تفسير سورة الضحى

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الضّحى
مكيّة وهى احدى عشر اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال اشتكى النبي - ﷺ - فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما ارى لشيطانك الا قد تركك فانزل الله تعالى
وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقال البغوي قال يعنى جندب ان امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة ابى لهب واخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال مكث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى فقالت أم جميل امرأة ابى لهب ما ارى صاحبك الا قد ودعك وقلاك فانزل الله والضحى الآيات واخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال ابطأ جبرئيل على النبي ﷺ فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت واخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد ان خديجة قالت للنبى - ﷺ - ما ارى ربك الا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر ان كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا واخرج ابن شيبة والطبراني بسنه فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن امه عن أمها وكانت خادمة رسول الله ﷺ ان جروا دخل بيت النبي ﷺ فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي ﷺ اربعة ايام لا ينزل عليه الوحى فقال يا خولة ما حدت فى بيت رسول الله - ﷺ - جبرئيل لا يأتيني فقلت فى نفسى لو نقيات البيت وكنسة فاهويت بالكناسة تحت السرير فاخرجت الجر وفجاء النبي ﷺ ترعد لحيته وكان إذا انزل عليه أخذته الرعد فانزل الله والضحى الى قوله ترضى قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرئيل بسبب الجر ومشهورة لكن كونها سبب نزول الاية غريب بل شاذ مردود كما فى الصحيح قال البغوي
فى مدة احتباس الوحى عنه اختلاف فقال ابن جريج اثنى عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فانزل الله تعالى هذه السورة كذا اخرج ابن مردوية عن ابن عباس فقال النبي ﷺ يا جبرئيل ما جئت اشتقت إليك فقال جبرئيل انى كنت أشد شوقا إليك ولكنى عبد مامور بما انزل الله وما نتنزل الا بامر ربك قوله تعالى والضحى قبل أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى ان يأتيهم بأسنا ضحى يعنى نهارا وقال قتادة ومقاتل يعنى وقت الضحى وهى الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل خص ذلك الوقت لانها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام والقى فيها السحرة سجدة وهى الساعة يعدل فيها النهار فى الحر والبرد فى الصيف والشتاء والليل إذا سجى الظرف اما متعلق بفعل القسم او بمضاف مقدر على الليل اى وحصول الليل إذا سجى او صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به قال الحسن اقبل بظلام وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شىء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك او المراد سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل فى السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى هاهنا للشرف وجواب القسم قوله تعالى ما وَدَّعَكَ اى ما تركك وقطع عنك قطع مودع ربّك وما قلى وما أبغضك حذف الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار او رعاية للفواصل اخرج الطبراني فى الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ عرض على ما هو مفتوح لامتى بعدي فسرنى فانزل الله تعالى.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ط يجوز ان يكون هذه الاية متصلا بما سبق ووجه اتصاله ان قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى يتضمن ان الله مواصلك بالوحى إليك وانك حبيب الله ولا يكون كرامته أعظم ذلك فاخبره بأن حاله فى الدار الاخرة خير له وأعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي ﷺ فى الاخرة من الفضائل
فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الاية وروى البغوي بسنده من طريق ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا او المعنى وللاخرة اى الحالة الاخرة خير لك من الاولى ونهاية أمرك خير من بداية يعنى لا تزال تتصاعد فى الرفعة والكمال قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون واخرج الحاكم والبيهقي فى الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال عرض على رسول الله - ﷺ - ما هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل الله تعالى.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول اى يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك فى الأرضين فى الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه الا الله تعالى فى الاخرة وأفضل العطيات روية الله سبحانه على حسب كمال النبي - ﷺ - وأعلى درجات القرب قال رسول الله - ﷺ - اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وعن على ان رسول الله ﷺ قال اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى رضيت وقال عطا عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة فى أمتك حتى ترضى وهو قول على والحسن عليهما السلام وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي ﷺ قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبرئيل اذهب الى محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا تسؤك به رواه مسلم وروى حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن على يقول انكم معشر اهل العراق تقولون أرجى اية فى القران يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وانا اهل البيت نقول أرجى اية فى كتب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى واللام قيل للابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدا والتقدير ولانت سوف يعطيك لا للقسم فانها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على ان اللام لام القسم لا لاما لابتداء وقد علم انها ليس للابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف ثم عد الله سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل الله على ما سلف منه فقال.
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وان كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير اى اقرار المخاطب به
283
والمعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك الى عمك ابى طالب وضمك اليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله - ﷺ - سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى اى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى اى رب زعم اكثر الناس ان النبي ﷺ سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي ﷺ كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر اهل مكة فاغتم النبي ﷺ وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي ﷺ لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله ﷺ كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه الى الله سبحانه ويسمونها بالعروج والسير الى الله او السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه الى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة الى الله فيسرى نفسه فى هذه الحالة فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وايضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر الى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم
284
قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا ﷺ كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد ﷺ بما كان من القران ولاجل كمال نزول كان رسول الله - ﷺ - دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله ﷺ ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر وابو نعيم فى الحلية عن انس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح كان لتسلية النبي - ﷺ - فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما او فى بذروة الجبل لكى
يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي ﷺ لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه الى الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف التبليغ والتوجه الى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب وترضى ألم يجدك يتيما فاوى.
وَوَجَدَكَ عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ضَالًّا عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا
عن كل مالا طريق الى دركه الا السمع نظيره قوله تعالى وان كنت من قبله لمن الغافلين وقوله ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل ووجدك ضالا فى شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد الى جدك عبد المطلب كذا روى ابو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول الله - ﷺ - مع عمه ابى طالب فى قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فاخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبش ورده الى القافلة وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدرى من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك محبا عاشقا مفرطا فى الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغاط الطريق غالبا وفى الحديث حبك الشيء يعمى ويصم فهى تسمية السبب باسم المسبب كما فى قوله تعالى انزل الله من السماء من رزق يعنى من مطر قال الله تعالى عن اخوة يوسف ان أبانا لفى ضلال مبين وانك لفى ضلالك القديم وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا انّا لنريها فى ضلال مبين فَهَدى اى فهداك الى معالم الدين او الى جدك عبد المطلب او الى القافلة او عرفك نفسك وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه او هديك الى وصل محبوبك حتى كنت قاب قوسين او ادنى.
وَوَجَدَكَ عائِلًا فقيرا فَأَغْنى اى اعطاك بمال خديجة او بما حصل لك ربح فى التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير دفع الحاجة وان كان بالقليل لا بمالكية النصاب وقال مقاتل يعنى اغنى قلبك فارخاك بما اعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن النبي ﷺ غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى عنى النفس متفق عليه وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - ﷺ - قد أفلح من اسلم ورزق كفافا فقنعه الله بما أتاه رواه مسلم.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذه الجملة وما بعدها الى اخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله الم يجدك الى آخره الم نشرح لك او هى تذئيل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للارشاد غالبا وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فضل ما أجمل ذكره باما وأورد بالفاء للسببية فى فاما اليتيم فلا تقهر لان كونه ﷺ يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لامته وان كان
خطاب اليه بشرفه عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم بحسن اليه وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه قال - ﷺ - اما انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا يشير بإصبعيه رواه البغوي وكذا روى البخاري فى الأدب وابن ماجة وابو نعيم فى الحلية.
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فاما ان تطعمه واما ان ترده رد إلينا برفق وروى عن الحسن فى قوله واما السائل فلا تنهر قال طالب العلم إذا سال عن مسئلة فلا تنهره وعن ابن مسعود من كتم علما عن اهله الجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله ووجدك ضالا فهدى ويكون النشر على ترتيب اللف واما على التأويل الاول فيتصل بقوله ووجدك عائلا.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ع يعنى اشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال قال رسول الله - ﷺ - الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر رواه احمد وابن ماجة والدارمي بإسناد صحيح ورواه الترمذي من حديث ابى هريرة وعن اشعث بن قيس قال قال رسول الله - ﷺ - ان اشكر الناس لله اشكرهم للناس وفى رواية لا يشكر الله من لا يشكر الناس رواه احمد ورواته ثقاة وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله - ﷺ - قال من صنع اليه معروف فليجزيه فان لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فانه إذا اثنى عليه فقد شكر وان كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور رواه البغوي وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضى شكر المشائخ والاساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين قال المجاهد المراد بالنعمة فى الاية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك وقال الليث عن مجاهد يعنى القران وهو قول الكلبي امره ان يقراه فعلى هذا هذه الاية متصل بقوله ووجدك ضالا فهدى قال مقاتل اشكر ما ذكر فى هذه الاية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث
287
بنعمة الله شكر وهذا اظهر فان النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت او دنيوية واجب فعلى هذا هذه الاية متصل بالجمل الثلث المذكورات وقد ذكر ما فى هذه الاية من اختلاف القراءة فى الامالة والفتح فى اخر سورة الليل- (مسئله) يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة فى رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص فى سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد- (مسئله) تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله ﷺ انا سيد ولد آدم ولا فخر ونحو ذلك وقد ذكرنا فى سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محى الدين عبد القادر رضى الله عنه وكل ولى له قدم وانى على قدم النبي بدر الكمال وقوله قدمى هذه على رقبة كل ولى الله ومنه ما ذكر المجدد رض مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة واولى العزم ايضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا فى طينة النبي ﷺ وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال فى مثل هذه المقال فكانه أنكر هذه الاية الكريمة من الله ذى الجلال غير انه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الاجزاء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى فى ورطة انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين- (فصل) قال البغوي السنة فى قراءة اهل مكة ان يكبروا من أول السورة والضحى على راس كل سورة حتى يختم القران فيقول الله اكبر قال البغوي كذلك قرائته على الامام المقري ابى نصر محمد وذكر سلسلة اسناد قراءة ابى كثير وقال ابن كثير انه قرأ على مجاهد وهو على ابن عباس وهو على ابن كعب ثم ذكر سلسلة اخرى لاسناد قراءة ابى اسمعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت والضحى قال لى كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فانا قرأنا على ابن كثير فامرنا بذلك وأخبره ابن عباس انه قرأ على ابى بن كعب فامره بذلك وأخبره انه قرأ على النبي - ﷺ - فامره بذلك وكان سبب التكبير ان الوحى لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وردعه فاغتم النبي - ﷺ - لذلك فلما نزل والضحى كبر رسول الله - ﷺ - فرحا بنزول الوحى فاخذوه سنة انتهى
288
وما ذكره البغوي آخرا ذكره ابو عمرو الداني فى التيسير اولا وما ذكره اولا ذكره الداني آخرا فانه قال ان البزي
روى عن ابن كثير بإسناده انه كان يكبر اخر والضحى مع فراغته ومن كل سورة الى اخر قل أعوذ برب الناس يصل التكبير فان كان اخر السورة متحركا نحو إذا حسد والناس والأبتر وصل التكبير وأسقط همزة الوصل منه وان كان ساكنا نحو فحدّث وفارغب او منونا نحو توابا ولخبير ومن مسد حرك الساكن ونون التنوين بالكسر ووصل بالتكبير فان شاء القاري قطع عليه اى على التكبير وابتداء بالبسملة موصولة باول السورة التي بعدها قلت او مفصولة وان شاء وصل التكبير بالبسملة ووصل البسملة باول السورة ولا يجوز القطع على بسملة إذا وصلت التكبير بها يعنى إذا وصلت التكبير باخر السورة فالاحتمالات اربعة القطع على التكبير والبسملة او الوصل فيها او القطع على الاول دون الثاني او بالعكس فيجوز الثلاثة الاول ولا يجوز الرابع قال الداني وقد كان بعض اهل الأداء يقطع على اواخر السورة ثم يبتدئ بالتكبير موصولا بالبسملة قال ابو عمرو كذلك روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وبذلك قرأه على الفارسي عنه وهذا ما ذكره البغوي اولا قلت وبكلا الوجهين قرأت على الشيخ المقري صالح المصري وهو على شيخ القراء قدوة المتأخرين الشيخ عبد الخالق المتوفى وذكر الشيخ الصالح المصري صفة التكبير على رواية البزي لا اله الا الله والله اكبر فان قرأ التكبير أول سورة والضحى لا يقرأ بعد سورة والناس ولا يقطع على التكبير بين السورتين موصوله للتكبير بالأولى منها فان وصل التكبير باخر السورة الاولى وجب الوصل بين التكبير والبسملة وأول السورة جميعا وان قطع التكبير عن اخر السورة فله الخيار فى الوصل والقطع بين التكبير والبسملة وبينها وبين السورة والله تعالى اعلم.
289
Icon