من النبأ، وهو الخبر، لأنه يُنْبِئُ عن الله، أي يُخْبِرُ، ومنه قوله تعالى :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى ﴾ [ النجم : ٣٦ ].
والثاني : أن أصل النبيِّ هو الطريق، قال القطامي :
لَمَّا وَرَدْنَا نبِيَاً وَاسْتَتَبَّ لَنَا | مُسْتَحْفَرٌ بِخُطُوطِ النَّسْجِ مُنْسَجِلُ |
والثالث : أنه مأخوذ من النُّبُوَّةِ؛ لأن منزلة الأنبياء رفيعة.
54
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني : صدقوا بمحمدٍ ﷺ.
﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ هم اليهود، وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل :
أحدها : نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب، فقلبت العربُ الذال دالاً، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت، غيرت من لفظها.
والثاني : أنه مأخوذ من قولهم : هَادَ القومُ يَهُودُون هَوْدَةً وهِيَادةً، إذا تابوا، قال زهير :
يعني من عابد تائب، فسموا يهوداً لتوبتهم من عبادة العجل.
والثالث : أنهم سُمُّوا يهوداً، من أجل قولهم : إِنَّا هُدْنا إليك، وهذا قول ابن جُرَيج.
و ﴿ والنصارى ﴾، جمع وواحده « نصرانيٌّ »، وقيل :« نصران » بإسقاط الياء، وهذا قول سيبويه، وقال الخليل بن أحمد : واحده نصْرِي، والأول هو المستعمل.
وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم سُمُّوا بذلك، لقريةٍ تُسَمَّى « ناصرة »، كان ينزلها عيسى عليه السلام، فَنُسِبَ إليها، فقيل : عيسى الناصري، ثم نسب أصحابه إليه فقيل : النصارى، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثاني : أنهم سُمُّوا بذلك، لنصرة بعضهم لبعضٍ، قال الشاعر :
﴿ والصابئين ﴾، جمع، واحده : صابئ، واخْتُلِفَ في همزِهِ، فهمزه الجمهور إلا نافعاً.
واخْتُلِف في المأخوذ منه هذا الاسم، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مأخوذ من الطُّلُوعِ والظُّهُورٍ، من قولهم : صبأ نابُ البعير، إذا طلع، وهذا قول الخليل.
والثاني : أن الصابِئ : الخارج من شيء إلى شيءٍ، فسُمِّي الصابئون بهذا الاسم، لخروجهم من اليهودية والنصرانية، وهذا قول ابن زيدٍ.
والثالث : أنه مأخوذ من قولهم : صبا يصبو، إذا مال إلى الشيء وأحبه، وهذا قول نافع؛ ولذلك لم يهمز.
وَاخْتُلِفِ فيهم : فقال مجاهد، والحسن، وابن أبي نجيحٍ : الصابئون بين اليهود والمجوس، وقال قتادة : الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القِبْلة، [ ويقرأون الزبور ويصلون الخميس ] وقال السدي : هم طائفة من أهل الكتاب، وقال الخليل : هم قوم شبيه دينهم بدين النصارى، إلا أن قبلتهم نَحْوَ مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح.
وفي قوله تعالى :﴿ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ قولان :
أحدهما : أنها نزلت في سلمان الفارسيِّ وأصحابه النصارى الذين كان قد تنصَّر على أيديهم، قبل مبعث رسول الله ﷺ، وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث، وأنهم مؤمنون به إن أدركوه، وهذا قول السدي.
والثاني : أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ]، وهو قول ابن عباس.
فإن قيل : فَلِمَ قال :﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ على التوحيد، ثم قال :﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ على الجمع؟ قيل : لأن اللفظ « مَنْ » لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فمرةً يجمع على اللفظ، ومرةً يجمع على المعنى، قال الشاعر :
أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا... وَقُولاَ : لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا
﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ هم اليهود، وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل :
أحدها : نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب، فقلبت العربُ الذال دالاً، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت، غيرت من لفظها.
والثاني : أنه مأخوذ من قولهم : هَادَ القومُ يَهُودُون هَوْدَةً وهِيَادةً، إذا تابوا، قال زهير :
سِوَى مَرْبَعٍ لَمْ تَأْتِ فِيهِ مَخَافَةً | وَلاَ رَهَقاً مِنْ عَابِدٍ مُتَهَوِّدِ |
والثالث : أنهم سُمُّوا يهوداً، من أجل قولهم : إِنَّا هُدْنا إليك، وهذا قول ابن جُرَيج.
و ﴿ والنصارى ﴾، جمع وواحده « نصرانيٌّ »، وقيل :« نصران » بإسقاط الياء، وهذا قول سيبويه، وقال الخليل بن أحمد : واحده نصْرِي، والأول هو المستعمل.
وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم سُمُّوا بذلك، لقريةٍ تُسَمَّى « ناصرة »، كان ينزلها عيسى عليه السلام، فَنُسِبَ إليها، فقيل : عيسى الناصري، ثم نسب أصحابه إليه فقيل : النصارى، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثاني : أنهم سُمُّوا بذلك، لنصرة بعضهم لبعضٍ، قال الشاعر :
لمَّا رأيتُ نَبَطاً أَنْصَارَا | شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإْزَارَا |
واخْتُلِف في المأخوذ منه هذا الاسم، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مأخوذ من الطُّلُوعِ والظُّهُورٍ، من قولهم : صبأ نابُ البعير، إذا طلع، وهذا قول الخليل.
والثاني : أن الصابِئ : الخارج من شيء إلى شيءٍ، فسُمِّي الصابئون بهذا الاسم، لخروجهم من اليهودية والنصرانية، وهذا قول ابن زيدٍ.
والثالث : أنه مأخوذ من قولهم : صبا يصبو، إذا مال إلى الشيء وأحبه، وهذا قول نافع؛ ولذلك لم يهمز.
وَاخْتُلِفِ فيهم : فقال مجاهد، والحسن، وابن أبي نجيحٍ : الصابئون بين اليهود والمجوس، وقال قتادة : الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القِبْلة، [ ويقرأون الزبور ويصلون الخميس ] وقال السدي : هم طائفة من أهل الكتاب، وقال الخليل : هم قوم شبيه دينهم بدين النصارى، إلا أن قبلتهم نَحْوَ مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح.
وفي قوله تعالى :﴿ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ قولان :
أحدهما : أنها نزلت في سلمان الفارسيِّ وأصحابه النصارى الذين كان قد تنصَّر على أيديهم، قبل مبعث رسول الله ﷺ، وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث، وأنهم مؤمنون به إن أدركوه، وهذا قول السدي.
والثاني : أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ]، وهو قول ابن عباس.
فإن قيل : فَلِمَ قال :﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ على التوحيد، ثم قال :﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ على الجمع؟ قيل : لأن اللفظ « مَنْ » لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فمرةً يجمع على اللفظ، ومرةً يجمع على المعنى، قال الشاعر :
أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا... وَقُولاَ : لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا
قوله تعالى :﴿.... وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ﴾ وفي الطور ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه اسم الجبل، الذي كلم الله عليه موسى، وأنزلت عليه التوراة دون غيره، وهذه رواية ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني : أن الطور ما أَنْبَتَ من الجبال خاصة، دون ما لم ينبت، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث : أن الطور اسم لكل جبل، وهو قول مجاهد، وقتادة، إلا أن مجاهداً قال : هو اسم كل جبل بالسريانية، وقال قتادة : بل هو اسم عربي، قال العجاج :
قال مجاهد : رُفِعَ الجبل فوقهم كالظُّلة، فقيل : لتؤمِنُنَّ أو ليقعن عليكم، فآمنوا.
وفي قوله تعالى :﴿ خُذُواْ مَا ءَآتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن القوة الجِدّ والاجتهاد، وهو قول ابن عباس، وقتادة والسدي.
والثاني : يعني بطاعة الله تعالى، وهو قول أبي العالية، والربيع بن أنس.
والثالث : أنه العمل بما فيه، وهو قول مجاهد.
أحدها : أنه اسم الجبل، الذي كلم الله عليه موسى، وأنزلت عليه التوراة دون غيره، وهذه رواية ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني : أن الطور ما أَنْبَتَ من الجبال خاصة، دون ما لم ينبت، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث : أن الطور اسم لكل جبل، وهو قول مجاهد، وقتادة، إلا أن مجاهداً قال : هو اسم كل جبل بالسريانية، وقال قتادة : بل هو اسم عربي، قال العجاج :
داني جناحيه من الطور فمر | تقضّي البازي إذا البازيُّ كر |
وفي قوله تعالى :﴿ خُذُواْ مَا ءَآتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن القوة الجِدّ والاجتهاد، وهو قول ابن عباس، وقتادة والسدي.
والثاني : يعني بطاعة الله تعالى، وهو قول أبي العالية، والربيع بن أنس.
والثالث : أنه العمل بما فيه، وهو قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ في السَّبْتِ ﴾ وفي اعتدائهم في السبت قولان :
أحدهما : أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنهم حبسوها في يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، والسبت هو اليوم المعروف. وفي تسميته بذلك أربعة أقاويل :
أحدها : أن السبت هو اسم للقطعة من الدهر فسمي ذلك اليوم به، وهذا قول الزجاج.
والثاني : أنه سُمِّي بذلك لأنه سَبَت خَلْق كل شيء، أي قطع وفرغ منه، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث : أنه سُمِّي بذلك، لأن اليهود يَسْبِتُون فيه، أي يقطعون فيه الأعمال.
والرابع : أن أصل السبت، الهدوء والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده، كما قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتَا ﴾. فَسُمِّي به اليوم لاستراحة اليهود فيه.
وفي قوله تعالى :﴿... فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : مُسِخُوا قردةً، فصاروا لأجل اعتدائهم في السبت في صورة القردة المخلوقين من قبل، في الأيام الستة.
قال ابن عباس : لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب.
والثاني : وهو قول مجاهد : أنهم لم يمسخوا قردة، وإنما هو مَثلَ ضربه الله لهم، كما قال تعالى :﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً ﴾ [ الجمعة : ٥ ].
وفي قوله تعالى :﴿ خاسئين ﴾ تأويلان :
أحدهما : أن الخاسئ المُبْعَد المطرود، ومنه قولهم خسأت الكلب، إذا باعدته وطردته.
والثاني : أن معناه أذلاء صاغرون، وهذا قول مجاهد. ورُوي عن ابن عباس : خاسئاً أي ذليلاً.
قوله تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ وفي المجعول نكالاً، ستة أقاويل :
أحدها : أنها العقوبة.
والثاني : أنها الحيتان.
والثالث : أنها القرية التي اعتدى أهلها.
والرابع : أنهم الأمة الذين اعتدوا، وهم أهل أيلة.
والخامس : أنهم الممسوخون قردة.
والسادس : أنهم القردة الممسوخ على صورهم.
وفي قوله تعالى :﴿ نَكَالاً ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : عقوبة، وهو قول ابن عباس.
والثاني : عبرة ينكل بها من رآها.
والثالث : أن النكال الاشتهار بالفضيحة.
وفي قوله تعالى :﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ خمسة تأويلات :
أحدها : ما بين يديها وما خلفها من القرى، وهذه رواية عكرمة عن ابن عباس.
والثاني : ما بين يديها يعني من بعدهم من الأمم، وما خلفها، الذين كانوا معهم باقين، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث : ما بين يديها، يعني من دونها، وما خلفها، يعني لمن يأتي بعدهم من الأمم، وهذا قول السدي.
والرابع : لما بين يديها من ذنوب القوم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، وهذا قول قتادة.
والخامس : ما بين يديها ما مضى من خطاياهم، وما خلفها : خطاياهم التي أُهْلِكُوا بها، وهذا قول مجاهد.
أحدهما : أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنهم حبسوها في يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، والسبت هو اليوم المعروف. وفي تسميته بذلك أربعة أقاويل :
أحدها : أن السبت هو اسم للقطعة من الدهر فسمي ذلك اليوم به، وهذا قول الزجاج.
والثاني : أنه سُمِّي بذلك لأنه سَبَت خَلْق كل شيء، أي قطع وفرغ منه، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث : أنه سُمِّي بذلك، لأن اليهود يَسْبِتُون فيه، أي يقطعون فيه الأعمال.
والرابع : أن أصل السبت، الهدوء والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده، كما قال تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتَا ﴾. فَسُمِّي به اليوم لاستراحة اليهود فيه.
وفي قوله تعالى :﴿... فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : مُسِخُوا قردةً، فصاروا لأجل اعتدائهم في السبت في صورة القردة المخلوقين من قبل، في الأيام الستة.
قال ابن عباس : لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب.
والثاني : وهو قول مجاهد : أنهم لم يمسخوا قردة، وإنما هو مَثلَ ضربه الله لهم، كما قال تعالى :﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً ﴾ [ الجمعة : ٥ ].
وفي قوله تعالى :﴿ خاسئين ﴾ تأويلان :
أحدهما : أن الخاسئ المُبْعَد المطرود، ومنه قولهم خسأت الكلب، إذا باعدته وطردته.
والثاني : أن معناه أذلاء صاغرون، وهذا قول مجاهد. ورُوي عن ابن عباس : خاسئاً أي ذليلاً.
قوله تعالى :﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ وفي المجعول نكالاً، ستة أقاويل :
أحدها : أنها العقوبة.
والثاني : أنها الحيتان.
والثالث : أنها القرية التي اعتدى أهلها.
والرابع : أنهم الأمة الذين اعتدوا، وهم أهل أيلة.
والخامس : أنهم الممسوخون قردة.
والسادس : أنهم القردة الممسوخ على صورهم.
وفي قوله تعالى :﴿ نَكَالاً ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : عقوبة، وهو قول ابن عباس.
والثاني : عبرة ينكل بها من رآها.
والثالث : أن النكال الاشتهار بالفضيحة.
وفي قوله تعالى :﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ خمسة تأويلات :
أحدها : ما بين يديها وما خلفها من القرى، وهذه رواية عكرمة عن ابن عباس.
والثاني : ما بين يديها يعني من بعدهم من الأمم، وما خلفها، الذين كانوا معهم باقين، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث : ما بين يديها، يعني من دونها، وما خلفها، يعني لمن يأتي بعدهم من الأمم، وهذا قول السدي.
والرابع : لما بين يديها من ذنوب القوم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، وهذا قول قتادة.
والخامس : ما بين يديها ما مضى من خطاياهم، وما خلفها : خطاياهم التي أُهْلِكُوا بها، وهذا قول مجاهد.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنًَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ وكان السبب في أمر موسى لقومه بذلك، ما ذكره المفسرون : أن رجلاً من بني إسرائيل كان غنياً، ولم يكن له ولد، وكان له قريب يرثه، فاستبطأ موته، فقتله سراً وألقاه في موضع الأسباط، وادعى قتله على أحدهم، فاحتكموا إلى موسى، فقال : من عنده من ذلك علم؟ فقالوا : أنت نبي الله، وأنت أعلم منا، فقال : إن الله تعالى يأمركم أن تذبحوا بقرة، فلما سمعوا ذلك وليس في ظاهره جواب عما سألوا عنه ﴿ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ﴾ والهزء : اللعب والسخرية. قال الراجز :
﴿ قَالَ : أعُوذُ بِاللهِ أنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾ لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء، جهل، فاستعاذ منه موسى، لأنها صفة تنتفي مع الأنبياء، وإنما أمر والله أعلم بذبح البقرة دون غيرها، لأنها من جنس ما عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم زوال ما كان في نفوسهم من عبادته.
والقبرة اسم للأنثى، والثور للذكر، مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل، فيكون تأنيثه بغير لفظه. واسم البقرة مأخوذ من الشق من قولهم بقر بطنه إذا شقه، لأنها تشق الأرض في الحرث.
قَدْ هَزِئَتْ مَنِّيَ أُمُّ طَيْسَلَة | قَالَتْ أَرَاهُ مُعْدِماً لاَ شَيْءَ لَه |
والقبرة اسم للأنثى، والثور للذكر، مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل، فيكون تأنيثه بغير لفظه. واسم البقرة مأخوذ من الشق من قولهم بقر بطنه إذا شقه، لأنها تشق الأرض في الحرث.
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ
ﱃ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﱄ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﱅ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ
ﱆ
قوله تعالى :﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ﴾ رَوَى الحسن عن النبي ﷺ، أنه قال :« والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوِ اعْتَرَضُوا بقرة، فَذَبَحُوها، لأَجْزَأَتْ عَنْهُم، وَلكِنَّهُم، شَدًّدوا، فَشَدَّد الله عليهم ». ﴿ قَالَ : إِنَّه يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ ﴾ في الفارض تأويلان :
أحدهما : أنها الكبيرة الهَرِمَة، وهو قول الجمهور. قال الراجز :
شيب أصداغي فرأسي أبْيضُ... محامل فيها رجال فرض
يعني بقوله : فُرّض، أي هرمى.
والثاني : أنّ الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة، فيتسع لذلك جوفها، لأن معنى الفارض في اللغة الواسع، وهذا قول بعض المتأخرين، واستشهد بقول الراجز :
يا رُبَّ ذي ضغن عليّ فارض... له قروء كقروء الحائض
والبكر : الصغيرة التي لم تحمل، والبكر من إناث البهائم، وبني آدم، ما لم يفتحله الفحل، وهي مكسورة الباء، فأما البَكْر بفتح الباء، فهو الفتي من الإبل.
وقوله تعالى :﴿ عَوانٌ بَيْنَ ذلكَ ﴾ والعوان النَّصَفُ التي قد ولدت بطناً أو بطنين، ﴿ بين ذلك ﴾ يعني بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه، قال الشاعر :
فرحن عليه بين بِكرٍ عزيزة... وبين عَوانٍ كالغمامة ناصِفِ
قوله تعالى :﴿... قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ ﴾ حُكِيَ عن الحسن البصري، أن المراد بقوله صفراء، أي سوداء شديدة السواد، كما تقول العرب : ناقة صفراء أي سوداء، ومنه قول الشاعر :
تلك خيلي منه وتلك ركابي... هُنّ صفر أولادها كالزبيب
وقال الراجز :
وصفرٍ ليست بمصفرّة... ولكنّ سوداءَ مثل الخُمُر
وقال سائر المفسرين : إنها صفراء اللون، من الصفرة المعروفة، وهو أصح، لأنه الظاهر، ولأنه قال :﴿ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ﴾ والفاقع من صفات الصفرة، وليس يوصف السواد بذلك، وإنما يقال : أسود حالكٌ، وأحمر قانٍ، وأبيضُ ناصعٌ، وأخضرُ ناضرٌ، وأصفرُ فاقعٌ.
ثم فيما أُرِيدَ بالصفرة قولان :
أحدهما : صفراء القرن والظلف، وهو قول سعيد بن جبير.
والثاني : صفراء اللون كله، وهذا قول مجاهد.
وفي قوله تعالى :﴿ فاقع لونها ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : الشديدة الصفرة، وهذا قول ابن عباس، والحسن.
والثاني : الخالص الصفرة، وهذا قول قطرب.
والثالث : الصافي، وهذا قول أبي العالية، وقتادة.
﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعجب الناظرين بصفرتها، فتعجب بالسرور، وهو ما يتأثر به القلب، والفرح ما فرحت به العين، ويحتمل قوله :﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ وجهين :
أحدهما : بحسن لونها فتكون.... لصفرتها.
والثاني : حسن سمتها، وصفت بذلك، ليكون ذلك زيادة شرط في صفتها، غير ما تقدم من ذكر صفرتها، فتصير البقرة على الوجه الأول، ذات وصف واحد، وعلى الوجه الثاني، ذات وصفين.
قوله تعالى :﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ﴾ فسألوا سؤالاً ثالثاً، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان الثاني، فروى ابن جريج، عن قتادة، أن رسول الله ﷺ قال :
أحدهما : أنها الكبيرة الهَرِمَة، وهو قول الجمهور. قال الراجز :
شيب أصداغي فرأسي أبْيضُ... محامل فيها رجال فرض
يعني بقوله : فُرّض، أي هرمى.
والثاني : أنّ الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة، فيتسع لذلك جوفها، لأن معنى الفارض في اللغة الواسع، وهذا قول بعض المتأخرين، واستشهد بقول الراجز :
يا رُبَّ ذي ضغن عليّ فارض... له قروء كقروء الحائض
والبكر : الصغيرة التي لم تحمل، والبكر من إناث البهائم، وبني آدم، ما لم يفتحله الفحل، وهي مكسورة الباء، فأما البَكْر بفتح الباء، فهو الفتي من الإبل.
وقوله تعالى :﴿ عَوانٌ بَيْنَ ذلكَ ﴾ والعوان النَّصَفُ التي قد ولدت بطناً أو بطنين، ﴿ بين ذلك ﴾ يعني بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه، قال الشاعر :
فرحن عليه بين بِكرٍ عزيزة... وبين عَوانٍ كالغمامة ناصِفِ
قوله تعالى :﴿... قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ ﴾ حُكِيَ عن الحسن البصري، أن المراد بقوله صفراء، أي سوداء شديدة السواد، كما تقول العرب : ناقة صفراء أي سوداء، ومنه قول الشاعر :
تلك خيلي منه وتلك ركابي... هُنّ صفر أولادها كالزبيب
وقال الراجز :
وصفرٍ ليست بمصفرّة... ولكنّ سوداءَ مثل الخُمُر
وقال سائر المفسرين : إنها صفراء اللون، من الصفرة المعروفة، وهو أصح، لأنه الظاهر، ولأنه قال :﴿ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ﴾ والفاقع من صفات الصفرة، وليس يوصف السواد بذلك، وإنما يقال : أسود حالكٌ، وأحمر قانٍ، وأبيضُ ناصعٌ، وأخضرُ ناضرٌ، وأصفرُ فاقعٌ.
ثم فيما أُرِيدَ بالصفرة قولان :
أحدهما : صفراء القرن والظلف، وهو قول سعيد بن جبير.
والثاني : صفراء اللون كله، وهذا قول مجاهد.
وفي قوله تعالى :﴿ فاقع لونها ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : الشديدة الصفرة، وهذا قول ابن عباس، والحسن.
والثاني : الخالص الصفرة، وهذا قول قطرب.
والثالث : الصافي، وهذا قول أبي العالية، وقتادة.
﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعجب الناظرين بصفرتها، فتعجب بالسرور، وهو ما يتأثر به القلب، والفرح ما فرحت به العين، ويحتمل قوله :﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ وجهين :
أحدهما : بحسن لونها فتكون.... لصفرتها.
والثاني : حسن سمتها، وصفت بذلك، ليكون ذلك زيادة شرط في صفتها، غير ما تقدم من ذكر صفرتها، فتصير البقرة على الوجه الأول، ذات وصف واحد، وعلى الوجه الثاني، ذات وصفين.
قوله تعالى :﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ﴾ فسألوا سؤالاً ثالثاً، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان الثاني، فروى ابن جريج، عن قتادة، أن رسول الله ﷺ قال :
59
« أُمِرُوا بِأَدْنَى بَقَرةٍ وَلَكِنَّهُم لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِم شَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِم، وَأيمُ اللهِ لَو أَنَّهُم لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُم آخرُ الأَبَدِ » يعني أنهم لو لم يقولوا :﴿ وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾ ما اهتدوا إليها أبداً.
قوله تعالى :﴿ قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرةٌ لاَّ ذَلُولٌ ﴾ يعني لم يذللها العمل.
﴿ تُثِيرُ الأَرْضَ ﴾ والإثارة تفريق الشيء، أي ليست مما يثير الأرض للزرع، ولا يسقى عليها الزرع. [ وقيل يثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ولا تسقى ].
وليس هذا الوجه بشيء، بل نفي عنها جميع ذلك.
﴿ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيها ﴾ وفي ذلك أربعة تأويلات :
أحدها : مُسَلَّمَةٌ من العيوب، وهذا قول قتادة، وأبي العالية.
والثاني : مُسَلَّمَةٌ من العمل.
والثالث : مُسَلَّمَةٌ من غصب وسرقة، فتكون حلالاً.
والرابع : مُسَلَّمَةٌ من.....
. وفي ﴿ شِيَةَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ليس فيها علامة خاصة، حكاه السدي.
والثاني : أنه ليس فيها لون، يخالف لونها من سواد أو بياض.
والثالث : أنه الوضَح وهو الجمع بين ألوان من سواد وبياض.
وأصله من وشي الثوب، وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، ومنه قيل للساعي بالرجل عند السلطان واشٍ، لأنه يحسّن كذبه عنده، حتى يقبله منه.
﴿ قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : الآن بَيّنْت الحق، وهو قول قتادة.
والثاني : معناه أنه حين بيّنها لهم، قالوا هذه بقرة فلان، الآن جئت بالحق فيها، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
وفي قوله تعالى :﴿ فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا لغلاء ثمنها، لأنهم اشتروها على ما حَكَى ابن عباس، ومحمد بن كعب : بملء مَسْكها ذهباً من مال المقتول. وقيل بوزنها عشر مرات.
والثاني : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا خوفاً من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل، وهذا قول وهب، وقال عكرمة : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير. وقيل : كانت البقرة وحشية.
قوله تعالى :﴿ قَالَ : إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرةٌ لاَّ ذَلُولٌ ﴾ يعني لم يذللها العمل.
﴿ تُثِيرُ الأَرْضَ ﴾ والإثارة تفريق الشيء، أي ليست مما يثير الأرض للزرع، ولا يسقى عليها الزرع. [ وقيل يثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ولا تسقى ].
وليس هذا الوجه بشيء، بل نفي عنها جميع ذلك.
﴿ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيها ﴾ وفي ذلك أربعة تأويلات :
أحدها : مُسَلَّمَةٌ من العيوب، وهذا قول قتادة، وأبي العالية.
والثاني : مُسَلَّمَةٌ من العمل.
والثالث : مُسَلَّمَةٌ من غصب وسرقة، فتكون حلالاً.
والرابع : مُسَلَّمَةٌ من.....
. وفي ﴿ شِيَةَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ليس فيها علامة خاصة، حكاه السدي.
والثاني : أنه ليس فيها لون، يخالف لونها من سواد أو بياض.
والثالث : أنه الوضَح وهو الجمع بين ألوان من سواد وبياض.
وأصله من وشي الثوب، وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، ومنه قيل للساعي بالرجل عند السلطان واشٍ، لأنه يحسّن كذبه عنده، حتى يقبله منه.
﴿ قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : الآن بَيّنْت الحق، وهو قول قتادة.
والثاني : معناه أنه حين بيّنها لهم، قالوا هذه بقرة فلان، الآن جئت بالحق فيها، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
وفي قوله تعالى :﴿ فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا لغلاء ثمنها، لأنهم اشتروها على ما حَكَى ابن عباس، ومحمد بن كعب : بملء مَسْكها ذهباً من مال المقتول. وقيل بوزنها عشر مرات.
والثاني : أنهم كادوا ألاّ يفعلوا خوفاً من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل، وهذا قول وهب، وقال عكرمة : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير. وقيل : كانت البقرة وحشية.
60
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾ يعني من قتل الإسرائيلي؟ الذي قتله ابن أخيه، وفي سبب قتله قولان :
أحدهما : لبنت له حسناء، أحب أن يتزوجها.
والثاني : طلباً لميراثه، وادعى قتله على بعض الأسباط.
وفي قوله تعالى :﴿... فَادَّارَأْتُم فيها ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ الَّدْرءَ الاعوجاج، ومنه قول الشاعر :
يعني اعوجاج الأعادي.
والثاني : وهو المشهور، أن الدرء المدافعة، ومعناه أي تدافعتم في القتل، ومنه قول رؤبة بن العجاج :
والثالث : معناه اختلفتم وتنازعتم، قاله السدي، وقيل إن هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة، فهي متقدمة في الخطاب على قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ مَوسَى لِقَومِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم ﴾ الآية. لأنهم أُمِرُوا بذبحها، بعد قتلهم، واختلفوا في قاتله.
قوله تعالى :﴿ وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ أي والله مظهر ما كنتم تُسِرّون من القتل، فعند ذلك قال النبي ﷺ :« لَو أَنَّ أَحَدَكُم يَعْمَلُ في صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ، لأَخْرَجَ اللهُ عَمَلَهُ ». قوله تعالى :﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾ اختلف العلماء في البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه ضُرِبَ بفخذ البقرة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة وقتادة.
والثاني : أنه ضُرِبَ بالبضعة التي بين الكتفين، وهذا قول السدي.
والثالث : أنه ضُرِبَ بعظم من عظامها، وهذا قول أبي العالية.
والرابع : أنه ضُرِبَ بأُذنها، وهذا قول ابن زيد.
والخامس : أنه ضُرِبَ بعجب ذنبها، وهو الذي لا تأكله الأرض، وهذا قول الفراء. والبعض : يَقِلُّ عن النصف.
﴿ كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى ﴾ يعني، أنه لما ضُرِبَ القتيل ببعض البقرة، أحياه الله وكان اسمه عاميل، فقال قتلني ابن أخي، ثم قبض، فقال بنو أخيه : والله ما قتلناه، فكذّبوا بالحق بعد معاينته.
قال الفراء : وفي الكلام حذف، وتقديره : فقلنا اضربوه ببعضها، ليحيا فضربوه، فَحَيِيَ. كذلك يحيي الله الموتى، فدل بذلك على البعث والنشور، وجعل سبب إحيائه الضرب بميت، لا حياة فيه، لئلا يلتبس على ذي شبهة، أن الحياة إنما انتقلت إليه مما ضرب به، لتزول الشبهة، وتتأكد الحجة.
وفي قوله تعالى :﴿ كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه حكاية عن قول موسى لقومه.
والثاني : أنه خطاب من الله لمشركي قريش.
﴿ وَيُرِيكُم ءَايَاتِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : علامة قدرته.
والثاني : دلائل بعثكم بعد الموت.
﴿ لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعملون.
والثاني : تعتبرون.
أحدهما : لبنت له حسناء، أحب أن يتزوجها.
والثاني : طلباً لميراثه، وادعى قتله على بعض الأسباط.
وفي قوله تعالى :﴿... فَادَّارَأْتُم فيها ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ الَّدْرءَ الاعوجاج، ومنه قول الشاعر :
أمسكت عنهم درء الأعادي | وداووا بالجنون من الجنون |
والثاني : وهو المشهور، أن الدرء المدافعة، ومعناه أي تدافعتم في القتل، ومنه قول رؤبة بن العجاج :
أدركتها قدام كل مدره | بالدفع عني درء كل منجه |
قوله تعالى :﴿ وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ أي والله مظهر ما كنتم تُسِرّون من القتل، فعند ذلك قال النبي ﷺ :« لَو أَنَّ أَحَدَكُم يَعْمَلُ في صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ، لأَخْرَجَ اللهُ عَمَلَهُ ». قوله تعالى :﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾ اختلف العلماء في البعض الذي ضُرِبَ به القتيلُ من البقرة، على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه ضُرِبَ بفخذ البقرة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة وقتادة.
والثاني : أنه ضُرِبَ بالبضعة التي بين الكتفين، وهذا قول السدي.
والثالث : أنه ضُرِبَ بعظم من عظامها، وهذا قول أبي العالية.
والرابع : أنه ضُرِبَ بأُذنها، وهذا قول ابن زيد.
والخامس : أنه ضُرِبَ بعجب ذنبها، وهو الذي لا تأكله الأرض، وهذا قول الفراء. والبعض : يَقِلُّ عن النصف.
﴿ كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى ﴾ يعني، أنه لما ضُرِبَ القتيل ببعض البقرة، أحياه الله وكان اسمه عاميل، فقال قتلني ابن أخي، ثم قبض، فقال بنو أخيه : والله ما قتلناه، فكذّبوا بالحق بعد معاينته.
قال الفراء : وفي الكلام حذف، وتقديره : فقلنا اضربوه ببعضها، ليحيا فضربوه، فَحَيِيَ. كذلك يحيي الله الموتى، فدل بذلك على البعث والنشور، وجعل سبب إحيائه الضرب بميت، لا حياة فيه، لئلا يلتبس على ذي شبهة، أن الحياة إنما انتقلت إليه مما ضرب به، لتزول الشبهة، وتتأكد الحجة.
وفي قوله تعالى :﴿ كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه حكاية عن قول موسى لقومه.
والثاني : أنه خطاب من الله لمشركي قريش.
﴿ وَيُرِيكُم ءَايَاتِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : علامة قدرته.
والثاني : دلائل بعثكم بعد الموت.
﴿ لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعملون.
والثاني : تعتبرون.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم ﴾ اختلف في المُشَار إليه بالقسوة، على قولين :
أحدهما : بنو أخي الميت حين أنكروا قتله، بعد أن سمعوه منه عند إحياء الله له، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه أشار إلى بني إسرائيل كلهم، ومن قال بهذا قال : من بعد ذلك : أي من بعد آياته كلها التي أظهرها على موسى.
وفي قسوتها وجهان :
أحدهما : صلابتها حتى لا تلين.
والثاني : عنفها حتى لا ترأف.
وفي قوله تعالى :﴿ مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ ﴾ وجهان :
أحدهما : من بعد إحياء الموتى، ويكون هذا الخطاب راجعاً إلى جماعتهم.
والثاني : من بعد كلام القتيل، ويكون الخطاب راجعاً إلى بني أخيه.
وقوله تعالى :﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ يعني القلوب التي قست.
واختلف العلماء في معنى ﴿ أَوْ ﴾ في هذا الموضع وأشباهه كقوله تعالى :﴿ فَكَانَ قَابَ قَوسَين أَوْ أَدْنَى ﴾ [ النجم : ٩ ] على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه إبهام على المخاطبين، وإن كان الله تعالى عالماً، أي ذلك هو، كما قال أبو الأسود الدؤلي :
ولا شَكَّ، أن أبا الأسود الدؤلي، لم يكن شاكّاً في حبِّهم، ولكن أَبْهَمَ على مَنْ خاطبه، وقد قِيل لأبي الأسود حين قال ذلك : شَكَكْتُ، فقال كلا، ثم استشهد بقوله تعالى :﴿ وَإِنَّا إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [ سبأ : ٢٤ ] وقال : أفكان شاكاً مَنْ أخبر بهذا؟
والثاني : أن ﴿ أَوْ ﴾ ها هنا بمعنى الواو، وتقديره فهو كالحجارة وأشد قسوة، ومثله قول جرير :
والثالث : أن ﴿ أَوْ ﴾ في هذا الموضع، بمعنى بل أشد قسوة، كما قال تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ [ الصافات : ١٤٧ ] يعني بل يزيدون.
والرابع : أن معناها الإباحة وتقديره، فإن شبهتموها بالحجارة كانت مثلها، وإن شبهتموها بما هو أشد، كانت مثلها.
والخامس : فهي كالحجارة، أو أشد قسوة عندكم.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ ﴾ يعني أن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية، لِتَفَجِّرِ الأنهار منها.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾ فاختلفوا في ضمير الهاء في « منها »، إلى ماذا يرجع؟ على قولين :
أحدهما : إلى القلوب لا إلى الحجارة، فيكون معنى الكلام : وإن من القلوب لما يخضع من خشية الله، ذكره ابن بحر.
والقول الثاني : أنها ترجع إلى الحجارة، لأنها أقرب مذكور.
واختلف من قال بهذا، في هذه الحجارة على قولين :
أحدهما : أنها البرد الهابط من السَّحاب، وهذا قول تفرد به بعض المتكلمين.
أحدهما : بنو أخي الميت حين أنكروا قتله، بعد أن سمعوه منه عند إحياء الله له، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنه أشار إلى بني إسرائيل كلهم، ومن قال بهذا قال : من بعد ذلك : أي من بعد آياته كلها التي أظهرها على موسى.
وفي قسوتها وجهان :
أحدهما : صلابتها حتى لا تلين.
والثاني : عنفها حتى لا ترأف.
وفي قوله تعالى :﴿ مِّنْ بَعْدِ ذلِكَ ﴾ وجهان :
أحدهما : من بعد إحياء الموتى، ويكون هذا الخطاب راجعاً إلى جماعتهم.
والثاني : من بعد كلام القتيل، ويكون الخطاب راجعاً إلى بني أخيه.
وقوله تعالى :﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ يعني القلوب التي قست.
واختلف العلماء في معنى ﴿ أَوْ ﴾ في هذا الموضع وأشباهه كقوله تعالى :﴿ فَكَانَ قَابَ قَوسَين أَوْ أَدْنَى ﴾ [ النجم : ٩ ] على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه إبهام على المخاطبين، وإن كان الله تعالى عالماً، أي ذلك هو، كما قال أبو الأسود الدؤلي :
أحب محمداً حباً شديداً | وعباساً وحمزة أو علياً |
فإن يك حبهم رشدا أُصِبه | ولستُ بمخطئ إن كان غياً |
والثاني : أن ﴿ أَوْ ﴾ ها هنا بمعنى الواو، وتقديره فهو كالحجارة وأشد قسوة، ومثله قول جرير :
جاءَ الخلافة أو كانت له قدرا | كما أتى ربَّه موسى على قَدَرِ |
والرابع : أن معناها الإباحة وتقديره، فإن شبهتموها بالحجارة كانت مثلها، وإن شبهتموها بما هو أشد، كانت مثلها.
والخامس : فهي كالحجارة، أو أشد قسوة عندكم.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ ﴾ يعني أن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية، لِتَفَجِّرِ الأنهار منها.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾ فاختلفوا في ضمير الهاء في « منها »، إلى ماذا يرجع؟ على قولين :
أحدهما : إلى القلوب لا إلى الحجارة، فيكون معنى الكلام : وإن من القلوب لما يخضع من خشية الله، ذكره ابن بحر.
والقول الثاني : أنها ترجع إلى الحجارة، لأنها أقرب مذكور.
واختلف من قال بهذا، في هذه الحجارة على قولين :
أحدهما : أنها البرد الهابط من السَّحاب، وهذا قول تفرد به بعض المتكلمين.
62
والثاني : وهو قول جمهور المفسرين : أنها حجارة الجبال الصلدة، لأنها أشد صلابة.
واختلف من قال بهذا على قولين :
أحدهما : أنه الجبل الذي جعله الله دَكاً، حين كلم موسى.
والثاني : أنه عام في جميع الجبال.
واختلف من قال بهذا، في تأويل هبوطها، على أربعة أقاويل :
أحدها : إن هبوط ما هبط من حشية الله، نزل في ذلك القرآن.
والثاني :.........
والثالث : أن مِنْ عَظَّم مَنْ أمر الله، يُرَى كأنه هابط خاشع، كما قال جرير :
والرابع : أن الله أعطى بعض الجبال المعرفة، فعقل طاعة الله، فأطاعه، كالذي رُوِيَ عن الجذع، الذي كان يستند إليه النبي ﷺ، فلما تحول عنه حَنَّ، رُوِيَ عن النبي أنه قال :« إِنَّ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ في الجاهِليَّةِ إِنِّي لأَعْرَفُهُ الآَنَ » ويكون معنى الكلام، إِنَّ من الجبال ما لو نزل عليه القرآن، لهبط من خشية الله تذللاً وخضوعاً.
واختلف من قال بهذا على قولين :
أحدهما : أنه الجبل الذي جعله الله دَكاً، حين كلم موسى.
والثاني : أنه عام في جميع الجبال.
واختلف من قال بهذا، في تأويل هبوطها، على أربعة أقاويل :
أحدها : إن هبوط ما هبط من حشية الله، نزل في ذلك القرآن.
والثاني :.........
والثالث : أن مِنْ عَظَّم مَنْ أمر الله، يُرَى كأنه هابط خاشع، كما قال جرير :
لما أتى خبر الزبير تواضعت | سور المدينة والجبال الخشّع |
63
قوله تعالى :﴿... وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ في ذلك قولان :
أحدهما : أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.
والثاني : أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.
وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان :
أحدهما : أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود.
والثاني : الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء.
وفي قوله تعالى :﴿ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه.
والثاني : من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون : أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني : أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم ﴾ وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني : بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد ﷺ وبعثه، ﴿ ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة.
والثالث : أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي ﷺ، بأنهم إخوة القردة، فقالوا : من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد.
والرابع : أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به ( آباؤهم )، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي.
وفي ﴿ فتح الله ﴾ وجهان :
أحدهما : بما علمكم الله.
والثاني : بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر :
ويُقَالُ للقاضي : الفتّاح، ومنه قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ﴾ [ الأعراف : ٨٩ ].
قوله تعالى :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازاً.
والثاني :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن.
والثالث :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ يوم القيامة، كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ ﴾ [ الزمر : ٣١ ].
أحدهما : أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.
والثاني : أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.
وفي كلام الله الذي يسمعونه قولان :
أحدهما : أنها التوراة التي عَلِمَها علماء اليهود.
والثاني : الوحي الذي كانوا يسمعونه كما تسمعه الأنبياء.
وفي قوله تعالى :﴿ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : من بعد ما سمعوه، وهم يعلمون أنهم يحرفونه.
والثاني : من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ما في تحريفه من العقاب.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون : أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني : أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض :﴿ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم ﴾ وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني : بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد ﷺ وبعثه، ﴿ ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة.
والثالث : أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي ﷺ، بأنهم إخوة القردة، فقالوا : من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد.
والرابع : أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به ( آباؤهم )، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي.
وفي ﴿ فتح الله ﴾ وجهان :
أحدهما : بما علمكم الله.
والثاني : بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر :
ألا أبلغ بني عُصُم رسولاً | بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ |
قوله تعالى :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازاً.
والثاني :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن.
والثالث :﴿ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم ﴾ يوم القيامة، كما قال تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ ﴾ [ الزمر : ٣١ ].
قوله تعالى :﴿ وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الأُمّي : الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ تأويله.
والثاني : أنَّ الأُمّيين : قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم : هذا من عند الله، وهذا قول ابن عباس.
وفي تسمية الذي لا يكتب بالأمي قولان :
أحدها : أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على خلقته من أنه لا يكتب، ومنه قول الأعشى :
والثاني : أنه مأخوذ من الأُم، وفي أخذه من الأُم تأويلان :
أحدهما : أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.
والثاني : أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه.
وفي قوله تعالى :﴿ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : إِلاَّ أَمَانِيَّ : يعني : إلا كذباً، قاله ابن عباس ومجاهد، قال الشاعر :
والثاني : إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني، أنهم يَتَمَنَّونَ على الله ما ليس لهم، قاله قتادة.
والثالث : إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني [ إلا أماني يعني إلا تلاوة من غير فهم قاله الفراء والكسائي ومنه قوله تعالى :﴿ إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشيْطَانُ في أمنيِّتِه ﴾ [ سورة الحج : ٥٢ ] يعني ألقى الشيطانُ في أُمنيِّتِه، وقال كعب بن مالك :
والرابع : أنَّ الأَمَانِيَّ : التقدير، حكاه ابن بحر وأنشد قول الشاعر :
( وإلا ) : في هذا الموضع بمعنى ( لكن ) وهو عندهم من الاستثناء المنقطع ومنه قوله تعالى :﴿ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنَّ ﴾ [ النساء : ١٥٧ ] قال النابغة :
﴿ وَإِنْ هُم إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يكذبون، قاله مجاهد.
والثاني : يحدثون، قاله البصريون.
قوله تعالى :﴿ فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ﴾ في الويل ستة أقاويل :
أحدها : أنه العذاب، قاله ابن عباس.
والثاني : أنه التقبيح، وهو قول الأصمعي. ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ]. وقال الشاعر :
والثالث : أنه الحزن، قاله المفضل.
والرابع : أنه الخزي والهوان.
والخامس : أن الويل وادٍ في جهنم، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
والسادس : أنه جبل في النار، وهو قول عثمان بن عفان.
﴿ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ﴾ أي يغيرون ما في الكتاب من نبوة محمد ﷺ ونعته.
وفي قوله تعالى :﴿ بِأَيدِيهِم ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنه أراد بذلك تحقيق الإضافة، وإن كانت الكتابة لا تكون إلا باليد، كقوله تعالى :﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ ﴾.
والثاني : أن معنى ﴿ بِأَيْدِيهِم ﴾ أي من تلقاء أنفسهم، قاله ابن السراج.
وفي قوله تعالى :﴿ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً ﴾ تأويلان :
أحدهما : ليأخذوا به عرض الدنيا، لأنه قليل المدة، كما قال تعالى :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ وهذا قول أبي العالية.
والثاني : أنه قليل لأنه حرام.
﴿ وَوَيلٌ لَّهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من تحريف كتبهم.
والثاني : من أيام معاصيهم.
أحدهما : أن الأُمّي : الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ تأويله.
والثاني : أنَّ الأُمّيين : قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم : هذا من عند الله، وهذا قول ابن عباس.
وفي تسمية الذي لا يكتب بالأمي قولان :
أحدها : أنه مأخوذ من الأمة، أي على أصل ما عليه الأمّة، لأنه باق على خلقته من أنه لا يكتب، ومنه قول الأعشى :
وإنّ معاويةَ الأكرمين | حسانُ الوجوه طوال الأمَمْ |
أحدهما : أنه مأخوذ منها، لأنه على ما ولدته أُمُّهُ من أنه لا يكتب.
والثاني : أنه نُسِبَ إلى أُمّهِ، لأن الكتاب في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب من الرجال إلى أمه، لجهلها بالكتاب دونه أبيه.
وفي قوله تعالى :﴿ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : إِلاَّ أَمَانِيَّ : يعني : إلا كذباً، قاله ابن عباس ومجاهد، قال الشاعر :
ولكنما ذاك الذي كان منكما | أمانّي ما لاقت سماء ولا أرضا |
والثالث : إِلاَّ أَمَانِيَّ، يعني [ إلا أماني يعني إلا تلاوة من غير فهم قاله الفراء والكسائي ومنه قوله تعالى :﴿ إلاَّ إذَا تَمَنَّى ألْقَى الشيْطَانُ في أمنيِّتِه ﴾ [ سورة الحج : ٥٢ ] يعني ألقى الشيطانُ في أُمنيِّتِه، وقال كعب بن مالك :
تمنّى كتاب الله أول ليلهِ | وآخرَه لاقي حمام المقادر |
ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله | حتى تَبَيّنَ ما يمني لك الماني |
حلفت يميناً غير ذي مثنوية | ولا علم إلا حسن ظن بصاحب |
أحدهما : يكذبون، قاله مجاهد.
والثاني : يحدثون، قاله البصريون.
قوله تعالى :﴿ فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ﴾ في الويل ستة أقاويل :
أحدها : أنه العذاب، قاله ابن عباس.
والثاني : أنه التقبيح، وهو قول الأصمعي. ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ]. وقال الشاعر :
كسا اللؤم سهما خضرة في جلودها | فويل لسهم من سرابيلها الخُضْرِ |
والرابع : أنه الخزي والهوان.
والخامس : أن الويل وادٍ في جهنم، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
والسادس : أنه جبل في النار، وهو قول عثمان بن عفان.
﴿ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ﴾ أي يغيرون ما في الكتاب من نبوة محمد ﷺ ونعته.
وفي قوله تعالى :﴿ بِأَيدِيهِم ﴾ تأويلان :
أحدهما : أنه أراد بذلك تحقيق الإضافة، وإن كانت الكتابة لا تكون إلا باليد، كقوله تعالى :﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ ﴾.
والثاني : أن معنى ﴿ بِأَيْدِيهِم ﴾ أي من تلقاء أنفسهم، قاله ابن السراج.
وفي قوله تعالى :﴿ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً ﴾ تأويلان :
أحدهما : ليأخذوا به عرض الدنيا، لأنه قليل المدة، كما قال تعالى :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ وهذا قول أبي العالية.
والثاني : أنه قليل لأنه حرام.
﴿ وَوَيلٌ لَّهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من تحريف كتبهم.
والثاني : من أيام معاصيهم.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ﴾ والفرق بين اللمس والمس، أن مع اللمس إحساساً.
وفي الأيام المعدودة قولان :
أحدهما : أنها أربعون يوماً، وهذا قول قتادة، والسدي، وعكرمة، وأبي العالية، ورواه الضحاك عن ابن عباس، ومن قال بهذا اختلفوا في تقديرهم لها بالأربعين :
فقال بعضهم : لأنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.
وقال ابن عباس : أن اليهود يزعمون أنهم، وجدوا في التوراة مكتوباً، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم، فإذا انقطع المسير انقضى العذاب، وهلكت النار، وهذا قول من قدر « المعدودة » بالأربعين.
والقول الثاني : أن المعدودة التي تمسهم فيها النار سبعة أيام، لأنهم زعموا، أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنهم يُعَذَّبُون عن كل ألف سنة يوماً، وهذا قول مجاهد، ورواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وفي الأيام المعدودة قولان :
أحدهما : أنها أربعون يوماً، وهذا قول قتادة، والسدي، وعكرمة، وأبي العالية، ورواه الضحاك عن ابن عباس، ومن قال بهذا اختلفوا في تقديرهم لها بالأربعين :
فقال بعضهم : لأنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.
وقال ابن عباس : أن اليهود يزعمون أنهم، وجدوا في التوراة مكتوباً، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم، فإذا انقطع المسير انقضى العذاب، وهلكت النار، وهذا قول من قدر « المعدودة » بالأربعين.
والقول الثاني : أن المعدودة التي تمسهم فيها النار سبعة أيام، لأنهم زعموا، أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وأنهم يُعَذَّبُون عن كل ألف سنة يوماً، وهذا قول مجاهد، ورواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾. أما ( بلى )، فجوات النفي، وأما ( نعم ) فجواب الإيجاب، قال الفراء : إذا قال الرجل لصاحبه : ما لك عَليَّ شيء، فقال الآخر : نعم، كان ذلك تصديقاً أن لا شيء عليه، ولو قال بَلَى : كان رداً لقوله، وتقديره : بَلَى لِيَ عليك.
وقوله :﴿ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾ اختلفوا في السيئة ها هنا، على قولين :
أحدهما : أنها الشرك، وهذا قول مجاهد.
والثاني : أنها الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار، وهذا قول السدي.
وقوله تعالى :﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه مات عليها، وهذا قول ابن جبير.
والثاني : أنها سَدَّتْ عليه المسالك، وهذا قول ابن السراج.
وقوله :﴿ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾ اختلفوا في السيئة ها هنا، على قولين :
أحدهما : أنها الشرك، وهذا قول مجاهد.
والثاني : أنها الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار، وهذا قول السدي.
وقوله تعالى :﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه مات عليها، وهذا قول ابن جبير.
والثاني : أنها سَدَّتْ عليه المسالك، وهذا قول ابن السراج.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ ﴾ يعني في التوراة بمجيء محمد ﷺ. ويقال الميثاق الأول ( حين أُخرِجوا ) من صلب آدم.
﴿ وَقُولُوا للِنَّاسِ حُسْناً ﴾ فمن قرأ حَسَناً، يعني قولاً صدقاً في بعث محمد ﷺ، وبالرفع، أي قولوا لجميع الناس حسناً، يعني خالقوا الناس بِخُلُقٍ حسن.
﴿ وَقُولُوا للِنَّاسِ حُسْناً ﴾ فمن قرأ حَسَناً، يعني قولاً صدقاً في بعث محمد ﷺ، وبالرفع، أي قولوا لجميع الناس حسناً، يعني خالقوا الناس بِخُلُقٍ حسن.
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُ مِّن دِيَارِكُمْ ﴾ أما النفس فمأخوذة من النفاسة، وهي الجلالة، فنفس الإنسان أنفس ما فيه، وأما الديار فالمنزل، الذي فيه أبنية المقام، بخلاف منزل الارتحال، وقال الخليل : كل موضع حَلَّهُ قوم، فهو دار لهم، وإن لم يكن فيه أبنية.
فإن قيل : فهل يسفك أحد دمه، ويخرج نفسه من داره؟ ففيه قولان :
أحدهما : معناه لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يخرجه من داره، وهذا قول قتادة، وأبي العالية.
والثاني : أنه القصاص الذي يقتص منهم بمن قتلوه.
وفيه قول ثالث : أن قوله « أنفسكم » أي إخوانكم فهو كنفس واحدة.
قوله تعالى :﴿ تَظَاهَرُونَ عَليْهِم بالإثْمِ وَالعُدْوَانِ ﴾ يعني تتعاونون، والإثم هو الفعل الذي يستحق عليه الذم، وفي العدوان قولان :
أحدهما : أنه مجاوزة الحق.
والثاني : أنه في الإفراط في الظلم.
﴿ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُم ﴾ وقرأ حمزة ﴿ أُسْرَى ﴾. وفي الفرق بين أَسْرَى وأُسَارَى قولان :
أحدهما : أن أَسْرَى جمع أسير، وأُسَارَى جمع أَسْرَى.
والثاني : أن الأَسْرى الذين في اليد وإنْ لم يكونوا في وَثَاق، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء، والأُسارَى : الذين في وَثَاق.
فإن قيل : فهل يسفك أحد دمه، ويخرج نفسه من داره؟ ففيه قولان :
أحدهما : معناه لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يخرجه من داره، وهذا قول قتادة، وأبي العالية.
والثاني : أنه القصاص الذي يقتص منهم بمن قتلوه.
وفيه قول ثالث : أن قوله « أنفسكم » أي إخوانكم فهو كنفس واحدة.
قوله تعالى :﴿ تَظَاهَرُونَ عَليْهِم بالإثْمِ وَالعُدْوَانِ ﴾ يعني تتعاونون، والإثم هو الفعل الذي يستحق عليه الذم، وفي العدوان قولان :
أحدهما : أنه مجاوزة الحق.
والثاني : أنه في الإفراط في الظلم.
﴿ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُم ﴾ وقرأ حمزة ﴿ أُسْرَى ﴾. وفي الفرق بين أَسْرَى وأُسَارَى قولان :
أحدهما : أن أَسْرَى جمع أسير، وأُسَارَى جمع أَسْرَى.
والثاني : أن الأَسْرى الذين في اليد وإنْ لم يكونوا في وَثَاق، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء، والأُسارَى : الذين في وَثَاق.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ ﴾ يعني التوراة.
﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ﴾ والتَّقْفِيَةُ : الإتْباع، ومعناه : وأَتْبَعْنَا، يقال اسْتَقْفَيْتُهُ إِذَا جئت من خلفه، وسميت قافية الشعر قافية لأنها خلفه.
﴿ وَءَاتينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن البينات الحجج.
والثاني : أنها الإنجيل.
والثالث : وهو قول ابن عباس، أن البينات التي أوتيها عيسى إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير، فيكون طيراً بإذن الله، وإبراء الأسْقَام.
﴿ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدْسِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن روح القدس الاسم الذي يحيي به عيسى الموتى، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه الإنجيل، سماه روحاً، كما سمى الله القرآن روحاً في قوله تعالى :﴿ وَكَذلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ﴾.
والثالث : وهو الأظهر، أنه جبريل عليه السلام، وهذا قول الحسن وقتادة، والربيع، والسدي، والضحاك.
واختلفوا في تسمية جبريل بروح القدس، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سُمِّيَ رُوحاً، لأَنَّه بمنزلة الأرواح للأبدان، يحيي بما يأتي به من البينات من الله تعالى.
والثاني : أنه سمي روحاً، لأن الغالب على جسمه الروحانية، لرقته، وكذلك سائر الملائكة، وإنما يختص به جبريل تشريفاً.
والثالث : أنه سمي روحاً، لأنه كان بتكوين الله تعالى له روحاً من عنده من غير ولادة.
والقُدُس فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : هو الله تعالى، ولذلك سُمِّي عيسى عليه السلام روح القدس، لأن الله تعالى كوَّنه من غير أب، وهذا قول الحسن والربيع وابن زيد. قال ابن زيد : القدس والقدوس واحد.
والثاني : هو الظهر، كأنه دل به على التطهر من الذنوب.
والثالث : أن القدس البركة، وهو قول السدي.
﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ﴾ والتَّقْفِيَةُ : الإتْباع، ومعناه : وأَتْبَعْنَا، يقال اسْتَقْفَيْتُهُ إِذَا جئت من خلفه، وسميت قافية الشعر قافية لأنها خلفه.
﴿ وَءَاتينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن البينات الحجج.
والثاني : أنها الإنجيل.
والثالث : وهو قول ابن عباس، أن البينات التي أوتيها عيسى إحياء الموتى، وخلقه من الطين كهيئة الطير، فيكون طيراً بإذن الله، وإبراء الأسْقَام.
﴿ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدْسِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن روح القدس الاسم الذي يحيي به عيسى الموتى، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه الإنجيل، سماه روحاً، كما سمى الله القرآن روحاً في قوله تعالى :﴿ وَكَذلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ﴾.
والثالث : وهو الأظهر، أنه جبريل عليه السلام، وهذا قول الحسن وقتادة، والربيع، والسدي، والضحاك.
واختلفوا في تسمية جبريل بروح القدس، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سُمِّيَ رُوحاً، لأَنَّه بمنزلة الأرواح للأبدان، يحيي بما يأتي به من البينات من الله تعالى.
والثاني : أنه سمي روحاً، لأن الغالب على جسمه الروحانية، لرقته، وكذلك سائر الملائكة، وإنما يختص به جبريل تشريفاً.
والثالث : أنه سمي روحاً، لأنه كان بتكوين الله تعالى له روحاً من عنده من غير ولادة.
والقُدُس فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : هو الله تعالى، ولذلك سُمِّي عيسى عليه السلام روح القدس، لأن الله تعالى كوَّنه من غير أب، وهذا قول الحسن والربيع وابن زيد. قال ابن زيد : القدس والقدوس واحد.
والثاني : هو الظهر، كأنه دل به على التطهر من الذنوب.
والثالث : أن القدس البركة، وهو قول السدي.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ : قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ فيه تأويلات :
أحدهما : يعني في أَغْطِيَةٍ وَأَكِنَّةٍ لا تفقه، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة، والسدي.
والثاني : يعني أوعية للعلم، وهذا قول عطية، ورواية الضحاك عن ابن عباس.
﴿ بَّل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ﴾ وَاللَّعن : الطرد والإبعاد، ومنه قول الشماخ :
ووجه الكلام : مقام الذئب اللعين كالرجل.
في قوله تعالى :﴿ فَقَليلاً مَّا يُؤْمنُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه فقليل منهم من يؤمن، وهذا قول قتادة، لأن مَن آمن من أهل الشرك أكثر ممن آمن مِنْ أهل الكتاب.
والثاني : معناه فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم، وهو مروي عن قتادة. ومعنى ﴿ مَا ﴾ هنا الصلة للتوكيد كما قال مهلهل :
أحدهما : يعني في أَغْطِيَةٍ وَأَكِنَّةٍ لا تفقه، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة، والسدي.
والثاني : يعني أوعية للعلم، وهذا قول عطية، ورواية الضحاك عن ابن عباس.
﴿ بَّل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ ﴾ وَاللَّعن : الطرد والإبعاد، ومنه قول الشماخ :
ذعرتُ به القطا ونفيتُ عنه | مقام الذئب كالرجل اللعين |
في قوله تعالى :﴿ فَقَليلاً مَّا يُؤْمنُونَ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه فقليل منهم من يؤمن، وهذا قول قتادة، لأن مَن آمن من أهل الشرك أكثر ممن آمن مِنْ أهل الكتاب.
والثاني : معناه فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم، وهو مروي عن قتادة. ومعنى ﴿ مَا ﴾ هنا الصلة للتوكيد كما قال مهلهل :
لو بأبانين جاء يخطبها | خُضَّب ما أنف خاضب بدم |
وإني لآتيكم بشكر ما مضى | من الأمر واستحباب ما كان في غد |
قوله تعالى :﴿... خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ﴾ يعني بجد واجتهاد.
﴿ وَاسْمَعُواْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فاعملوا بما سمعتم.
الثاني : أي اقبلوا ما سمعتم، كما قيل سمع الله لمن حمده، أي قبل الله حمده، وقال الراجز :
﴿ قَالُوا : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك حقيقة، ومعناه سمعنا قولك وعصينا أمرك.
والثاني : أنهم لم يقولوه ولكن فعلوا ما دل عليه، فقام الفعل منهم مقام القول كما قال الشاعر :
﴿ وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أن موسى برد العجل وذرّاه في الماء، فكان لا يشربه أحد يحب العجل إلا ظهرت نخالة الذهب على شفتيه، وهذا قول السدي، وابن جريج.
والثاني : أنهم أُشربوا حب العجل في قلوبهم، يقال أُشرِبَ قلبه حبَّ كذا، قال زهير :
فصحوتُ عنها بعد حبٍّ داخل... والحبُّ تُشربه فؤادَك : داءُ
﴿ وَاسْمَعُواْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فاعملوا بما سمعتم.
الثاني : أي اقبلوا ما سمعتم، كما قيل سمع الله لمن حمده، أي قبل الله حمده، وقال الراجز :
السمعُ والطاعة والتسليم | خير وأعفى لبني تميم |
أحدهما : أنهم قالوا ذلك حقيقة، ومعناه سمعنا قولك وعصينا أمرك.
والثاني : أنهم لم يقولوه ولكن فعلوا ما دل عليه، فقام الفعل منهم مقام القول كما قال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قَطْني | مهلاً رويداً قد ملأت بطني |
أحدهما : أن موسى برد العجل وذرّاه في الماء، فكان لا يشربه أحد يحب العجل إلا ظهرت نخالة الذهب على شفتيه، وهذا قول السدي، وابن جريج.
والثاني : أنهم أُشربوا حب العجل في قلوبهم، يقال أُشرِبَ قلبه حبَّ كذا، قال زهير :
فصحوتُ عنها بعد حبٍّ داخل... والحبُّ تُشربه فؤادَك : داءُ
قوله تعالى :﴿ قُلْ : إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مِّن دُون النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ يعني اليهود تزعم أن الجنة خالصة لهم من دون الناس، وفيه قولان :
أحدهما : من دون الناس كلهم.
والثاني : من دون محمد وأصحابه الذين آمنوا به، وهذا قول ابن عباس.
فقيل :﴿ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ لأنه من اعتقد أنه من أهل الجنة، كان الموت أحب إليه من الحياة، لما يصير إليه من نعم الجنة، ويزول عنه من أذى الدنيا، ويروى عن النبي ﷺ أنه قال :« لَو أَنَّ اليَهُودَ تَمَنَّوُا المَوتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَامَهُم مِنَ النَّارِ ». ثم قال تعالى :﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ أَبَدا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ تحقيقاً لكذبهم، وفي تركهم إظهار التمني قولان :
أحدهما : أنهم علموا أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، كما قاله النبي ﷺ، فلذلك لم يتمنوه وهذا قول ابن عباس.
الثاني : أن الله صرفهم عن إظهار التمني، ليجعل ذلك آية لنبيه ﷺ.
ثم قال تعالى :﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ يعني اليهود.
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ يعني المجوس، لأن المجوس هم الذين ﴿ يَودُّ أَحَدُهُمْ لو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾، كان قد بلغ من حبهم في الحياة أن جعلوا تحيتهم ( عش ألف سنة ) حرصاً على الحياة، فهؤلاء الذين يقولون : أن لهم الجنة خالصة أحب في الحياة من جميع الناس ومن هؤلاء. ﴿ وَمَا هُو بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ أي بمباعده من العذاب ﴿ أَن يُعْمَّرُ ﴾ لأنه لو عمَّر ما تمنى، لما دفعه طول العمر من عذاب الله على معاصيه.
أحدهما : من دون الناس كلهم.
والثاني : من دون محمد وأصحابه الذين آمنوا به، وهذا قول ابن عباس.
فقيل :﴿ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ لأنه من اعتقد أنه من أهل الجنة، كان الموت أحب إليه من الحياة، لما يصير إليه من نعم الجنة، ويزول عنه من أذى الدنيا، ويروى عن النبي ﷺ أنه قال :« لَو أَنَّ اليَهُودَ تَمَنَّوُا المَوتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَامَهُم مِنَ النَّارِ ». ثم قال تعالى :﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ أَبَدا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ تحقيقاً لكذبهم، وفي تركهم إظهار التمني قولان :
أحدهما : أنهم علموا أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، كما قاله النبي ﷺ، فلذلك لم يتمنوه وهذا قول ابن عباس.
الثاني : أن الله صرفهم عن إظهار التمني، ليجعل ذلك آية لنبيه ﷺ.
ثم قال تعالى :﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ يعني اليهود.
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ يعني المجوس، لأن المجوس هم الذين ﴿ يَودُّ أَحَدُهُمْ لو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾، كان قد بلغ من حبهم في الحياة أن جعلوا تحيتهم ( عش ألف سنة ) حرصاً على الحياة، فهؤلاء الذين يقولون : أن لهم الجنة خالصة أحب في الحياة من جميع الناس ومن هؤلاء. ﴿ وَمَا هُو بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ أي بمباعده من العذاب ﴿ أَن يُعْمَّرُ ﴾ لأنه لو عمَّر ما تمنى، لما دفعه طول العمر من عذاب الله على معاصيه.
قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ﴾ وسبب نزول هذه الآية، أن ابن صوريا وجملة من يهود ( فدك )، لما قدم النبي ﷺ المدينة سألوه، فقالوا : يا محمد كيف نومك؟ فإنه قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان، فقال :« تَنَامُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي يَقْظَانُ » قالوا : صدقت يا محمد، فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو المرأة؟ فقال :« أَمَّا العِظَامُ وَالعَصَبُ وَالعُرُوقُ فَمِنَ الرَّجُلِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ وَالدَّمُ وَالظُّفْر وَالشَّعْر فَمِنَ المَرْأَةِ » قالوا : صدقت يا محمد، فما بال الولد يشبه أعمامه، ليس فيه من شبه أخواله شيء، أو يشبه أخواله، ليس فيه من شبه أعمامه شيء؟ فقال :« أيهما علا ماؤه كان الشبه له » قالوا : صدقت يا محمد، فأخبرنا عن ربك ما هو؟ فأنزل الله تعالى : قال ﴿ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص الآية : ١ ] إلى آخر السورة، قال له ابن صوريا : خصلة إن قلتها آمنتُ بك واتبعتُك، أي ملك يأتيك بما يقول الله؟ قال :« جبريل »، قال : ذاك عدونا، ينزل بالقتال والشدة والحرب، وميكائيل ينزل بالبشر والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك، فقال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند ذلك : فإني أشهد أن من كان عدّواً لجبريل، فإنه عدو لميكائيل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأما جبريل وميكائيل فهما اسمان، أحدهما عبد الله والآخر عبيد الله، لأن إيل هو الله وجبر هو عبد، وميكا هو عبيد، فكان جبريل عبد الله، وميكائيل عبيد الله، وهذا قول ابن عباس، وليس له من المفسرين مخالف.
فإن قيل : فلم قال :﴿ مَن كَانَ عَدُوَّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌ لِلْكَافِرِينَ ﴾ وقد دخل جبريل وميكائيل في عموم الملائكة فلِمَ خصهما بالذكر؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنهما خُصَّا بالذكر تشريفاً لهما وتمييزاً.
والثاني : أن اليهود لما قالوا جبريل عدوّنا، وميكائيل ولينا، خُصَّا بالذكر، لأن اليهود تزعم أنهم ليسوا بأعداء لله وملائكته، لأن جبريل وميكائيل مخصوصان من جملة الملائكة، فنص عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص، ثم قال تعالى :﴿ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾، ولم يقل لهم، لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان.
فإن قيل : فلم قال :﴿ مَن كَانَ عَدُوَّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌ لِلْكَافِرِينَ ﴾ وقد دخل جبريل وميكائيل في عموم الملائكة فلِمَ خصهما بالذكر؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنهما خُصَّا بالذكر تشريفاً لهما وتمييزاً.
والثاني : أن اليهود لما قالوا جبريل عدوّنا، وميكائيل ولينا، خُصَّا بالذكر، لأن اليهود تزعم أنهم ليسوا بأعداء لله وملائكته، لأن جبريل وميكائيل مخصوصان من جملة الملائكة، فنص عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص، ثم قال تعالى :﴿ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾، ولم يقل لهم، لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان.
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﱢ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﱣ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﱤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﱥ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﱦ
قوله تعالى :﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ اختلف أهل التفسير في سبب ذلك، على قولين :
أحدهما : أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويستخرجون السحر، فَأَطْلَعَ الله سليمان ابن داود عليه، فاستخرجه من أيديهم، ودفنه تحت كرسيه، فلم تكن الجن تقدر على أن تدنو من الكرسي، فقالت الإنس بعد موت سليمان : إن العلم الذي كان سليمان يُسَخِّر به الشياطين والرياح هو تحت كرسيه، فاستخرجوه وقالوا : كان ساحراً ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلّموه، فأنزل الله تعالى براءة سليمان بهذه الآية.
والثاني : أن « آصف بن برخيا » وهو كاتب سليمان وَاطَأَ نَفَراً من الشياطين على كتاب كتبوه سحراً ودفنوه تحت كرسي سليمان، ثم استخرجوه بعد موته وقالوا هذا سحر سليمان، فبرأه الله تعالى من قولهم، فقال :﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ ﴾، وهم ما نسبوه إلى الكفر، ولكنهم نسبوه إلى السحر، لكن لما كان السحر كفراً صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر.
قال تعالى :﴿ وَلَكْنَّ الشَيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر.
والثاني : أنهم كفروا بما استخرجوه من السحر.
﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم ألقوه في قلوبهم فتعلموه.
والثاني : أنهم دلوهم على إخراجه من تحت الكرسي فتعلموه.
﴿ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ وفي ﴿ مَا ﴾ ها هنا وجهان :
أحدهما : بمعنى الذي، وتقديره الذي أنزل على الملكين.
والثاني : أنها بمعنى النفي، وتقديره : ولم ينزل على الملكين.
وفي الملكين قراءتان : إحداهما : بكسر اللام، كانا من ملوك بابل وعلوجها
هاروت وماروت، وهذا قول أبي الأسود الدؤلي، والقراءة الثانية : بفتح اللام من الملائكة.
وفيه قولان :
أحدهما : أن سحرة اليهود زعموا، أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره : وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، وهما رجلان ببابل.
والثاني : أن هاروت وماروت مَلَكان، أَهْبَطَهُما الله تعالى إلى الأرض، وسبب ذلك، أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أَنْعُمِهِ عليهم، فقال الله تعالى لهم : أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، فقالوا : سبحانك ما ينبغي لنا، فأمرهم الله أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت فأُهْبِطَا إلى الأرض، وأحل لهما كل شيء، على ألا يُشْرِكا بالله شيئاً، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فعرضت لهما امرأة وكان يحكمان بين الناس تُخَاصِمُ زوجها واسمها بالعربية : الزهرة، وبالفارسية : فندرخت، فوقعت في أنفسهما، فطلباها، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنماً ويشربا الخمر، فشربا الخمر، وعبدا الصنم، وواقعاها، وقتلا سابلاً مر بهما خافا أن يشهر أمرهما، وعلّماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج إلى السماء، فتكلمت وعرجت، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا، قال : كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه، فتعجب الملائكة من ذلك. ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء، فكانا يعلّمان السحر.
أحدهما : أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويستخرجون السحر، فَأَطْلَعَ الله سليمان ابن داود عليه، فاستخرجه من أيديهم، ودفنه تحت كرسيه، فلم تكن الجن تقدر على أن تدنو من الكرسي، فقالت الإنس بعد موت سليمان : إن العلم الذي كان سليمان يُسَخِّر به الشياطين والرياح هو تحت كرسيه، فاستخرجوه وقالوا : كان ساحراً ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلّموه، فأنزل الله تعالى براءة سليمان بهذه الآية.
والثاني : أن « آصف بن برخيا » وهو كاتب سليمان وَاطَأَ نَفَراً من الشياطين على كتاب كتبوه سحراً ودفنوه تحت كرسي سليمان، ثم استخرجوه بعد موته وقالوا هذا سحر سليمان، فبرأه الله تعالى من قولهم، فقال :﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ ﴾، وهم ما نسبوه إلى الكفر، ولكنهم نسبوه إلى السحر، لكن لما كان السحر كفراً صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر.
قال تعالى :﴿ وَلَكْنَّ الشَيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر.
والثاني : أنهم كفروا بما استخرجوه من السحر.
﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم ألقوه في قلوبهم فتعلموه.
والثاني : أنهم دلوهم على إخراجه من تحت الكرسي فتعلموه.
﴿ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ وفي ﴿ مَا ﴾ ها هنا وجهان :
أحدهما : بمعنى الذي، وتقديره الذي أنزل على الملكين.
والثاني : أنها بمعنى النفي، وتقديره : ولم ينزل على الملكين.
وفي الملكين قراءتان : إحداهما : بكسر اللام، كانا من ملوك بابل وعلوجها
هاروت وماروت، وهذا قول أبي الأسود الدؤلي، والقراءة الثانية : بفتح اللام من الملائكة.
وفيه قولان :
أحدهما : أن سحرة اليهود زعموا، أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير، وتقديره : وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، وهما رجلان ببابل.
والثاني : أن هاروت وماروت مَلَكان، أَهْبَطَهُما الله تعالى إلى الأرض، وسبب ذلك، أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم، عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أَنْعُمِهِ عليهم، فقال الله تعالى لهم : أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، فقالوا : سبحانك ما ينبغي لنا، فأمرهم الله أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت فأُهْبِطَا إلى الأرض، وأحل لهما كل شيء، على ألا يُشْرِكا بالله شيئاً، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فعرضت لهما امرأة وكان يحكمان بين الناس تُخَاصِمُ زوجها واسمها بالعربية : الزهرة، وبالفارسية : فندرخت، فوقعت في أنفسهما، فطلباها، فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنماً ويشربا الخمر، فشربا الخمر، وعبدا الصنم، وواقعاها، وقتلا سابلاً مر بهما خافا أن يشهر أمرهما، وعلّماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج إلى السماء، فتكلمت وعرجت، ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا، قال : كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه، فتعجب الملائكة من ذلك. ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء، فكانا يعلّمان السحر.
78
وذكر عن الربيع أن نزولهما كان في زمان ( إدريس ).
وأما السحر فقد اختلف الناس في معناه :
فقال قوم : يقدر الساحر أن يقلب الأعيان بسحره، فيحول الإنسان حماراً، وينشئ أعياناً وأجساماً.
وقال آخرون : السحر خِدَع وَمَعَانٍ يفعلها الساحر، فيخيل إليه أنه بخلاف ما هو، كالذي يرى السراب من بعيد، فيخيل إليه أنه ماء، وكواكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً، يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائرة معه.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : سَحَرَ رسولَ الله ﷺ يهوديٌ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله ﷺ يُخيّل إليه أنه يفعل الشيءَ وما فعله.
قالوا : ولو كان في وسع الساحر إنشاء الأجسام وقلب الأعيان عما هي به من الهيئات، لم يكن بين الباطل والحق فصل، ولجاز أن يكون جميع الأجسام مما سحرته السحرة، فقلبت أعيانها، وقد وصف الله تعالى سحرة فرعون ﴿... فَإِذَا حِبَالُهُمُ وَعِصِيُّهُمُ يُخَيَّلُ إِليْهِ مِن سِحْرِهِم أَنَّهَا تَسْعَى ﴾.
وقال آخرون : وهو قول الشافعي إن الساحر قد يوسوس بسحره فيمرض وربما قتل، لأن التخيل بدء الوسوسة، والوسوسة بدء المرض، والمرض بدء التلف.
فأما أرض ﴿ ببابل ﴾ ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الكوفة وسوادها، وسميت بذلك حيث تبلبلت الألسن بها وهذا قول ابن مسعود.
والثاني : أنها من نصيبين إلى رأس عين، وهذا قول قتادة.
والثالث : أنها جبل نهاوند. وهي [ فطر ] من الأرض.
﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ : إِنَّمَا نَحنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر ﴾ بما تتعلمه من سحرنا.
﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ في المراد بقوله « منهما » ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني من هاروت وماروت.
والثاني : من السحر والكفر.
والثالث : من الشيطان والملكين، فيتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ يعني السحر.
﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني بأمر الله.
والثاني : بعلم الله.
﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ يعني ما يضرهم في الآخرة، ولا ينفعهم في الدنيا.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ ﴾ يعني السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ مَا لهُ فِي الأَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الخلاق النصيب، وهو قول مجاهد والسدي.
والثاني : أن الخلاق الجهة، وهو قول قتادة.
والثالث : أن الخلاق الدين، وهو قول الحسن.
قوله تعالى :﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَواْ بِهِ أَنفُسَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر في تعليمه وفعله.
والثاني : من إضافتهم السحر إلى سليمان، وتحريضهم على الكذب.
وأما السحر فقد اختلف الناس في معناه :
فقال قوم : يقدر الساحر أن يقلب الأعيان بسحره، فيحول الإنسان حماراً، وينشئ أعياناً وأجساماً.
وقال آخرون : السحر خِدَع وَمَعَانٍ يفعلها الساحر، فيخيل إليه أنه بخلاف ما هو، كالذي يرى السراب من بعيد، فيخيل إليه أنه ماء، وكواكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً، يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائرة معه.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : سَحَرَ رسولَ الله ﷺ يهوديٌ من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله ﷺ يُخيّل إليه أنه يفعل الشيءَ وما فعله.
قالوا : ولو كان في وسع الساحر إنشاء الأجسام وقلب الأعيان عما هي به من الهيئات، لم يكن بين الباطل والحق فصل، ولجاز أن يكون جميع الأجسام مما سحرته السحرة، فقلبت أعيانها، وقد وصف الله تعالى سحرة فرعون ﴿... فَإِذَا حِبَالُهُمُ وَعِصِيُّهُمُ يُخَيَّلُ إِليْهِ مِن سِحْرِهِم أَنَّهَا تَسْعَى ﴾.
وقال آخرون : وهو قول الشافعي إن الساحر قد يوسوس بسحره فيمرض وربما قتل، لأن التخيل بدء الوسوسة، والوسوسة بدء المرض، والمرض بدء التلف.
فأما أرض ﴿ ببابل ﴾ ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الكوفة وسوادها، وسميت بذلك حيث تبلبلت الألسن بها وهذا قول ابن مسعود.
والثاني : أنها من نصيبين إلى رأس عين، وهذا قول قتادة.
والثالث : أنها جبل نهاوند. وهي [ فطر ] من الأرض.
﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ : إِنَّمَا نَحنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر ﴾ بما تتعلمه من سحرنا.
﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ في المراد بقوله « منهما » ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني من هاروت وماروت.
والثاني : من السحر والكفر.
والثالث : من الشيطان والملكين، فيتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ يعني السحر.
﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني بأمر الله.
والثاني : بعلم الله.
﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ يعني ما يضرهم في الآخرة، ولا ينفعهم في الدنيا.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ ﴾ يعني السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه.
﴿ مَا لهُ فِي الأَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الخلاق النصيب، وهو قول مجاهد والسدي.
والثاني : أن الخلاق الجهة، وهو قول قتادة.
والثالث : أن الخلاق الدين، وهو قول الحسن.
قوله تعالى :﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَواْ بِهِ أَنفُسَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر في تعليمه وفعله.
والثاني : من إضافتهم السحر إلى سليمان، وتحريضهم على الكذب.
79
قوله تعالى :﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه لا تقولوا... وهو قول عطاء.
والثاني : يعني ارعنا سمعك، أي اسمع منا ونسمع منك، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد.
واختلفوا لِمَ نُهِي المسلمون عن ذلك؟ على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كلمة كانت اليهود تقولها لرسول الله ﷺ على وجه الاستهزاء والسب؛ كما قالوا سمعنا وعصينا، واسمع غير مسمع، وراعنا ليّاً بألسنتهم، فَنُهِيَ المسلمون عن قولها، وهذا قول ابن عباس وقتادة.
والثاني : أن القائل لها، كان رجلاً من اليهود دون غيره، يقال له رفاعة بن زيد، فَنُهِيَ المسلمون عن ذلك، وهذا قول السدي.
والثالث : أنها كلمة، كانت الأنصار في الجاهلية تقولها، فنهاهم الله في الإسلام عنها.
﴿ وَقُولُوا انظُرْنَا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه أَفْهِمْنَا وبين لنا، وهذا قول مجاهد.
والثاني : معناه أَمْهِلْنا.
والثالث : معناه أَقْبِلْ علينا وانظر إلينا.
﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ يعني ما تؤمرون به.
أحدهما : معناه لا تقولوا... وهو قول عطاء.
والثاني : يعني ارعنا سمعك، أي اسمع منا ونسمع منك، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد.
واختلفوا لِمَ نُهِي المسلمون عن ذلك؟ على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها كلمة كانت اليهود تقولها لرسول الله ﷺ على وجه الاستهزاء والسب؛ كما قالوا سمعنا وعصينا، واسمع غير مسمع، وراعنا ليّاً بألسنتهم، فَنُهِيَ المسلمون عن قولها، وهذا قول ابن عباس وقتادة.
والثاني : أن القائل لها، كان رجلاً من اليهود دون غيره، يقال له رفاعة بن زيد، فَنُهِيَ المسلمون عن ذلك، وهذا قول السدي.
والثالث : أنها كلمة، كانت الأنصار في الجاهلية تقولها، فنهاهم الله في الإسلام عنها.
﴿ وَقُولُوا انظُرْنَا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه أَفْهِمْنَا وبين لنا، وهذا قول مجاهد.
والثاني : معناه أَمْهِلْنا.
والثالث : معناه أَقْبِلْ علينا وانظر إلينا.
﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ يعني ما تؤمرون به.
قوله تعالى :﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ ﴾ في ( معنى ) نسخها ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه قبضها، وهو قول السدي.
والثاني : أنه تبديلها، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنه إثبات خطها وتبديل حكمها، وهو قول ابن مسعود.
﴿ أَوْ نُنسِهَا ﴾ فيه قراءتان :
أحدهما : هذه، والثانية :﴿ أو ننسأها ﴾.
فمن قرأ :﴿ أو ننسها ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : أنه بمعنى أو نمسكها، وقد ذكر أنها كانت في مصحف عبد الله ابن مسعود :﴿ ما نُمْسِكُ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نَنْسَخْهَا نَجِيءُ بِخَيرٍ مِنْهَا أَو مِثْلِهَا ﴾ وذلك أن النبي ﷺ، كان يقرأ الآية، ثم يَنْسَى وَتُرْفَعُ، وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ :﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ نَنَسَهَا ﴾، بمعنى الخطاب لرسول الله ﷺ، فيكون تقديره أو تنسى أنت يا محمد، وقال القاسم بن ربيعة لسعد بن أبي وقاص : فإن سعيد بن المسيب يقرأ :﴿ أو ننسها ﴾، فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على ابن المسيب، ولا على آل المسيب قال الله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾ [ الأعلى : ٦ ] ﴿ وآذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [ الكهف : ٢٤ ] وهذا معنى قول مجاهد وقتادة.
والثاني : أن ذلك بمعنى الترك، من قوله تعالى :﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم ﴾، أي تركوه فتركهم، فيكون تقدير الكلام :﴿ ما ننسخ من آية ﴾ يعني نَرفَعُها ونبدِّلُها، ﴿ أو نُنْسِهَا ﴾ أي نتركها ولا نبدلها ولا ننسخها، وهذا قول ابن عباس والسدي.
والثالث : أن قوله ما ننسخ من آية أو ننسها قال : الناسخ والمنسوخ، وهذا قول الضحاك.
والرابع : أن معنى ننسها أي نَمْحُها، وهذا قول ابن زيد.
وأما من قرأ :﴿ أو نَنْسَأُهَا ﴾ فمعناه نؤخرها، من قولهم نَسَأْتُ هذا الأمر، إذا أخرته، ومن ذلك قولهم : بعت بنسَاءٍ أي بتأخير، وهذا قول عطاء وابن أبي نجيح.
﴿ نَأْتِ بِخَيرٍ مِّنْها أو مِثْلِهَا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أي خير لكم في المنفعة، وأرفق بكم، وهذا قول ابن عباس :
والثاني : أن معنى خير منها، أي أخف منها، بالترخيص فيها، وهذا معنى قول قتادة. فيكون تأويل الآية، ما نغير من حكم آية فنبدله، أو نتركه فلا نبدله، نأت بخير لكم أيها المؤمنون حكماً منها، إما بالتخفيف في العاجل، كالذي كان من نسخ قيام الليل تخفيفاً، وإما بالنفع بكثرة الثواب في الآجل، كالذي كان من نسخ صيام أيام معدودات بشهر رمضان.
وقوله تعالى :﴿ أَوَ مِثْلِهَا ﴾ يعني مثل حكمها، في الخفة والثقل والثواب والأجر، كالذي كان من نسخ استقبال بيت المقدس، باستقبال الكعبة، وذلك مثله في المشقة والثواب ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٌُ قَدِيرٌ ﴾.
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ﴾ فإن قيل : أو كان النبي ﷺ غير عالم بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله له ملك السموات والأرض؟ قيل : عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن قوله ألم تعلم بمعنى أعلمت.
والثاني : أنه خارج مخرج التقرير، لا مخرج الاستفهام. كما قال الله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ : اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَم أَنتَ قُلْتَ لِلْنَّاسِ : اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] خرج مخرج التقرير لا مخرج الاستفهام.
والثالث : أن هذا الخطاب للنبي ﷺ، والمراد به أمته، ألا تراه قال بعد ذلك :﴿ وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾.
أحدها : أنه قبضها، وهو قول السدي.
والثاني : أنه تبديلها، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنه إثبات خطها وتبديل حكمها، وهو قول ابن مسعود.
﴿ أَوْ نُنسِهَا ﴾ فيه قراءتان :
أحدهما : هذه، والثانية :﴿ أو ننسأها ﴾.
فمن قرأ :﴿ أو ننسها ﴾ ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : أنه بمعنى أو نمسكها، وقد ذكر أنها كانت في مصحف عبد الله ابن مسعود :﴿ ما نُمْسِكُ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نَنْسَخْهَا نَجِيءُ بِخَيرٍ مِنْهَا أَو مِثْلِهَا ﴾ وذلك أن النبي ﷺ، كان يقرأ الآية، ثم يَنْسَى وَتُرْفَعُ، وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ :﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ نَنَسَهَا ﴾، بمعنى الخطاب لرسول الله ﷺ، فيكون تقديره أو تنسى أنت يا محمد، وقال القاسم بن ربيعة لسعد بن أبي وقاص : فإن سعيد بن المسيب يقرأ :﴿ أو ننسها ﴾، فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على ابن المسيب، ولا على آل المسيب قال الله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾ [ الأعلى : ٦ ] ﴿ وآذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [ الكهف : ٢٤ ] وهذا معنى قول مجاهد وقتادة.
والثاني : أن ذلك بمعنى الترك، من قوله تعالى :﴿ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم ﴾، أي تركوه فتركهم، فيكون تقدير الكلام :﴿ ما ننسخ من آية ﴾ يعني نَرفَعُها ونبدِّلُها، ﴿ أو نُنْسِهَا ﴾ أي نتركها ولا نبدلها ولا ننسخها، وهذا قول ابن عباس والسدي.
والثالث : أن قوله ما ننسخ من آية أو ننسها قال : الناسخ والمنسوخ، وهذا قول الضحاك.
والرابع : أن معنى ننسها أي نَمْحُها، وهذا قول ابن زيد.
وأما من قرأ :﴿ أو نَنْسَأُهَا ﴾ فمعناه نؤخرها، من قولهم نَسَأْتُ هذا الأمر، إذا أخرته، ومن ذلك قولهم : بعت بنسَاءٍ أي بتأخير، وهذا قول عطاء وابن أبي نجيح.
﴿ نَأْتِ بِخَيرٍ مِّنْها أو مِثْلِهَا ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أي خير لكم في المنفعة، وأرفق بكم، وهذا قول ابن عباس :
والثاني : أن معنى خير منها، أي أخف منها، بالترخيص فيها، وهذا معنى قول قتادة. فيكون تأويل الآية، ما نغير من حكم آية فنبدله، أو نتركه فلا نبدله، نأت بخير لكم أيها المؤمنون حكماً منها، إما بالتخفيف في العاجل، كالذي كان من نسخ قيام الليل تخفيفاً، وإما بالنفع بكثرة الثواب في الآجل، كالذي كان من نسخ صيام أيام معدودات بشهر رمضان.
وقوله تعالى :﴿ أَوَ مِثْلِهَا ﴾ يعني مثل حكمها، في الخفة والثقل والثواب والأجر، كالذي كان من نسخ استقبال بيت المقدس، باستقبال الكعبة، وذلك مثله في المشقة والثواب ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٌُ قَدِيرٌ ﴾.
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ﴾ فإن قيل : أو كان النبي ﷺ غير عالم بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله له ملك السموات والأرض؟ قيل : عن هذا ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن قوله ألم تعلم بمعنى أعلمت.
والثاني : أنه خارج مخرج التقرير، لا مخرج الاستفهام. كما قال الله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ : اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَم أَنتَ قُلْتَ لِلْنَّاسِ : اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] خرج مخرج التقرير لا مخرج الاستفهام.
والثالث : أن هذا الخطاب للنبي ﷺ، والمراد به أمته، ألا تراه قال بعد ذلك :﴿ وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يرُدَّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً ﴾ سبب نزولها، ما رُوِيَ أن نفراً من اليهود، منهم فنحاص، وزيد بن قيس، دعوا حذيفة وعمار إلى دينهما، وقالوا نحن أهدى منكم سبيلاً، فقال لهم عمار : وكيف نقض العهد عندكم؟ قالوا : شديد، قال عمار : فإني عاهدت ربي ألا أكفر بمحمد أبداً، ولا أتبع ديناً غير دينه، فقالت اليهود : أما عمار فقد صبأ وضل عن سواء السبيل، فكيف أنت يا حذيفة؟ فقال حذيفة : الله ربي، ومحمد نبيي، والقرآن إمامي، أطيع ربي، وأقتدي برسولي، وأعمل بكتاب ربي. فقالا : وإلهِ موسى، لقد أُشْرِبَتْ قلوبُكُما حبَّ محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَق ﴾ يعني من بعد ما تبين لليهود، أن محمداً نبي صادق، وأن الإسلام دين حق.
﴿ فَاْعْفُوا وَاصْفَحُوا ﴾ يعني بقوله فاعفوا، أي اتركوا اليهود، واصفحوا عن قولهم ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾ يعني مَا أَذِنَ بِهِ في ( بني قريظة )، من القتل والسبي، وفي ( بني النضير ) من الجلاء والنفي.
﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَق ﴾ يعني من بعد ما تبين لليهود، أن محمداً نبي صادق، وأن الإسلام دين حق.
﴿ فَاْعْفُوا وَاصْفَحُوا ﴾ يعني بقوله فاعفوا، أي اتركوا اليهود، واصفحوا عن قولهم ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾ يعني مَا أَذِنَ بِهِ في ( بني قريظة )، من القتل والسبي، وفي ( بني النضير ) من الجلاء والنفي.
قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنَ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ أما المساجد فهي مواضع العبادات، وفي المراد بها هنا قولان :
أحدهما : ما نسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالاً لحقيقة الاسم.
والثاني : أنَّ كُلَّ موضع من الأرض، أقيمت فيه عبادة من بيوت الله وغيرها مسجد، لقول النبي ﷺ :« جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِداً ». وفي المانع مساجد الله أن يُذْكَرَ فيها اسمه، أربعة أقاويل :
أحدها : أنه بُخْتَ نصر وأصحابه من المجوس الذين خربوا بيت المقدس، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم النصارى الذين أعانوا ( بُخْتَ نَصّر ) على خرابه، وهذا قول السدي.
والثالث : أنهم مشركو قريش، منعوا رسول الله ﷺ من المسجد الحرام عام الحديبية، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
والرابع : أنه عَامٌّ في كل مشرك، منع من كل مسجد.
وفي قوله تعالى :﴿ وَسَعَى في خَرَابِهَا ﴾ تأويلان :
أحدهما : بالمنع من ذكر الله فيها.
والثاني : بهدمها.
﴿ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خَآئِفِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : خائفين بأداء الجزية، وهذا قول السدي.
والثاني : خائفين من الرعب، إن قُدر عليهم عوقبوا، وهذا قول قتادة.
أحدهما : ما نسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالاً لحقيقة الاسم.
والثاني : أنَّ كُلَّ موضع من الأرض، أقيمت فيه عبادة من بيوت الله وغيرها مسجد، لقول النبي ﷺ :« جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِداً ». وفي المانع مساجد الله أن يُذْكَرَ فيها اسمه، أربعة أقاويل :
أحدها : أنه بُخْتَ نصر وأصحابه من المجوس الذين خربوا بيت المقدس، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم النصارى الذين أعانوا ( بُخْتَ نَصّر ) على خرابه، وهذا قول السدي.
والثالث : أنهم مشركو قريش، منعوا رسول الله ﷺ من المسجد الحرام عام الحديبية، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
والرابع : أنه عَامٌّ في كل مشرك، منع من كل مسجد.
وفي قوله تعالى :﴿ وَسَعَى في خَرَابِهَا ﴾ تأويلان :
أحدهما : بالمنع من ذكر الله فيها.
والثاني : بهدمها.
﴿ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خَآئِفِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : خائفين بأداء الجزية، وهذا قول السدي.
والثاني : خائفين من الرعب، إن قُدر عليهم عوقبوا، وهذا قول قتادة.
﴿ لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه قتل الحربي وجزية الذمي.
والثاني : أنه فتح مدائنهم عمورية، وقسطنطينية، ورومية، وهذا قول ابن عباس.
﴿ وَلَهُمْ في الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ هو أشد من كل عذاب، لأنهم أظلم من كل ظالم.
أحدهما : أنه قتل الحربي وجزية الذمي.
والثاني : أنه فتح مدائنهم عمورية، وقسطنطينية، ورومية، وهذا قول ابن عباس.
﴿ وَلَهُمْ في الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ هو أشد من كل عذاب، لأنهم أظلم من كل ظالم.
قوله تعالى :﴿ وَاللهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويلها، وسبب نزولها، على سبعة أقاويل :
أحدها : أن سبب ذلك، أن النبي ﷺ، كان يستقبل بصلاته بيت المقدس بعد هجرته ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، حتى قالت اليهود : إن محمداً وأصحابه، ما دروا أين قبلتهم حتى هديناهم، فأمرهم الله تعالى باستقبال الكعبة، فتكلمت اليهود، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أن هذه الآية نزلت قبل أن يفرض استقبال القبلة، فأباح لهم أن يتوجهوا بصلاتهم حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، وهذا قول قتادة وابن زيد.
والثالث : أنها نزلت في صلاة التطوع للسائر حيث توجه، وللخائف حيث تمكن من مشرق أو مغرب، وهذا قول ابن عمر، روى سعيد بن جبير عنه أنه قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ فَأَينَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ أن تصلي أينما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعاً، كان رسول الله ﷺ إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعاً، يومئ برأسه نحو المدينة.
والرابع : أنها نزلت، فيمن خفيت عليهم القبلة، ولم يعرفوا جهتها، فَصَلُّوا إلى جهات مختلفة.
روى عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال : كنا مع رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة، فنزلنا منزلاً، فجعل الرجل يأخذ الأحجار، فيعمل مسجداً يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه إلى غير القبلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والخامس : أنها نزلت في النجاشي، وروى أبو قتادة أن النبي ﷺ قال :« إِنَّ أَخَاكُم النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ » قالوا نصلي على رجل ليس بمسلم، قال فنزلت :﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم خَاشِعِينَ لِلُّه ﴾ [ سورة آل عمران الآية : ١٩٩ ] قالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمغْرِبُ فَأينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾.
والسادس : أن سبب نزولها أن الله تعالى لما أنزل قوله :﴿ ادعُوني أسْتَجِبْ لَكُم ﴾ قالوا إلى أين؟ فنزلت :﴿ فأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ [ البقرة : ١١٥ ].
والسابع : أن معناه وحيثما كنتم من مشرق أو مغرب، فلكم قبلة تستقبلونها، يعني جهة إلى الكعبة، وهذا قول مجاهد.
ويجيء من هذا الاختلاف في قوله :﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ تأويلان : أحدهما : معناه فثم قبلة الله.
والثاني : فثم الله تعالى، ويكون الوجه عبارة عنه، كما قال تعالى :﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ].
وأما ﴿ ثَمَّ ﴾ فهو لفظ يستعلم في الإشارة إلى مكان، فإن كان قريباً قيل :( هنا زيد )، وإن كان بعيداً قيل :( هناك زيد ).
أحدها : أن سبب ذلك، أن النبي ﷺ، كان يستقبل بصلاته بيت المقدس بعد هجرته ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، حتى قالت اليهود : إن محمداً وأصحابه، ما دروا أين قبلتهم حتى هديناهم، فأمرهم الله تعالى باستقبال الكعبة، فتكلمت اليهود، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أن هذه الآية نزلت قبل أن يفرض استقبال القبلة، فأباح لهم أن يتوجهوا بصلاتهم حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، وهذا قول قتادة وابن زيد.
والثالث : أنها نزلت في صلاة التطوع للسائر حيث توجه، وللخائف حيث تمكن من مشرق أو مغرب، وهذا قول ابن عمر، روى سعيد بن جبير عنه أنه قال : لما نزلت هذه الآية ﴿ فَأَينَمَا تُولُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ أن تصلي أينما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعاً، كان رسول الله ﷺ إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعاً، يومئ برأسه نحو المدينة.
والرابع : أنها نزلت، فيمن خفيت عليهم القبلة، ولم يعرفوا جهتها، فَصَلُّوا إلى جهات مختلفة.
روى عاصم بن عبد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال : كنا مع رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة، فنزلنا منزلاً، فجعل الرجل يأخذ الأحجار، فيعمل مسجداً يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه إلى غير القبلة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والخامس : أنها نزلت في النجاشي، وروى أبو قتادة أن النبي ﷺ قال :« إِنَّ أَخَاكُم النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ » قالوا نصلي على رجل ليس بمسلم، قال فنزلت :﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم خَاشِعِينَ لِلُّه ﴾ [ سورة آل عمران الآية : ١٩٩ ] قالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة، فأنزل الله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمغْرِبُ فَأينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾.
والسادس : أن سبب نزولها أن الله تعالى لما أنزل قوله :﴿ ادعُوني أسْتَجِبْ لَكُم ﴾ قالوا إلى أين؟ فنزلت :﴿ فأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ [ البقرة : ١١٥ ].
والسابع : أن معناه وحيثما كنتم من مشرق أو مغرب، فلكم قبلة تستقبلونها، يعني جهة إلى الكعبة، وهذا قول مجاهد.
ويجيء من هذا الاختلاف في قوله :﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ تأويلان : أحدهما : معناه فثم قبلة الله.
والثاني : فثم الله تعالى، ويكون الوجه عبارة عنه، كما قال تعالى :﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ].
وأما ﴿ ثَمَّ ﴾ فهو لفظ يستعلم في الإشارة إلى مكان، فإن كان قريباً قيل :( هنا زيد )، وإن كان بعيداً قيل :( هناك زيد ).
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم النصارى في قولهم : المسيح ابن الله.
والثاني : أنهم مشركو العرب في قولهم : الملائكة بنات الله.
﴿ سُبْحَانَهُ، بَل لَّهُ مَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ قوله :﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ تنزيهاً له من قولهم ﴿ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ﴾.
قوله :﴿ لَهُ مَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ أي خالق ما في السموات والأرض.
﴿ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي مطيعون، وهذا قول قتادة، والسدي، ومجاهد.
والثاني : أي مقرون له بالعبودية، وهو قول عكرمة.
والثالث : أي قائمون، يعني يوم القيامة، وهذا قول الربيع، والقانت في اللغة القائم، ومنه القنوت في الصلاة، لأنه الدعاء في القيام.
قوله تعالى :﴿ بَدِيعُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ يعني منشئها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه، يقال له مبدع، ولذلك قيل لمن خالف في الدين : مبتدع، لإحداثه ما لم يسبق إليه ﴿ وَإِذَا قَضَى أَمْراً ﴾ أي أحكمه وحتمه، وأصله الإحكام والفراغ، ومنه قيل للحاكم قاض، لفصله الأمور وإحكامه بين الخصوم، وقيل للميت قد قَضَى أي فرغ من الدنيا، قال أبو ذؤيب :
معنى قضاهما أي أحكمهما. وقال الشاعر في عمر بن الخطاب :
﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ فإن قيل في أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حالة عدمه أم في حال وجوده؟ فإن كان في حال عدمه، استحال أن يأمر إلا مأموراً، كما يستحيل أن يكون الأمر إلا من آمر، وإن كان في حال وجوده، فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث، لأنه موجود حادث؟.
قيل : عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة :
أحدها : أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود، كما أمر في بني إسرائيل، أن يكونوا قردة خاسئين، ولا يكون هذا وارداً في إيجاد المعدومات.
الثاني : أن الله تعالى عالم، بما هو كائن قبل كونه، فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه، قبل كونها مشابهة للأشياء التي هي موجودة، فجاز أن يقول لها كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم.
والثالث : أن ذلك خبر من الله تعالى، عامٌ عن جميع ما يُحْدِثُه، ويكوّنه، إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولاً، كقول أبي النجم :
ولا قول هناك، وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن، وكقوله عمرو بن حممة الدوسي.
أحدهما : أنهم النصارى في قولهم : المسيح ابن الله.
والثاني : أنهم مشركو العرب في قولهم : الملائكة بنات الله.
﴿ سُبْحَانَهُ، بَل لَّهُ مَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ قوله :﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ تنزيهاً له من قولهم ﴿ اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ﴾.
قوله :﴿ لَهُ مَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ أي خالق ما في السموات والأرض.
﴿ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي مطيعون، وهذا قول قتادة، والسدي، ومجاهد.
والثاني : أي مقرون له بالعبودية، وهو قول عكرمة.
والثالث : أي قائمون، يعني يوم القيامة، وهذا قول الربيع، والقانت في اللغة القائم، ومنه القنوت في الصلاة، لأنه الدعاء في القيام.
قوله تعالى :﴿ بَدِيعُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ﴾ يعني منشئها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه، يقال له مبدع، ولذلك قيل لمن خالف في الدين : مبتدع، لإحداثه ما لم يسبق إليه ﴿ وَإِذَا قَضَى أَمْراً ﴾ أي أحكمه وحتمه، وأصله الإحكام والفراغ، ومنه قيل للحاكم قاض، لفصله الأمور وإحكامه بين الخصوم، وقيل للميت قد قَضَى أي فرغ من الدنيا، قال أبو ذؤيب :
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود أو صنع السوابغ تُبّع |
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها | بوائج في أكمامها لم تفتق |
قيل : عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة :
أحدها : أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود، كما أمر في بني إسرائيل، أن يكونوا قردة خاسئين، ولا يكون هذا وارداً في إيجاد المعدومات.
الثاني : أن الله تعالى عالم، بما هو كائن قبل كونه، فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه، قبل كونها مشابهة للأشياء التي هي موجودة، فجاز أن يقول لها كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم.
والثالث : أن ذلك خبر من الله تعالى، عامٌ عن جميع ما يُحْدِثُه، ويكوّنه، إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولاً، كقول أبي النجم :
قد قالت الأنساع للبطن الحق | قدما فآضت كالغسق المحقق |
فأصبحت مثل النسر طارت فراخه | إذا رام تطياراً يقال له قَعِ |
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم | بني ضَوْطَرَى لولا الكمى المقنعا |
﴿ كَذلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم اليهود، وهو قول مجاهد.
والثاني : أنهم اليهود والنصارى، وهو قول قتادة.
قوله تعالى :﴿ تَشَابَهتْ قُلُوْبُهُمْ ﴾ يعني في الكفر، وفيه وجهان :
أحدهما : تشابهت قلوب اليهود لقلوب النصارى، وهذا قول مجاهد.
والثاني : تشابهت قلوب مشركي العرب لقلوب اليهود والنصارى، وهذا قول قتادة.
قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ يعني محمداً أرسله بدين الحق.
﴿ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ يعني بشيراً بالجنة لمن أطاع، ونذيراً بالنار لمن عصى.
﴿ وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ أي لا تكون مؤاخذاً بكفرةِ من كفر بعد البشرى والإنذار، وقرأ بعض أهل المدينة : ولا تَسَلْ عن أصحاب الجحيم، بفتح التاء وجزم اللام، وذكر أن سبب نزولها، ما رواه موسى بن عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله ﷺ :« لَيْتَ شِعري مَا فَعَلَ أَبَوَاي » فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾.
﴿ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ يعني بشيراً بالجنة لمن أطاع، ونذيراً بالنار لمن عصى.
﴿ وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ أي لا تكون مؤاخذاً بكفرةِ من كفر بعد البشرى والإنذار، وقرأ بعض أهل المدينة : ولا تَسَلْ عن أصحاب الجحيم، بفتح التاء وجزم اللام، وذكر أن سبب نزولها، ما رواه موسى بن عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله ﷺ :« لَيْتَ شِعري مَا فَعَلَ أَبَوَاي » فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم المؤمنون برسول الله ﷺ، والكتاب هو القرآن، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم علماء اليهود، والكتاب هو التوراة، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
﴿ يتلونه حق تلاوته ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يقرؤونه حق قراءة.
والثاني : يتبعونه حق اتباعه، فيحللون حلاله، ويحرمون حرامه، وهذا قول الجمهور.
﴿ أولئك يؤمنون به ﴾ يعني بمحمد ﷺ، لأن من قرأ أحد الكتابين، آمن به، لِمَا فيهما من وجوب اتباعه.
أحدهما : أنهم المؤمنون برسول الله ﷺ، والكتاب هو القرآن، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم علماء اليهود، والكتاب هو التوراة، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
﴿ يتلونه حق تلاوته ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يقرؤونه حق قراءة.
والثاني : يتبعونه حق اتباعه، فيحللون حلاله، ويحرمون حرامه، وهذا قول الجمهور.
﴿ أولئك يؤمنون به ﴾ يعني بمحمد ﷺ، لأن من قرأ أحد الكتابين، آمن به، لِمَا فيهما من وجوب اتباعه.
قوله تعالى :﴿ وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن ﴾ فيه محذوف وتقديره : واذكر إذا ابتلى يعني اختبر، وإبراهيم بالسريانية أب رحيم، وفي الكلمات التي ابتلاه الله تعالى بها، ثمانية أقاويل :
أحدها : هي شرائع الإِسلام، قال ابن عباس : ما ابتلى الله أحداً بهن، فقام بها كلها، غير إبراهيم، ابتلي بالإِسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال :﴿ وإبراهيم الذي وَفَّى ﴾ [ النجم : ٣٧ ] قال : وهي ثلاثون سهماً :
عشرة منها في سورة براءة :﴿ التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون ﴾ [ التوبة : ١١٢ ].
وعشرة في الأحزاب :﴿ إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ، وَالصَادِقينَ والصَادِقَاتِ، وَالصَابِرِينَ وَالصَابِرَاتِ، وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ، واَلْمُتَصَدِّقَاتِ، وَالصَائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْحَافِظِينَ فروجَهُم وَالْحافِظَاتِ، وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالْذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغَفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ].
وعشرة في سورة المؤمنين :﴿ قَدْ أفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغُوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذيِنَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِم أوْ مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ، فَمن ابتغى وَرَاءَ ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمُ لأَمَانَاتِهِم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونِ الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١ - ١١ ] وفي سورة سأل سائل من ﴿ إلا المُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٢٣ ]، إلى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِم يُحَافظُون ﴾ [ المعارج : ٣٤ ].
والقول الثاني : إنها خصال من سُنَنِ الإسلام، خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فروى ابن عباس في الرأس : قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء. وهذا قول قتادة.
والقول الثالث : إنها عشر خصال، ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فالتي في الإنسان : حَلْقُ العانة، والختان، ونَتْفُ الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغُسل يوم الجمعة. والتي في المشاعر : الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. روى ذلك الحسن عن ابن عباس.
والقول الرابع : إن الله تعالى قال لإبراهيم : إني مبتليك يا إبراهيم، قال : تجعلني للناس إماماً؟ قال نعم، قال : ومن ذريتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين، قال : تجعل البيت مثابة للناس؟ قال : نعم، قال : وأمناً؟ قال : نعم، قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك؟ قال : نعم، قال : وأرنا مناسكنا وتب علينا؟ قال : نعم، قال : وتجعل هذا البلد آمناً؟ قال : نعم، قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن؟ قال : نعم، فهذه الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم، وهذا قول مجاهد.
والخامس : أنها مناسك الحج خاصة، وهذا قول قتادة.
والقول السادس : أنها الخلال الست : الكواكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، التي ابتلي بهن فصبر عليهن، وهذا قول الحسن.
أحدها : هي شرائع الإِسلام، قال ابن عباس : ما ابتلى الله أحداً بهن، فقام بها كلها، غير إبراهيم، ابتلي بالإِسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال :﴿ وإبراهيم الذي وَفَّى ﴾ [ النجم : ٣٧ ] قال : وهي ثلاثون سهماً :
عشرة منها في سورة براءة :﴿ التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون ﴾ [ التوبة : ١١٢ ].
وعشرة في الأحزاب :﴿ إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ، وَالصَادِقينَ والصَادِقَاتِ، وَالصَابِرِينَ وَالصَابِرَاتِ، وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ، واَلْمُتَصَدِّقَاتِ، وَالصَائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ، وَالْحَافِظِينَ فروجَهُم وَالْحافِظَاتِ، وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالْذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغَفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٣٥ ].
وعشرة في سورة المؤمنين :﴿ قَدْ أفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُم عَنِ اللَّغُوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذيِنَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِم أوْ مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ، فَمن ابتغى وَرَاءَ ذلِكَ فَأولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمُ لأَمَانَاتِهِم وَعَهْدِهِم رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونِ الْفِرْدَوسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١ - ١١ ] وفي سورة سأل سائل من ﴿ إلا المُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [ المعارج : ٢٣ ]، إلى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِم يُحَافظُون ﴾ [ المعارج : ٣٤ ].
والقول الثاني : إنها خصال من سُنَنِ الإسلام، خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فروى ابن عباس في الرأس : قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء. وهذا قول قتادة.
والقول الثالث : إنها عشر خصال، ست في الإنسان وأربع في المشاعر، فالتي في الإنسان : حَلْقُ العانة، والختان، ونَتْفُ الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغُسل يوم الجمعة. والتي في المشاعر : الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. روى ذلك الحسن عن ابن عباس.
والقول الرابع : إن الله تعالى قال لإبراهيم : إني مبتليك يا إبراهيم، قال : تجعلني للناس إماماً؟ قال نعم، قال : ومن ذريتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين، قال : تجعل البيت مثابة للناس؟ قال : نعم، قال : وأمناً؟ قال : نعم، قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك؟ قال : نعم، قال : وأرنا مناسكنا وتب علينا؟ قال : نعم، قال : وتجعل هذا البلد آمناً؟ قال : نعم، قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن؟ قال : نعم، فهذه الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم، وهذا قول مجاهد.
والخامس : أنها مناسك الحج خاصة، وهذا قول قتادة.
والقول السادس : أنها الخلال الست : الكواكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، التي ابتلي بهن فصبر عليهن، وهذا قول الحسن.
90
والقول السابع : ما رواه سهل بن معاذ بن أنس عن أمه قال : كان النبي ﷺ يقول :« ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفّى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : سبحان الله حين تُمْسُونَ وحينَ تُصْبِحُونَ، وله الحمْدُ في السّموَاتِ والأرْضِ وعَشِيّاً وحين تُظْهِرُونَ ». والقول الثامن، ما رواه القاسم بن محمد، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ :« وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قَالَ : أتَدْرُونَ مَا وَفَّى؟ قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ : وَفّى عَمَلَ يَوْمٍ بِأرْبَعِ رَكْعَاتٍ فِي النَّهَارِ »
﴿ قَالَ إنَّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً ﴾ أي مقصوداً متبوعاً، ومنه إمام المصلين، وهو المتبوع في الصلاة.
﴿ قال ومن ذريتي ﴾ فاحتمل ذلك وجهين :
أحدهما : أنه طمع في الإمامة لذريته، فسأل الله تعالى ذلك لهم.
والثاني : أنه قال ذلك استخباراً عن حالهم، هل يكونون أهل طاعة فيصيروا أئمة؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصياً وظالماً، لا يستحق الإمامة، فقال :﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾.
وفي هذا العهد، سبعة تأويلات :
أحدها : أنه النبوة، وهو قول السدي.
والثاني : أنه الإمامة، وهو قول مجاهد.
والثالث : أنه الإيمان، وهو قول قتادة.
والرابع : أنه الرحمة، وهو قول عطاء.
والخامس : أنه دين الله وهو قول الضحاك.
والسادس : أنه الجزاء والثواب.
والسابع : أنه لا عهد عليك لظالم أنه تطيعه في ظلمة، وهو قول ابن عباس.
﴿ قَالَ إنَّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً ﴾ أي مقصوداً متبوعاً، ومنه إمام المصلين، وهو المتبوع في الصلاة.
﴿ قال ومن ذريتي ﴾ فاحتمل ذلك وجهين :
أحدهما : أنه طمع في الإمامة لذريته، فسأل الله تعالى ذلك لهم.
والثاني : أنه قال ذلك استخباراً عن حالهم، هل يكونون أهل طاعة فيصيروا أئمة؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصياً وظالماً، لا يستحق الإمامة، فقال :﴿ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾.
وفي هذا العهد، سبعة تأويلات :
أحدها : أنه النبوة، وهو قول السدي.
والثاني : أنه الإمامة، وهو قول مجاهد.
والثالث : أنه الإيمان، وهو قول قتادة.
والرابع : أنه الرحمة، وهو قول عطاء.
والخامس : أنه دين الله وهو قول الضحاك.
والسادس : أنه الجزاء والثواب.
والسابع : أنه لا عهد عليك لظالم أنه تطيعه في ظلمة، وهو قول ابن عباس.
91
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﱼ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﱽ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ
ﱾ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ
ﱿ
قوله تعالى :﴿ وَإذْ جَعَلْنَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة.
والثاني : مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت. وقال الشاعر :
وفي رجوعهم إليه وجهان :
أحدهما : أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة.
والثاني : أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق.
قال تعالى :﴿ وَأَمْناً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله :﴿ وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ ﴾ [ قريش : ٤ ].
والثاني : لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه.
﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ﴾ روى حماد، عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : قلت يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى :﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ﴾ بكسر الخاء من قوله واتخذوا على وجه الأمر، وقرأ بعض أهل المدينة :﴿ وَاتَّخّذُوا ﴾ بفتح الخاء على وجه الخبر.
واختلف أهل التفسير في هذا المقام، الذي أُمِرُوا باتخاذه مصلى، على أربعة أقاويل :
أحدها : الحج كله، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه عرفة ومزدلفة والجمار، وهو قول عطاء والشعبي.
والثالث : أنه الحرم كله، وهو قول مجاهد.
والرابع : أنه الحجر الذي في المسجد، وهو مقامه المعروف، وهذا أصح.
وفي قوله :﴿ مُصَلَّى ﴾ تأويلان :
أحدهما : مَدْعَى يَدْعِي فيه، وهو قول مجاهد.
والثاني : أنه مصلى يصلي عنده، وهو قول قتادة، وهو أظهر التأويلين.
قوله تعالى :﴿ وَعَهِدْنآ إِلى إبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أي أَمَرْنَا.
والثاني : أي أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل.
﴿ أنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من الأصنام.
والثاني : من الكفار.
والثالث : من الأنجاس.
وقوله تعالى :﴿ بَيْتِيَ ﴾ يريد البيت الحرام.
فإن قيل : فلم يكن على عهد إبراهيم، قبل بناء البيت بيت يطهر، قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : معناه وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطَهَّراً، وهذا قول السدي.
والثاني : معناه أن طهرا مكان البيت.
﴿ لِلطَّائِفِينَ ﴾ فيهم تأويلان :
أحدهما : أنهم الغرباء الذين يأتون البيت من غربة، وهذا قول سعيد بن جبير.
والثاني : أنهم الذين يطوفون بالبيت، وهذا قول عطاء.
﴿ وَالْعَاكِفِينَ ﴾ فيهم أربعة تأويلات :
أحدها : أنهم أهل البلد الحرام، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة.
والثاني : أنهم المعتكفون وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنهم المصلون وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنهم المجاورون للبيت الحرام بغير طواف، وغير اعتكاف، ولا صلاة، وهذا قول عطاء.
﴿ والرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ يريد أهل الصلاة، لأنها تجمع ركوعاً وسجوداً.
أحدهما : مجمعاً لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة.
والثاني : مرجعاً من قولهم قد ثابت العلة إذا رجعت. وقال الشاعر :
مثاباً لأفناءِ القبائل كلها | تحب إليها اليعملات الذوامل |
أحدهما : أنهم يرجعون إليه المرة بعد المرة.
والثاني : أنهم في كل واحد من نُسُكَيَ الحج والعمرة يرجعون إليه من حل إلى حرم؛ لأن الجمع في كل واحد من النسكين بين الحل والحرم شرط مستحق.
قال تعالى :﴿ وَأَمْناً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله :﴿ وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ ﴾ [ قريش : ٤ ].
والثاني : لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه.
﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ﴾ روى حماد، عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : قلت يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى :﴿ وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ﴾ بكسر الخاء من قوله واتخذوا على وجه الأمر، وقرأ بعض أهل المدينة :﴿ وَاتَّخّذُوا ﴾ بفتح الخاء على وجه الخبر.
واختلف أهل التفسير في هذا المقام، الذي أُمِرُوا باتخاذه مصلى، على أربعة أقاويل :
أحدها : الحج كله، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : أنه عرفة ومزدلفة والجمار، وهو قول عطاء والشعبي.
والثالث : أنه الحرم كله، وهو قول مجاهد.
والرابع : أنه الحجر الذي في المسجد، وهو مقامه المعروف، وهذا أصح.
وفي قوله :﴿ مُصَلَّى ﴾ تأويلان :
أحدهما : مَدْعَى يَدْعِي فيه، وهو قول مجاهد.
والثاني : أنه مصلى يصلي عنده، وهو قول قتادة، وهو أظهر التأويلين.
قوله تعالى :﴿ وَعَهِدْنآ إِلى إبْرَاهِمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أي أَمَرْنَا.
والثاني : أي أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل.
﴿ أنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من الأصنام.
والثاني : من الكفار.
والثالث : من الأنجاس.
وقوله تعالى :﴿ بَيْتِيَ ﴾ يريد البيت الحرام.
فإن قيل : فلم يكن على عهد إبراهيم، قبل بناء البيت بيت يطهر، قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : معناه وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مُطَهَّراً، وهذا قول السدي.
والثاني : معناه أن طهرا مكان البيت.
﴿ لِلطَّائِفِينَ ﴾ فيهم تأويلان :
أحدهما : أنهم الغرباء الذين يأتون البيت من غربة، وهذا قول سعيد بن جبير.
والثاني : أنهم الذين يطوفون بالبيت، وهذا قول عطاء.
﴿ وَالْعَاكِفِينَ ﴾ فيهم أربعة تأويلات :
أحدها : أنهم أهل البلد الحرام، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة.
والثاني : أنهم المعتكفون وهذا قول مجاهد.
والثالث : أنهم المصلون وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنهم المجاورون للبيت الحرام بغير طواف، وغير اعتكاف، ولا صلاة، وهذا قول عطاء.
﴿ والرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ يريد أهل الصلاة، لأنها تجمع ركوعاً وسجوداً.
92
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ﴾ يعني مكة ﴿ وَارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ ليجمع لأهله الأمن والخصب، فيكونوا في رغد من العيش.
﴿ مَنْ ءَآمَنَ مِنْهُم بِاللهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا من قول إبراهيم متصلاً بسؤاله، أن يجعله بلداً آمناً، وأن يرزق أهله الذين آمنوا به من الثمرات، لأن الله تعالى قد أعلمه بقوله :﴿ لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ أن فيهم ظالماً هو بالعقاب أحق من الثواب، فلم يسأل أهل المعاصي سؤال أهل الطاعات.
والوجه الثاني : أنه سؤاله كان عاماً مرسلاً، وأن الله تعالى خص الإجابة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر، ثم استأنف الإخبار عن حال الكافرين، بأن قال :﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ﴾ يعني في الدنيا.
﴿ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ ﴾ يعني بذنوبه إن مات على كفره.
واختلفوا في مكة، هل صارت حراماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت فيه كذلك؟ على قولين :
أحدهما : أنها لم تزل حرماً مِنَ الجَبَابِرَةِ والمُسَلَّطِينَ، ومن الخسوف والزلازل، وإنما سأل إبراهيم ربَّه : أن يجعله آمناً من الجذب والقحط، وأن يرزق أهله من الثمرات، لرواية سعيد بن المقبري، قال : سمعت أبا شريح الخزاعي يقول : إن رسول الله ﷺ لما افتتح مكة، قتلت خزاعة رجلاً من هذيل، فقام رسول الله ﷺ خطيباً فقال :« يأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليومِ الآخرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيها دَماً أَوْ يُعَضِّدُ بِهَا شَجَراً، وَأَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَباً عَلَى أَهْلِهَا، ألاَ وَهِيَ قَدْ رَجِعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالأَمْسِ، ألاَ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ. فَمَنْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ قَتَلَ بِهَا فَقُولُوا : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكْ »
والثاني : أن مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم، كسائر البلاد، وأنها بدعوته صارت حرماً آمنا، وبتحريمه لها، كما صارت المدينة بتحريم رسول الله ﷺ حراماً، بعد أن كانت حلالاً، لرواية أشعب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال :« إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَ اللهِ وَخَلِيله، وَإِنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا عَضَاهَا وَصَيْدُهَا، لاَ يُحْمَلُ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرٌ لَعَلَفٍ »
قوله تعالى :﴿ وَإَذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ﴾ أول من دله الله تعالى على مكان البيت إبراهيمُ، وهو أول من بناه مع إسماعيل، وأول من حجه، وإنما كانوا قَبْلُ يصلون نحوه، ولا يعرفون مكانه.
والقواعد من البيت واحدتها قاعدة، وهي كالأساس لما فوقها.
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ والمعنى : يقولان ربنا تقبل منا، كما قال تعالى :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيكُم ﴾ أي يقولون سلام عليكم، وهي كذلك في قراءة أبيّ بن كعب :﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَقُولاَنِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾. وتفسير « إسماعيل » : إسمع يا الله، لأن إيل بالسريانية هو الله، لأن إبراهيم لما دعا ربه قال : اسمع يا إيل، فلما أجابه ورزقه بما دعا من الولد، سمّى بما دعا.
﴿ مَنْ ءَآمَنَ مِنْهُم بِاللهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن هذا من قول إبراهيم متصلاً بسؤاله، أن يجعله بلداً آمناً، وأن يرزق أهله الذين آمنوا به من الثمرات، لأن الله تعالى قد أعلمه بقوله :﴿ لاَ يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ أن فيهم ظالماً هو بالعقاب أحق من الثواب، فلم يسأل أهل المعاصي سؤال أهل الطاعات.
والوجه الثاني : أنه سؤاله كان عاماً مرسلاً، وأن الله تعالى خص الإجابة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر، ثم استأنف الإخبار عن حال الكافرين، بأن قال :﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ﴾ يعني في الدنيا.
﴿ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ ﴾ يعني بذنوبه إن مات على كفره.
واختلفوا في مكة، هل صارت حراماً آمناً بسؤال إبراهيم أو كانت فيه كذلك؟ على قولين :
أحدهما : أنها لم تزل حرماً مِنَ الجَبَابِرَةِ والمُسَلَّطِينَ، ومن الخسوف والزلازل، وإنما سأل إبراهيم ربَّه : أن يجعله آمناً من الجذب والقحط، وأن يرزق أهله من الثمرات، لرواية سعيد بن المقبري، قال : سمعت أبا شريح الخزاعي يقول : إن رسول الله ﷺ لما افتتح مكة، قتلت خزاعة رجلاً من هذيل، فقام رسول الله ﷺ خطيباً فقال :« يأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليومِ الآخرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيها دَماً أَوْ يُعَضِّدُ بِهَا شَجَراً، وَأَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلَّ لِي إِلاَّ هَذِهِ السَّاعَةَ غَضَباً عَلَى أَهْلِهَا، ألاَ وَهِيَ قَدْ رَجِعَتْ عَلَى حَالِهَا بِالأَمْسِ، ألاَ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ. فَمَنْ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ قَتَلَ بِهَا فَقُولُوا : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلَّهَا لَكْ »
والثاني : أن مكة كانت حلالاً قبل دعوة إبراهيم، كسائر البلاد، وأنها بدعوته صارت حرماً آمنا، وبتحريمه لها، كما صارت المدينة بتحريم رسول الله ﷺ حراماً، بعد أن كانت حلالاً، لرواية أشعب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال :« إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَ اللهِ وَخَلِيله، وَإِنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وإِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا عَضَاهَا وَصَيْدُهَا، لاَ يُحْمَلُ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ يُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرٌ لَعَلَفٍ »
قوله تعالى :﴿ وَإَذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ﴾ أول من دله الله تعالى على مكان البيت إبراهيمُ، وهو أول من بناه مع إسماعيل، وأول من حجه، وإنما كانوا قَبْلُ يصلون نحوه، ولا يعرفون مكانه.
والقواعد من البيت واحدتها قاعدة، وهي كالأساس لما فوقها.
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ والمعنى : يقولان ربنا تقبل منا، كما قال تعالى :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيكُم ﴾ أي يقولون سلام عليكم، وهي كذلك في قراءة أبيّ بن كعب :﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَقُولاَنِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾. وتفسير « إسماعيل » : إسمع يا الله، لأن إيل بالسريانية هو الله، لأن إبراهيم لما دعا ربه قال : اسمع يا إيل، فلما أجابه ورزقه بما دعا من الولد، سمّى بما دعا.
93
قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ ﴾ على التثنية، وقرأ عوف الأعرابي :﴿ مُسْلِمِينَ لك ﴾ على الجمع. ويقال : أنه لم يدع نَبيُّ إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته لهذه الأمة في قوله :﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ والمسلم هو الذي استسلم لأمر الله وخضع له، وهو في الدين القابل لأوامر الله سراً وجهراً.
﴿ وأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ أي عرفنا مناسكنا، وفيها تأويلان :
أحدهما : أنها مناسك الحج ومعالمه، وهذا قول قتادة والسدي.
والثاني : أنها مناسك الذبائح التي تنسك لله تعالى، وهذا قول مجاهد وعطاء.
والمناسك جمع منسك، واختلفوا في تسميته منسكاً على وجهين :
أحدهما : لأنه معتاد ويتردد الناس إليه في الحج والعمرة، من قولهم إن لفلان منسكاً، إذا كان له موضع معتاد لخير أو شر، فسميت بذلك مناسك الحج لاعتيادها.
والثاني : أن النسك عبادة الله تعالى، ولذلك سُمِّي الزاهد ناسكاً لعبادة ربه، فسميت هذه مناسك لأنها عبادات.
﴿ وأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ أي عرفنا مناسكنا، وفيها تأويلان :
أحدهما : أنها مناسك الحج ومعالمه، وهذا قول قتادة والسدي.
والثاني : أنها مناسك الذبائح التي تنسك لله تعالى، وهذا قول مجاهد وعطاء.
والمناسك جمع منسك، واختلفوا في تسميته منسكاً على وجهين :
أحدهما : لأنه معتاد ويتردد الناس إليه في الحج والعمرة، من قولهم إن لفلان منسكاً، إذا كان له موضع معتاد لخير أو شر، فسميت بذلك مناسك الحج لاعتيادها.
والثاني : أن النسك عبادة الله تعالى، ولذلك سُمِّي الزاهد ناسكاً لعبادة ربه، فسميت هذه مناسك لأنها عبادات.
94
قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِم ﴾ يعني في هذه الأمة ﴿ رَسُولاً مِنْهُم ﴾ يعني محمداً ﷺ، وقيل في قراءة أبيّ بن كعب ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِي آخِرِهِم رَسُولاً مِنْهُم ﴾.
وقد روى خالد بن معدان : أن نفراً من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال :« نَعَم، أَنَا دَعْوَةُ إبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى
». ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يقرأ عليهم حجتك.
والثاني : يبين لهم دينك.
﴿ ويُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ ﴾ يعني القرآن.
﴿ وَالْحِكْمَة ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : أنها السنة، وهو قول قتادة.
والثاني : أنها المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له، وهو قول ابن زيد.
﴿ وَيُزَكِّيهِم ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه يطهرهم من الشرك بالله وعبادة الأوثان.
والثاني : يزكيهم بدينه إذا اتبعوه فيكونون به عند الله أزكياء.
وقد روى خالد بن معدان : أن نفراً من أصحاب رسول الله ﷺ قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال :« نَعَم، أَنَا دَعْوَةُ إبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى
». ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يقرأ عليهم حجتك.
والثاني : يبين لهم دينك.
﴿ ويُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ ﴾ يعني القرآن.
﴿ وَالْحِكْمَة ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : أنها السنة، وهو قول قتادة.
والثاني : أنها المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له، وهو قول ابن زيد.
﴿ وَيُزَكِّيهِم ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه يطهرهم من الشرك بالله وعبادة الأوثان.
والثاني : يزكيهم بدينه إذا اتبعوه فيكونون به عند الله أزكياء.
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن ذلك سفّه نفسه، أي فَعَلَ بها من السفه ما صار به سفيهاً، وهذا قول الأخفش.
والثاني : أنها بمعنى سفه في نفسه، فحذف حرف الجر كما حذف من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾ أي عَلَى عقدة النكاح، وهذا قول الزجَّاج.
والثالث : أنها بمعنى أهلك نفسه وأوْبَقَهَا، وهذا قول أبي عبيدة.
قال المبرِّد وثعلب : سَفِه بكسر الفاء يتعدى، وسفُه بضم الفاء لا يتعدى.
﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي اخترناه، ولفظه مشتق من الصفوة، فيكون المعنى : اخترناه في الدنيا للرسالة.
﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ لنفسه في إنجائها من الهلكة.
قوله تعالى :﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ الهاء كناية ترجع إلى الملة لتَقَدُّم قولهِ :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهيمَ ﴾ ووصّى أبلغ من أوصى، لأن أوصى يجوز أن يكون قاله مرة واحدة، وَوَصَّى لا يكون إلا مراراً. ﴿ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ والمعنى أن إبراهيم وَصَّى، ثم وَصَّى بعده يعقوبُ بَنِيهِ، فقالا جميعاً :﴿ يَا بَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ يعني اختار لكم الدين، أي الإسلام، ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ فإن قيل : كيف يُنْهَونَ عن الموت وليس من فعلهم، وإنما يُمَاتُون؟ قيل : هذا في سعة اللغة مفهوم المعنى، لأن النهي تَوَجَّهَ إلى مفارقة الإسلام، لا إلى الموت، ومعناه : الزموا الإسلام ولا تفارقوه إلى الموت.
أحدها : أن ذلك سفّه نفسه، أي فَعَلَ بها من السفه ما صار به سفيهاً، وهذا قول الأخفش.
والثاني : أنها بمعنى سفه في نفسه، فحذف حرف الجر كما حذف من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ ﴾ أي عَلَى عقدة النكاح، وهذا قول الزجَّاج.
والثالث : أنها بمعنى أهلك نفسه وأوْبَقَهَا، وهذا قول أبي عبيدة.
قال المبرِّد وثعلب : سَفِه بكسر الفاء يتعدى، وسفُه بضم الفاء لا يتعدى.
﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي اخترناه، ولفظه مشتق من الصفوة، فيكون المعنى : اخترناه في الدنيا للرسالة.
﴿ وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ لنفسه في إنجائها من الهلكة.
قوله تعالى :﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ الهاء كناية ترجع إلى الملة لتَقَدُّم قولهِ :﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهيمَ ﴾ ووصّى أبلغ من أوصى، لأن أوصى يجوز أن يكون قاله مرة واحدة، وَوَصَّى لا يكون إلا مراراً. ﴿ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ والمعنى أن إبراهيم وَصَّى، ثم وَصَّى بعده يعقوبُ بَنِيهِ، فقالا جميعاً :﴿ يَا بَنِيَّ إنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ يعني اختار لكم الدين، أي الإسلام، ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ فإن قيل : كيف يُنْهَونَ عن الموت وليس من فعلهم، وإنما يُمَاتُون؟ قيل : هذا في سعة اللغة مفهوم المعنى، لأن النهي تَوَجَّهَ إلى مفارقة الإسلام، لا إلى الموت، ومعناه : الزموا الإسلام ولا تفارقوه إلى الموت.
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا : كُونُوا هُوداً أوْ نَصَارى تَهْتَدُوا ﴾ يعني أن اليهودَ قالوا : كونوا هوداً تهتدوا، وقالت النصارى : كونوا نصارى تهتدوا، فرد الله تعالى ذلك عليهم، فقال :﴿ قُلْ : بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾ وفي الكلام حذف، يحتمل وجهين :
أحدهما : أن المحذوف بل نتبع ملة إبراهيم، ولذلك جاء به منصوباً.
والثاني : أن المحذوف بل نهتدي بملة إبراهيم، فلما حذف حرف الجر، صار منصوباً، والملة : الدين، مأخوذ من الإملاء، أي ما يُمْلُون من كتبهم.
وأما الحنيف، ففيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه المخلص، وهو قول السدي.
والثاني : أنه المتَّبع، وهو قول مجاهد.
والثالث : الحاج، وهو قول ابن عباس، والحسن.
والرابع : المستقيم.
وفي أصل الحنيف في اللغة وجهان :
أحدهما : الميل، والمعنى أن إبراهيم حَنَفَ إلى دين الله، وهو الإسلام فسمي حنيفاً، وقيل للرجل أحْنَف لميل كل واحدة من قدميه إلى أختها.
والوجه الثاني : أن أصله الاستقامة، فَسُمِّي دين إبراهيم « الحنيفية » لاستقامته وقيل للرجل أحنف، تطيّراً من الميل وتفاؤلاً بالاستقامة، كما قيل لِلًّدِيغ سليم، وللمُهْلِكةِ من الأرض مفازة.
أحدهما : أن المحذوف بل نتبع ملة إبراهيم، ولذلك جاء به منصوباً.
والثاني : أن المحذوف بل نهتدي بملة إبراهيم، فلما حذف حرف الجر، صار منصوباً، والملة : الدين، مأخوذ من الإملاء، أي ما يُمْلُون من كتبهم.
وأما الحنيف، ففيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه المخلص، وهو قول السدي.
والثاني : أنه المتَّبع، وهو قول مجاهد.
والثالث : الحاج، وهو قول ابن عباس، والحسن.
والرابع : المستقيم.
وفي أصل الحنيف في اللغة وجهان :
أحدهما : الميل، والمعنى أن إبراهيم حَنَفَ إلى دين الله، وهو الإسلام فسمي حنيفاً، وقيل للرجل أحْنَف لميل كل واحدة من قدميه إلى أختها.
والوجه الثاني : أن أصله الاستقامة، فَسُمِّي دين إبراهيم « الحنيفية » لاستقامته وقيل للرجل أحنف، تطيّراً من الميل وتفاؤلاً بالاستقامة، كما قيل لِلًّدِيغ سليم، وللمُهْلِكةِ من الأرض مفازة.
قوله تعالى :﴿ فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ﴾ فإن قيل : فهل للإيمان مثل لا يكون إيماناً؟ قيل معنى الكلام : فإن آمنوا مثل إيمانكم، وصدَّقوا مثل تصديقكم فقد اهتدوا، وهذا هو معنى القراءة وإن خالف المصحف.
﴿ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ يعني في مشاقة وعداوة، وأصل الشِّقَاقِ البُعْدُ، من قولهم قد أخذ فلان في شِقٍّ، وفلان في شِقٍّ آخر، إذا تباعدوا. وكذلك قيل للخارج عن الجماعة، قد شَقَّ عصا المسلمين لبُعْدِهِ عنهم.
قوله تعالى :﴿ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه دين الله، وهذا قول قتادة.
وسبب ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماء لهم، ويقولون هذا تطهير لهم كالختان، فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال :﴿ صِبْغَةَ اللهِ ﴾ أي صبغة الله أحسن صبغة، وهي الإسلام.
والثاني : أن صبغة الله، هي خلقة الله، وهذا قول مجاهد.
فإن كانت الصبغة هي الدين، فإنما سُمِّيَ الدين صبغة، لظهوره على صاحبه، كظهور الصِّبْغِ عَلَى الثوبِ، وإن كانت هي الخلقة فلإحداثه كإحداث اللون على الثوب.
﴿ وَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ يعني في مشاقة وعداوة، وأصل الشِّقَاقِ البُعْدُ، من قولهم قد أخذ فلان في شِقٍّ، وفلان في شِقٍّ آخر، إذا تباعدوا. وكذلك قيل للخارج عن الجماعة، قد شَقَّ عصا المسلمين لبُعْدِهِ عنهم.
قوله تعالى :﴿ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه دين الله، وهذا قول قتادة.
وسبب ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماء لهم، ويقولون هذا تطهير لهم كالختان، فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال :﴿ صِبْغَةَ اللهِ ﴾ أي صبغة الله أحسن صبغة، وهي الإسلام.
والثاني : أن صبغة الله، هي خلقة الله، وهذا قول مجاهد.
فإن كانت الصبغة هي الدين، فإنما سُمِّيَ الدين صبغة، لظهوره على صاحبه، كظهور الصِّبْغِ عَلَى الثوبِ، وإن كانت هي الخلقة فلإحداثه كإحداث اللون على الثوب.
قوله تعالى :﴿ أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيمَ ﴾ يعني قالوا :﴿ إنَّ إبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ وَإِسَحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ ﴾ وهم إثنا عشر سَبْطاً من ولد يعقوب، والسَبْطُ الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسَبْطُ في اللغة : الشجر الذي يرجع بعضه إلى بعض ﴿ كَانُوا هُوداً أوْ نَصَارَى قُلْ : أَأَنْتُم أَعْلَمُ أمِ اللهُ ﴾ يعني اليهود تزعم أن هؤلاء كانوا هوداً، والنصارى تزعم أنهم كانوا نصارى، فرد الله عليهم بأن الله تعالى أعلم بهم منكم، يعني بأنهم لم يكونوا هوداً ولا نصارى.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من كتمان الشهادة، والارتشاء عليها من أغنيائهم وسفائهم.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من كتمان الشهادة، والارتشاء عليها من أغنيائهم وسفائهم.
قوله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ السُّفَهَاءُ : واحده سَفِيه، والسَّفِيهُ : الخفيف الحلم، من قولهم ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج، ورمح سفيه إذا أسرع نفوذه.
وفي والمراد بالسفهاء هَا هُنَا ثلاثة أقاويل :
أحدها : اليهود، وهو قول مجاهد.
والثاني : المنافقون، وهو قول السدي.
والثالث : كفار قريش وحكاه الزجاج.
﴿ مَا ولاَّهم عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ يعني ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي بيت المقدس، حيث كان يستقبلها رسول الله ﷺ بمكة، بعد هجرته إلى المدينة بستة عشر شهراً في رواية البراء بن عازب، وفي رواية معاذ بن جبل : ثلاثة عشر شهراً، وفي رواية أنس بن مالك تسعة أشهر أو عشرة أشهر، ثم نُسِخَتْ قبلةُ بيت المقدس باستقبال الكعبة، ورسول الله ﷺ بالمدينة في صلاة الظهر وقد صلى منها ركعتين نحو بيت المقدس، فانصرف بوجهه إلى الكعبة، هذا قول أنس بن مالك، وقال البراء بن عازب : كنا في صلاة العصر بقباء، فمر رجل على أهل المسجد وهم ركوع في الثانية، فقال : أشهد لقد صَلَّيت مع رسول الله ﷺ قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وقِبَلُ كل شيءٍ : ما قَابَل وَجْهَه.
واختلف أهل العلم في استقبال رسول الله ﷺ بيت المقدس، هل كان برأيه واجتهاده، أو كان عن أمر الله تعالى لقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التَّي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُوُلَ ﴾، وهذا قول ابن عباس وابن جريج.
والقول الثاني : أنه كان يستقبلها برأيه واجتهاده، وهذا قول الحسن، وعكرمة، وأبي العالية، والربيع. واختلفوا في سبب اختياره بيت المقدس على قولين :
أحدهما : أنه اختار بيت المقدس ليتألَّف أهل الكتاب، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
والثاني : لأن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس، فأحب الله أن يمتحنهم بغير ما ألفوه، ليعلم من يتبع ممن ينقلب على عَقِبَيْهِ، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج، فلما استقبل رسول الله ﷺ الكعبة، قال ابن عباس : أتى رفاعة بن قيس وكعب بن الأشرف والربيع وكنانة بن أبي الحُقَيْقِ، فقالوا لرسول الله ﷺ : ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملةِ إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها، نتبعك ونصدقك. وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيها؟ قُل : لِلَّهِ الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ ﴾ يعني حيثما أمر الله تعالى باستقباله من مشرق أو مغرب والصراط : الطريق : والمستقيم : المستوي.
وفي والمراد بالسفهاء هَا هُنَا ثلاثة أقاويل :
أحدها : اليهود، وهو قول مجاهد.
والثاني : المنافقون، وهو قول السدي.
والثالث : كفار قريش وحكاه الزجاج.
﴿ مَا ولاَّهم عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ يعني ما صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي بيت المقدس، حيث كان يستقبلها رسول الله ﷺ بمكة، بعد هجرته إلى المدينة بستة عشر شهراً في رواية البراء بن عازب، وفي رواية معاذ بن جبل : ثلاثة عشر شهراً، وفي رواية أنس بن مالك تسعة أشهر أو عشرة أشهر، ثم نُسِخَتْ قبلةُ بيت المقدس باستقبال الكعبة، ورسول الله ﷺ بالمدينة في صلاة الظهر وقد صلى منها ركعتين نحو بيت المقدس، فانصرف بوجهه إلى الكعبة، هذا قول أنس بن مالك، وقال البراء بن عازب : كنا في صلاة العصر بقباء، فمر رجل على أهل المسجد وهم ركوع في الثانية، فقال : أشهد لقد صَلَّيت مع رسول الله ﷺ قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وقِبَلُ كل شيءٍ : ما قَابَل وَجْهَه.
واختلف أهل العلم في استقبال رسول الله ﷺ بيت المقدس، هل كان برأيه واجتهاده، أو كان عن أمر الله تعالى لقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التَّي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُوُلَ ﴾، وهذا قول ابن عباس وابن جريج.
والقول الثاني : أنه كان يستقبلها برأيه واجتهاده، وهذا قول الحسن، وعكرمة، وأبي العالية، والربيع. واختلفوا في سبب اختياره بيت المقدس على قولين :
أحدهما : أنه اختار بيت المقدس ليتألَّف أهل الكتاب، وهذا قول أبي جعفر الطبري.
والثاني : لأن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس، فأحب الله أن يمتحنهم بغير ما ألفوه، ليعلم من يتبع ممن ينقلب على عَقِبَيْهِ، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج، فلما استقبل رسول الله ﷺ الكعبة، قال ابن عباس : أتى رفاعة بن قيس وكعب بن الأشرف والربيع وكنانة بن أبي الحُقَيْقِ، فقالوا لرسول الله ﷺ : ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملةِ إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها، نتبعك ونصدقك. وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيها؟ قُل : لِلَّهِ الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ ﴾ يعني حيثما أمر الله تعالى باستقباله من مشرق أو مغرب والصراط : الطريق : والمستقيم : المستوي.
100
قوله تعالى :﴿ وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾. فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني خياراً، من قولهم فلان وسط الحَسَبِ في قومه، إذا أرادوا بذلك الرفيع في حسبه، ومنه قول زهير :
والثاني : أن الوسط من التوسط في الأمور، لأن المسلمين تَوَسَّطُوا في الدين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، كاليهود الذين بدَّلوا كتاب الله وقتَّلوا أنبياءهم وكَذَبوا على ربهم، فوصفهم الله تعالى بأنهم وسط، لأن أحب الأمور إليه أوسطها.
والثالث : يريد بالوسط : عدلاً، لأن العدل وسط بين الزيادة والنقصان، وقد روى أبو سعيد الخدري، عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً ﴾ أي عَدْلاً.
﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لتشهدوا على أهل الكتاب، بتبليغ الرسول إليهم رسالة ربهم.
والثاني : لتشهدوا على الأمم السالفة، بتبليغ أنبيائهم إليهم رسالة ربهم، وهذا مروي عن النبي ﷺ، أن الأمم السالفة تقول لهم : كيف تشهدون علينا ولم تشاهدونا، فيقولون أعْلَمَنَا نبيُّ الله بما أُنْزِلَ عليه من كتاب الله.
والثالث : أن معنى قوله :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ أي لتكونوا مُحْتَجِّينَ على الأمم كلها، فعبر عن الاحتجاج بالشهادة، وهذا قول حكاه الزجاج.
﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يكون الرسول شهيداً على أمته أنْ قد بلّغ إليهم رسالة ربه.
والثاني : أنّ معنى ذلك أنْ يكون شهيداً لهم بإيمانهم، وتكون ( عليهم ) بمعنى ( لهم ).
والثالث : أن معنى قوله :﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيداً ﴾ أي مُحْتَجّاً.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ﴾ أي بيت المقدس، ﴿ إلاّ لِنَعَلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ فإن قيل : الله أعلم بالأشياء قبل كونها، فكيف جعل تحويل القِبْلة طريقاً إلى علمه؟ قيل : في قوله :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : يعني إلا ليعلم رسولي، وحزبي، وأوليائي؛ لأن من شأن العرب إضافة ما فعله أتْباعُ الرئيس إليه، كما قالوا : فتح عمرُ بنُ الخطاب سوادَ العراق وجبي خَرَاجَهَا.
والثاني : أن قوله تعالى :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى : إلا لنرى، والعرب قد تضع العلمَ مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كما قال تعالى ﴿ ألَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ [ الفيل : ١ ] يعني : ألم تعلم.
والثالث : قوله تعالى :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى إلا لتعلموا أننا نعلم، فإنّ المنافقين كانوا في شك من علم الله بالأشياء قبل كونها.
والرابع : أن قوله :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك، وهذا قول ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ ﴾ بمعنى فيما أمر به من استقبال الكعبة ﴿ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ بمعنى : ممن يَرْتَدُّ عن دينه، لأن المرتد راجع مُنْقَلِب عما كان عليه، فشبهه بالمُنْقلِب على عقبه، لأن القبلة لمَّا حُوِّلَتْ ارْتَدَّ من المسلمين قَوْمٌ، ونافق قوم، وقالت اليهود : إن محمداً قد اشتاق إلى بلد أبيه، وقالت قريش : إن محمداً قد علم أننا على هدى وسَيُتَابِعُنَا.
أحدها : يعني خياراً، من قولهم فلان وسط الحَسَبِ في قومه، إذا أرادوا بذلك الرفيع في حسبه، ومنه قول زهير :
هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الإلهُ بِحُكْمِهِمْ | إذَا نَزَلَت إِحْدَى اللَّيالي بِمُعَظَّمِ |
والثالث : يريد بالوسط : عدلاً، لأن العدل وسط بين الزيادة والنقصان، وقد روى أبو سعيد الخدري، عن النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً ﴾ أي عَدْلاً.
﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لتشهدوا على أهل الكتاب، بتبليغ الرسول إليهم رسالة ربهم.
والثاني : لتشهدوا على الأمم السالفة، بتبليغ أنبيائهم إليهم رسالة ربهم، وهذا مروي عن النبي ﷺ، أن الأمم السالفة تقول لهم : كيف تشهدون علينا ولم تشاهدونا، فيقولون أعْلَمَنَا نبيُّ الله بما أُنْزِلَ عليه من كتاب الله.
والثالث : أن معنى قوله :﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ أي لتكونوا مُحْتَجِّينَ على الأمم كلها، فعبر عن الاحتجاج بالشهادة، وهذا قول حكاه الزجاج.
﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يكون الرسول شهيداً على أمته أنْ قد بلّغ إليهم رسالة ربه.
والثاني : أنّ معنى ذلك أنْ يكون شهيداً لهم بإيمانهم، وتكون ( عليهم ) بمعنى ( لهم ).
والثالث : أن معنى قوله :﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيداً ﴾ أي مُحْتَجّاً.
﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ﴾ أي بيت المقدس، ﴿ إلاّ لِنَعَلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ فإن قيل : الله أعلم بالأشياء قبل كونها، فكيف جعل تحويل القِبْلة طريقاً إلى علمه؟ قيل : في قوله :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : يعني إلا ليعلم رسولي، وحزبي، وأوليائي؛ لأن من شأن العرب إضافة ما فعله أتْباعُ الرئيس إليه، كما قالوا : فتح عمرُ بنُ الخطاب سوادَ العراق وجبي خَرَاجَهَا.
والثاني : أن قوله تعالى :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى : إلا لنرى، والعرب قد تضع العلمَ مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كما قال تعالى ﴿ ألَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ ﴾ [ الفيل : ١ ] يعني : ألم تعلم.
والثالث : قوله تعالى :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى إلا لتعلموا أننا نعلم، فإنّ المنافقين كانوا في شك من علم الله بالأشياء قبل كونها.
والرابع : أن قوله :﴿ إلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ بمعنى إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك، وهذا قول ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ ﴾ بمعنى فيما أمر به من استقبال الكعبة ﴿ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ بمعنى : ممن يَرْتَدُّ عن دينه، لأن المرتد راجع مُنْقَلِب عما كان عليه، فشبهه بالمُنْقلِب على عقبه، لأن القبلة لمَّا حُوِّلَتْ ارْتَدَّ من المسلمين قَوْمٌ، ونافق قوم، وقالت اليهود : إن محمداً قد اشتاق إلى بلد أبيه، وقالت قريش : إن محمداً قد علم أننا على هدى وسَيُتَابِعُنَا.
101
ثم قال تعالى :﴿ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرةً إلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه وإن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة والتحويل إليها لكبيرةٌ، وهذا هو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني : إن الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان رسول الله ﷺ يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل، وهذا قول أبي العالية الرياحي.
والثالث : أن الكبيرة هي الصلاة، التي كانوا صَلَّوْهَا إلى القبلة الأولى، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُم ﴾ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل، وسبب ذلك أن المسلمين لما حُوِّلُوا عن استقبال بيت المقدس إلى الكعبة، قالوا لرسول الله ﷺ : كيف من مات من إخواننا؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضيعَ إيمَانَكُم ﴾.
فإن قيل : هم سألوه عن صلاةِ غيرهم، فأجابهم بحال صلاتهم؟ قيل : لأن القوم أشفقوا، أن تكون صلاتهم إلى بيت المقدس مُحْبَطةً لمنْ مات ومن بقي، فأجابهم بما دَلَّ على الأمرين، على أنه قد روى قوم أنهم قالوا : كيف تضيع صلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى ذلك. ﴿ إنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ الرأفة : أشد من الرحمة، وقال أبو عمر عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة.
أحدها : معناه وإن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة والتحويل إليها لكبيرةٌ، وهذا هو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني : إن الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان رسول الله ﷺ يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل، وهذا قول أبي العالية الرياحي.
والثالث : أن الكبيرة هي الصلاة، التي كانوا صَلَّوْهَا إلى القبلة الأولى، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُم ﴾ يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً لاشتمالها على نية وقول وعمل، وسبب ذلك أن المسلمين لما حُوِّلُوا عن استقبال بيت المقدس إلى الكعبة، قالوا لرسول الله ﷺ : كيف من مات من إخواننا؟ فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضيعَ إيمَانَكُم ﴾.
فإن قيل : هم سألوه عن صلاةِ غيرهم، فأجابهم بحال صلاتهم؟ قيل : لأن القوم أشفقوا، أن تكون صلاتهم إلى بيت المقدس مُحْبَطةً لمنْ مات ومن بقي، فأجابهم بما دَلَّ على الأمرين، على أنه قد روى قوم أنهم قالوا : كيف تضيع صلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى ذلك. ﴿ إنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ الرأفة : أشد من الرحمة، وقال أبو عمر عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة.
102
قوله تعالى :﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَآءِ ﴾ هذه الآية متقدمة في النزول على قوله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِن النَّاسِ ﴾.
وفي قوله :﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه : تحول وجهك نحو السماء، وهذا قول الطبري.
والثاني : معناه : تقلب عينيك في النظر إلى السماء، وهذا قول الزجاج.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلةً تَرضاها ﴾ يعني الكعبة كان رسول الله ﷺ يرضاها ويختارها ويسأل [ ربه ] أن يُحوَّل إليها.
واختُلِفَ في سبب اختياره لذلك على قولين :
أحدهما : مخالفة اليهود وكراهة لموافقتهم، لأنهم قالوا : تتبع قبلتنا وتخالفنا في ديننا؟ وبه قال مجاهد، وابن زيد.
والثاني : أنه اختارها، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم، وبه قال ابن عباس.
فإن قيل : أكان رسول الله ﷺ غير راض ببيت المقدس أن يكون له قبلة، حتى قال تعالى له في الكعبة ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكْ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ ؟ قيل : لا يجوز أن يكون رسول الله غير راض ببيت المقدس، لَمَّا أمره الله تعالى به، لأن الأنبياء يجب عليهم الرضا بأوامر الله تعالى، لكن معنى ترضاها : أي تحبها وتهواها، وإنما أحبها مع ما ذكرنا من القولين الأولين، لما فيها من تآلف قومه وإسراعهم إلى إجابته، ويحتمل أن يكون قوله :﴿ تَرْضَاهَا ﴾ محمولاً على الحقيقة بمعنى : ترضى ما يحدث عنها من التأليف، وسرعة الإجابة، ثم قال تعالى مجيباً لرغبته وآمراً بطَلِبَتِه :﴿ فَولِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي حَوِّلْ وجهك في الصلاة، شطر المسجد الحرام أي : نحو المسجد الحرام، كما قال الهذلي :
أي نحوها، والشطر من الأضداد، يقال : شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه، وشطر عن كذا إذا بَعُدَ منه وأعرض عنه، وشِطْرُ الشيء : نصفه، فأما الشاطر من الرجال فلأنه قد أخذ في نحوٍ غير الإِستواء.
قوله تعالى :﴿ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ يعني به الكعبة، لأنها فيه فعبر به عنها. واختلف أهل العلم في المكان، الذي أمر رسول الله ﷺ أن يولي وجهه إليه :
فقال عبد الله بن عمرو بن العاص :﴿ فَلَنُولِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ قال : حيال ميزاب الكعبة.
وقال عبد الله بن عباس : البيت كله، وقبلة البيت الباب.
ثم قال تعالى :﴿ وَحَيْثُمَا كَنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَهُ ﴾ يعني نحو المسجد الحرام أيضاً تأكيداً للأمر الأول لأن عمومه يقتضيه، لكن أراد بالتأكيد احتمال التخصيص، ثم جعل الأمر الأول مواجهاً به النبي ﷺ، والثاني مواجهاً به جميع الناس، فكلا الأمرين عام في النبي ﷺ وجميع أمته، لكن غاير بين الأمرين ليمنع من تغيير الأمر في المأمور به، وليكون كل واحد منهما جارياً على عمومه.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ يعني اليهود والنصارى.
﴿ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ يعني تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ من الخوض في إِفْتَانِ المسلمين عن دينهم بذلك.
وفي قوله :﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّمَاءِ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه : تحول وجهك نحو السماء، وهذا قول الطبري.
والثاني : معناه : تقلب عينيك في النظر إلى السماء، وهذا قول الزجاج.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبلةً تَرضاها ﴾ يعني الكعبة كان رسول الله ﷺ يرضاها ويختارها ويسأل [ ربه ] أن يُحوَّل إليها.
واختُلِفَ في سبب اختياره لذلك على قولين :
أحدهما : مخالفة اليهود وكراهة لموافقتهم، لأنهم قالوا : تتبع قبلتنا وتخالفنا في ديننا؟ وبه قال مجاهد، وابن زيد.
والثاني : أنه اختارها، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم، وبه قال ابن عباس.
فإن قيل : أكان رسول الله ﷺ غير راض ببيت المقدس أن يكون له قبلة، حتى قال تعالى له في الكعبة ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكْ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ ؟ قيل : لا يجوز أن يكون رسول الله غير راض ببيت المقدس، لَمَّا أمره الله تعالى به، لأن الأنبياء يجب عليهم الرضا بأوامر الله تعالى، لكن معنى ترضاها : أي تحبها وتهواها، وإنما أحبها مع ما ذكرنا من القولين الأولين، لما فيها من تآلف قومه وإسراعهم إلى إجابته، ويحتمل أن يكون قوله :﴿ تَرْضَاهَا ﴾ محمولاً على الحقيقة بمعنى : ترضى ما يحدث عنها من التأليف، وسرعة الإجابة، ثم قال تعالى مجيباً لرغبته وآمراً بطَلِبَتِه :﴿ فَولِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي حَوِّلْ وجهك في الصلاة، شطر المسجد الحرام أي : نحو المسجد الحرام، كما قال الهذلي :
إنَّ العسير بها دَاءٌ يُخَامِرُها | فشطرُهَا نظَرُ العَيْنَيْنِ مَحْسُورُ |
قوله تعالى :﴿ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ يعني به الكعبة، لأنها فيه فعبر به عنها. واختلف أهل العلم في المكان، الذي أمر رسول الله ﷺ أن يولي وجهه إليه :
فقال عبد الله بن عمرو بن العاص :﴿ فَلَنُولِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ قال : حيال ميزاب الكعبة.
وقال عبد الله بن عباس : البيت كله، وقبلة البيت الباب.
ثم قال تعالى :﴿ وَحَيْثُمَا كَنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَهُ ﴾ يعني نحو المسجد الحرام أيضاً تأكيداً للأمر الأول لأن عمومه يقتضيه، لكن أراد بالتأكيد احتمال التخصيص، ثم جعل الأمر الأول مواجهاً به النبي ﷺ، والثاني مواجهاً به جميع الناس، فكلا الأمرين عام في النبي ﷺ وجميع أمته، لكن غاير بين الأمرين ليمنع من تغيير الأمر في المأمور به، وليكون كل واحد منهما جارياً على عمومه.
ثم قال تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ يعني اليهود والنصارى.
﴿ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ يعني تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ من الخوض في إِفْتَانِ المسلمين عن دينهم بذلك.
قوله تعالى :﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ يعني استقبال الكعبة.
﴿ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُم ﴾ يعني استقبال بيت المقدس، بعد أن حُوِّلَتْ قِبْلَتُك إلى الكعبة.
﴿ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابٍعِ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ يعني أن اليهود لا تتبع النصارى في القبلة، فهم فيها مختلفون، وإن كانوا على معاندة النبي ﷺ متفقين.
﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ يعني في القبلة.
﴿ مَن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ يعني في تحويلها عن بيت المقدس إلى الكعبة.
﴿ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ وليس يجوز أن يفعل النبي ما يصير به ظالماً.
وفي هذا الخطاب وجهان :
أحدهما : أن هذه صفة تنتفي عن النبي، وإنما أراد بذلك بيان حكمها لو كانت.
والوجه الثاني : أن هذا خطاب للنبي والمراد به أمته.
﴿ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُم ﴾ يعني استقبال بيت المقدس، بعد أن حُوِّلَتْ قِبْلَتُك إلى الكعبة.
﴿ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابٍعِ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ يعني أن اليهود لا تتبع النصارى في القبلة، فهم فيها مختلفون، وإن كانوا على معاندة النبي ﷺ متفقين.
﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ يعني في القبلة.
﴿ مَن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ يعني في تحويلها عن بيت المقدس إلى الكعبة.
﴿ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ وليس يجوز أن يفعل النبي ما يصير به ظالماً.
وفي هذا الخطاب وجهان :
أحدهما : أن هذه صفة تنتفي عن النبي، وإنما أراد بذلك بيان حكمها لو كانت.
والوجه الثاني : أن هذا خطاب للنبي والمراد به أمته.
قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾ يعني اليهود والنصارى، أوتوا التوراة، والإنجيل.
﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنآءَهُمُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعرفون أن تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة حق كما يعرفون أبناءهم.
والثاني : يعرفون الرسول وصدق رسالته كما يعرفون أبناءهم.
﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ ﴾ يعني علماءَهم وخواصَّهمْ.
﴿ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الحق هو استقبال الكعبة.
والثاني : أن الحق محمد ﷺ، وهذا قول مجاهد وقتادة.
﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يعلمون أنه حق متبوع.
والثاني : يعلمون ما عليه من العقاب المستحق.
﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ يعني استقبال الكعبة، لا ما أخبرتك به شهود من قبلتهم.
﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ أي من الشاكِّين يقال : امترى فلان في كذا إذا اعترضه اليقين مَرَّةً، والشك أخرى، فدافع أحدهما بالآخر.
فإن قيل : أفكان شاكّاً حين نهى عنه؟ قيل : هذا وإن كان خطاباً للنبي ﷺ فالمراد به غيره من أمته.
﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنآءَهُمُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعرفون أن تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة حق كما يعرفون أبناءهم.
والثاني : يعرفون الرسول وصدق رسالته كما يعرفون أبناءهم.
﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ ﴾ يعني علماءَهم وخواصَّهمْ.
﴿ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الحق هو استقبال الكعبة.
والثاني : أن الحق محمد ﷺ، وهذا قول مجاهد وقتادة.
﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يعلمون أنه حق متبوع.
والثاني : يعلمون ما عليه من العقاب المستحق.
﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ يعني استقبال الكعبة، لا ما أخبرتك به شهود من قبلتهم.
﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ أي من الشاكِّين يقال : امترى فلان في كذا إذا اعترضه اليقين مَرَّةً، والشك أخرى، فدافع أحدهما بالآخر.
فإن قيل : أفكان شاكّاً حين نهى عنه؟ قيل : هذا وإن كان خطاباً للنبي ﷺ فالمراد به غيره من أمته.
قوله تعالى :﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ يعني ولكل أهل ملة من سائر الملل وجهة هو مولِّيها. وفيه قولان :
أحدهما : قبلة يستقبلونها، وهو قول ابن عباس وعطاء والسدي.
والثاني : يعني صلاة يصلونها، وهو قول قتادة.
وفي قوله تعالى :﴿ هُوَ مُوَلِّيها ﴾ قولان :
أحدهما : أن أهل كل وجهة هم الذين يَتَوَلَّونَهَا ويستقبلونها.
والثاني : أن أهل كل وجهةٍ الله تعالى هو الذي يوليهم إليها ويأمرهم باستقبالها، وقد قرئ ﴿ هُوَ مَوْلاها ﴾ وهذا حسن يدل على الثاني من القولين.
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه فسارعوا إلى الأعمال الصالحة، وهو قول عبد الرحمن بن زيد.
والثاني : معناه : لا تُغلَبوا على قبلتكم بما تقول اليهود من أنكم إذا اتبعتم قبلتهم اتبعوكم، وهذا قول قتادة.
﴿... يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ﴾ إلى الله مرجعكم جميعاً، يعني يوم القيامة.
﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ يعني على إعادتكم إليه أحياء بعد الموت والبلى.
أحدهما : قبلة يستقبلونها، وهو قول ابن عباس وعطاء والسدي.
والثاني : يعني صلاة يصلونها، وهو قول قتادة.
وفي قوله تعالى :﴿ هُوَ مُوَلِّيها ﴾ قولان :
أحدهما : أن أهل كل وجهة هم الذين يَتَوَلَّونَهَا ويستقبلونها.
والثاني : أن أهل كل وجهةٍ الله تعالى هو الذي يوليهم إليها ويأمرهم باستقبالها، وقد قرئ ﴿ هُوَ مَوْلاها ﴾ وهذا حسن يدل على الثاني من القولين.
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه فسارعوا إلى الأعمال الصالحة، وهو قول عبد الرحمن بن زيد.
والثاني : معناه : لا تُغلَبوا على قبلتكم بما تقول اليهود من أنكم إذا اتبعتم قبلتهم اتبعوكم، وهذا قول قتادة.
﴿... يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ﴾ إلى الله مرجعكم جميعاً، يعني يوم القيامة.
﴿ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ يعني على إعادتكم إليه أحياء بعد الموت والبلى.
ثم أكد الله أمره في استقبال الكعبة، لما جرى من خوض المشركين ومساعدة المنافقين، بإعادته فقال :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ تبييناً لِنَبِيِّهِ وصرفاً له عن الاغترار بقول اليهود : أنهم يتبعونه إن عاد.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول ذلك ترغيباً لهم في الخير.
والثاني : تحذيراً من المخالفة.
ثم أعاد الله تعالى تأكيد أمره، ليخرج من قلوبهم ما استعظموه من تحويلهم إلى غير ما أَلِفُوه، فقال :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ فأفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجده :
أما الأمر الأول فمفيد لنسخ غيره، وأما الأمر الثاني فمفيد لأجل قوله تعالى :
﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ أنه لا يتعقبه نسخ.
وأما الأمر الثالث فمفيد أن لا حجة عليهم فيه، لقوله :﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمُ ﴾ ليس يريد أن لهم عليكم حجة. وفيه قولان :
أحدهما : أن المعنى، ولكن الذين ظلموا قد يحتجون عليكم بأباطيل الحجج، وقد ينطلق اسم الحجة على ما بطل منها، لإقامتها في التعلق بها مقام الصحيح حتى يظهر فسادها لمن علم، مع خفائها على من جهل، كما قال تعالى ﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ فَسَمَّاهَا حجة، وجعلها عند الله دَاحِضَةْ.
والقول الثاني : أن المعنى لِئَلاَّ يكون للناس عليكم حُجَّةٌ بعد الذين ظلموا، فتكون ( إلاّ ) بمعنى ( بعد ) ] كما قيل في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكَحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاءُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٢ ] أي بعدما قد سلف. وكما قيل في قوله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلاَّ المَوتَةَ الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] أي بعد الموتة الأولى. وأراد بالذين ظلموا قريشاً واليهود، لقول قريش حين استقبل الكعبة : قد علم أننا على هُدًى، ولقول اليهود : إن رَجَعَ عنها تابعناه.
﴿ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي ﴾ في المخالفة ﴿ وَلأُتِمَّ نِعْمَتي عَلَيْكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فيما هديناكم إليه من القبلة.
والثاني : ما أعددته لكم من ثواب الطاعة.
﴿ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يقول ذلك ترغيباً لهم في الخير.
والثاني : تحذيراً من المخالفة.
ثم أعاد الله تعالى تأكيد أمره، ليخرج من قلوبهم ما استعظموه من تحويلهم إلى غير ما أَلِفُوه، فقال :﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ فأفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجده :
أما الأمر الأول فمفيد لنسخ غيره، وأما الأمر الثاني فمفيد لأجل قوله تعالى :
﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ أنه لا يتعقبه نسخ.
وأما الأمر الثالث فمفيد أن لا حجة عليهم فيه، لقوله :﴿ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمُ ﴾ ليس يريد أن لهم عليكم حجة. وفيه قولان :
أحدهما : أن المعنى، ولكن الذين ظلموا قد يحتجون عليكم بأباطيل الحجج، وقد ينطلق اسم الحجة على ما بطل منها، لإقامتها في التعلق بها مقام الصحيح حتى يظهر فسادها لمن علم، مع خفائها على من جهل، كما قال تعالى ﴿ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ فَسَمَّاهَا حجة، وجعلها عند الله دَاحِضَةْ.
والقول الثاني : أن المعنى لِئَلاَّ يكون للناس عليكم حُجَّةٌ بعد الذين ظلموا، فتكون ( إلاّ ) بمعنى ( بعد ) ] كما قيل في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنكَحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاءُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٢ ] أي بعدما قد سلف. وكما قيل في قوله تعالى :﴿ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلاَّ المَوتَةَ الأولى ﴾ [ الدخان : ٥٦ ] أي بعد الموتة الأولى. وأراد بالذين ظلموا قريشاً واليهود، لقول قريش حين استقبل الكعبة : قد علم أننا على هُدًى، ولقول اليهود : إن رَجَعَ عنها تابعناه.
﴿ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي ﴾ في المخالفة ﴿ وَلأُتِمَّ نِعْمَتي عَلَيْكُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فيما هديناكم إليه من القبلة.
والثاني : ما أعددته لكم من ثواب الطاعة.
قوله تعالى :﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ ﴾ يعني من العرب ﴿ رَسُولاً مِّنكُمْ ﴾ يعني محمداً ﷺ ﴿ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَآيَاتِنَا ﴾ يعني القرآن.
﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني يطهركم من الشرك.
والثاني : أن يأمركم بما تصيرون به عند الله أزكياء.
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكَتَابَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : القرآن.
والثاني : الإخبار بما في الكتب السالفة من أخبار القرون الخالية.
﴿ وَالحِكْمَةَ ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : السنّة.
والثاني : مواعظ القرآن.
﴿ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ يعني من أحكام الدين وأمور الدنيا.
﴿ فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : اذكروني بالشكر أذكركم بالنعمة.
والثاني : اذكروني بالقبول أذكركم بالجزاء.
﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني يطهركم من الشرك.
والثاني : أن يأمركم بما تصيرون به عند الله أزكياء.
﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكَتَابَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : القرآن.
والثاني : الإخبار بما في الكتب السالفة من أخبار القرون الخالية.
﴿ وَالحِكْمَةَ ﴾ فيها تأويلان :
أحدهما : السنّة.
والثاني : مواعظ القرآن.
﴿ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ يعني من أحكام الدين وأمور الدنيا.
﴿ فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : اذكروني بالشكر أذكركم بالنعمة.
والثاني : اذكروني بالقبول أذكركم بالجزاء.
قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاَةِ ﴾ أما الصبر ها هنا ففيه قولان :
أحدهما : الثبات على أوامر الله تعالى.
والثاني : الصيام المقصود به وجه الله تعالى.
وأما الاستعانة بالصلاة فتحتمل وجهين :
أحدهما : الاستعانة بثوابها.
والثاني : الاستعانة بما يُتلى في الصلاة ليعرف به فضل الطاعة فيكون عوناً على امتثال الأوامر.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ وسبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وأُحُد : مات فلان، ومات فلان، فنزلت الآية وفيها تأويلان :
أحدهما : أنهم ليسوا أمواتاً وإن كانت أجسامهم أجسام الموتى بل هم عند الله أحياء النفوس منعّمو الأجسام.
والثاني : أنهم ليسوا بالضلال أمواتاً بل هم بالطاعة والهدى أحياء، كما قال تعالى :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ] فجعل الضالَّ ميتاً، والمُهْتَدي حياً.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أنهم ليسوا أمواتاً بانقطاع الذكر عند الله وثبوت الأجر.
أحدهما : الثبات على أوامر الله تعالى.
والثاني : الصيام المقصود به وجه الله تعالى.
وأما الاستعانة بالصلاة فتحتمل وجهين :
أحدهما : الاستعانة بثوابها.
والثاني : الاستعانة بما يُتلى في الصلاة ليعرف به فضل الطاعة فيكون عوناً على امتثال الأوامر.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ﴾ وسبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وأُحُد : مات فلان، ومات فلان، فنزلت الآية وفيها تأويلان :
أحدهما : أنهم ليسوا أمواتاً وإن كانت أجسامهم أجسام الموتى بل هم عند الله أحياء النفوس منعّمو الأجسام.
والثاني : أنهم ليسوا بالضلال أمواتاً بل هم بالطاعة والهدى أحياء، كما قال تعالى :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ] فجعل الضالَّ ميتاً، والمُهْتَدي حياً.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً : أنهم ليسوا أمواتاً بانقطاع الذكر عند الله وثبوت الأجر.
قوله تعالى :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم ﴾ يعني أهل مكة، لما تقدم من دعاء النبي ﷺ أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسفَ حين قحطوا سبع سنين، فقال الله تعالى مجيباً لدعاء نبيه :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالجُوعِ ﴾ الخوف يعني الفزع في القتال، والجوع يعني المجاعة بالجدب.
﴿ وَنَقْصٍ مِّنَ الأمَوَالِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : نقصها بالجوائح المتلفة.
والثاني : زيادة النفقة في الجدب.
﴿ وَالأَنفُسِ ﴾ يعني ونقص الأنفس بالقتل والموت. ﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ قلة النبات وارتفاع البركات.
﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر.
والثاني : وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء.
والثالث : وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد :
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ يعني : إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا : إنا لله : أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا ﴿ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء.
ثم قال تعالى في هؤلاء :﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ الصلاة اسم مشترك المعنى فهي من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً ﴾. وقال الشاعر :
قوله تعالى :﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ أي رحمة، وذكر ذلك بلفظ الجمع لأن بعضها يتلو بعضاً.
ثم قال :﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ فأعادها مع اختلافها للفظين لأنه أوكد وأبلغ كما قال :﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾.
وفي قوله تعالى :﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ وجهان محتملان :
أحدهما : المهتدون إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
والثاني : المهتدون إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر.
﴿ وَنَقْصٍ مِّنَ الأمَوَالِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : نقصها بالجوائح المتلفة.
والثاني : زيادة النفقة في الجدب.
﴿ وَالأَنفُسِ ﴾ يعني ونقص الأنفس بالقتل والموت. ﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ قلة النبات وارتفاع البركات.
﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : وبشر الصابرين على الجهاد بالنصر.
والثاني : وبشر الصابرين على الطاعة بالجزاء.
والثالث : وبشر الصابرين على المصائب بالثواب، وهو أشبه لقوله من بعد :
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا : إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ يعني : إذا أصابتهم مصيبة في نفس أو أهل أو مال قالوا : إنا لله : أي نفوسنا وأهلونا وأموالنا لله، لا يظلمنا فيما يصنعه بنا ﴿ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ يعني بالبعث في ثواب المحسن ومعاقبة المسيء.
ثم قال تعالى في هؤلاء :﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ الصلاة اسم مشترك المعنى فهي من الله تعالى الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً ﴾. وقال الشاعر :
صلّى على يحيى وأشياعه | رَبٌّ كريمٌ وشفيع مطاع |
ثم قال :﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ فأعادها مع اختلافها للفظين لأنه أوكد وأبلغ كما قال :﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾.
وفي قوله تعالى :﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ وجهان محتملان :
أحدهما : المهتدون إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
والثاني : المهتدون إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ ﴾ أما الصفا والمروة فهما مبتدأ السعي ومنتهاه. وفيه قولان :
أحدهما : أن الصفا : الحجارة البيض، والمروة الحجارة السود. واشتقاق الصفا من قولهم صفا يصفو إذا خَلَص، وهو جمع واحده صفاة.
والثاني : أن الصفا : الحجارة الصلبة التي لا تنبت شيئاً، والمروة الحجارة الرخوة، وهذا أظهر القولين في اللغة. يدل على الصفا قول الطرماح :
ويدل على المروة قول الكميت :
وحُكِيَ عن جعفر بن محمد قال : نزل آدم على الصفا، وحواء على المروة، فَسُمِّي الصفا باسم آدم المصطفى وسميت المروة باسم المرأة.
وقيل إن اسم الصفا ذكّر بإساف وهو صنم كان عليه مذكر الاسم، وأنثت المروة بنائلة وهو صنم كان عليه مؤنث الاسم.
وفي قوله :﴿ مِن شَعَائِرِ اللهِ ﴾ وجهان :
أحدهما : يعني من معالم الله التي جعلها لعباده معلماً، ومنه قول الكميت :
والثاني : إن الشعائر جمع شعيرة وهو الخبر الذي أخبر الله تعالى عنه، وهي من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة وما عليهم من الطواف بهما، وهذا قول مجاهد.
ثم قال تعالى :﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ﴾ أما الحج ففيه قولان :
أحدهما : أنه القصد، سمي به النسك لأن البيت مقصود فيه، ومنه قول الشاعر :
يعني بقوله يحجون أي يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته، فسمي الحج حجاً لأن الحاج يأتي قِبَلَ البيت ثم يعود إليه لطواف الإفاضة، ثم ينصرف إلى منى ويعود إليه لطواف الصدر، فلتكرر العَوْد إليه مرة بعد أخرى قيل له : حاجّ.
وأما العمرة ففيها قولان :
أحدهما : أنها القصد أيضاً، وكل قاصد لشيء فهو معتمر، قال العجاج :
يعني بقوله حين اعتمر أي حين قصد.
والقول الثاني : أنها الزيارة ومنه قول الشاعر :
أي زائراً.
ثم قال تعالى :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ ورفع الجناح من أحكام المباحث دون الواجبات.
فذهب أبو حنيفة على أنّ السعي بين الصفا والمروة غير واجب في الحج والعمرة منسكاً بأمرين :
أحدهما : قوله تعالى :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ ورفع الجناح من أحكام المباحات دون الواجبات.
والثاني : أن ابن عباس وابن مسعود قَرَء :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.
وذهب الشافعي، ومالك، وفقهاء الحرمين، إلى وجوب السعي في النسكين تمسكاً بفحوى الخطاب ونص السنة، وليس في قوله :﴿ فَلاَ جُنَاحَ ﴾ دليل على إباحته دون وجوبه، لخروجه على سبب، وهو أن الصفا كان عليه في الجاهلية صنم اسمه إساف، وعلى المروة صنم اسمه نائلة، فكانت الجاهلية إذا سعت بين الصفا والمروة طافوا حول الصفا والمروة تعظيماً لإساف ونائلة، فلما جاء الإسلام وألغيت الأصنام تَكَرَّهَ المسلمون أن يُوَافِقُوا الجاهلية في الطواف حول الصفا والمروة، مجانبةً لما كانوا عليه من تعظيم إساف ونائلة، فأباح الله تعالى ذلك لهم في الإسلام لاختلاف القصد فقال :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾. وأما قراءة ابن مسعود، وابن عباس :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، فلا حجة فيها على سقوط فرض السعي بينهما لأن ( لا ) صلة في الكلام إذا تقدمها جَحْد، كقوله تعالى :
أحدهما : أن الصفا : الحجارة البيض، والمروة الحجارة السود. واشتقاق الصفا من قولهم صفا يصفو إذا خَلَص، وهو جمع واحده صفاة.
والثاني : أن الصفا : الحجارة الصلبة التي لا تنبت شيئاً، والمروة الحجارة الرخوة، وهذا أظهر القولين في اللغة. يدل على الصفا قول الطرماح :
أبت لي قوتي والطول إلاّ | يؤيسَ حافراً أبداً صفاتي |
ويُوَلّي الأرضَ خفاً ذابلاً | فإذا ما صادف المَرْوَ رضخ |
وقيل إن اسم الصفا ذكّر بإساف وهو صنم كان عليه مذكر الاسم، وأنثت المروة بنائلة وهو صنم كان عليه مؤنث الاسم.
وفي قوله :﴿ مِن شَعَائِرِ اللهِ ﴾ وجهان :
أحدهما : يعني من معالم الله التي جعلها لعباده معلماً، ومنه قول الكميت :
نقتّلهم جيلاً فجيلاً تراهُمُ | شعائر قربان بها يُتَقَرَّبُ |
ثم قال تعالى :﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ﴾ أما الحج ففيه قولان :
أحدهما : أنه القصد، سمي به النسك لأن البيت مقصود فيه، ومنه قول الشاعر :
وأشهد من عوف حلولاً كثيرة | يحجون سب الزبرقان المزعفرا |
وأما العمرة ففيها قولان :
أحدهما : أنها القصد أيضاً، وكل قاصد لشيء فهو معتمر، قال العجاج :
لقد غزا ابن معمر حين اعتمر | مَغْزىً بعيداً من بعيد وصَبَر |
والقول الثاني : أنها الزيارة ومنه قول الشاعر :
وجاشت النفسُ لمَّا جاءَ فَلُّهم | وراكب جاءَ من ( تثليث ) معتمرا |
ثم قال تعالى :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ ورفع الجناح من أحكام المباحث دون الواجبات.
فذهب أبو حنيفة على أنّ السعي بين الصفا والمروة غير واجب في الحج والعمرة منسكاً بأمرين :
أحدهما : قوله تعالى :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ ورفع الجناح من أحكام المباحات دون الواجبات.
والثاني : أن ابن عباس وابن مسعود قَرَء :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾.
وذهب الشافعي، ومالك، وفقهاء الحرمين، إلى وجوب السعي في النسكين تمسكاً بفحوى الخطاب ونص السنة، وليس في قوله :﴿ فَلاَ جُنَاحَ ﴾ دليل على إباحته دون وجوبه، لخروجه على سبب، وهو أن الصفا كان عليه في الجاهلية صنم اسمه إساف، وعلى المروة صنم اسمه نائلة، فكانت الجاهلية إذا سعت بين الصفا والمروة طافوا حول الصفا والمروة تعظيماً لإساف ونائلة، فلما جاء الإسلام وألغيت الأصنام تَكَرَّهَ المسلمون أن يُوَافِقُوا الجاهلية في الطواف حول الصفا والمروة، مجانبةً لما كانوا عليه من تعظيم إساف ونائلة، فأباح الله تعالى ذلك لهم في الإسلام لاختلاف القصد فقال :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾. وأما قراءة ابن مسعود، وابن عباس :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لاَّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، فلا حجة فيها على سقوط فرض السعي بينهما لأن ( لا ) صلة في الكلام إذا تقدمها جَحْد، كقوله تعالى :
111
﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] بمعنى ما منعك أن تسجد، وكما قال الشاعر :
﴿ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ومن تطوع بالسعي بين الصفا والمروة، وهذا قول مَنْ أسقط وجوب السعي.
والثاني : ومن تطوع بالزيادة على الواجب، وهذا قول من أوجب السعي.
والثالث : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد أداء فرضهما.
﴿ فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ يحتمل تأويلين :
أحدهما : شاكر للعمل عليم بالقصد.
والثاني : شاكر للقليل عليم بالثواب.
ما كان يرضى رسول الله فعلهم | والطيبان أبو بكر ولا عُمَرُ |
أحدها : ومن تطوع بالسعي بين الصفا والمروة، وهذا قول مَنْ أسقط وجوب السعي.
والثاني : ومن تطوع بالزيادة على الواجب، وهذا قول من أوجب السعي.
والثالث : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد أداء فرضهما.
﴿ فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ يحتمل تأويلين :
أحدهما : شاكر للعمل عليم بالقصد.
والثاني : شاكر للقليل عليم بالثواب.
112
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا ﴾ قيل : هم رؤساء اليهود، كعب ابن الأشرف، وكعب بن أسد، وابن صوريا، وزيد بن التابوت، هم الذين كتموا ما أنزل الله.
﴿ مَنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة محمد ﷺ، والهدى : الأمر باتباعه.
والثاني : أن البينات والهدى واحد، والجمع بينهما تأكيد، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه.
﴿ مَنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن.
﴿ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ فيهم أربعة أقوال :
أحدها : أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن، وهذا قول ابن عباس والبراء بن عازب.
والثاني : اللاعنون : الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : أنهم البهائم، إذا يبست الأرض قالت البهائم هذا من أجل عُصاةِ بني آدم، وهذا قول مجاهد وعكرمة.
والرابع : أنهم المؤمنون من الإنس والجن، والملائكة يَلعنون مَنْ كَفَر بالله واليوم الآخر، وهذا قول الربيع بن أنس.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ﴾ يعني بالإسلام من كفرهم ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إصلاح سرائرهم وأعمالهم.
والثاني : أصلحوا قومهم بإرشادهم إلى الإسلام ﴿ وَبَيَّنُوا ﴾ يعني ما في التوراة من نبوة محمد ﷺ ووجوب اتَباعه ﴿ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم ﴾ والتوبة من العباد : الرجوع عن الذنب، والتوبة من الله تعالى : قبولها من عباده.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ وإنما شرط الموت على الكفر لأن حُكْمَهُ يستقر بالموت عليه ويرتفع بالتوبة منه. ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ ﴾ واللعنة من العباد : الطرد، ومن الله تعالى : العذاب. ﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ وقرأ الحسن البصري :﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعُونَ ﴾ بالرفع، وتأويلها : أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون.
فإن قيل : فليس يلعنهم جميع الناس لأن قومهم لا يلعنونهم، قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس، فغلب حكم الأكثر على الأقل.
والثاني : أن المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس كما قال تعالى :﴿ يَومَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضِ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ].
ثم قال تعالى :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا يخفف بالتقليل والاستراحة.
والثاني : لا يخفف بالصبر عليه والاحتمال له.
﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يؤخرون عنه ولا يمهلون.
والثاني : لا ينظر الله تعالى إليهم فيرحمهم.
﴿ مَنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن البينات هي الحجج الدالة على نبوة محمد ﷺ، والهدى : الأمر باتباعه.
والثاني : أن البينات والهدى واحد، والجمع بينهما تأكيد، وذلك ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه.
﴿ مَنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن.
﴿ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ﴾ فيهم أربعة أقوال :
أحدها : أنهم كل شيء في الأرض من حيوان وجماد إلا الثقلين الإنس والجن، وهذا قول ابن عباس والبراء بن عازب.
والثاني : اللاعنون : الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة مستحقها منهما، فإن لم يستحقها واحد منهما رجعت اللعنة على اليهود، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث : أنهم البهائم، إذا يبست الأرض قالت البهائم هذا من أجل عُصاةِ بني آدم، وهذا قول مجاهد وعكرمة.
والرابع : أنهم المؤمنون من الإنس والجن، والملائكة يَلعنون مَنْ كَفَر بالله واليوم الآخر، وهذا قول الربيع بن أنس.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ﴾ يعني بالإسلام من كفرهم ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إصلاح سرائرهم وأعمالهم.
والثاني : أصلحوا قومهم بإرشادهم إلى الإسلام ﴿ وَبَيَّنُوا ﴾ يعني ما في التوراة من نبوة محمد ﷺ ووجوب اتَباعه ﴿ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم ﴾ والتوبة من العباد : الرجوع عن الذنب، والتوبة من الله تعالى : قبولها من عباده.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ وإنما شرط الموت على الكفر لأن حُكْمَهُ يستقر بالموت عليه ويرتفع بالتوبة منه. ﴿ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ ﴾ واللعنة من العباد : الطرد، ومن الله تعالى : العذاب. ﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ وقرأ الحسن البصري :﴿ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعُونَ ﴾ بالرفع، وتأويلها : أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله وتلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون.
فإن قيل : فليس يلعنهم جميع الناس لأن قومهم لا يلعنونهم، قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة جميع الناس، فغلب حكم الأكثر على الأقل.
والثاني : أن المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس كما قال تعالى :﴿ يَومَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضِ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ].
ثم قال تعالى :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : لا يخفف بالتقليل والاستراحة.
والثاني : لا يخفف بالصبر عليه والاحتمال له.
﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يؤخرون عنه ولا يمهلون.
والثاني : لا ينظر الله تعالى إليهم فيرحمهم.
قوله تعالى :﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ أراد بذلك أمرين :
أحدهما : أن إله جميع الخلق واحد، لا كما ذهبت إليه عبدة الأصنام من العرب وغيرهم أن لكل قوم إلَهاً غير إله من سواهم.
والثاني : أن الإله وإنْ كان إلهاً لجميع الخلق فهو واحد لا ثاني له ولا مثل له. ثم أكد ذلك بقوله تعالى :﴿ لآَّ إِلّهَ إِلاَّ هُوَ ﴾، ثم وصف فقال :﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ ترغيباً في عبادته وحثاً على طاعته.
أحدهما : أن إله جميع الخلق واحد، لا كما ذهبت إليه عبدة الأصنام من العرب وغيرهم أن لكل قوم إلَهاً غير إله من سواهم.
والثاني : أن الإله وإنْ كان إلهاً لجميع الخلق فهو واحد لا ثاني له ولا مثل له. ثم أكد ذلك بقوله تعالى :﴿ لآَّ إِلّهَ إِلاَّ هُوَ ﴾، ثم وصف فقال :﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ ترغيباً في عبادته وحثاً على طاعته.
ثم دل على ما ذكرهم من وحدانيته وقدرته، بقوله تعالى :﴿ إِنَّ في خَلْقِ السَّمواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ :
فآية السماء : ارتفاعها بغير عمد من تحتها ولا علائق من فوقها، ثم ما فيها من الشمس والقمر والنجوم السائرة.
وآية الأرض : بحارها، وأنهارها، ومعادنها، وشجرها، وسهلها، وجبلها.
وآية الليل والنهار : اختلافها بإقبال أحدهما وإدبار الآخر، فيقبل الليل من حيث لا يعلم، ويدبر النهار إلى حيث لا يعلم، فهذا اختلافهما.
ثم قال :﴿ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْرِي في الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ﴾ الفلك : السفن، الواحدُ والجمع بلفظ واحد، وقد يذكر ويؤنث. والآية فيها : من وجهين :
أحدهما : استقلالها لحملها. والثاني : بلوغها إلى مقصدها.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ ﴾ يعني به المطر المنزل منها، يأتي غالباً عند الحاجة، وينقطع عند الاستغناء عنه، وذلك من آياته. ثم قال تعالى :﴿ فَأَحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وإحياؤها بذلك قد يكون من وجهين :
أحدهما : ما تجري به أنهارها وعيونها.
والثاني : ما ينبت به من أشجارها وزروعها، وكلا هذين سبب لحياة الخلق من ناطق وبُهْم.
ثم قال تعالى :﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾ يعني جميع الحيوان الذي أنشأه فيها، سماه ( دابة ) لدبيبه عليها، والآية فيها مع ظهور القدرة على إنشائها من ثلاثة أوجه :
أحدها : تباين خلقها.
والثاني : اختلاف معانيها.
والثالث : إلهامها وجوه مصالحها.
ثم قال تعالى :﴿ وَتَصْرِيفَ الرِّيَاحِ ﴾ والآية فيها من وجهين :
أحدهما : اختلاف هبوبها في انتقال الشمال جنوبها، والصبا دبوراً، فلا يعلم لانتقالها سبب، ولا لانصرافها جهة.
والثاني : ما جعله في اختلافها من إنعام ينفع، وانتقام يؤذي.
وقد روى سعيد بن جبير عن شريح قال : ما هاجت ريح قط إلا لسُقْمِ صحيح أو لشفاء سقيم والرياح جمع ريح وأصلها أرواح. وحكى أبو معاذ أنه كان في مصحف حفصة :﴿ وَتَصْرِيفِ الأرْوَاحِ ﴾.
وقال ابن عباس : سميت الريح لأنها تريح ساعة بعد ساعة. قال ذو الرمة :
ثم قال تعالى :﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ المسخر : المذلل، والآية فيه من ثلاثة أوجه :
أحدها : ابتداء نشوئه وانتهاء تلاشيه.
والثاني : ثبوته بين السماء والأرض من غير عَمَد ولا علائق.
والثالث : تسخيره وإرساله إلى حيث يشاء الله تعالى.
وهذه الآية قد جمعت من آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ما صار لذوي العقول مرشداً وإلى الحق قائداً. فلم يقتصر الله بنا على مجرد الإخبار حتى قرنه بالنظر والاعتبار.
فآية السماء : ارتفاعها بغير عمد من تحتها ولا علائق من فوقها، ثم ما فيها من الشمس والقمر والنجوم السائرة.
وآية الأرض : بحارها، وأنهارها، ومعادنها، وشجرها، وسهلها، وجبلها.
وآية الليل والنهار : اختلافها بإقبال أحدهما وإدبار الآخر، فيقبل الليل من حيث لا يعلم، ويدبر النهار إلى حيث لا يعلم، فهذا اختلافهما.
ثم قال :﴿ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْرِي في الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ﴾ الفلك : السفن، الواحدُ والجمع بلفظ واحد، وقد يذكر ويؤنث. والآية فيها : من وجهين :
أحدهما : استقلالها لحملها. والثاني : بلوغها إلى مقصدها.
ثم قال تعالى :﴿ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ ﴾ يعني به المطر المنزل منها، يأتي غالباً عند الحاجة، وينقطع عند الاستغناء عنه، وذلك من آياته. ثم قال تعالى :﴿ فَأَحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وإحياؤها بذلك قد يكون من وجهين :
أحدهما : ما تجري به أنهارها وعيونها.
والثاني : ما ينبت به من أشجارها وزروعها، وكلا هذين سبب لحياة الخلق من ناطق وبُهْم.
ثم قال تعالى :﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾ يعني جميع الحيوان الذي أنشأه فيها، سماه ( دابة ) لدبيبه عليها، والآية فيها مع ظهور القدرة على إنشائها من ثلاثة أوجه :
أحدها : تباين خلقها.
والثاني : اختلاف معانيها.
والثالث : إلهامها وجوه مصالحها.
ثم قال تعالى :﴿ وَتَصْرِيفَ الرِّيَاحِ ﴾ والآية فيها من وجهين :
أحدهما : اختلاف هبوبها في انتقال الشمال جنوبها، والصبا دبوراً، فلا يعلم لانتقالها سبب، ولا لانصرافها جهة.
والثاني : ما جعله في اختلافها من إنعام ينفع، وانتقام يؤذي.
وقد روى سعيد بن جبير عن شريح قال : ما هاجت ريح قط إلا لسُقْمِ صحيح أو لشفاء سقيم والرياح جمع ريح وأصلها أرواح. وحكى أبو معاذ أنه كان في مصحف حفصة :﴿ وَتَصْرِيفِ الأرْوَاحِ ﴾.
وقال ابن عباس : سميت الريح لأنها تريح ساعة بعد ساعة. قال ذو الرمة :
إذا هبت الأرواح من نحو جانب | به آل مَيٍّ هاج شوقي هبوبها |
أحدها : ابتداء نشوئه وانتهاء تلاشيه.
والثاني : ثبوته بين السماء والأرض من غير عَمَد ولا علائق.
والثالث : تسخيره وإرساله إلى حيث يشاء الله تعالى.
وهذه الآية قد جمعت من آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ما صار لذوي العقول مرشداً وإلى الحق قائداً. فلم يقتصر الله بنا على مجرد الإخبار حتى قرنه بالنظر والاعتبار.
ثم أخبر أن مع هذه الآيات الباهرة لذوي العقول ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً ﴾ والأنداد الأمثال، واحدها ند، والمراد به الأصنام التي كانوا يتخذونها آلهة يعبدونها كعبادة الله تعالى مع عجزها عن قدرة الله في آياته الدالة على وحدانيته.
ثم قال تعالى :﴿ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ﴾ يعني أنهم مع عجز الأصنام يحبونهم كحب الله مع قدرته.
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾ يعني من حب أهل الأوثان لأوثانهم، ومعناه أن المخلصين لله تعالى هم المحبون حقاً.
قوله تعالى :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أن الذين اتبعوا هم السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر، وهذا قول عطاء.
والثاني : أنهم الشياطين تبرؤوا من الإنس، وهذا قول السدي.
﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ يعني به المتبوعين والتابعين. وفي رؤيتهم للعذاب وجهان محتملان :
أحدهما : تيقنهم له عند المعاينة في الدنيا.
والثاني : أن الأمر بعذابهم عند العرض والمساءلة في الآخرة.
﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أن الأسباب تواصلهم في الدنيا، وهو قول مجاهد وقتادة.
والثاني : المنازل التي كانت لهم في الدنيا، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنها الأرحام، وهو رواية ابن جريج عن ابن عباس.
والرابع : أنها الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا، وهو قول السدي.
والخامس : أنها العهود والحلف الذي كان بينهم في الدنيا.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مَنْهُم كَمَا تَبَرَّءُوا مَنَّا ﴾ يريد بذلك أن الأتباع قالوا للمتبوعين لو أن لنا كرة أي رجعة إلى الدنيا فنتبرأ منكم فيها كما تبرأتم منا في الآخرة.
﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَلَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ يريد المتبوعين والأتباع، والحسرة شدة الندامة على محزون فائت.
وفي ﴿ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ وجهان :
أحدهما : برهم الذي حبط بكفرهم، لأن الكافر لا يثاب مع كفره.
والثاني : ما نقصت به أعمارهم في أعمال المعاصي أن لا تكون مصروفة إلى طاعة الله.
﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ يريد به أمرين :
أحدهما : فوات الرجعة.
والثاني : خلودهم في النار.
ثم قال تعالى :﴿ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ﴾ يعني أنهم مع عجز الأصنام يحبونهم كحب الله مع قدرته.
﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾ يعني من حب أهل الأوثان لأوثانهم، ومعناه أن المخلصين لله تعالى هم المحبون حقاً.
قوله تعالى :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أن الذين اتبعوا هم السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر، وهذا قول عطاء.
والثاني : أنهم الشياطين تبرؤوا من الإنس، وهذا قول السدي.
﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ يعني به المتبوعين والتابعين. وفي رؤيتهم للعذاب وجهان محتملان :
أحدهما : تيقنهم له عند المعاينة في الدنيا.
والثاني : أن الأمر بعذابهم عند العرض والمساءلة في الآخرة.
﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أن الأسباب تواصلهم في الدنيا، وهو قول مجاهد وقتادة.
والثاني : المنازل التي كانت لهم في الدنيا، وهو قول ابن عباس.
والثالث : أنها الأرحام، وهو رواية ابن جريج عن ابن عباس.
والرابع : أنها الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا، وهو قول السدي.
والخامس : أنها العهود والحلف الذي كان بينهم في الدنيا.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مَنْهُم كَمَا تَبَرَّءُوا مَنَّا ﴾ يريد بذلك أن الأتباع قالوا للمتبوعين لو أن لنا كرة أي رجعة إلى الدنيا فنتبرأ منكم فيها كما تبرأتم منا في الآخرة.
﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَلَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ يريد المتبوعين والأتباع، والحسرة شدة الندامة على محزون فائت.
وفي ﴿ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ﴾ وجهان :
أحدهما : برهم الذي حبط بكفرهم، لأن الكافر لا يثاب مع كفره.
والثاني : ما نقصت به أعمارهم في أعمال المعاصي أن لا تكون مصروفة إلى طاعة الله.
﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ يريد به أمرين :
أحدهما : فوات الرجعة.
والثاني : خلودهم في النار.
قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا في الأَرْضِ حَلَلاً طَيِّباً ﴾ قيل إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام والزرع، فأباح لهم الله تعالى أكله وجعله لهم حلالاً طيباً.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ وهي جمع خطوة، واختلف أهل التفسير في المراد بها على أربعة أقاويل :
أحدها : أن خطوات الشيطان أعماله، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنها خطاياه وهو قول مجاهد.
والثالث : أنها طاعته، وهو قول السدي.
والرابع : أنها النذور في المعاصي.
﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهر العداوة.
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالفَحْشَآءِ ﴾ قال السدي : السوء في هذا الموضع معاصي الله، سميت سوءاً لأنها تسوء صاحبها بسوء عواقبها.
وفي الفحشاء ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : الزنى.
والثاني : المعاصي.
والثالث : كل ما فيه الحد، سمي بذلك لفحش فعله وقبح مسموعه.
﴿ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرمه الله عليكم.
والثاني : أن تجعلوا له شريكاً.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ وهي جمع خطوة، واختلف أهل التفسير في المراد بها على أربعة أقاويل :
أحدها : أن خطوات الشيطان أعماله، وهو قول ابن عباس.
والثاني : أنها خطاياه وهو قول مجاهد.
والثالث : أنها طاعته، وهو قول السدي.
والرابع : أنها النذور في المعاصي.
﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي ظاهر العداوة.
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالفَحْشَآءِ ﴾ قال السدي : السوء في هذا الموضع معاصي الله، سميت سوءاً لأنها تسوء صاحبها بسوء عواقبها.
وفي الفحشاء ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : الزنى.
والثاني : المعاصي.
والثالث : كل ما فيه الحد، سمي بذلك لفحش فعله وقبح مسموعه.
﴿ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن تحرموا على أنفسكم ما لم يحرمه الله عليكم.
والثاني : أن تجعلوا له شريكاً.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتٌّبِعُوا مَا أَنَزَلَ اللهُ ﴾ يعني في تحليل ما حرموه من الأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام ﴿ قَالُوا : بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا ﴾ يعني في تحريم ذلك عليهم.
قوله تعالى :﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن مثل الكافر فيما يوعظ به مثل البهيمة التي ينعق بها تسمع الصوت ولا تفهم معناه، وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
والثاني : مثل الكافر في دعاء آلهته التي يعبدها من دون الله كمثل راعي البهيمة يسمع صوتها ولا يفهمه، وهذا قول ابن زيد.
﴿ صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ أي صم عن الوعظ فلا يسمعونه، بكم عن الحق فلا يذكرونه، عمي عن الرشد فلا يبصرونه فهم لا يعقلونه، لأنهم إذا لم يعملوا بما يسمعونه ويقولونه ويبصرونه كانوا بمثابة من فقد السمع والنطق والبصر. والعرب تقول لمن سمع ما لا يعمل به : أصم. قال الشاعر :
قوله تعالى :﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن مثل الكافر فيما يوعظ به مثل البهيمة التي ينعق بها تسمع الصوت ولا تفهم معناه، وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
والثاني : مثل الكافر في دعاء آلهته التي يعبدها من دون الله كمثل راعي البهيمة يسمع صوتها ولا يفهمه، وهذا قول ابن زيد.
﴿ صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ أي صم عن الوعظ فلا يسمعونه، بكم عن الحق فلا يذكرونه، عمي عن الرشد فلا يبصرونه فهم لا يعقلونه، لأنهم إذا لم يعملوا بما يسمعونه ويقولونه ويبصرونه كانوا بمثابة من فقد السمع والنطق والبصر. والعرب تقول لمن سمع ما لا يعمل به : أصم. قال الشاعر :