تفسير سورة الصافات

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
مكية وفيها ومواضع ١.
١ أوصلها ابن الفرس إلى ثمان آيات..

– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠١:– قوله تعالى :﴿ فبشرناه بغلام حليم ( ١٠١ ) فلما بلغ معه السعي.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وفديناه بذبح عظيم ( ١٠٧ ) ﴾ :
قصة إبراهيم مع ابنه الذبيح عليهما السلام حجة لأهل السنة في جواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال. قال فقد أمر بفعل واحد ولم يعص في البدار إلى امتثاله ثم نسخ عنه قبل إيقاعه. وأنكر المعتزلة جواز هذا النسخ ١ واستعصت عليهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى تعسفوا في تأويلها وتفرقوا فرقا وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه :
أحدها : أن كان ذلك مناما لا أمرا. وهذا باطل لأن منام الأنبياء جزء من النبوة وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به. فلقد كانت نبوة بعض الأنبياء بمجرد المنام. ويدل على كونه أمرا قول ولده :﴿ افعل ما تؤمر ﴾ ولو لم يؤمر لكان كاذبا ولأنه لا يجوز قصد الذبح بمنام لا أصل له.
والثاني : أنه أمر لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم بالذبح، ولو لم يكن مأمورا به. وهذا باطل لأن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث : أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدا فكيف يكون أمرا بما يعلم امتناعه.
والرابع : أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس : جحود النسخ وأنه ذبح امتثالا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحا، لأن ذابح لا مذبوح لا محال. وهذا القول أيضا محال لأن الفداء كيف ٢ يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها كانت خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى :﴿ إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ [ المجادلة : ١٢ ] ثم قال تعالى :﴿ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ﴾ [ المجادلة : ١٣ ] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة/ إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل الامتثال، ولا تحتاج المعتزلة إلى الاعتذار. قال لأن الذبح إنما كان برؤيا وللرؤيا أسماء وكنى، وإنما تحمل على الأسماء حتى يدل الدليل على الكنى كما تحمل الأحكام على ظاهر الأمر والنهي حتى يدل الدليل على التأويل. فلما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده – ورؤيا الأنبياء وحي – بادر إلى الأخذ بالظاهر وشرع في امتثال هذا الأمر. فلما فعل ذلك أوحى الله تعالى إليه أن :﴿ قد صدقت الرؤيا ﴾ وفدي الابن بذبح أي بكبش إذ كان ذبح الابن عند الله تعالى كناية عن ذبح الكبش. فليس في الآيتين على هذا نسخ وإنما فيها التبيين للرؤيا وأن المراد بذبح الابن ذبح الكبش، فكنى عن الكبش بالابن وصار بعد ذلك الذبح سنة إلى يوم القيامة. ولما كان الذبيح٣ إسماعيل صلى الله عليه وسلم فعل ٤ ذلك بنوه من لدنه إلى وقتنا هذا، ولو كان الذبيح إسحاق ما ترك اليهود الذبح في يوم النحر بوجه ولو على حال. وقد احتج قوم من العلماء بهذه الآية في مصيرهم إلى أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة. وأنكر غيرهم هذا الاستدلال ورأوا أن نذر ذبح الولد معصية فلا يكون فيه فداء بخلاف ذبح إبراهيم لولده فإنه كان ممتثلا لأمر الله تعالى فيه، ثم فداه الله تعالى بالذبح تفضلا منه، والفرق بين.
١ راجع قولهم والرد عليهم في التفسير الكبير ٢٦/ ١٥٢ – ١٥٨..
٢ في (أ)، (ز): "لا يحتاج إليه"..
٣ في (أ)، (ب)، (د)، (ز): "المذبوح"..
٤ في (أ)، (د)، (هـ)، (ز): "اشتمل"..

– قوله تعالى :﴿ فساهم فكان من المدحضين ( ١٤١ ) ﴾ :
فيه دليل على أن الحكم بالقرعة على ما تقدم في نظيره في آل عمران. وقد مر الكلام عليه بما فيه الكفاية.
Icon