تفسير سورة البقرة

تفسير التستري
تفسير سورة سورة البقرة من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها البقرة
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
قال سهل: الم [١] اسم الله عزَّ وجلَّ فيه معان وصفات يعرفها أهل الفهم به، غير أن لأهل الظاهر فيه معاني كثيرة «١»، فأما هذه الحروف إذا انفردت، فالألف تأليف الله عزَّ وجلَّ ألف الأشياء كما شاء، واللام لطفه القديم، والميم مجده العظيم «٢». قال سهل: لكل كتاب أنزله الله تعالى سر، وسر القرآن فواتح السور «٣»، لأنها أسماء وصفات، مثل قوله: «المص، الر، المر، كهيعص، طسم، حمسق» فإذا جمعت هذه الحروف بعضها إلى بعض كانت اسم الله الأعظم، أي إذا أخذ من كل سورة حرف على الولاء، أي على ما أنزلت السورة وما بعدها على النسق: «الر» و «حم» و «نون» معناه الرحمن «٤». وقال ابن عباس والضحاك: «الم» معناه:
أنا الله أعلم «٥». وقال علي رضي الله عنه: هذه أسماء مقطعة، إذا أخذ من كل حرف حرف لا يشبه صاحبه فجمعن كان اسماً من أسماء الرحمن إذا عرفوه ودعوا به كان الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. وقال سهل: الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ [١- ٢] الألف الله، واللام العبد، والميم محمد صلّى الله عليه وسلّم كي يتصل العبد بمولاه من مكان توحيده واقتدائه بنبيه. وقال سهل: بلغني عن ابن عباس أنه قال: أقسم الله تعالى أن هذا الكتاب الذي أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم هو الكتاب الذي هو من عند الله تعالى فقال: الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ الألف الله، واللام جبريل عليه السلام، والميم محمد صلّى الله عليه وسلّم، فأقسم الله تعالى بنفسه وجبريل ومحمد عليهما السلام «٦». وقال: إن الله تعالى اشتق من اسمه الأعظم الألف واللام والهاء «٧»، فقال: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص: ٣٠] واشتق لهم اسماً من أسمائه فجعله اسم نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وآخر من اسم نبيه آدم عليه السلام فقال:
(١) انظر تفسير أسرار الفواتح بحروف التهجي في البرهان ١/ ١٦٥- ١٧٨ والإتقان ٣/ ٢٤- ٣٤.
(٢) البرهان ١/ ١٧٣. [.....]
(٣) هذا قول الشعبي في الإتقان ٣/ ٢٤ وللصديق في البرهان ١/ ١٧٣، ١٧٤.
(٤) الإتقان ٣/ ٢٤ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ١/ ٥٦.
(٥) الإتقان ٣/ ٢٤ والبرهان ١/ ١٧٤ ومعاني القرآن وإعرابه ١/ ٥٦، ٦٢.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ١/ ٥٦.
(٧) تفسير القرطبي ١/ ١٠٢ وسفر السعادة ص ١٣٤.
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لاَ مَوْلى لَهُمْ [محمد: ١١] إلاَّ الطاغوت أي الشيطان.
ومعنى: لاَ رَيْبَ فِيهِ [٢] أي لا شك فيه. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [٢] أي بياناً للمتقين، والمتقون هم الذين تبرؤوا من دعوى الحول والقوة دون الله تعالى، رجعوا إلى اللجا والافتقار إلى حول الله وقوته في جميع أحوالهم، فأعانهم الله ورزقهم من حيث لا يحتسبون، وجعل لهم فرجاً ومخرجاً مما ابتلاهم الله به. قال سهل: حول الله وقوته فعله، وفعله بعلمه، وعلمه من صفات ذاته. وحول العبد وقوته دعواه الساعة وإلى الساعة، والساعة لا يملكها إلاَّ الله تعالى، فالمتقون الذين يؤمنون بالغيب فالله هو الغيب ودينه الغيب، فأمرهم الله عزَّ وجلَّ أن يؤمنوا بالغيب وأن يتبرؤوا عن الحول والقوة فيما أمروا به ونهوا عنه اعتقاداً وقولاً وفعلاً ويقولوا لا حول لنا عن معصيتك إلا بعصمتك، ولا قوة لنا على طاعتك إلاَّ بمعونتك، إشفاقاً منه عليهم، ونظراً لهم من أن يدعوا الحول والقوة والاستطاعة كما ادعاها من سبقت له الشقاوة، فلما عاينوا العذاب تبرؤوا من ذلك، فلم ينفعهم تبرؤهم حين عاينوا العذاب، وقد أخبر الله عمن هذا وصفهم في قوله: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ [غافر: ٨٥] أي دعواهم، لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: ٨٥] فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ [الأعراف: ٥] وكما ادعى الحول والقوة والاستطاعة فرعون وقال: متى شئت إني أؤمن، فلما آمن لم يقبل منه، قال الله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ [يونس: ٩١].
قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [٣] قال سهل: إن الله تعالى وصف بذلك من جبله بجبلّةٍ متعلقاً بسبب من سببه غير منفك عن مراقبته، وهم الذين لم يختاروا قط اختياراً، ولا أرادوا شيئاً دونه، ولا اختياراً دون اختياره لهم كما اختاره لهم، ولا أرادوا شيئاً منسوباً يغنيهم عنه، ومن غيره هم مبرؤون. قال أبو بكر: قيل لسهل: لقد آتاك الله الحكمة، فقال: قد أوتيت، إن شاء الله، الحكمة، وغيباً علمت من غيب سره، فأغناني عن علم ما سواه. وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] وبإتمام ما بدأني به من فضله وإحسانه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٥]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
قوله عزَّ وجلَّ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [٥] أي بيان من ربهم بنور هدايته القلوب مشاهدة له، وسكوناً إليه من نوره الذي أفردهم به في سابق علمه، فلا ينطقون إلاَّ بالهدى، ولا يبصرون إلاَّ إلى الهدى، فالذين به اهتدوا غير مفارق لهم، فكانوا بذلك مشاهدين لأنهم غير غائبين عنه، ولو سئلوا عنه أخبروا، ولو أرادوا لسبقت الأشياء إرادتهم، فهم المفلحون، وهم المرشدون إلى الهدى والفلاح بهدايته لهم، والباقون في الجنة مع بقاء الحق عزَّ وجلَّ. قال سهل: ولقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى
داود عليه السلام: يا داود، انظر لا أفوتك أنا، فيفوتك كل شيء، فإني خلقت محمدا صلّى الله عليه وسلّم لأجلي، وخلقت آدم عليه السلام لأجله، وخلقت عبادي المؤمنين لعبادتي، وخلقت الأشياء لأجل ابن آدم، فإذا اشتغل بما خلقته من أجله حجبته عما خلقته من أجلي «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)
قوله تعالى:
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [٢٢] قال سهل: أي أضداداً. فأكبر الأضداد النفس الأمّارة بالسوء المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥]
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)
وسئل عن قوله: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [٢٥] فقال: ليس في الجنة شيء من فرش ولا آنية ولا لباس ولا طيب ولا طير، ولا شيء من النبات، ولا شيء من الفواكه كلها، فما في الدنيا يشبه ذلك إلاَّ اتفاق الأسماء فقط، وذلك أن رمان الجنة لا يشبه رمان الدنيا قط إلاَّ باتفاق الأسماء فقط، وكذلك التمر والعناب وأشباه ذلك، وإنما أراد بقوله: «متشابهاً» أي في اللون، مختلفاً في الطعم، وذلك أن الملائكة تأتي الأولياء في الجنة بالتفاح في الغداء، ثم يأتون به في العشاء، فيقول الأولياء: هذا ذلك. فيقال لهم: ذوقوه. فإذا ذاقوه أصابوا له غير طعم الأول، فلا يجوز أن تدفع قدرة الله تعالى أن يؤدي طعم التفاح طعم الرمان واللوز والسفرجل «٢» قال سهل: وإني لأعرف رجلاً من الأولياء رأى في الدنيا رمانة كبيرة كأكبر ما كان بين يدي رجل على شاطئ البحر، فقال له الولي: ما هذا بين يديك؟ فقال: رمانة رأيتها في الجنة فاشتهيتها، فأتاني الله بها، فلما وضعتها بين يدي ندمت على استعجالي ذلك في الدنيا. قال له ذلك الرجل:
أفآكل منها؟ قال له الرجل: إن قدرت أن تأكل منها فكل، فضرب بيده إليها فأكل أكثرها، فلما رآه يأكل منها أعظمه ذلك، فقال: أبشر بالجنة، فإني لم أعرف منزلتك قبل أكلك منها، وذلك أنه لا يأكل من طعام الجنة في الدنيا إلاَّ من هو من أهل الجنة. قال أبو بكر: فقلت لسهل: هل أخبرك الآكل من تلك الرمانة ما كان طعمها؟ قال: نعم، فيها طعم يجمع طعوم الفواكه، ويزيد على ذلك في طعمه لين وبرد ليس هو في شيء من طعوم الدنيا. قال أبو بكر: فلم أشك ولا مَنْ سمع هذه الحكاية من سهل إلاَّ أنه هو صاحب الرمانة والآكل منها.
[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)
وسئل عن قوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [٣٠] قال: إن الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وخلق آدم عليه السلام من طين العزة من نور محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له «٣»، وأنه خلقها
(١) قوت القلوب ١/ ٤٣٠، ٢/ ١٣.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ١/ ١٠٢.
(٣) يقصد قوله صلّى الله عليه وسلّم: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)، انظر كشف الخفاء ١/ ١٤٨، ١٦٠، ٢/ ٢٢٢، وسيذكر التستري هذا الحديث في تفسير سورة الأحقاف.
27
ليسارها عليه بمعلومه فيها خواطر وهمماً، يأمرها بإدامة الافتقار واللجأ إليه، إن أبدى عليها طاعة قالت: أعني، وإن حركت إلى معصية قالت: اعصمني، وإن حركت إلى نعمة قالت:
أوزعني، وإن قال لها: اصبري على البلاء، قالت: صبرني، ولا يساكن قلبه أدنى وسوسة لها دون الرجوع عنها إلى ربه، وجعل طبعها في الأمر ساكناً، وفي النهي متحركاً، وأمره بأن يسكن عن المتحرك، ويتحرك عن الساكن بلا حول ولا قوة إلا بالله، أي لا حول له عن معصيته إلاَّ بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلاَّ بمعونته، ثم أمره بدخول الجنة والأكل منها رغداً حيث شاء. ونص عليه النهي عن الأكل من الشجرة، فلما دخل الجنة ورأى ما رأى قال: لو خلدنا، وإنما لنا أجل مضروب إلى غاية معلومة. فأتاه إبليس من قبل مساكنة قلبه بوسوسة نفسه في ذلك، فقال: هل أدلك على شجرة الخلد التي تتمناها في هذه الدار، وهي سبب البقاء والخلود:
وَقالَ مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ [الأعراف: ٢٠] فكانت دلالته هذه غروراً. وألحق الله عزَّ وجلَّ به وسوسة العدو لسابق علمه فيه، وبلوغ تقديره وحكمه العادل عليه.
وأول نسيان وقع في الجنة نسيان آدم عليه السلام، وهو نسيان عمد لا نسيان خطأ، يعني تركُ العهد. قال سهل: بلغني عن بعض التابعين أنه قال: النسيان في كتاب الله عزَّ وجلَّ على وجهين:
الترك، كما قال في سورة البقرة: أَوْ نُنْسِها [١٠٦] أي نتركها فلا ننسخها، ومثله قوله:
وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [٢٣٧] أي لا تتركوا الفضل بينكم، كذلك في طه: فَنَسِيَ [طه: ٨٨] يعني ترك العهد، ومثله في تنزيل السجدة: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ [السجدة: ١٤] أي تركناكم في العذاب كما تركناكم من العصمة عند الإقامة على الإصر.
قال: والوجه الآخر النسيان هو الذي لا يحفظ فيذهب من ذكره، كما قال في الكهف:
فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ [الكهف: ٦٣] أي لم أحفظ ذكره، وذلك أن الله تعالى جعل للشيطان شركة مع نفس الجبلة فيما هو من حظوظها الذي هو شيء غير الله تعالى، وقول موسى للخضر:
لاَ تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [الكهف: ٧٣] أي ذهب مني ذكره، وقال في سبح: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى: ٦] أي سنحفظك فلا تنسى، وهذا لإطراقه إلى تدبير نفسه.
ولم تكن فكرته اعتباراً، فكانت تكون عبادة، وإنما كانت فكرة بطبع نفس الجبلة، وهذا حكم الله تعالى به قبل خلق السماوات والأرض أنه لا يرى بقلبه عنده شيئاً، وهو غيره مساكناً
28
ثم أمره بدخول الجنة والأكل منها رغدا حيث شاء. ونص عليه النهي عن الأكل من الشجرة، فلما دخل الجنة ورأى ما رأى قال : لو خلدنا، وإنما لنا أجل مضروب إلى غاية معلومة. فأتاه إبليس من قبل مساكنة قلبه بوسوسة نفسه في ذلك، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد التي تتمناها في هذه الدار، وهي سبب البقاء والخلود :﴿ وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ﴾ [ الأعراف : ٢٠ ] فكانت دلالته هذه غرورا. وألحق الله عز وجل به وسوسة العدو لسابق علمه فيه، وبلوغ تقديره وحكمه العادل عليه.
وأول نسيان وقع في الجنة نسيان آدم عليه السلام، وهو نسيان عمد لا نسيان خطأ، يعني ترك العهد. قال سهل : بلغني عن بعض التابعين أنه قال : النسيان في كتاب الله عز وجل على وجهين :
الترك، كما قال في سورة البقرة :﴿ أو ننسها ﴾ [ ١٠٦ ] أي نتركها فلا ننسخها، ومثله قوله :﴿ ولا تنسوا الفضل بينكم ﴾ [ ٢٣٧ ] أي لا تتركوا الفضل بينكم، كذلك في طه :﴿ فنسي ﴾ [ طه : ٨٨ ] يعني ترك العهد، ومثله في تنزيل السجدة :﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم ﴾ [ السجدة : ١٤ ] أي تركناكم في العذاب كما تركناكم من العصمة عند الإقامة على الإصر.
قال : والوجه الآخر النسيان هو الذي لا يحفظ فيذهب من ذكره، كما قال في الكهف :﴿ فإني نسيت الحوت ﴾ [ الكهف : ٧٣ ] أي لم أحفظ ذكره، وذلك أن الله تعالى جعل للشيطان شركة مع نفس الجبلة فيما هو من حظوظها الذي هو شيء غير الله تعالى، وقول موسى للخضر :﴿ لا تؤاخذني بما نسيت ﴾ [ الكهف : ٧٣ ] أي ذهب مني ذكره، وقال في سبح :﴿ سنقرئك فلا تنسى ﴾ [ الأعلى : ٦ ] أي سنحفظك فلا تنسى، وهذا لإطراقه إلى تدبير نفسه.
ولم تكن فكرته اعتبارا، فكانت تكون عبادة، وإنما كانت فكرة بطبع نفس الجبلة، وهذا حكم الله تعالى به قبل خلق السماوات والأرض أنه لا يرى بقلبه عنده شيئا، وهو غيره مساكنا إياه، إلا سلط عليه إبليس يوسوس في صدره إلى نفسه بالهوى في معنى دعته إليه، أو يرجع باللجأ إلى ربه والاعتصام به، فستر الله بذكره في أوطانه عند الإقامة على النهي، حتى تم سابق علم الله إليه فيما نهاه عنه أن سيكون ذلك منه، وصار فعله علم سنة في ذريته إلى يوم القيامة.
ولم يرد الله معاني الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معاني مساكنة الهمة مع شيء هو غيره، أي لا يهتم بشيء هو غيري. فآدم صلوات الله عليه لم يعتصم من الهمة والفعل في الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. وكذلك من ادعى ما ليس له، وساكنه قلبه ناظرا إلى هوى نفسه فيه، لحقه الترك من الله عز وجل مع ما حل عليه نفسه إلا إن رحمه، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها، يعني إبليس، فأهل الجنة معصومون فيها من التدبير الذي كانوا به في دار الدنيا، فآدم صلوات الله عليه لم يعصم من مساكنة قلبه تدبير نفسه بالخلود لما أدخل الجنة، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر من الله تعالى، حتى انتهى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :«إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل »١.
١ - هذا ليس حديثا، بل قول للحارث بن أسد في حلية الأولياء ١٠/٨٨، وسيعاد ذكره في تفسير سورة ص: ٣٨، والشمس: ٩١..
إياه، إلاَّ سلط عليه إبليس يوسوس في صدره إلى نفسه بالهوى في معنى دعته إليه، أو يرجع باللجأ إلى ربه والاعتصام به، فستر الله بذكره في أوطانه عند الإقامة على النهي، حتى تم سابق علم الله إليه فيما نهاه عنه أن سيكون ذلك منه، وصار فعله علم سنّة في ذريته إلى يوم القيامة.
ولم يرد الله معاني الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معاني مساكنة الهمة مع شيء هو غيره، أي لا يهتم بشيء هو غيري. فآدم صلوات الله عليه لم يعتصم من الهمة والفعل في الجنة، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك. وكذلك من ادعى ما ليس له، وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه فيه، لحقه الترك من الله عزَّ وجلَّ مع ما حل عليه نفسه إلاَّ إن رحمه، فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها، يعني إبليس، فأهل الجنة معصومون فيها من التدبير الذي كانوا به في دار الدنيا، فآدم صلوات الله عليه لم يعصم من مساكنة قلبه تدبير نفسه بالخلود لما أدخل الجنة، ألا ترى أن البلاء دخل عليه من أجل سكون القلب إلى ما وسوست به نفسه، فغلب الهوى والشهوة على العلم والعقل والبيان ونور القلب لسابق القدر من الله تعالى، حتى انتهى كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«إن الهوى والشهوة يغلبان العلم والعقل» «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٣٧]
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)
وسئل عن قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ [٣٧] ما هذه الكلمات التي تلقاها من ربه؟ قال سهل: أخبرني محمد بن سوار عن أبيه عن الثوري «٢» عن عبد العزيز ابن رفيع «٣» عن عبد الله بن عمر «٤» رضي الله عنهما أنه قال: لما ذكر آدم صلوات الله عليه خطيئته قال: يا رب، أرأيتَ معصيتَك التي عصيتُك، أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أم شيء ابتدعته؟
قال: بل شيء كتبته عليك إنك ستفعله بترك العصمة مني قبل أن أخلقك بخمسين ألف عام. قال آدم صلوات الله عليه: فكما كتبته عليّ فاغفر لي، فإنا قد ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] أي
(١) هذا ليس حديثا، بل قول للحارث بن أسد في حلية الأولياء ١٠/ ٨٨، وسيعاد ذكره في تفسير سورة ص: ٣٨، والشمس: ٩١.
(٢) الثوري: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله (٩٧- ١٦١ هـ ٧١٦- ٧٧٨ م) : أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. (الحلية ٦/ ٣٥٦، ٧/ ٣ وتاريخ بغداد ٩/ ١٥١)
(٣) عبد العزيز بن رفيع الأسدي، أبو عبد الله المكي الطائفي (... - ١٣٠ هـ) : تابعي، ثقة، يقوم حديثه مقام الحجة. (تهذيب التهذيب ٦/ ٣٠١).
(٤) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي (١٠ ق هـ- ٧٣ هـ) : صحابي، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية.
كان جريئا جهيرا. شهد فتح مكة. وهو آخر من توفي فيها من الصحابة. أفتى الناس في الإسلام ستين سنة. (الحلية ١/ ٢٩٢ والإصابة ت ٤٨٢٥).
بالإقامة على همة النفس والسكون إلى تدبيرها، وتبنا عن الرجوع إليه، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا [الأعراف: ٢٣] أي في الدنيا وَتَرْحَمْنا [الأعراف: ٢٣] في ما بقي من أعمارنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: ٢٣] أي من الأشقياء المعذبين في الآخرة، فكانت هذه الكلمات التي قال الله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [٣٧]. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «قال آدم لموسى عليهما السلام: بكم تجد الخطيئة كتبت عليّ من قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين ألف عام. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: فحج آدم وموسى عليهما السلام» «١».
وسئل عن قوله: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [٣٠] فقال: أي نطهر أنفسنا بقولنا ما ألهمتنا تفضلاً منك علينا، تباركت ربنا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢)
وسئل عن قوله: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [٤٠] ما هذه الرهبة التي أمرهم بها؟ فقال: أراد موضع نور النفس من بصر القلب والمعرفة من كلية القلب، لأن المكابدة والمجاهدة في الإيمان، فإذا سكن القلب من التقوى إلى الغير انكشف نور اليقين، ووصل العبد ساكناً بالإيمان لله توحيداً على تمكين. أعني سكون قلبه إلى مولاه، فصار نور اليقين يكشف عن علم اليقين، وهو الوصول إلى الله تعالى، فلا ذلك اليقين بنور اليقين إلى عين اليقين ولا مخلوق، لأنه نور من نور ذات الحق، لا بمعنى الحلول، ولا بمعنى الجمع، ولا بمعنى الاتصال، ولكن معنى اتصال العبد بمولاه من موضع توحيده وطاعته بالله ورسوله، فعلى قدر قوته من البصر بالله يدرك التقوى لله والرهبة إياه. وأصل التقوى: مباينة النفس، فيباينها في ذلك، ولا يساكنها شيئاً من ملاذ هواها، ولا ما تدعوه إليه من حظوظها التي لم تتعذر فيها. اعلم أن الناس يتفاضلون في القيامة على قدر نور يقينهم، فمن كان أوزن يقيناً كان أثقل ميزاناً، وكان من دونه في ميزانه. قيل: بِمَ تعرف صحة يقين العبد؟ قال: بقوة ثقته بالله تعالى، وحسن ظنه به، فالثقة بالله مشاهدة باليقين، وعين اليقين وكليته وكماله ونهايته الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ.
فقيل له: ما معنى قوله: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [٤١] قال «٢» : أراد بذلك موضع علمه السابق فيهم، أي لا تأمنوا المكر والاستدراج، فتسكن قلوبكم إلى ملاحظة سلامتكم في الدنيا مع الإقامة على التقصير، وإلى حلمي عنكم في المعاجلة لكم في نفس أمنكم واغتراركم وغفلتكم فتهلكوا. وقال النبي صلى الله عليه وسلّم «لو زاد في اليقين عيسى بن مريم لمشى على الهواء كما مشى على الماء» «٣»، وقد مشى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء على الهواء لقوة نور يقينه التي أعطاه الله تعالى
(١) صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب وفاة موسى، حديث رقم ٣٢٢٨ والسنن الكبرى ٦/ ٣٩٤.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٩. [.....]
(٣) كتاب الزهد الكبير ٢/ ٣٥٧.
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﰿ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
من نوره زيادة نور إلى نور كان من الله تعالى. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو ثبتت المعرفة على قلب داود صلوات الله عليه ولم يغفل ما عصى» فلعمري أن المعرفة أدرجت في أوطانها لتجري عليه ما كان من علم الله سابقاً فيه، فلا بد من إظهاره على أوصافه إذا كان على حتم لا يتغير العلم إلى غير ما علم العالم جل وعز، فإنما ستر الله عزَّ وجلَّ في أوطان داود صلوات الله عليه نور اليقين الذي به يبصر عين اليقين وكليته، ليتم حكم الله تعالى فيه، ألا ترى أن العبد إنما ينظر إلى الحق بسبب لطيفة من الحق بوصولها إلى قلبه هي من أوصاف ذات ربه ليست بمكونة ولا مخلوقة ولا موصولة ولا مقطوعة، وهي سر من سر إلى سر وغيب من غيب إلى غيب، فبالله اليقين، والعبد موقن بسبب منه إليه على قدر ما قسم الله له من الموهبة وجملة سويداء قلبه. وللإيمان وطنان، وهو ما سكن فلم يخرج، ونور اليقين خطرات، فإذا سكن واستقر صار إيماناً، واليقين خطرات بعده، فهو في المريد هكذا حاله أبداً.
وسئل عن قوله: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ [٤٢] الآية، فقال: أي لا تلبسوا بأمر الدنيا أمر الآخرة. وأراد لا يحل لأهل الحق كتمان الحق عن أهله خاصة، عمن يرجون هدايته إلى الله عزَّ وجلَّ، فأما أهله فإنهم يزدادون بصيرة به، وأما من كان من غير خاصة أهله فإن قول الحق لهم هداية وإرشاد إلى الله تعالى.
[سورة البقرة (٢) : آية ٤٥]
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥)
وسئل عن قوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [٤٥] الآية، فقال: الصبر هاهنا الصوم والصلاة وصلة المعرفة، فمن صحت له الصلاة، وهي الوصلة، لم يبقَ له على الله تهمة، إِذ السؤال تهمة، ولا يبقى السؤال مع الوصلة، ألا ترى إلى قوله: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [٤٥].
[سورة البقرة (٢) : آية ٤٨]
وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)
وسئل عن قوله: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [٤٨] أي لو جاءت بكل شيء من الأعمال من كبير أو صغير أو كثير أو قليل لم يتقبل ذلك منها، ولا شيء منه عند حصولهم في القيامة، والعدل: المثل، ألا ترى إلى قوله:
أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [المائدة: ٩٥] أي مثله وجزاءه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٥٥]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)
وسئل عن قوله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [٥٥] قال: الصاعقة: الموت، والصاعقة: كل عذاب مهلك ينزله الله تعالى بمن يشاء من عباده، فينظرون إلى ذلك عياناً، ويريه غيرهم فيهم اعتبارا وتحذيرا.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧١ الى ٧٢]
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢)
وسئل عن قوله: لا شِيَةَ فِيها [٧١] فقال: أي لا علامة فيها تشينها، ولا لون يخالف لون سائر جسدها. وتلك حكمة من صانعها، وعبرة لمن اعتبر بها، وزاد لإيمانه وتوحيده يقيناً.
قوله: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها [٧٢] أي تنازعتم فيها. قوله: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران: ١٨٣] قال سهل: هذا توبيخ من الله عزَّ وجلَّ لهم بما كان من آبائهم من قتلهم الأنبياء. ألا ترى أنه لم يقتل المخاطبون بهذه الآية نبياً في وقت محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا كان في
وسئل عن قوله :﴿ لا يعلمون الكتاب إلا أماني ﴾ [ ٧٨ ] يعني أنهم يتمنون على الله الباطل ميلا إلى هوى نفوسهم بغير هدى من الله، يعني اليهود.
قوله :﴿ وأيدناه بروح القدس ﴾ [ ٨٧ ] قال : القدس هو الحق، يعني الذي طهر من الأولاد والشركاء والصاحبة.
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﱿ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
وقتهم نبي غيره، فواجههم بفعل من كانوا من نسلهم ومن فوقهم، كما واجه النبي صلى الله عليه وسلّم بما خاطب به أمته، وذلك قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: ١] وكذلك معنى قوله: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ: ١- ٢] لأي علة تسألون محمداً صلّى الله عليه وسلّم وهو أعلم بذلك.
وسئل عن قوله: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [١٧٥] فقال: أي على الفتوى من غير علم من السنة والشرع، والعبودية بعمل أهل النار.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٢]
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)
قوله تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [١٠٢] أي بعلم الله السابق فيه قبل وقوع ذلك الفعل من الفاعل. قوله تعالى:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] أراد فيما تعبدكم به لا فيما يستحقه الحق في ذاته عزّ وجلّ. قوله: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً [٥٩] قال: الرجز هو العذاب.
[سورة البقرة (٢) : آية ١١٢]
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢)
قوله تعالى:
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [١١٢] قال سهل: أي دينه، كما قال في سورة النساء:
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ [النساء: ١٢٥] أي ممن أخلص دينه لله، وهو الإسلام وشرائعه، وقال، أي في لقمان: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان: ٢٢] يعني يخلص دينه لله.
وسئل عن قوله: لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ [٧٨] يعني أنهم يتمنون على الله الباطل ميلاً إلى هوى نفوسهم بغير هدى من الله، يعني اليهود. قوله: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [٨٧] قال: القدس هو الحق، يعني الذي طهّر من الأولاد والشركاء والصاحبة.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٨]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)
قوله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [١٢٨] قال: «الأمة» : الجماعة، و «مسلمة لك»، أي: مسلمة لأمرك ونهيك، بالرضا والقبول منك.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٤]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)
قيل له: ما معنى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ [١٣٤، ١٤١] قال: أي تلك جماعة مضت لسابق علم الله فيهم.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٣]
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)
قوله: وَسَطاً [١٤٣] أي عدلاً. فالمؤمن مصدّق لعباده، كما قال: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: ٦١]، أي: يصدق الله ويصدق المؤمنين. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [١٤٣] أي شديد الرحمة والرأفة بهم، يعني الرفق والحلم عنهم لعلمه بضعفهم، وأن لا حال لهم إليه لا به ولا منه.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٨]
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)
لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
[١٤٨] أراد أن الله تعالى يولي أهل كل ملة إلى الجهة التي يشاء.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٥٥]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥)
قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [١٥٥] قال: هم الذين صار الصبر لهم عيشاً وراحةً ووطناً، يتلذذون بالصبر لله تعالى على كل حال.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٥٧]
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)
قوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [١٥٧] قال سهل: أراد بالصلاة عليهم الترحم عليهم، أي ترحم من ربهم. وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «اللهم صلِّ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﲿ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
على آل أبي أوفى» «١» حين أتوه بالصدقات، أي ترحم عليهم. وقال سهل: حدثنا محمد بن سوار عن أبي عمرو بن العلاء «٢» أنه قال: الصلاة على ثلاثة أوجه، أحدها: الصلاة المفروضة بالركوع والسجود كما قال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: ٢] أي خذ شمالك بيمينك في الصلاة متذلّلاً متخشعاً بين يدي الله تعالى، كذا روي عن علي رضي الله عنه. والوجه الثاني: الترحم. والوجه الثالث: الدعاء مثل الصلاة على الميت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الطعام فليجب فإن كان صائماً فليصلِّ» «٣» أي فليَدعُ لهم بالبركة. وقال عليه الصلاة والسلام في حديثه: «وصلَّت عليكم الملائكة» «٤» أي ترحَّمت عليكم. وقال عليه الصلاة والسلام في حديثه: «وإذا أكل عنده الطعامُ صلَّت عليه الملائكة حتى يمسي» أي دعت له الملائكة. قال سهل: الصلاة على وجهين أحدهما الاستغفار، والآخر المغفرة، فأما الاستغفار فقوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التوبة: ١٠٣] أي استغفر لهم وَصَلَواتِ الرَّسُولِ [التوبة: ٩٩] أي استغفار الرسول. وما المغفرة فقوله تعالى:
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب: ٤٣] أي يغفر لكم وملائكته، أي يستغفرون لكم، ومثله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: ٥٦] أي أن الله يغفر للنبي، وتستغفر له الملائكة ثم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ [الأحزاب: ٥٦] أي استغفروا له. وفي البقرة: صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ [١٥٧] أي مغفرة من ربهم.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦١]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١)
قوله: عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ [١٦١] أي الطرد لهم من رحمة الله والإبعاد، وكذلك كلّ ملعون مطرود.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٦]
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦)
قوله: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ [١٦٦] أي الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا، وتنعقد المودات بينهم من أجلها من غير طاعة الله ورسوله وغير مرضاته.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٦]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)
قوله:
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي [١٨٦] قال: بالدعاء، وَلْيُؤْمِنُوا بِي [١٨٦] أي يصدقوني، فأنا حيث ما دعاني مخلصاً لا آيساً ولا قنطا.
[سورة البقرة (٢) : آية ١٩٧]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧)
قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [١٩٧] قال:
هو الرفيق إلى ذكر الله تعالى خوفاً، إذ لا زاد للمحب سوى محبوبه، وللعارف سوى معروفه.
وقال في قوله: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: ٩٧] قال: الزاد والراحلة، ثم قال: أتدرون
(١) صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام، حديث رقم ١٤٢٦.
(٢) أبو عمرو بن العلاء: زبان بن عمار التميمي المازني البصري، أبو عمرو، ويلقب أبوه بالعلاء (٧٠- ١٥٤ هـ) من أئمة اللغة والأدب، وأحد القراء السبعة. ولد بمكة، ونشأ بالبصرة، وتوفي بالكوفة. (الأعلام ٣/ ٤١).
(٣) صحيح مسلم: باب الأمر بإجابة الداعي ١٤٣١ وسنن الترمذي: باب ما جاء في إجابة الصائم الدعوة ٧٨٠ وسنن أبي داود: باب في الصائم ٢٤٦٠.
(٤) مسند أحمد ٣/ ١٣٨ وصحيح ابن حبان ١٢/ ١٠٧ رقم ٥٢٩٦ والسنن الكبرى ١٠١٢٩.
33
ما الزاد والراحلة؟ فقالوا: لا. فقال: الزاد الذكر، والراحلة الصبر. قال «١» : وقد صحبه رجل في طريق مكة فلم يجد يومين شيئاً فقال: يا أستاذ أحتاج إلى قوت. فقال: القوت هو الله. فقال: لا بد من قوت يقوم به الجسد. فقال: الأجساد كلها بالله عزَّ وجلَّ وأنشد: [من البسيط]
يا حِبُّ زِدْنِي سَقَاكَ الشَّوْقُ من دِيَمٍ يَزِيدُنِي صَوْبُها الأحزانَ والكربا
ودامَ لي لوعةٌ في القَلْبِ تَحْرِقُنِي إِنِّي متى أَزدادُ حُبّاً زادني طربا
ثم قال: الدنيا هي التي قطعت المنقطعين إلى الله عن الله عزَّ وجلَّ. وقال «٢» : عيش الملائكة في الطاعة، وعيش الأنبياء بالعلم وانتظار الفرج «٣»، وعيش الصديقين بالاقتداء، وعيش سائر الناس [عالماً كان أو جاهلاً، زاهداً كان أو عابداً] «٤» في الأكل والشرب.
قوله: وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ [١٩٧] أي يا أهل الفهم عني بالعقول السليمة. وقال:
إن الله تعالى أمرهم أن يتقوه على مقدار طاقات عقولهم بما خصهم به من نور الهداية بذاته، والقبول منه، وإفرادهم بالمعنى الذي ركبه فيهم، وعلمه بهم قبل خلقهم، فذكرهم تلك النعمة عليهم، ودعاهم بتلك النعمة التي سبقت لهم إلى الاعتراف بنعمة ثانية بعد الموهبة الأزلية، وهي حقيقة المعرفة، وقبول العلم بالعمل خالصاً له. قيل: فما معنى التقوى وحقيقته؟ قال:
الحقيقة لله عزَّ وجلَّ أن تعاجل لدى العمل القليل بالموت، وكذا الخطايا بالعقوبة، فيعرف ذلك فيتقيه، فلا يتكل على شيء سواه. قيل له: قد اختلفت أسباب تقوى الخلق؟ قال: نعم، كما اختلف أفعالهم. قال أبو بكر: فقلت: لقد ثبت في القرآن أن تقوى كل امرئ على حسب طاقته.
فقال: نعم، قد قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن: ١٦] فردهم إلى ما في طاقتهم. فقلت له: لقد قال الله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] قال سهل: أما أصحابنا فيقولون إن هذا الخطاب لقوم مخصوصين بأعيانهم، لأنهم طولبوا بما لم يطالب به الأنبياء عليهم السلام، وكما قال إبراهيم ويعقوب لأولادهما: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [١٣٢]. وإنما تعبد الله الخلق على حسب طاقاتهن، والذين قيل لهم: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] طولبوا بالتقوى على حسب معرفتهم بالله، فكان معنى ذلك، أي اتقوا الله حق تقاته ما قدرتم عليه، لا أنه رخص في ترك التقوى بتلك
(١) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٨.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٨.
(٣) في الحلية: (وانتظار الوحي).
(٤) ما بين القوسين إضافة من الحلية.
34
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
الآية: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: ١٠٢] أي مسلمون لأمر الله بكل حال مفوضون إليه، والآخرون ردوا إلى الاجتهاد، فافهم الفرق بين الاثنين في الخطاب، إذا كان اللفظ متفقاً والمعنى مختلفاً خاص وعام. قال أبو بكر: ثم قال سهل: لو دعا المتقون على المسرفين لهلك الأولون والآخرون منهم، ولكن الله جعل المتقين رحمة للظالمين ليستنقذهم بهم، فإنّ أكرم الخلق على الله عزَّ وجلَّ المتقون كما قال الله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] فمن أراد كرامة الله عزَّ وجلَّ فليتَّقِه، فإنه ينال بالتقوى كرامته، والدخول إلى جنته، ويسكن في جواره، ويفوز فوزاً عظيماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن اتقى الله في سره قربه وأدناه» «١».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٠١]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)
قوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [٢٠١] أي العلم والعبادة خالصاً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [٢٠١] أي الرضا، كما قال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة: ١١٩].
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٤]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤)
وسئل عن قوله: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا [٢٢٤] ما هذا البر؟ فقال: يعني أن لا تصلوا القرابة لعلة اليمين. فقيل له: لقد قال: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [١٧٧] فقال: يعني ليس من التقوى أن لا تفعلوا غير ذلك وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [١٧٧] الآية. ألا تراه كيف قال: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [٤٤] يعني اليهود كانوا يأمرون إخوانهم من الرضاعة بطاعة الله تعالى واتباع النبي صلى الله عليه وسلّم، وكانوا لا يفعلون ذلك.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٥]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لاَّ تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)
قوله: وَلكِنْ لاَّ تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [٢٣٥] أي مناكحة. قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [٢٣٥] أي علم ما في غيب أنفسكم قبل خلقه لكم من فعل حركة أو سكون بخير أمر به وأعان على فعله، وفعل ما نهى عنه، ولم يعصم من نزل به، وخلى من شاء مع الهوى لإظهار فعل ما نهى عنه، ولم يعصم عدلاً منه وحكماً، فكان معنى قوله: مَا فِي أَنْفُسِكُمْ [٢٣٥] أي ما لم تفعلوه، وفِي أَنْفُسِكُمْ [٢٣٥] أي ما ستفعلونه «٢»، فَاحْذَرُوهُ [٢٣٥] أي اضرعوا إليه فيه حتى يكون هو الذي يتولى الأمر بالمعونة والتوفيق على الطاعة، ويعصم عن النهي بالنصر والتأييد.
ألا ترون إلى قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: اللهم إن كنا عندك في أم الكتاب أشقياء محرومين فامْحُ ذلك عنا وأثبتنا سعداء مرحومين، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت وعندك أم الكتاب.
(١) مصنف ابن أبي شيبة ٧/ ١٦٢ (رقم ٣٤٩٨٨)، ٧/ ٢١٧ (رقم ٣٥٤٧٢) وصفوة الصفوة ٣/ ١٠٤.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ٢٠٠، ٢١٠.
قوله تعالى :﴿ حافظوا على الصلوات ﴾ [ ٢٣٨ ] أي داوموا على إقامتها. وأما قوله :﴿ وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ﴾ [ النور : ٥٦ ] فعلى وجهين أحدهما الإقرار بها من غير تصديق، كما قال في براءة :﴿ فإن تابوا ﴾ [ التوبة : ٥ ] أي من الشرك، ﴿ وأقاموا الصلاة ﴾ [ التوبة : ٥ ] يعني وأقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ﴿ فخلوا سبيلهم ﴾ [ التوبة : ٥ ]، وكقوله :﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ﴾ [ التوبة : ١١ ] ومواليكم، ونظيرها في السجدة١. والوجه الثاني : الإقامة، كما قال في المجادلة :﴿ فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ﴾ [ المجادلة : ١٣ ]، ونظيرها في المزمل٢. وقال في المائدة٣ :﴿ الذين يقيمون الصلاة ﴾ [ المائدة : ٥٥ ] أي يتمونها.
وسئل عن قوله :﴿ والصلاة الوسطى ﴾ [ ٢٣٨ ] ما معنى ذكرها مفردة ؟ قال : إنما أفردها لاختصاص من الصلوات وإن كانت داخلة في جملتها، كما انفرد جبريل وغيره بالذكر لاختصاصه من جملة الملائكة. قال : وفيها وجه آخر، وهو أن أوقات سائر الصلوات مشهورة عند العالم والجاهل، فعلامتها واضحة، ووقت العصر أخفى، فحث على مراعاتها في وقتها بما خصها من الذكر. قوله :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ [ ٢٣٨ ] أي قوموا لله في الصلاة مطيعين. فكم من مصل غير مطيع كالمنافق ونحوه. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ فقال :«طول القنوت » أي طول القيام٤، وقال زيد بن أرقم٥ رضي الله عنه : القنوت السكوت، لأنا كنا نتكلم في الصلاة، فأنزل الله تعالى :﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ [ ٢٣٨ ] فأمسكنا عن الكلام٦. وكان محمد بن سوار يقول : القنوت الوتر، سمي قنوتا لقيام الرجل فيه بالدعاء من غير قراءته القرآن، بل هو التعظيم بالدعاء.
١ - ليس في سورة السجدة نظير ما ورد في سورة التوبة..
٢ - المزمل، الآية ٢٠، وأيضا في سورة الحج، الآية ٧٨..
٣ في الأصل: (وقال في البقرة) والصواب ما أثبته؛ وقد تكررت الآية في الأنفال: ٣؛ والنمل: ٣؛ ولقمان: ٤، وأما ما ورد في سورة البقرة: ٣ فهو قوله تعالى: (إن الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة)..
٤ - صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم ٧٥٦؛ وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة ١/٤٥٦؛ والترمذي: كتاب الصلاة ١/٨٧؛ وأحمد ٣/٣٠٢، ٣٩١، ٤١٢؛ والنسائي: كتاب الزكاة ١/٣٤٩..
٥ - زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري (... – ٦٨ هـ): صحابي. غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي. ومات بالكوفة. (الأعلام ٣/٥٦)..
٦ - صحيح البخاري: كتاب العمل بالصلاة ١١٤٢؛ وصحيح مسلم: المساجد ٥٣٩، وانظر تأويل مشكل القرآن ٤٥٢؛ وعمدة الحفاظ ٣/٣٤٠ (قنت)..
قوله: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ [٢٠٤] أي شديد الخصومة بالباطل. وقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدُّ الخصم» «١». قوله:
وَزُلْزِلُوا [٢١٤] أي أرادوا به وخوفوا به وحذروا مكر الله عزَّ وجلَّ. وسئل عن قوله: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [٢١٤] أكان قولهم استبطاء للنصر؟ قال سهل: لا، ولكن لما أيسوا من تدبيرهم قالوا: مَتى نَصْرُ اللَّهِ [٢١٤] فلما علم الله تعالى من تبريهم من حولهم وقوتهم وتدبيرهم لأنفسهم وإظهارهم الافتقار إليه، وأن لا حيلة لهم دونه أجابهم بقوله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [٢١٤] قال سهل: البلاء والعافية من الله عزَّ وجلَّ، والأمر والنهي منه، والعصمة والتوفيق منه، والثواب والعقاب منه، والأعمال منسوبة إلى بني آدم، فمن عمل خيراً وجب عليه الشكر ليستوجب به المزيد، ومن عمل شراً وجب عليه الاستغفار ليستوجب به الغفران. والبلوى من الله على وجهين «٢» : بلوى رحمة، وبلوى عقوبة، فبلوى الرحمة: يبعث صاحبه على إظهار فقره [وفاقته] «٣» إلى الله عزَّ وجلَّ وترك التدبير، وبلوى العقوبة: يبعث «٤» صاحبه على اختيار منه وتدبيره. فسئل سهل: الصبر على العافية أشد أم على البلاء؟ فقال: طلب السلامة في الأمن أشد من طلب السلامة في الخوف.
وقال في قوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: ١١] قال: يؤمن بالله أن بلواه من الله يهد قلبه لانتظار الفرج منه. قوله: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [المائدة: ٢] أي على أداء الفرائض، لأن البر الإيمان، وأداء الفرائض فرعه، والتقوى السنة، فلا يتم فرض إلاَّ بالسنة، ونهى عن التعاون على الإثم وهو الكفر والنفاق، والعدوان وهو البدعة والخصام، وهما لعبان فنهوا عن اللعب، كما أمروا بالبر وهو الفرض والسنة، وأخذ النفس بالصبر على ذلك كله خالصاً لله فيه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦)
قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [٢٤٦] من هؤلاء الملأ؟ قال سهل:
أراد بذلك الرؤساء، ألا ترون في قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد سمع رجلاً بعد وقعة بدر وهو يقول: إنما قتلنا يوم بدر عجائز صلعاً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولئك الملأ من قريش» «٥» يعني الأشراف والسادات.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٥]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)
وسئل عن قوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [٢٥٥] فقال: هذه
(١) صحيح البخاري: باب تفسير سورة البقرة، ٤٢٥١.
(٢) حلية الأولياء ١٠/ ١٩٦، ٢١١.
(٣) ما بين القوسين إضافة من الحلية ١٠/ ١٩٦. [.....]
(٤) في الحلية (يترك) مكان (يبعث).
(٥) نوادر الأصول ١/ ٣٣٣.
أعظم آية في كتاب الله تعالى، وفيها اسم الله الأعظم، وهو مكتوب بالنور الأخضر في السماء سطراً واحداً من المشرق إلى المغرب، كنت رأيته كذلك في ليلة القدر مكتوباً، وأنا بعبادان لا إله إلا هو الحي القيوم، فمعنى: الْحَيُّ الْقَيُّومُ القائم على خلقه كل شيء بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم المجازي بالإحسان إحساناً وبالسيئات غفراناً وبالنفاق والكفر والبدعة عذاباً، فمن قال:
لا إله إلاَّ الله، فقد بايع الله، فحرام عليه إذا بايعه أن يعصيه في شيء من أمره ونهيه، في سره وعلانيته، أو يوالي عدوه، أو يعادي وليه. قوله: لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [٢٥٥] فالسنة:
النعاس، وقال: السنة ما خالط القلب من النوم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٧]
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
قال سهل في قول الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [٢٥٧] أي ولاية الرضا فهو المتولي لهم بما سبق لهم من هدايته ومعرفته إياهم على توحيده وذلك لعلمه بتبرئهم من كل سبب إلا من خالفهم فأخرجوا من الظلمات إلى النور ومن الكفر والضلالة والمعاصي والبدع إلى الإيمان وهو النور الذي أثبته الحق عزَّ وجلَّ في قلوبهم وهو نور بصيرة اليقين الذي به يستبصرون التوحيد والطاعة له فيما أمر ونهى وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: ٤٠].
قوله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [٢٥٧] أي الشيطان. قال سهل: ورأس الطواغيت كلها النفس الأمارة بالسوء، لأن الشيطان لا يقدر على الإنسان إلاَّ من طريق هوى النفس، فإن أحس منها بما تهم به ألقى إليها الوسوسة.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
وسئل عن قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [٢٦٠] أفكان شاكاً في إيمانه حتى سأل ربه أن يريه آية ومعجزة ليصح معها إيمانه؟ فقال سهل: لم يكن سؤاله ذلك عن شك، وإنما كان طالباً زيادة يقين إلى إيمان كان معه، فسأل كشف غطاء العيان بعيني رأسه ليزداد بنور اليقين يقيناً في قدرة الله، وتمكيناً في خلقه، ألا تراه كيف قال: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى [٢٦٠] فلو كان شاكاً لم يجب ب «بلى»، ولو علم الله منه الشك وهو أخبر ب «بلى» وستر شكه لكشف الله تعالى ذلك، إذ كان مثله مما لا يخفى عليه، فصح أن طلب طمأنينته كان على معنى طلب الزيادة في يقينه. فقيل: إن أصحاب المائدة طلبوا الطمأنينة بإنزال المائدة، وكان ذلك شكاً، فكيف الوجه فيه؟ فقال: إن إبراهيم عليه السلام أخبر أنه مؤمن، وإنما سأل الطمأنينة بعد الإيمان زيادة، وأصحاب المائدة أخبروا أنهم يؤمنون بعد أن تطمئن قلوبهم، كما قال: وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا [المائدة: ١١٣] فأخبروه أن علمهم بصدقة بعد طمأنينتهم إلى معاينتهم المائدة يكون ابتداء إيمان لهم. وقال أبو بكر: وسمعته مرة أخرى يقول:
وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [٢٦٠] أي لست آمنُ أن يعارضني عدو لك إذا قلت: رَبِّيَ الَّذِي
37
يُحْيِي وَيُمِيتُ
[٢٥٨] فيقول: أنت رأيته يحيي ويميت، فيطمئن قلبي إلى الإجابة بنعم إذا شاهدت ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ليس الخبر كالمعاينة» «١»، وقال سهل: وفيها وجه آخر أنه سأله أن يريه إحياء الموتى طمأنينة له في أنه اتخذ خليلاً. قال سهل: وفيه وجه آخر معناه:
أن سؤالي إياك لا أستحق به عليك إلاَّ ما تحققه لي، وذلك موقف الخواص من خلقه، فسؤالي إياك أن تريني إحياء الموتى ليطمئن قلبي مني، وقد كان في الجاهلية يسمى الخليل. قلنا فقوله:
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [٢٦٠] أي خلتي، هذا لما أعلمه أنك تحيي وتميت.
وسئل سهل: إذا بلغ العبد إلى كفاح العيان ما علامته في البيان؟ فقال: يغلب بطرد الشيطان، وهو أن النفس في معاينة الهوان، ولا سبيل إليه للنفس والشيطان بعزلهما عن الشيطان إلاَّ بحفظ الرحمن. وقال: [من الوافر]
كفايات الكفاح بحسن ظني كنسج العنكبوت بباب غار
وحسنُ الظَّنِّ جاوزَ كُلَّ حجبٍ وحُسْنُ الظَّنِّ جاوز نُورَ نار
علاماتُ الْمُقَرَّبِ وواضحات بعيدٌ أمْ قريبٌ ليلُ سارِ
فمنْ كانَ الإِله لهُ عِياناً فلا نومَ القرارِ إلى النهارِ
تقاضاه الإله لَهم ثلاثاً فهل من سائلٍ من لطف بارِ
متى نَجس الولوغ ببحر ود فدع شقي النباح بباب داري
ألا يا نفس والشيطان أخسوا كبطلان الوساوس والغمارِ
قوله: «كفايات الكفاح بحسن ظني» كأنه أشار إلى قوله: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ [فصلت: ٥٣] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى يا رب» وكذلك لما أنزلت أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [التين: ٨] قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى يا رب» ومن طريق فهمهم القرآن: أوَ لم يَكْفِ بِرَبِّكَ يا محمد بنصرتك في الدنيا على أعدائك بالقتل والهزيمة، وفي العقبى بالمقام المحمود والشفاعة، وفي الجنة باللقاء والزيارة. وقوله: «كنسج العنكبوت بباب غار» وذلك أنَّ غار العارفين هو السر، واطلاع رب العالمين إذا بلغوا إلى مقام الكفاح، وهو عيان العيان بعد البيان، فليس بينهم وبين الله تعالى إلاَّ حجاب العبودية بنظره إلى صفات الربوبية والهوية والإلهية والصمدية إلى السرمدية بلا منع ولا حجاب، مثل من طريق الأمثال كنسيج العنكبوت حول قلبه، وسره فؤاده بلطف الربوبية وكمال الشفقة بلا حجاب بينه وبين الله تعالى كنسج العنكبوت بباب غار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرف الله به جميع أعدائه من صناديد قريش بدلالة إبليس إياهم عليه، كذلك أهل المعرفة إذا بلغوا
(١) نوادر الأصول ١/ ٢٩٣ ومجمع الزوائد ١/ ١٥٣ والمستدرك على الصحيحين رقم ٣٢٥٠.
38
إلى مقام العيان بعد البيان انقطع وصرف وساوس الشيطان وسلطان النفس، وصار كيدهم ضعيفاً، بيانه قوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً [النساء: ٧٦] يعني صار عليهم ضعيفاً كما قال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: ٤٢] لأن العبد إذا جاوز بحسن ظنه جميع الحجب، حتى لا يكون بينه وبين الله حجاب، فليس للنفس والشيطان والدنيا دخول على قلبه وفؤاده بالوساوس، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «رأيت البارحة عجباً عبد بينه وبين الله حجاب فجاء حسن ظنه بالله فأدخله الحجاب» «١».
وقوله: «وحسن الظن جاوز نور نار» كأنه أشار إلى متابعة الرسول شرفاً بتفضيله على الخليل والكليم، لأن الأنبياء والأولياء في مقام رؤية النار والنور على مقامات شتى، فالخليل رأى النار وصارت عليه برداً وسلاماً، والكليم رأى النار نوراً بيانه قوله: إِنِّي آنَسْتُ نَاراً [طه: ١٠] وكان في الأصل نوراً مع قوله: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [النمل: ٨] يعني موسى في وسط النور فاشتغل بالنور فعاتبه فقال: لا تشتغل بالنور فإني منور النور، بيانه: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: ١٢] وأما الحبيب صلّى الله عليه وسلّم فأراه النار والنور، وجاوز حجاب النار والنور، ثم أدناه بلا نار ولا نور، حتى رأى في دنوه الأدنى منوّر الأنوار، بيانه قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى [النجم: ١١] فرفع الحبيب عن مقام الخليل والكليم ومقامات جميع الأنبياء المقربين، حتى صار مكلماً بالله بلا وحي ولا ترجمان أحد، بيانه قوله: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَآ أَوْحى
[النجم: ١٠] يعني قال الحبيب للحبيب سراً وعلمه وأكرمه بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة.
وقوله: «علامات المقرب واضحات» أراد أن جميع الأنبياء والملائكة لهم قربة، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم أقربهم قربة، على وزن أفعل، يقول قريب وأقرب، فالقريب يدخل في الفهم والوهم والتفسير، وأما الأقرب خارج عن الفهم والوهم والتفسير، وما بعده لا يدخل في العبارة ولا في الإشارة، وذلك أن موسى عليه السلام لما سمع ليلة النار نداء الوحدانية من الحق فقال: إلهي أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك «٢» ؟ فنادى الكليم من مكان القريب والبعيد أنه قريب.
ولم يكن هذا في وصف الرسول حينئذ صيره مقرباً، حتى سلم الله عليه فقال: السلام عليكم، وإن الله تعالى مدح أمته فقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: ١٠- ١١] ولم يقل القريبون، وعلامات المقرب واضحات من هذه الأمة، فالقريب وجد من الله المنة والكرامة، والبعيد وجد من الله العذاب والعقوبة، والمعبد وجد من الله الحجاب والقطيعة، والمقرب وجد من الله اللقاء والزيارة.
(١) نوادر الأصول ٣/ ٢٣١ والعلل المتناهية ٢/ ٦٩٩ (رقم ١١٦٥).
(٢) كشف الخفاء ١/ ٢٣٢ وحلية الأولياء ٦/ ٣٧، ٤٢ وشعب الإيمان ١/ ٤٥١.
39
قوله: «فمن كان الإله له عياناً» علامات المشتاقين، فليس لهم نوم ولا قرار لا بالليل ولا بالنهار، والمخصوص بهذه الصفة صهيب «١» وبلال «٢»، لأن بلالاً كان من المشتاقين، وكذلك صهيب، لم يكن لهما نوم ولا قرار. وقد حكي أن امرأة كانت اشترت صهيباً فرأته كذلك فقالت:
لا أرضى حتى تنام بالليل لأنك تضعف فلا يتهيأ لك الاشتغال بأعمالي، فبكى صهيب وقال:
إن صهيباً إذا ذكر النار طار نومه، وإذا ذكر الجنة جاء شوقه، وإذا ذكر الله تعالى طال شوقه «٣».
وقوله: «تقاضاه الإله لهم ثلاثاً» لأن «هل» من حروف الاستفهام، وأن الله عز وجل يرفع الحجاب كل ليلة فيقول: «هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داعٍ فأجيب دعوته؟». فإذا كانت ليلة القدر رفع الله الشرط فقال: «غفرت لكم وإن لم تستغفروني، وأعطيتكم وإن لم تسألوني، وأجبت لكم قبل أن تدعوني» «٤»، وهذا غاية الكرم.
قوله: «متى نجس الولوغ ببحر ود» أشار إلى ولوغ الكلب، إذا ولغ في الإناء يغسل سبع مرات أو ثلاثاً «٥»، باختلاف الألفاظ الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكيف ولو أن ألف ألف كلب ولغوا في بحر؟ فلا اختلاف بين الأمة أن البحر لا ينجس بوساوس الشيطان، وولوغه في قلوب العارفين والمحبين في بحر الوداد متى يوجب التنجس، لأنه كلما ولغ فيه جاءه موج فطهره.
وقوله: «فدع شقي النباح بباب داري» يعني دع يشقى إبليس يصيح على باب الدنيا بألوان الوساوس، فإنه لا يضرني، كقوله: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف: ٢٠١] بالوحدانية مع قوله: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً [الإسراء: ٤٦].
(١) صهيب بن سنان بن مالك، من بني النمر بن قاسط (٣٢ ق هـ- ٣٨ هـ) : صحابي، من أرمى العرب سهما وهو أحد السابقين إلى الإسلام. شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها. (الإصابة ت ٤٠٩٩ والحلية ١/ ١٥١)
(٢) بلال بن رباح الحبشي (... - ٢٠ هـ) : مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخازنه على بيت ماله، وأحد السابقين إلى الإسلام، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله. (الحلية ١/ ١٤٧).
(٣) التخويف من النار ص ٢٨ وروي مثل هذا الخبر في عامر بن عبد قيس. انظر صفوة الصفوة ٣/ ٢٠٧ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ص ٢٨، حيث قال عامر: (إن ذكر جهنم لا يدعني أنام).
(٤) صحيح مسلم: صلاة المسافرين وقصرها وصحيح البخاري: كتاب التهجد ١٠٩٤، وكتاب الدعوات ٥٩٦٢، وكتاب التوحيد ٧٠٥٦ ومسند أحمد ٢/ ٤٣٣، ٤/ ٨١، ٢١٧، ٢١٨.
(٥) يقصد الحديث: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات»، انظر: صحيح ابن حبان ٤/ ١٠٩- ١١٤ (رقم ١٢٩٤- ١٢٩٨) وشرح النووي على صحيح مسلم ٣/ ١٨٥- ١٨٦.
40
قوله: «اخسؤوا» تباعدوا عني، يقال للكلب اخسأ على كمال البعد والطرد، وبهذا عاقبهم في آخر عقوباته إياهم، كقوله: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: ١٠٨]. قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ [٢٣٨] أي داوموا على إقامتها. وأما قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [النور: ٥٦] فعلى وجهين أحدهما الإقرار بها من غير تصديق، كما قال في براءة:
فَإِنْ تابُوا [التوبة: ٥] أي من الشرك، وَأَقامُوا الصَّلاةَ [التوبة: ٥] يعني وأقروا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: ٥]، وكقوله: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: ١١] ومواليكم، ونظيرها في السجدة «١». والوجه الثاني: الإقامة، كما قال في المجادلة: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [المجادلة: ١٣]، ونظيرها في المزمل «٢».
وقال في المائدة «٣» : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [المائدة: ٥٥] أي يتمونها. وسئل عن قوله:
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [٢٣٨] ما معنى ذكرها مفردة؟ قال: إنما أفردها لاختصاص من الصلوات وإن كانت داخلة في جملتها، كما انفرد جبريل وغيره بالذكر لاختصاصهم من جملة الملائكة.
قال: وفيها وجه آخر، وهو أن أوقات سائر الصلوات مشهورة عند العالم والجاهل، فعلامتها واضحة، ووقت العصر أخفى، فحثَّ على مراعاتها في وقتها بما خصها من الذكر. قوله:
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [٢٣٨] أي قاموا لله في الصلاة مطيعين. فكم من مصلّ غير مطيع كالمنافق ونحوه. وسئل النبي صلّى الله عليه وسلّم أي الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت أي طول القيام» «٤»، وقال زيد بن أرقم «٥» رضي الله عنه: القنوت السكوت، لأنا كنا نتكلم في الصلاة، فأنزل الله تعالى:
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [٢٣٨] فأمسكنا عن الكلام «٦». وكان محمد بن سوار يقول: القنوت الوتر، سمي قنوتاً لقيام الرجل فيه بالدعاء من غير قراءته القرآن، بل هو التعظيم بالدعاء.
(١) ليس في سورة السجدة نظير ما ورد في سورة التوبة.
(٢) المزمل، الآية ٢٠، وأيضا في سورة الحج، الآية ٧٨.
(٣) في الأصل: (وقال في البقرة) والصواب ما أثبته وقد تكررت الآية في الأنفال: ٣ والنمل: ٣ ولقمان: ٤، وأما ما ورد في سورة البقرة: ٣ فهو قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
(٤) صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم ٧٥٦ وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة ١/ ٤٥٦ والترمذي: كتاب الصلاة ١/ ٨٧ وأحمد ٣/ ٣٠٢، ٣٩١، ٤١٢ والنسائي: كتاب الزكاة ١/ ٣٤٩. [.....]
(٥) زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري (... - ٦٨ هـ) : صحابي. غزا مع النبي صلى الله عليه وسلّم سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي. ومات بالكوفة. (الأعلام ٣/ ٥٦).
(٦) صحيح البخاري: كتاب العمل بالصلاة ١١٤٢ وصحيح مسلم: المساجد ٥٣٩، وانظر تأويل مشكل القرآن ٤٥٢ وعمدة الحفاظ ٣/ ٣٤٠ (قنت).
41

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٦٨ الى ٢٦٩]

الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)
وسئل عن قوله: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ [٢٦٨] قال: هو أن يأخذوا الشيء من غير حله، ويضعوه في غير محله.
وسئل عن قوله: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [٢٦٩] قال: روى أبو سعيد الخدري «١» رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «القرآن حكمة الله عزَّ وجلَّ بين عباده فمن تعلم القرآن وعمل به فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلاَّ أنه لا يوحى إليه يحاسب حساب الأنبياء عليهم السلام إلاَّ في تبليغ الرسالة» «٢». وأخبرني محمد بن سوار عن عُقَيْل «٣» عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القرآن حكمة فمن تعلم القرآن في شبيبته خلط بلحمه ودمه «٤». ألا وإن النار لا تمس قلباً وعى القرآن «٥»، ولا جسداً اجتنب محارمه وأحل حلاله وآمن بمحكمه ووقف عند متشابهه ولم يبتدع فيه».
وقال مجاهد وطاووس «٦» : الحكمة القرآن، كما قال في النحل: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل: ١٢٥] يعني القرآن. وقال الحسن «٧» : الحكمة: الفهم في القرآن، والحكمة النبوة، كما قال في ص: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ [ص: ٢٠] يعني النبوة، وقال لداود عليه السلام:
وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [٢٥١] يعني النبوة من الكتاب.
وقال قتادة «٨» : الحكمة: هي الفقه في دين الله عزَّ وجلَّ، واتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(١) أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري (١٠ ق هـ- ٧٤ هـ) : صحابي. كان من ملازمي النبي صلى الله عليه وسلّم. غزا اثنتي عشرة غزوة. (الحلية ١/ ٣٦٩).
(٢) علل ابن أبي حاتم ٢/ ٦٥ رقم ١٦٨٢.
(٣) عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي الأموي بالولاء (... - ١٤١ هـ) : من حفاظ الحديث، ثقة. كان شرطيا بالمدينة. توفي بمصر. (تهذيب التهذيب ٧/ ٢٢٨).
(٤) السنن الصغرى رقم ٩٨٩ وشعب الإيمان رقم ١٩٥٢، ٢٦٩٦ ونوادر الأصول ٢/ ٩٦.
(٥) في نوادر الأصول ٣/ ٢٥٣: (لا تغرنكم هذه الصحف المعلقة، إن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن) وانظر فتح الباري ٩/ ٧٩.
(٦) طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء (٣٣- ١٠٦ هـ) : من أكابر التابعين تفقها في الدين ورواية للحديث، وجرأة على وعظ الخلفاء. توفي حاجا بالمزدلفة. (الحلية ٤/ ٣).
(٧) الحسن بن يسار البصري (٢١- ١١٠ هـ) : أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك. كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه. (الحلية ٢/ ١٣١).
(٨) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي (٦١- ١١٨ هـ) : مفسر حافظ ضرير أكمه. كان أحفظ أهل البصرة. (الأعلام ٥/ ١٨٩).
وقال السُّدي «١» : الحكمة النبوة. وقال: زيد بن أسلم «٢» : الحكمة العقل. وقال الربيع ابن أنس «٣» : الحكمة خشية الله تعالى. وقال ابن عمر: الحكمة ثلاث: آية محكمة، وسنة ماضية، ولسان ناطق بالقرآن. وقال أبو بكر: قال سهل: الحكمة إجماع العلوم، وأصلها السنة، قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: ٣٤] فالآيات الفرض، والحكمة السنة. وأراد سهل من ذلك أن العرب تقول: حكمت الرجل إذا منعته من الضرر والخروج عن الحق مثل قوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [القمر: ٥] قال: أي تامة، كما قال:
آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء: ٧٤] فهي حينئذ بلغت إلى أهلها دون غيرهم، فهم في كل حال فيها ينطقون، وإلى أحكامها يفزعون، وعن معانيها يكشفون، كما قيل: زاحم الحكماء، فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكم، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر «٤». ثم قال: رأس مال الحكمة ثلاث: الأول رياض النفس في المكروهات، والثاني فراغ القلب عن حب الشهوات، والثالث القيام على القلب بحفظ الخطرات، ومن راقب الله عند خطرات قلبه عصمه عند حركات جوارحه. وقال عمر بن واصل «٥» : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ [٢٦٩] أي يؤتي الإصابة في كتابه من يشاء، كما قال الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلّم عند تعداد النعم عليهن:
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: ٣٤] فالآيات القرآن، والحكمة ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المستنبط منها، كما قال علي رضي الله عنه: الآيات رجل آتاه الله فهما في كتابه.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٣]
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)
وسئل عن قوله: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [٢٧٣] وعن الفرق بينهم وبين المساكين. فقال: الله تعالى وصف الفقير بصفة العدم من حال سؤال الافتقار واللجأ إليه،
(١) السدي: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (... - ١٢٨ هـ) : تابعي، حجازي الأصل. كان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس. (الأعلام ١/ ٣١٧).
(٢) زيد بن أسلم العدوي العمري (... - ١٣٦ هـ) : فقيه مفسر، من أهل المدينة. كان ثقة كثير الحديث، وله كتاب في التفسير. (الأعلام ٣/ ٥٧).
(٣) الربيع بن أنس البكري البصري ثم الخراساني (... - ١٤٠ هـ) : صدوق، ذكره ابن حبان في الثقات. كان يتشيع فيفرط. (تهذيب التهذيب ٣/ ٢٠٧).
(٤) هذا القول من وصية لقمان الحكيم لابنه، موطأ مالك ٢/ ١٠٠٢ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ١/ ١٠٧ وشرح الزرقاني ٤/ ٥٥٢. [.....]
(٥) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١١/ ٢٢١: «عمر بن واصل: أظنه بصريّا، سكن بغداد، وروى بها عن سهل التستري، وحدّث عن عبيد الله بن لؤلؤ السلمي».
ووصفهم بالرضا والقنوع، فقال تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [٢٧٣] وهم أصحاب صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم نحو من أربعين رجلاً، ليست لهم في المدينة مساكن ولا عشائر، فهذه أحوال أقوام مدحهم الله تعالى لشدة الافتقار إليه، لا استطاعة لهم ولا قوة إلا به ومنه، هو حولهم وقوتهم، نزع عنهم قوة سكون قلوبهم إلى غيره، وهو وسوسة النفس إلى شيء دون الله تعالى، فهم بهذا الوصف أعلى حالاً، فمن ردّه الله تعالى إلى مساكنة نفسه فقال: لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: ٧٩] فردهم إلى حالتهم التي قد سكنوا إليها.
وأما الفقير الذي سلمه الفقر إلى الله تعالى إن حركته في موت نفسه فهو أحسن حالاً من الذي سكن إلى حال له لمتابعة نفسه. قال عمر بن واصل: وإذا كان الفقير إلى الله عزَّ وجلَّ الراضي لا يسكن إلا بالرضا والتسليم، فقد كمل له الاسمان جميعاً الفقر والمسكنة. قال أبو بكر سمعت سهلاً يقول الفقير الفقير العاجز، وهو الفقر بلبلبة القلب إلى الله عزَّ وجلَّ، والسكون إِليه بالطاعة والمسكنة ذل، وهي المعصية لله. قال: وحكى الحسن عن أنس «١» رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال لما أنزلت هذه الآية: «صانعوا الفقراء ليوم ملكهم. فقيل: يا رسول الله ومتى ملكهم؟ قال: يوم القيامة» «٢».
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨١]
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)
وسئل عن قوله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [٢٨١] فقال: هي آخر آية ختم الله تعالى بها القرآن، وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد نزولها بثمانين يوماً.
ثم قال: إذا دخلت مظالم ليلة أهل الدنيا لأهل الدنيا ذهب النوم والقرار عن أهل السجن، ما يدرون ما يصنع بهم بدعتي عليهم، فيقتلون أو يعذبون، أم يعفى عنهم فيطلقون، فهذه مظالم أهل الدنيا لأهل الدنيا، فكيف مظالم الحق لأهل العقبى؟.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٦]
لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)
قوله: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [٢٨٦] أي طاقتها، لَها مَا كَسَبَتْ [٢٨٦] أي ثواب العمل الصالح، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [٢٨٦] يعني أوزار الذنوب. ثم قال: من لم تهمه الذنوب السالفة لم يعصم في أيامه الغابرة، ومن لم يعصمه الله تعالى في بقية أيامه فهو من الهالكين في معاده. قيل له: متى يعرف الرجل ذنوبه؟ قال: إذا حفظ أنوار قلبه فلم يترك شيئا
(١) أنس بن مالك بن النصر الأنصاري (١٠ ق هـ- ٩٣ هـ) : صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخادمه. روى عنه ٢٢٨٦ حديثا. توفي بالبصرة. (الأعلام ٢/ ٢٥).
(٢) في المعجم الصغير ٢/ ١٣ والفردوس بمأثور الخطاب ٤/ ٣٩٢ رقم ٧١٣٧: «ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت عليهم، فيقول: وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأباعدنهم» وفي كشف الخفاء ١/ ٣٧، ٢/ ١١٤، والفردوس بمأثور الخطاب ١/ ٨٣ رقم ٢٦١: (قال الحسين بن علي:
اتخذوا عند الفقراء الأيادي، فإن لهم دولة إذا كان يوم القيامة... ).
44
يدخل عليه ولا يخرج منه، إلاَّ بوزن، حينئذ يعرف ذنوبه، فمن فتح على نفسه باب حسنة فتح الله عليه سبعين باباً من التوفيق، ومن فتح على نفسه باب سيئة فتح الله عليه سبعين باباً من الشر من حيث لا يعلمه العبد، وما من قلب يهم بما لا يعنيه إلاَّ عوقب في الحال بتضييع ما يعنيه، ولا يعرف ذلك إلاَّ العلماء بالله. وسئل عن قوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [١٨٠] ما هذا الخير عندك؟
قال: المال الحلال، كما قال الله تعالى: مَآ أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [٢١٥] أي من مال حلال في وجوهه وابتغاء مرضاته، فقال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [٢٧٢] أي من مال حلال، يُوَفَّ إِلَيْكُمْ [٢٧٢] أي توفون الجزاء من الله تعالى على فعلكم وما قصدتم به. وسئل عن قوله:
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [١٧٧] أي في بداية الأمر بالسنة، وَالضَّرَّاءِ [١٧٧] أي في اجتناب المنهي ظاهراً وباطناً في أكل الحلال، والبأساء في الظاهر الفقر، والضراء الشدة، وَحِينَ الْبَأْسِ [١٧٧] أي عند القتال.
وسئل عن قوله: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [٢٠٦] قال: يعني الحمية، كما قال في ص:
فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: ٢] أي في حمية واختلاف. وقوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [١٦٥] أي يحبون الأنداد كحبهم الله عزَّ وجلَّ، فقد وصف الله تعالى شدة كفرهم وصدقهم في حال الكفر جهلاً، ووصف محبة المؤمنين وصدقهم في الإيمان بالله تعالى حقاً، ثم فضل المؤمنين بالمعرفة فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [١٦٥] بمعرفتهم وسائر أسباب العبد المؤمن إلى الإقبال عليه وإقامة الذكر له، وتلك منزلة العارفين المحبين، إذ المحبة عطف من الله تعالى بخالصة الحق. فقيل له: ما علامة المحبة؟ قال: معانقة الطاعة ومباينة الفاقة.
وقد حكي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: أتدري لم ألقيت عليك محبتي؟ فقال:
لا يا رب. فقال: لأنك ابتغيت مسرتي. يا موسى: أنزلني منك على بال، ولا تنس ذكري على حال، وليكن همتك ذكري، فإن طريقك عليّ «١»، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) في المعجم الوسيط ١/ ١٤١: (قال موسى: أنا أكون على حال من الحال، أجلّك أن أذكرك، الغائط والجنابة، فقال: اذكرني على كل حال). وانظر مثل ذلك في الحلية ٦/ ٣٧.
45
Icon