تفسير سورة البروج

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة البروج من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة البروج مكية وهى اثنتان وعشرون آية

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١)
﴿والسماء ذَاتِ البروج﴾ هي البروج الاثنا عشر وقيل النجوم أو عظام الكواكب
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢)
﴿واليوم الموعود﴾ يوم القيامة
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣)
﴿وشاهد وَمَشْهُودٍ﴾ أي وشاهد في ذلك اليوم ومشهود فيه والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم وبالمشهود فيه ما في ذلك اليوم من عجائبه وطريق تنكيرهما إما ما ذكرته في قوله عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أحضرت كأنه قيل ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود واما الابهام في الوصف كأنه قيل وشاهد ومشهود لا يكنته وصفهما وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل محمد ﷺ ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله وَكُنتُ عليهم شهيدا ما دمت فيهم أو أمة محمد وسائر الأمم أو الحجر الأسود والحجيج أو الأيام والليالي وبنو آدم للحديث ما من يوم إلا وينادي أنا يوم جديد وعلى ما يفعل فيّ شهيد فاعتنمنى فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة أو الحفظة وبنو آدم أو الله تعالى والخلق لقوله تعالى وكفى بالله شَهِيداً أو الأنبياء ومحمد
622
عليهم السلام وجواب القسم محذوف يدل عليه
623
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤)
﴿قُتِلَ أصحاب الأخدود﴾ أي لعن كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء إنهم ملعونون يعني كفار قريش كما من أصحاب الاخدود وهو خداى شق عظيم في الأرض رُوي عن النبي ﷺ أنه كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضم إليه غلاماً ليعلمه السحر وكان في طريق الغلام راهب فسمع منه فرأى في طريقه ذات يوم دابة قد حبست الناس فأخذ حجراً فقال اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها فقتلها فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الاكمه والابرص وعمى جليس الملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله من رد عليك بصرك فقال ربي فغضب فعذبه فدل على الغلام فعذبه فدل على الراهب فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار وأبى الغلام فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونحا فذهب به إلى قرقور فلجّجوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا فقال للملك لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبنى على جذع وتأخذمنهما من كنانتي وتقول باسم الله رب الغلام ثم ترميني به فرماه فوقع في صدغه فوضع يده عليه ومات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل للملك نزل بك ما كنت ما تحذر فخذ أخدودا واملأها ناراً فمن لم يرجع عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبي فتقاعست أن تقع فيها فقال الصبي يا أماه اصبري فإنك على الحق فألقي الصبي وأمه فيها
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥)
﴿النار﴾ بدل اشتمال من الأخدود ﴿ذَاتِ الوقود﴾ وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (٦)
﴿إِذْ﴾ ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين حولها
623
﴿هُمْ عَلَيْهَا﴾ أي الكفار على ما يدنو منها من حافات الأخدود ﴿قعود﴾ جلوس على الكراسى
624
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧)
﴿وهم﴾ الكفار ﴿على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين﴾ من الإحراق ﴿شُهُودٌ﴾ يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحداً منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض اليه من التعذيب وفيه حث المؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل مكة
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)
﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ﴾ وما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم وقوله... ما نقموا من بنى امية... انهم يحلمون ان غضبوا...
وقرئ نَقَمُواْ بالكسر والفصيح هو الفتح ﴿بالله العزيز الحميد﴾ ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزاً غالباً قادرا يخشى عقابه حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)
﴿الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾ فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريراً لأن ما نقموا منهم هو الحق الذي لا ينقمه الامبطل وأن الناقمين أهل لانتقام الله منهم بعذاب عظيم ﴿والله على كل شيء شهيد﴾ وعيدلهم يعني أنه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠)
﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات﴾ يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود خاصة وبالذين آمنوا المطروحين في الأخدود ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم ﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ﴾ لم يرجعوا عن كفرهم ﴿فَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ بكفرهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق﴾ في الدنيا لما رُوي أن النار
624
انقلبت عليهم فأحرقتهم ويجوز أن يريد الذين فتنوا المؤمنين أي بلوهم بالأذى على العموم والمؤمنين المفتونين وأن للفاتنين عذابين فى الآخرة لكفرهم ولفتنتهم
625
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)
﴿إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الفوز الكبير﴾ أي الذين صبروا على تعذيب الأخدود أو هو عام
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ البطش الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)
﴿إنه هو يبدئ ويعيد﴾ أى يخلفهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم تراباً دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالإعادة
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)
﴿وَهُوَ الغفور﴾ الساتر للعيوب العافي عن الذنوب ﴿الودود﴾ المحب لأوليائه وقيل الفاعل بأهل
طاعته ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)
﴿ذو العرش﴾ خالقه ومالكه ﴿المجيد﴾ بالجر حمزة وعلي على أنه صفة للعرش ومجد الله عظيمته ومجد العرش علوه وعظمته
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦)
﴿فَعَّالٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف ﴿لِّمَا يُرِيدُ﴾ تكوينه فيكون فيه دلالة على خلق أفعال العباد
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧)
﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود﴾ أي قد أتاك خبر الجموع الطاغية في الأمم الخالية
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨)
﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ بدل من الجنود وأراد بفرعون إياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩)
﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ﴾ من قومك
625
﴿فِى تَكْذِيبٍ﴾ واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عناداً
626
وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)
﴿والله من ورائهم محيط﴾ عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه والإحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت فائت الشئ المحيط به
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
﴿بَلْ هُوَ﴾ بل هذا الذي كذبوا به ﴿قرآن مَّجِيدٌ﴾ شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
﴿في لوح محفوظ﴾ من وصول الشياطين مَّحْفُوظٍ نافع صفة للقرآن أي من التغيير والتبديل واللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرءونه وعند ابن عباس رضى الله عنهما وهو من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك كريم والله أعلم
626
سورة الطارق مكية وهي سبع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

627
Icon