تفسير سورة الملك

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الملك من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: (تنزه عن صفات المحدثين) أي تعاظم بجلاله وجماله عن أوصاف المخلوقات أزلاً وأبداً. قوله: (السلطان) أي الاستيلاء والتمكن التام من سائر الموجودات فيتصرف فيها كيف شاء، والأوضح للمفسر أن يفسر اليد بالقدرة، والملك بالمملوكات، وإلا فإبقاء كلامه على ظاهره فيه ركة لا تخفى، إذ يصير المعنى: تبارك لذي بتصرفه التصرف، ولا معنى له. قوله: ﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ تذليل لما قبله، قصه به إفادة أن قدرته تعالى ليست قاصرة على تغيير الأحوال، بل عامة التعلق بها، إيجاد الأعيان المتصرف فيها، وتغييرها من حال إلى حال.
قوله: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ ﴾ الخ، شروع في تفاصيل بعض آثار القدرة، واعلم أنه اختلف في الموت والحياة، فحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل، أن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فارس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام يركبونها، خطوتها مد البصر فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيي، ولا تطأ على شيء حيي، وهي التي أخذ السامري من أثرها تراباً فألقاه على العجل فحيي، على هذا الحياة والموت أمران وجوديان؛ وتقابلهما من تقابل الضدين، وقيل الموت عدم الحياة، فتقابلهما من تقابل العدم والملكة. قوله: (في الدنيا) أي وهو القاطع للحياة الدنيوية، وقوله: ﴿ وَٱلْحَيَاةَ ﴾ (في الآخرة) أي وهي حياة البعث، ولكن هذا القول لا يناسب ترتبت الابتلاء عليه في قوله: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ لأن الابتلاء إنما يترتب على حياة الدنيا. قوله: (أو هما في الدنيا) أي فالمراد بالموت عدم الحياة السابق على الوجود، والمراد بالحياة الحياة الدنيوية. قوله: (وهي ما به الإحساس) تفسير للحياة على كل من القولين، وقوله: (ما به الإحساس) أي فتكون صفة وجودية يلزمها الحس والحركة. قوله: (أو عدمها) أي عدم الحياة أعم من أن يكون سابقاً عليها أو متأخراً عنها. قوله: (قولان) أي في تعريف الموت. قوله: (والخلق على الثاني) أي على القول الثاني في تعريف الموت وهو أنه عدم الحياة. قوله: (بمعنى التقدير) أي وهو متعلق بالموجودات والمعدومات، لأنه تعلق الإرادة والعلم الأزليان. وأما على الأول فيتعلق به الخلق حقيقة، لأنه أمر وجودي. قوله: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ أي يعاملكم معاملة المبتلي والمختبر، فاندفع ما قد يتوهم من ظاهر الآية، أن علمه تعالى يتجدد بتجدد المعلومات. قوله: ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ﴿ أَيُّكُمْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ أَحْسَنُ ﴾ خبره، و ﴿ عَمَلاً ﴾ تمييز، والجملة في محل نصب مفعول ثاني ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ وإنما علق يبلو عن المفعول الثاني لما فيه من معنى العلم فأجرى مجراه. قوله: (أطوع لله) هذه أحد تفاسير في قوله: ﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ وقيل: أحسن عقلاً، وأروع عن محارم الله؛ وأسرع في طاعة الله، وقيل: ﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أخلصه وأصوبه، فالخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة، وقيل غير ذلك.
قوله: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ ﴾ أي فالأولى من موج مكفوف، والثانية من مرمرة بيضاء، والثالثة من حديد، والرابعة من نحاس أصفر، والخامسة من فضة، والسادسة من ذهب، والسابعة من ياقوتة حمراء، وبين السابعة والحجب صحارى من نور، وهذا على بعض الروايات. قوله: ﴿ طِبَاقاً ﴾ إما جمع طقبة أو طبق أو مصدر طابق، فالوصف به على الأول ظاهر، وعلى الثاني مبالغة. قوله: (بعضها فوق بعض من غير مماسة) وكلها علوية لا غير، وهذا مذهب أهل السنة، وقال أهل الهيئة: إن الأرض كروية، والسماء الدنيا محيطة بها إحاطة قشر البيضة من جميع الجونب، وللثانية محيطة بالجميع، وهكذا العرش محيط بالكل، والأرض بالنسبة لسماء الدنيا كحلقة ملقاة في فلاة، وسماء الدنيا بالنسبة للثانية كحلقة ملقاة في فلاة وهكذا، واعتقاد ما قاله أهل الهيئة لا يضر، وليس في الشرع ما يخالفه. قوله: ﴿ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ خطاب للنبي عليه السلام، او لكل من يصلح للخطاب، وإضافة خلق للرحمن من إضافة المصدر إلى فاعله، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله: (لهن ولا لغيرهن). قوله: ﴿ مِن تَفَاوُتٍ ﴾ بألف بين الفاء والواو، وبدونها مع تشديد الواو، قراءتان سبعيتان، ولغتان بمعنى واحد. قوله: (وعدم تناسب) أي اختلاف يخالف ما تعلقت به القدرة والإرادة، بل خلقه تعالى مستقيم متناسب على حسب تعلق قدرته وإرادته، بخلاف صنع العبد، فقد يأتي على خلاف ما يريده. قوله: ﴿ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ ﴾ أي إن أردت العيان بعد الإخبار ﴿ فَٱرْجِعِ ﴾ فهو مرتب على قوله: ﴿ مَّا تَرَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ﴾ بإدغام لام ﴿ هَلْ ﴾ في التاء واظهارها، قراءتان سبعيتان، هنا وفي الحاقة. قوله: (صدوع وشقوق) أي فلا يطرأ على السماء، ما دامت الدنيا صدوع، ولا شقوق لعدم تعلق ارادته بذلك، فليست كبنيان الخلائق، يتصدع ويتشقق بطول الزمان، مع كون صانعه لا يرد ذلك. قوله: (كرة بعد كرة) أشار بذلك: إلى أنه ليس المراد من قوله: ﴿ كَرَّتَيْنِ ﴾ حقيقة التثنية، بل التكثير بدليل قوله: ﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ ﴾ الخ، وانقلاب البصر ﴿ خَاسِئاً ﴾ حسيراً، لا يتأتى بنظرتين ولا ثلاث، فهو كقولهم: لبيك وسعديك. قوله: ﴿ يَنْقَلِبْ ﴾ العامة على جزمه في جواب الأمر، وقرئ برفعه إما على أنه حال مقدرة أو مستأنف حذفت منه الفاء، والأصل فينقلب. قوله: (ذليلاً) أي خاضعاً صاغراً متباعداً. قوله: (منقطع) أي بلغك الغاية في الإعياء والتعب.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا ﴾ الخ، شروع في ذكر أدلة أخرى على توحيده سبحانه وتعالى، وتمام قدرته وارادته. قوله: (القرى إلى الأرض) أي التي هي أقرب إلى الأرض من باقي السماوات فقربى صيغة تفضيل كما تقول: هند فضلى النساء، ولا يخالف ما تقدم، من أن الكواكب ثابتة في العرش أو الكرسي، لأن السماء شفافة لا تحجب ما وراءها، فتزين السماء الدنيا بالكواكب، لا يقتضي أنها ثابتة فيها، وهذا في غير الكواكب السبعة التي أشار لها بعضهم بقوله: زجل شرى مريخة من شمسه   فتزاهرت لعطارد الأقمارفإنها مفرقة على السماوات السبع، في كل سماء كوكب منها، فزحل في السابعة، والمشتري في السادسة، والمريخ في الخامسة، والشمس في الرابعة، والزهرة في الثالثة، وعطارد في الثانية، والقمر في سماء الدنيا، قوله: (بنجوم) أشار بذلك إلى أنه أطلق المصابيح وأراد النجوم فهو مجاز، وإلا فحقيقة المصباح السراج. قوله: ﴿ رُجُوماً ﴾ جمع رجم مصدر، أطلق على المرجوم به، ولذا قال المفسر (مراجم) أي أموراً يرجم بها. قوله: (إذا استرقوا السمع) أي أرادوا استراقة. قوله: (بأن ينفصل شهاب) الخ، جواب عما يقال: إن الله تعالى جعل الكواكب زينة للسماء، وذلك يقتضي ثبوتها وبقاءها فيها، وجعلها رجوماً يقتضي زوالها وانفصالها عنها، فكيف الجمع بين الحالتين؟ فأجاب: بأنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب، بل بما ينفصل منها من الشهب، وذلك كمثل القبس الذي يؤخذ من النار، وهي على حالها. قوله: (أو يخبله) من الخبل بسكون الباء، وهو الفساد في العقل أو في البدن. قوله: (لا أن الكوكب يزول عن مكانه) أي ففي الكلام حذف مضاف، والتقدير: وجعلنا شهبها رجوماً، الخ. قوله: ﴿ وَأَعْتَدْنَا ﴾ أي هيانا وأحضرنا. قوله: ﴿ لَهُمْ ﴾ أي للشيطان. قوله: ﴿ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ ﴾ أي في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا. قوله: ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ خبر مقدم ﴿ عَذَابُ جَهَنَّمَ ﴾ مبتدأ مؤخر، والمعنى: لمن كفر من الإنس والجن عذاب جهنم الخ. قوله: ﴿ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا ﴾ معمول لسمعوا، والجملة مستأنفة، قوله: ﴿ لَهَا ﴾ متعلق بمحذوف حال من ﴿ شَهِيقاً ﴾ لأنه نعت نكرة قدم عليها. قوله: (صوتاً منكراً) أي فتشهق جهنم عند إلقاء الكفار فيها، كشهقة البغل للشعير، وهذا ما عليه ابن عباس، وقل الشهيق من الكفار عند إلقائهم فيه، وعليه فالكلام على حذف مضاف، أي سمعوا لأهلها. قوله: (وقرئ تمييز) أي شذوذاً. قوله: (غضباً على الكفار) أي من أجل غضب سيدها وخالقها، فتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام، لكل زمام سعبون ألف ملك يقودونها به، وهي من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس، فتقطع الأزمة جميعها، وتحطم على أهل المحشر، فلا يردهم عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، يقابلها بنوره فترجع، مع أن لكل مللك من القوة، ما لو أمر أن يقلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو، لفعل من غير كلفة. قوله: ﴿ سَأَلَهُمْ ﴾ أي سأل الفوج، والجمع باعتبار معناه. قوله: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾ مفعول ثان لسأل. والمعنى سألهم عن جواب هذا الاستفهام. قوله: ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ الخ، إنما جمعوا بين حرف الجواب والجملة المستفادة منه تأكيداً وتحسراً وندماً على تفريطهم. قوله: ﴿ جَآءَنَا نَذِيرٌ ﴾ هذا من كلام الفوج، ومن المعلوم أن كل فوج له نذير يخصه. قوله: ﴿ فَكَذَّبْنَا ﴾ أي فتسبب عن مجيئه، أننا كذبناه فيما جاء من عند الله تعالى. قوله: ﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾ أي بعيد عن الحق. قوله: (ويحتمل أن يكون) أي قوله: (من كلام الملائكة) أي وعليه فقوله: ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾ أي في الدنيا. قوله: (وأن يكون من كلام الكفار) أي من تمام كلام الكفار للنذر، وهذا الاحتمال استظهره جمهور المفسرين.
قوله: ﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ ﴾ الخ، أي زيادة في توبيخ أنفسهم. قوله: ﴿ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ أي في عدادهم وهم الشياطين قوله: ﴿ فَسُحْقاً ﴾ إما مفعول به، أي ألزمهم الله سحقاً، أو مصدر عاملة محذوف تقديره سحقاً، فناب المصدر عن عامله، والسحق البعد، يقال سحق الشيء بالضم بوزن بعد، فهو سحيق أي بعيد، وأسحقه الله أبعده. قوله: (بكسون الحاء وضمها) أي فهما سبعيتان. قوله: (في غيبتهم عن أعين الناس) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ حال من الواو ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾ والباء بمعنى في، والمعنى يخشى الله في حال غيبته عن الناس بحيث يطيع ربه، ولم يطلع عليه أحد، وإذا كان ذلك في حال سره واختفائه عن الناس، فعلانيته أولى، لأن العادة أن الإنسان يستتر في المعصية عن أعين الناس وإن لم يخف الله. قوله: ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ أي لذنوبهم. قوله: ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ أي لا يعلم قدره غير الله تعالى. قوله: (بما فيها) أي من الخواطر التي لا تكلم بها. قوله: (فكيف بما نطقتم به) هذا من تمام الاستدلال على تساوي السر والجهر بالنسبة إلى علمه تعالى. قوله: (قال بعضهم لبعض) أي وذلك أنهم كانوا يتكلمون في شأن النبي بما لا يليق، فأخبره جبريل بذلك، فأخبرهم النبي به، فقال بعضهم لبعض ﴿ أَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ ﴾ الخ. قوله: (لا يسمعكم) مجزوم في جواب الأمر. قوله: ﴿ مَنْ خَلَقَ ﴾ ﴿ مَنْ ﴾ فاعل ﴿ يَعْلَمُ ﴾ وقوله: (ما تسرون) تنازعه كل من يعلم وخلق، والمعنى إذا كان خالقاً للسر الذي هو من جملة مخلوقاته، لزم أن يكون عالماً به، فكيف يدعون أنه لا علم له به. قوله: (أي أينتفي علمه) الخ، أشار به إلى أن همزة الاستفهام داخلة على لا النافية. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾ الجملة حالية، وقوله: (لا) أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري، فهو نفي للنفي، فالمقصود إثبات احاطة علمه بجميع الأشياء ظاهرها وخافيها.
قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ﴾ الخ، هذا من جملة أدلة توحيده وباهر قدرته وامتنانه على عباده. قوله: ﴿ ذَلُولاً ﴾ أي مذللة منقادة لما تريدون، منها من مشى عليها، وزرع حبوب، وغرس أشجار، وغير ذلك. قوله: (سهلة للمشي فيها) أي بأن ثبتها بالجبال وجعلها من طين، إذ لو جعلها من حديد أو ذهب أو رصاص، لكانت تسخن جداً في الصيف، وتبرد جداً في الشتاء، فلا يستطاع المشي عليها. قوله: ﴿ فَٱمْشُواْ ﴾ أمر اباحة، قوله: (جوانبها) هذا أحد تفاسير للمناكب، وقيل المناكب الجبال، وقيل الأطراف، وقيل الفجاج.- فائدة - حكى قتادة عن أبي الجلد، أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، للسودان اثنار عشر ألفاً، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاثة آلاف، وللعرب ألف اهـ. والظاهر أن المراد بها الأرض المعمورة ببني آدم، غير يأجوج ومأجوج، مما تقدم لنا أن كورة الأرض خمسمائة عام. قوله: (المخلوق لأجلكم) أي لانتفاعكم به، فحكمة خلق الأرزاق انتفاعهم بها. قوله: ﴿ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾ أي الإخراج من القبور. قوله: (للجزاء) أي على أعمالكم. قوله: (وإدخال ألف بينها) أي بين الهمزة الثانية بقسميها، وهما التحقيق والتسهيل، ففي كلامه التنبيه على خمس قراءات سبعيات، اثنتان في التحقيق، ومثلها في التسهيل، والخامسة الإبدال. قوله: ﴿ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ (سلطانه) أشار بذلك لجواب ورد على ظاهر الآية. وحاصلة: أن الآية توهم أن الله تعالى في مكان وهو السماء. فأجاب رضى الله عنه: بأن الكلام على حذف مضاف للضمير المستكن في الظرف. والأصل من ثبت واستقر في السماء هو أي سلطانه وقدرته أي محل سلطانه وهو العالم العلوي، وخصه بالذكر وإن كان سلطانه في العالم السفلي أيضاً، لأنه أعجب وأغرب، فالتخويف به أشد. قوله: ﴿ أَن يَخْسِفَ ﴾ الخ، أي بعد أن جعلها ذلولاً، تمشرون فيها وتأكلون من رزقه. قوله: (بدل من من) أي بدل اشتمال. قوله: (تتحرك بكم) أي فيقال مار تحرك وجاء وذهب. قوله: ﴿ أَمْ أَمِنتُمْ ﴾ اضراب وانتقال من تهديد إلى آخر. قوله: ﴿ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾ أي سلطانه وقدرته. قوله: (بدل من من) أي بدل اشتمال أيضاً. قوله: (ريحاً ترميكم) الخ، هذا أحد تفاسير للحاصب، وقيل هو الحجارة من السماء، وقيل سحاب فيها حجارة. قوله: (عند معاينة العذاب) أي في الآخرة أو عند خروج أرواحهم. قوهل: (أي إنه حق) أي الإنذار واقع ونافذ مقتضاه. قوله: ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، أي لا تحزن على تكذيبهم لك، فقد سبقهم غيرهم بالتكذيب لأنبيائهم. قوله: (عند إهلاكهم) أي موتهم أو تعذيبهم في الآخرة.
قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه. والمعنى: أغفلوا ولم يروا. قوله: ﴿ إِلَى ٱلطَّيْرِ ﴾ يجمع على طيور وأطيار، ومفرد الطير طائر، فطيور وأطيار جمع الجمع. قوله: ﴿ صَـٰفَّـٰتٍ ﴾ حال ومفعوله محذوف قدره بقوله: (أجنحتهن) وكذا قوله: ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾.
قوله: (أي وقابضات) أشار بذلك إلى أن الفعل مؤول باسم الفاعل معطوف على ﴿ صَـٰفَّـٰتٍ ﴾ والحكمة في تعبيره ثانياً بالفعل، ولم يقل وقابضات أن الأصل في الطيران صف الأجنحة، والقبض طائر عليه، فعبر عن الأصل باسم الفاعل، وعن الطارئ بالفعل الذي شأنه الحدوث. قوله: ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ عبر بالرحمن إشارة إلى أنه من جلائل النعم، وهذه الجملة مستأنفة. قوله: ﴿ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ أي فيعلم الأشياء الدقيقة الغريبة، فيدبرها على مقتضى ما يريد. قوله: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي ﴾ الخ، سبب نزول هذه الآية وما بعدها، أن الكفار كانوا يمتنعون من الإيمان ويعاندون رسول الله، معتمدين على شيئين: قوتهم بالأموال والعدد، واعتقادهم أن أصنامهم توصل إليهم الخيرات وتدفع عنهم المضرات، فأبطل الله الأول بقوله: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ ﴾ الخ، وأبطل الثاني بقوله: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ ﴾ الخ، وأم هنا منقطعة تفسر ببل وحدها لدخولها على من الاستفهامية، ولا يصح تفسيرها ببل والهمزة، لئلا يدخل الاستفهام على مثله. قوله: (أعوان) أشار بذلك إلى أن جنداً لفظه مفرد ومعناه جمع. قوله: (يدفع عنهم عذابه) تفسير لقوله: ﴿ يَنصُرُكُمْ ﴾.
قوله: ﴿ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ ﴾ اعتراض مقرر لما قبله، والالتفات عن الخطاب للغيبة، وإيذان بالإعراض عنهم، والإظهار في موضع الإضمار لذمهم بالكفر. قوله: ﴿ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ ﴾ تكتب أم موصولة بمن، فتكون ميماً واحدة متصلة بالنون، وكذا يقال فيما تقدم. قوله: ﴿ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ أي أسباب رزقه التي ينشأ عنها. قوله: (أي المطر) أي والنبات وغير ذلك كباقي الأسباب. قوله: ﴿ بَل لَّجُّواْ ﴾ الخ، اضراب انتقالي مبني على مقدر يستدعيه المقام، كأنه قيل: إنهم لم يتأثروا بتلك المواعظ ولم يذعنوا. قوله: ﴿ بَل لَّجُّواْ ﴾ الخ.
قوله: ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً ﴾ الخ، هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، توضيحاً لحالهما، وتحقيقاً لشأنهما. قوله: ﴿ مُكِبّاً ﴾ اسم فاعل من أكب اللازم المطاوع لكب، فكب من غير همزة، ومتعدّ، يقال: كبه الله، وأما أكب فهو لازم، أكب أي سقط، وهذا على خلاف القاعدة المشهورة، من أن الهزة إذا دخلت على اللازم تصيره متعدياً، وهنا دخلت على المتعدي فصيرته لازماً. قوله: (واقعاً) ﴿ عَلَىٰ وَجْهِهِ ﴾ أي لكونه أعمى ماشياً على غير طريق، فهو معرض للهلاك. قوله: ﴿ أَهْدَىٰ ﴾ أي متصف بالهدى، فأفعل التفضيل ليس على بابه، كما يشير له المفسر، بقوله: (أي أيهما على هدى). قوله: (وخبر من الثانية) الخ، لا حاجة له، بل من الثانية معطوفة على الأولى عطف مفردات، والخبر قوله: ﴿ أَهْدَىٰ ﴾ وأفرد لأن العطف بأم وهي لأحد الشيئن. قوله: (والمثل في المؤمن والكافر) أي فلا يستوي الأعمى الماشي على غير طريق، والبصير الماشي في الطريق المعتدلة، لأن الأول معرض للهلاك والتلف، بخلاف الثاني، فتسوية الكفار لهما خسافة عقل وعدم تدبر، والمذكور في الآية هو المشبه به، والمشبه محذوف لدلالة السياق عليه. قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ ﴾ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم بنعم الله تعالى عليهم، ليرجعوا إليه في أمورهم، ولا يعولوا على غيره. قوله: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ ﴾ أي لتسمعوا آيات الله وتتعظوا بها. قوله: ﴿ وَٱلأَبْصَارَ ﴾ أي لتنظروا بها إلى مصنوعاته الدالة على انفراده بالخلق والتدبير. قوله: ﴿ وَٱلأَفْئِدَةَ ﴾ لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتبصرونه من الآيات العظيمة. قوله: ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ ﴿ قَلِيلاً ﴾ صفة مصدر محذوف، أي شكراً قليلاً، والشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله، فصرف النعم في غير مصارفها كفر لها. قوله: (ما مزيدة) أي لتأكيد القلة، وهي على بابها بالنسبة للمؤمن، أو بمعنى العدم بالنسبة للكافر. قوله: ﴿ قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ أي أنشأكم وبثكم ونشركم. قوله: ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ أي تجمعون وتضمون للحساب. قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي استهزاء وتكذيباً. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ قصدوا بهذا الخطاب النبي والمؤمنين لأنهم مشاركون له في الوعد وتلاوة الآيات، وجواب الشرط محذوف أي فبينوا وقته. قوله: (بمجيئه) أي بوقت إتيانه. قوله: (بين الإنذار) أي بسبب إقامة الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة. قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ﴾ مرتب على محذوف تقديره: وقد أتاهم الموعود به فرأوه، فلما رأوه الخ. قوله: (أي العذاب بعد الحشر) أي وهو العذاب في الآخرة، وهذا قول جمهور المفسرين في مرجع الضمير في ﴿ رَأَوْهُ ﴾ وقيل هو عذاب بدر، وقيل هو علمهم السيئ. قوله: ﴿ زُلْفَةً ﴾ اسم مصدر لأزلف ومصدره الإزلاف. قوله: (قريباً) حال مفعول ﴿ رَأَوْهُ ﴾ قوله: ﴿ سِيئَتْ ﴾ مبني للمفعول، والأصل ساء العذاب وجوههم، وأظهر في مقام الإضمار تقبيحاً وتسجيلاً بوصف الكفر. قوله: (أي قال الخزنة لهم) أي توبيخاً وتقريعاً. قوله: ﴿ تَدَّعُونَ ﴾ من الدعوى، ومفعوله محذوف قدره المفسر. بقوله: (أنكم لا تبعثون) والباء في ﴿ بِهِ ﴾ سببية، والمعنى: فلما رأوا عذاب الآخرة قريباً منها، اسودت وجوههم وقال لهم الخزنة: هذا العذاب الذي كنتم بسبب انذاركم وتخويفكم به، ادعيتم البعث، وانكرتم البعث. قوله: (وهذه حكاية حال) الخ، اسم الإشارة عائد على قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ ﴾.
قوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ﴾ الخ.
﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ بمعنى أخبروني تنصب مفعولين، سدت الجملة الشرطية مسدهما، والمعنى: قل لهم يا محمد، وكانوا يتمنون موته صلى الله عليه وسلم: إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين بعذابه أو رحمنا، فلا فائدة لكم في ذلك، ولا نفع يعود عليكم، لأنه لا مجير لكم من عذاب الله تعالى. قوله: (كما تقصدون) حذف منه إحدى التاءين، أي تتقصدون وتنتظرون، قال تعالى حكاية عنهم﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ ﴾[الطور: ٣٠].
قوله: (أي لا مجير لهم منه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالكفر. قوله: ﴿ قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ أي الذي ادعوكم إلى عبادته وطاعته. قوله: ﴿ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ الحكمة في تأخير مفعول ﴿ آمَنَّا ﴾ وتقديم مفعول ﴿ تَوَكَّلْنَا ﴾ أن الأول وقع في معرض الرد على الكافرين فكأنه قال: آمنا ولم نكفر كما كفرتم، والثاني قدم مفعوله لإفادة الحصر كأنه قال: لا نتوكل على ما توكلتم عليه، من أموال ورجال وغير ذلك، بل نقصر توكلنا على خالقنا. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (عند معاينة العذاب) أي في الآخرة. قوله: (أنحن) أشار به إلى أن ﴿ مَنْ ﴾ استفهامية؛ و ﴿ هُوَ ﴾ ضمير فصل، وجملة الظرف خبر المبتدأ، والجملة بتمامها سدت مسد المفعولين، لعلم المعلقة عن العمل بالاستفهام. قوله: (أم أنتم) راجع لقراءة الخطاب، وقوله: (أم هم) راجع لقراءة الغيبة، فالكلام على التوزيع. قوله: ﴿ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ ﴾ أي الكائن في ايديكم، وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون. قوله: (غائراً) أشار بذلك إلى أن المصدر مؤول باسم الفاعل. قوله: ﴿ مَّعِينٍ ﴾ أصله معيون بوزن مفعول كمبيع، نقلت ضمة الياء إلى العين قبلها، فالتقى ساكنان الياء والواو، حذف الواو وكسرت العين لتصح الياء. قوله: (لا يأتيكم به إلا الله) أي فلم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم به. قوله: (أن يقول القارئ) أي ولو في الصلاة. قوله: (وعمي) عطف تفسير. قوله: (من الجراءة على الله) يقال: اجترأ على القول بالهمز، اسرع بالهجوم عليه من غير توقف، والاسم الجرأة بوزن غرفة، وجراءة بوزن كراهة، كما قال المفسر، ويؤخذ منه أن العبد يؤاخذ بالكفر، ولو على سبيل المزح.
Icon