ﰡ
يتحدث كتاب الله عن الرسالة الأولى التي كلف الله بها رسوله نوحا عليه السلام، وما دعاهم إليه من عبادة الله وتقواه، وما حضهم عليه من طاعة الله ورسوله لنيل غفرانه ورضاه، وما حذرهم منه من حلول الأجل وهم غافلون، وحلول النقمة وهم مستكبرون، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم١ قال يا قوم إني لكم نذير مبين٢ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون٣ يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون٤ ﴾،
ففي هذه الآية يؤكد كتاب الله لرسوله والمؤمنين والناس أجمعين، أن مصدر الرسالة، ومنبعها الأول والأخير، كان ولا يزال في جميع العهود، وبالنسبة لجميع الأنبياء والرسل، من عهد نوح عليه السلام إلى عهد سيدنا محمد خاتم النبيئين والمرسلين، هو الله تعالى خالق الخلق ومصدر الوجود، فهو الذي خلق الخلق وأرسل إليهم الرسل، لهدايتهم إلى سواء السبيل، وهو الذي كلف رسله جميعا بالدعوة إلى عبادة الله وتقواه، وإلى طاعة رسله فيما يبلغونه عن الله :﴿ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ﴾، لكن قوم نوح لم تزدهم دعوة رسولهم إلا عنادا واستكبارا، ولم يزدهم إلحاحه على هدايتهم، وحرصه على إنقاذهم، إلا نفورا منه وفرارا، وأصروا على كفرهم إصرارا، رغما عن كل ما بذله نوح عليه السلام من محاولات طويلة ومضنية لإصلاح حالهم، وما عرض عليهم من وعد الله حينا ووعيده حينا، ورغما عما لفت أنظارهم إليه من دلائل القدرة الإلهية، وآثار الحكمة الربانية، في آفاق الكون الظاهرة، وآفاق النفس الباطنة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى حكاية على لسان نوح عليه السلام :﴿ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا٥ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا٦وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا٧ ثم إني دعوتهم جهارا٨ ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا٩ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا١٠ يرسل السماء عليكم مدرارا١١ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا١٢ ما لكم لا ترجون لله وقارا١٣ وقد خلقكم أطوارا١٤ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا١٥ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا١٦ والله أنبتكم من الأرض نباتا١٧ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا١٨ والله جعل لكم الأرض بساطا١٩ لتسلكوا منها سبلا فجاجا٢٠ ﴾.
ومما يجب التنبيه إليه في هذا المقام أن " أسلوب الدعوة " الذي حكاه كتاب الله عن نوح عليه السلام لا يختلف في شيء عن أسلوب الدعوة الذي استعمله خاتم النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما أن الحجج والبراهين الكونية والنفسية التي كان نوح يقارع بها قومه هي نفس الحجج والبراهين التي واجه بها رسول الله مشركي قريش ومن لف لفهم، وسلك طريقهم، مما يوضح لكل ذي عينين أن طبيعة الرسالة الإلهية واحدة، وأن مصدر الوحي الإلهي واحد، وأن الشبه التي تعرض لقصار النظر، والضلالات التي يقعون فيها، على تباعد ما بين العصور والأجيال، هي شبه وضلالات متقاربة، إن لم تكن متماثلة في أغلب الأحيان، وكما أن الداء البشري واحد، فالدواء الإلهي واحد.
وهذه الأصنام وغيرها قد استمرت تقاليد عبادتها إلى حين ظهور الإسلام، إذ انتقلت عدواها من قوم نوح إلى العرب، فكان لقبيلة كلب صنم يدعى " ودا "، وكان لقبيلة هذيل صنم يدعى باسم " سواع "، وكان لقبيلة مراد ثم لبني غطيف صنم يدعى باسم " يغوث "، وكان لقبيلة همدان صنم يدعى باسم " يعوق "، وكان " نسر " صنما لقبيلة حمير.
وهذه الأصنام وغيرها قد استمرت تقاليد عبادتها إلى حين ظهور الإسلام، إذ انتقلت عدواها من قوم نوح إلى العرب، فكان لقبيلة كلب صنم يدعى " ودا "، وكان لقبيلة هذيل صنم يدعى باسم " سواع "، وكان لقبيلة مراد ثم لبني غطيف صنم يدعى باسم " يغوث "، وكان لقبيلة همدان صنم يدعى باسم " يعوق "، وكان " نسر " صنما لقبيلة حمير.
وقوله تعالى :﴿ وقد أضلوا كثيرا... ٢٤ ﴾، إشارة إلى هذا المعنى، إذ إن السابقة الخبيثة والسنة السيئة التي سنها قوم نوح قد انتقلت عدواها منهم إلى غيرهم من البشر، ولا تزال عبادة الأصنام قائمة إلى اليوم في عدة شعوب أضلها سادتها وكبراؤها، ولولا أن من الله على البشرية بالإسلام لكان كثير من أبنائها حتى اليوم غارقا في عبادة الأصنام، وإلى تقرير هذه الحقيقة نفسها يشير دعاء إبراهيم الخليل بعد نوح عليهما السلام، فقد حكى الله تعالى عن إبراهيم قوله في دعائه :﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ﴾ ( إبراهيم : ٣٥، ٣٦ ).
ثم أخذت الآيات الكريمة تسجل أدعية نوح على الضالين المضلين من قومه، بعد أن استفرغ جهده في هدايتهم، واستنفد طاقته في دعوتهم، ولم يصل معهم إلى أية نتيجة مرضية، وذلك قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا٢٤ ﴾، وقوله تعالى عنه أيضا :﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا٢٦ ﴾، أي : لا تبق منهم أحدا على وجه الأرض.
على أن الدافع الذي دفع نوحا عليه السلام إلى الدعاء على قومه بالإبادة والهلاك لم يكن مجرد الرغبة في الانتقام منهم، على عدم استجابتهم إلى دعوته، وعدم إيمانهم برسالته، وإنما كان دعاؤه عليهم اقتناعا منه بأنهم قد بلغوا في الانحراف والفساد والضلال، إلى حد أنه لم يبق أي أمل في هدايتهم، ولا أدنى رجاء في إصلاحهم، فقد أصبح مرضهم مزمنا وداؤهم عضالا، والعضو المتآكل لا ينفع فيه إلا البتر، " وآخر الدواء الكي " وإلى هذا المعنى المبرر لدعاء نوح عليه السلام على قومه، يشير قوله تعالى حكاية عنه وهو يخاطب ربه قائلا :﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا٢٧ ﴾.
وهذه الأصنام وغيرها قد استمرت تقاليد عبادتها إلى حين ظهور الإسلام، إذ انتقلت عدواها من قوم نوح إلى العرب، فكان لقبيلة كلب صنم يدعى " ودا "، وكان لقبيلة هذيل صنم يدعى باسم " سواع "، وكان لقبيلة مراد ثم لبني غطيف صنم يدعى باسم " يغوث "، وكان لقبيلة همدان صنم يدعى باسم " يعوق "، وكان " نسر " صنما لقبيلة حمير.
وقوله تعالى :﴿ وقد أضلوا كثيرا... ٢٤ ﴾، إشارة إلى هذا المعنى، إذ إن السابقة الخبيثة والسنة السيئة التي سنها قوم نوح قد انتقلت عدواها منهم إلى غيرهم من البشر، ولا تزال عبادة الأصنام قائمة إلى اليوم في عدة شعوب أضلها سادتها وكبراؤها، ولولا أن من الله على البشرية بالإسلام لكان كثير من أبنائها حتى اليوم غارقا في عبادة الأصنام، وإلى تقرير هذه الحقيقة نفسها يشير دعاء إبراهيم الخليل بعد نوح عليهما السلام، فقد حكى الله تعالى عن إبراهيم قوله في دعائه :﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ﴾ ( إبراهيم : ٣٥، ٣٦ ).
ثم أخذت الآيات الكريمة تسجل أدعية نوح على الضالين المضلين من قومه، بعد أن استفرغ جهده في هدايتهم، واستنفد طاقته في دعوتهم، ولم يصل معهم إلى أية نتيجة مرضية، وذلك قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا٢٤ ﴾، وقوله تعالى عنه أيضا :﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا٢٦ ﴾، أي : لا تبق منهم أحدا على وجه الأرض.
على أن الدافع الذي دفع نوحا عليه السلام إلى الدعاء على قومه بالإبادة والهلاك لم يكن مجرد الرغبة في الانتقام منهم، على عدم استجابتهم إلى دعوته، وعدم إيمانهم برسالته، وإنما كان دعاؤه عليهم اقتناعا منه بأنهم قد بلغوا في الانحراف والفساد والضلال، إلى حد أنه لم يبق أي أمل في هدايتهم، ولا أدنى رجاء في إصلاحهم، فقد أصبح مرضهم مزمنا وداؤهم عضالا، والعضو المتآكل لا ينفع فيه إلا البتر، " وآخر الدواء الكي " وإلى هذا المعنى المبرر لدعاء نوح عليه السلام على قومه، يشير قوله تعالى حكاية عنه وهو يخاطب ربه قائلا :﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا٢٧ ﴾.