تفسير سورة الغاشية

السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
تفسير سورة سورة الغاشية من كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير .
لمؤلفه الشربيني . المتوفي سنة 977 هـ
مكية بالإجماع، وهي ست وعشرون آية واثنان وتسعون كلمة وثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفاً.
﴿ بسم الله ﴾ علام الغيوب ﴿ الرحمن ﴾ كاشف الكروب ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بالعفو عن الذنوب.

وقوله سبحانه وتعالى :﴿ هل أتاك حديث الغاشية ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنّ هل بمعنى قد، أي : قد جاءك يا أشرف الخلق حديث الغاشية، كقوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ﴾ [ الإنسان : ١ ]. قال قطرب : والثاني : أنه استفهام على حاله، وتسميه أهل البيان التشويق، والمعنى : إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي، والغاشية : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها وهي القيامة من قوله :﴿ يوم يغشاهم العذاب ﴾ [ العنكبوت : ٥٥ ] وقيل : هي النار من قوله تعالى :﴿ وتغشى وجوههم النار ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ] ﴿ ومن فوقهم غواش ﴾ [ الأعراف : ٤١ ]. وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى الخلق. وقيل : الغاشية أهل النار يغشونها ويقتحمون فيها.
﴿ وجوه ﴾، أي : كثيرة جدّاً كائنة ﴿ يومئذ ﴾، أي : يوم إذ غشيت ﴿ خاشعة ﴾، أي : ذليلة من الخجل والفضيحة والخوف من العذاب، والمراد بالوجوه في الموضعين : أصحابها.
﴿ عاملة ناصبة ﴾، أي : ذات نصب وتعب. قال سعيد بن جبير عن قتادة : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله تعالى فأعملها الله تعالى وأنصبها في النار بجرّ السلاسل الثقال وحمل الأغلال، والوقوف حفاة عراة في العَرَصَات في يوم كان مقداره ألف سنة. وقال ابن مسعود : تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل. وقال الحسن : لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب له فأعملها وأنصبها في جهنم. وقال ابن عباس : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى على الكفر، مثل عبدة الأوثان والرهبان وغيرهم لا يقبل الله تعالى منهم إلا ما كان خالصاً له. وعن علي أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :«تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية » الحديث.
وقرأ ﴿ تصلى ﴾ أبو عمرو وشعبة بضم التاء الفوقية على ما لم يسم فاعله، والباقون بفتحها على تسمية الفاعل، والضمير على كلتا القراءتين للوجوه. والمعنى : تدخل ﴿ ناراً حاميةً ﴾، أي : شديدة الحرّ قد أحميت وأوقدت مدّة طويلة، ومنه حمى النار بالكسر، أي : اشتدّ حرّه. وحكى الكسائي اشتدّ حمى الشمس وحموها بمعنى. قال صلى الله عليه وسلم «أوقد عليها ألف سنة حتى احمرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسوّدت فهي سوداء مظلمة ». وقيل : المصلى عند العرب أن يحفروا حفيراً فيجمعون فيه جمراً كثيراً، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأمّا ما شوي فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور فلا يسمى مصلياً.
ولما بين تعالى مكانهم ذكر شرابهم فقال تعالى :﴿ تسقى من عين آنية ﴾، أي : شديدة الحرارة كقوله تعالى :﴿ بين حميم آن ﴾ [ الرحمن : ٤٤ ] متناه في الحرارة. روي أنه لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لأذابتها.
ولما ذكر تعالى شرابهم أتبعه بذكر طعامهم فقال تعالى :﴿ ليس لهم طعام إلا من ضريع ﴾ قال مجاهد : هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض تسميه قريش الشبرق، فإذا هاج سموه الضريع، وهو أخبث طعام وأبشعه. قال الكلبي : لا تقربه دابة إذا يبس. وقال ابن زيد : أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق، وهو في الآخرة شوك من نار. وجاء في الحديث عن ابن عباس يرفعه :«الضريع شيء في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة، وأشد حرّاً من النار » قال أبو الدرداء والحسن :«إنّ الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون فيعطشهم ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية لا هنيئة ولا مريئة، فلما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها فإذا وصل بطونهم قطعها فذلك قوله تعالى :﴿ وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم ﴾ [ محمد : ١٥ ]. قال بعض المفسرين : فلما نزلت هذه الآية قال المشركون : إنّ إبلنا لتسمن على الضريع، وكذبوا في ذلك فإنّ الإبل إنما ترعاه ما دام رطباً ويسمى شبرقاً فإذا يبس لا يأكله شيء. قال أبو ذؤيب يصف حماراً :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وصار ضريعاً بان عنه النحائص
والنحوص : من الأتن التي لا لبن لها.
ولما قالوا ذلك أنزل الله تعالى تكذيباً لهم :﴿ لا يسمن ولا يغني ﴾، أي : يكفي كفاية مبتدأة ﴿ من جوع ﴾ فلا يحفظ الصحة ولا يمنع الهزال فنفى السمن والشبع عنه، وعلى تقدير أن يصدقوا فيكون المعنى : أنّ طعامكم من ضريع ليس من جنس ضريعكم إنما هو ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. فإن قيل : كيف قيل :﴿ ليس لهم طعام إلا من ضريع ﴾ وفي الحاقة :﴿ ولا طعام إلا من غسلين ﴾ [ الحاقة : ٣٦ ] ؟ أجيب : بأنّ العذاب ألوان والمعذبون طبقات، فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع لكل باب منهم جزء مقسوم.
ولما ذكر تعالى وعيد الكفار أتبعه بشرح أحوال المؤمنين فقال تعالى :﴿ وجوه يومئذٍ ﴾، أي : يوم تغشى الناس ووصفها بصفات الأولى قوله تعالى :﴿ ناعمة ﴾، أي : ذات بهجة وحسن كقوله تعالى :﴿ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ﴾ [ المطففين : ٢٤ ] أو متنعمة. قال مقاتل : في نعمة وكرامة.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿ لسعيها ﴾، أي : في الدنيا بالأعمال الصالحة ﴿ راضيةٌ ﴾، أي : في الآخرة بثواب سعيها حين رأت ما أدّاهم إليه من الكرامة.
الصفة الثالثة قوله تعالى :﴿ في جنة ﴾ ثم توصف الجنة بصفات الأولى قوله تعالى :﴿ عالية ﴾، أي : علية المحل والقدر.
والصفة الثانية : قوله تعالى :﴿ لا يسمع فيها لاغية ﴾ قرأ بالتاء الفوقية نافع مضمومة لاغية بالرفع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء التحتية مضمومة لاغية بالرفع لقيامها مقام الفاعل، والباقون بالتاء الفوقية مفتوحة لاغية بالنصب فيجوز أن تكون التاء للخطاب، أي : لا تسمع أنت وأن تكون للتأنيث، أي : لا تسمع الوجوه واللغو. وقال ابن عباس : الكذب والبهتان والكفر بالله تعالى. وقال قتادة : لا با طل ولا إثم. وقال الحسن : هو الشتم. وقال الفراء : الحلف الكاذب، والأولى كما قيل : لا يسمع في كلامهم كلمة ذات لغو، وإنما يتكلمون بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم وهذا أحسن الأقوال قاله القفال. وقال الكلبي : لا يسمع في الجنة حالف بيمين لا برّة ولا فاجرة.
الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿ فيها ﴾، أي : الجنة ﴿ عين جارية ﴾ قال الزمخشري : يريد عيوناً في غاية الكثرة كقوله تعالى :﴿ علمت نفس ﴾ [ التكوير : ١٤ ] وقال القفال : فيها عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود، وتجري لهم كما أرادوا.
الصفة الرابعة : قوله تعالى :﴿ فيها سرر مرفوعة ﴾، أي : عالية في الهواء. قال ابن عباس : ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة في السماء ما لم يجيء أهلها، فإذا أرادوا أن يجلسوا عليها تواضعت ثم ترتفع على مواضعها.
الصفة الخامسة قوله تعالى :﴿ وأكواب موضوعة ﴾ جمع كوب، وهي الكيزان التي لا عرى لها. قال قتادة : فهي دون الإبريق.
وفي قوله تعالى :﴿ موضوعة ﴾ وجوه أحدها : أنها معدّة لأهلها كالرجل يلتمس من الرجل شيئاً فيقول هو هاهنا موضوع بمعنى معدّ. ثانيها : موضوعة على حافات العين الجارية كلما أرادوا الشرب وجدوها مملوءة من الشراب. ثالثها : موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها بسبب كونها من ذهب أو فضة أو من جواهر وتلذذهم بالشرب فيها رابعها : أن يكون المراد موضوعة عن حدّ الكبر، أي : هي أوساط بين الكبر والصغر كقوله ﴿ قدّروها تقديراً ﴾ [ الإنسان : ١٦ ].
الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿ ونمارق ﴾ وهي الوسائد، واحدها : نمرقة بضم النون والراء وكسرهما لغتان أشهرهما الأولى وهي وسادة صغيرة قالت :
نحن بنات طارق *** نمشي على النمارق
﴿ مصفوفة ﴾ أي : واحدة على جنب واحدة أخرى قال الشاعر :
كهولاً وشباناً حساناً وجوههم *** لهم سرر مصفوفة ونمارق
الصفة السابعة : قوله تعالى :﴿ وزرابيّ ﴾ وهي جمع زربية بفتح الزاي وكسرها لغتان مشهورتان وهي بسط عراض فاخرة. وقال ابن عباس : الطنافس التي لها خمل، أي : وبر رقيق. واختلف في قوله تعالى :﴿ مبثوثة ﴾ فقال قتادة : مبسوطة. وقال عكرمة : بعضها فوق بعض. وقال الفراء : كثيرة. وقال القتيبي : مفرّقة في المجالس. قال القرطبي : وهذا أصح فهي كثيرة متفرّقة ومنه قوله تعالى :﴿ وبث فيها من كل دابة ﴾ [ البقرة : ١٦٤ ].
ولما ذكر تعالى أمر الدارين تعجب الكفار من ذلك فكذبوه وأنكروه فذكرهم الله تعالى صنعه وقدرته بقوله تعالى :﴿ أفلا ينظرون ﴾، أي : المنكرون لقدرته سبحانه وتعالى على الجنة، وما ذكر فيها، والنار وما ذكر فيها، أي : نظر اعتبار. ﴿ إلى الإبل ﴾ ونبه على أنه عجيب خلقها مما ينبغي أن تتوفر الدعاوي على الاستفهام والسؤال عنه بأداة الاستفهام، فقال تعالى :﴿ كيف خلقت ﴾، أي : خلقاً عجيباً دالاً على كمال قدرته وحسن تدبيره، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرّها إلى البلاد النائية فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعارض ضعيفاً ولا تنازع صغيراً وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار. وعن بعض الحكماء أنه حدّث عن البعير وبديع خلقه وقد نشأ في بلاد لا إبل بها فتفكر، ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق وحين أراد بها أن تكون سفائن البرّ صبرها على احتمال العطش، حتى إنّ ظماءها لتصبر على عشر فصاعداً ليتأتى لها قطع البراري والمفاوز مع ما لها من منافع أخر، ولذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المثبتة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعاً، ولأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع لأنها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا ترعاه سائر البهائم.
وعن سعيد بن جبير قال : لقيت شريحاً القاضي فقلت له : أين تريد ؟ قال : أريد الكناسة، قلت : وما تصنع بها ؟ قال : أنظر إلى الإبل كيف خلقت.
تنبيه : الإبل اسم جمع واحده بعير وناقة وجمل ولا واحد لها من لفظها. وقال المبرد : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب. قال الثعلبي : ولم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمة. وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أظهرهما : أنها الإبل، والثاني : أنها السحاب فإن كان المراد بها السحاب فلما فيها من الآيات والدلالات الدالة على قدرته والمنافع العامّة لجميع خلقه، وإن كان المراد بها الإبل فلأنّ الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوانات لأنّ ضروب الحيوان أربعة حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النعمة بها أعم وظهور القدرة فيها أتم وقيل للحسن : الفيل أعظم من الأعجوبة فقال العرب : بعيدة العهد بالفيل ثم هو لا يؤكل لحمه ولا يركب ولا يحلب درّه.
﴿ وإلى السماء ﴾ التي هي من جملة مخلوقاتنا ﴿ كيف رفعت ﴾، أي : رفعاً بعيداً بلا إمساك وبغير عمد على ما لها من السعة والكبر والثقل والإحكام، وما فيها من الكواكب والغرائب والعجائب.
﴿ وإلى الجبال ﴾، أي : الشامخة وهي أشد الأرض ﴿ كيف نصبت ﴾ نصباً ثابتاً فهي راسية لا تميل ولا تزول كما قال تعالى :﴿ وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ﴾ [ الأنبياء : ٣١ ].
﴿ وإلى الأرض ﴾، أي : على سعتها ﴿ كيف سطحت ﴾ سطحاً بتمهيد وتوطئة فهي مهاد للتقلب عليها. واستدلّ بعضهم بذلك على أنّ الأرض ليست بكرة. قال الرزاي : وهو ضعيف لأنّ الكرة إذا كانت في غاية العظمة تكون كل قطعة منها كالسطح. فإن قيل : كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة ؟ أجيب : بأنّ من فسرها بالسحاب فالمناسبة ظاهرة، وذلك على طريق التشبيه والمجاز، ومن فسرها بالإبل فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين :
أحدهما : أنّ القرآن نزل على العرب وكانوا يسافرون كثيراً ويسيرون عليها في أوديتهم وبواديهم مستوحشين ومنفردين عن الناس، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكر في الأشياء لأنه ليس معه من يحادثه وليس هناك ما يشغل به سمعه وبصره، فلا بدّ من أن يجعل دأبه التفكر فإذا تفكر في تلك الحال فأوّل ما يقع بصره على البعير الذي هو راكبه فيرى منظراً عجيباً، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء وإن نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال، وإن نظر إلى تحت لم ير غير الأرض فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النظر.
ثانيهما : أنّ جميع المخلوقات دالة على الصانع جلت قدرته إلا أنها قسمان منها ما للشهوة فيه حظ كالوجه الحسن والبساتين النزهة والذهب والفضة، فهذه مع دلالتها على الصانع قد يمنع استسحانها عن كمال النظر فيها ومنها ما لا حظ فيه للشهوة كهذه الأشياء فأمر بالنظر فيها ؛ إذ لا مانع من إكمال النظر فيها. وقال عطاء عن ابن عباس : كأن الله تعالى يقول هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء، أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غيري.
ولما بين تعالى الدلائل على صحة التوحيد والمعاد قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم :﴿ فذكر ﴾، أي : بنعم الله تعالى ودلائل توحيده وعظهم بذلك وخوّفهم يا أشرف الخلق ﴿ إنما أنت مذكر ﴾ فلا عليك أن لا ينظروا ولم يذكروا أو ما عليك إلا البلاغ كما قال تعالى :﴿ إن عليك إلا البلاغ ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].
﴿ لست عليهم بمسيطر ﴾، أي : بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان كقوله تعالى :﴿ وما أنت عليهم بجبار ﴾ [ ق : ٥٠ ] وهذا قبل الأمر بالجهاد. وقرأ هشام بالسين وقرأ حمزة بخلاف عن خلف بإشمام الصاد كالزاي، والباقون بالصاد الخالصة.
وقوله تعالى :﴿ إلا من تولى ﴾ استثناء منقطع، أي : لكن من تولى عن الإيمان ﴿ وكفر ﴾، أي : بالقرآن.
﴿ فيعذبه الله ﴾، أي : الذي له الكمال كله بسبب تكبره عن الحق ومخالفته لأمرك ﴿ العذاب الأكبر ﴾، أي : عذاب الآخرة لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر. وقيل : استثناء متصل فإنّ جهاد الكفار وقتلهم تسليط فكأنه أوعدهم بالجهاد في الدنيا وعذاب النار في الآخرة وقيل : هو استثناء من قوله تعالى :﴿ فذكر ﴾ إلا من انقطع طمعك من إيمانه، وتولى فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض.
﴿ إن إلينا ﴾، أي : خاصة بما لنا من العظمة ﴿ إيابهم ﴾، أي : رجوعهم بعد البعث.
﴿ ثم إنّ علينا ﴾، أي : خاصة بما لنا من القدرة والتنزه عن نقص العيب والجور وكل نقص لا على غيرنا ﴿ حسابهم ﴾، أي : جزاءهم فلا نتركه أبداً، وفي هذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه كان يشق عليه تكذيبهم.
فإن قيل : ما معنى تقديم الظرف ؟ أجيب : بأنّ معناه التشديد في الوعيد، وإنّ إيابهم إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، وإنّ حسابهم ليس إلا عليه وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير.
Icon